رواية ظننتك قلبي الفصل السادس والعشرون 26 - بقلم قوت القلوب
الفصل السادس والعشرون « دوائر ضبابية ...؟!! »
سلام على من ظننا أننا نسيناهم ، نحن أبرياء من هذا الظن فقد توغل بقائهم بنفوسنا وأصبحنا مرضى بذكراهم ، وحين يأتي طيفهم تُعمى أعيننا و تصبح رؤيتنا كصراع مع الدخان في دوائر ضبابية ...
بيت النجار (شقة فخري) ...
تَوقَع الأسوء من تلك الحقودة لكنه لم يمر بذهنه أن قلبها مفعم بهذا السواد ، رغم أنه يوم الجمعة إلا أن "فخري" قد إعتاد الذهاب للوكالة عوضًا عن الراحة والإسترخاء بالبيت ، هذه الجدران التى يشعر بداخلها بالغربة لكنها بالنهاية تسمى بيت ..
فور خروجه هذا الصباح تذكر أنه قد نسي محفظته بغرفته ليعود أدراجه مرة أخرى ، هدوء تجلى بالشقة بعد مغادرته فيبدو أن "صباح" بالشرفة مع إبنته "راويه" ليدلف لغرفة النوم دون أن ينتبه أحدهم لعودته ...
دقات أعلنت مجئ زائر بهذا الوقت الغريب ليستمع "فخري" دون قصد منه لحوار دار بين "صباح" و زائرة الصباح "ريهام" زوجة إبنه "مأمون" ليفاجئ بالنهاية بتهديد "ريهام" لـ"صباح" بإخباره بالأسحار التى تقوم بها ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
وقف مذهولًا من تلك قبيحة القلب والملامح ، كيف لها أن تُدنس حياتهما بسحر لإجباره على تقبل حياته معها والتى طالما تسائل لمَ مازال متحملًا زواجه منها ؟!! لمَ يشعر بأنه مجبر على التقبل والصمت ؟!!
الآن فقط علم السر ، إنه لم يكن يتصرف بطبيعته بل كانت تطعمه السحر ليبقى ...
ثورة دبت بدمائه ليصرخ بها بغضب لم يخرجه منذ أكثر من ثلاثون عام هاتفًا بتلك البغيضة ...
- "صبااااااح" ...!!!!
إلتفت "صباح" مذعورة تجاه مصدر الصوت متفاجئة من وجود زوجها بالبيت فقد خرج للوكالة منذ قليل لتهتف بصدمة وهي تشهق بقوة ضاربة صدرها السميك ...
- "فخري" ...!!!!!!!!
كانت تلك فرصة "ريهام" للهرب لتتجه مسرعة نحو باب الشقة هاربة من مواجهة والد زوجها كما لو أنها لم تفعل أو تتفوه بشئ لتترك "صباح" تواجه ثورة زوجها بمفردها ...
إرتجاف شديد سار بأوصالها وهي تتعثر بكلماتها أمام عيناه الغاضبتان ووجهه المحتقن بحمرة متوهجة ، غضب لم ترى مثله من قبل بهذا الرجل هادئ الطباع ، جف حلقها تمامًا وهي تبحث عن بعض حروفها المشتتة للرد عليه ، لتردف بتحشرج ونبرة مذعورة مرتجفة ...
- إنت ... هنا ... يا أخويا ...!!!
سؤال لا معنى له ولا إجابة له أيضًا ليدنو منها وقد إتقدت عيناه بشرر يضغط بقوة فوق مرفقها السمين معنفًا إياها ...
- إيه إللي أنا سمعته ده ؟!! إنتِ ، بتعمليلي أعمال وتحطيهالي في الأكل ، عشان أفضل مكمل معاكِ !!!!!
ثم أكمل مستنكرًا ...
- فعلًا ، هو إنتِ حد يطيقك إلا مغصوب ، إنتِ إيه ، كافره ؟!!
بصعوبة شديدة حاولت الدفاع عن نفسها ...
- ده يا أخويا ، من خوفي ، عليك ، ده أنا غلبانة ومسكينة ...
بنفور تام عقب "فخري" ..
- ده إنتِ سارقاكِ السكينة ، حد يغضب ربنا كدة ، وأنا بقول لروحي ، إزاي قدرت أستحمل حياتي معاكِ كل السنين دي ، إزاي قدرت أعيش مع واحدة زيك ، أنا كنت بستغرب نفسي ليه ساكت وراضي ، غلطة عمري إني إتجوزتك ...
جبل ينهار تمامًا فوق رأسها ، كل ما قامت ببنائه يهدم فوق رأسها بلحظات ، أخذت تبحث بفكرها المحدود عن مخرج لتلك الورطة لتتذكر "زكيه" التى لاح طيفها أمامها ...
- لا يا أخويا ، دي تلاقيها الخدامة وبناتها ، هم إللي عكروا الدنيا ما بينا ، ده أنا بحبك وربنا يا سي "فخري" ، أنا يمكن صوتي عالي شوية بس قلبي أبيض زي اللبن الحليب ...
ضحكة ساخرة من سذاجة تفكيرها المحدود أطلقها "فخري" قبل أن يجيبها بإشمئزاز ...
- إنتِ فاكراني جاهل زيك وحيخيل عليا الكلمتين دول ، أنا خلاص فوقت من القرف إللي بتعمليه ، بترمي بلاكِ على ناس أشراف ، إللي الله أعلم عملتي فيهم إيه هم كمان ...
توهجت نفس "صباح" الشرسة فقد دبت الغيرة مرة أخرى بقلبها ...
- إنت بتدافع عنها يا سي "فخري" !!! مش هي دي إللي إنت كنت عاوز تتجوزها ؟!! مش هي دي إللي كانت حتخرب بيتي ..!!!!
ترك "فخري" مرفقها يلوم نفسه على الإنصياع لتلك المرأة لسنوات طويلة ...
- ويا ريتني إتجوزتها وحاجيت على بنات أخويا ، ست طيبة وفي حالها مش زيك ، مش عيب إنها شالت المر عشان تربي بناتها إللي إحنا مرضيناش نصرف عليهم فلوس أبوهم ، ست الدنيا لطمتها عشان تربيهم بالحلال ،(ثم وجه لها إتهامه وتقززه منها ) ، لكن إنتِ روحتي للحرام برجليكِ ، إنتِ الشر نفسه ، إنتِ الشيطان ، أنا لا يمكن أعيش معاكِ بعد كدة ، لا يمكن أقبل تكوني على ذمتي ، من النهاردة ملناش عيش مع بعض ، إنتِ طالق ، طالق ، طالق ...
فغرت فاها بقوة وتوسعت عيناها الجاحظتان بصدمة فما كانت تخشاه منذ زواجها منه حدث ، لقد طلقها من تعشقه حتى النخاع ، طلقها من سعت إليه بكل الطرق السليمة والملتوية ، تدمرت حياتها و خُرب بيتها ، خرج إبنها عن طوعها ، ماذا كان سيحدث بعد ، ألم تقم بتلك الأسحار لإفساد حياة "زكيه" ، لم فَسدَت حياتها و خُرب بيتها و عشها الساكن ، لقد تطلقت من حب عمرها وأبو أولادها و سكنها ...
تهدلت لتسقط جالسة مذهولة مصدومة لترفع مقلتيها تجاه "فخري" تستجديه أن يرحمها ويسامحها ...
- حقك عليا يا أخويا ، أنا غلطانه والغلط راكبني من ساسي لراسي بس أبوس رجلك بلاش تطلقني ، ده أنا عملت كل ده من حبي فيك ...
تطلع "فخري" بها لبعض الوقت دون رد ، متحيرًا كيف كان يقبل تلك المرأة من الأساس ، لقد أزيلت غشاوة عن عيناه برؤيتها على حقيقتها ومكرها المخادع ، إنها لم تكن تصلح له زوجة ولو ليوم واحد ، كيف صبر و بقى معها لعشرات السنوات ، لقد تحرر أخيرًا من قيده ولن يعود إليه ، رمقها بتقزز قائلًا ...
- ده أنا ربنا نجدني منك ، خلاص ، عمري ما حرجع أرمي نفسي تاني مع واحدة شيطانة زيك ، أنا ماشي والبيت ده مش راجعه تاني ، أنا حطلع من هنا وأعيش إللي معرفتش أعيشه معاكِ ، ومش عاوز أشوف وشك ده تاني ، وورقة طلاقك بكرة تكون عندك ...
أنهى حديثه مغادرًا الشقة يتنفس هواء نقيًا بملئ رئتيه فقد كان سجينًا تلك المقبرة وليس البيت ، فاق أخيرًا من رؤيته الضبابية التى كانت تغشى عيناه وها هو حر طليق ، إنطلق بطريقه مبتعدًا وبكل خطوة تتملكه سعادة غابت عن قلبه لسنوات ، سعادة ظن أنها قد إنتهت تمامًا من حياته ، لقد مزق صفحة كان واجب عليها تمزيقها منذ عقود ...
لم تتقبل "صباح" حياتها المهدمة بسهولة وقلب مستكين ، بل أخذت تضرب بكفيها فوق فخذيها تولول بتحسر حقيقي ...
- ااااه يا ميلة بختك يا "صباح" ، بقى إبني وجوزي يروحوا مني فى يوم واحد ، بقى كدة ، طب إزاي ، إزااااي ...
وقفت "راويه" بأعين تعيسة وشفاة مقلوبة وهي تطالع تحسر أمها ومغادرة أبيها بعد طلاقه لها ، نظرت نحوها "صباح" تحدثها وتلوم نفسها وتلعن كل من حولها ...
- كل حاجة راحت ، الراجل راح مني ، إبني راح مني ، أنا خلاص ، ضعت ، بقى أنا يحصل فيا كدة ، هو ده العمل إللي عمله "كرامه" ، أروح له يخرب بيتها يخرب بيتي أنا ، أنا إللي أتحسر و أتطلق ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
ثم إنتبهت لأمر ما لتزداد إنفعالًا وغضبًا ...
- تلاقيه دلوقتِ حيروح لها ، حيروح يتجوزها ، اااه ، ما هو كان نفسه من زمان يتجوزها ، وأهو خلاص خلي له الجو ، لكن أبدًاااا ، مش حيحصل أبدًاااااا ، طول ما أنا على وش الدنيا مش حهنيهم وأفضل أنا كدة ...
نظرت نحو "راويه" تحذرها وتهددها ..
- وإنتِ ، إنتِ لازمن تساعديني ، لازمن تعملي إللي أقولك عليه ، أنا لا يمكن أسيبهم أبدا أبدا أبدااااااااا ....
❈-❈-❈
شجن ...
بعد أن سارت لوقت لا بأس به وبدأ إنفعالها بالتلاشي وجدت نفسها بعيدة للغاية عن حيَّهم ، جلست بأحد مقاعد إنتظار الحافلات تحاول التحايل على قلبها الغاضب بالهدوء ، تقوست شفتيها بحزن فتلك أول مرة تترك والدتها و أختها ، لكنها لن تتحمل أن تساق كالأغنام لواقع ترفضه ، لن تعيش تلك الحياة بالإجبار ...
تنهدت بضيق لتومئ بخفة محدثة نفسها ...
- إللي أنا عملته ده هو الصح ، يمكن يرجعوا عن إللي بيعملوه ، أو على الأقل أنجى أنا بحياتي ، أنا معنديش إستعداد أفضل في الضغط النفسي ده ...
بدأت تحدد أفكارها فأين ستذهب الآن فما معها من نقود لا يكفي لأي شئ فقد أعطت والدتها بقية راتبها بالأمس ولم يعد معها إلا القليل ...
أخرجت هاتفها تبحث عن رقم وحيد هو من وجدت به حل لمشكلتها ، إنه العم "أيوب" ...
- صباح الخير يا عم "أيوب" ...
لو كانت الأصوات تبث السعادة لكانت أيقنت أنه يتراقص فرحًا الآن ..
- "شجن" ، إزيك يا بنتي ..
سحبت "شجن" نفسًا عميقًا قبل أن تجيبه بنبرة مختنقة ...
- الحمد لله يا عم "أيوب" ، إنت عامل إيه ، وإزاي صحتك دلوقتِ ؟!!
- نحمده على كل حال ..
بحرج بالغ سألته "شجن" على إستحياء ..
- عم "أيوب" هو اااا ، لسه العرض بتاع الشغل إللي قلت لي عليه متاح ؟!!
تهلل صوته بحماس شديد ...
- إلا متاح ، يا ريت يا بنتي ، يا ريت ...
مطت "شجن" شفتيها بحرج لتردف ..
- طيب أنا عاوزة آجي ، ممكن توصف لي العنوان ...
- على عيني يا بنتي ، إكتبيه عشان تعرفي توصلي ..
بتفهم لتوضيحه لها كيف يمكنها الوصول لبلدته وماذا ستستطيع إستقلاله من وسائل المواصلات العامة ليناسب ما معها من مال أجابته بالنهاية ...
- فهمت يا عم "أيوب" ، أنا حتحرك من عندي هنا وآجي لحضرتك على طول ...
بترحيب شديد عقب "أيوب" ...
- ده يوم الهنا ، أنا مستنيكِ يا بنتي ، بس خدي بالك من نفسك ...
بثقة دائمًا ما تشعر بها أجابته ...
- بإذن الله ، متقلقش عليا ...
أنهت هذا الإتصال لينبعث إليها شعور ببعض الراحة فها هو مكان آمن سوف يأويها حتى تستقر حياتها ، أغلقت هاتفها تمامًا ثم وضعته بحقيبتها حتى لا تستطيع والدتها مكالمتها وإقناعها بالعدول عما عزمت عليه ...
❈-❈-❈
يوم صحو توسطت به شمس الشتاء بالسماء ذات السُحب المتقطعة ، لاحت الظهيرة وإنتهت الطرق ، فبعد سفرة طويلة لعدة ساعات ها هو "معتصم" ومن معه يصلون الأسكندرية لبدء مهمتهم التى كلفوا بها ...
تطلع "معتصم" بالمرآة ليجد "حليم" قد إستيقظ معتذرًا عن خلوده للنوم ...
- أسف يا قائد ، محستش بنفسي ...
بسمة ماكرة علت ثغره فهمتها "عهد" على الفور حين عقب "معتصم" ...
- دي أحلى نومه ، إوعى تكون فاكرني زعلت ، لا خالص ...
نظرت "عهد" إلى يمينها تتهرب من نظراته الجانبية التى ستلاحظ تمالكها لبسمتها مصطنعة اللا مبالاة ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
مكالمة هاتفية ضرورية للغاية قام بها "معتصم" أولًا قبل الدخول لتلك المدينة الساحرة ، حين تحدث إلى "عمر" قائلًا بجدية تامة ...
- ألو ، أيوة يا "عمر" ، إحنا خلاص وصلنا إسكندرية ورايحين على العنوان ، إتواصل بقى مع الدعم هنا عشان نأمن اللاجئ ده وننقله لبيت تحت الحراسة ...
أجابه "عمر" بحرفية تماثل مهارة "معتصم" ...
- نص ساعة وحيكون فريق الدعم هناك ، أظن ده وقت كافي على وصولكم ...
بإيمائة خفيفة أجابه "معتصم" وهو يلتف بمقود السيارة فقد دلف للطرقات الداخلية للأسكندرية للتو ..
- اه تمام ، وممكن نوصل قبل كدة كمان ، حنظبط الدنيا لحد ما فريق الدعم يوصل ...
أنهى إتصاله فيم إلتف مرة أخرى ليتخذ الطريق المباشر لهذا العنوان الذى يقع بهذا الشارع العريق الممتلئ بالسفارات الهامة والبنايات الدبلوماسية ...
بمرور الوقت ونهاية الطريق الذى أوشكوا به على الوصول لفظ "معتصم" توجيهاته بصرامة فقد توغل بالعمل مرة أخرى ...
- جهزوا نفسكم ، قدامنا عشر دقايق ونوصل شارع فؤاد ...
على الفور ملست "عهد" بكفها فوق شعرها الأسود ثم تحفزت بإغلاق سترتها تأهبًا لحماية هذا الرجل ..
رمقها "معتصم" بخفة بجانب عيناه آمرًا إياها ...
- إلبسي واقي الرصاص ...
بعناد ظاهر أجابته تلك المشاكسة ...
- ليه ، ملهوش داعي خالص ، إحنا نازلين وسط بيوت ، ومحدش يعرف معاد وصولنا ، إيه إللي حيحصل يعني !!!
إحتد "معتصم" آمرًا إياها بنبرة صارمة لا تحتمل النقاش ...
- ده أمر ، أنا قلت تلبسي الواقي يعني تلبسي الواقي ، ملهاش لزوم طريقتك المعارضة على كل حاجة دي ...
ثم نظر للمرآة موجهًا أمره لـ"حليم" أيضًا ...
- وإنت كمان يا "حليم" ، لازم نكون جاهزين لأي مفاجآت ...
أجابه "حليم" بإنصياع لتوجيهاته ..
- تمام يا قائد ، حلبسه ...
بتذمر شديد رفعت "عهد" سترتها الواقية من الرصاص لترتديها وتحكم إغلاقها بتحفز فقد أوشكت رحلتهم على التوقف بينما شعر "معتصم" بالتلذذ من مشاكستها التى يحبها ...
❈-❈-❈
بيت محفوظ الأسمر (شقة وعد ) ...
"لأجل عين تكرم مدينه" ، هكذا قيل فمن أراد عطائي أكرم أحبائي ، وليس هناك حبيب أكثر من هذا الصغير "زين" ، الذى جلس بسعادة تشق الإبتسامة وجهه الصغير ...
أشرقت شمس حياة هذا الصغير للتو ، فمجرد رؤية ضحكته شعرت "وعد" أن الدنيا بأمان ...
ضحكات متتابعة تضج البيت حياة وسعادة ، تلك الضحكات التى تتوقت لسماعها منذ أن دبت به الحياة ...
جلس "محب" يداعب هذا الصغير بألعاب ومزاح أخرج ضحكته التى نادرًا ما تسمعها ، لا تدري أتسعد لسعادة ولدها أم لهذا الوسيم الذى يليق به أن تثتثنيه عن الكل ...
ضحك "محب" وهو يتابع "وعد" بنظراته الولهه وهي تقترب منهم ليعتدل من جلسته المائلة إلى جوار "زين" ...
لم تكن تنتبه من قبل أن لـ"محب" طلة وسيمة للغاية حينما يضحك ، حتى أنها لم تتذكر متى رأت ضحكته من قبل ، لكنها متيقنة الآن أنه يزداد توهجًا حينما يبتسم ...
تلقائيًا إتسعت إبتسامتها وهي ترى سعادتهم وإهتمام "محب" بولدها الصغير ، سألته "وعد" بنعومتها التى لم يعتادها ...
- صباح الخير ، إنت صحيت بدري النهاردة صح ؟؟؟ إنت مش عوايدك تصحى بدري كدة !!!
نهض "محب" بمواجهتها ليسبل بنيتاه بخضراوتيتها الجذابتين ...
- مش قادر أنام وأقفل عيني عنك ، كأني مش هاين عليا أقضي وقت مشوفكيش فيه ...
ضحكت "وعد" بحالمية سلبت عقل هذا المحب ...
- ما بلاش الدلع ده !!! حتندم ...
رفع كفيها بيديه نحو شفتيه يقبلهما بهيام قائلًا ..
- عمري ، أنا لو أفضل كل إللي باقي من عمري أبص فى وشك بس ، كفاية عليا ...
لم تشأ أن تشكك بعشقه لها لتسأله متهربة ...
- طب حتنزل المعرض إمتى عشان أحضر لك الفطار ..؟؟؟
طال الوقت دون إجابة لترفع خضراوتيها تنظر إليه ، لن تُكذب تلك العيون العاشقة ، فهل أصبحت كأختها تشكك بكل شئ ، لم لا ترضخ لهذا العاشق دون تفكير ...
أجابها بنبرته الهادئة التى تلائمت تمامًا مع نعومتها ..
- أنا لا رايح ولا جاي ، أنا قاعد معاكِ هنا النهارده ، مش حسيبك ، هو إيه مش أنا عريس بقى ولا إيه ...؟!!!
أنهاها بغمزة ساحرة لتشعر بموجة عاصفة من السعادة فقد إختارها وقرر البقاء معها ، لم يبعد ويتهرب ، لم يصارخ ويسب ، أليس هذا هو الإختيار الصحيح ؟!!
غياب "محب" عن "عتاب" جعلها تنفعل مغتاظة من تجاهله لها لتُحدث نفسها بتوعد ..
- هو إيه أصله ده ، مش المفروض ينزل يقولي عمل معاها إيه ، ماشي يا "محب" وربنا ما أنا سايباك ...
رفعت "عتاب" هاتفها تدق بأخيها لتقطع تلك الوصلة الساحرة بين قلوبهم المحلقة ليتمتم "محب" بغضب مكتوم من غلاظة تلك المتطفلة الآن ...
- أيوة يا "عتاب" ، خير ؟؟!
أجابته بحدة لتجاهلها كل هذا الوقت ...
- جرى إيه يا أخويا ، إنت صدقت ولا إيه ، حتفضل قاعد جنب السنيورة ، ما تيجي عاوزاك ...
تطلع "محب" بوجه "وعد" الهادئ أثناء إستكماله محادثته مع "عتاب" ليردف بنفور رغم تطلعه بوجهها بنظرات حالمه ..
- حلي عن دماغي النهاردة يا "عتاب" ، أنا مش نازل ولا رايح في أى مكان ...
إبتسمت "وعد" ليشرق وجهها بحمرة متوهجة ليلاطفها "محب" بحركة ناعمة من أطراف أصابعه التى مررها على وجنتها الناعمة مستكملًا ...
- عايزة حاجة تانية ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
قضمت "عتاب" شفتيها بغيظ فعليها أن تفسد يومهم بأية طريقة لتردف بكذب ...
- ماما تعبانه ، مش حتيجي تشوفها وتشوف نجيب لها دكتور ولا إيه ، ولا حتسيب الحمل كله عليا أنا ؟!!
دارت عيناه للأعلى بسأم من أفعال "عتاب" التى لا تنتهي ليردف بإنصياع مجبرًا عليه ...
- تمام يا "عتاب" ، نازل لك أهو ...
وبدون حتى إنهاء للمكالمة أغلق الهاتف بوجهها مما أثار حنقها وغيظها ...
أكمل حديثه الهادئ لـ"وعد" بهيام ..
- عشر دقايق حنزل أشوف ماما وأرجع ألاقيكِ غيرتي هدومك إنتِ و "زين" حنتغدى بره النهاردة ...
أومأت "وعد" بسعادة لتتفهم مسؤوليته تجاه والدته ..
- براحتك ، شوف طنط "قسمت" الأول ...
ليؤكد على وعده لها ...
- أنا وعدتك أهو ، أنا حغير حياتك دي خالص ، يلا غيري هدومك وأنا حطمن عليها وأرجع على طول تكونوا جهزتوا ...
- حاضر ...
خرج "محب" متجهًا للدور السفلي ليطمئن على والدته بعدما أخبرته "عتاب" بأنها ليست على ما يرام ...
إنتهزت "وعد" تلك الفرصة لتدلف إلى المرحاض لتنعم بإستحمام هادئ بعد أن وضعت بعض الألعاب لـ"زين" حتى تنتهي من حمامها وتجهيز نفسها للخروج بعد قليل ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
الإسكندرية ...
تلك المدينة الساحرة المكتظة بأهلها كانت هادئة تمامًا بهذا اليوم ، فالجميع يوم الجمعة ينعم بيوم عطلته المميز ...
هدوء تام عم المنطقة فيبدو أن العطلة وبرودة الأجواء بالأمس جعلت الجميع يفضلون الراحة ببيوتهم لهذا كان الشارع خاليًا إلا من قلة قليلة من المارة ..
صف "معتصم" سيارته ليخلع حزام الأمان بهدوء ، تبعته "عهد" برزانتها تتأكد من توقفه بالبداية قبل أن تترجل من السيارة ، لكن ذلك لم ينطبق على "حليم" فقد كان متحمسًا للغاية للعمل بهذه المهمة التي على ما يبدو أنها سهلة للغاية ...
- أنا نازل يا قائد ...
فور أن ترجل "حليم" من السيارة تحول "معتصم" ببصره تجاه خاطفة قلبه قائلًا ...
- لسه برضه عند كلامك ، لسه مش عاوزة تليني دماغك الناشفة دي وتعترفي باللي جواكِ ...؟؟؟
رفعت رقبتها بإستعلاء مجيبه إياه مصطنعة اللا مبالاة وملامح الجدية المرتسمة على ملامحها ..
- شكلك بتحب تضيع وقتك يا حضرة الضابط ...
قالتها وهي تتابع تحرك "حليم" لمقدمة السيارة ، بينما رفع "معتصم" حاجبه يضم شفتاه الممتلئتان قائلًا بثقة أشبه بالغرور ...
- لما نشوف مين فينا نفسه أطول ، يا أنا ، يا أنا ...
قالها يستفزها بقدراته على تغييرها وكشف مشاعرها لتعقص أنفها ساخرة منه ...
- ده عند الست الوالدة ...
رمقها بعينيه البراقتين أرجفتها دون أن تظهر ذلك ليهتف بحدة ...
- "عهد" !!!
إبتلعت ريقها تشيح بوجهها عنه ناظرة نحو "حليم" الذى وقف بإنتظارهم أمام السيارة ..
فتحت "عهد" باب السيارة لتسدل قدمها مترجلة منها لتفاجئ بدوى صوت إطلاق رصاص لا تعرف وجهته أرجفها بقوة وهي تري "حليم" يخر أرضًا مصطدمًا بالأرض ...
صدمت "عهد" من رؤيتها له ساكن دون حراك وبدأت الدماء تنساب من أسفله ..
وقفت للحظات مشدوهة بهذا المنظر المفاجئ فلا أحد يعلم بقدومهم فمن هذا الذى فاجئهم بإطلاق الرصاص ...؟!!!
كانت متماسكة لكنها مندهشة مصدومة للغاية ، فهو زميلها صغير السن الذى إلتحق مؤخرًا بالعمل معهم بالجهاز ..
أسرع "معتصم" بخفة ومهارة بالخروج مسرعًا من السيارة ملتفًا من خلفها ليسحب "عهد" المتيبسة ليحتموا بهيكل السيارة من طلقات الرصاص التى بدأت تنهال عليهم ...
لم يشعر بالتخوف مطلقًا من قبل على أحد لكنه حينما رأى "حليم" هوى بعد أن إستقرت به رصاصة ما توجه ببصره على الفور تجاه "عهد" الواقفة كهدف سهل للغاية لمن يتربص بهم ليدب الفزع بقلبه خارجًا من السيارة لا مبالي لسلامته فقط أراد حمايتها من تلك الضربات العشوائية ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
تواروا خلف السيارة يحتموا بها ليسحب "معتصم" سلاحه الناري من داخل السيارة متقدمًا بخطوة جاعلًا "عهد" خلفه يحميها من هذا الإستهداف الواضح لهم ...
كان عليه أيضًا جذب "حليم" من قدميه فهو لا يدري مدى إصابته فربما مازال على قيد الحياة ..
تقدم ببطء وقد عملت عيناه كجهاز رصد دقيق للمحيط من حوله يستكشف من أن يأتي الرصاص ...
وبالفعل إنتبه للجانب الأيسر الذى يطلق منه النيران ، أخفى رأسه متحدثًا بجهازه اللاسلكي يطلب فرقة الدعم على الفور ...
- من صقر إلى بدر الدعم بدون تأخير ، ضابط مصاب ، تأكيد ، ضابط مصاب ...
- عُلم يا فندم ..
لن ينتظر بقية فريق الدعم فعليه الوصول لـ"حليم" حتى لا تصيبه رصاصة أخرى ، مد بجذعه على مستوى منخفض ليسحب "حليم" من قدميه لتنطق "عهد" بفزع أخيرًا ..
- إنت بتعمل إيه ؟!! إنت مجنون !!! إنت كدة هدف سهل ..
نظر نحوها بسرعة خاطفة لتضئ عيناه ببريقهما المتقد معقبًا ..
- يمكن يكون لسه عايش ، مقدرش أسيبه ...
وبالفعل إستطاع سحبه للخلف لتصبح السيارة كدرع حامي لهم ...
زفر "معتصم" بقوة ليشعر ببعض الراحة حين وجد "حليم" مازال على قيد الحياة ...
- الحمد لله لسه عايش ، بس إصابته صعبة جدًا ...
دنت "عهد" تتفحص بعينيها إصابة "حليم"...
- لازم الإسعاف تيجي فورًا ...
زاغت عينا "معتصم" هنا وهناك فوجودها هنا ليس بالأمان مطلقًا ، ولن يجازف ببقائها هنا وتعريض حياتها للخطر ...
- "عهد" ، إتحركي ناحية العمارة إللي هناك دي بسرعة ، وأنا حغطيكِ ...
ضيقت عيناها بدون فهم ، هل يطلب منها التحرك من دونه ..
- لأ طبعًا ، مش حتحرك ...
بأمر مباشر و حِدة لاحت بنبرته يصعب عليها معارضته بها ..
- مش وقت معاكسة ، لو فضلتي هنا حيجرى لك حاجة ، لازم تروحي هناك ، العمارة من جوه أمان أكتر ...
إهتزت نفسها لإيثاره لسلامتها على حساب نفسه لتتسائل بتوجس ...
- وإنت ؟؟!!
أتلك نظرات عاشقة لاحت بسوداوتيه ، هل هذا خوف على سلامتها ، هل بالفعل سيضحي بسلامته لأجلها ، وقفت "عهد" تنتظر إجابته بنفس قلقة حين أجابها مجبرًا إياها على التحرك فلا وقت للتقاعس ...
- أنا ححمي ظهرك ، إتحركي ، بسرعة مفيش وقت ، ومهما حصل متقفيش أبدًا ...
تهدج تنفسها خوفًا من أن يصيبه مكروه أثناء حمايته لها ، رفع سلاحه بدقة موجهًا ظهره نحوها يتحرك معها خطوة بخطوة وهو يشهر سلاحه الذي يصوبه بإتجاه مصدر إطلاق الرصاص لحمايتها ، بينما تحركت "عهد" بخطوات سريعة نحو أحد مداخل البنايات وهي تغطي رأسها الذى تنحني بجذعها لحمايته ...
كادت "عهد" أن تصل لمدخل البناية وهو يلحق بها لكن أصوات طلقات متعددة من الرصاص جعلتها تلتفت نحوه حين سمعته يتأوه بألم مكتوم ...
- اه ...
إتسعت عسليتاها بفزع حين وجدت "معتصم" قد سقط أرضًا مصابًا بطلق ناري سالت له الدماء ليرفع سلاحه مستكملًا التصدي لهؤلاء المجرمين رغم إصابته ..
- إدخلي بسرعة يا "عهد" ، بسرعـــــــــــــة ..
لن تتركه يصارع الموت من أجلها وتبقى هي متفرجة دون المحاولة لإنقاذه ...
بعض الأوقات نفاجئ بما نحمله من قوة كامنة ، قوة الخوف هي أعلى القوى قدرة على التأثير بوقت الشدائد تُخرج قوانا الكامنة لتظهر بقدرة فائقة لم نتخيل إمتلاكها ...
فبرغم قوته وتفوقه حجمًا و ثقلًا إلا أنها إستطاعت سحبه لأحد الحدائق المشابهة للغابات للإختفاء عن هذا المترصد لهم ...
بتلك اللحظات وصلت قوة الدعم لتنتشر بمحيط البنايات تبحث عن مطلقي النيران والقبض عليهم ونقل "حليم" لإحدى سيارات الإسعاف والتحرك مباشرة نحو المستشفى ...
بعد أن لاحظت "عهد" إستكانة الأصوات وهدوء حذر أحاط بهم ، نظرت نحو "معتصم" الملقى أرضًا إلى جوارها دون حراك وقد تغطي جسده ببقع الدماء المتناثرة لا تدري كم رصاصة أصابته ...
هتفت به بفزع ..
- "معتصم" ، "معتصــــــــــــم" رد عليا يا "معتصم" ...!!!
لكن الصمت كان إجابة لها والسكون مؤلم لقلبها تلك المرة ...
❈-❈-❈
بيت النجار (شقة فخري) ...
هل هكذا يشعر مفطوري القلوب ، أهذا هو الإحساس بكسرة الخاطر والحزن ، إنه لإحساس بغيض كريه على نفسها التى لم تشعر سوى بالقوة والزهو ، لم تشعر يومًا بالضعف كما شعرت اليوم ، هكذا جلست "صباح" برأس متألمة وتنفس مكتوم ...
بهزة متواصلة لجذعها للأمام والخلف تندب حظها السئ وما وصلت له لتردف بعد وقت طويل من الضيق والإنفعال ...
- حسابك معايا كبير يا "زكيه" ، إنتِ السبب في كل البلاوي إللي حصلت لي ، أنا مخسرش أبدًا ، لازمن أعلمك إن الله حق وتقولي حقي برقبتي ...
ألم تعلم أن بالفعل الله حق وأيضًا جبار منتقم ، هكذا أخذت تحدث نفسها أمام مرأى إبنتها "راويه" حتى هتفت بالأخير وقد لمعت بمقلتيها الجاحظتين بريق شيطاني ماكر ...
- وربنا لأطلع لها وأمسح بكرامتها الأرض ، تعالي معايا يا بت ...
نهضت "صباح" بإنفعال متجهة لشقة غريمتها لتلحق بها "راويه" كما أمرتها منصاعة لها تمامًا فهذا ليس وقتًا مناسبًا لأي إعتراض ...
بيت النجار ( شقة زكيه) ...
كان التحسر حليفها ، هي من ضحت بكل راحة وتحملت الشقاء لأجل بناتها ، ها هي تبكي حسرة على فراق إبنتها نصف قمرها الآخر ...
جلست "زكيه" تسند رأسها المثقل إلى قبضتها بإستسلام دون أن تجف دموعها فقد رحلت "شجن" ، غادرتها دون وداع ودون إطمئنان إلى أين ستذهب وماذا ستواجه ...
سحبت "نغم" مقعد إلى جانب والدتها لتتسائل بقلب تعيس ...
- هي "شجن" حتروح فين يا ماما ؟؟؟
أشواك تغرس بقلبها المرتجف لتزيد من آلامها قبل أن تجيب إبنتها ...
- مش عارفه يا "نغم" !!! والله ما عارفه حتروح فين وحتعمل إيه !!! أختك طلعت عصبية أوي ، مكنتش متخيلة إنها حتسيبنا وتمشي كدة ...
ثم أكملت "زكيه" تنهر نفسها والدنيا بيأس ...
- كدة برضه يا "شجن" تسيبي أمك كدة !!! كدة تحسري قلبي عليكِ ومعرفش إنتِ فين !! كدة أهون عليكِ يا بنتي ، بس أنا كنت حعمل إيه بس ، ما هو على يدك يا "نغم" ، هو أنا كان بإيدي حاجة ؟!!
نكست "نغم" رأسها لا تجد كلمات تخفف بها عن والدتها لتربت بحنو فوق كفها تحاول بث بعض الطمأنينة بها ...
- متخافيش ، "شجن" جدعه وقويه ، أكيد حتاخد بالها من نفسها ، تلاقيها حتروح لحد من بنات خالتي "عايده" يا "عهد" يا "وعد" ، حتروح فين يعني !! إديها فرصة تهدى شوية وحتلاقيها رجعت البيت ، متزعليش يا ماما ...
زفرت "زكيه" بقلة حيلة لترضخ لحديث إبنتها فلا قدرة لديها إلا بالصبر والإنتظار ...
- على الله يا بنتي ، وأنا برضه حكلمهم في التليفون أشوفها راحت عندهم ولا إيه ...
تذكرت "نغم" راتبها الذى أحضره "بحر" بالأمس لتحاول أن تنسي والدتها ما حدث ببث بريق أمل ولو ضعيف ...
- من حق ، ده أنا نسيت خالص المرتب ، حقوم أجيبلك الفلوس من الشنطة ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
لحظات وعادت "نغم" تحمل النقود بين كفها الرقيق لتضعهم أمام والدتها فوق طاولة الطعام قائله ببعض الترجي ...
- خدي يا ماما ، وعشان خاطري كفاية عياط بقى ، "شجن" لما تعرف إننا كويسين وإن جوازي من "مأمون" حيحل كل المشاكل دي حتلاقيها ترجع من نفسها ...
أومأت "زكيه" بوهن لحزنها الشديد ..
- يا ريت يا "نغم" ...
نظرت "زكيه" نحو المال وأخرجت من جيبها بقية راتب "شجن" أيضًا والذى أعطته لها بالأمس قبل أحداث الليلة المشؤومة لتضعهما سويًا قائله ...
- كدة معانا فلوس "خيرية" وزيادة ، بكرة الصبح أول حاجة أعملها أروح لها أسدد الفلوس إللي عليا عشان أرتاح ...
- إن شاء الله يا ماما ...
ملست "زكيه" بتألم فوق جبهتها قبل أن تستقيم مردفة بتألم ...
- أنا داخله أنام لي شوية ، الظاهر الضغط علي عليا من إللي حصل ...
بتفهم لحالة والدتها المغلوب على أمرها أجابتها "نغم" ...
- براحتك يا ماما ، نامي يا "زوزو" ..
تركتها "زكيه" متجهة نحو غرفتها فربما تلتقط لحظات من الراحة التى لم تنالها منذ الأمس ...
خرجت "نغم" نحو الشرفة تنتظر رؤيتها لهلال قمرها الغائب ، فاليوم ولأول مرة تنتظر رؤيته دون الشعور باليأس من بُعده ، فاليوم هو قريب للغاية ، فأخيرًا تحقق حلمها وأملها وستزف بعد فترة وجيزة لمن إمتلك قلبها كما تظن ذلك ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
هياج كبركان خمد بإستكانة حين وقفت "صباح" خارج شقة "زكيه" تسترق السمع لما دار بينها وبين إبنتها منذ قليل لتعتدل بمكر ومازلت تلتزم الصمت حين هتفت بها "راويه" ...
- يعني حندخل ولا مش حندخل ولا إيه ؟!!
قضبت "صباح" وجهها بإمتعاض شديد وهي تنهر إبنتها بغيظ بنبرة منخفضة للغاية ..
- إششش ، وطي صوتك ، إنجري على تحت ، قدامي يلا ...
سبقتها "راويه" لتلحق بها "صباح" بخطواتها الثقيلة لتعود لشقتها وهي تغلق باب الشقة حتى لا يستمع إليها أحد ...
- شوفتي ، شكلها حتظبط ، وحعرف أعلمها الأدب ...
رفعت "راويه" طرف أنفها ببلاهه مستفسره ...
- يعني إيه ؟؟؟! حتعلميها الأدب إزاي يعني مش فاهمه ؟؟!
مطت "صباح" شفتيها الغليظتان بإستياء من ذكاء إبنتها المحدود ...
- جتك نيلة غبية ، مسمعتيهاش بتقول عليها فلوس لـ"خيرية" ، بس ، خلاص كدة ، حلها عندي ...
رفعت "راويه" كتفيها وأهدلتهما بعدم فهم ..
- والله ما فاهمه حاجه ...
دلفت "صباح" نحو غرفة الصالون الأحمر خاصتها لتردف بغرور ...
- تعاليلي بقى وأنا أقولك حعمل إيه عشان تتعلمي من أمك صح ...
قوست "راويه" شفتيها للأسفل وهي تتبعها قائله ...
- أما نشوف ...
❈-❈-❈
بيت النجار (شقة فريد) ...
من منا ليس بخطاء لكن يفرق البعض عن البعض بستر من الله ، حجاب يغشى العيون عن زلات و ذنوب فقط برحمة الله لعلك ترجع يومًا تستغفره وتعلن توبتك ، حتى يأتي أمر لا رجعة فيه بكشف المستور و زوال حجاب الستر ليُظهر تجلى في علاه معصية المخلوق وإبداع الخالق في إنتقامه فهو المنتقم الغفار ...
يوم عطلة إتخذها "فريد" للبقاء بالمنزل يتابع هنا وهناك دون أى تعقيب أو تدخل بينما بقيت "حنين" ترتب شقتها وتنشغل بأحوال أولادها بعيدًا عن الجميع ...
ليست تلك بعادتها المتطفلة التى تقحم نفسها بما لا يعنيها طيلة الوقت لتبقى لها السيطرة والتحكم ...
لكنها إنزوت ببقعة بعيدة عن الجميع لتنظر لذراعيها بتقزز وهي تسحب أكمام جلبابها تكشف عن جلدها المتقرح قائله بنبرة هامسة لا تسمعها سوي أذنيها ...
- ده إيه ده بس يا ربي ، إيديا حتتقطع من كتر الوجع ، إيه الحبوب دي كلها ، ده باين له مرض جلدي ده ولا إيه !!!
حكة شديدة لازمتها منذ إستيقاظها هذا الصباح فيبدو أنها أصيبت بفطر ما سبب لها هذا الهياج ، أسدلت أكمامها تخفي تلك الآثار قبيحة المظهر ...
- أخلص إللي في إيدي وأروح الصيدلية أجيب لي كريم ولا مرهم ، بلاش أقول لحد أحسن يعايرني ...
عادت لغرفة المعيشة حيث يجلس "فريد" لتقابله بإمتعاض وتذمر لبقائه بالبيت اليوم ...
- جرى إيه ؟؟! هو مفيش شغل في الوكالة النهاردة ولا إيه ؟! مالك قاعد لي كدة ؟!!
ولأول مرة كمن أزيلت الغشاوة عن عينيه لاحظ "فريد" كم أنها تعامله بدونية ، حتى إحساسها بالبغض والكره له يظهر جليًا عليها ، ألهذه الدرجة كان معمى العيون عن رؤية كرهها له ، حتى أنه لم يشعر بذلك من قبل ؟؟!
زاغت عيناه بتشتت دون أن يجيبها لتدور الأفكار برأسه بينما زادت "حنين" إمتعاضًا و إشمئزازًا ...
- ما ترد عليا ، ده إيه الخيبة دي ؟!!
ظن "فريد" أنها تريد الخروج من دون إذنه مرة أخرى ليجدها فرصة ملائمة لأن تفعل ذلك بينما يراقبها ويرى أين تذهب من خلف ظهره ..
أجابها بإصطناع الرضوخ ...
- خارج أهو يا "نونه" ، مش عايزة حاجة وأنا راجع ...؟!!
سؤال معتاد وإجابة معتادة أيضًا هتفت بها "حنين" ...
- أه ، هات فلوس معاك عايزة أجيب طلبات للبيت ...
أومأ بخفة وهو يتجه نحو الخارج ليراقبها من دون أن تنتبه له فعليه معرفة كل شئ بنفسه ...
- ماشي يا "نونه" ، سلام ...
تابعته بأعين ساخطة لتتجه نحو غرفتها لترتدي عبائتها للذهاب للصيدلية لشراء علاج لهذا التقرح ...
❈-❈-❈
لم تكن "شجن" بتلك القوه التي يظنها بها المحيطون فمن يدرك أن بداخل نفسها الثائرة شخصية هشة تخشى العالم من حولها ...
جلست أخيرًا بمقعد تلك الحافلة المستاجرة تتجه لخارج بلدتها التي ولدت بها ولا تعرف سواها ، لقد خرجت لأول مرة مسافرة عبر طريق مجهول وأيام ضبابية ، لا تدري هل أخطأت أم إنها بالفعل على صواب ...
نظرت من خلال النافذة التي تجاورها تتابع تلك السيارات المتسارعة إلى جوارها تنتظر أن تصل بها الحافلة لتلك البلدة كما وصفها لها العم "أيوب" ، فيبدو أن الطريق للوصول إليه بعيد للغاية وعليها إتخاذ ما يقرب من ثلاث وسائل للمواصلات للوصول إليه ...
توجست "شجن" لسفرها المجبرة عليه لكن لا باليد حيلة ...
❈-❈-❈
بيت محفوظ الأسمر (شقة وعد) ...
لم تحظى "وعد" بلحظات تشعر بها بهذه السعادة من قبل ، أنهت إستحمامها للتو لتقف أمام المرآة المعلقة على الحائط فوق المغسلة تسحب تلك المنشفة من فوق رأسها لتجفف شعرها المبلل ، تتذكر بين الحين والآخر كلمات "محب" الحانية فيبدو أنه سرق قلبها ...
بخار الماء الساخن عم أرجاء المرحاض فتشوشت الرؤية الضبابية ، لكن شيء ما توهج ببريق أمام أعينها فوق المغسلة ...
مالت برأسها للأمام تتفحص ما هذا الشيء الذي لا تستطيع إستيضاحه جيدًا ، لتفغر فاها بصدمةٍ حين رأت خاتم "عاطف" الضائع ، إنه نفس الخاتم الذي يحمل النحلة الذي بحثت عنه كثيرًا ولم تجده ...
دق الفزع بقلبها وتوجست بخوف فمن أين أتى هذا الخاتم ؟!! ومن وضعه هنا وهي بالداخل ؟!!
شعور بالفزع جعلها تنتفض تتمنى لو أن ما رأته لم يكن حقيقة ، وأن تلك الرؤية الضبابية أعمتها ولا تستطيع النظر جيدًا ... سحبت الخاتم بإصبعيها برفق شديد حتى ظنت أنه ربما يوخزها بألم حين تحمله بين أصابعها ...
تيقنت أنه خاتم "عاطف" بالتأكيد لتسرع راكصة نحو الخارج تبحث عمن وضع هذا الخاتم بالمرحاض ، لم تجد أحد سوى إبنها الصغير الذي ما زال يلعب بألعابه منشغلًا بها ...
نظرت حولها وهي تدور حول نفسها بفزع فلم تجد سواها حتى أن "محب" لم يأتي بعد ومازال بالدور السفلي يطمئن على والدته ، إتسعت خضرواتيها بهلع غير مصدقه لما ترى لتهمس بنبرة مهتزة ...
- "عاطف" ....!!!!!!!!!
ويبقى للأحداث بقية ،،،
انتهى الفصل السادس والعشرون ،،،
قراءة ممتعة ،،،
رشا روميه (قوت القلوب)
•تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي" اضغط على اسم الرواية