رواية ظننتك قلبي الفصل الخامس والعشرون 25 - بقلم قوت القلوب
(الفصل الخامس والعشرون)
أتخبط برؤيتي الضبابية دون إدراك هل ما أراه حقيقة أم مجرد أحلام ، فأحيانًا أتمنى أن يكون واقعي مجرد حلم ...
كم إختلط على الأمر ولم أعد أثق فالملح يشبه السكر أحيانًا ، ليت ما أراه حلمًا فيمكنني يومًا أن أصحو منه ...
مازال الليل لم ينتهي والظلام قد أحلك خيوطه يغزلها برياح قوية وأمطار عاصفة ، وبالرغم من تلك الأجواء القارسة إلا أن فضول البعض جمعهم لمتابعة ما يحدث ببيت النجار ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
إضطر "بحر" للإنسحاب بعد طلب "نغم" منه الرحيل لكنه كان يشعر بالضيق والخزلان من تركها ، من التعقل أن يضطر للإبتعاد لتصمت تلك المرأة ولا تزيد تطاولها وقذفهم بإتهامات باطلة ...
لكن هذا الجمع صمت تمامًا حتى كاد يُسمَع رذاذ الأمطار المتساقطة حين هتف هذا الصوت الجهوري من خلفهم ...
- أنا حتجوز "نغم" ...
إلتفوا جميعًا يناظرون من هذا الذى يطلب الزواج من تلك الساقطة سيئة السمعة لتتعالى صوت شهقة قوية صادرة من "صباح" تتبعها بضربة قاسية فوق صدرها ...
- يا مصيبتي !!!! يعني إيه تتجوزها !!!! ملقتش إلا دي وتتجوزها يا "مأمون" ..!!!!
وجههُ المقتضب الثابت تمامًا دون الإكتراث بتلك العيون المحدقة بإستنكار خاصة والده ووالدته ليشير تجاه الدرج بنبرة حادة حازمة للغاية ...
- مش عايز أي حد هنا ، إتفضلوا على بيوتكم ، ( أنهى حديثه بصراخه بهؤلاء المتطفلين ) ، يلااااا ...
أسرع المتجمعين للمشاهدة بهبوط الدرجات عائدون لبيوتهم القريبة لتتبقى فقط عائلة النجار جميعها ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
وقفت "حنين" بالدور الأرضي تسترق السمع لما حدث وهي تشعر بالنشوة لصراخ "صباح" ببنات "زكيه" ، ثم سعدت بتجمهر الجيران للتشفي بهؤلاء الفتيات وأمهن ، حتى أنها سعدت للغاية بسماعها طلب "مأمون" الزواج من "نغم" لتهمهم بغبطة ...
- أحسن ، أحسن ، يا فرحتي فيكِ يا ست "ريهام" هانم ، أهو "مأمون" حيتجوز ويكيدك ، ويا سلام بقى لو تمم الطلاق قبل جوازته دي ، ده يبقى يوم السعد ...
عيون "فريد" المترقبة كادت تخترق جسد "حنين" من خلفها فمازال أثر كذبتها يشعل وميض غريب بداخله لكنه لا يقوى بعد على مواجهتها لكنه يود بالفعل معرفة أين كانت دون علمه ...
فضول سيقتله و جُبن سيقضي على رجولته فقد وقع بين كفي الرحى ، هل يقبل أن تتجول من دون إذنه ومعرفته أم يرفض ويثور وهذا لن يكون بشكل هادئ مع شخصية متملكة كـ"حنين" ..
لم يهتم "فريد" إطلاقًا بما يحدث بالخارج ليدلف لغرفة النوم متظاهرًا بالنوم لينهي تلك الليلة ...
وقفت "راوية" منذ الوهلة الأولى تتطلع بصدمة لصياح والدتها وصراخها ، تناظر بكاء "زكيه" وخنوعها ، لكنها بقيت صامتة تشاهد فقط من بعيد لبعيد دون تدخل ...
أكمل "مأمون" صعوده لدرجات السلم وهو يأشر لوالده بمرافقته ...
- تعالي يا حاج ( ثم نظر نحو والدته بنظرة يملؤها التحدى ) ، إتفضلي يا ماما مينفعش نتكلم على السلم كدة ...
فغرت "صباح" فاها بلا إستيعاب لما يفعله "مأمون" لتصرخ بإنفعال وهي تشير بإتجاه شقة "زكيه" ...
- أجي فين ؟؟! هناااا ؟؟! إنت أكيد إتجننت !! أنا أدخل شقة دي ، بقولك إيه على الله تعمل اللي بتقول عليه ده !!! على الله تتجوز الـ***** بنت الـ***** دي ...
لم يثني "مأمون" طلبه بل تخطاها نحو الداخل قائلًا ..
- برضاكِ أو غصب عنك حتجوزها ، تعالي أحسن ...
هاجت "صباح" وإشتدت حدة صوتها لتهبط درجات السلم مُعلنة رفضها التام لتلك الزيجة مغمغة بصوت مسموع ..
- وربنا ما يحصل ولا أخطى عتبة بيتها ، بقى أنا "صباح الجزار" يحصل لي كدة ؟!! أنا بنت الحسب والنسب إللي عيالي أعلى الناس ييجي في الآخر وإبنى أنا يتجوز بنت الخدامة ، هو إيه الزمن بيعيد نفسه تاني ولا إيه ؟!! يعني على آخر الزمن تبقى دي مرات إبني أنا ...!!!
كانت قد دلفت لشقتها لتستأنف عويلها وهي تضرب فخذيها بحسرة ..
- اه يااااني !!! هو إيه أصله ده !!! هو أنا عامله العمل عند الشيخ "كرامه" عشان هي تتحسر ولا أنا ؟؟؟! يعني إيه "مأمون" يتجوز "نغم" !! يعني إيــــــــــه ؟!! ما تفهميني يا أختي !!
قالتها تنظر نحو "راويه" التى تناظر والدتها بذهول وقد إعتلت عيناها أحاديث كثيرة لم تنطق بأى منها ، لتعقب بهدوء زاد من ثورة "صباح" وهياجها ..
- وأنا أعملك إيه ؟؟ أنا مالي ، كل واحد حر ...
رد فعل بارد أثار جنون "صباح" التى لم تعد تحتمل لكلمة بعد لتضرب رأسها وجسدها بكفوفها تتمنى لو كان مجرد حلم وتفيق منه وأن ما حدث غير حقيقي ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
شقة زكيه ..
من المفترض أن تكون تلك مجرد جلسة عائلية لكن كل النفوس بها مشحونة ، تجمع "زكيه" وبناتها مع "فخري" و "مأمون" ...
تعامل "فخري" مع الأمر بهدوء شديد لا يفهم منه هل هو يرضى بما حدث أم ينكره ليبدأ "مأمون" حديثه ...
- أنا عند كلامي وعاوز أتجوز "نغم" ، مكنتش بقول كدة وخلاص ..
تطلع به والده بإستغراب لموقفه خاصة وهو يدري جيدًا ظروف زواجه من "ريهام" وأن بذلك يسدل على هذا الزواج ستار معلنًا النهاية فـ"ريهام" لن تقبل وجودها مع زوجة ثانية ..
- تتجوز "نغم" !!! إنت واعي لكلامك يا "مأمون" ..؟؟!
برد قاطع أجاب والده وهو ينظر تجاه "نغم" أردف ..
- واعي جدًا لكل كلمة ، مش بتقولوا كلام عليها ، أنا بقى جاي أقطع لِسنة كل الناس دي ، جوازي من "نغم" حيخلي الناس تقفل بوقها ومتفتحوش تاني ، هي بنت عمي وشرفي وأنا بقولكم أهو ، مفيش حاجة ترفع رأسها تاني فى الحته غير جوازي منها ...
لم يكن لـ"فخري" نية للرفض فعيناه تركزت على حبه القديم متسائلًا بتردد ...
- رأيك إيه يا "أم شجن" ..؟؟!
ضيق نفسها المهتزة بعد أفعال "صباح" وتشويه سمعتها وسمعة بناتها أمام الناس جعلها تجيبه بنفس مهترئة راضخة بإستسلام ...
- إللي تشوفه يا "أبو فريد" ، يتجوزها ...
أومأ "فخري" بالإيجاب قائلًا لولده ..
- خلاص يا "مأمون" ، طالما إنت شايف كدة ...
كل تلك الأحداث لم تمر مرور الكرام على "شجن" التى فغرت فاها بلا تصديق لتلك الهراءات التى يتفوهون بها حتى إنتهوا من قرارهم لتزيغ عيناها تجاه والدتها المستسلمة لهم ثم طالعت أختها التى كانت بحالة هيام وسعادة تعلقت عيناها بـ"مأمون" بوله طفلة تحققت أحلامها للتو ، نعم هي لا تتعدى طفلة لا تدرك الصواب من الخطأ ، وهذه الزيجة هي الخطأ بعينه لتنفعل "شجن" بقوة وهي تمد كفيها بصدمة وإندهاش ...
- بس بس ، جواز إيه و"مأمون" إيه !!! لأ طبعًا ، ( نظرت نحو والدتها تحثها على رفض هذا القرار الظالم ) ، ما تتكلمي يا ماما ، مينفعش ، الجوازة دي متنفعش خالص ...
نكست "زكيه" رأسها لتردف بضعف وخضوع ...
- بس يا "شجن" ، ده إللي حيسكت الناس ..
إتسعت عينا "شجن" بقوة تنهر والدتها من هذا الضعف ...
- يا ماما !!! ليه كدة ؟!! إحنا معملناش حاجة غلط ، بقى يبقى أمه هي السبب وإحنا إللي نرضى بالوضع ده ...
أنهت عبارتها مشيرة نحو "مأمون" الذى إنتفض بحدة لينهض محذرًا "شجن" من التطاول ...
- "شجن" !!! خدي بالك من إسلوبك معايا ، الحل ده أحسن حل لكل المشاكل دي ، ولا أنا غلطان ؟!!!
نظر تجاه "زكيه" لتجيبه بما يُصمت "شجن" والذى لم تتباطئ "زكيه" عن مجاراته لتهتف بـ"شجن" لتنهى هذا الجدال الذى لن يفيد ..
- "شجن" أنا قلت خلاص ...
نهضت "نغم" تحاول السيطرة على سعادتها المفرطة التى حلت على قلبها المتيم فبين لحظة وأخرى تحول الأمر من إتهام قبيح أدام قلبها للسعادة الكاملة بقرار زواجها من "مأمون" الذى لم تكن تتخيل أنه أمر يمكن حدوثه ، إنه بالتأكيد حلم ما ، إبتلعت ريقها المضطرب تلملم إبتسامتها التى حلت فوق ثغرها قائله ...
- خلاص يا "شجن" ، ميصحش كدة ...
رفع "مأمون" رأسه بخيلاء وقد رسمت بسمة إنتصار جانبية على ثغره يطلب من والده ..
- يلا يا حاج ( ثم نظر تجاه "زكيه" كمن يعطي الأمر لا أكثر) ، كتب الكتاب الجمعة الجاية يا مرات عمي ، جهزوا نفسكوا ...
قالها ليغادر برفقة والده فلا داعي لنقاش الأمر لأكثر من ذلك ..
خرج كلاهما على مرأى ثلاثتهن ليكتفي "مأمون" بموافقة والده دون المرور بوالدته مطلقًا ليترك أمر إبلاغها بزواجه على والده ، الذى أخبرها دون الدخول بأية تفاصيل قد تسبب له الإمتعاض لعدم تقبلها الأمر ...
❈-❈-❈
بيت المستشار خالد دويدار ...
بموعده الثابت عاد "رؤوف" من الشركة مشتت الفكر ، الذى لم تشغله سوى تلك الفاتنة الصغيرة التى سيطرت بالكامل على عقله منذ أن أخبره "حمدي" بعشقها له ...
مواقف عدة ولحظات متفرقة أخذ يستعيدها بذاكرته منذ زواج "غدير" من "عيسى" ، كلما تذكر إحداها زادت من إتساع بسمته كما لو أنه أدرك للتو أن عشقها له لم يكن وليد اللحظة ..
قلب مضطرب وسعادة دبت بهذا الساكن ليشعر بشعور غريب لم يشعر به مع "نيره" ، إن قلبه يدق وينفعل ، كانت علاقته مع "نيره" تقتصر على شكل محدد لرغبته ببناء أسرة سعيدة كأخيه "عيسى" ، وجد بـ"نيره" فتاة رائعة تلائمه للغاية ، أجبر نفسه على التعلق بها فهو بالنهاية شاب مستقيم يضع مشاعره بنصابها الصحيح وإن ظهر للبعض غير ذلك ...
دلف لداخل الشقة بملامح حالمة سعيدة للغاية ليجد والدته تنتظر عودته بعيون يظهر بها بعض الضيق ، بادر بتحيتها بلطافة ..
- ست الكل واقفه بنفسها مستنياني ، ده إيه الهنا ده ...
رغمًا عن ضيق نفسِها تبسمت مردفه ..
- شكل مزاجك رايق النهاردة ...
رفع حاجباه بحبور مجفلًا بعيناه لوهلة قبل أن يجيبها بنبرة حالمية للغاية ..
- أوي أوي أوي يا ماما ...
لم تكن تلك فرصة ملائمة لإبلاغه بقرار والده لتؤجل تلك المسألة للصباح وعليها تركه يهنأ أولًا بنوم هادئ ونفس سعيدة كما يبدو عليه ، أجابته "منار" بدبلوماسية ..
- دايمًا يا حبيبي يا رب ...
شعر "رؤوف" أن والدته تخفي عنه أمر ما ، يظهر بنبرتها المتضايقة ليتسائل بقلق ..
- مالك يا ماما ، فيه حاجة مضايقاكِ ؟؟!
ربتت فوق كتفه بحنو لتردف بالنفي الكاذب ..
- أبدًا يا حبيبي ، أنا بس قلت أطمن عليك قبل ما أنام ، تصبح على خير ...
تركته "منار" ليتابعها بقلق وجهل بسبب ضيقها ، لكنه عاد لخياله الحالم بـ"مودة" متعجبًا من حاله وإنشغال فكره بها كما لو أن "حمدي" سلط الضوء بقلبه عن شئ لم يكن يدري عنه شيئًا ربما إعجاب مختبئ لها دون تدخل منه ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
شقة عيسى ...
إنتهى اليوم عند الكثيرين لكنه لم ينته لهذا الغيور ، بالكاد تحامل على نفسه دون أن يظهر ما بداخله ، وها هي "غدير" سقطت غافية بعد إنهاك يوم طويل ...
تطلع "عيسى" نحوها يود لو يصرخ بها ليتأكد من هذا الذى كانت معه ، ولما لم تخبره عنه كما لو أنها أرادت إخفاء هذا الأمر ...
دماء ثائرة تسري بعروقه كاد لها أن تفجر رأسه من شدة تضاربها كأمواج البحر ، ليته كان حلمًا ويستيقظ منه على واقعه الذى يحبه ، أن يكون رؤيته لها مجرد كابوس سيستيقظ منه ليجد محبوبته قطعة الشيكولاته تتقد عشقًا وتبث به الحياة التى كاد يفقدها من شدة الإختناق ...
نظر نحوها مطولًا قائلًا ...
- مخبيه عني إيه يا "غدير" ؟!! ليه متكلمتيش عنه ؟؟! مين ده وكنتم مع بعض ليه ؟!!
أمسك برأسه المتألم مستطردًا ..
- دماغي حتفرقع ، والشيطان دخل دماغي ( إعتدل يتسعذ بالله من وساوس الشيطان التى بدأت تملأ رأسه تجاهها محاولًا تمالك نفسه وألا يترك له الفرصة بغلبته فهذا أقصى ما يتمناه ، أن يفرق بينه وبين زوجته ) ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، لأ ، لا يمكن أسمح للظن والشك يدخل ما بينا ، دي مهما كانت "غدير" ، هي الروح لحياتي ، عمر ما قلبي يكذب عليا وأنا متأكد من حبها ليا ، متأكد ...
حاول من خلال كلماته الأخيرة أن يلتمس بعض الراحة والنوم لتداعب رائحة اللافندر التى تفوح من حبيبته أنفه ليشعر بالسكينة ويستغرق بالنوم ...
❈-❈-❈
بيت النجار ( شقة زكيه) ...
من قال أن الغرقى بالبحر فقط ، فإحساس الغرق يتملكني وأنا أنعم بالهواء حولي ، ليتي أستطيع العيش فقط ، لكني أحارب ، أحارب نفسي وظروفي وعقلية من يحيطون بي ، أحارب كل ظن سئ وإتهام باطل ، ألم يخبركم الله ﴿إن بعض الظن إثم ﴾ لم تظنون بنا ما ليس فينا وتصدرون أحكامكم ...
وقفت "شجن" مشدوهة غير مصدقة ولا يستطيع عقلها إستيعاب هذا الخنوع والخزلان ، دنت تهتف بأختها تثنيها عما ستوقع نفسها به ...
- فوقي يا "نغم" ، "مأمون" ده مينفعكيش ، بطلي تكوني سطحيه كدة ، إنتِ كدة بترمي نفسك في النار ، "مأمون" مش أكتر من حب مراهقة عشان وقفته معانا في الفترة الأخيرة ...
إنها فرصتها ولن تهدرها ، هكذا وقفت "نغم" تتشبث بزواجها من "مأمون" حب طفولتها وعمرها كما تحسب ...
- لأ يا "شجن" ، إنتِ فاهمه غلط ، أنا موافقه ومش حلاقي أحسن من "مأمون" صدقيني ، "مأمون" ده راجل بمعنى الكلمة ...
إلتفت "شجن" تجاه والدتها فربما تستطع أن تثني تلك السطحية عن رأيها ...
- يا ماما ، شوفيها ، مينفعش كدة ، كدة بترمي نفسها في النار ، كلميها ...
بيأس تملك من نفسها أجابتها "زكيه" ..
- يا "شجن" إحنا دلوقتِ في ورطة ، و حلها الوحيد هو إن "نغم" تتجوز "مأمون" ، الناس مبترحمش ، ده موضوع جوازها ده جالنا نجدة من السما ...
ضربت "شجن" كفيها بصدمة من سلبيتهما التى لا توصف ..
- إنتوا إزاي كدة ؟!! مش معقول بجد ؟!! لازم يكون فيه حل تاني ، نمشي يا ماما ، نسيب البيت المقرف ده ونمشي من هنا ...
تشبث "نغم" ببقائهم ولأول مرة تعترض طلب "شجن" بالرحيل ...
- لأ لأ ، بالله عليكِ لأ ...
تهدجت أنفاس "شجن" بقوة لإستسلامهن المثير لأعصابها ...
- حرام عليكم ، هو إيه إللي لأ ، "مأمون" ده حيفرق إيه عن أمه وإخواته ، حتى عمي ميقدرش يقولهم لأ ، ترمي نفسك بين العقارب ليه ، إنتِ نسيتي إنه كمان متجوز وعنده ولاد .؟!!
بثورة غضب لما ستفسده عليها أختها بعد عناء وصبر لتنال قرب من تحب ...
- "مأمون" غيرهم كلهم ، وموضوع "ريهام" كلنا عارفين المشاكل إللي بينهم وإنهم حيتطلقوا ...
إقتربت منهم "زكيه" تهدئ نفوسهم فكل ما ترضخ له فقط لسلامتهن وأمانهن ..
- خلاص بقى ، كفاية كلام لحد كدة ، نصيبنا كدة ، حنعمل إيه ...؟؟؟
طالعتهم "شجن" بنظرات متحسرة لكنها تمااكت غضبها وإنفعالها تحاول إقناعهم بهدوء ...
- بلاش يا ماما نضيع كل حقوقنا حتى بالسعادة وحياتنا إللي جايه ، ليه نرضى بحياة مكتوب عليها التعاسة والفشل ، بالله عليكم فكروا تاني ، يمكن يكون فيه حل ...
رغم إشفاق "زكيه" على ما أجبرت عليه "نغم" إلا أنها ليس لديها حيلة أخرى ..
- يا ريت كان فيه !!! أمرنا لله ، يلا كفاية كدة إحنا تعبنا ، إدخلوا صلوا وإدعوا لربنا يفرجها علينا وناموا ...
رضخت الفتيات لطلب أمهن لكن بقلب "شجن" أحاديث عدة فتغيير المصير يجب أن يُتبع بعمل وفقًا لإرادة الله وليس الأمور تتم بالدعاء فقط ، فعلينا السعي وعليه التوفيق ...
❈-❈-❈
فيلا المراقبة ...
وبين قلب يتلهف ليخبرك وبين عقل يهمس بلا لن أتحدث ، يتخبط العاشق بين حيرة متأرجحة بين قلب وعقل ...
ساعات تمر حتى لاحت خيوط الفجر لتعلن حلول ساعة الصفر ، بجدية تامة ملأت الوجوه تخفي ما يكنه الصدور وقف "معتصم" يحدد مجموعته بمهارة ...
- "عبد الرحمن" و "طه" دوركم دلوقتِ حيكون إبلاغنا بأي جديد يحصل في الفيلا ، عنيكم زي الصقر متفوتش حاجة ، ( ثم إلتفت تجاه "عهد" و"حليم" ) ، وإنتوا لازم نتحرك حالًا لإسكندرية ...
بدأ ثلاثتهم بالإستعداد للمغادرة وإتخاذ حذرهم لتبدأ مهمتهم ..
تحرك "معتصم" أولًا تجاه السيارة التى سيقودها بينما لحقته "عهد" و "حليم" ..
تذكر حين جاءوا وإصرار "عهد" بالجلوس بالمقعد الخلفي للسيارة لتتقد مقلتيه بدهاء فهو أدرك أمر هام للغاية بطباع تلك المتوحشة ، إنها دومًا تفعل عكس ما يطلبه منها ليوجه حديثه لـ"حليم" بغرض إستفزاز "عهد" ..
- تعالى يا "حليم" أقعد معايا قدام أحسن حضرة الضابط "عهد" تقريبًا من النوع إللي بيتكسف ، فنخليها ورا براحتها ...
بالفعل إستطاع إستفزازها من أكثر من جانب ، فهي لا تريد أن تعامل كالفتيات ويكون لها معاملة خاصة فهي مثلها مثل الرجال ، ومن جانب آخر هي لن تنصاع لأمره وعليها فعل ما يخالفه لتبثت أنها لها شخصيتها المستقلة ..
وبالفعل وقعت "عهد" بشباك حيلة "معتصم" لتتقدم دون إنتظار أي منهما لتجلس بالمقعد الأمامي للسيارة وإلى جوار "معتصم" ...
لو كانت قد ألقت بنظرها تجاه "معتصم" لرأت بسمة إنتصار وتحقيق هدف رائع يحسب له لكن إنفعالها جعلها تجلس تناظر الطريق أمامها دون حياد ...
رغم إستياء "حليم" لإندفاع "عهد" للجلوس بالمقعد الأمامي إلا أنه جلس بالمقعد الخلفي فالأمر سيان بالنسبة إليه ، فيما جلس "معتصم" خلف مقود السيارة لينطلق بطريقه نحو الإسكندرية ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
بيت النجار ( شقة فخري) ...
أسوأ الأعداء من يقابلك بعداوة دون أن ترى أسباب لها ، فالكل يرى بعين طبعه لكنه يظل ناقصًا يسعى للكمال بإيذاء الآخرين ...
لم يهنأ لها بال ولم يغمض لها جفن طيلة الليل ، فعلى الرغم من خلاف"صباح" المستمر مع "مأمون" إلا أنها شعرت بالقهر لطلبه الزواج من إبنة غريمتها ، أبعد كل ما تفعله بها تنتصر عليها وتأخذ أحد أبنائها بتلك السهولة ...
كالصقر الجريح أخذت "صباح" تتخبط هنا وهناك تدور بحركات عشوائية دون هدوء أو راحة حتى حل الصباح ...
ساعة تنتظرها منذ الأمس لترفع هاتفها لأذنها بعجالة ...
- ألو ، أيوة ، بقولك إيه ، عايزة أشوفك دلوقتِ حالًا ، تجيلي بسرعة ، أيوة فيه حاجة ، ده فيه حاجات وحاجات ، لازم تيجي بسرعة قولتلك ، يلا ...
أنهت مكالمتها ولم تستطع حتى الجلوس للإنتظار فما حدث لا يمكن أن يمر بهذه السهولة ...
شقة زكيه ...
لم ترضخ "شجن" كما فعلت أمها ، ولن تستسلم كما فعلت جميع نساء عائلتهم ، إنها مختلفة ذات طبع متمرد ، لن ترضى بهذه المهانة ، لن تضحي بسعادة أختها المغيبة عن مصلحتها ، لن تتركها ولن تتخاذل ...
علمت بأن "نغم" متشبثة كطفلة صغيرة بزواجها من "مأمون" ، وأمها سلبية ومستسلمة إلى حد بعيد ، فكان عليها التصرف حتى لو بمفردها ...
خرجت "شجن" بهدوء لوجهة واحدة أيقنت أنها الحل الوحيد حتى إذا فرضت ذلك على كلتاهما ...
وصلت لمكتبة بحر تنظر للافتتها المعلقة بتمعن ثم أخرجت هاتفها من جيب سترتها الطويلة لتدفع بإحدى خصلات شعرها القصير خلف أذنها كحركة لا إرادية حين تشعر بالتوتر ، دقت الأرقام المدونة بأعلى اللافتة على شاشة هاتفها لترفعه لأذنها تستمع للرد والذى لم يتأخر بالمرة ...
- السلام عليكم ...
صوت رجولي هادئ أدركت أن هذا صوت "بحر" بالتأكيد لتجيبه "شجن" بنبرة سريعة تحمل بعض الإنفعال لما يصحبها من أفكار منذ ليلة الأمس ..
- أستاذ "بحر" ...؟!!
- أيوه ، مين حضرتك ؟!!
سحبت نفسًا طويلًا قبل أن تجيبه ..
- أنا "شجن" أخت "نغم" ...
على الفور تبدلت نبرة صوته الهادئة لأخرى قلقة للغاية ..
- طمنيني بالله عليكِ ، أنا منمتش من إمبارح ، الست دي عملت إيه ؟!!
برزانة شديدة أجابته "شجن" ..
- مش حينفع في التليفون ، أنا عايزة أتكلم معاك ضروري ...
كانت كمن أعطته الإذن بالتحرك ليردف بدون تردد ...
- حالًا حكون عندك ، إنتِ فين ؟!!
ناظرت "شجن" الشارع من حولها وخلوه من المارة بصباح يوم الجمعة لتردف بنفس ضائقة ...
- أنا واقفة قدام المكتبة ...
أسرع "بحر" بتأكيد قدومه إليها على الفور ...
- دقايق وحتلاقيني قدامك ، مش حتأخر ...
لا يدرى كيف تحرك ووصل للمكتبة بتلك السرعة التى ماثلت ضربات قلبه المتخوفة على "نغم" والتى أجفلت النوم من عينيه وتوجس قلبه قلقًا وخوفًا من تطاول تلك السيدة ...
وقف أمام "شجن" بأنفاس متهدجة فيبدو أنه قطع الطريق ركضًا يتلهف للإطمئنان على "نغم" ليبدأ حديثه على الفور ...
- كويس جدًا إنك كلمتيني ، أنا كنت حتجنن من إمبارح ، وبأنب نفسي إني مشيت ، بس كنت حاسس إن أنا إللي عملت المشكلة دي ...
نظرت نحوه "شجن" بنظرة جدية للغاية ، لم تهتم بمبرراته فقد رأت إلحاح "نغم" عليه بالرحيل بأعينها ، لتردف بأمر مختلف تمامًا ...
- أستاذ "بحر" ، أنا عاوزاك تتجوز "نغم" ...
تيبس جسده بصورة مفاجئة مذهولًا من طلبها ، لا ينكر أن قلبه تراقص فرحًا لكن يبدو أن الأمر يحمل بين طياته شئ آخر ، ليتسائل بتوجس مستفهمًا ...
- أتجوز "نغم" ؟!! قصدك إيه بالضبط ..؟!!
قالتها صريحة بدون إخفاء أو تلميح ..
- أنا عارفة ومتأكدة إنك بتحبها ، وبتحبها أوى كمان ، بس هي الغشاوة ماليه عنيها ، والحل الوحيد إنك تتجوزها ...
تذكر "بحر" رفض "نغم" له لينكس عيناه تألمًا بضيق ...
- أنا فعلًا بحبها ، بس هي مبتحبنيش ...
بفطنة لاحت بعيناها قبل شفتيها نطقت "شجن" بتساؤل أثار نفس "بحر" ...
- مين قالك ؟!! "نغم" أختى وأنا عارفاها ، هي السِكينة سرقاها وفاكره إنها مش بتحبك بس كلامها دايمًا عنك وعن كلامكم مع بعض في المكتبة بيقول غير كدة ، هي بس غبية ومش عارفه تحدد مشاعرها ، المشكلة إنها فاكره نفسها صح ، وهي غلط غلط غلط ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
إمتعض وجه "بحر" بدون فهم لمقصدها ...
- أنا مش فاهم حاجه ، وبعدين حتى لو هي مش مدركة أنا بالنسبة لها إيه مينفعش أجبرها على الجواز مني بالشكل ده ...
أجابته بما صدمة لتحثه على التحرك ولا داعي للتراخي بهذا الأمر ...
- ما هي لو إنت متجوزتهاش حتتجوز "مأمون" الجمعة الجاية ..
إتسعت عسيتاه بصدمة ولاح الفزع بمقلتيه لينفعل بقوة ...
- مين ؟!! "مأمون" ؟!! إزاي يعني ؟!!
أخذت "شجن" تقص عليه ما حدث ليلة الأمس وموافقة "نغم" ووالدتها وإصرارهم على إتمام زواجها من "مأمون" وأنها رأت أن الحل الوحيد بين يديه هو فقط ليجيبها بقوة ...
- مش حستنى ترمي نفسها في النار دي ، أنا حتصرف ، "نغم" لا يمكن تتجوز "مأمون" مهما حصل ...
بسمة إرتياح حلت بملامحها المقتضبة لتردف قبل تركه ..
- أنا حرجع البيت ، وإنت تعالى نخلص القصة دي ...
- تمام ، أنا جاي ...
عادت "شجن" لبيت النجار لتقبع بإنتظار مجئ "بحر" الذى سوف يخلصهم من زواج إجباري سوف يسبب لهم جميعًا التعاسة ...
❈-❈-❈
بيت النجار (شقة فخري) ...
عروش واهية تلك التى يبنيها الكذب ، ففجأة تسقط من فوق السحاب لأسفل أرضٍ تسحقك ، ومن حفر بئر لابد أن يسقط به ...
ليل طويل وساعات قاسية قضتها "صباح" متأملة حلول الصباح لتجد حلًا لمصيبتها ...
دارت حول نفسها عدة مرات كثور هائج لا يدرى طريقه ، تجنبت "راويه" والدتها الغاضبة وقبعت بشرفتها المحببة بعيدًا عن كل تلك الأحداث فيكفيها ما تطاله من والدتها بالعادة ولا طاقة لها بتحمل غضبها الآن ...
خرج "فخري" بهدوء من غرفته مارًا بتلك المشتعلة وإكتفى بنظرة جانبية دون تعقيب ، إتجه نحو باب الشقة للمغادرة فحتي يوم الجمعة لا يحصل على تلك الراحة بالبقاء بالمنزل فهو لا يطيق البقاء لأكثر من ذلك برفقة "صباح" ...
أوقفته "صباح" قبل خروجه متسائلة بإستنكار ...
- إنت موافق يا "فخري" على الجوازة دي ؟؟! حتسيب "مأمون" يقع الواقعة دي وتقف تتفرج ..!!!!
تنهد "فخري" بتملل ..
- والله إبنك راجل مش عيل صغير ، وهو شايف كدة ، أنا أعمل له إيه ؟؟! أضربه على إيده !!!
ضمت شفتيها الغليظتان بغضب ثم أردفت ..
- لأ يا أخويا ، وقفه ، هدده إعمل أي حاجة بس ميتجوزش بنت الخدامة ...
إلتف "فخري" نحوها بإشمئزاز ..
- إبنك عندك ، إتكلمي معاه ، متوجعيش دماغي ..
خرج "فخري" مبتعدًا عنها فبالكاد يطيق وجوده بالبيت ، لا طاقة له بحديث معها والرضوخ لطلباتها وتحقيق مساعيها ...
خروجه بهذا الشكل المستفز جعلها تبحث عمن تفرغ بها شحنة غضبها وبالتأكيد لم تكن سوى "راويه" لتتجه نحو الشرفة تبدأ بصراخها المعتاد الذى لم تعد "راويه" تكترث به ...
❈-❈-❈
طريق السفر ..
بين كلمة قاسية نطقتها أردت بها (أحبك) وبين بُعدٍ قصدت به قربك ، كانت تلك أنا معك ، حياة التضاد تلك التى أحياها بقربك فلا تصدقني لكني لن أخبرك بهذا ...
بعد أن سار "معتصم" عدة ساعات بطريق سفرهم إلى الإسكندرية رفع سوداوتيه تجاه المرآة العاكسة أمامه ليجد "حليم" قد سقط غافيًا بعد بقائهم متيقظين ليومين على التوالي ، وجدها فرصة عظيمة للتحدث مع شرسته بمفردهما فسار بمحاذاة الطريق حتى توقف تمامًا على جانبه لتناظره تلك الصامته منذ بداية سفرهم بإستفهام مقتضب ...
- وقفت ليه ؟!!
دون الإكثار من الحديث حتى لا يوقظ "حليم" أشار إليها بعيناه نحو الخارج بشموخ غريب يدعوها للترجل دون النطق بذلك ...
فهمت "عهد" طلبه على الفور لتبقى للحظات دون الإستجابة له ، لكنه ترجل من السيارة ليلتف حول مقدمتها ليقف بإنتظارها بعيدًا عن السيارة لتجد نفسها تلحقه مصطنعة الجدية والإعتزاز لمعرفة فيمَ يريدها الآن ....
وقفة شامخة نظر بها نحو الأفق البعيد واضعًا كفاه بجيبي بنطاله الأسود يسحب شهيقًا بطيئًا بإنتظار متوحشته لتنصاع لطلبه وتلحق به ، نظرة ثاقبة بتلك الجوهرتان السوداوتين تظن لوهلة أنه يخترق بها الأفق الخالي نحو الفراغ المبين أمامه حتى شعر بقدومها ، هزة لاحت بهذا الساكن بين ضلوعه تُشعره بنشوة سعادة إجتاحته فيبدو أنه يدير الأمر لترويضها كما يجب ...
لم يكن منها إلا وقفة صامته إلى جواره تطالع بعسليتيها الفراغ المنبسط أيضًا فلن تبدأ بسؤاله عما يريد ، لن تتنازل ولن تتهاون ...
وقفة معتدة من كلاهما طال بها الصمت فكلاهما عنيد معتد بنفسه شامخ و .. محب ...
رغم ضربات قلوبهم التى تسارعت والتى تجاهلها كلاهما إلا أن كل منهما تحلى بالثبات بإنتظار خضوع الطرف الآخر ، لكن أمر حل بكلاهما فبداخل "عهد" تتشوق بشدة لمعرفة عما يريد التحدث به ، وبداخل "معتصم" حماس لا يوصف لبدء حديثه معها ، وبعد إنتظار لبعض الوقت ظن كلاهما أن الآخر لن يتحدث ليلتفا بذات اللحظة بمواجهة الآخر ..
هنا فقط سقطت الحصون وتلاقت العيون الولهه لكل منهما ، إنها الوحيدة التى صرحت بما يضمراه بداخلهما فعيونهما نطقتها بشوق ولهفة لكن جفت ألسنتهم عن ذلك ...
زاغت سوداوتيه بعينيها الناعستان فلم يعد يطيق الصبر ، ولن يخفي الأمر ، إنه يحبها حبًا حقيقي ليس ظنًا أو خيال وعليه الآن معرفة هل تكنُ له ذات الشعور أم أنه قد فهم بالخطأ ذلك ...
تهدلت ملامحها المتجهمة بليونة أمام مقلتيه البراقتان النافذتان نحوها لكنها سرعان ما أخفت ذلك خلف نبرتها الجافة متسائله ..
- خير ، عاوز مني إيه ..؟!!
لم يعد للأمر حاجة للإخفاء ، قرر التحدث ووضع كل النقاط بحروفها ...
- إنتِ ليه بتعملي كدة ؟؟!
تصنعت عدم الفهم وهي تتهرب بعينيها عن عينيه الكاشفتان لأمرها ...
- بعمل إيه يا فندم ، هو فيه حاجة عملتها غلط !!!
إتسع جفناه ببعض الحدة ثم أردف ينهرها ..
- "عهد" ، بلاش الغباء ده لأنه مش لايق عليكِ ، إنتِ فاهمه كويس أنا عاوز أقول إيه ...
ضمت شفتيها بتهكم معقبة متصنعة عدم الإهتمام ...
- مش مهم فاهمة ولا لأ ، عادي يا قائد ...
زفر "معتصم" بقوة فهو لا يتحمل هذا الإسلوب المراوغ كثيرًا فهو محترف به ولن تحاول معه بما هو ماهر به ...
- إفهمي بقى يا "عهد" ، أنا مكنش ينفع أقولك ، ده مهما كان شغل وأوامر ، حاجات مش جديدة عليكِ ، لأن واحد زائد واحد يساوي إتنين ، أنا لو كنت قولتلك على طبيعة المهمة كان ممكن تعرضي نفسك لخطر ، أنا مكنش ينفع أخالف الأوامر ...
وجدت نفسها لا إراديًا تعاتبه بحدة وتتنازل عن قوقعتها وإخفاء الأمور بداخل نفسها ، لأول مرة بحياتها تتخلى عن قناع تحلت به وتخرج مشاعرها المنفعلة تجاهه ...
- خطر !! يعني إنت مكنتش عارف إن أنا كنت في خطر ...؟!!
إنتشاء لحظي بإحساسه بتحطيمها لتلك الهالة الغير عابئة التى غلفت بها نفسها ليستكمل موضحًا برغبة مُلحة في توضيح الأمر وإنهاء سوء الظن ...
- "عهد" أنا كنت مَأمِنِك أكتر من نفسي ، صدقيني مكنش حيكون فيه أذى ليكِ ولو حصل حيكون ده بعد ما أفديكِ بحياتي الأول ...
لحظة من الصمت المندهش وهي تطالع عيناه المحبة ، لمحات من مشاعر لا تعرفها ، إحساس جديد لأول مرة تشعر بالإرتجاف حين تدركه ، شئ مفرح ومخيف بذات الوقت ، بل إحساس مفزع لنفسها حين لاحت الفكرة برأسها ، لا لن تنساق بهاوية العشق ، لن تصبح كنساء عائلتها الضعفاء ، توجمت بتحفظ لتعقب بخفوت ...
- لا ، لا مينفعش ...
تساءل لعدم وضوح مما ترفض ...
- هو إيه إللي مينفعش يا "عهد" ..؟؟؟
دون توضيح أجابته ...
- ولا حاجة ، كمل ...
هو لا يسقط ببحور الهوى بسهولة ، لكنه أيضًا تعلم إنتهاز الفرص ، حياته سلسلة من النجاحات والقبض على الفوز حين يلمحه ، وهي فرصة لسعادة قلبه ومشاعر لم يدرك أنه يحمل قلب مفعم بها ، لهذا يتوجب عليه ألا يخسرها فهو الرابح بكل المعارك وتلك المعركة بالخصوص لن يتواني عن الفوز بها فهي جائزته التى حلُم بها منذ زمن بعيد ، زفر بقوة قبل أن يستطرد محفزًا نفسه على إخراج تلك الكلمات التى توقفت بحلقه ...
- لما عرفت من "طه" إنكم مخطوبين بعدت ، لكن دلوقتِ أقدر أكلمك وأقولك على إللي جوايا بصراحة ...
تخوفت "عهد" من إستكمال حديثه لتخطو جانبًا عائدة إلى السيارة ، لكنه إستوقفها بخطوة جانبية ليقف حائلًا أمامها يمنعها من الفرار ...
- متهربيش ، أقفي قدامي هنا ، إسمعي مرة كلامي للآخر ...
رفعت عسليتاها الحائرتان ليقابلهما بنظرة نافذة إخترقت قلبها وأصمتت لسانها ليكمل بإحساس مفعم بكل حرف ينطق به ..
- "عهد" ، أنا بحبك ، مش عارف إمتى وإزاي ، لكن إنتِ بجد خطفتِ قلبي مني ، حقيقي وبقولهالك ، أنا .. بحبك ...
إبتلعت ريقها المتحجر وقد تيبست بموضعها لتشعر بتوتر غريب لا يناسب شخصيتها القوية ، شعرت بالإهتزاز والإرتجاف لكلماته لتجيبه بما لم يكن ينتظر سماعه ...
- أنا مش ضعيفة ، ومينفعش أكون ضعيفة ، أنا طول عمري قوية عشان مكنتش منتظرة من حد إنه يحبني ، أنا لا عايزة أتحب ولا عايزة حد يتحكم فيا ...
ضاقت عيناه بتجهم ليطالعها بنظرته الحادة الغير مقتنعة بما تتفوه به ...
- يتحكم فيكِ !!! ومين قال إن إللي بيحب حد بيتحكم فيه ويخليه ضعيف ، بالعكس ، الحب بيديكِ القوة ، الحب مش فرض سيطرة ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
ضحكت "عهد" ضحكة تهكمية خفيفة قبل أن تردف بتساؤل ساخر ..
- يعني إنت عاوز تفهمني إنك بشخصيتك دي مش حتتحكم وحتبقى متفاهم وكيوت و تسيب الحرية للبني آدمه إللي حتتجوزها ، عاوز تفهمني إنك ملاك نازل على الأرض بجناحات ، بلاش مثالية وكلام فارغ ، كل ده عشان توصل لهدف ، ووقت ما توصل له خلاص ، كل الكلام ده بيتمسح ، زي شخصيتي ما حتتمسح ، لا يا "معتصم" باشا ، أنا قوية ، وحفضل طول عمري قوية ...
أراد أن يثبت لها أنها تتفوه بما لا تشعر به كاشفًا مشاعرها أمام نفسها ...
- يعني أفهم من كدة إن مفيش أي مشاعر ليا جواكِ ؟!! ، وإن لما كنا فى الكوخ كل ده كان تمثيل في تمثيل ، تبقي غلطانة ، أنا متأكد إن إللي جواكِ و إللي بتحاولي تخبيه غير كلامك ده إللي بتقوليه ...
رفعت رأسها بشموخ تنفي فهمه لمشاعرها التي لا تدري كيف تأكد منها إلى هذا الحد ...
- أيوة ، مجرد تمثيل في تمثيل وإنت ولا حاجة بالنسبة لي ، ويا ريت بقى نقفل على الموضوع ده أنا لا بتاعة حب ولا عواطف ...
أنهت عبارتها وأسرعت بخطواتها تجاه السيارة هاربة منه ومن نفسها الفزعة التى أدركت عشقه لها ، لكن المخيف هو تيقنها أنها أيضًا تعشقه ...
جلست بمقعدها وهي تلمح "حليم" بطرف عينيها قبل جلوسها للتأكد أنه مازال نائمًا ولم يلاحظ توقفها مع "معتصم" ...
هي رفضت الإفصاح عما تشعر به من عشق له بينما لاحت إبتسامة ماكرة فوق ثغرة الممتلئ متيقنًا بأنها تبادله نفس الشعور لكن عليه الآن جعلها تعترف بهذا العشق وتتدارك مخاوفها التى تثير فزعها بلا داعي ...
عاد "معتصم" للسيارة جالسًا بمقعد السائق لتدور برأسه عدة أفكار لجعل تلك المشاكسة تعلن الإستسلام والرضوخ للعشق ، أدار محرك السيارة مستكملًا طريقهم للأسكندرية لإتمام المهمة ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
بيت المستشار خالد دويدار ( شقة عيسى) ...
وسط صراع من نفسه تجاه ظنه ، صراع بين النفس وشيطانها وبين الشك والألم ، صراع يجعلنا نُدهَس بين كفي الرحى ، يرضى بمن يتغلب لكن القوة بمن يغلب نفسه ويهزم شيطانه وظنه ...
بهدوء نفس رغم ما أثاره رؤية زوجته بهذا الوضع الغريب بالأمس إلا أنه يدرك شئ وحيد أنها لن تخون ، لن تُسقط ثقته بها ، إنها أهل له ولقلبه ، لهذا عليه فهم الأمر أولًا قبل أن يصدر أحكام ، لكنها بالنهاية تبقى "غدير" القلب ومنبعه ...
تحدثت عيناه المتسائله بينما إلتزم الصمت والمراقبة حتى حين أخذت "غدير" تثرثر كعادتها كان يقابلها بهدوء صامت ...
- حتى يوم الجمعة يا "إيسوووو" صاحي بدري ، عاوزة أنام يا أستاذ يا نشيط ..
تسائل بداخله دون التصريح به ...
-( مين ده ؟!! وكنتي واقفه معاه ليه ؟!!) ..
رفعت "غدير" حاجبيها أثناء ميل رأسها الصغير بتعجب من صمته وعيناه الحائرة المسلطة عليها ...
- مالك ؟! مبحلق لي كدة ليه ؟! ما ترد عليا ، نشاط أوفر الصراحة ...
قالتها وتعالت ضحكاتها الصاخبة لكنها إبتلعتها بعد قليل عندما لم تجد تجاوب من "عيسى" لمزاحها لتقضب حاجباها بجدية قبل أن تجلس إلى جواره متسائلة بقلق ...
- "عيسى" مالك ؟! حاجة مضايقاك ولا إيه ؟!!
تطلع مرة أخرى بوجهها كما لو أنه سيكشف ما بداخلها من مجرد نظرة عميقة من نظراته ، نظرة جعلتها تشعر بالإرتباك وعدم الفهم ...
إبتلعت ريقها ليصاحبها تهدج لأنفاسها بإضطراب قلقًا عليه ...
- "عيسى" مالك بجد ؟؟ ساكت كدة ليه ؟!!
زفر مطولًا قبل أن يخرج كلماته بصعوبة ...
- مفيش يا "غدير" ، نامي إنتِ أنا نازل تحت عند بابا وماما ...
نهض ببطء ليثير إقتضابه قلقها وتخوفها بداخل نفسها محدثه إياها ...
- ( ماله النهاردة ، هو زعلان مني ولا إيه ؟!! مش عوايده خالص ) ...
تابعت تحركه حتى غادر الشقة بنظرات حزينة من أن تكون قد أغضبته أو قامت بفعل ما ضايقه ، حتى أنها شكت بأنه قد رآها بالأمس لتهمس بنفي تام ..
- لأ لأ ، أكيد مشافنيش ، ده جه بعدها ، ومقالش حاجة ، اه ، لو كان شافني مكنش سكت ...
أين ستجد النوم والراحة بعد ضيق "عيسى" ، لن تشعر بالراحة وهو على هذا الحال لتبحث عن سبب مناسب لغموض ضيقه المفاجئ ...
- يمكن حاجة فى القضية بتاعته شاغله دماغه ولا حاجة !!! أه أكيد كدة عشان لو كان حاجة تانية كان قالي ...
وبين تخبط من كلاهما إتجه "عيسى" لشقة والديه مبتعدًا عن بقائه مع "غدير" لبعض الوقت ...
لم يكن الحال بأحسنه بين "خالد" و "منار" اللذين غلب عليهم التجهم والضيق فيما دلف "عيسى" ملقيًا تحية الصباح ...
- صباح الخير ، مالكم قاعدين ليه كدة ؟!!
زمت "منار" شفتيها بإمتعاض لتشير بعينيها تجاه "خالد" قائله ...
- شوف باباك ، عاوز يحدد معاد كتب كتاب "رؤوف" من غير ما يقوله ...
جلس "عيسى" وقد تجلت مظاهر التعجب من فرض والده رأيه عليهم فهذا ليس من طبعه المتفاهم ...
- من غير ما يقوله !!! ليه يا بابا ..؟! مش متعودين منك فرض الرأي أبدًا ، إيه إللي حصل ؟!!
بدون توضيح يُريح قلب وفكر "منار" ألقى "خالد" اللوم على تصرفات "رؤوف" الراعنة ...
- مش شايف أخوك و إللي بيعمله !! ده ميتسابش لنفسه ، هو كدة يكتبوا الكتاب الجمعة الجاية ويشتروا العفش عشان حنتمم الفرح على طول ...
لم تتاح حتى الفرصة لـ"منار" للإعتراض فقد قطع حديثهم وقوف "رؤوف" بصدمة أمامهم ...
- إيه ؟!!!!!! كتب كتاب مين ؟؟ أنا ؟!! فجأة كدة من غير ما تاخدوا رأيي ، ليه عيل صغير ؟!!
ما خشيته "منار" قد حدث ، وضعت كفها فوق فمها بفزع من معرفته ومن رد فعل "خالد" فيما بعد ، كرد متوقع نهض "خالد" بملامح مقتضبة قاسية مردفًا بإنفعال ...
- أيوة صغير ، لما تبقى في سنك ده ولسه بتغلط غلطات العيال الصغيرة يبقى لازم نفوقك ونوقفك ...
تهدجت أنفاس "رؤوف" بقوة حتى شعر بتوعك شديد بمعدته تقلصت لها ملامحه بإمتعاض ...
- أنا يا بابا !!! ليه ، اه ، عملت إيه ؟!!
تقوس ألمًا بسبب معدته الثائرة بينما أجابه "خالد" بضيق على وشك الغضب ...
- مشيك تعطف وتلطف مع البنات دي شوية ودي شوية خليت شكلنا وحش قدام خطيبتك وأهلها ، مش مسترجل وجامد كدة ، إللي أعرفه إن الراجل لازم يكون جامد ، ناشف ، الكل يعمل له حساب ، الحنية والنحنحة دي مش للرجاله ، ولا إيه ؟!!
هب "عيسى" يهدئ الأمر بينهما فلا داعي للغضب وإثارة حنق والدهم الذى يكنون له كل الإحترام والرهبة أيضًا ، لحق "عيسى" بـ"رؤوف" قبل أن يقحم نفسه بجدال مع والده سيسبب له الضيق ويقلل من إحترامه له ...
- خلاص يا "رؤوف" ، بابا شايف إنك تتجوز بسرعة أحسن ، وهي كدة كدة "نيره" محدش فارضها عليك عشان تعترض ، يبقى الكلام ملهوش لزوم و إللي كان حيحصل كمان كام شهر نقدمه شويه وتتجوزوا على طول ...
إبتلع "رؤوف" إعتراضه وضيقه ليدلف نحو غرفته ، لا يدري لم الآن يشعر بالغضب والرفض لإتمام تلك الزيجة ، هل لفرض والده عليه الموعد المبكر ، أم لإحساس جديد ولد بقلبه دون إرادة منه ، هل يرفض "نيره" أم إحتلته "مودة" وشتت أفكاره وقراراته ...
جلس فوق الفراش متوعكًا فتقلص معدته أخذ في التزايد ، لكنه عاد لأمر ثابت بنفسه أنه لن يعارض والده ويغضبه وفي نفس الوقت لا ذنب لـ"نيره" بعشق وصل لقلبه متأخرًا سيظلمها به ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
ليرضخ رغمًا عنه لترتيب القدر الذى لم يظن يومًا أنه حين يحين ذلك سيصبح بهذه التعاسة ...
حاول "عيسى" تهدئة والده أولًا قبل أن يدلف لـ"رؤوف" يهدئ من نفسه وتقبله للأمر بطريقة دبلوماسية تجاوب معها "رؤوف" لإنهاء الأمر لا أكثر ، لكن بقى قلبه حزينًا لضياعه لفرصة متأخرة مع "مودة" فليته علم بذلك قبل الآن لكان إستطاع تغيير الأمر بدون أزمات بين أهله وأهل "نيره" لكن الآن لم يعد للأمر بُد وعليه تقبل الأمر الواقع ...
❈-❈-❈
بيت النجار ( شقة فخري) ...
وصلة قاسية ولا مبالاة بها كان ذلك لقاء يومي بين "صباح" و "راويه" بشرفة منزلهما لتنتهي "صباح" بسماعها صوت جرس الباب لتدلف مسرعة نحوه بخطواتها الثقيلة المترنحة ...
- "ريهام" ، تعالي تعالي شوفي النصيبة إللي أنا فيها ...
دلفت "ريهام" بتغنج هادئ غير مكترثة بإنفعال "صباح" لتمتعض بشفتيها الرقيقتين قائله ...
- خير يا حماتي ، جايباني على ملا وشي كدة ليه ؟!! يا ريت يكون حاجة مهمة بس في الآخر !!!
دفعتها "صباح" بخفة نحو الداخل تفرغ ما بداخلها من إنفعال فلا أحد يكترث لأمر ضيقها ...
- شوفتي إللي حصل !!! "مأمون" حيتجوز ...!!!!
ببرود تام كما لو أن من تتحدث عنه ليس بزوجها أطلقت "ريهام" زغرودة ممتعضه قبل أن تردف ...
- يا ألف بركة ، وأنا مالي يا حماتي ..
إتسعت عينا "صباح" بإندهاش لتعقب بإستياء من برود "ريهام" ...
- هو إيه إللي ، يا ألف بركة ، هو ده مش جوزك ولا إيه ؟!!
أجفلت "ريهام" عيناها بتملل لتردف ساخرة ...
- كان ، كان جوزي ، هو حر ، يتجوز يطلق يغور ، وأنا مالي ...
جلست "صباح" بذهول تام قائله ...
- هو إيه أصله ده !!! إنتِ البعيد باردة !!!
تحفزت ملامح "ريهام" الهادئة لتقتضب بحدة مردفة بإنفعال ...
- إيه باردة دي ؟؟! إنتِ بتتكلمي معايا أنا كدة ؟!! لاااا مش أنا يا حماتي ، أنا محدش يشتمني ولا يقل مني أبدًا ، فاهمة ...
إنفعلت "صباح" صارخة بها فهي لم تعد تتحمل منذ ما حدث بالأمس فأعصابها متوترة بشكل بالغ ...
- إنتِ بتزعقيلي يا بت "سعيدة" ، أنا تزعقيلي وأنا جايباكِ خايفه عليكِ وعلى مصلحة عيالك وفلوسهم ...
وقفت "ريهام" مستكملة غضبها المحتد غير عابئة بقوة تلك المرأة فهي تتحكم بها بما تعرفه عنها لتردف بنبرة تهديدية واضحة ...
- لاااا عيالي وفلوسهم مينقصوش جنية ، والحبة دول يتعملوا على حد غيري مش أنا ، إبنك وإنتِ حره فيه أنا سيبتهولكم تشبعوا بيه ، لكن فلوس عيالي وربنا ما حسكت ...
فهمت "صباح" تهديدها جيدًا لتنهض بتبجح ودون الإهتمام فليس بالبيت سواها وتلك المنزوية بالشرفة ولن تسمع حديثهما مهما حدث لتردف بإستهزاء ...
- أعلى ما في خيلك ، إركبيه ، قولي إللي تقوليه أنا ميهمنيش ...
مطت "ريهام" شفتيها للأمام قبل أن تخرج ما في جعبتها تستكمل تهديهدها لـ"صباح" ...
- خلاص طالما إنتِ مش خايفه ، أنا حقول لعمي "فخري" مراتك الست "صباح" بتعمل لك أعمال عند الشيخ "كرامه" من سنيييييين عشان تفضل مكمل معاها ومتسيبهاش ولا تسيب البيت ، وإنها بتحط الأعمال ليه في كل مكان وفي الأكل إللي بياكله ، وكل ده عشان ميسيبهاش ويروح لغيرها ، تحبي أقول أكتر ولا كدة كفاية ، أقوله إنك مش بترضي تاكلي عند اى حد عشان خايفه حد يعملك عمل زي ما بتعملي للناس ، ولا أقوله على أذيتك للناس وأى حد يزعلك ...
رفعت "صباح" حاجبها بخيلاء لتعقب مهدده إياها ...
- قولي زي ما تقولي محدش هنا عشان يسمعك ، وأنا بقولك أهو كلمة واحدة توصل لـ"فخري" يا ويلك مني ، مش حتعرفي حيجرالك إيه ، ومش حتشوفي مني مليم ...
صدمت "صباح" حين كان الرد آتيًا من خلفها وليس من "ريهام" فقد إستمعت لصوت جهوري صارخ ينطق بإسمها جعل الأرض تهتز من تحت أقدامها ..
- "صبااااااح" ...
إستدارت "صباح" لتتسع حدقتيها بفزع متمتمة بإرتجاف ...
- فخري !!!!!!!!
❈-❈-❈
شقة (زكيه) ....
عادت "شجن" كما لو أنها لم تقم بشئ من الأساس لتنتظر أن يأتي "بحر" وينهي تلك الأزمة وترتاح من داخلها لنهاية هذا الصراع الأزلي بين زوجة عمها ووالدتها بزواج إحداهن ...
لم يخيب ظنها لتسمع طرقات ببابهم أسرعت نحو الخارج لتشاهد الأمر من بدايته ...
فتحت "زكيه" الباب متفاجئة بوجود "بحر" ، لقد إستطاعت حفظ ملامحه الهادئة بالطبع رغم رؤيتها له مرة واحدة ، كانت مرة لا تنسى ، فغرت فاها بقوة وهي تشهق فزعًا لتكرار الأمر ..
- يا لهوي ، إنت تاني ؟؟!!
على الفور كانت "نغم" تلحق بوالدتها المندهشة لتطالع وجوده بصدمة تحرك رأسها رافضة إستكمال ما حدث بالأمس لتردف مهاجمة دون إنتظار ...
- إنت جاي تاني ليه ؟!! إحنا مش ناقصين مصايب تقع فوق راسنا ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
لم يكترث لرفضهم فزواجها من "مأمون" لأمر مرفوض تمامًا ولن يضيع فرصته معها لمصلحتها أولًا وحياة له بالمقام الثاني ..
- أنا جيت في موضوع مهم مينفعش يتأجل ...
تطلعت "زكيه" بتخوف للسُلم من خلفه خوفًا من مجئ "صباح" كما فعلت بالأمس لتشير نحو الداخل بتردد تدعوه للدخول ..
- طب إدخل قبل ما حد ياخد باله ...
خوفها غير الطبيعي جعله يشعر بالإستياء ، فلم تخشى تلك الوقحة لهذا الحد ، إنها لا تقوم بأي فعل خاطئ لما التخوف إذن ..
إنصاع لها ليدلف نحو الداخل لتشجعه نظرات "شجن" المتحمسة لمجيئه ، جلس بهدوء متابعًا تلك العيون المستاءة لوجوده لكنه بدأ حديثه مباشرة ...
- أنا حدخل في الموضوع على طول ، أنا جاي طالب إيد "نغم" ...
تطلعتا لبعضهما البعض بصدمة ثانية لتجيبه "نغم" بعجالة خوفًا من ضياع فرصتها مع "مأمون" ...
- أنا خلاص إتخطبت إمبارح لـ"مأمون" إبن عمي ..
بإصرار شديد أكمل "بحر" ...
- أنا بطلب إيدك عشان أنا فعلًا عاوزك وشاريكِ مش لإنقاذ موقف ، "نغم" بلاش تسرع ، "مأمون" مينفعكيش ...
بإصرار منها أجابته لتنهي الأمر كافة بلا رجعة ...
- "مأمون" طلبني وأنا وافقت ، أنا بحبه ومش عاوزه غيره ...
نظر نحو "زكيه" يدفعها للتدخل ...
- إتكلمي يا طنط ، أكيد الموضوع ده مش عاجبك ، أنا عارف إنك وافقتي عشان مفيش حل غيره ، لكن أنا بقولك أنا موجود وشاري بنتك وعاوزها ...
تغلب عليها خوفها فبم ستخبر "مأمون" و"فخري" إذا وافقت ، إنها لا حمل لها بمواجهتهم أيضًا لتجيبه بنفس مهترئة ...
- خلاص يا إبني ، القسمة والنصيب ...
سعدت "نغم" لموافقة والدتها لتهب "شجن" تنهرهما بحدة ...
- إنتوا بتقولوا إيه ؟؟! الراجل جاي أهو ، وعاوز يخلصنا من الهم ده ، تقولوله لأ ليه !! بتعملوا ليه كدة ؟!!
تخوفت "زكيه" من أن يسمعها أحد لصوتها العال المحتد لتهتف بـ"بحر"...
- بص يا إبني ، خلاص ، بلاش تيجي هنا وتعمل مشاكل ، إبن عمها عاوزها وخلاص ، إحنا مش ناقصين مشاكل معاهم ، إمشي يا إبني ، ربنا ييسر لك طريقك ...
تطلع نحوهم بغضب مكتوم فيما دفعته "زكيه" بخفة نحو الباب بترجي ...
- أبوس إيدك إمشي ، أنا ما صدقت الدنيا هديت ، سيبنا في حالنا ، إحنا ناس مش بتوع مشاكل ...
إعراض "نغم" عنه جعله يشعر بأن مكانه ليس هنا ، ليخرج من الشقة لكن مازال الأمر لم ينتهي بالنسبة له بعد ...
أغلقت "زكيه" للباب من خلفه ليكون بذلك إشارة لـ"شجن" بإخراج إنفعالها المكتوم لسلبية أمها التى ستقضي عليهن ...
- ليه ، بتعملي ليه كدة ، تعالي نمشي ونروح فأي حته ، بلاش ترخصينا كدة ، بلاش تخلينا سلعة للي يسوى واللي ميسواش ، بلاش الجوازة دي ...
إعترضت "نغم" وهي تقف بمحازاة أمها كمن تدعمها للبقاء ، فأخيرًا سيحقق أملها كما تظن ...
- مالكيش دعوة يا "شجن" ، إحنا راضيين ، وبعدين حنروح فين ، وليه ، أنا عايزة "مأمون" ، عاملاها مشكلة ليه ؟!!
نظرت "شجن" بعيون متوسلة لأمها لتخلصهم من هذا العذاب ...
- يا ماما ، دي هبلة ومش عارفه مصلحتها ، "مأمون" إيه بس ، قوليلها حاجة ، فهميها إن حياتها معاه كلها عذاب ، إنطقي وخلصينا ، خلينا نمشي من البيت ده ...
زاغت عينا "زكيه" الدامعتين بحيرة بين كلتاهما فلأول مرة تختلفا بهذا الأمر ، شعرت "نغم" بتردد والدتها لتردف بترجي ...
- ماما ، أنا بحب "مأمون" وعاوزاه ، أنا مسؤوله عن إختياراتي ، متضيعيش مني حلم عمري ، خلينا هنا ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بإشفاق على حال إبنتها وبرضوخ لحياة طالما عاشتها أجابت مطأطئة الرأس ...
- خلاص بقى يا "شجن" ، أختك موافقة أهي ، وكمان ممكن بعد جوازها من "مأمون" الأمور تنصلح و"صباح" تسكت ...
تهدلت ملامح "شجن" بصدمة تلي الأخرى ، لا تصدق مدى الخنوع والإستسلام لهذه الوضاعة لتردف بحدة وغضب لم يمر بها من قبل فلم تعد تقوى على تحمل تلك الحياة ...
- أنا خلاص معدتش قادرة أستحمل كل الخوف والجُبن ده ، أنا مش عارفه أعيش ولا أفرح ، حياتي كلها مقضياها خوف ووجع قلب ، عشان إيه !!! شقة في بيت عيلة كلها مشاكل وتُهَم وكلام محدش يتحمله ، لأ ، كفاية بقى ، كفااااية ، عايزين تقعدوا إنتوا براحتكم ، أنا خلاص معدتش قادرة ، أنا ماشيه وسايبة البيت ده ، إنتوا أحرار ، أنا مش حستني لما أترمي أنا كمان في حياة هباب غصب عني ...
دلفت لغرفتها المشتركة مع "نغم" لتخرج بعد دقائق قليلة تحمل حقيبة صغيرة هاتفه بهم بثورة غاضبة ...
- أنا حمشي وحكسر التليفون ، طول ما إنتوا مستحملين القرف ده والله ما أنا راجعه ...
فتحت الباب بقوة لتخرج منه بخطوات سريعة منفعلة بينما أخذت "زكيه" تناديها بصوت متهدج يقطع القلوب ...
- لا يا "شجن" ، يا "شجن" ، "شجــــــــــــــــــــن" .....
ويبقى للأحداث بقية ،،،
إنتهى الفصل الخامس والعشرون ،،،
قراءة ممتعة ،،،
رشا روميه (قوت القلوب)
•تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي" اضغط على اسم الرواية