Ads by Google X

رواية ظننتك قلبي الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم قوت القلوب

الصفحة الرئيسية

 رواية ظننتك قلبي الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم قوت القلوب 

(الفصل الرابع والعشرون)
تقول الأفعى إن البشر يلعنونني كل يوم ، وكيف لهم أن ينعتوني بذلك على الأقل لم أبتسم بوجههم يومًا ، فلست أنا من أظهر غير ما أبدو فأنا بوضوح لم أجبر أحد على التعرض إلىّ ، كلنا مجبرون على حياة نعيشها ، الخوف من أن يتم الإجبار من ظالم بلا قلب ، أو من سوء الظن ...

إنتصف اليوم وإنتهت منبع الحياة من ترتيب شقتها برفقة "أم مجدي" لتغادر بعدها على الفور متجهه لبيت أختها لزيارة جديدة تريح قلبها وفكرها المنشغل بأختها طوال الوقت ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بروح متفائلة من جديد تنير الحياة بإقبالها عليها تلقى بالعثرات خلف ظهرها ، وصلت "غدير" لبيت "مودة" سعيدة مرة أخرى بإيجاد مفتاح الشقة بحقيبة يدها لتفتح الباب مباشرة قبل أن تدلف لتصدح بقدومها الصاخب ...
- أ "دوداااااا" ، إنتِ فين يا فتاة ، أنا جييت ..
طلت "مودة" برأسها فلم تلبث دقائق فقط منذ أن عادت من الشركة لتهتف مرحبة بأختها ..
- "دورا" ..!! مقولتيش إنك جاية ، تعالي تعالي ...
أغلقت "غدير" الباب من خلفها لتدلف بإرهاق تلقي بنفسها فوق الأريكة بصدر ناهج ...
- تصدقي شكلي عجزت ، الواحد خلاص حيكمل الأربعين ..
فاهت "مودة" بتعجب فهي مازالت صغيرة ولا تقرب حتى من هذا العمر لتردف بمزاح ..
- أربعين إيه يا أختي ؟؟ قصدك أم أربعة وأربعين !!! 
تصنعت "غدير" الإندهاش لتجيب بإشمئزاز ..
- هو إنتِ بوقك ده مبيتقفلش ، على ذكر البوق محضرتيش غدا حلو ولا أبلتك "سامية" مبعتتش أكل مبوظاه تاني ، مش عارفه جعانة ليه ؟!!
جاورت "مودة" أختها لتجيبها بنفي أثار شكوك "غدير" ..
- لأ ، مفيش ، أصل أنا خلصت الأكل إللي عندي عشان أخدته معايا وأكلنا أنا و "رؤوف" ..
إعتدلت "غدير" تحاول فهم مقصد "مودة" ...
- ليه ؟! إنتوا بتاكلوا مع بعض ؟؟!
إضطربت "مودة" فيبدو أنها أخطأت وظهر جليًا توترها وإحتقان وجهها بحمرة مشتعلة لتردف بتلعثم ...
- لأ ، اه ، قصدي عادي يعني ، كنت واخده معايا أكل وأكلنا ، عادي ، عادي خالص ...
تحولت "غدير" بجديتها لشخصية أخرى تمامًا ، تملكها دور الأخت الكبرى التى تخشى على أختها من الأخطاء ..
- "مودة" !! إيه الحكاية ؟!! مالك ومال "رؤوف" ، طريقتك وشكلك مش مريحني ، هو "رؤوف" قالك حاجة أو عمل حاجة غريبة ؟!!
تهمة ستلصق به ويصبح خائن لـ"نيره" وهو لم يفعلها ، بل هي المخطئة وتدرك ذلك ، لتنكس "مودة" رأسها بحرج قائله ...
- لأ يا "غدير" ، هو معملش حاجة ، ولا قالي حاجة ، بالعكس بيعاملني زي أخته ...
قالتها بمرارة علقت بحلقها فهمتها تلك العاشقة من قبلها فيبدو أن أختها ببحور العشق غارقة لتتسع عيناها الواسعتان بفزع ...
- "مودة" ، إوعي تكوني ااااا ...
لم يعد هناك بُد من إخفاء الأمر لتطأطئ "مودة" رأسها مكتسية بإحساسها بالذنب الذى يغرقها تمامًا ..
- والله غصب عني يا "غدير" ، غصب عني ...
أحاطتها "غدير" بذراعيها لتقبع "مودة" بأحضانها تزيح ثقل مشاعرها الحبيسة عن قلبها المرهق ..
- بحبه وعارفه إننا مش لبعض ، بس مش قادرة أمنع نفسي ...
تنهدت "غدير" بقوة قائله ..
- وأنا إللي حطيت البنزين جنب النار وزودتها عليكِ بشغلك معاه ، بس مينفعش يا "مودة" ، "رؤوف" مش خالي وإحنا أخلاقنا مش كدة ...
بندم شديد عقبت "مودة" ...
- والله عارفه ، وأنا مبينتش حاجة ، بس قلبي خاني وحبه ، أعمل إيه !!!!
بتفهم لمشاعر أختها الوليدة أجابتها ...
- مش عارفه ، بس إوعي تسمحي لنفسك مهما كان مؤلم إنك تفرقي بينه وبين "نيره" ، إبعدي يا "مودة" ، إلا الخيانة ، مؤلمة أوي ...
أغمضت "مودة" عيناها بألم فهي تدرك ذلك ، وربما هذا هو ما يضيق صدرها طيلة الوقت ، فعشقها كُتب عليه الموت قبل أن يظهر للنور ...

❈-❈-❈

فيلا المراقبة ...
بعد عودة "طه" و "عهد" إلتزم كلاهما الصمت لتعود "عهد" لموقعها دون الإهتمام بشئ آخر كما لو أنها لم تفعل شيئًا منذ قليل ، كذلك "معتصم" كان يعمل بحرفية شديدة لكن بين الحين والآخر يسترق النظر تجاه تلك الغافلة عنه كما لو أن رؤيتها إلى جواره تصيبه بلذة غريبة وإستمتاع لا حدود له حتى أنه ذات لحظة طال النظر إليها لتعلو عيناه نظرات محبة أدركها "طه" على الفور فقد تحفز للمراقبة لكن هذه المرة هي مراقبة "معتصم" و "عهد" ...
أصوات تخبطت برأسه محدثًا نفسه ...
- ( الظاهر الحكاية جد و الضابط المحترم وقع في ست الحسن والجمال ، وأنا هنا طرطور ) ...
تعمق "طه" ببصره تجاه "عهد" المندمجة بأحد الأجهزة تستمع لحوار أفراد الشبكة وتخطيطهم ليستكمل حديثه لنفسه ...
- ( بقى أنا تبهدليني وتمرمطي بكرامتي الأرض ، عشان هو ضابط كبير وله وزنه إنما أنا آجى إيه جنبه ، ماشي يا "عهد" ، مسيري حردهالك ...) ...
بركان ثائر بداخل نفسه وهو يطالع "معتصم" بغيره وحقد ليس فقط لحصوله على قلب "عهد" بل لأنه ضابط قوي محنك يخترق الصعاب والجميع يوقره ويمجده ...
شرود تام أصابه لم يفق "طه" إلا بصوت "معتصم" الشجي ...
- سامعني يا "طه" ...!!!
إنتبه له "طه" منتفضًا من جلسته ..
- أفندم يا قائد ...
إمتعض وجه "معتصم" لشرود "طه" بوقت صعب كان يجب أن يكون بكامل إنتباهه وإدراكه ليبوخه أمامهم جميعًا كما لو أن الأمر يتحمل التوبيخ أيضًا بنفس "طه" ...
- ما تفوق معايا كدة ، مينفعش الإستهتار ده إحنا مش بنلعب ...
هز رأسه بإرتجاف من قوته مجيبًا إياه بإذعان ..
- تحت أمرك يا قائد ...
عاد "معتصم" حديثه مرة أخرى ...
- سجل لي كل التسجيلات دي مكتوبة بسرعة عشان الوصف والعناوين ...
- تمام يا قائد ...
عاد "طه" لموضعه يستمع للتسجيلات ويدونها بينما أخذ "معتصم" و "حليم" بمراقبة الفيلا بالنظارات المعظمة ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

عطارة النجار ...
قيل بالأمثال الشعبية البيت بيت أبونا والأغراب يطردوننا ، لكن هذا المثل لا ينطبق أبدًا على "فخري" وولده ، فالبيت بالفعل بيت والده لكن من يصده عنه ليس بالغريب ...
وقف "فخري" بأعين مقتضبة ووجه مكفهر ينظر لـ"فريد" الذى تجاوز حده وجلس بمكتبه دون إذن منه ، لقد إستغل إنشغاله وسفر "مأمون" ليظن نفسه الآمر الناهي بالوكالة ...
كذلك "فريد" لم يكن بالقوة والثبات لمواجهة والده ومطالبته بأبسط حقوقه وهي مكانته بالوكالة كأخيه تمامًا ، بل طأطأ رأسه بخزي وخنوع فقد فعل إثمًا يستحق اللوم عليه ، نهض "فريد" بإرتباك وهو يرى والده يناظره بغضب ليتلعثم قائلًا ...
- أهلًا ، يا ااا حاج ...
دنا منه "فخري" ينهره بغلظة ..
- إنت إيه إللي مقعدك هنا ؟! مالك إنت ومال الوكالة ..؟!!
إبتلع "فريد" ريقه المتحجر بحلقه وقد سرت برودة بأطرافه تخوفًا من والده ورد فعله العنيف إزاء تخطيه حدوده التى سمح له بها ..
- مفيش يا حاج ، ده أنا كنت باخد بالي من الوكالة وإنتوا غايبين عنها ...
دفعه "فخري" بقسوة من كتفه نحو الأمام ليَظهر بُغضه له ولسلوكه المشابه لوالدته ...
- متشكرين يا أخويا ، لو كنت عاوز خدماتك كنت طلبتها منك ، إتكل على الله ...
ضغينة حملها "فريد" بداخله ليكتفي بضم شفتيه بقوة دون التفوه بكلمة ، ربما لأنه لا يدري كيف يتصرف بذكائه المحدود ليحرك رأسه إيجابًا مرغمًا ...
- ماشي يا حاج ...
أشار "فخري" تجاه الخارج بذراعه الطويل متحدثًا بجفاء ...
- من غير مطرود يلا ، وريني عرض أكتافك ...
لملم كرامته المبعثرة أمام العمال بالوكالة ليخرج على الفور وهو يغمغم بسخط ...
- طيب طيب ، هو إيه أصله ده ، كل الناس يتطردني وتهزقني ، مفيش حد عامل لي قيمة أبدًا ( ليتذكر زوجته فهي الوحيدة التي تسعى لمصلحته ) ، أنا أروح البيت لـ"حنين" هي الوحيدة إللي عايزة مصلحتي ...

إتخذ "فريد" طريق عودته فهو لن يذهب للمخازن الآن فضيق نفسه جعله لا يتحمل البقاء بالعمل بل عليه العودة بعد أن قام والده بطرده من الوكالة ، كلما حاول الوصول لمبتغاه يجد والده أو "مأمون" يغلقون بوجهه كل الطرق ليزداد حنقًا وبغضًا لهم يوم بعد يوم ...
ظل يركل الحصى بأقدامه بضيق فالطريق للبيت ليس ببعيد عن الوكالة ، هبت بعض الرياح الباردة التي تنذر بقدوم ليلة عاصفة ممطرة ليزداد تمسكًا بسترته ليحمي نفسه من هبوب الرياح ، إنتبه لصوت مألوف لمسامعه ينادى بإسمه ليرفع بصره نحو صاحبة هذا الصوت المتسم بالسوقية ليردف بتفاجئ ...
- خالتي "أم حنين" ...!! بتعملي إيه في البرد ده ..؟!!
تقدمت منه إمرأة نحيلة بأواخر العقد السادس من عمرها تحتفي بزوج إبنتها ...
- طالعة أجيب لعمك "السيد" دواء البرد أحسن مبطلش كحة من إمبارح .. وإسم الله عليك جاي منين بدري كدة ...؟!!
أخفى "فريد" سبب عودته مبكرًا متعللًا بسبب كاذب ...
- أصل أنا كمان داخل عليا برد فقلت أروح أرتاح شوية ...
ربتت "أم حنين" بكتفه بغلظة لا تناسب إمرأة بعمرها ..
- وماله يا أخويا ، أهو تشرب لك حاجة دافية ولا البت "حنين" تعملك شوية شوربة ، (مصمصت شفتيها بملامة ثم أكملت ) ، على عيني أسيبك بس الست "صباح" لا بتحب تاكل ولا تشرب من إيد حد غريب ، قال يعني أنا غريبة عنكوا ...
حرك "فريد" رأسه بتفهم فهذا طبع والدته منذ زمن بعيد ليردف ببعض الإعتذار ...
- ما إنتِ عارفة طبعها ..
بتملل أومأت "أم حنين" مصطنعة التفهم ..
- أيوة طبعًا ، عارفة يا أخويا ، عمومًا إبقى قول لـ"حنين" تبقى تيجي تشوف أبوها العيان ده أحسن بقالها كام يوم معدتش علينا ...
- حاضر يا خالتي ...
قالها "فريد" وهو يهم بتركها وإستكمال طريقجه للبيت الذى لم يعد يبعد الكثير خاصة وأن تغير الطقس أصبح مقلق للغاية ...

بعد مرور بعض الوقت كان "فريد" يقف بغرفة المعيشة يدور حول نفسه متعجبًا ...
- الله ، هي "حنين" فين ؟؟! تكون فوق عند أمي ؟!! 
دلف لغرفة أولاده ومازالت الحيرة متعلقة بعينيه وهو يسألهم بإندهاش لغيابها دون أن تطلعه على ذلك ...
- أمكم فين يا ولاد ...؟؟؟
- مش عارفين ، خرجت من بدري ...
كانت تلك إجابة إبنته قبل أن ينتبهوا لصوت ما لتردف إبنته مرة أخرى ...
- الظاهر جت أهي ...
عاد "فريد" لغرفة المعيشة ليجدها "حنين" بالفعل ليتسائل بغرابة ...
- إنتِ كنتِ فين يا "حنين" ؟!! مقولتيش يعني إنك خارجه ...؟؟
ألقت "حنين" وشاحها بإهمال لتجيبه على الفور ...
- حكون فين يعني !! عديت على أمي وأبويا شوية ، إيه فيها حاجة دي ؟؟!!
إستنكار بوقاحة لتتسع عيناه بذهول من كذبها فلولا مقابلته مع والدتها منذ قليل لكان صدقها حقًا ...
زاغت عيناه بحيرة وضعف فهو لن يجادلها ولن يقوى على تعنيفها وإظهار كذبها ليسائل بقلة حيلة ...
- وهم كويسين ؟!!
ربما أراد لنفسه إثبات صدقها فربما ذهبت لبيت والديها حينما غادرت أمها ، لكنه فوجئ بتبجحها بالإجابة لتصمته تمامًا بحدتها ...
- أه ، كويسين ، زي إمبارح وأول ، حيجرى لهم إيه يعني ؟؟!
شك دب بقلبه حين تذكر كلمات أمها منذ قليل حين أخبرته أن "حنين" لم تزورهم منذ عدة أيام ، أشواك مُهدت بطريقه ليرغم على السير فوقها حافي القدمين فهكذا رأى كذبها وتبجحها بذلك أيضًا ، ضاقت نفسه ليدرك أن من كانت وحيدة بدربه تركته يصارع البقاء وحده ، لقد باع كل شئ وإشتراها فالآن تكذب ترى ماذا تخبئ بعد !!!
إبتلع ريقه المتحجر ليستسلم مجبرًا دون الإفصاح عن معرفته بكذبها متخوفًا من رد فعلها ، لتبقى الأفكار تجول برأسه مصورًة له متاهات ومتاهات لسبب كذبها عن سبب خروجها ولمن ذهبت دون علمه ...

❈-❈-❈

المطعم (رشيد) ...
بأعين ماكرة وتلميحات ساخرة وقف "محمد" عاقد الذراعين إلى جوار "رشيد" الذى إنشغل بوضع النقود بماكينة تسجيل الطلبات ثم أردف بتهكم ...
- ده إنت باين عليك الحاجة دعيالك النهاردة ...!!!
رفع "رشيد" زرقاوتيه بإستياء من تهكم "محمد" المستمر متسائلًا ...
- عاوز إيه إنت دلوقتِ ..؟!!
نظر "محمد" نحو الخارج فقد أوشكت الشمس على المغيب وإزداد الأجواء برودة ...
- مع إن الجو شكله ملبش ، بس إنت حظك حلو ..
تملل "رشيد" ليجفل بعيناه بضجر ..
- وأخرتها ، حتقول على طول ولا تروح تشوف شغلك ...
رفع "محمد" كتفيه وأهدلهما بمعني (لا دخل لي) ثم أجابه ...
- ما القمر بتاعك لسه معدي ، إيه ما أخدتش بالك ؟!!
سؤال مستنكرًا يحفز به هذا السئ قرينه الذى هب بإنتفاضة لتشع عيناه بريق يكاد يضئ بالفعل ليردف بقلب متضارب ...
- مين ؟!! "غدير" ..؟!! إمتى وفين ؟!!
قفز "رشيد" خارج المطعم باحثًا عن طيفها الذي إختفى حين لحقه "محمد" قائلًا ...
- ما تهدى كدة ، شكلها راحت لأختها ...
كما لو أن ذلك ناقوس يدب بكيانه ليتحفز لما كان سيقوم به فقد حان الوقت ليسرع راكضًا فلن يتأخر أو يتواني عن رؤيتها حين تغادر ، هذا اللقاء الذي ينتظره منذ لقائهما الأخير ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

"نيره إستور" لمستحضرات التجميل ...
لم تشعر "نيره" بالإرتياح منذ أن أنهت مكالمتها مع "رؤوف" فقد شعرت أنه لا يبالي بالمرة بوجودها ، عادت لرفيقتها بالسؤال فقد ضجرت من علاقتها المضطربة بـ"رؤوف" ... 
- شفتي يا "إسراء" مش عارفه هو بيعمل معايا كده ليه ؟!! حاسه إني مش في دماغه خالص ...
كانت إجابة "إسراء" تبث الشك في نفس "نيره" حين قالت ...
- حقيقي أنا مش فاهمه خطيبك ده بيتصرف كده ليه !!! ده إنسان غريب جدًا ...
لوت "نيره" فمها جانبيًا ثم عقبت ...
- إنتِ شايفه أعمل إيه ...؟!!! 
تفكرت "إسراء" لوهلة ثم أجابت ...
- ما عندكيش غير حل واحد إنتِ لازم تضغطي على أهله علشان تشتروا العفش وتنجزي الجوازة دي ...
لمعت عينا "نيره" ببريق متوهج فقد أُعجبت بتلك الفكرة تمامًا لتومئ بإستحسان أفكار "إسراء" اللامعة ...
- إنتِ مفيش منك ، هو ده بالظبط إللي المفروض أعمله ، أنا لازم أكلم طنط "منار" و أشتكي لها من "رؤوف" هم حيعرفوا يضغطوا عليه كويس ، (مالت بطرف عينيها بزهو ثم أكملت) ، عشان يبقى يعرف يتقل عليا إزاي ..
لم تتوانى "نيره" عن الإتصال بوالدة "رؤوف" على الفور فهي تدرك تمامًا انها ستحثه على حل الامر معها ..
- مساء الخير يا طنط أنا عارفه إن حضرتك مشغولة بس كان لازم أكلمك ضروري ...
توجست "منار" من مكالمة "نيره" خاصة وهي تتحدث بتلك النبرة الجادة للغاية ...
- خير يا حبيبتي هو في مشكلة ولا إيه ؟!!!
وجدتها "نيره" فرصة عظيمة لإظهار قلة حيلتها و إنكسارها من "رؤوف" لتُشعِچل حميه "منار" للسعي لانهاء الأزمة بينهم ...
تحدثت "نيره" بنبره يغلبها الإنهزام ...
- الصراحة يا طنط أنا مارضيتش أكلم حضرتك إلا لما لقيت نفسي مش عارفه أتصرف مع "رؤوف" ...
تجهمت "منار" بقوه ثم تساءلت تستفهم عما حدث بينهم...
- ما اعرفش إن في بينكم مشكلة ، إيه الحكاية يا "نيره" ..؟؟!!
أجابتها "نيره" دون إبطاء أو تلميح بل بثت شكواها مباشرة لوالدته كما لو كان طفل صغير تخبر أمه عن أخطائه ...
- "رؤوف" تاعبني جدًا في التعامل معاه ، خصوصًا طريقته الناعمة في الكلام مع البنات لما باجي أكلمه هو إللي بيزعل مني ، ده حتى العفش ما نقيناش منه حاجة ، أنا حاسه إنه بدأ يتهرب مني وأنا مش عارفه أعمل معاه إيه ، قلت أكلم حضرتك تعرفي تتصرفي معاه بدل ما أقول لبابا أو ماما والمشكلة تكبر أكتر ...
بتفهم شديد إنصاعت "منار" لشكوى "نيره" لتجيبها بحزم ...
- ما تقلقيش يا "نيرو" أنا حكلم عمك "خالد" و"رؤوف" وإن شاء الله الموضوع ده حيتحل بسرعة ...
بسمة منتصرة علت ثغرها وهي تطالع "إسراء" بخيلاء ...
- تمام يا طنط أنا في إنتظار رد حضرتك ...
بدعوتها الكريمة عقبت "منار" تخفف من حدة حديثهما ...
- طيب إيه بقى ، مش حتيجي نتغدي مع بعض بكرة ، ده بكرة الجمعة وكلنا بنتجمع ...
بدبلوماسية رفضت "نيره" دعوتها قائله ...
- معلش يا طنط خليها مرة تانية ...
- زي ما تحبي حبيبتي ، بلغي سلامي لباباكي ومامتك ...
أنهت "نيره" إتصالها بـ"منار" وهي تنتفض بحماس شديد مع صديقتها "إسراء" التي شاركتها حماسها بصياح مبتهج بينما جلست "منار" بضيق شديد تفكر في الأمر وكيف ستعرضه على زوجها الذي كان بالصباح يفكر بإحباط في إيجاد المال لإتمام زيجة "رؤوف" و"نيره" ...

❈-❈-❈

صاحب الأمل حالم وصاحب الهدف سباق ، هكذا كان "رشيد" الذي يسعى خلف هدف بقوة ومثابرة كما لو كانت آخر فرصة بحياته 
عاد "رشيد" في عجالة مترقبًا منتظرًا نهاية زيارة "غدير" لأختها فلن يترك هدفه اليوم ، ملس برفق على جيب سترته فوق موضع كتلة ما ، وقد لاحت بسمة جانبية بوجهه الدائري متخيلًا لقائه القادم بمعشوقة قلبه ..
- أنا عارف إنك النهاردة مش حتقدري تقوليلي لأ ، عارف إنك بتحبيني ولا يمكن تبعدي عني ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
غرور أم جنون أو ربما ثقة لا حدود لها لكنه لا يعلم أنه كل أخطائها التى نسيتها فكيف ستعود لمكانة سَقْطتُ من أعلى قمتها لأسفل غياهبها ، كيف ستُعيد حبً إنمحى ، أو ربما هي أمنية ومن يقدر على إقصاء الأماني ...

❈-❈-❈

فيلا المراقبة ...
إنصات تام وتركيز من فولاذ لهذا القائد الذكي ، لحظات ودقائق وساعات طوال مرت بهم يستمعون لتخطيط هذه الشبكة الإرهابية حتى إنتهوا تمامًا ليستدير "معتصم" لمجموعته المنتقاة من أفضل العناصر بالجهاز قائلًا بحزم ...
- إحنا لازم نتقسم فريقين ، فريق حيكمل هنا ويراقب الفيلا دي ويرصد أى جديد ، وأنا حبعت لكم فرقة دعم لأن واضح إن الموضوع كبير ...
نظر بأعين براقة متقدة الذكاء تجاه "طه" والذى بدأ رحلته معه بإسلوب خاطئ تمامًا ليضعه بمهمة أدنى من قدراته تمامًا آمرًا إياه ...
- "طه" حيسجل أى جديد ويبلغنا أول بأول ( ثم إلتفت تجاه "عبد الرحمن" مستكملًا) ، "عبد الرحمن" حيراقب الفيلا مع أفراد الدعم ، و"حليم" حييجي معايا ، (لم تبقى سوى تلك المنصتة بترقب وجدية ليُكمل ) ، و "عهد" حتكوني معايا ومع "حليم" ...
مجرد إختياره لها سبب لـ"طه" مشاعر مختلطة بين الغضب و الغيرة فهو يدرك سبب إصطحابه لها ليناظر "معتصم" بأعين يملؤها الإنفعال برغم هدوئه وصمته إذعانًا لتنفيذ الأمر ...
أخفى "طه" وجهه ومشاعره عنهما لكن ذلك لم يطفئ من ثورته شيئًا ، بينما بدقة متناهية رفع "معتصم" هاتفه محدثًا "عمر" لتنسيق الأمر معه ...
- أيوة يا "عمر" ، أول هدف لاجئ سياسي ساكن في إسكندرية ومعاد للتنفيذ بعد بكرة ...
بتعاون تام أردف "عمر"...
- تمام ، حبعت لك فرقة دعم عندك فى الكمباوند وفيه فريق حيكون تحت أمرك في إسكندرية ، إنت حتطلع إمتى ؟!!
تطلع "معتصم" بساعته التي تخطت التاسعة مجيبًا بدقة وتحديد ...
- حنطلع الفجر ونوصل إسكندرية بكره الصبح نطلع على العنوان ننقل اللاجئ لمكان آمن ونقبض عليهم متلبسين بعد بكرة لما يقوموا بالعملية ...
أشاد "عمر" بترتيبه المنسق ...
- حلو جدًا ، وأنا حدي أمر بقوات الشرطة تكون معاك في نفس الوقت تراقب المكان وتأمنه أول ما توصل إسكندرية ...
- تمام ...
نظر "معتصم" لفريقه بعد أن إنتهى من مكالمته مع "عمر" معطيًا آخر الإرشادات ...
- حنفضل متابعين الفيلا ومراقبينهم كويس ولو حد عاوز يرتاح يطلع الغرف إللي فوق ...
أجابوا جميعًا بالنفي ..
- معاك يا قائد ، مش محتاجين راحة ...
بإيمائة خفيفة أجابهم "معتصم" ليستكمل إتصالاته بترتيب كيفية نقل هذا اللاجئ السياسي بأمان وسلاسة بينما إنشغل البقية كل بموضعه تحسبًا لأي جديد رغم الصمت التام الذى عم أرجاء الفيلا المقابلة ...

❈-❈-❈

بيت محفوظ الأسمر ...
بقلب مرتجف وجسد متيبس هبطت "وعد" الدرج بموعدها المحدد في التاسعة مساءً لعقد قرآنها بـ"محب" ، إصطحبت معها سندها الصغير الذى لو طُلب منها أن تضحي بحياتها فدائه لفعلت ...
خطوات مترددة حتى وصلت شقة "محفوظ" دلفت بهدوء لتطالع تلك الأعين التى تعلقت بحضورها فبين سوداوتين مخيفتين لنفسها رغم تلك الإبتسامة المزيفة التى إعتلت ثغر "عتاب" وهي تهتف بها ...
- أهلًا يا عروسة ...
وبين هذا الغريب ودفتره المفتوح ليعقد زواجها من "محب" الذى وقف من خلفهما يطالعها بنظرات مختلفة تمامًا ، إرتدى حُلة سوداء زادته وسامة وقميص أبيض ناصع ليشع وميضًا براقًا خاطفًا للأعين ، لم تراه بمثل تلك الوسامة من قبل كما لو أن بعينيه بريق حياة جديد على ملامحه ، وقف "محب" بصمت تام متهدج الأنفاس يطالع حوريته الناعمة بثوبها الأبيض الحريري كملاك سقط من السماء فمن ينكر جمالها الساحر الذى يسلب العقول والعيون قبل القلوب ...
تعلقت عسليتاه بها لتحاول إبتسامة سعيدة الظهور بشكل متقطع فوق شفتيه أهو سعيد لهذا الحد ، حتى نظراته إليها غير معتادة منه ومن "عاطف" قبله ...
إبتلعت ريقها بتوتر وهي تخفض عيناها بخجل أثناء تقدمها نحوهم لتجلس بالمقعد المجاور لهذا الشيخ ...
نهضت "عتاب" تسحب "زين" من كفه قائله ...
- تعالي يا "زين" أقعد مع بنات عمتك ..
تشبثت "وعد" به بقوة كمن يقتلع منها روحها وإتسعت عيناها بفزع ...
- لأ ، خليه معايا ...
رمقتها "عتاب" بقوة تنهرها عن أفعالها الغريبة ...
- فيه إيه ؟!! حيقعد مع بناتي النهاردة ، ميصحش يا ... عروسة ...
قالتها وهي تضغط حروف كلمتها الأخيرة تفرض بها رأيها ببقاء "زين" برفقتهم الليلة ، على الفور أسرعت "وعد" بالنفي بحركة رأسها المتكررة ..
- لأ لأ ... خليه معايا ..
سحبت "عتاب" نفسًا قويًا فيبدو أنها لن تلين بسهولة وعليها إرغامها على ذلك لكن صوت "محب" الحازم كان فارقًا بينهما ...
- لأ يا "عتاب" خلي "زين" معانا ، أنا عاوزه معانا ...
رغم رفضها أن يتخذ "محب" أى قرار دون الرجوع إليها إلا أنها تغاضت عن ذلك دون تعقيب ...
رفعت "وعد" عيناها بإمتنان تجاهه لكنها فوجئت به يحرك شفتيه دون إصدار صوت مسموع لكنها قرأت شفتيه جيدًا ، فبدون أن ينطق لفُظ بها "بحبك" ، لتتعالى دقات قلبها بقوة تحاول السيطرة على تلك الإبتسامة التى شقت قلبها قبل شفتيها لتستمع بإنصات لعقد قرآنها وإعلانهما زوجًا وزوجة ...
أنهى الشيخ مهمته ليغادر تاركًا الأهل يسعدون بهذه الليلة لكن ما فعلته "وعد" هو التوتر فقط حين دنا منها "محب" قائلًا وهو يحمل "زين" بين زراعيه ..
- يلا نطلع يا "وعد" ...
كأمر مباشر لها إستدارت نحو الخارج فيما عقب أثناء مغادرتهم ...
- تصبحي على خير يا "عتاب" ...
لم ينتظر منها إجابة بل رافق زوجته وإبنها لشقتهم حيث بداية حياة جديدة حتى لو كانت بالإجبار ...

❈-❈-❈

شقة مودة ...
لم تكن تلك الزيارة خفيفة الظل كغيرها لكن على الأقل إستطاعت "مودة" إلقاء حمول قلبها على أختها أخيرًا ولم يعد هناك ما بداخلها ما تخفيه عن أختها بعد الآن ...
وضعت "مودة" بعض التسالي لتتناولها مع أختها لتسألها بداعي الإطمئنان لا أكثر ..
- شوفتي "رشيد" تاني ...؟!!
حركت "غدير" رأسها بنفي ثم أجابتها ...
- لأ خالص ، الحمد لله ، يمكن إتقابلنا صدفة ...
- ممكن ...
أصوات رعد صدحت بالخارج لتنتبه لها "غدير" بتفاجئ ...
- يا أختيي ، شكلها حتمطر ، حروح أزاي أنا دلوقتِ ..؟!!
نظرت "مودة" بسرعة من النافذة موضحة بسعادة ...
- دي بتمطر فعلًا ، الله ، الجو ريحته تحفة ...
عقصت "غدير" أنفها بغيظ مازح ...
- تحفة إيه يا تحفة إنتِ ، بقولك حروح إزاي ، مش حعرف أمشي في الشارع في الجو ده ، الأزمة حترجع تاني ...
إلتفت لها "مودة" بإنتباه ..
- أه صحيح ، الأزمة ...
ليس الإختيار الصحيح هو أن تختار ما تحب ، بل أن تكون أنت أول الإختيار والإهتمام ، دون أن تفكر وجدت "غدير" هاتفها يدق برقم "عيسى" لتجيبه دون تأخير ...
- "إيسووووو" ...
قابلها بنبرة حانية للغاية فهي الأولى والأخيرة بقلبه وفكره ..
- حبيبتي ، بقولك إيه ، أنا جاي أخدك ، بلاش تنزلي فى الجو ده وتركبي تاكسي ...
أهناك عشق يفوق عشقها له ، بل ربما عشقه يفوق ، لكن ذلك لا يهم فكلاهما عاشق متيم دون مقارنة من الأكثر عشقًا ، ذابت بهذا الفارس المقدام معقبة ...
- أحبيبي يا "إيسوووو" ، خلاص ، حستناك على أول الشارع ..
رفض "عيسى" ذلك تمامًا ...
- لأ لأ خليكِ الجو برد ، أنا حاجي عند البيت ...
بروح مشاكسة رددت تلك العفوية بإصرار ...
- لأ لأ ، خالي "منير" قالي عاوزني ، حعدي عليه بسرعة ما إنت عارف بيته على أول الشارع ، وحنزل أقف على باب بيته ، مش حروح هنا ولا هنا ...
- خلاص ماشي ...
قالها "عيسى" مجبرًا لتيسير الأمر على "غدير" حتى لا تصاب بأزمة تنفسية أخرى ...
ضيقت "مودة" حاجبيها بتساؤل بعد أن أنهت مكالمتها مع "عيسى" ...
- خالو "منير" ...!! هو خالو كلمك أصلًا ...؟!!
رفعت "غدير" حاجبيها تحركهما بمشاكسة ...
- لأ ، أنا حجيب حجازية من الحلواني إللي على أول الشارع الأول وأنا مروحه ، نفسي فيها أوى ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
ضحكت "مودة" على أختها خفيفة الظل ، تحضرت "غدير" إستعدادًا للمغادرة فالوقت المتبقى لمرور "عيسى" بالكاد يكفي شرائها لحلواها أولًا ...

❈-❈-❈

حي النعماني (المكتبة) ...
محلقة أنتِ كنجمة بعيدة المنال أري حُسنك ولا يمكنني الوصول إليكِ ، حال تعس وكسرة قلب لهذا الغارق ببحر هواها ...
تطلع "بحر" بشرود بتلك المستغرقة بمحادثتها يستمع لنغمات أنشودة صوتها التى يفتقدها ...
- خلاص يعني ، أطلع من المكتبة ، أصل الجو صعب أوي ...
لتؤكد أختها عليها بقُربها منها ..
- أيوة ، يلا ، أنا قربت من المكتبة أهو ، متنسيش بس تلفي الشال عليكِ أحسن المطره شديدة ..
سحبت "نغم" شالها الصوفي لتلفه حول رأسها وعنقها أثناء إستكمال مكالمتها ...
- أه خلاص أهو ، بلبسه ، أنا طالعه لك على طول ...
أنهت محادثتها وهي تحكم وضع شالها لتمنع البرودة من التوغل بجسدها مغادرة المكتبة تحت أعين "بحر" الصامتة ...
- أنا مروحة ، سلام ...
خرجت بعجالة حتى أنها لم تنتظر سماعها رد تحيتها منه ليرددها بصوت خافت للغاية ...
- سلام يا حبيبي ...
تشدقت عينا "بحر" مقتربًا من مدخل المكتبة يناظر مجئ "شجن" لمرافقة أختها لتعودا للمنزل ...
تقدمت "شجن" من أختها لتحاوطها بمظلتها التى تحميها من الأمطار الغزيرة التى أخذت بالتساقط بقوة لتلاحظ هذا الهائم من خلفهم يناظر أختها قبل رحيلهم ...
تمنت بتلك اللحظة أن تزال الغشاوة عن أعين أختها تجاه هذا العاشق وتتناسى أمر "مأمون" الذى لا يناسبها البته ، بل هي ذات تفكير سطحي تري موقفه من أمه تجاههم لنوع من البطولة لا أكثر ، إنها متوهمة بعشق ليس له وجود ...
بترابط وحميمية تشبثت "نغم" بذراع أختها تحتمي بمظلتها وهي تتمسك بشالها الدافئ ...
- يلا بسرعة أحسن الدنيا برد أوي يا "شجن" ...
- يلا ، البيت مش بعيد أهو ، نسرع شوية حنبقى هناك ...
ظل يناظرهم حتى غابتا عن عيناه تمامًا ليدلف لداخل المكتبة يطمئن بأن كل شئ بموضعه فعليه الآن إطفاء الإضاءة وإنهاء يوم عمل بالمكتبة بإغلاقها ...
تحرك هنا وهناك ليلاحظ شئ أسود لامع فوق المقعد الذى تتخذه "نغم" ملاذ لها بعيدًا عنه ليقترب أكثر وتتسع عيناه إندهاشًا قائلًا ...
- دي شنطة "نغم" ..!!! الظاهر نسيتها ...
تفكر "بحر" قليلًا ليستأنف ..
- الله ، دي أكيد فيها فلوس القبض إللي أنا إديتهولها ، طيب ووالدتها إللي محتاجة الفلوس وبكرة الجمعة أجازة ...
زاغت عيناه بحيرة متفكرًا بأن عليه إعطائها إياها ، ولا ضرر من المرور ببيتهم فهو يدركه جيدًا لإعطائها حقيبتها فبالتأكيد ستكون قلقة للغاية وهم بحاجة للمال لسد دين والدتها كما أخبرته بالصباح ...
حمل الحقيبة بين يديه مغلقًا المكتبة تمامًا عاقد العزم بالذهاب لبيت النجار لأول مرة للقاء "نغم" لقاء إضطراري لكنه ضروري للغاية ...

❈-❈-❈

وقفت "غدير" تحتمي من الأمطار بمتجر الحلويات الذى يقع بأول شارعهم بعد أن إبتاعت حلواها المفضلة لتنظر بساعتها فبالتأكيد "عيسى" قد إقترب للغاية لتخطو خطواتها الحريصة بين بقع الأمطار التى إنتشرت بالطريق لتفاجئ بصوت مألوف ، صوت قابض للنفس يحدثها هي لا غيرها ...
- وحشتيني يا "ريري" ...
رفعت عيناها بإشمئزاز من الصوت وصاحبه وهذا الإسم المغثي للنفس لتردف بوجه معقود ..
- "ريري" ..!!! 
أرادت أن تزيح هذا المتطفل عنها لتزجه بذراعها مستكملة طريقها ...
- وسع كدة ، مش ناقصة تناحة ...
إلتف "رشيد" ليواجهها مرة أخرى ويقطع عليها طريقها بنظرات هائمة مستفزة للغاية كما لو كانت مشهد من فيلم ما ..
- كدة برضه ، وأهون عليكِ تسيبيني وتمشي ...
إتسعت عيناها الواسعتان بتعجب من هذا المستفز فلم لا يفهم أن طريقيهما قد إختلفا تمامًا ولم يعد للقائهما سبيل ، لتنهره بقوة وهي تنفعل محقرة منه ..
- يا أخي إنت البعيد بارد ، ما قلت لك خلاص ، أنا مبطيقكش ، ولا عايزة أشوف خلقتك السِمحه دي تاني ، أنا ست متجوزه ، وبحب جوزي ، إفهم يا أبو مخ مقفول ...
أكمل "رشيد" بإستماته دون تردد كما لو أنه يقوم بمشهد تمثيلي بارع بأحد الأفلام ، دون أن يفكر بحديثها ورفضها المستمر ..
- بس أنا بحبك ...
ضحكت "غدير" ساخرة من الغبي الذى يتسم بالبرود فكيف ظنت يومًا أنها تحب هذا الكريه ...
- إنت مجنون يا إبني ، بقولك إيه أنا مش ناقصة غباء ، إبعد عن طريقي أحسن لك ...
مدت ذراعها مرة أخرى تبعده عن طريقها فعليها التقدم قليلًا فهي تقف بمنتصف الطريق وقد تبللت تمامًا بمياه الأمطار ، لكنه تشبث بكفها بقوة ليثني ركبتيه جاثيًا أرضًا فوق إحداهما رافعًا الأخري دون ترك كفها الذى حاولت جذبه من قبضته دون جدوى ...
أخرج الكتلة الصغيرة من جيب سترته مقدمًا إياها لها ، كانت علبة من القطيفة بلون أرجواني قبيح موضوع بها خاتم براق يبدو أنه باهظ الثمن ، إنحني "رشيد" يُقبّل كفها الذى حاولت جذبه بقوة دون المقدرة على سحبه من كفه المتمسك بها ...
- "غدير" ، تتجوزيني ، سيبك من جوزك ده وتعالي نرجع سوا ، أنا بحبك وإنتِ بتحبيني ، بلاش تموتينا بالشكل ده ...
وقفت للحظة بذهول من معدوم التفكير والإحساس هذا ، صدمة تصرفه الغريب جعلها متيبسة للحظة تحتار بشدة كيف تتصرف معه ...

إنشغالها بهذا الحقير لم يجعلها تنتبه لتلك السيارة التى توقفت بتقاطع الطريق المقابل لهم مشاهدًا هذا المشهد الهزلي ...
توقف "عيسى" كما إتفق مع "غدير" ليشاهد مشهد سحب روحه وتوقف الهواء برئتيه حين رأى زوجته مع آخر يمسك بيدها ويقبلها جاثيًا فوق إحدي ركبتيه لا يدري ماذا يفعل لكنه قريب منها بشكل مريب ، مشهد أشعل النيران بقلبه غيره وغضبًا ليهتف بصدمة ...
- "غدير"....!!!! 
نظرات متألمة مصدومة منفعلة كاد يترك السيارة ويذهب إليهما يحطم كلاهما بقبضته ، لكنه ليس عليه أن يكون بهذه الحماقة ، لن يدع الظنون تعبث برأسه فعليه فهم الأمور أولًا ، عليه التحقق من الأمر قبل إصدار الإدانة ...
زاد من سرعة السيارة مبتعدًا لكن بداخله نيران تنهش بقلبه وروحه ، فمن يكون هذا الرجل ولم هي مستسلمة له بهذا الشكل ، لم تقف مع سواه ، أهي خائنة أم أنها الظنون ...
لكنه قرر الإلتفاف مرة أخرى وإجبار نفسه على الهدوء لمعرفة الأمر والتيقن منه أولًا ...

سحبت "غدير" كفها عنوة من هذا المعتوه لترفع حقيبتها بقوة وتنهال بها على رأس غريب الأطوار هذا صارخة بإنفعال ...
- إنت الظاهر دماغك ضربت ، بقولك إيه يلا ، لو مبعدتش عن طريقي وربنا حفتح دماغك ...
كانت تقصدها قولًا وفعلًا لتضربه عدة مرات فوق رأسه المستدير بحقيبتها الثقيلة ليضع كفه فوق رأسه متألمًا وهو يستقيم متأوهًا ...
- أي ، أي ، بالراحة يا "غدير" ...
لم تأخذها شفقة بهذا المعتوه لتستكمل كما لو أنها ستركض خلفه تستكمل ضرباتها له ...
- إمشي من قدامي أحسن حغير ملامح وشك وأخلي أمك متعرفكش يا إبن أمك ...
لحظة ماكره حاول فيها "رشيد" تهدئة "غدير" ليمسك بالحقيبة قبل أن تضربه مرة أخرى ، لكنه وضع علبة الخاتم بداخلها دون أن تشعر ليردف بأنفاس متقطعة ..
- خلاص ، خلاص ، إهدي بس ...
بأعين تتقد شررًا حدجته بقوة وهي ترفع من حقيبتها مرة أخرى تهديدًا له بضربه إن لم يتنحى عن طريقها ...
- ولاااا ، إتجنبني ياااض ، أنا مش ناقصة هبل *** على المسا ، أنا مجنونة وعندي إستعداد أرقدك دلوقت ...
أومئ "رشيد" بقلق من رد فعلها العنيف ليبتعد متراجعًا للخلف وهو يرفع بكفيه لتتوقف ...
- طيب ، طيب ، أنا ماشي أهو ...
رحل تمامًا من أمامها لتستعيد أنفاسها المنفعلة وهي تهندم ملابسها التى إبتلت بفعل الأمطار تحاول الوصول للهدوء الذى كانت عليه لتتذكر مظهره أثناء ضربها له وتبتسم لقوتها وقدرتها على إيقافه عند حده ، لكنها فجأة تذكرت مجئ "عيسى" ورفعت رأسها تجاه الطريق لتتنفس الصعداء فلم يأتي بعد ...
تقدمت نحو مكان تلاقيهم لإنتظاره والتظاهر بأن شيئًا لم يكن رغم إعتدادها بقوتها فقد تغلبت على "رشيد" ولم يعد يمثل لها أى قلق أو تهديد فهي قوية وإستطاعت ذلك بمفردها ، هكذا ظنت لكن الظن لا يأمن المكر ، فإن ظنت قدرتها على تجنب شره فإن بعض الظن إثم ...

عاد "عيسى" كما لو أنه لم يأت من قبل ليتوقف بالسيارة بنفس الموضع لكن هذه المرة وجد "غدير" في إنتظاره ...
لم يستطع مقابلتها بحنان وحفاوة ككل مرة لكنه كان يناظرها بتفرس يريد إستباط كل الحقيقة وليس الظنون ...
- واقفه بقالك كتير ...
أجابته بعفوية وشقاوة ...
- لسه جاية يا روح الروح ...
بحنكة شديدة فقد طغي عليه شخصية المحامي البارع تسائل "عيسى" دون إبداء قلق أو إهتمام بل كان كأنه مجرد سؤال عابر ...
- إحكيلي بقى ، شوفتي مين بقى النهاردة وعملتي إيه ؟!!
أخذت تقص عليه أحداث يومها المتفرقة كلها بإستثاء أمر واحد فقط "رشيد" فقد ظنت أنها إنتهت من الأمر تمامًا بإخافته منذ قليل فلا داعي لبث الضيق والشك بنفس "عيسى" ، ويا ليتها فعلت لكانت رحمته ورحمت نفسها من أسئلة تخبطت بنفسه فلم لم تخبره عن هذا الشخص ؟!! لم تخفي رؤيتها له ؟؟! هل هو أمر تخفيه عنه ؟؟! ليبقى سؤال وسوس له الشيطان به وأوقعه بالظن ، هل تخونه ؟!! هل لها علاقة بهذا الشخص الذى تخفيه ولم تخبره عنه !!!
أسئلة عدة لاحت بعيناه قبل عقله وهو يناظرها بأعين متشككة لم تنتبه لها تلك الغافلة التى تثرثر بأحاديث لا تنقطع حتى وصلا البيت ...
غفلتها لم تنبهها بأن "عيسى" كان صامتً شاردًا بشكل مقلق ، صعدا لشقتهما مباشرة فـ"عيسى" لم يتحمل أن يُظهر هدوءًا لا يتحلى به أمام والديه ...

❈-❈-❈

بيت محفوظ الأسمر (شقة وعد ومحب) ...
منذ دقائق قليلة خلد الصغير للنوم وإنتهى شعور الأمومة والمسؤولية ويبقى إحساسها الجارف بالقلق والإضطراب ، هي ليست معتادة على التغيير بل كانت تنشد البقاء والثبات ، تعشق الروتينية والرتابة لم تتمنى يومًا أكثر من إحساسها بالأمان والإستقرار ...
لكنها تقف بعتبة حياة جديدة غامضة تمامًا لاتدري إن كانت مثل سابقتها أم إنها بوابة العبور لجسر الأمان والطمأنينة ...
خرجت "وعد" من غرفة "زين" بعد إطمئنانها لخلودة للنوم ليتسرب لجسدها إحساس بالبرودة ، هل هو لتغير الطقس لهذه الأجواء الباردة أم لما هي مقبلة عليه ...؟!!! 
بتفكير مقارن بما إعتادت عليه حياتها مع "عاطف" الذى كان يعاملها ببرود ولا مبالاة كانت تتوقع أن يكون "محب" جالسًا بغرفة المعيشة يقضي وقته بما يشغله عنها لكنها فوجئت به يقف أمامها مباشرة ومازالت تلك النظرة الغريبة تملئ عسليتيه المسلطتين نحوها ...
حاولت الهدوء والإبتسام بينما زاد إحساسها بالبرودة والإرتجاف والذى بدأ يتلاشي تدريجيًا مع نبرة صوته الدافئة حين بدأ حديثه ...
- تعرفي إنِك النهاردة حلوة أوي ، كنت دايمًا شايفك جميلة لكن النهاردة بالذات حاسس إني شايف واحدة تانية قصادي ، حاسس إني قادر أمتع عيني بيكِ من غير ذنب ...
كانت ستنكس رأسها كما إعتادت حين تخجل ليلحقها "محب" ليرفع رأسها بأصابعه التى وضعها أسفل ذقنها مردفًا يذّكرها ...
- مش قولت لك عايز دايمًا راسك فوق ، مش عايزك تنزلي راسك تاني ...
رفعت خضراوتيها تجاهه تحاول فهمه جيدًا هل هو بالفعل يحبها ، لكن متى وكيف حدث ذلك ، العشق لا يكون بين ليلة وضحاها لتجيبه بتوجس ...
- بالراحة عليا يا "محب" ، أنا مش عارفه إمتى وإزاى حبتني كدة ..!!!
حالم رومانسي أم كاذب ماهر ، هكذا تطلعت نحوه ليجيبها بدون توضيح ...
- هو الحب فيه إمتى وإزاى ، أنا بحبك حقيقي يا "وعد" ، عايزك تفكري من النهاردة وبس ، عايزك تنسي كل إللي فات ، ونبدأ حياة جديدة مع بعض ...
ما تفوه به هو كل ما تحلم به فقط لتردف بتمني ...
- يا ريت يا "محب" ، يا ريت أنسى إللي فات وأعيش مبسوطة أنا وإبني ...
ضيق حاجباه بعتاب مستكملًا بصوته الحالم ..
- وأنا ...؟؟! مش معاكِ ولا إيه ؟!!
إبتسمت بخفة لتومئ بالإيجاب ...
- معايا .. 
لاحت عيناه تتفحص تفاصيل وجهها وشعرها المنسدل بنعومة لتصرخ عيناه عشقًا ألقت له "وعد" دروع حمايتها لتترك لقلبها العنان بتصديقه فعشق العيون لا يكذب ...
ومنذ تلك اللحظة ستُحسن الظن به وتصدق عشقه الحالم بها فهذا ما كانت تتمناه يومًا ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

بيت المستشار خالد دويدار ...
بعض الهدوء يدفع ثمنها من سنوات العمر ، فزخم الأفكار يتبعها فهم ثم تعود حتى تصبح الطباع واحدة ، ستدرك مع مرور العمر أنك تدرك رد الفعل قبل القيام بالفعل من الأساس ...
هكذا كانت "منار" تدرك تمامًا ما سيفكر به "خالد" وما سيضغطه من هم حين تخبره بما حل بين "رؤوف" و "نيره" ...
وضعت كوبان من الشاي فوق المنضدة وهي تجلس بحيرة دون التفوه بشئ ليقابلها زوجها الذى كان كظهر العملة تمامًا مباغتًا إياها بسؤال مفاجئ ...
- مخبيه إيه يا "منار" ..!!! 
تطلعت نحوه بإندهاش ما كان لها أن تشعر به فكلاهما يحفظ الآخر عن ظهر قلب لتردف على الفور ...
- عرفت منين ؟!!
بضحكة ساخرة عقب "خالد" ...
- هو أنا لسه حعرفك ، قولي على طول ..
سحبت شهيقًا طويلًا ثم أطلقته دفعة واحدة ليشعر "خالد" بمدى الضيق الذى تحمله بداخل صدرها ليستمع بإنصات ...
- "نيره" كلمتني النهاردة وبتشتكي من "رؤوف" وإنه مجبش العفش ومطنشها وكلام كدة ...
فهم "خالد" المغزى من حديثها ليتجهم بقوة فلم كل الطرق تدفعه نحو طريق وحيد رغمًا عنه ، إنفعل "خالد" بدون قصد قائلًا ..
- وبعدين بقى ، حنعمل لهم إيه طيب ، لا حول ولا قوة إلا بالله ...
إلتزمت "منار" الصمت فهي تعلم أن ضيقه سببه أن لا حيلة له بإنهاء تلك المشكلة بتعجيل زواجهم فأمورهم المادية ليست بأفضل أحوالها ، لكنها تفاجئت بعد صمت دام طويلًا بصوته الرخيم يحدثها دون النظر مباشرة بعينيها ..
- قوليلي لها إن إحنا عايزين نحدد معاد كتب الكتاب وينزلوا بعدها ينقوا العفش كله ، ولا أقولك قوليلهم كتب الكتاب الجمعة الجاية ...
إتسعت عيناها بذهول لتلتف نحوه هاتفه بنبرة منفعلة شاهقة بصدمة ...
- الجمعة الجاية ..!!!!! إزاى ده ؟!!! حنجيب الفلوس منين ؟!!!
بغموض شديد ألقى آخر كلماته قبل أن يغادر الغرفة تاركًا إياها بمفردها ...
- هو كدة وخلاص ، لازم يتجوزوا ونخلص "رؤوف" لازم يتحمل المسؤولية حتى لو بالإجبار ...
تركها تصارع تشتتها بين كيف سيوفي بالمال لسداد ثمن الأثاث وحفل الزفاف وبين إجبار "رؤوف" على الزواج دون تحديد موعد يناسبة وفرض الأمر عليه ، لتقع بحيرة وتخوف من أن يحدث صدام بين "رؤوف" ووالده لمعاملته كالطفل دون الرجوع إليه ...

❈-❈-❈

بيت النجار ...
تلفت أعصاب تلك المتصيدة من الإنتظار لتظل "صباح" تدور حول نفسها بحركات عشوائية فلم تعد تتحمل بقاء "زكيه" وبناتها دون أذى لتغمغم بسخط ...
- اوووف ، ماشي يا شيخ الهم إنت ، من إمتى وإنت بتتأخر في عمايلك دي !!! لحد دلوقتِ محصلش حاجة !!! إيه ... خيبت على آخر الزمن ...!!!
تصنتت خلف باب شقتها تحاول الإستماع لأي شئ يهدئ نفسها الحاقدة لتعود بغمغمتها تضرب أخماسًا بأسداس ..
- برضه مفيش حاجة ، إما وريتك يا شيخ الغفلة ، بكرة حبقى عندك ووريني بقى حتعمل إيه ، هو أنا هفية ، بيضحك عليا ويعمل لي عمل بايظ ...
إستمعت لخطوات "شجن" و "نغم" قد عادتا من العمل لتبقى بغيظها المكتوم تنتظر خبر يريح قلبها المُظلم ...
خطوات تلتهم لتنصت "صباح" بإهتمام بالغ ، ترى من يكون لاحقًا بهن ..؟؟؟
دفعة من باب الشقة التى كادت تلتصق به نحو وجهها جعلتها تنتفض بخطوة للخلف بنفس مفزوعة حين وجدت زوجها "فخري" قد عاد من الوكالة لتردف بنبرة مهتزة من مفاجئتها بعودته ...
- "فخري" !!! حمد الله بالسلامة يا أخويا ...
نظر نحوها بوجه مكفهر ليردف بنفور ..
- واقفة كدة ليه لازقة في الباب ..؟؟
أجابته بكذب لا يختلف عن طبعها المخادع ..
- أبدًا يا أخويا ، ده كان فيه قطة على السلم وكنت خايفة منها ، ما إنت عارفني محبش القطط ..
مال بفمه جانبيًا متهكمًا ...
- دي هي اللي تخاف منك ، وسعي كدة خليني أدخل بدل ما إنت سدة السكة ...
تنحت "صباح" بجسدها الممتلئ جانبًا تفسح له الطريق ..
- إدخل يا أخويا ..
دلف نحو غرفة النوم لتبديل ملابسه قبل تناول طعام العشاء ، تلك الوجبة التى تجمعهم جميعًا كل مساء ...
لكنها حين إبتعد "فخري" إنتبهت لسماعها صوت أقدام أخري تصعد الدرج ، إنتظرت قليلًا وهي تستمع بإنصات حين تخطت تلك الخطوات باب شقتهم صاعدًا نحو الدور الأعلى ...
إتسعت عيناها بوميض مختلف ، فهناك زائر يقصد بيت غريمتها وبناتها ، على الفور فتحت الباب لتشهد ما يسر قلبها ، إنه رجل ...
رأت خياله قبل أن يختفي مستكملًا صعوده لتحدث نفسها بإبتهاج ...
- والله وباضت لك في القفص يا بت يا "صباح" ، ده راجل طالع لهم بجد ...
شحذت أسناتها وإستعدت لمواجهة طالما تمنتها فقد جائت فرصتها أمام أقدامها ، فيبدو أن سر هذا الشيخ نافذ بالفعل ، واليوم ستحط من تلك الـ"زكيه" وتمحي وجودها بيديها ...

حمل "بحر" حقيبة "نغم" بين يديه ليمر أولًا ببيت النجار قبل عودته لوالدته ككل يوم ، وصل نحو البيت لاحقًا بـ"نغم" وأختها بدقائق قليلة ليصعد الدرج تجاه شقتهم بالدور الأخير ..
رغم إعراض "نغم" عن حبه إلا أن بداخله شعر ببعض السعادة لوجوده ببيتها ، يشعر كمن أصبح أكثر حميميًا لتلك العائلة التى لم يرها بعد ، طرق الباب بخفة ليفتح الباب دون إبطاء فقد كانت "نغم" و "شجن" قد دلفتا للتو ...
لحظة تفاؤل لِحَظَهُ السعيد فقد كانت معذبته هي المجيبة لطرقاته لتقف بأعين مذهولة متسعة عن آخرها ، ظن لوهلة أنها تخشى من والدتها حين لمح الفزع بعيناها وسط دهشتها ، نظرات متخوفة قابلها بهيام لم يستطع إخفائه ، لكنها هتفت بإضطراب ...
- أستاذ "بحر" ...!!!
تهدج صدره وهو يطالع وجهها القمري وعيناها المحدقة به ليردف بهدوء طبعه ...
- أسف على التطفل ، بس إنتِ نسيتي شنطتك في المكتبة ، وإفتكرت إن فيها القبض وإنتِ كنتِ محتاجاه أوي ...
نعم هو محق بذلك ، لكن تخوفها من وجودة يتعدي لهفتها على حصولها على راتبها لتسحب حقيبتها من بين يديه بحركة خاطفة معقبة وهي تسرع لإغلاق الباب ...
- اه ماشي ، شكرًا ، شكرًا ...
ضيق عيناه من رد فعلها الفزع وقد تيبس بموضعه حين سمع صوت حنون من خلفها يتسائل ...
- مين يا "نغم" ..؟!!
أهلت إمرأة خمسينية لطيفة من خلف "نغم" التى لم تكاد تغلق الباب بعد لتجيبها بنبرة مترددة ...
- ده ااا ، ده الأستاذ "بحر" ، جايب لي شنطتي ، أصل أنا نسيتها في المكتبة ...
ببسمة وحفاوة نظرت "زكيه" نحوه تشكره على صنيعه ..
- ألف شكر يا إبني تعبناك ...
حيرة إعتلت فكره فلم "نغم" متخوفة بهذا الشكل وقد قابلته والدتها بهذا الهدوء والتقبل ، ليجيبها بتوجس من أن يكون فعل شئ يغضب "نغم" هو بالتأكيد في غنى عنه الآن ...
- العفو حضرتك ، أنا إفتكرت إن "نغم" محتاجة المرتب عشان كدة مرضتش أخليها ليوم السبت لما تيجي ..
- كتر خيرك ، عملت طيب ...
قالتها "زكيه" بلين شعر به "بحر" ليدرك كم هي طيبة لينة القلب ...
لكن سرعان هذا الهدوء ما إنقلب لفزع بأنفسهم فقد ثار البركان الخامد ليلقي عليهم نيرانه وقذائفه دون مراعاة لصفاء قلوبهم ...
صرخت "صباح" بأقصى ما يمكنها من صوت خشن تريد أن تجمع الجيران بصوتها الجهوري ...
- ها الله ها الله ، وده إسمه إيه ده يا ست يا شريفة ، إنتِ بتستغفلينا إنتِ وبناتك ..!!! رجااااله !!! جايبة رجاله في إنصاص الليالي ...
ثم مالت بجزعها نحو نافذة السلم المفتوحة لتصرخ بالعامة تتهم "زكيه" وبناتها بشرفهم وسوء خلقهم ...
- إلحقوني يا خلق ، إلحقوا يا ناس ، تعالوا شوفوا اللي بتقول على نفسها شريفة ، جايبة الراجل لبنتها في نصاص الليالي في شقتهم ...
بحمية وشهامة وقف "بحر" يتصدى لتلك الوضيعة التى تلفق لهم الإتهامات وتلقي هؤلاء الشريفات بشرفهن ...
- وطي صوتك يا ست إنتِ ، إنتِ إتجننتِ ، الست دي أشرف من الشرف هي وبناتها ، لمي لسانك بدل ما أقطعهولك ...
شهقت "صباح" بقوة تزيد من سعير النيران تريد إثبات فضيحة لتلك السيدة الشريفة وبناتها ولن تجد مثل هذا الوقت لفعل لذلك ...
- لا يا شيخ ، أخاف أنا ، إتفرجوا يا خلق ، عايزين يسكتوني ، عشان محدش يعرف عمايلهم ****** ، أهو ، راجل ده ولا مش راجل !!! مطلعاه بنفسي من أوضة مقصوفة الرقبة "نغم" ... 
إرتعدت "نغم" بفزع وهي تسمع إتهامات زوجة عمها بشرفها أمام الناس فقد بدأ المارة يصعدون للأعلى لمشاهدة ماذا حدث اليوم بين "صباح" و "زكيه" ...
نظرات إتهامات بين العيون المحدقة تطلق كالخناجر بنفوسهم البريئة ، بإرتجاف شديد أخذت "زكيه" بالبكاء وهي تدفع بـ"بحر" مترجية ...
- إمشي من هنا يا إبني الله لا يسيئك ...
رفض "بحر" تمامًا أن يتركهم بهول هذا الأمر الذى يبدو أنه تسبب به دون أن يدري ، الآن فقط علم لم كانت "نغم" متخوفة من مجيئة لبيتهم ، برفض قاطع أجابها "بحر" ...
- لا يمكن يا طنط ، الناس دي لازم تفهم إن مفيش أي حاجة من كلام الست دي حصل ، الست دي كدابة ...
لكن الآذان تصم نفسها عن التصديق فهم يرون شاب غريب بباب "زكيه" وبالتأكيد لن تتهمهم "صباح" بالباطل ...
تعدت "شجن" وقفِة أمها السلبية الخانعة لتدافع عن أختها وشرفها أمام الجميع ...
- أيوة ، أختي معملتش حاجة ، والست دي كدابة ...
كقنبلة مدوية عادت "صباح" لصياحها الهادر ...
- وهو مين إللي بيتكلم !!! ما إنتِ زيها ، الله أعلم يمكن فيه راجل جوه معاكِ إنتِ كمان ...!!!!!
رفعت "شجن" ذراعها للأعلى لتصفع تلك المتطاولة لتخرسها عن كذبها وإلقائهم بتهم باطلة ...
- إخرسي خالص ...
جائت فرصة "صباح" لتستعين بسلاحها الثاني (الإستكانة) لتهتف بجموع الناس من حولها ...
- شوفتوا قليلة الرباية ، بتضربني قدامكم ، عشان إيه ، عشان أنا ست حره ودمي حامي ومبحبش العوج ، وأديني بشهدكم أهو على ***** و ****** والراجل أهو قدامكم ... 
ضرب الناس كفوفهم بإستياء وهم يطالعون "زكيه" وبناتها بإشمئزاز ..
- لا حول ولا قوة إلا بالله ...
صدق الناس الظنون ولعبت تلك الحقيرة بأفكارهم حتى شعر ثلاثتهن بأنه قد غلب على أمرهن ...
وقفت "زكيه" تنتحب وهي تحرك رأسها بالنفي ، بينما تيبست "نغم" بحالة صدمة منذ بداية الصراخ ، لكن "شجن" لن تستسلم لتلك الوقحة ليتهدج صدرها بإنفعال مردفة بحدة ...
- لو عندك دليل واحد هاتيه ، إحنا أشرف منك ومن مية زيك ، يا كدابة ...
رفعت "صباح" كفها ترد لها الصفعة الأولى وهي تطالعها بأعين قوية ...
- إخرسي يا قليلة التربية ، صحيح ، حتجيبي الأدب منين ، ما أهو ، قدام الناس كلها ..
تحركت "نغم" أخيرًا نحو "بحر" فهو سبب ما حدث ، وستظل "صباح" تهتف وتصارخ بالحي بأكمله حتى تثبت ذلك لتدفعه بكل قوتها ...
- إمشي من هنا يا أستاذ "بحر" ، إمشي بالله عليك ، كفاية لحد كدة ...
زاغت عيناه بحيرة فهو لا يريد تركهم بمفردهم مع تلك المرأة لكن توسلها له بالرحيل يغرس بقلبه ...
- لا يا "نغم" ، مقدرش أسيبكم ...
كررت توسلها وسط بكائها الذى يقطع نياط قلبه ممزقًا إياه بقوة ..
- عشان خاطري إمشي ، بالله عليك ...
ربما ذلك سيكون حلًا لصمت تلك المرأة ليهتف قبل مغادرته ..
- أنا حمشي مش عشان كلام الست دي لأ ، عشان خاطر الناس الشريفة دي متتأذاش ، لكن إنتِ ست كدابة ، ومفترية ...
أنهى حديثه موجهًا إياه لـ"صباح" التى وصلت لغايتها ...
هبط "بحر" درجات السلم مبتعدًا ربما الأمور تهدأ بعد رحيله لكن قلبه سيظل متوجسًا حتى يطمئن عليهن ..
صعد "فخري" إثر سماعه لصراخ "صباح" وصياحها بوجه مقتضب ...
- إيه ده ، فيه إيه هنا ؟!!
أعادت "صباح" وصلتها الأولى بإتهام "نغم" بوجود شاب بغرفتها وأنها فتاة لعوب سيئة السمعة ..
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
دارت عينا "فخري" بين جموع الملتفين وبين "زكيه" وبناتها بوجه مقتضب وقبل أن يعلن عقابه الحازم كانت "صباح" تسبق بحديثها ...
- دول عار على عيلة النجار ، لازمن يسيبوا البيت وينطردوا في الشارع ، إحنا منقبلش نعيش مع ناس زي دول ، مين ده إللي حيدخل بيت فيه بنات زي دول ...
لكن الصدمة جائت من خلفهم جميعًا حين صاح صوت ذكوري بحزم ...
- أنا ، أنا حدخل البيت ده و حتجوز "نغم" ....

ويبقى للأحداث بقية ،،،
انتهى الفصل الرابع والعشرون ،،،
قراءة ممتعة ،،،
رشا روميه (قوت القلوب)

 •تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent