Ads by Google X

رواية ظننتك قلبي الفصل الحادي والعشرون 21 - بقلم قوت القلوب

الصفحة الرئيسية

 رواية ظننتك قلبي الفصل الحادي والعشرون 21 - بقلم قوت القلوب 

(الفصل الواحد والعشرون) "الجزء الاول"
وبين كل قصد وتفسيره ظن وليتنا نعلم بأن بعض الظن إثم ، لِمَ تَترُك فِكرك للظنون فربما كان إحساس القلب صدقٌ يُخبرَك ، فإن تشوشت أفكارك وحل الظنون برأسك تذكر أن القلب لا يكذب ...

بيت المستشار خالد دويدار ( شقة عيسى) ...
حان موعد رحيله لكنه لا يقدر على ذلك ، دار "عيسى" حول نفسه متخبطًا بتشوش عما يستطيع فعله الآن فلديه موعد لا يؤجل بينما حالة "غدير" لا تسمح له بالمغادرة ...
تذكر ليلة الأمس حين عادت "غدير" من زيارتها لـ"مودة" بأنفاس متحشرجة وصدر مُتعب ، ملامحها الباهتة وإختناق وجهها ...
مشهد مخيف لقلبه الحنون ...
ساعات مضت وهي بنفس الحال لا يقدر سوى بإنتظار مفعول أدويتها أن تخفف من آلامها ...
دموع عيناها المتألمة من ضيق تنفسها لم يضاهي ألم قلبها وتخوفها من أن يكون قد لاحظ لقائها بـ"رشيد" ، كانت تخشى معرفته بالأمر ، لكن الغيرة من طبع "عيسى" ولن يقبل كرجل شرقي حر أن تتقابل زوجته مع أيًا كان ..
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
حاولت أن تطمئن قلبها بأنه إن كان رآها لما صمت حتى هذه اللحظة بل لكانت ثورته قاسية ضاربة بكل هدوئه عرض الحائط ...
بملامح مكفهره جلس "عيسى" إلى جوار "غدير" ...
- شكلك مش مريحني أبدًا ... إيه إللي حصل .. ؟!! أنا كلمتك وإنتِ نازله من عند "مودة" وكنتِ كويسة ... إيه إللي تعبك جامد كدة ...؟!!
تساؤله جعلها تناظر عيناه المتلهفتان بحيرة ، هل يدرك ما حدث ويستدرجها بالحديث بذكائه أم إنه لا يعلم ويود الإطمئنان عليها فقط ، وإن كان كذلك هل ستخبره بلقائها بـ"رشيد" أم تخفى الأمر بستر الله عليها ولا داعى لإثارة متاعب هي بغنى عنها ...
نظراتها المقلقة وحيرة عيونها الدامعة كانت تغرس كالخناجر بقلب "عيسى" القلق ، لكنها إكتفت بإجابة مقتضبة ...
- مش عارفه ... 
تنهد "عيسى" بتألم لحالها ...
- أنا مقدرش أنزل وأسيبك فى الحالة دى ... حتى ماما فى المستشفى وبابا فى الشركة ... قلبى حيبقى مشغول عليكِ طول الوقت ...
سحبت نفسًا متألمًا لتردف بتهدج كلماتها المتقطعة ...
- متقلقش .. عليا ... أنا حكلم .. "مودة" ... تيجى تقعد ... معايا شوية ...
أغمض عيناه بضيق من الظروف التى تحكم عليه بإكمال ما لا يريده وترك ما يعشقه ...
- لسه بدري عقبال ما "مودة" ترجع من الشركة ... مش حقدر أسيبك ده كله ... 
بإبتسامة باهتة إقترحت "غدير" أمرًا ربما يحل تلك المشكلة ...
- نادي .. لي .. "أم مجدي" تقعد .. معايا ...
رغم عدم تقبله لهذا الأمر إلا أنه مضطر لذلك فلديه موعد هام بالسجن قد حصل على تصريح له بغاية الصعوبة ...
- طيب .. الأمر لله ...
حضرت السيدة "أم مجدي" لمرافقة "غدير" بعد مغادرة "عيسى" لكن ليطمئن قلبه إتصل بوالدته ...
- السلام عليكم ... أخبارك إيه يا ماما ...؟!؟
أجابته "منار" بقلق ..
- أنا كويسة ... خير يا "عيسى" ... فيه حاجة ..؟!! بتتصل بدري ليه كدة ...؟!!
مسح وجهه بكفه بقلق محاولًا الهدوء قبل أن يخبرها ...
- "غدير" جت لها الأزمة ... وعندي معاد مهم أوى مقدرش أقعد ... وقلقان عليها يا ماما ... أنا خليت "أم مجدي" تقعد معاها ... بس برضه مش مطمن ...
هبت "منار" على الفور ...
- لأ طبعًا ... أنا جايه لها ... روح إنت شغلك ومتشغلش بالك ... أنا حعمل إذن وآجي أفضل معاها طول اليوم ...
ببعض الراحة أجابها ...
- ربنا يبارك لنا فيكِ يا ماما ... خدي بالك منها أوى ... دى عندية وبتنسى الدواء ...
رغم قلقها على "غدير" إلا أنها إبتسمت لمحبة وقلق قلب "عيسى" الحنون على حبيبة قلبه ...
- متقلقش ... 
أنهى "عيسى" مكالمته وإتجه نحو السجن لقضاء تلك الزيارة الهامة التى جهز لها منذ الأمس ...

❈-❈-❈

مبني المخابرات العامة (مكتب نظمي) ...
توهج وجه "عهد" بحمرة قاسية فلن تسمح لنفسها بالسقوط أمام أى شخص كان حتى لو إمتلك قلبها رغمًا عنها ، ولن تسمح له أيضًا بالضغط عليها وكسر أنفها بأى حيلة كانت ...
شعرت بالخيانة مرة أخرى كما لو كان يتعمد ذلك بكل مرة ، رفعت وجهها المتوهج وعيناها الحادتين تجاه "نظمي" لتردف بإنفعال ...
- لا يمكن يا فندم ... لايمكن أشتغل فى المجموعة دي ...!!!
لأول مرة منذ عملها بالجهاز ترفض عملًا وكلَ إليها ، لكن ذلك لا يشفع لها معارضة رغبة "نظمي" ليهب واقفًا بغضب ظهر جليًا على ملامحه الغليظة ليصرخ بها بحدة ...
- نعم ...!!! هو إيه إللي لا يمكن ...!!! هو لعب عيال ... ده شغل وإنتِ مُكلفة بيه ... إنتِ بتعصي الأوامر ...؟!!!
دارت الدنيا من حولها فبماذا ستجيبه الآن لتردف بغضب ظهر بنبرة صوتها لكنها أخفت حدتها قليلًا ..
- مقصدش يا فندم ... لكن مقدرش أشتغل فى الجو ده .. أنا عايزة شُغل لوحدي زى ما كنت سيادتك بتكلفني .. مش عايزة أشتغل في مجموعة ...
- هو بمزاجك ... عايزة شغل بالتفصيل ... الدلع ده مش هنا ...
أنهى عبارته بقوة إهتزت لها "عهد" من داخلها فهو قاسى للغاية بالتعامل معها هى بالتحديد منذ يومها الأول ، بل لم يكن محبذًا أن تعمل إمرأة بهذا المجال الشاق لتستفزها كلمة (دلع) فهي لا تنطبق عليها مطلقًا لتردف برفض لإتهمامها بالتخنع والدلال ..
- لا يا فندم ... بس أرجوك إعفيني أنا من الشغل ده ...
رفع "نظمي" حاجبه الأيسر بإزدراء ليجد بذلك ضالته بالإستمتاع بإجبارها رغم أنها بإمكانها رفض التعاون مع المجموعة وإسناد عمل آخر لها ...
- والله هو ده إللي عندنا ... مش عاجبك شوفيلك شغلانه تانية ...
كظمت "عهد" غيظها من هذا المتعنت المتعجرف لتردف بقوة فهي ستقدر على تطويع نفسها تحت أى ضغط ولن تترك عملها مهما حدث لتردف بتحدى لكن بنبرة إنصياع ترضى نفس "نظمي" ...
- عاجبني يا فندم ... تمام ...
بسمة زهو وإنتصار علت ثغر "نظمي" المائل وهو يأشر لها بالورقة مرة أخرى ...
- وقعي عليها وإتفضلي على المكتب إللي في آخر الطرقة ... الرائد "معتصم" مستنيكِ هناك ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بإيمائة مغتاظة هزت "عهد" رأسها بخفة قبل أن توقع بالموافقة والعلم لتتجه صوب مكتب "معتصم" وهى تغمغم بسخط تلعن اللحظة التى ستجمعهما من جديد ...

❈-❈-❈

شركة عسرانكو للإستيراد والتصدير ...
خلال تلك الفترة القصيرة إستطاع "خالد دويدار" فحص أغلبية الملفات الخاصة بالعقود المُبرمة بين شركة عسرانكو وبعض الأشخاص والشركات وبحنكته كرجل قانون متمرس إستطاع فهم كيفية عمل وإدارة تلك الشركة بسهولة ...
جلس بمكتبه يفحص آخر ملف قُدم إليه بتمعن حين حضر "فوزى" بإبتسامة عريضة ملأت وجهه النحيل ...
- أستاذنا .. أخبارك يا "خالد" بيه ...
رفع "خالد" وجهه تجاه مصدر الصوت ليخفض نظارته الطبية الخاصة بالقراءة قليلًا ليستطيع رؤيته بوضوح ...
- صباح الخير يا أستاذ "فوزي" ...
دلف "فوزي" مستكملًا ...
- ده حضرتك شكلك خلصت الملفات كلها ... 
أومأ "خالد" بهدوء ..
- الحمد لله .. 
أشار "فوزي" بعيناه تجاه الملف الموضوع فوق سطح المكتب ..
- وإيه الأخبار ... خد بالك .. أنا إللي كنت براجع كل الشروط ... يعنى حاجة ميه ميه مفيش كلام ...
بدبلوماسية شديدة حاول "خالد" عدم التقليل من قدرات رفيقه قائلًا ...
- اه طبعًا ... تمام ... تمام ...
وجدها "فوزي" فرصة ذهبية لإظهار قدرات لا يتحلى بها ليتملكه بعض الغرور ....
- كل عقد من دول أقدر أقولك كل إللي فيه وأنا مغمض ... بس ... أكيد الأستاذ "عسران" شايف إنك بخبرتك حتفيد الشركة أكتر .. بس أنا كنت بشتغل ميه ميه ...
لم يشأ "خالد" أن يعارضه لكنه لم يبدى موافقته ليردف بهدوء ...
- أظن إنك عملت إللي كان مطلوب منك وزيادة ... ولو إحتجت مساعدتك أكيد حطلبها يا أستاذ "فوزي" ...
كان ذلك طلب منه للمغادرة لكن بلباقة شديدة تفهمها "فوزي" لينهض مستأذنًا ببعض الحرج ...
- طيب ... أروح أنا للأستاذ "محمد" ... أصله ميستغناش عني أبدًا ...
فور مغادرة "فوزي" عاد "خالد" لمراجعة ملفه الأخير بتمعن لينتهى منه ويبدأ مرحلة أخرى بعمله وهو صياغة بنود جديدة للإتفاقات والتعاقدات القادمة ....
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

بين تلك القضبان الحديدية وحرية مُنعت من أصحابها لتكبل النفوس قبل الأجساد بعقاب مؤلم للنفس ، الحرمان الذى يستحقه كل مجرم مخالف للقانون ، لكن من يدرى لعل بين هؤلاء مظلوم يلتمس بصيص نور وإخلاء سبيل ...
جلس "عيسى" بمكتب آمر السجن بإنتظار حضور موكله "رمزي" الذى حُكم عليه بالسجن لقضاء عقوبته لكنه مازال لديه الفرصة بمحكمة الإستئناف لهذا الحكم الجائر والذى أوكل له "عيسى" لذلك ...
دقائق قليلة وكان "رمزي" يقف قبالة "عيسى" بنفس مهترئة وأمل مرتقب ...
- أستاذ "عيسى" ... 
صافح "عيسى" رمزي" برسمية قائلًا ...
- أهلًا يا "رمزي" ... تعالى ...
وقف آمر السجن سامحًا لهم بالتحدث بأريحية ...
- أسيبكم شوية مع بعض ... عندي مرور مهم ...
- إتفضل يا فندم ... شكرًا لمساعدتك ...
قالها "عيسى" بإمتنان لمساعدته له بهذا اللقاء العاجل بموكله ثم أكمل حديثه تجاه "رمزي" ..
- أقعد يا "رمزي" عشان هي نص ساعة بس أقدر أفهم منك إللي حصل وبسرعة ...
تفهم "رمزي" محدودية الوقت ليبدأ بإيضاح ما تورط به لـ"عيسى" ...
- تمام يا متر ... الحكاية وما فيها إن أنا كنت بشتغل فى شركة ... أنا مجرد وسيط يا بيه والله ... لا ليا في الطور ولا في الطحين .. كنت باخد ورق من هنا لهنا ... أوصل رسالة مهمة ....كدة يعنى ... لكن كان يوم إسود يوم ما علمت إن الناس إللي أنا شغال معاهم بياخدوا أراضي ومناقصات برخص التراب ... بالصدفة والله عرفت كدة ... وإنهم بيدفعوا رشاوي لناس كبيرة أوى فى البلد ... مخى الغبي خلاني أقول لهم أنال من الحب جانب ... فكرتهم حيدوني قرشين وخلاص عشان أسكت ... لكن لقيتهم رموني بتهمة والله ما عملتها ولا أعرف عنها حاجة ... أنا عارف إني غلطان لما ساومتهم على فلوس ... لكن وربنا ما عملت حاجة ولا أخدت جنية ..
تنهد "عيسى" بضيق وهو يمسح جبهته متفكرًا ...
- كل ده أنا عارفه ... وسمعته منك ومن أخوك ... وعارف إنك ولا سرقت ولا حاجة لكن إزاى نثبت براءتك وإنت مقبوض عليك وفيه حرز بالفلوس إللي سرقتها ... يعني متلبس ... ساعدني وقولي معلومة تخليني أساعدك ...
دارت عينا "رمزي" بيأس ثم أردف بقلة حيلة ...
- مش عارف يا متر ... قولي عاوز مني إيه بالضبط وأنا أعمله ...
بتفكير مُجهد بعد ليال طويلة ودراسة وافيه لملابسات تلك القضية ...
- عشان أطلعك من هنا لازم نعمل حاجتين ... أولهم لازم نثير الرأى العام عشان نوضح إنك مكنتش غير كبش فداء ... والحاجة التانية إننا لازم يكون عندنا أسماء الناس إللي أخدت الرشاوي دي ...
إتسعت عينا "رمزي" بفزع ...
- بس دي ناس كبيرة أوى ... أنا مش قدهم ... ممكن يخلصوا مني فيها ...
رفع "عيسى" رأسه بإعتزاز ...
- أنا بقى قدهم ومش بخاف ... بس لازم يكون معايا إثبات رسمي عشان أقدر أثبت براءتك ...
إحتارت مقلتي "رمزي" قبل أن يردف بنبرة خفيضة متخوفه من أحد يسمعه أحدهم ...
- أنا شايل ورقه ... فيها أسماء الناس دي والمبالغ إللي أخدوها ... بس بالله عليك ... أنا خايف أتأذي ...
تعمق "عيسى" بتقاسيم وجه "رمزي" يحاول إدراك مدى صدقه ليردف بشك ...
- ولما إنت معاك الورقة دي .. مسلمتهاش من الأول للنيابة ليه ...؟!!
لملم "رمزي" شفتيه المرتجفتان وهو يتلفت حوله ..
- خوفت يكون حد منهم تبعهم ويخفيها ولا يحرقها وساعتها حقي كله حيضيع ...
- أنا عاوز الورقة دي ...
أومأ "رمزي" بتوجس مما سيلقى نفسه به لكنه يثق بـ"عيسى" ليردف بهمس ...
- حقولك هي فين بالضبط ...
أوضح "رمزي" له أين يخفى هذه الورقة والتى ستعتبر ورقة رابحة ستغير مجرى القضية بشكل تام فقد أوشك على النجاح بهذه القضية ...

❈-❈-❈

الإستخبارات العامة ( مكتب معتصم) ..
مراوغ شرس قادر على كسب المعارك فلفطنته وذكائه يحسب كل الحسبان ، لكن الآن قد شوشت أفكاره بفعل تلك المتوحشة ، لينهر نفسه بقوة ...
- لازم أهدى كدة ... وأركز تاني فى شغلي ... هي دلوقتِ خلاص حتتجوز ... يعنى لازم أشيلها من دماغي ...
ضحك ساخرًا من نفسه محدثًا إياها ...
- أشيل مين من دماغي ... هي مش في دماغي أصلًا ... أنا بضحك على نفسي ولا إيه ... أنا متأكد إنها ولا حتهز مني شعرايه أساسًا ... عشان كدة حطيتهم هم الإتنين معايا فى المجموعة ... عشان أنا محدش يهزني ولا يأثر فيا ...
تلقى إتصال من "عمر" يرتب معه بعض الأعمال التى سيتم التعاون فيما بينهم على تنفيذها حين لاحت طرقات جادة للغاية بباب مكتبه ، أنهى إثرها "معتصم" مكالمته ليسمح للقادم بالدخول ...
- إدخل ...
بثبات قوى وقلب أجوف كان ينتظر من إستأذن بالدخول دون الإكتراث له ، لكن حين أهلت متمردته أمام عيناه شعر بقلبه ينتفض بقوة ، تصارعت دقاته بإنفعال لم يظن أنه يمتلك هذا الإحساس الجارف تجاهها ، هو من كان يظن أنها لا تؤثر به إقتلعت قلبه الهادئ من موضعه ليثور بإجتياح لجسده كاملًا ...
لكنه لا ينكر أنه بتلك اللحظة شعر بمدى إشتياق عينيه لرؤيتها ، تحجر ريقه الذى حاول إبتلاعه بصعوبة وهو يستقيم ببطء مثبتًا حدقتيه تجاهها ليهمس بشوق لم يصل لمسامعها ...
- "عهد" ...

كانت "عهد" مضطرة على الذهاب إليه مجبرة على قبول العمل معه فهي لا تملك رفاهية الرفض الآن ...
بخشونتها المعهودة وتحفيز نفسها بأنها أقوى من مجرد لقاء به وأقوى من أن تميل إليه فمنذ لحظة رحيلها من الكوخ هو لا يمثل لها أى شيء ، تلاشت كل ما حفزته بنفسها بمجرد رؤيته خلف مكتبه وهو يستقيم ناظرًا نحوها بذات النظرة القاتمة الغامضة التى إختلج لها قلبها ، لقد ظنت أنها تقدر على نسيانه لكن الأمر يبدو خارجًا عن سطوتها ...
لقد تمرد القلب وإنفلتت قيودة لكنه مثل الغيوم مهما حاولت تخبئتها تظهر فالسر يختبئ بالصمت ، من قال أن الصمت لا يتكلم ...
طالت نظراتهم دون التفوه أو التصريح ، نظرات تآلفت وتعانقت دون إقتراب ، تابعتها دقات قلوبهم المتصارعة وتنفسهم المضطرب ، لولا عناد كل منهم لإعترف كلاهما بعشقه للآخر ...
ود لو يسحبها بقوة من ذراعها نحوه يعنفها على تركها له ويعترف بشوق أخفاه بقلبه لكن حائل بداخله منعه ، شئ أثار حنقه وكرامته فهي ستتزوج من آخر ، لا يدرى لم يحاسبها على إختيارها لحياتها ، إحساس بالخيانة رغم أنها لا يجب أن توصف بذلك ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
عنادها بأن تتفهم سبب إخفاء المهمة عنها وأنها كانت أدنى من أن يوضح لها الأمر رغم معرفته جعلها ترفع رأسها بشموخ حتى لو كان قائدها ...
عادا ليتنافران كقضبان المغناطيس قطع نظرات التحدي رغم العشق المخفي بين طيات عيونهم حضور "طه" الذى كان يبحث عن "عهد" منذ مجيئه ...
- صباح الخير .... 
إلتفت كلاهما لـ"طه" وقد رمقته عيونهما تتهمه بالتطفل وإقتحام تواصلهما فحتى بعنادهما رغمًا عنهم يلتقيان ...
شعر "طه" بالإضطراب كما لو كان جاء بوقت غير مناسب ليردف بتوتر ...
- هو فيه حاجة ولا إيه ... ؟؟؟ 
دارت رأسه بين "عهد" و "معتصم" حين إستقر نحو "معتصم" يسأله ..
- خير يا "معتصم" باشا ... فيه مشكلة مع "عهد" ولا إيه ...؟!!
حدجه "معتصم" بنظرة حادة قاسية فهل يقصد الدفاع عنها ، هل هو قريب منها لهذه الدرجة حتى يكون هو من يلطف الأمور بينه وبينها ؟؟! بزمجرة قوية أشعلتها نيران الغيرة بقلبه ...
- فيه إيه يا "طه" ... حتى لو فيه مشكلة ... إنت دخلك إيه ...؟!
بإرتباك شديد وإبتسامة متملقة متخوفة ...
- ولا حاجة يا قائد .. أنا بس بلطف الجو ... 
كان الرد الخشن آت من "عهد" قبل تفوه "معتصم" ...
- محدش طلب منك تدخل ... أنا مش عَيله صغيرة مستنية إللي يدافع عني ... 
مال "طه" بإيمائة خفيفة ...
- أكيد طبعًا ... حد قال كدة بس ...
إلتفت "عهد" بذات الخشونة تجاه "معتصم" كما لو أن مجئ "طه" قطع حبال توترها وأعادها لنفسها وخشونتها ...
- أنا جاهزة للشغل .. شوف حضرتك حنعمل إيه وأنا موجودة ...
تجاهل "معتصم" وجود "طه" ليخصها بحديثه ...
- النهاردة حنجتمع كلنا عشان أوضح لكم المهمة وتفاصيلها ... متتأخريش ...
بنظرات صارمة يغلبها التحدي لإدراكها مقصده ..
- مش بتأخر ... أنا دايمًا مواعيدي وشغلي مظبوطين ... معنديش غلط ...
تقدم "معتصم" سعيدًا من داخله لتلك الحالة التى يعشقها من التحدي التى كانت تجمعهما من قبل ...
- لما نشوف يا عم "فتحي" ...
تذكرت الإسم لتعقد أنفها بغيظ وهي تقابله بإنفعال مكتوم ...
- إسمي "عهد" وبس ... مش أنا إللي يطلع عليا أسامي زى دي ..!!!
رفع "معتصم" حاجبه يقلل من قدرتها على التصرف الآن فهو قائدها ...
- حتعملي إيه يعني ...؟!!
أطلقت حروفها من بين أسنانها المصكوكة بنبرة خشنة ...
- بلاش تطلع العفريت من جوايا يا .... قائد ...
أنهت عبارتها ساخرة منه ليخفى إبتسامة سعيدة حلت بنفسه ليردف بجدية ...
- معادنا الساعة واحدة ... 
أجابته بطرف عيناها وهي تستدير نحو الخارج ...
- ماشي ...
لحقها "طه" غير مصدقًا لطريقتها الفظة مع "معتصم" الذى يعامله الجميع بأنه ملك بهذا العمل ...
- إنتِ إزاى تكلميه بالطريقة دي ... إنتِ مش خايفه على روحك ..!!!!
بنظرات مستنكرة أجابته بتقزز ...
- أخاف من مين ...!!! أنا أتكلم مع إللي أنا عاوزاه بالطريقة إللي تعجبني ...
عقب "طه" بإعجاب حقيقي بقوتها ...
- رهيبة يا "عهد" ... بجد برافو عليكِ ...
إتجهت نحو مكتبها ولم يتركها "طه" لتلتفت له بحدة ...
- فيه إيه يا "طه" ... إنت مراقبني ولا إيه ...؟؟! ولا تكونش بتوصل بنت أختك الفصل بتاعها ... إتفضل على مكتبك ...
شعر "طه" بالحرج ليومئ بإنصياع ليتركها ويعود لمكتبه منتظرًا فرصة سانحة ليخبرها بمشاعره ويصرح لها عن رغبته بالزواج منها ....
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

شركة بيكو للأدوية ...
لليوم الثاني على التوالي بدأت "مودة" عملها بالشركة بالمكتب الذى خصصه لها "رؤوف" ، لكن اليوم كان هادئ للغاية بعيدًا عن صخب الأمس وضجيج "نيره" ...
وجود فتاة لطيفة كـ"مودة" كانت محط إهتمام بقية العاملين بالشركة لتبدأ عملها بنشاط إجتماعي تتمتع به بالتعرف عليهم جميعًا ...
لم تخلو ساعات عملها من بعض المزاح والروح المرحة كما أختها تمامًا ...
- تعالي هنا جنبي وأنا أحبك ...
قالتها بلطافة لتقترب إحداهن قربها بضحكة صافية ...
- ده إنتِ دمك شربات يا "مودة" ...
- الله يحفظك ... 
ضغطت على أحد الأزرار بلوحة المفاتيح بالخطأ لتتسع عيناها بقوة ممازحة رفيقتها ...
- هو أنا كدة حترفد ...!!!
اجابتها "ريم" بضحكات لا تنتهي ...
- يا خبر أبيض ... دي القاعدة معاكِ حتودينا في داهية ... أنا رايحة أكل ... ده وقت الراحة ...
رغم ملامحها الجدية إلا أنها أكملت بمزاح يجعل من يقابلها ينتابه الضحك دون أن تتغير ملامحها الجادة ...
- إحلفي ... إنتوا عندكوا أكل ...!!
تركتها "ريم" وهي تحاول تمالك ضحكاتها من تلك الطريفة التى لفتت الأنظار خاصة لـ"حمدي" الذى وجدها فرصة للتودد إليها ..
- أنسة "مودة" ... أخبار الشغل إيه النهاردة .. ؟!!
برغم إجتماعيتها إلا أن هذا الشاب يثير إمتعاضها فور رؤيتها له لتردف بوجه ممتعض ..
- كويس ...
- طيب حلو أوي إنك مبسوطة معانا ...
دارت بعيناها تحاول التهرب من وجودها مع هذا الشاب ثقيل الظل لتجد نجدتها بسارق قلبها حين تقدم "رؤوف" تجاههم ثم وضع ذراعه فوق كتف "حمدي" وهو يقف إلى جواره ...
- ها ... إيه الأخبار ...؟؟!
أشرق وجهها بقوة وهي تعتدل بجلستها لتجيبه بإبتسامة واسعة ...
- تمام .. تمام ... تمام ...
تجاوب معها "رؤوف" ببسمته المميزة وحديثه اللطيف ...
- كل ده ... ما كفاية تمام واحدة ... 
تاهت منها الكلمات فبعد أن كانت تمازح الجميع ولديها لباقة شديدة فى الحديث أصبحت تتعثر بإيجاد كلمات مناسبة تخرج من شفتيها بحضوره ...
- حاضر ...
أسرع "حمدي" يقتحم حديثهم ليناله من هذا الحديث اللطيف جانب ...
- أنا جيت أهو أطمن عليها دى لسه فى الأول برضه ... 
بغمزته الساحرة التى صاحبت عباراته عقب "رؤوف" ..
- تشكر يا أبو الواجب ... تعالي يا جميلة معايا بقى ...
تحركت "مودة" كالمغيبة فما كانت تنتظر سوى تلك الدعوة منه لتلبيها على الفور ، دلف "رؤوف" تجاه مكتبه برفقة "مودة" و "حمدي" ليشير تجاه مكتبه قائلًا بكرم ...
- إحنا وقت البريك ... ودة حاجة بسيطة كدة تاكليها أكيد معملتيش حسابك على الغدا فى نص اليوم ...
فاهت "مودة" بإهتمامه لتردف بعذوبة ...
- لا شكرًا بجد ... مش عاوزة ...
مال "رؤوف" برأسه محذرًا إياها بلطافة ..
- هو إيه إللي مش عاوزة ... ده ... إجباارى ... هو أنا لو جيت البيت عندكم مش حتضايفيني ولا إيه ...؟؟! وبعدين هو إنتِ غريبة بعزم عليكِ ... يلا إتفضلي خلصي أكلك كله ...
أسرع "حمدي" تجاه أحد العلب الكرتونية المغلقة ليحفز "مودة" على مشاركته ...
- إنتوا حتتعازموا ... أنا جعان ...
أعاد "رؤوف" دعوتها لتناول الطعام ليخرجها من حرجها الظاهر على ملامحها اللطيفة ..
- يلا بقى بلاش كسوف ... أحسن "حمدي" حيخلص الأكل كله ...
طأطأت "مودة" رأسها بحرج ثم هتفت برفض هادئ ...
- بجد لو عاوزة كنت أكلت ... أنا كمان مش بحب الحاجات دى من برة ... أخرى حلويات .. لكن الأكل الجاهز بيعملي تلبك .. شكرًا والله ..
صمت "رؤوف" لوهلة يتطلع نحوها بإندهاش فنادرًا ما يرى أحد لا يحبذ الطعام الجاهز مثله تمامًا ، لفتت إنتباهه بقوة لما هو مشترك بينهم ليبتسم لأول مرة بتقبل من داخله وليست إبتسامة متكلفة من التى تملأ وجهه طيلة الوقت ثم عقب بتفهم شديد ...
- براحتك .. مش حضغط عليكِ .. طالما مش بتحبيه ...
عقب "حمدي" أثناء تناوله وجبته بنهم ...
- حد ميحبش الأكل ده ... ده إنتوا فايتكوا نص عمركوا ... فقريين ... 
تطلعت "مودة" بإندهاش تجاه "رؤوف" متسائله ...
- هو إنت كمان مش بتحب الأكل الجاهز ...؟!!
برمشة مازحة من جفناه أجابها ...
- ولا بطيقه ... أنا جايبه عشانك ...
يكفيها أن تكون محط إهتمامه وأن تشغل فكره ولو بأمر بسيط للغاية لتنفعل دقات قلبها وهي تنكس رأسها خجلًا قبل أن تردف ...
- متشكره يا "رؤوف" ... ( لمحت تناول "حمدي" للطعام بينما لم يتناول "رؤوف" شيئًا لتستطرد ) ... وإنت كدة مش حتاكل خالص ...؟؟!
- ساعات بجيب معايا أكل ... وساعات بكسل بصراحة ...
لم تفكر للحظة لتردف على الفور ...
- خلاص .. أنا حبقى أعمل حسابك معايا كل يوم ناكل سوا ... إتفقنا ...
رفع "رؤوف" كفيه للأعلى يقبل دعوتها الكريمة ...
- ماشي ... حد يقول للحلو لأ ...
بقلب مضطرب وخجل أشعل وجنتيها الصغيرتان بحمرة متوهجة كان ردها على حديثه المعسول الذى ظنت أنه يخصها به بمفردها فكم هو لطيف حنون حتى لو مازالت بمثابة أخت له كما يقول لكنها سعيدة للغاية بقربه البسيط ...

يتبع ،،،
(الفصل الواحد والعشرون) "الجزء الثاني"
وبين كل قصد وتفسيره ظن وليتنا نعلم بأن بعض الظن إثم ، لِمَ تَترُك فِكرك للظنون فربما كان إحساس القلب صدقٌ يُخبرَك ، فإن تشوشت أفكارك وحل الظنون برأسك تذكر أن القلب لا يكذب ..

المخابرات العامة (مكتب عهد )...
مسحت فوق شعرها الأسود بتوتر فكم كان لقائها به محطم لثبات أعصابها ، صامدة كالجليد بمهب رياحه الساخنة التى كادت أن تذيب ثباتها وقوتها ، لم تكن كالصخر معه بل تبدلت ، إستطاع أن يغير بداخلها ما ظنت أنه لن يتغير ، حتى أنه أظهر ما لم تكن تظن أنها تملكه ...
جلست تستجمع شتاتها بإضطراب ..
- إيه الورطة دى يا ربي .. يعني عشان أشتغل لازم أكون معاه ... 
ثم أردفت مستنكرة إحساسها بالضعف أمامه ...
- مينفعش أبقى ضعيفة كدة معاه ... فرِقت إيه عن ماما وخالتي "زكيه" و "وعد" ... مهما كان إللي جوايا و إللي مش لازم مخلوق يحس بيه .. لازم أكون قوية محدش يقدر يهزني ...
رغم إحساسها بالضعف حين قابلته منذ قليل إلا أنها أقوى من أى شئ وستسطيع إخفاء هذا الشعور بداخلها حتى تقضى عليه تمامًا فلن تسمح لقلبها أن يفرض سطوته عليها ، إنها قوية وستظل قوية ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

إنتبهت لطرقات دقت بابها لتسمح للقادم بالدخول لتفاجئ بعودة "طه" والذى كان من نصيبه تلك النظرات المشمئزة الغاضبة ...
- إنت تاني ...!!!!
إنها متمردته مهما فعلت يسرى عشقها بأوردته فتقدم دون الإكتراث لإسلوبها الفظ فهو يدرك أن خلف كل تلك القسوة قلب من ألماس يتمنى أن يحظى هو به ، بثقة شديدة تمرس عليها لعدة دقائق قبل أن يدلف إلى مكتبها تحدث "طه" ...
- أيوة يا "عهد" ... أنا جاي أكلمك فى موضوع مهم أوى مينفعش يتأجل ...
تطلعت نحوه دون تعقيب بإنتظار أن يلقي ما في جعبته ويتركها ليستطرد "طه" على الفور ...
- "عهد" ... إحنا زملاء من فترة وإشتغلنا مع بعض وفهمتك كويس ... عارف إنك إنسانة مختلفة عن الـ ...
قاطعته بتملل ...
- إنجز ... ملهاش لازمه المقدمة الطويلة دي ... إدخل في الموضوع على طول ... خليك واضح وبلاش لف و دوران ...
حدتها المباشرة جعلته يشعر ببعض الإرتباك ليستكمل ...
- تمام ... "عهد" ... أنا بحبك وعايز أتجوزك ... أظن مفيش وضوح أكتر من كدة ...
لم تتمالك ضحكتها الساخرة التى خرجت من شفاهها لتظهر حُسنها الذى تخفيه خلف وجهها المقتضب طيلة الوقت ...
- والله ضحكتني يا "طه" ...( ثم تجهمت وحدجته بنظرة حادة ) .. إنت بتهزر صح ..؟؟؟!!!
إبتلع ريقه بإضطراب ثم أكمل ببعض الثبات ...
- لا يا "عهد" مش بهزر ... أنا بتكلم بجد ... وإنتِ لازم تسمعي وتفهمي ... مش كل حاجة تاخديها بعنف كدة ....!!!
رفعت حاجبها بإستنكار لتقف من جلستها بتشدق وشموخ لتردف بإنفعال ..
- إنت مش حتفرض عليا أسمع إيه ومسمعش إيه ... وخليك فى حدودك يا حضرة الضابط ... أنا لحد دلوقتِ بكلمك بإحترام .. مفيش داعي تخليني أقل منك ...
دنا "طه" تجاهها يريد لو تمنحه فرصته لإيضاح مدى صدقه وحبه لها ليتحدث بنبرة ناعمة حالمية فربما تشعر به ...
- بلاش القسوة دي ... "عهد" أنا بحبك ... ونفسي يجمعنا بيت واحد .. صدقيني إنتِ لو لفيتي الدنيا بحالها مش حتلاقي حد يحبك قدي ... 
كلمات حانية لكنها بالوقت الخطأ ومن الشخص الخطأ ، أخطاء لا يمكن لنفسها وقلبها تحملها ، هل ستصبح زوجة مستضعفة يتحكم بها أحدهم !!! هل ستصبح كأمها وأختها وخالتها تتقبل حياة كريهة لمجرد وجودها بكنف رجل !!! مجرد تخيلها لتلك الحياة جعلها تصرخ رافضة ...
- لااااااااا ... لا أنا عاوزة أتجوز ولا عاوزة حد يحبني ... أنا عاوزة أفضل زى ما أنا كدة ... 
إستنكر "طه" رفضها المطلق قائلًا ...
- بس كل بنت مسيرها تتجوز ... إيه .. حتترهبني ...؟؟!!!!! إفهميني يا "عهد" ...
قاطعته مرة أخرى وقد إزدادت حدتها ولمعت حدقتيها ببريق منفعل ...
- مش عاوزة أفهم حاجة ... لأ يعني لأ ... ومتكلمنيش في الموضوع ده تاني نهاااااائي ... فاهم ... ودلوقتِ إتفضل من غير مطرود عندي حاجات مهمة عايزة أخلصها قبل الإجتماع ...
لملم "طه" كرامته المهدورة برفضها التام والتمسك بحدتها ووحشيتها وضربها لمشاعره عرض الحائط ليخرج من مكتبها بضيق بالغ لكنه لم يفقد الأمل بإعادة طلبه بوقت آخر ، فربما تحتاج أن يثبت لها مدى عشقه لها ليحظى بموافقتها ، وعليه إثبات لها ذلك بالقريب ...

❈-❈-❈

بيت النجار (شقة فريد) ...
أسرعت "حنين" بخطواتها المتعجلة تجاه الباب لتغلقه أولًا حتى لا يسترق أحدهم السمع إليهم لتعود مرة أخرى تجاه "فريد" الذى جلس بزهو مما قد توصل إليه مع "حامد" بالأمس ...
جلست تهمس بصوت خفيض متسائله ...
- قولي بقى بالتفصيل الممل "حامد" قالك إيه ...؟؟! وناوي يعمل إيه بالضبط ...؟!!
بتفاخر شديد أخذ "فريد" يقص عليها حديثهم كاملًا ثم عقب ...
- يعني كدة إن أى شحنة حقوله على تفاصيلها ممكن يبعت فيها حاجة لو طلعت من الميناء لينا نصيب فيها ... ولو إتمسكت يبقى إحنا في السليم ويلبسها "مأمون" لأن هو إللي بيمضي بالإستلام ...
مالت "حنين" بفمها بسعادة فأخيرًا ستقف بأبواب الثراء وتجدى حياتها مع هذا المعتوه نفعًا لتهمس بتأمل ...
- ياااه ... إمتى يجي اليوم ده بقى ...
- على طول يا "نونه" ... أنا جبت له تفاصيل شحنات لسه مطلعتش من بلدها ... لقيتها فى مكتب أبويا ... أنا جبتها معايا أهى ... عشان أديها لـ"حامد" النهاردة ...
لمعت عينا "حنين" ببريق طامع ...
- يا حبيبي يا "فريد" ... أنا مش مصدقه إن بيننا وبين الفلوس خطوة ... 
وقفت "حنين" بإستعراض تمثيلي لما تتمناه في خيالها ...
- ونقب على وش الدنيا ... وأشتري دهب ... دهب كتير .. أكتر من أمك ... وهدوم ومجوهرات وأكل ... أكل كتير أوى ... وأسيب البيت العره ده ونسكن فى سرايا كبيرة ... مليانة خدم وحشم ... يااااه ...
ظل يتابعها "فريد" ببلاهة متخيلًا تلك الحياة الرغدة التى تحلم بها "حنين" وهو معها فما عليهم سوى تنفيذ إتفاقهم مع "حامد" لينالا مال لم يقدرا حتى على الحصول عليه بأحلامهم ....
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

الشيخ كرامه ...
أجواء يملؤها إنقباض للنفس لما تهيمن به روح الشعوذة والدجل التى يخدع بها ضعيفي النفوس كتلك الجالسة بإنتظار أن يسمح لها صاحب الكرامة كما يطلق عليه باللقاء الميمون ...
تَقَصَد "كرامه" أن تجلس "صباح" لبعض الوقت يتلف بها أعصابها ويسيطر على تفكيرها بأسحاره وكراماته حتى يسلب مالها الذى ستغدقه عليه لقاء ما سيقوم به ...
حتى حان اللقاء لتدلف "صباح" للغرفة ذاتها التى قابلته بها من قبل ليزيد من الأبخرة والدخان الكثيف ليرجف نفسها المهترئة ...
- حــــــــــــــي ....
قالها "كرامة" بصوته الخشن لتنتفض "صباح" المغيبة لها لتبتلع ريقها المتحجر وهي تلقي ما تعرفه عن دينها فقط ...
- سلام عليكم يا شيخنا ...
- السلام على من إتبع الهدى .... إقعدي عندك ...
بصوت مفخم مزيف خرج من حنجرته ليزيدها رهبة به لتنصاع على الفور لأمره جالسة فوق المقعد البعيد متسائله ...
- إيه الأخبار يا شيخ ... عملت لي العمل ...؟!!!
دفع بأصابعه للهواء كما لو كان يكلم أشخاص غير مرئية ..
- أعذروها ... جاهلة متعرفش حاجة ...
حلقت بأعينها الزائغة حولها دون رؤية من يتحدث معهم ...
- هاه ... هم مين ...!!!
نظر نحوها بأعينه الملطخة بالسواد ...
- الأسيــــــاد ... 
ضربت صدرها بكفها عدة مرات بفزع قبل أن تبصق بداخل ملابسها ...
- ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم ...
ألقى "كرامه" بعض البخور بالموقد ليزداد الدخان كثافة قائلًا ..
- العمل إتعمل ... خرااااب ومرض و فراق وهم .... 
إتسعت بسمتها بشماته لتتأكد ...
- والنبي صحيح ... 
- وأكتر ... كلها كام يوم وتشوفي البشاير بعينك يا "صباح" يا بنت "جمالات" ...
أخرجت "صباح" دفعة جديدة من الأوراق المالية لتضعها فوق الطاولة ...
- وأنا جاهزة لأى طلبات ... من جنية لألف ...
لم يشأ "كرامه" أن ينهي معاملته معها وفكر بإستغلالها لكسب المزيد من المال ...
- وبعد إسبوع تجيلي حكون عملت لك عمل تاني وتالت ... ما هو الأعمال دي لازم تتجدد ...
- وماله يا أخويا ... وأنا سداده ...
لاحت بسمة ماكرة فوق ثغر "كرامه" الذى وجد بئر يستطيع أن يربح به بالسيطرة على عقل تلك الجاهلة التى ستنساق لخداعة ودجله مستغلًا سواد قلبها ونفسها الضعيفة البعيدة عن الله وظنها أن للإنسان قدرة على أذية مخلوق مثله دون إرادة الله الذى قال ﴿ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكَ﴾ ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
حي النعماني (مكتبة بحر) ...
ستبقى بداخلي سرًا وحلمًا أتتوق لواقعه وأنتِ لا تشعرين ، هل يمكن للقلب أن يخبئ إرتجافه دون أن يشعر المحبوب ، هل سيظل عشقي حبيسًا بين أضلعي رفقًا بقلب أحب في صمت تمنى أن يصرخ بمكنونة للعلن فإني أحب غافلتي ...

تاه "بحر" بتفاصيلها الرقيقة وهي تتحدث عن الكتب الجديدة وما وضعته هنا وهناك ، لم يفقه كلمة مما تفوهت به فقد شرد بدقات قلبه تجاهها دون أن تدرى عنه شيئًا ، عشق لم يعد يتحمل بقائه سرًا ...
أخذ يتردد هل يخبرها الآن بعشقه لها أم ينتظر بعد ...
رفعت رأسها الصغير لتتعلق سوداوتيها المتستعتان به قبل أن تستكملها ببسمتها العذبة قائله ...
- إيـــــه ... إللي واخد عقلك ... سرحان كدة ليه ...؟؟!
إنتبه لها "بحر" بعودته من شروده المتيم ليجاوبها بإهتمام ...
- هاه ... لا أبدًا ... معاكِ ...
أسندت وجنتها بقبضتها ثم وضعت مرفقها فوق الطاولة تستكمل تحديقها به ...
- لا واضح ... بقالي شويه بكلمك وإنت مش بترد عليا ...
ضحك بخفة ثم تابع وهو يجلس بالمقعد المجاور لها ..
- يعني معلش .. سرحت شوية ...
بفراسة بغير محلها عقبت "نغم" ...
- اااه ... شكل البنت إللي إنت بتحبها شاغله دماغك ... ما تقولي هي مين وأنا أكلمهالك ... 
دارت عيناه بإضطراب متحيرًا هل يخبرها أم لا ، فربما تلك إشارة أخيرة لإخبارها ، تحفز "بحر" لقرار توتر للغاية حين إتخذه قائلًا بنبرة يملؤها الوله لتلك اللؤلؤة التى سرقت قلبه وأنارت حياته القاحلة ..
- يا ريت ... يا ريت يا "نغم" ... أنا بحبها أوى أوى ... ونفسي تحس بيا ... 
ضمت شفتيها الصغيرتان بتحفز ثم أردفت بحماس ...
- طب يلا ... مستنى أيه ... قول مين هي وأنا حقولها على طول ...
تهدج صدره للحظات لإضطراب تنفسه وتعالى ضربات هذا الخافق بين ضلوعه ليهمس بعشق حالمي ...
- إنتِ ... إنتِ يا "نغم" ... بحبك إنتِ ...
تلاشت بسمتها تدريجيًا لتطالعه بصدمة قوية لم تستطع إخفائها لتردف بعد صمت دام للحظات بنبرة متحشرجة ...
- بتحب مين ؟؟!
- إنتِ ...
إرتفع صدرها الناهج بإضطراب فقد حاول عقلها رفض تصديق الأمر ...
- لأ طبعًا ... إنت أكيد قصدك حد تاني ... أنا لأ ...
لم تكن عيناه لتخطئ هدفها حين تطلع نحوها بهيام أرادت لو تعود لغشاوتها السابقة حين أجابها ...
- قلبي لا يمكن يغلط ... قلبي بيحبك إنتِ يا "نغم" ... وعمره ما يملاه غيرك ...
إرتجاف قوى سرى بجسدها وهي تنهض من جلستها كمن سكب ماء باردًا فوق رأسها للتو ...
- لأ لاا لالالاااا ... أنا لأ ... أنا مينفعش ... 
أخذت تشير بسبابتها رافضة لعشقه وتصريحه لها بحبه ، لم تكن تظن أنها هي المقصودة من حديثه السابق ، لم تكن لتتخيل ذلك مطلقًا..
زاغت عيناها بحيرة فماذا ستفعل الآن هل تترك العمل وتتخلى عن الفرصة الوحيدة التى سنحت لها ، أم تقبل وجودها معه وهي تعلم ما بقلبه ...
كيف ستقبل بذلك وعشق "مأمون" متوغلًا بداخل قلبها ؟؟! إنه لا منازع له فهو حبيبها الأوحد حتى لو كان من جانبها فقط ...
شحب وجهها بصورة أقلقت "بحر" ليشاركها وقفتها بوجه مقتضب ...
- مالك ... ليه تحسي إنك مخضوضة كدة ... هو أنا كلامي ضايقك للدرجة دي ..؟؟
لملمت شفتيها الصغيرتان بتوتر دون معرفة كيف تنهى هذا الأمر فهي لا تحسن التصرف مطلقًا لتجيبه بتوجس ...
- أنا ... أنا ... مش عارفه ... أصل اااا ...
برغبةٍ ملحة من هذا العاشق حاول لفت إنتباهها لمشاعره وأن تعطيه وتعطي نفسها الفرصة لذلك ...
- أصل إيه بس ... حقيقي يا "نغم" أنا بحبك ويا ريت متتسرعيش وتدينا فرصة يمكن نقرب من بعض ...
زاغت عيناها بإضطراب شديد حتى ظهر جليًا على ملامحها التخوف وربما الفزع لتلتزم الصمت الذى جعل "بحر" يشعر بأنها على غير سجيتها ، بل انه ربما يزيد الأمر بالضغط عليها وهي غير مستعدة ومتوقعه لذلك ليجيبها بغصة ...
- عمومًا إعتبري إن أنا مقولتش حاجة ... أنا مش حضغط عليكِ ... وأسبب لك أى قلق ... أنا بس كنت بقول إللي جوايا ... ومش فرض عليكِ في أى حاجة ...
رفعت سوداوتيها الواسعتان تجاهه فكم هو متحضر بشكل مفاجئ ، زادها رد فعله إحترامًا له لتومئ بخفة كغريق وصل لبر الأمان ...
تألم قلبه برفضها الهادئ جعله يفضل الإنسحاب الآن فيبدو أن اليوم ليس بأسعد أيامه ...
- أنا عمري ما حضايقك .. ولا أضغط عليكِ ... وإحنا بنشتغل مع بعض كأن محصلش حاجة ... وأوعدك مش حفتح الموضوع ده تاني خالص طالما ضايقك بالصورة دي ....
نكس عيناه قليلًا ليردف بضيق حاول إخفائه كأن الأمر لم يؤثر به لكن ذلك كان جليًا للغاية ...
- بعد إذنك .. عندي مشوار مهم لازم أروحه ... سلام ..
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
فضل الهرب عن البقاء بهذا الوضع المتأزم لحين أن يهدأ قلبه المفطور فيبدو أنه كان بعيدًا للغاية عن قلبها وفكرها ..
شعرت بالحزن تجاهه لكنها لن تقبل عشقًا فقلبها ممتلئ بما لا يمكن إستبداله مهما حدث ....
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

المستشفى ...
بقلب مرهف لمن يحتاج الرحمة والشفقة فصدق من أسماهن ملائكة الرحمة ، وقفت "شجن" إلى جوار "أيوب" الجالس فوق أحد المقاعد المتحركة لا حول له ولا قوة ، مالت برأسها للأمام قائله ...
- خلاص كدة ... قاعد مرتاح ...
بملامح مستكينة أجابها "أيوب" ...
- الحمد لله يا بنتي ... 
رفعت رأسها تجاه الطبيب لمرة أخرى متسائله ...
- خلاص يا دكتور ... نمشي بقى ...؟؟؟
أجابها الطبيب على الفور ...
- مفيش مشكلة ... وأى متابعة مع المستشفى يحجز بس قبلها عشان السفر ...
- إن شاء الله ... 
دفعت "شجن" بالمقعد المتحرك فقد حان مغادرة المستشفى لإستقرار حالة "أيوب" رغم إصابته التى أقعدته عن الحركة ...
- يلا بينا يا عم "أيوب" .. 
توقفت "شجن" حين وصلت لباب المستشفي وقد راودها القلق من بقائه بمفرده ..
- إبقى طمني عليك يا عم "أيوب" أنا مش عارفة حتعمل إيه لوحدك ...
- ربنا كريم يا بنتي .. وبرضة لو وافقتي على إللي قلت لك عليه كلميني ...
رغم تيقنها بأن هذا أمر يستحيل حدوثه إلا أنها أجابته بلياقة ...
- حاضر ... خد بالك إنت من نفسك .. وأنا حبقى أتصل بيك عشان أطمن عليك ...
أشار "أيوب" تجاه إحدى السيارات قائلًا ...
- العربية أهى إللي حتوصلني ... 
رفعت "شجن" رأسها تجاه السيارة المستأجرة التى سيستقلها "أيوب" للمغادرة والعودة إلى بلده وبيته ، ساعدته للركوب لينطلق سائقها مبتعدًا عنها وهي تلوح له مودعة ليترك بقلبها إحساس منكسر كمن فقدت والدها للمرة الثانية فقد تعلقت بهذا الرجل بقوة ...

❈-❈-❈

شركة عسرانكو للإستيراد والتصدير ...
وإن كان للغير مهابة فلن تهز من الجبال حصوة ، بزيارة مفاجئة من السيد "عسران" صاحب شركة عسرانكو لموظفه الجديد "خالد دويدار" ليتابع سير العمل ..
لم تكن تلك الزيارة سوى إسقاط لكِبر نفس من "عسران" بوجود قامة كالمستشار "خالد دويدار" يعمل تحت إمرته بالشركة ليخطو إلى داخل المكتب بخيلاء وتعالي ...
- ها ... إيه الأخبار ...؟؟!
لم يكن من "خالد" إلا برفع حدقتيه فقط من خلف نظارته الطبية يطالع من حضر للتو دون الإكتراث بتلك الغطرسة الفارغة التي يقوم بها ، وبثقة تامة يتحلى بها وضع قلمه بهدوء شديد فوق المكتب ليعلن بذلك تفرغه لزائره المريب ...
إلتزم "خالد" الصمت لبعض الوقت قبل أن يجيب بتساؤل هادئ به نبرة إستنكار لطريقة تساؤل الزائر المتعالية ...
- أخبار إيه ...؟؟!
أجابه "عسران" بإيضاح محدود الذكاء ..
- حيكون إيه يعني ... الشغل طبعًا ...
كان من إتفاق "خالد" مع "فوزي" أن عمله بالشركة مستقل تمامًا ، لا رقيب ولا محدد لعمله لهذا لم يكترث لهذا الرجل ليجيبه وهو يعود لقراءة ما يتابعه ...
- تمام ... الشغل تمام ...
قبض "عسران" كفه يكبح غضبه من هذا المخلوق الغير مبالي لوجوده ، فجميع العاملين من صغيرهم لكبيرهم يوقرونه ويحسبون لوجوده ألف حساب ...
تطلع بأعين مغتاظة تجاه مساعده الذى يرافقه بهذا المرور على العاملين ليسرع المساعد بتنبيه "خالد" بماهية هذا الرجل ليزيد من التبجيل والتملق كما يود "عسران" ...
- يا حضرة المستشار ... ده الأستاذ "عسران" ... صاحب الشركة ..
لم يزد "خالد" عن هدوئه شيئًا ليردف ببعض الترحاب الباهت ...
- أه تمام ... أهلًا و سهلًا ...
كز "عسران" على أسنانه قائلًا ...
- إنت مشغول أوى كدة ...؟!!!
أجابه "خالد" بثقة متناهية لكن بلياقة وذوق عالٍ ...
- أيوة مشغول ... لو محتاج حاجة إتفضل ... 
لم يكن يريد سوى تملق معتاد من الآخرون يقوم به رجل بمكانة "خالد" لكن الأمر يبدو أنه صعب للغاية ليفضل "عسران" المغادرة حتى لا تقل هيبته لأكثر من ذلك بتجاهل "خالد" ...
- لأ لأ شكرًا .. كمل شغلك ... كمل ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
قالها ببعض الغرور أثناء مغادرته لكن "خالد" لم يكترث بهذا النقص بالنفس فهو يدرك تلك الفئة من الناس التى تستشعر قوتها بالتعالي على من يعملون لديهم لكنه لن يمكنه من تلك الفرصة مطلقًا فهو أرفع من ذلك ...

❈-❈-❈

مستشفي الأمل (منار) ...
تحضرت "منار" للمغادرة للبقاء مع "غدير" كما طلب منها "عيسى" حين إسترعى إنتباهها صوت أنثوي مألوف للغاية أثناء إنشغالها بلملمة أغراضها قبل الرحيل ...
- أنا قلت أعدى عليكِ ... من زمان مشوفتكيش يا دكتورة ...
تهلل وجه "منار" بتألق لرؤية إبنة خالتها "هالة" التى لم ترها منذ بعض الوقت ...
- "هالة" ...!! إزيك يا حبيبتي وحشاني ...
تقدمت تلك المرأة الطويلة ذات المنكبين العريضين والوجه القمحاوي المستطيل ..
- حبيبتي يا "منار" .. فينك وحشاني جدًا ...
جلست "منار" وهي تدعو "هالة" لمرافقتها ...
- أقعدي يا حبيبتي .... ما إنتِ عارفه مشغولة إزاى خصوصًا لما "خالد" طلع معاش ...
بتفهم شديد لمشاغلها أجابتها "هالة" ..
- عارفة حبيبتي ... عشان كدة كنت هنا فى المستشفى قلت أحود عليكِ أشوفك ...
بإمتنان لوجودها وتفقدها من وقت لآخر ...
- ربنا ما يحرمني من سؤالك ده ... بس قوليلي ... خير جايه المستشفى ليه بعد الشر ...؟؟!
زمت "هالة" فمها جانبيًا بتحسر ...
- مرات "علي" إبني مدوخاني والله ... تعبانة وعندها مشاكل فى موضوع الحمل ... فقلت آجى هنا أشوفك وأسألك على دكتور كويس هنا فى المستشفى ...
دارت "منار" بعينيها لوهلة ثم أردفت ...
- اه حبيبتي ... ربنا ييسر لها الأمر يا رب ... بس أقولك ... العيادة بتاعتي أجرها دكتور شاطر يا "هالة" وده تخصصة .. الحمل وأطفال الأنابيب والعقم ... أسمع إنه ممتاز ...
إتسعت عينا "هالة" بسعادة لتردف بإمتنان ...
- بجد والله ... يا ريت ... خلاص من بكرة نروح له طالما شاطر كدة ... ( ثم أنهت حديثها بدعاء أثار حفيظة "منار" قليلًا ) ... ربنا يرزقهم ويخلف على "عيسى" يا رب وتفرحي بأولاده يا رب ...
أجابتها بنفس متتوقة ..
- يا رب ...
بالطبع تحب "غدير" ولا يهمها التدخل بينها وبين "عيسى" لكنها تتمنى أن تقر عينها برؤية أحفادها وأن يرزق "عيسى" بالذرية الصالحة ...
بعد جلسة حميمية بينهما غادرت "منار" برفقة إبنة خالتها وهما تتجاذبات أطراف الأحاديث من هنا وهناك خاصة بما يخص أبنائهم لتعد "هالة" بزيارة قريبة لـ"منار" وعائلتها ...

❈-❈-❈

بيت محفوظ الأسمر ...
يبدأ تنازلك حين تدفعك الحياة لمصافحة من كان يجب عليك صفعه ، لكن متى ينتهى هذا التنازل فهو كخيط غزل من الصوف متى بدأت جذب طرفه حتى ينحل بقية الغزل بطرفة عين دون أن تدرى ...
بملامح شرسة وأعين مترقبة وقفت "عتاب" بتوتر تنتظر خروج أخيها "محب" من غرفته لتلحق به قبل ذهابه للمعرض ..
ثوانٍ قليلة ولمحت طيفة يعيد إحدى خصلات شعره المنمق إلى الخلف وهو يخرج من غرفته ...
بسرعة شديدة تقابلت معه أمام غرفته فهي لم تمهله الفرصة للخروج إليها ...
- "محب" .. عايزاك ...
سحب "محب" شهيقًا طويلًا للغاية قبل أن يزفره بتملل وهو يقلب عينيه للأعلى ...
- فيه إيه تاني يا "عتاب" ؟!! ... ما تهدي بقى ...
بقوة وسيطرة على الأوضاع فقد أوشكت على إمتلاك كل شئ بين يديها ...
- بس ... إسمعني وإنت ساكت ... 
- قولي وخلصيني ...
دارت للخلف أولًا لتتأكد من أن "وعد" ليست بالجوار ثم أردفت ...
- "وعد" خرجت إمبارح ... أكيد أكيد راحت لأختها عشان تخليها توافق على الجواز .. 
تطلع نحوها "محب" بإهتمام منصتًا إليها بشدة ..
- وبعدين ...؟!!
دارت مرة أخرى حول نفسها بقلق لتدفعه نحو غرفته مرة أخرى قائله ...
- تعالى نكمل جوه ... أنا مش مرتاحه للواقفه هنا ...
دلف "محب" مرة أخرى لداخل غرفته لترافقه "عتاب" ثم أغلقت الباب من خلفهم قبل أن تستطرد ...
- بص بقى ... إحنا خلاص دخلنا في الجد ... ولازم نعمل إللي إتفقنا عليه ... حقنا مش حيرجع إلا لما ناخده من البلوة دى ... فاهمني ...
مال "محب" بجذعه قليلًا للأمام وهو يلوح بكفيه بتحير ...
- ما تقوليلي حتعملي إيه وتخلصيني ... أنا زهقت يا "عتاب" ...!!!
رفعت حاجبها بمكر لتردف بقوة ...
- حقولك ... إحنا البت دى مكوشه على كل حاجة وعاملة فيها سهتانه وضعيفة وطيبة ... بس أنا متأكدة إنها هي السبب وراء كل إللي حصل ده ... فلوسنا لازم ناخدها منها ومن إبنها ... ولازم تبقى تحت عينك لحد ما تعرف تاخد الوصاية منها ... المهم دلوقتِ عايزاك تبلفها وتخليها خاتم فى صباعك ... عايزاها تديك كل حاجة من نفسها أصلًا ... مش عاوزين شوشرة ... 
ضم شفتيه بقلة صبر ثم أردف ...
- والمطلوب مني ...؟؟!
- تِطلع لها دلوقتِ وتحدد معاها معاد كتب الكتاب ... وخليك حنين معاها ... وبعد كدة حقولك نعمل معاها إيه ...
تنهد "محب" طويلًا وهو يزيح "عتاب" عن طريقه ...
- طيب ... وسعي كدة ... أنا طالع لها ...
بسمة إنتصار علت ثغر "عتاب" فهي المسيطرة وها هو "محب" ينفذ كل ما تطلبه منه دون تأخير فيبدو أن ربحها قريب للغاية ، فـ"وعد" إما أن تقبل شرطهم بالزواج من "محب" أو يسلمونها للشرطة بتهمة قتل "عاطف" ووقتها ستؤول الوصاية لـ"محب" ، لكن "عتاب" لن تتخذ طريق ربما تخسر به أو تتعطل بمكسبها ولن تتحمل مسؤولية طفل هي بغنى عنها فإجبار "وعد" أيسر الطرق وأقصرها ....
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
شقة "وعد" ...
طرقات ناعمة دقت بابها لتتوجس من الطارق لكن عليها تلبية صاحبها ، فتحت الباب برفق ليطل وجه "محب" يدنو من "وعد" قائلًا بهمس حالمي غريب على مسامعها ...
- صباح الخير ...
إبتلعت ريقها المتحشرج قبل أن تجيبه بتوتر ...
- صباح الخير يا "محب" ...
سلط حدقتيه الساحرة بخاصتيها الزرقاوتين مستكملًا بنبرة حانية للغاية ، نبرة لم تطرق لسماعها من قبل ...
- حبيبتي عاملة إيه ...؟!!
كلمة إخترقت سماعها لتذوب بقلبها المشتاق لكلمة حانية فكلمة (حبيبتى) تقال لها لأول مرة بحياتها ، فكم إشتاقت لكلمات محبة لكن ليس من هذا الرجل ، تهدج صدرها بإضطراب لتردد بإستغراب ...
- حبيبتك ...؟؟؟
تقدم خطوة أخرى حتى كادت تهوى أرضًا لشدة قربه منها حين أثنى جذعه ليهمس بنبرة عاشقة بجانب أذنها ...
- حبيبتي و روحي إللي عايش عشانها ... ده أنا ما صدقت إنك وافقتي نتجوز ... قوليها وريحيني ...
إختلج قلبها المتصارع بدقاته بداخلها لتجيبه بتحشرج ...
- أقول ... أقول إيه ...؟؟؟
- تتجوزيني يا "وعد" ...؟؟! 
رفعت زرقاوتيها تتطلع بملامحه الوسيمة عن قرب وقد فاهت بتشتت فهل لها رفاهية الإختيار ، لقد فُرض عليها إتفاق مشروط وقبلت به رغمًا عنها ، إستكمل حالميته بقوله ...
- عاوزاني يا "وعد" ... تتجوزيني حبيبتي ... قولي ... وأوعدك ... إللي إنتِ حتقوليه ... حنفذه ... بس ... إرحمي قلبي إللي ما صدق الفرصة جت له ... "وعد" ... أنا بحبك ... 
زاغت عيناها بتشتت فهل ترفض وتستقل بحياتها ، أم تقبل زواجها ممن نطق كلمة (أحبك) لأول مرة على مسامعها ...
لحظات من الصمت أنهتها "وعد" برد قاطع ...

ويبقى للأحداث بقية ،،،
انتهى الفصل الواحد والعشرون ،،،
قراءة ممتعة ،،،
رشا روميه (قوت القلوب)

 •تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent