رواية ظننتك قلبي الفصل العشرون 20 - بقلم قوت القلوب
( الفصل العشرون ) الجزء الاول
أنت الأول والأخير لا يضاهي وجودك شئ ، سلام على كل عابر بقلوبنا فلا أحد يمكنه ملأ فراغك مهما حاول ، يقتلني شوقي إليك فبقلبي حنين صامت يتتوق لرؤياك ، فهل يصلك رسالة صمتي أم أنني بالإشتياق وحيد ...
بيت محفوظ الأسمر ...
أعدل "محب" من إستقامة قامته بعد أن حاول لمرة أخرى حث والدته على التحدث فمن يتخيل أن تلك المرأة التى لم تصمت يومًا أو تهدأ نفسها أن تفقد النطق تمامًا وتبقى على هذا الحال منذ خمسة أشهر ، لأيام طويلة وليالي قاسية قضتها "قسمت" ممدة بفراشها دون النطق بكلمة فصدمة فقدانها لـ"عاطف" كانت عظيمة للغاية ...
تحير الأطباء بوضعها الصحي فهي ترفض التحدث لأثر فقدانها العظيم بنفسها وليس لسبب عضوي ..
حاول "محب" حث والدته مرارًا أن تخرج من قوعتها وتعود لحركتها وأصواتها الصاخبة ، وأن عليها تقبل قضاء الله وإكمال الحياة فالرضا بما قسمة الله هو الإيمان الذى يجب أن نتحلى به ، لكن نفس "قسمت" الضعيفة لم تتحمل هول الأمر لتبقى على وضعها لتلك الأيام دون محاولة منها لتخطى الأمر ...
صدح صوت "عتاب" من خلف "محب" قائله ...
- "محب" ... تعالى عاوزاك ...
طلبٌ مُحلى بلهجة آمره جعل "محب" يترك غرفة والدته خارجًا للقاء جديد مع "عتاب" والتى لا تكف عن طلبه لوضع حدود جديدة من أفكارها ..
همس "محب" بصوت خفيض ببعض الضجر من طلبها المستمر ...
- فيه إيه يا "عتاب" ... ؟!! ما تستني شوية ..!!!
لوت فمها بإمتعاض مردفة بإستهزاء ...
- يعنى قعدتك معاها هي إللي حتفرق ... ما هي على الحال ده من خمس شهور ...!!!
دفعها "محب" بخفة من مرفقها للإبتعاد عن غرفة والدته قائلًا بإستياء ...
- وطى صوتك ... كفاية إللي هي فيه ...
تقدمت "عتاب" وهي تحدث "محب" أثناء إبتعادها عن الغرفة ساخرة من لين طبعه المفاجئ ...
- طيب يا حنين ... تعالى ورايا ...
تبعها "محب" حتى إبتعدا تمامًا عن غرفة والدته ليسألها بتملل ...
- عايزة إيه تاني ...؟؟!
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
تطلعت بجانب عينيها تجاه الباب المفتوح لتتأكد أن "وعد" لم تأتي بعد فقد خرجت منذ الصباح ، ثم أجابته بتساؤل مرتاب ...
- كنت عايزة أعرف إحنا لسه على إتفاقنا ولا إيه ...؟!!
زفر "محب" بقوة فلم يعد يتحمل تكرار "عتاب" للأمر ليجيبها بإنفعال ليس من طبعه ...
- وأخرتها معاكِ ... !!! مش خِلصنا من السكة دى ... وخلاص ...!!!
عقدت "عتاب" ذراعيها أمام صدرها وهي تعيد على مسامع "محب" إتفاقهم لتضمن أنه مازال على العهد معها ...
- ونقول تاني وتالت ورابع ... إحنا متفقين إن إنت لازم تتجوز "وعد" وتبقى وصي على "زين" ... ده إحنا كل فلوسنا بقت بإسمه حتى الورق مش لاقينه ... يعنى لازم كل حاجة ترجع لينا ... كمان أنا مقدرش على خدمة عيل كمان ... كفاية عليا عيالي وأمك ... إنت لازم تتجوزها عشان ناخد منهم حقنا ... ماشي يا "محب" ...؟!!
بإيمائة خاطفة أجابتها بضيق ...
- وأنا قلت لك ماشي ... وإتفقنا .. وإنتِ هددتي "وعد" يا نتجوز يا تبلغي عنها إنها قتلت "عاطف" ... وكل حاجة ماشيه تمام ومستنيين موافقتها ونخلص ... عاوزة إيه تاني ... ؟؟!
مالت برأسها الطويل لتحدق عيناها السوداوتين المخيفتان بأخيها فإتفاقهما هو ما سيرجع مالهم وعليه الإلتزام بذلك وعليها أيضًا التيقن من ذلك كلما سمح الأمر ...
- عاوزة أقولك إن الكلام منهى ... أنا مش عايزاها تصعب عليك ... ولا تضحك عليك ... إحنا فى الهوا سوا يا أخويا ...
تمالك "محب" غضبه من تكرار "عتاب" لتذكيره بالأمر ..
- تمام ... تمام ... متقلقيش ... هي بس توافق ونخلص ونكتب الكتاب على طول ...
- الله ينور عليك ... نكتب الكتاب ... ونشوف طريقة بقى نرجع حقنا من الهانم وإبنها ...
إكتفى "محب" بهذا الحديث ليخبرها أثناء مغادرته ...
- طيب ... أنا نازل المعرض عشان إتأخرت ... سلام ...
لم ينتظر "محب" ردها بل إتجه نحو الخارج فالأجواء ببيت العائلة أصبحت خانقة للغاية ...
إنتهزت "عتاب" تلك الفرصة للبحث عن أى أوراق تثبت ملكيتهم لأى شئ قد تناسي والدهم بتسجيله بإسم "زين" ، فجميع ما يمتلكونه الآن أصبح ملكًا لإبن "عاطف" فقط ....
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
عطارة النجار ...
تنتشر الفئران بعد غياب أصحاب البيت وإنشغالهم عن خيره ، وهكذا كان "فريد" الذى وجد ضالته بعد سفر "مأمون" وإنشغال والده بالمرور على بعض التجار أقرانه بالسوق ، دار "فريد" بخيلاء متخيلًا ما يُمكنه كسبه لو تملّك تجارة والده وأصبح هو المتحكم بها ...
إبتسم بخبث ضئيل الذكاء وهو يملس بكفه فوق مقعد والده والذى يجلس عليه "مأمون" في العادة وقد حلق بخياله ببحور الثراء والرخاء ...
جلس "فريد" مستمتعًا بتلك اللحظة التى لا تتكرر كثيرًا قبل أن تخرجه دقات هاتفه من حلمه الجميل لينتبه له ، إبتلع ريقه بإضطراب وهو يبلل شفتيه الجافتين مجيبًا ...
- "نونه" حبيبتي ... إيه الأخبار ...؟!!
خشيته من غضبها إذا أخطأ أنساه تخيله منذ قليل ليعود لشخصيته الخانعة بحضورها حتى لو عن طريق الهاتف فقط ...
- مش مهم أنا ... إنت عملت إيه عندك ...؟؟؟
قلب نظراته يمينًا ويسارًا ثم همس بتخوف من أن يسمعه أحد ...
- كله تمام ... "مأمون" سافر ... وأبويا بيلف لفه على التجار .. وانا قاعد على المكتب ...
إنفرجت أساريرها بسعادة ثم أردفت ...
- كويس ... لو عندك فلوس ... هات معاك وإنت راجع .. البيت فاضي ...
أحنى "فريد" رأسه يتطلع لأحد الأدراج باحثًا عن بعض المال ...
- الدرج فاضي ... الظاهر أبويا أخد الفلوس قبل ما يمشى ...
لوت "حنين" فمها بإستياء فيبدو أن اليوم ليس أسعد أيامها ...
- برضه ...!!! طيب ... إسمعني كويس ... "حامد" إبن بنت عم أبويا ... عارفُه ...؟؟؟
قضب "فريد" جبهته بقوة محاولًا تذكر من هذا المدعو "حامد" ...
- لأ ... مش فاكره أوى ... مين ده ؟؟؟ وعاوز إيه ...؟!!
سأمت "حنين" من ذكائه المحدود لتهتف بتذمر ...
- يا أخي ركز معايا بقى ... "حامد" .. "حامد" ... مش عارفه إزاى ... "ميدو" يا أخي ...
إنتبه له "فريد" ليرفع رأسه بإدراك ...
- ااااه ... عرفته عرفته ... ماله "حامد" ...؟!!
أجابته بلهجة آمرة ...
- "حامد" حيجيلك كمان شويه ... أنا كلمته ... عشان حيدخلك معاه فى الشغل ... الواد ده بيعرف يطلع الفلوس من أى حاجه ... وإحنا لازم نشتغل معاه ...
ردد "فريد" حديث "حنين" لإرضائها هاتفًا ...
- صح يا "نونه" صح ... لازم نشتغل معاه ... وأنا قاعد مستنيه أهو مش حتحرك من مكاني لحد ما ييجي ...
❈-❈-❈
شقة عهد ...
إلى متى سيظل الخضوع مسيطرًا دون إختيار حياة تستحق أن تعيشها ، يُفطر قلبها لأجل نصف قمرها الآخر ، لم يكن ذلك هو المستقبل الذى كانت تتمناه لها ...
كأخت كبرى تتمنى فقط مصلحة أختها ظلت "عهد" تحث "وعد" عن التخلى عن إلقاء نفسها بجُحر الثعابين ، لكن خوفها من إنتزاع حضانة إبنها سيطر عليها بصورة فَزِعة لم تستطع "عهد" إثناء رأيها عن قرارها البغيض ...
- يا "وعد" ... أنا مش عاوزاكِ تعملي كدة فى نفسك ... إبنك وإنتِ فى حمايتي ... ميبقاش الكل عامل حسابي وإنتِ خايفة بالشكل ده من أهل جوزك ... إسمعي كلامي ... متخافيش ... إنتِ مش أختي الصغيرة ... إنتِ بنتي ... بلاش تعملي كدة فيا وفي نفسك ...
مسحت "وعد" وجهها مستجمعة شتات نفسها لتلقى بنفسها بأحضان "عهد" التى تفاجأت برد فعلها ، ثم قالت بنبرتها الناعمة ...
- يا حبيبتي يا "عهد" ... أنا عارفة إني ماليش غيرك ... وإنك إنتِ إللي أخدتي بالك مني وإتحملتي مسؤوليتي لوحدك بعد وفاة ماما ... عارفة إني طول عمري كنت حِمل تقيل على كتافك .. وقفتِ حياتك بدل ما تكمليها وتعيشيها ... فضلتي إنك تعيشي عشاني ونسيتي نفسك ...
لم تظهر "عهد" تأثرها البالغ بل ظلت على جمودها الظاهر برغم إختلاج قلبها من كلمات "وعد" لتردف ..
- وإيه إللي حصل بعد كدة ...!!! ما إنتِ عاوزة ترمي نفسك فى النار برضه ... يعنى مش كفاية أول مرة لأ ... عايزة تكرريها تاني وتوقعي نفسك تانى ...
إعتدلت "وعد" لتحاول إقناعها بما ليست مقتنعه به على الإطلاق ...
- مش يمكن كدة أحسن لـ"زين" ... مش عايزة أتحرم منه يا "عهد" ... إفهميني ... وبعدين مش يمكن "محب" يكون غير "عاطف" ... أنا عمري ما حوافق إلا لما إنتِ توافقي الأول ...
ضحكت "عهد" بسخرية فكيف ينبت نبات صالح بتربة فاسدة ...
- عشم إبليس في الجنة ...
وضعت "وعد" كفها فوق صدرها تترجي "عهد" بقبول الأمر و نيل رضاها ...
- بالله عليكِ ... لو خاطري غالي عندك ... وافقي .. ومتزعليش مني ...
كيف ستتقبل إهدار نفسها للمرة الثانية ، لمَّ القلب أصبح ضعيف لهذا الحد ...!!!
زمت شفتيها بإمتعاض لتردف مجبرة رغم عدم تقبلها ..
- طيب ... إنتِ مش صغيرة ... أنا كان نفسي تكوني أقوى من نفسك ومن ماما ومن خالتك "زكيه" ...
بأمل جديد بأن حياتها القادمة مع "محب" ربما يمكن أن تكون مختلفة لإختلاف طباعه وشخصيته عن "عاطف" ، أو ربما ستتحمل لأجل قرة عينها ولدها الوحيد ...
- يمكن يا "عهد" يكون غيرهم ... يمكن ..
تنهدت "عهد" بضيق لتشبث أختها بالضعف كسائر نساء تلك العائلة ..
- مش قادرة أصدق ده ... بس لو إنتِ عايزة كدة ... مش حقف في طريقك .. وبرضه البيت هنا مفتوح لك في أى وقت ... ولو حد بس فكر يدوس لك على طرف قوليلي وأنا قادرة أمحيهم كلهم فى لحظة ...
- يا حبيبتي يا أختى ...
بعد عناق طويل إستمدت به "وعد" قوتها لإكمال طريقها ، لم تلبث "وعد" الكثير بعد ذلك لتصطحب ولدها الذى تركته لدى خالتها لتعود لبيت العائلة لتلتقى ما هو مقدر لها ...
❈-❈-❈
بأجواء خزعبلية بأحد الأحياء الفقيرة للغاية بشقة سفلية تقع بالدور الأرضي ، أنوار خافته ومصابيح غريبة الشكل ، سقف منخفض العلو يتدلى منه بعض الأقمشة البالية وحبال ملفوفة وعناقيد من حبات معقودة صلبة قاتمة للنفس ...
زادت الأجواء غرابة تلك السحب من الدخان المنبعث من أرجاء الشقة بفعل مواقد البخور المنتشرة ...
دلفت "صباح" بخطواتها الثقيلة الغير متزنه لذلك المكان الكئيب دون السؤال عنه كمن تدرى كل تفاصيله من قبل ...
تقابلت مع أحد الأشخاص بالداخل يرتدى جلباب أزرق ذو شعر مشعث لتسأله برجفة ...
- مساء الخير يا أخويا ... الشيخ "كرامه" هنا ...؟!!
قلب الرجل نظراته بهيئتها وأساورها الغليظة ذات اللون البراق ليجيبها على الفور فيبدو أنها من هؤلاء السيدات الثريات اللاتى يغدقن بالمال لأجل تحقيق مطالبهم ...
- موجود يا ستنا ... بس مشغول حبتين ... ده مش ملاحق على طلبات الأسياد عليه من الصبح ...
أخرجت "صباح" ورقة مالية من حقيبة يدها الجلدية اللامعة هامسة بفطنة للأمر ...
- طب ما تشفهولي خلص ولا إيه ... أصل أنا مستعجلة أوى يا أخويا ...
تلهف بوضع الورقة المالية بجيب جلبابه بعد التمعن بقيمته لينتفض ملبيًا طلبها ...
- أوامرك يا ست الكل ... حالًا نشوفه ...
دلف نحو أحد الغرف لبعض الوقت ثم خرج نحوها قائلًا بترحيب ...
- إتفضلي يا ستنا ... الشيخ مستنيكِ جوه ...
خطت "صباح" نحو الداخل ومازالت الرجفة تجتاحها رغم قلبها القوى الذى لا يهاب شيئًا ...
- مساء الخير يا شيخ ...
تطلع بها أحد الرجال الذى إرتدى ملابس تدفع من يراه لمهابته والتخوف منه ، فقد إرتدى جلباب قصير ذو نقوش مخططة باللون الرمادي والأخضر معلقًا برقبته العديد من السلاسل والعناقيد الملونة ، يلف رأسه بوشاح عتيق من اللون النبيذي القاتم يتدلى منه بعض المعلقات من الجعران الأزرق ، خطط عيناه السوداوتين بكحل أسود ليدفع بالخوف بقلوب زائرية ...
أجابها بصوت أجش غليظ ...
- تعالي ... تعالي .... حاجتك مقضيه ...
جلست "صباح" بمقابل "كرامه" قائله ...
- جيالك يا شيخنا تعملي عمل لأجل خطافة الرجالة وبناتها ...
بخبث معتاد لتلك النوعية من السيدات تطلع بها كرامه قائلًا ...
- العمل ميتمش إلا بالقطر ... معاكِ قطرهم ...؟!!
أخرجت "صباح" اللفافة التى جلبتها لها "راويه" بالصباح لتدفع بها إليه قائله ..
- دول قطرهم هم الثلاثة ... وريني فيهم يا شيخ أذى ومرض .. وقف حالهم وكره الناس فيهم ... مش عايزاهم يتجوزوا ... ولو إتجوزوا يتخرب بيتهم ... وأمهم العقربة ... يبتليها بالمرض والمصايب ... ما تلاحق عليهم أبدًا ...
لحقت حديثها بوضع رزمة من المال أمامه مستكملة ...
- وخد دول تحت الحساب ولو حصل المراد حديلك زيهم ...
لمعت عينا هذا الدجال بطمع ليسحب المال وحقيبة الملابس نحوه قائلًا بشر ...
- إعتبريه حصل ... ده أنا الشيخ "كرامه" ... حتشوفي فيهم كل البلا ... والناس كلها تحكي على حالهم ...
إبتهجت نفس "صباح" لتردف بسعادة ...
- كتر خيرك يا شيخنا ... بس يحصل ... وأنا رقبتي ليك ...
وضع بعض من حبيبات البخور لتزيد الأدخنة لسلب عقل تلك ضعيفة الإيمان لتنزلق لطريق الشيطان بإتباعها لهذا الساحر الدجال ...
وبنفس ضعيفة الإيمان سيئة النوايا خرجت "صباح" كما دلفت ظنًا منها أنها ستنتهي من أمر "زكيه" وبناتها بهذا السحر وهذا الدجال ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
شركة بيكو للأدوية ...
لكل قلب موضعه إلا قلبي معك أنت ، سأكتفى بمراقبته فقط فلا أريده ولا أود البُعد مرة أخرى ...
هكذا كانت "مودة" بعد ساعات قضتها بداخل الشركة وهي تتابع سير العمل وتفاصيله مع "رؤوف" ، لم تنتبه للعمل بقدر حماسها المفرط لوجودها برفقته ، فقد فازت اليوم بقُربها منه لساعات متواصله ، فلو أنها تحلم لكانت قد إستفاقت وإنتهى الحلم لكنها واعية لحقيقة أجمل من الخيال ...
توقف "رؤوف" يطالع أحد القوائم للأدوية المرتجعة قائلًا ..
- دي بقى قائمة المرتجع .. يعني الأدوية إللي منتهية أو مرسلة بالغلط ... فهمتي ...
بعينان هائمتان معلقتان بتفاصيله أومأت بتشتت وقد لاحت إبتسامة بشفتيها الرقيقتان ...
- فاهمه ...
أشار "رؤوف" بتمرس تجاه أحد المكاتب موضحًا بلطافته التى لم ترى مثلها من قبل ..
- و إللي هناك ده بقى حيبقى مكتبك ... شغلتك بقى يا ستى رصد المرتجع وتعمليلي قائمة حلوة زي دى .. بحيث مفيش حاجة تعدي منك ... الأعداد والصنف وكل البيانات زى دى بالضبط ... إيه رأيك يا جميلة ...؟!!!
حاولت "مودة" أن تكون جادة نوعًا وأنها تستطيع التعامل بعملية مع ما يطلبه منها ، لتجيبه بحماس ...
- أه طبعًا ... فهمت جدًا ... وأنا معاك على طول ... قولي بس وحتلاقيني موجودة زي ما تحب بالضبط ...
إنتفض كلاهما على صرخة أتت من خلفهما إسترعت إنتباههم وعيون الآخرين ...
- ايييييه ... الله الله ... موجودة فين يا **** يا ***** مفيش لا تربية ولا أخلاق ... عيني عينك كدة ....!!!!
بهتت "مودة" من فهمها الخاطئ لتتحجر كلماتها بحلقها وقد إتسعت عيناها بصدمة من تطاول "نيره" المفاجئ والخارج عن الحد ...
إلتفت "رؤوف" تجاه "نيره" بأعين غاضبة غير معتادة لهذا اللطيف ليزمجر بقوة تناسب عائلة "دويدار" القوية ، فهنا ظهرت قوته وشراسته كأخويه تمامًا ، حتى أن "نيره" صدمت من رد فعله الهادر ...
- إنتِ تاني يا "نيره" ...!!! وبعدين معاكِ بقى ... كل شويه مشاكل وكلام ملهوش ستين لازمة ...!!!!!
سحبت شهقة قوية متهكمة من قوته رغم خطئة الجسيم لتنفعل بقوة قائله ...
- لا يا شيخ ...!!!! بقى جايب الست هانم لحد هنا وبقيت أنا الغلطانة .. إنت بتستغفلني يا "رؤوف" ... هي حصلت !!!!
دفعها "رؤوف" من مرفقها بحدة فربما تُصمِت فمها الذى يقطر منه كلماتها الوقحة دون بينة ...
- إخرسي خالص ... إفهمي الكلام قبل ما تقوليه ... قلت لك قبل كدة أنا عمري ما بعمل غلط ... ولو عايز أغلط أكيد لا حيبقى قدامك ولا في مكان أكل عيشي يا هانم ...
أوسعت حدقتيها بعدم تصديق لتصرخ مكذبة إياه ...
- حلو أوى الكلمتين دول ... تثبتني بيهم كويس ... ما أنا شكلي هبلة وممكن أصدق كلامك ... !!!
ضرب كفيه بعضهما ببعض من تهور "نيره" المتكرر ليهتف بحدة وهو يشير تجاه "مودة" التى إضطربت للغاية لما تسبب وجودها به بين "رؤوف" و"نيره" مما جعلها تشك به وتتهمها بسوء أخلاقها ، هتف "رؤوف" بإنفعال ..
- إفهمي يا بنى آدمه ... "مودة" حتشتغل معانا هنا .. وأنا كنت بقولها تعمل إيه ... بلاش ظنك إللي ممكن يهدم كل حاجة ده ... متخليش الظنون والشيطان يلعبوا فى دماغك ..
بصدر ناهج أخذت "نيره" تدور بنظراتها بين العاملين وبين "مودة" وبين "رؤوف" المحتد فيبدو أن الأمر كما يقول وأنها تسرعت للمرة الثانية ، لكنها لن تعترف بسوء ظنها ، فهي لا تخطئ ...
إستطرد "رؤوف" من بين أسنانه بضيق ..
- وهو أنا لو بيني وبينها حاجة ... حخليها تيجي هنا قصاد كل الناس دي ...!!! "مودة" دي أختي ... زى "غدير" بالضبط ... إنتِ الظن إللي في دماغك حيخرب بينا بجد ...
قالها "رؤوف" لتهدأ بها "نيره" قليلًا وتلتزم الصمت بينما علقت غصة بقلب "مودة" فهو لا يراها إلا كأخت كما يرى "غدير" ، طأطأت رأسها قليلًا بتحسر دون أن ينتبه أحد لسبب رد فعلها المستكين ظنًا منهم أنها تأثرت بإتهام "نيره" الغير صحيح ...
همس "رؤوف" بنبرة جافة نحو "نيره" ...
- أظن كدة كفاية فضايح قدام الناس ... إرجعي على الإستور بتاعك وكفاية إللي عملتيه المرة إللي فاتت والمرة دى ...
لملمت "نيره" شفاهها بأسنانها توارى خطأها المتسرع بكل مرة تقتحم مقر عمله وتسبب له مشكلة وسمعة سيئة فكم كانت متسرعة هذه المرة أيضًا ...
إضطرت للتراجع و مغادرة الشركة لكن عليها التفكير بأمر ما يصلح ما أفسدته للتو ...
بنبرته اللطيفة حاول "رؤوف" الإعتذار من "مودة" لتسرُّع "نيره" وسوء ظنها بها ...
- أنا أسف يا "مودة" ... هي "نيره" كدة متسرعة شويه ... لكن متقصدش أكيد كلمة وحشة عليكِ ...
أهي تهتم لما قالته عنها أم أن كل ما يشغلها هو إحساسه هو بها ، رفعت سوداوتيها تجاهه بنظرة حزينة تحمل بعض العتاب ظنه لأجل ما فعلته "نيره" لكن ما قاله كان أعظم بالنسبة لها ..
تنفست ببطء ثم أردفت ...
- لو وجودى هنا حيعمل لك مشاكل ... يبقى بلاش أحسن ... أنا خلاص مش حكمل فى الشركة ... كفاية مشاكل أنا السبب فيها ...
إتسعت عيناه بإندهاش وهو يرفض بشدة ...
- أكيد لأ ... ده شغل وإحنا مش بنعمل حاجة غلط ... ده إنتِ لو مشيتي يبقى بتأكدي كلامها ... أنا مش موافق طبعًا ... إنتِ معانا ومكملة غصب عن أى حد ...
بإيمائة خفيفة وافقت "مودة" على رأيه لكنها قررت المغادرة الآن فلن تستطيع أن تكمل اليوم بعد ما حدث ...
- تمام ... بعد إذنكم .... لازم أمشي دلوقتِ ...
- مفيش مشكلة ... بس إحنا مستنيينك معانا بكرة الصبح ... تمام ...
- تمام ...
غادرت "مودة" بمشاعر مضطربة بين سعادة بقربة وتعاسة بظنه بها كمجرد أخت ...
❈-❈-❈
مكتب عيسى للمحاماة ....
للذكاء قوة تفوق القوة الجسدية بأزمان وعقود ، فـ التحلي بالفراسة والذكاء من متطلبات تلك المهنة بالخصوص ، فمن يريد التفرد بكونه محامى ذائع الصيط يجب عليه التحلي بمميزات عقلية فائقة غير معتادة بالمرة ...
قضية معقدة بصورة بالغة أجهدته بالفعل ، أخذ "عيسى" لحظات مسروقة من الراحة فله ساعات طويلة يحدق بتلك الأوراق ليفكر بملابسات تلك القضية المعقدة لمحاولة الوقوف على ثغرة لحلها ، فيبدو أن الإدانة هي النهاية المحتملة لهذا الرجل ...
إجهاد كبير لتفكيره فيجب عليه التوصل لحل لنجاة هذا الرجل من جريمة لم يقترفها كما أخبره أخاه ...
خطوات خفيفة إقتربت منه إستطاع "عيسى" سمع وقع صوت دقات كعب حذاء أنثوي يدنو من مكتبه ليردف دون أن يفتح عيناه بثقة وفطنة ...
- خير يا "سندس" ...
لم تتعجب "سندس" من معرفته بأنها من دلفت إليه فهي تدرك تمامًا ذكائه وقدراته العالية لكنها أجابته بتمرس ...
- إنت غلطان يا أستاذ "عيسى" ...
فتح "عيسى" جفناه ليناظرها بقوة قبل أن يعتدل بجلسته متسائلًا ...
- في إيه ...؟؟!
جلست "سندس" بالمقعد المقابل له مستكملة بجدية بعيدًا عن العاطفة التى تتحكم بها أمام هذا الرجل ...
- إنك قبلت القضية دي ... القضية دى مفيهاش أى فكرة إنك تثبت براءة صاحبها ... أنا الأول كنت فاكرة إنها قضية كبيرة وممكن تكون قضية رأي عام حترفع من المكتب ومنك ... لكن دلوقتِ ... إسمح لي أقولك إن خسارتها هي المضمونة مش مكسبها ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
تنهد "عيسى" بقوة قبل أن يجيبها دون إيضاح مبالغ فيه ...
- وهي لو قضية سهلة وواضحة أنا دوري حيكون إيه ... أنا ميهمنيش القضية المضمونة قد ما يهمني إثبات الحق وبراءة "رمزي" ... أنا شغلتي القضايا الصعبة دي ...
نظرت "سندس" تجاه أحد الأوراق الخاصة بالقضية الموضوعة أمام "عيسى" فوق سطح المكتب ...
- إنت عارف إني كمساعدة ليك المفروض أقولك إللي أنا شايفاه ... القضية لابساه لابساه ... ده لو مكانش هو إللي عمل كدة فعلًا ....
ملس فوق وجنته بقوة متفكرًا فهي محقة هذه المرة لكن عليه البحث والمحاولة ليردف بثقة لا يدري من أين يأتي بها ...
- بس أنا لسه عندي أمل ألاقي ثغرة تطلعه منها ... أنا متأكد ...
مطت شفتيها العريضتين قائله ...
- يبقى مفيش قدامك غير تروح له زيارة تانية تحاول تطلع منه بأى معلومة جديدة .. يمكن تلاقى مفتاح الحل ...
بدون إيضاح لبقية تفاصيل ما يفكر به أجابها بإقتضاب ..
- ممكن ... لو سمحتِ تخلي عم "شاكر" يعمل لي فنجان قهوة تقيل ... عشان أنا قاعد لسه أكمل فى القضية دي ...
أشفقت "سندس" على حاله المرهق فهو لم يرتاح منذ الصباح وكاد المساء يغطى أستاره على السماء ...
- طيب ريح نفسك شوية ... أطلب لك حاجة تاكلها ...؟؟!
فرك جبهته بإرهاق بينما أجابها بتشتت ...
- لالأ ... قهوة كفاية ... إتفضلي إنتِ وإقفلي الباب وراكِ ...
حركت رأسها بخفة وقد أصابها الضيق لضيقه وإنشغال فكره ، خرجت من المكتب مغلقة الباب من خلفها ليعود "عيسى" لوضعه الأول مغمضًا جفناه ليجد أن مكالمة لمنبع الصفاء بحياته هي ما يحتاجه الآن ..
رفع هاتفه متصلًا بـ"غدير" التى أجابته على الفور ...
- "إيسوووو" ... وحشنااي ...
إبتسم لنبرتها المرحة التى يحتاجها بقوة ...
- وإنتِ كمان يا "دورا" ... بتعملي إيه حبيبتي ...؟؟!
- بعمل إيه ...!!! عملت الرز وأكلت البلح وغسلت الجاكيت وحطيت كياس الخضار وقفلت التلاجه وفتحت التلاجه وأكلت تفاحة وفتحت البلكونة وسقيت الزرع وقفلت البلكونة ودخلت "أم مجدي" ونظفتلي الشقة و ودعت "أم مجدي" ... اااه .. وبس ...
ضحك "عيسى" بضحكة يبحث عنها منذ بداية يومه الشاق ليردف بسخرية ...
- إنتِ بتقولي إيه ... كل ده عشان قولت لك بتعملي إيه ...!!!
- الله ... مش أقولك على الحقيقة ... ولا عاوزني أخبي عليك ...
نهض من مقعده ليتحرك قليلًا بداخل المكتب مستكملًا حديثه معها ...
- لا قولي ... دي أحلي حاجة فيكِ إنك مش بتخبي عليا حاجة ...
لفت عيناه بالشقة من حولها ثم أردفت ...
- "إيسووو" ... أنا حنزل أطمن على طنط "منار" ... وبعد كدة حروح لـ"مودة" ... وأبقى أرجع لما تخلص المكتب ...
لم يعارض "عيسى" ذلك فهو يدرك قلقها الدائم على أختها الصغري ليجيبها بالإيجاب ...
- تمام ... ولو أنا خلصت بدري حكلمك نرجع سوا ...
قفزت "غدير" من موضعها مهللة ...
- أوكى ... سلام يا "إيسووو" يا عسل ...
- سلام يا شيكولاته ...
أنهت مكالمتها بضحكتها الصاخبة لسماعها كلمة شيكولاته التى يخصها بها لتستعد للمغادرة بعد قليل ...
يتبع ،،،
(الفصل العشرون ) الجزء الثاني
أنت الأول والأخير لا يضاهي وجودك شئ ، سلام على كل عابر بقلوبنا فلا أحد يمكنه ملأ فراغك مهما حاول ، يقتلني شوقي إليك فبقلبي حنين صامت يتتوق لرؤياك ، فهل يصلك رسالة صمتي أم أنني بالإشتياق وحيد ...
عطارة النجار ...
بتحفز شديد لهذا الزائر الغامض إنتظر "فريد" لبعض الوقت حتى لاح طيف شاب طويل ذو وجه محدب وشعر مموج ، شاب يتمتع بعينين بنيتين لامعة يدلان على المكر والدهاء ...
تقدم "حامد" تجاه مكتب "فخري" الذى إحتله "فريد" اليوم بغياب والده وأخيه ..
إنها الفرصة التى لا تأتي إلا مرة واحدة بالعمر ، فهذا الشاب قادر على إختلاق المال من العدم ، محظوظ كما يقولون ومن جاور السعيد سيسعَدُ ...
هلل "فريد" مرحبًا بـ"حامد" قائلًا ...
- أهلًا أهلًا ... نورت يا أستاذ "حامد" ...
لم يكن "فريد" بالغريب عن "حامد" بل هو يعرفه حق المعرفة لهذا كان رد فعله مناسبًا لشخص بهذا الغباء والمحدودية ليرد التحية ببعض الإستعلاء لإدراكه لحاجته له ...
- أهلًا ...
أشار "فريد" تجاه المقعد بإبتسامة سعيدة ..
- إتفضل أقعد ... إتفضل إتفضل ...
جلس "حامد" وهو يضرب بعيناه المتجولتان لداخل الوكالة ليقيس مدى ثراء هذه العائلة ليحدد ما يمكنه كسبه من ورائهم ...
- خير يا "فريد" .... "حنين" كلمتني عشان شغل ...؟!! إيه الشغل ده ...؟!!
زاغت عينا "فريد" بإضطراب متخوفًا من أن يلاحظ أحدهم حديثه ليجيبه بنبرة خفيضة قلقة للغاية ...
- أى حاجة ... أنا معاك فى أى حاجة زى ما "حنين" قالت لك .. إللي تقدر عليه نعمله تبع شغل الوكالة ...
لم يكن بالأمر المجهد أو المعقد عليه ليدرك مقصده بالعمل الغير مشروع سريع الربح ، وبتجارة كالعطارة وما شابهها هي وسيلة رائعة لهذا الأمر لكنه كان بالدهاء بألا يظهر رغبته المُلحة بالعمل معه ليردف بلا إكتراث ...
- مفهوم .. مفهوم ..
بقلة صبر على فهم الأمر وما يتطلب منه أسرع "فريد" مستوضحًا ...
- يعني حنعمل إيه ... وإمتى ...؟؟!
- مستعجل ...؟!!
حماسه النابع من كل ملامحه كانت إجابته قبل أن يتفوه بها بالكلمات ...
- أوى ...
لن يضيع "حامد" الأمر من بين يديه ليجيبه ببعض التوضيح ..
- إحنا حنبدأ نجيب شوية بضاعة داخل شحنات الإستيراد بتاعتكم ... وفيه ناس فى مكتب إستيراد حتساعدنا فى القصة دي متقلقش ... بس تديني معلومات الشحنات وأنا حتصرف .. وعمولتك محفوظة ... وبعد كدة لو معاك راس مال ممكن تدخل فى نسبة من ثمن البضاعة ... بس مش دلوقتِ ... ركز بس تجيب لي مواعيد وتفاصيل الشحنات إللي بتيجي بإسمكم ...
- معاك أنا ... كله حيبقى تمام ...
بتفهم أومأ "حامد" لينهض منهيًا هذا اللقاء قائلًا بتحذير ...
- المرة دى بس أنا جيت هنا ... بعد كدة تجيلي مكتبي ... ده العنوان .. عشان منثيرش أى شكوك حوالينا ...
مد "حامد" يده بأحد البطاقات المدونة عليها إسم الشركة وعنوانها وأرقام الهواتف الخاصة به ليقرأه "فريد" بعينيه وقد لمعت ببريق طامع فأخيرًا ستحقق أحلامهم ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
شقة مودة ...
طرقات صاخبة صاحبت حضورها المميز الذى يمحو كل ضيق وحزن بقلبها ، إبتسمت "مودة" وهي تستمتع بحضور أختها الصاخب فعليها النظر لنصف الكوب الممتلئ فهي الآن بوظيفة رائعة وإلى جوار من تتنفس هواه ...
لم تنتظر "غدير" أن تفتح لها "مودة" الباب لتفتحه هي بمفتاحها الخاص فقد تذكرته أخيرًا وأحضرته معها ...
لم تكاد تخطو خطوة واحدة داخل الشقة لتنحني بحماس شديد تهنئ "مودة" بعملها الجديد ...
- مسا مسا على الأيدى العاملة ... يا كاشاتِك يا فلوسِك يا "دوداااااااااا" ....
تجاوبت معها "مودة" بجنون مماثل لجنون أختها نصف قمرها الغالي ...
- ويا فلوسك يا هولنداااااااا ...
إحتضنتا بعضهما البعض وتعالت ضحكاتهم الرنانة حتى قبضت "غدير" ذراعيها المحيطتان بأختها لتقفزا سويًا بسعادة شديدة تتمنى كل منهما أن تبقى بحالة الإنتشاء هذه للأبد ...
دارتا لبعض الوقت حول بعضهما البعض قبل أن تتوقفا بصدر ناهج وقد وضعت "غدير" يدها فوق صدرها بتألم رغم ضحكتها المتسعة ...
- اه ... بس بس ... أحسن الأزمة تيجي ... نهدا بقى شوية ... ماليش مزاج أتعب النهاردة ...
بقلق سحبتها "مودة" نحو الداخل قائله ...
- طب تعالي أقعدي إرتاحي ... بلاش تنطيط ...
جلست "غدير" تلتمس بعض الراحة حتى لا تزيد من حالتها سوءًا وتصاب بأزمة تنفسية جديدة ...
بأنفاس متقطعة إستطردت "غدير" ...
- إحكي لي ... بقى ... إيه إللي حصل النهاردة ... بالتفصيل الملل ....
أوسعت "مودة" حدقتيها بطرافة قائله ..
- الظاهر إني خربتها على الآخر النهاردة ...
- ليه ...؟؟؟
حاولت "مودة" ألا تظهر إحساسها ومشاعرها تجاه "رؤوف" لتقص الأمر بوصف فقير للغاية على أختها ...
- شكل وجودي عمل مشكلة بين "رؤوف" و "نيره" ...
برد فعل تهكمي حين رفعت "غدير" عينيها للأعلى محركة رأسها بهزة ساخرة ...
- وهم من إمتى مفيش بينهم مشاكل ... دول بتوع المشاكل كلها ... إحكي يا بنتي إحكي ...
لم تطل "مودة" الأمر كثيرًا حتى لا يظهر منها ما تود إخفائه أو شعورها بأنها لا أهمية لها لدى "رؤوف" وتشعر بوخز قلبها مرة أخرى ...
- خلاص بقى ... خلينا نتكلم فى حاجة تانية ... ( لتبدل الموضوع تمامًا حين سألتها بشقاوة) .... تاكلي بطاطا ...؟!!
إمتعاض شديد حل بوجه "غدير" متسائله ببعض التفاجئ ...
- بطاطا ...؟؟؟ إنتِ من إمتى بتاكلي بطاطا ... ؟؟؟ عمرك ما حبتيها ...!!!
عقصت "مودة" وجهها قليلًا ثم أجابتها ...
- طنط "سوسن" مرات خالو "منير" بعتاهالي إمبارح ... تقريبًا صينية البطاطا مظبطتش معاها قامت بعتتهالي ...
ضحكت "غدير" من تصرف زوجة خالها فهي إمراة بخيلة لا تهدي أحد إبرة حياكة فبالطبع لم تكن لتهدي "مودة" طعام إلا لأنها أفسدته لا أكثر ...
- لا كتر خيرها ... أنا بقول نطلب بيتزا أحسن بلاش حكاية البطاطا دي ... أنا أصلًا بطني بتوجعني ...
وافقت "مودة" على إقتراح "غدير" فقد قرصها الجوع بالفعل ولم تحضر أى طعام اليوم وبالتأكيد لن تساعدها "غدير" بهذا الأمر فهي طاهية فاشلة مثلها ...
❈-❈-❈
حل المساء لينتهي يوم عمل معتاد بحي النعماني ، مساء محير لتلك العقول الهادئة بأحوال لم تكن بالحسبان ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
خلعت "شجن" معطفها الأبيض لتنهي بهذا عملها البسيط بالمستوصف لكن طلب "أيوب" الغريب مازال له وقع بنفسها فهي بالفعل تود مساعدته بوحدته لكنها لن تقدر على ترك عائلتها الصغيرة والسفر معه ، فأمها وأختها لا تُحسنان التصرف بدونها فهما تحملان قلبًا مرهفًا للغاية لا يمكنهما من التصرف بتعقل وهذا ما يجعلها دومًا قلقة عليهن ...
تحركت بخطواتها البسيطة تجاه المكتبة للمرور بـ"نغم" لترافقها إلى البيت بطريق عودتهم المعتاد ...
في الموعد المحدد خرجت "نغم" تهرول بخطواتها المتعجلة لخارج المكتبة فقد حان موعد مجئ "شجن" ...
- واقفه بقالك كتير ...؟؟! إتأخرت عليكِ ...؟؟؟
رفعت "شجن" كتفيها بخفة ثم أهدلتهما ...
- لا خالص ... لسه بدري أوى ...
زفرت "نغم" براحة فقد ظنت أنها تأخرت عليها لتهتف بها ...
- طيب الحمد لله ... يلا بينا ...
تعلقت بذراع أختها كالعادة إستعدادًا لإتخاذ طريق العودة ، لكن لم يتحركا خطوة واحدة حتى سمعتا صوت هادئ رجولي ينادي بإسم "نغم" ....
- "نغم" ... "نغم" ...
إستدارتا نحو مصدر الصوت لتفاجئ "نغم" بـ"بحر" يقف من خلفهما متحدثًا إليها بصدر ناهج وأعين هائمة ...
- إستني يا "نغم" ... نسيتي شنطتك ...
إنتهبت "نغم" لحقيبتها ، ولها فقط دون أن تتفهم تلك النظرات العاشقة التى يتطلع بها إليها لتردف بإمتنان ...
- إيه ده ...!!! ده أنا الظاهر مش مركزة خالص ... شكرًا بجد ...
كمن وقع بينهم حجاب يحجز مشاعره التى يراها الكفيف عنها بينما كانت هي منشغلة بإحساس آخر بعيدًا عن هذا المتيم ، إبتسم "بحر" بجاذبية ...
- معلش حصل خير ... أنا قلت ألحقك قبل ما تمشوا ...
علقت "نغم" حقيبتها بكتفها وهي تجيبه بإمتنان مرة أخرى ...
- كتر خيرك يا أستاذ "بحر" ... أنا كل حاجة ليا بحطها فى الشنطة .. كويس إنك لحقتنا ...
أومئ بخفة حين إنتبه أخيرًا لـ"شجن" التى كانت تتفرسه بقوة ...
- إزيك يا أستاذه ... مش "شجن" برضه ...؟؟؟
أسرعت "نغم" تجيبه بتلقائية ...
- أيوة هي "شجن" أختي إللي جات لك عشان تشغلني فى المكتبة ... إنت نسيتها ولا إيه ...؟؟؟
- لأ طبعًا فاكرها ...
فراستها وذكائها إستطاعت به "شجن" إدراك ماهية هذا العاشق المتيم بأختها ، نظراته الولهة وحديثه اللطيف لا ينم إلا عن محب يتتوق باحثًا عن لحظة تجمعه بمن يهواه ...
لحظات قليلة قبل أن تتخذا طريقهن للعودة إلى البيت ليظل "بحر" متابعًا لهما حتى غابتا عن مرآه ، لتسأل "شجن" أختها سؤالًا ذكيًا تحاول به التأكد مما فهمته ...
- إلا قوليلي ... هو أستاذ "بحر" ده مرتبط ... ؟؟!!
لتجيبها تلك الغائبة عن الواقع دون إدراك لمشاعره الواضحة ...
- تقريبًا لأ ... بس أظن إنه بيحب بنت هي مش حاسه بيه ... شكله حب من طرف واحد ...
عقبت "شجن" بإندهاش ساخرة من غباء أختها ...
- ومتعرفيش مين بقى سعيدة الحظ دي ...؟؟؟
تلقائية "نغم" وفهمها المحدود للمشاعر و إدراك تصرفات من يحيطون بها كان جليًا على ملامحها البريئة ...
- لأ خالص ... بس قلت له لو عاوز مساعدتي إني أقولها أنا معنديش مشكلة ...
فغرت "شجن" فاها بأختها المغيبة التى لم تدرك كم يعشقها هذا الرجل لتردف بتهكم ...
- و ربنا ...!!! إنتِ عايزة تساعديه ..؟؟! ومش عارفه هي مين ...!!!
- اه والله وأنا يعني حكدب عليكِ ... بس هو مش راضي ... مش عارفه ليه ... ؟؟!!
توجهت "شجن" نحو السماء بضجر من بلادة إحساس أختها ...
- الرحمة يا رب ... إمشى من قدامي ... ده أنا مشفتش غباء كدة ...
تطلعت بها "نغم" بإستياء وعدم فهم لم تنعتها بالغبية دون أن تتصرف بذلك ...
- فيه إيه يا "شجن" ... الله ...!!!!
لوت "شجن" فمها بإمتعاض قائله ...
- مفيش يا أذكى إخواتك ... يلا نروح ...
رفعت "نغم" كتفيها وأهدلتهما بدون فهم مقصد "شجن" من حديثها المبهم ليستكملا طريقهم بينما أخذت "شجن" تخبرها بعرض "أيوب" لمرافقته بالسفر معه لبلدته ورعايتها له هناك لتكون تعقيبها بالرفض تمامًا كما رفضت "شجن" فهي لا تتخيل حياة "شجن" غائبة عنهم بها ...
❈-❈-❈
تدلى الليل بسواد أستاره وتبدأ ليلة لم تهنأ بها الجفون براحة وسكينة معتادة ، شعور بالغربة يخيم على القلوب ، فالغربة هي ضياع قلب كنت تملك مفتاحه ..
الإشياق ينبع أولًا من العيون ، لهيب الشوق يتناسى الجميع ويرى فقط الحبيب الذى تلهف القلب لرؤياه ...
بجلسة معتادة بعد نهاية يوم عمل بالمطعم كان "رشيد" برفقة أصدقائه يبدأ سهرته بالمقهي ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
إندمج اصدقائه بلعب (الدومينو) بينما لاحت عيناه تتابع المارة هنا وهناك مع قلتهم بهذا الوقت فالأغلبية عادوا لمنازلهم يلتمسوا بعض الدفء بهذه الأمسية الباردة ...
غطت بعض السحب المتقطعة السماء لتحجب ضوء القمر ، أجواء كئيبة بعض الشئ لكن ذلك لم يشعر به "رشيد" مطلقًا فقد ظن أن الطقس رائع وصحو للغاية ، بل شعر بأن القمر قد ترك موضعه بالسماء ليهبط أرضًا يحمل قلبه بين يديه ...
تشدقت عيناه بتفاجئ حينما تأكد أنه لا يحلم ، إنها هي بذاتها ، هي من يحلم بها ليل نهار ظهرت أخيرًا أمام عيناه ...
فرصة لرؤيتها بعد غياب طويل فكم إشتاقت عيناه لرؤيتها ، بتلهف شديد وقف "رشيد" مبتعدًا عن رفاقه ليتجه صوب حبيبته التى تمنى رؤيتها ...
تسارعت دقات قلبه بقوة وهو يخطو بخطوات متعجلة فقد فاز بلقاء بعد طول حرمان ....
لم تنتبه له حين إقترب منها لكنها إلتفتت حين سمعت نداء أحدهم بإسمها ...
- "غدير" ...
نظرت نحو صاحب النداء لوهلة قبل أن تتسع عيناها المشرقتان بنظرات متفاجئة مضطربة لتهمس بوجه متجهم على غير عادتها ...
- "رشيد" ...!!!!
وصل للوقوف قبالتها بأنفاس متهدجه وعيون عاشقة ليردد بوله ..
- وحشتيني أوى يا "غدير" ...
صمتت لوهلة تتمنى لو أنها تحلم وأن وقوفه أمامها ليس بواقع لكن حديثه الذى إخترق أذنيها لا يؤكد ذلك بل هي فى واقع وليس حلمًا ...
إنتهى صمتها وقد بهتت تمامًا حتى أن ملامح وجهها المرحة تلاشت بالفعل كما لو أنها تحولت لإنسانة أخرى ، بحثت عن كلماتها الضائعة لتردف بالنهاية ...
- إنت عاوز منى إيه ...!!!
عيون متلهفة وقلب عاشق وهمس مشتاق هكذا وقف "رشيد" متأملًا بزرقاوتيه من سرقت قلبه دون منازع ، كتلة الحياة التى تدب بالأرض وقد أعادت له روحه للتو برؤيته لها ، همس "رشيد" قائلًا ..
- عاوز إيه ...؟!! بقى بعد كل الغياب ده تقوليلي عاوز إيه ...!! وحشتيني أوى يا "غدير" ...
تسارعت أنفاسها لإنفعالها وتضاربت دقات قلبها ليس عشقًا تلك المرة بل إضطراب وتوتر لتهتف بحدة ...
- وحشتيني إيه وهباب إيه ... "رشيد" إبعد عن طريقي الساعة دي ... أنا واحدة متجوزه وبحب جوزي ... إبعد عن طريقي وشوف لك سكة تانية ...
زاغت عينا "رشيد" برفض ليعقب بتألم ...
- لأ طبعًا ... أنا ما صدقت شفتك ... أنا كل يوم قاعد هنا قصاد بيتكم .. نفسي أشوفك ولو مرة ... نفسي أقولك سامحيني ... أنا غلطان ... أنا بحبك ... بحبك أوى يا "غدير" ...
مالت "غدير" برأسها للأمام بإستنكار لما يقوله لتردد ضاغطة على كل حروف كلماتها ...
- إبعد عني ...
قالتها وحاولت الإبتعاد حين إعترض "رشيد" طريقها مترجيًا إياها ...
- أرجوكِ يا "غدير" ... سامحيني ... أنا إتسرعت ...
دارت بجسدها بقوة لا تصدق وقاحته لتهتف به ربما يفهم هذه المرة ...
- وأنا ... إتجوزت ...( نفضت كفيها بعضهم ببعض مستكملة ) خلاص ... خلصت ... يبقى تبعد عني وتسيبني فى حالي ...
إتخذت خطوتها للمغادرة حين أمسك بمرفقها بقوة يمنعها من الرحيل ...
- إستني ...
رمقت كفه القابض بمرفقها بإزدراء قبل أن ترفع رأسها بنفس النظرة تجاهه تحدجه بتقزز ثم دفعت يده عن يدها وهي تنهره بحدة ...
- إنت إتجننت ... شكل دماغك ضربت ... بقولك إيه ... والله لو إتعرضت لي تاني ولا كلمتني ... حقول لجوزي وإخواته يجرجروك على القسم ... إنت تنسى إنك فى يوم من الأيام كنت تعرفني زى ما أنا خلاص نسيتك ...
تهدلت ملامحه بقوة فقد غرست نصلًا حادًا بقلبه ليحاول محاولته الأخيرة ...
- "غدير" ... إنتِ بتقولي إيه ؟!! نسيتي "رشيد" !!! نسيتي الحب إللي كان بينا ...؟؟!!!!! أنا فهمت وعرفت ... وعايز نرجع زى زمان ... جوازك ده بعتبره مش موجود ... سيبيه وتعالى نرجع تاني ... إنتِ أكيد زعلانة من إللي حصل بينا ... بس أنا بوعدك .. خلاص ... أنا من دلوقتِ "رشيد" جديد ... وحعوضك كل إللي فات ... بس إرجعيلي ...
شهقت "غدير" بتعجب من تماديه بهذا القدر لتستنكر حديثه مردفة بنبرة مستهجنه ...
- حيلك .. حيلك ... دي دماغك إتمسحت خالص ... خدها مني بقى و يا ريت تفهم ... أنا مبحبكش ... أنا بحب جوزي وبس ... ولو لفيت الدنيا كلها مش حعوض ظفره ... فإحترم نفسك وخليك بعيد عني ... ودي آخر مرة حقولها لك ...
أنهت حديثها تاركة إياه يصارع رفضها له بينما شعرت بالقلق والإضطراب أن يكون أحدهم لاحظ توقفها معه أو ربما "عيسى" يكون قد مر بها أثناء عودته ويراهما معًا ، لتتنفس الصعداء لأن الأمر تم دون إنتباه أحد لتسرع عائدة إلى بيتها وزوجها مع إضطراب تنفسها لبدء أزمة تنفسية جديدة كانت تراوغها منذ الصباح ...
❈-❈-❈
وقت لا ينتهى فاوجاعه كُثر ، وقفت "عهد" بشرفة شقتها الصامتة تلفح وجهها نسمات الرياح الباردة التى حاوطتها ، لم تكن بمقدار البرودة كما كانت بسويسرا لكنها تشعر الآن أنها أشد إيلامًا ، كيف تغيرت حياتها ورؤيتها للكون من حولها بمجرد أيام ، فسلام على من أتى ليغير حياتها ثم رحل ...
كمطرقة دارت برأسها متخبطة بالأفكار فماذا ستفعل الآن بعد كل ما حدث ...
نظرت باحثة عن القمر الذى توارى خلف السحب متسائله بهمهمه ..
- يعنى خلاص ... كل حاجة خلصت كدة ...؟!! كان وهم فى خيالي وإنتهى ..!! كنت وسيلة عشان ينجح فى مهمته ...
تنهدت بقوة ثم أكملت تحفز نفسها على البقاء قوية شامخة ...
- كفاية تعملي في نفسك كدة ... لا هو داري بيكِ ولا حيحس باللي جواكِ ... يبقى لازم تكوني قوية وميهمكيش ...
ثم تذكرت أختها وأمها وخالتها لتردف بتحذير ..
- ولا عايزة تبقى شبهم ...!! إنتِ مش ضعيفة زيهم ... لازم تكوني نفسك ... لازم تكوني قوية ...
ثم تذكرت أمرًا سينهى ذلك من أساسه ...
- وبعدين ما خلاص ... أنا حرجع الإدارة فى الجهاز ... وهو أكيد حيتولى مهمة جديدة ويسافر أى بلد ... يعنى الوشوش مش حتتقابل تانى ...
رغم أنها قالتها لتنهى تفكيرها به وأنها منذ هذه اللحظة لن تراه مرة أخرى ، إلا أنها حزنت لذلك ..
- يعنى خلاص ... مفيش أمل نتقابل تانى ...؟!!.
وبين جذب وشد وأفكار متخبطة قضت ليلة حزينة أخرى بإنتظار مجئ الصباح وبدأ دوامة العمل التى ستنسيها كل شئ ...
❈-❈-❈
كل السواد والظلام المحيط حولك يدفع نفسك إليه دون إدراك أنه ربما أنت النور الذى يقشع الظلام ...
بنهاية يوم وبداية آخر ربما تتسع به النفوس التى ضاقت وربما ستقع بظلام غياهبها ...
بنشاط معتاد بدأ "معتصم" يومه كضابط قوي ملتزم بشكل غير معتاد لما كان عليه بسويسرا ، فالصباح وقت هام وعليه الإلتزام بميعاد عمله وربما أبكر من رفاقه ...
كان أول من دلف إلى مبني المخابرات (الجهاز) كما يطلقون عليه ، مهابة وقوة وحزم يتوهج بهم أثناء عبوره للردهة المتجهة إلى مكتبه ...
خلع نظارته الشمسية واضعًا إياها فوق سطح المكتب قبل أن يجلس بزاوية حافته يسحب أحد الأوراق إليه ليقرأ فحواها بهدوء قاتل ...
- المجموعة التابعة لقيادة الرائد "معتصم دويدار" ... تمام ...
قرأ بعينيه أسماء الضباط اللذين إختارهم للعمل تحت قيادته بالمهمات القادمة حيث وضع إسم "عهد" ببداية القائمة يليها إسم "طه" ...
تحرك نحو الخارج ومازال حاملًا للورقة بين كفه متجهًا لمكتب رئيسه بالعمل ، "السيد نظمي" ليُسلم له القائمة التى طلبها منه ...
بوقت قليل للغاية كان "معتصم" يقف قبالة مكتب "نظمي" يطرق بابه ليدلف نحو الداخل مباشرة ...
- صباح الخير يا فندم ...
رفع "نظمي" وجهه تجاه "معتصم" يستقبله بحفاوة ...
- "معتصم" ... إتفضل طبعًا ...
مد يده بالقائمة بعملية شديدة قائلًا برزانة ...
- دى قايمة الضباط إللي حيشتغلوا معايا ... أنا خلصتها إمبارح بعد ما "عمر سالم" قالي إنه مستعجل على الشغل ...
إنبهر "نظمي" بجديته ودقته بالعمل ليشيد به ...
- حقيقي إحنا محظوظين بوجود ظابط زيك معانا ...
ألقى نظرة سريعة على الأسماء المدونة ودون إبداء أى ملاحظات وقع "نظمى" بقبول هذه المجموعة وإلزامهم بالعمل تحت قيادة "معتصم" من الآن فصاعدا ...
توقيعه كان ناقوس لرسم بسمة سعيدة على ثغر "معتصم" فكم يود أن يرى وجه "عهد" عندما تعلم أنها ستعمل تحت إمرته منذ هذه اللحظة ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
شقة عهد ...
هل تعود الأيام إلى الوراء أم أنها لم تتغير مطلقًا ، بموعد إستيقاظها المحدد وروتين حياتها الرتيب بدأت "عهد" يومها ...
أنهت صلاتها مرتدية حُلتها السوداء القاتمة إستعدادًا للخروج ...
سحبت شعرها الأسود الحريري بقوة للخلف لتعقصة بشدة ثم توجهت بخطواتها السريعة نحو الخارج مغادرة البناية متجهه لمبنى المخابرات العامة ...
ما أن وصلت (الجهاز) إتجهت نحو مكتبها بوجه مقتضب وعيون خاوية ...
لكنها لم يتسنى لها الإنتظار حين طلبها السيد "نظمي" بمكتبه على الفور ، إتجهت "عهد" التى لم يختلف ثباتها وحدتها السابقة لمقابلة رئيسها ..
وقف "نظمي" متفاخرًا بنفسه أولًا قبل أن يثني على دورها بالمهمة ...
- "عهد" ... حمد الله على السلامة ... كنت متأكد إن إنتِ المناسبة تمام للمهمة دي ...
تطلعت نحوه بذات النظرة الخاوية لكن بداخلها بركان ثائر مما دفعها به دون إيضاح ، ساخطة ناقمة على الزج بها ككبش فداء دون أبسط حق لها بالمعرفة لكنها آثرت بقاء ذلك داخل نفسها ليكون ردها بإقتضاب ...
- شكرًا ...
عاد "نظمي" لمقعدة بأريحية وغرور ...
- وإنتِ بقى من النهاردة إنضميتي لأكبر فريق بالجهاز ... عايزك ترفعي رأسي بقى ...
بإيمائة ضعيفة أجابته ..
- تمام يا فندم ...
كما ظن تمامًا فهى لا تعترض على أى مهمة تكلف بها ليستكمل بخيلاء ...
- دى تفاصيل المجموعة ... إتفضلي روحي للقائد بتاعك عشان تبدأي شغلك معاه ...
سحبت "عهد" نفسًا مطولًا وهي تلتقط من هذا المتعجرف القائمة التى دون بها إسمها كعضو للمجموعة ...
حدقت بالورقة بقوة فبالتأكيد ما تراه عيناها ليس حقيقيًا ، بصدمة تامة وغير متوقعة رفعت عيناها المتستعتان بذهول وقد لاح بهما إمارات الغضب فكيف ستقبل هذا الأمر ، كيف ستكمل هذا العمل الذى كلفت به ، كيف ستتحمل قربه مرة أخرى لتستعد لإطلاق لسانها الحاد لتجيب هذا المحدق بها ...
ويبقى للأحداث بقية ،،،
انتهى الفصل العشرون ،،،
قراءة ممتعة ،،،
رشا روميه (قوت القلوب)
•تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي" اضغط على اسم الرواية