رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2 الفصل الخامس 5 - بقلم قوت القلوب
الفصل الخامس « من الفاعل ..؟! »
لا يجب عليك أن تكون طيبًا حتى النهاية ، فحتى الطيبون لهم قدرة على التحمل ، فإن غضبوا فعليك إتقاء شرهم ، فقسوة قلب الطيب بركان ثائر حتى أنك لن تقوى على إخماده ، فإن فقد الصابرين صبرهم حرقوا الموانئ لا السفن ...
❈-❈-❈ــ
لم يكاد "طه" أن يصل إلى بيته بعد جولة فى الأنحاء إلا وتفاجئ بمحاوطة رجال الشرطة له ، إنتفض رافضًا ذلك الوجوم على وجوههم وهم يلتفون حوله بينما قبض أحدهم مرفقه بقوة لينهره "طه" بحدة ...
- إنت بتعمل إيه ؟!! أنا ظابط ...!!!
تلقى الشرطي أمر من الضابط المرافق له يهتف به بجمود ...
- خده يا عسكري ..
زجره "طه" محاولًا التهرب من هذا الوضع المشين ليعنف الضابط لتجاوزه حدوده معه ...
- بقولك ظابط ، إيه مبتسمعش ، إنت تبع مين ؟!! إزاي تعمل كدة !!!!
لم يكترث الضابط له ليدفع رأسه لداخل السيارة قبل أن تنطلق بعجالة متجهة لمقر المخابرات العامة كما طلب منه ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وضع مخجل حين دلف لمبنى الجهاز مقيدًا كالخارجين عن القانون وهو الذى كان قبلها بساعات ضابط له حيثية ومكانة بين الجميع ...
وُضَع "طه" بأحد غرف الإستجواب بمفرده دون التعرض له ليبقى بها طوال الليل حتى يحل الصباح كما أمر الضباط تمامًا ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
بيت النجار "شقة فريد" ...
أوصدت "حنين" باب غرفتها بالمفتاح تحسبًا لدخول أحدهم ، إنها أول مرة تفعل ذلك على الإطلاق فهي لا تطيق بابًا مغلقًا سواء بالشقة أو بالغرفة ، لكنها مضطرة لذلك الآن ...
نظرت نحو جسدها الذى أخذت هذه البثور دميمة المظهر تغطيه بصورة كبيرة شعرت بالنفور تجاهها ، أمسكت بالمرهم الجديد الذى إبتاعته من الصيدلية لتعيد وضع كمية كبيرة منه على جسدها لكن يبدو أنه لا يجدي نفعًا بالمرة بل يزداد حدة وإنتشارًا ...
سمعت طرقات متتالية بباب الغرفة قبل أن يليها صوت "فريد" الذى عاد للتو من الوكالة ...
- إفتحي يا "حنين" !!! من إمتى بتقفلي عليكِ الباب كدة !!!!!!
أسرعت بإرتداء جلبابها الفضفاض تخفي آثار تلك التقرحات المتعددة قبل أن تفتح الباب بوجه ممتعض ...
- أهو يا "فريد" ، الله ، هي الدنيا طارت ، كنت بغير هدومي يا أخي ...
لاحت نظرات الشك بعينيه وهو يناظرها بعدم إقتناع ...
- من إمتى يعني !! ما إنتِ عمرك ما قفلتي باب !!!!
زفرت "حنين" بضجر وهي تلتفت نحو الفراش لتجلس عليه بتذمر ..
- هي ناقصاك !!!
تمالك "فريد" نفسه فعليه ألا ينفعل خشية من ثورتها وأيضًا حتى لا يلفت إنتباهها للظنون التى تعصف به ليردف بخضوع ونبرة لينة إعتادت "حنين" سماعها منه ...
- أنا بس بطمن عليكِ يا "نونه" ...
لوت فمها بقوة لتتمدد أنفها الطويلة بشكل واضح لتردف بتملل من عديم القيمة هذا ...
- المهم ، "حامد" مقالكش البضاعة حيحطها إمتى ، أنا خايفة أبوك ولا "مأمون" يشموا خبر ، أحسن دول نابهم أزرق ...
كان يشعر لوهلة أنه لا يرى زوجته التى طالما أحبها ، بل كان لها مظهرًا بشعًا للغاية كما لو كانت وحش قبيح له أنياب شرسة ، شعر بالتخوف قُربها ليبتعد عنها قليلًا محدثًا نفسه بإندهاش ...
- ( معقول مكنتش واخد بالي من كل الشر ده ، معقول أنا كنت ماشي وراها في أذية أبويا وأخويا ، كل ده عشان الفلوس ، إللي هي أصلًا بتاعتي ، يعني أنا بسرق مالي من أبويا ، ويا ريتنا عايشين ، ده إحنا على طول مفيش فلوس ومحتاجين ) ...
تنهد "فريد" متعجبًا حاله الذى تبدل كما لو أن تلك الغشاوة تزول من أمام عينينه ، لكن صوت "حنين" الحاد أفاقه من شروده حين هتفت به ...
- يا "فريد" ، الله ، ما ترد عليا !!!!
إنتبه لها فريد متسائلًا ...
- أيوة يا "نونه" بتقولي حاجة ؟؟!!
مصمصت شفتيها ساخرة منه بإستهزاء ...
- إسم الله بتعرف تفكر وتسرح أوي ، يلا ، بقولك إيه ، جبت لي الفلوس ، البيت فاضي والعيال عايزة مصاريف الدروس وبقية مصاريف المدرسة ...
أومأ "فريد" بالإيجاب وهو يمد يده بجيب سترته مردفًا ...
- أيوة أهو ، جبت لك الفلوس ...
أخرج من جيبه لفافة كبيرة من النقود لتخطفها بكفها على الفور وقد لمعت عيناها ببريق مبتهج لتنهي تلك الليلة بعد وصولها لغرضها بعبارة واحدة ...
- ماشي يا أخويا ، تصبح على خير ...
ربما تلك نهاية الليلة لكنها ليست النهاية بالنسبة إليه فهو يتتوق لمعرفة كل شيء عن "حنين" وبأقرب وقت ممكن ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
ساعات تخلف ساعات حتى يحين شروق الشمس ، تلك البداية التى ينتظرها الكثيرون ، ربما للبحث عن الراحة وربما لإنهاء أمور عالقة ، لكن يبقى الصباح أمل كل ساهر مرتقب لبعض السكينة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
بيت المستشار خالد دويدار (شقة عيسى) ...
بعد أن عاد "عيسى" بالأمس بحثًا عن قائمة رجال الأعمال الذين يتهمهم "رمزي" بحصولهم على الرشوة ووجدها قد إختفت تمامًا من الملف ، لاحت برأسه ذكرى خاطفة لهذا اليوم الذى أراد به العودة للإطمئنان على "غدير" لكنه نسي الملف بالمكتب ليعود ليفاجئ بـ"سندس" بمكتبه تتفحص الأوراق بغيابه ...
لحظة من الإنتباه ليدرك أن "سندس" لها علاقة بإختفاء تلك القائمة لكن كان الوقت متأخرًا لوجود "سندس" بالمكتب فإضطر "عيسى" للإنتظار حتى حلول الصباح للمرور بالمكتب ومواجهة "سندس"، فيبدو أن الأمر تعدى الفضول وحب الإستطلاع ، يبدو أنه هناك مؤامرة ...
إستعد "عيسى" بأناقته المعتادة للمغادرة بنفس متأهبة وقلق لم يتسنى له النوم بسببه ، فقد لعبت برأسه الظنون التي كادت تجنح لليقين بأن "سندس" من فعلتها ..
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
معاودة الأعمال لم تكن من نصيب "عيسى" فقط فقد إستعد "رؤوف" لبداية يوم عمل جديد حتى وإن ظن أنه وقع بشباك هذا المرض ، إتجه "رؤوف" لشركة الأدوية التي يعمل بها لكنه لم يكن بالنَفسِ المرحة التي يتحلى بها ، بل كان جادًا متألمًا متجهم بصورةٍ لم تمر بحياته من قبل ، فقد غشي عيناه ظلام جعله يشعر بأن النهايات وشيكة للغاية ، مجرد الشك بإصابته بهذا المرض أشعر قلبه بإحباط لكن ما عليه سوى التحمل والصبر ...
دلف لداخل الشركة متجهًا صوب مكتبِه دون الإنتباه لأي من العاملين كما يفعل دائمًا ، لكنه لم يدري بتلك العيون السوداء المترقبة لحضوره - موده - ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
يوم كامل لم يهنأ قلبها دون الإطمئنان عليه ، لكنها شعرت بالخجل والإستياء من نفسها لإنتظارها له بالمستشفى لهذا ظلت يوم الأمس كاملًا بالبيت ، لكنها تحفزت اليوم لرؤيته بالعمل لتُطمئِن قلبها القلق دون التسبب بأي مشاكل أو حرج له أو لـ"نيره" و عائلته ...
فور رؤيته يتقدم لداخل الشركه شعرت بأن الكون كله أصبح بخير ، يكفي أنه بخير ، ويكفي قلبها أنها تراه أمام عينيها ولم يصبه سوء ...
أغلقت حاسوبها لتتحرك بخطوات متعجلة نحو مكتب "رؤوف" تلحق به لتتحمد على سلامته بعذوبتها الناعمة ...
- صباح الخير يا دكتور "رؤوف" ...
إلتفت نحوها "رؤوف" بوجه مقتضب تشق وجهه بسمة باهتة ، رؤيته لـ"موده" أمامه جعلته يتذكر حديث "نيره" بالأمس ، حين طلبت منه ألا يكون أنانيٌ ظالمٌ لها بوجودها معه ، ليظن أن لابد أن لـ"موده" نفس الشعور ، فبالرغم من إنه أصبح الآن حرًا من قيوده التى منعته من التصريح بمشاعره لها وإختياره لإكمال زيجته من "نيره" ، إلا أنه الآن لن يكون أنانيًا أو يظلمها كما طلبت منه "نيره" تمامًا ...
نظر نحوها للحظات بصمت ثم أجاب تحيتها بفتور ...
- صباح الخير يا "موده" ...
ظنت أنه ربما يكون قد تضايق لوجودها معه بالمستشفى لتطاطئ رأسها بحرج تعتذر عن ذلك ...
- أنا أسفه ما كنتش فاكرة إني حضايقك بالصورة دي ...
حرك رأسه بخفة نافيًا الأمر ، يظن أنها تقصد تحيتها له الآن ليردف بيأس ....
- لا عادي ، شوفي شغلك محصلش حاجة ....
ظلت تُناظره لبعض الوقت وهي تشعر بثقل طغى فوق قلبها لرؤيته حزين تظهر التعاسة والإنطفاء بعينيه اللاتي كانت دومًا تضيء ببريق الحيوية والمرح ، لتلقي بأمر حرجها خلف ظهرها متسائله بإهتمام ...
- ليه زعلان أوي كده ...؟؟؟؟
تهدجت أنفاسه بإضطراب يظن أنها لم تعلم بعد ما أصابه ، أو ربما تخفي عنه هي أيضًا الأمر ، لكنه يود الآن ألا يشعر بأنه محط شفقةٍ ، أو ربما ترفض وجودها معه كما فعلت "نيره" ، زفر ببطء ثم أجابها بصراحة مباشرة حتى ينهي الأمر من بدايته قبل أن يلحق به خذلان آخر ...
- "موده" ، أنا مريض كانسر ، أنا عرفت كل حاجة خلاص ، مفيش داعي إنك تخبيه عليا ...
إقتضبت عيناها وإرتعشت شفتيها بحزن لتجيبه بأعين دامعة ....
- و إفرض ، ده قدر و ربنا كاتبه ، مش لازم نستسلم ليه ومش لازم يبقى هو ده كل تفكيرنا وكل إهتمامنا ، ده إختبار وإنت قادر إنك تعدي منه ...
إستدار بمواجهتها ليلوّح بكفيه مستنكرًا تعاملها مع الأمر بتلك البساطة ...
- الموضوع مش بسيط بالصورة دي ، إنتِ إزاي مبسطه الأمور كده ...؟!!!!!
بسمة جانبية مستنكرة كان رد فعلها لتجيبه بيقين ...
- هو كده ، ربنا بيكتب لنا أقدارنا ، نعرفها بقى ما نعرفهاش مش مهم ، ده مش داعي إن إحنا نستسلم للإحباط واليأس ، في حاجه إسمها علاج ، وبعدين مين قالك أصلًا إن الموضوع كده ، لسه نتيجة العينة ما طلعتش ، ليه تيأس من دلوقتِ ويمكن الموضوع كله يكون ولا حاجة .. !!!
لحظات كان يود أن يصرخ هاتفًا بها يخبرها بما يشعر به تجاهها ، لكنه حبسها بداخله قائلًا محدثًا نفسه ...
-( أنا عرفت كل حاجة ، يا ريتني قدرت من بدري أقولك على إللي حسيت بيه ، لكن كل حاجة بتمنع ده وتقف قصادي ، أنا عرفت متأخر أوي إني بحبك )
لكنه رغم ذلك أجابها بما يُبعدها عن طريقه ...
- مفيش داعي الكلام ده دلوقتِ ، "مودة" أنا عارف آخرة مرضي إيه ...
تحولت تلك الناعمة بلحظة لشخصية قوية ، شرسة خرجت من داخلها تثور على خضوعه وإستسلامه بتلك الصورة ...
- لا يمكن ، إنت أقوى من كده ، إنت مش لوحدك كلنا معاك ، وحتى لو حصل لا قدر الله والنتيجة كانت إيجابية ، أنا عارفة إن إنت مش من الناس إللي بتستسلم بسهولة ، ليه اليأس ده ، لازم نخلي أملنا بالله كبير ، ده ربنا بيقول أنا عند حُسن ظن عبدي بي ، وإحنا ظننا في الله خير وإن هو بإذن حيشفيك ويرجع لك صحتك وحياتك وضحكتك ، ما تخليش أي حاجة ثانية تكسر عزيمتك إنت قوي يا "رؤوف" طول عمرك قوي بتواجه كل الصعاب بضحكتك إوعى تتنازل عنها ...
كم كانت مختلفة تمامًا عما فعلته "نيره" التي تخاذلت وتركته ببداية الطريق ، زاغت عيناه بتردد قبل أن يردف محاولًا التأكد من مشاعرها تجاهه ...
- لو قصدك على أهلي ، أنا عارف إن هم معايا ، وعارف إن هم بس إللي حيكونوا معايا ...
أرادت أن تنطق بها لكنها خشيت أن تكون إحتلت دورًا ليس من حقها فهناك من هي أحق بها منها ، لتردف بنفس منهزمة ....
- و"نيره" ...!!! أكيد معاك ...
إلى هنا فقط ظن أنها تُلقي بمزحة ما ليعقب ساخرًا ....
- لا والله ، "نيره" خلاص إعتذرت عن الدور ده ...
حركت "موده" رأسها بدون فهم لتتساءل بترقب ...
- قصدك إيه !!! يعني إيه إعتذرت ...؟!!!
أكمل "رؤوف" موضحًا يترقب رد فعلها ...
- أنا و"نيره" سيبنا بعض خلاص ...
بلحظة تراقص قلبها فرحًا ولاحت آمال السعادة به ، لكنها حاولت إخفاء ذلك ، فهي لن تسعد بتحطيم قلبه ، إنها تود له السعادة حتى لو لم تكن لها حظ بها ...
- إنت بتقول إيه يا "رؤوف" ...!!! ليه سبتوا بعض ...؟!!!
رفع "رؤوف" كتفيه وأهدلهما بتأثر ضعيف للغاية ، حتى أنه تعجب من كونه لم يكن حزينًا مفطور القلب لتركها له ، ليعقب على ذلك بلا مبالاه لم يكن يتخيلها ...
- أنا مش أناني ومش حظلمها معايا ، وهي إللي إختارت كده ...
بتلك اللحظة أراد أن يوصل لها ذات الرسالة ، فعليها أن تبتعد عنه نهائيًا ، فلن يقبل أن يظلمها أو يفكر بأنانية ، فحتى إن سنحت له الفرصة أخيرًا إلا أنها لا تستحق ذلك منه ...
أردف "رؤوف" ببعض الغموض يقصدها بالأمر دون التصريح به بشكل مباشر ...
- أنا حتى لو كنت بحب حد تاني وكنت فاكر إن الوقت بس هو إللي جه غلط ، لكن دلوقتِ ما أقدرش أقولها ، ما أقدرش أظلم حد تاني معايا في وضع ما يسمحليش إني أكون أناني فعلًا ، "نيره" كان معاها حق ....
نظرات عيناه المحبة التى كان يتطلع بها نحوها كانت تقصدها ، لقد شعرت بذلك لن تنكر ذلك ، لقد كان حديثه واضحًا للغاية ، إنه يخبرها بحبه لها ، لحظة إعتراف متوارية يليه رفض صريح لتخوفه ...
ما كان لها إلا أن تتماشي معه بحديث مبهم كإجابة عن تخوفه ...
- طب إفرض إن الحد إللي بيحبك ده مش فارق معاه وعايز يكون معاك ...
حديث أكمله العيون العاشقة قبل أن تخرج الكلمات من شفتيهما ، لكن "رؤوف" إستطرد بطريقته المبهمة أيضًا كما لو لم تكن هي المقصودة بذلك ...
- لأ طبعًا ، و ليه حد يرتبط في الظروف دي ، ليه أكون أناني ، ليه أكتب على حد إنه يعيش معايا شفقة ، أو إنه يكون مجبر يتحمل وجعي وألمي ومرضي ، يمكن لو وقت تاني كنت حكون سعيد أوي ، أسعد إنسان في الدنيا ، لكن دلوقتِ ما ينفعش أنا مش البني آدم السليم إللي أقدر أختار ، كل إللي حختاره دلوقتِ حيكون أنانيه مني وبس ...
ضربت "موده" بكل الحواجز عرض الحائط فلا يهمها الآن إلا أنها ترى المحبة بعينيه ، و أن قلبها لا يخطئ ولن تترك فرصة يمكنها أن تكون بها إلى جواره إلا وسوف تقتنصها ، لن تدع اليأس وسوء الظن يفرق بينهما ، سواء كان مريضًا أم لا، إنه هو بذاته "رؤوف" الذى أحبته وسيظل "رؤوف" مهما تغيرت الأحوال ، سحبت نفسًا عميقًا لتزفره ببطء لتتخلى عن خجلها قائله بوضوح ..
-"رؤوف" إنت بتحبني ...؟!!!!
صراحتها جعلته يتيبس بموضعه يطالعها بصمت لكن عيناه خانته وصرحت بذلك قبل أن يطاوعه لسانه الذي أجابها بنفسه مهشمة ...
- ويفيد بإيه دلوقتِ ...؟!!!
تحلت بالجرأه لتجيبه بقوة ...
- لأ ، يفيد كتير أوي ، إنت لو فعلًا بتحبني و متأكد من مشاعرك ناحيني ، أنا ما يهمنيش كل إللي إنت بتقول عليه ده ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
إنتفض "رؤوف" بتعجب ...
- إزاي تقولي كده !!! إزاي توافقي تربطي حياتك بواحد بيموت ...؟!!!
نهرته بقوة من هذا الخضوع واليأس المظلم ...
- إوعى أسمعك تقول كده تاني ، إنت بإذن الله حتعيش وحتفرح ، إنت مفيش عندك أي حاجة ...
تهدلت عيناه متهربًا من عينيها المسلطتين نحوه ...
- ده أمل بس ، لكن من جوايا أنا متأكد ، أنا عارف وحاسس بنفسي كويس ...
لتستكمل "موده" بنفس القوة ...
- حتى لو حصل ، أنا معاك وعمري ما حسيبك وخطوة بخطوة و إيدي بإيدك لو كان مكتوب إنك تعدي الإختبار ده حعدي معاك ، مش لازم تكون لوحدك ...
بنظرات متحيرة ما بين الموافقة على وجودها بحياته ، وبين ورفضه بأن يظلمها بمستقبله المظلم تساءل بحيره ...
- حتى لو كانت دي نهاية الطريق ...؟!!!!
ترقُب متشبثًا بأمل كما لو كانت كالشمس التي تضيء حياته من بعد ظلام طويل إنتظر إجابتها التى لم تتواني عن التفوه بها ...
- مهما كان إنت "رؤوف" وحتفضل "رؤوف" لآخر لحظة في عمري و عمرك ، كل إللي إنت بتقول عليه ده مش فارق معايا ، ولو كان الطريق صعب يبقى لازم نخطيه سوا مش لازم كل واحد فينا يمشي في طريق لوحده ، إحنا مع بعض نقدر نوصل بإذن الله ، ولو حد فينا خاف أو يأس ، التاني حيشده لقدام ...
لأول مره شعر "رؤوف" بأنه قد أحسن أخيرًا الإختيار ، فكم كانت عيناه مغيبتان عن هذا الجمال والقلب النقي والنفس الرائعة ، كم كان مغفلًا دون أن يدرك مقدار حبها الذي ينبع من كل حرف تنطق به ، الغريب بالأمر أنه يشعر بأن قلبه سعيد للغاية ، شعور لم يشعر بمثله من قبل ...
إن بها شيء فريد من نوعه لا يمكن مقارنته بأي فتاه أخرى ، إن بها (موده) لم يشعر بها من سواها فهي حقًا (موده) ...
إبتسم "رؤوف" بعد أن ظن أن الإبتسامة لن تمر بشفتيه مره أخرى لقد كان أوشك على الإستسلام للتعاسة ، لكنه حتى إن كُتب عليه المرض سيحارب لأجل غاية أجمل ، من أجل حياة قادمة مع سارقه قلبه "موده" ، همس بهيام بتلك الجميلة ..
- تصدقي ما كنتش عارف إني بحبك أوي كده ....
توردت وجنتيها بحُمره خجل وهي تبتسم بعذوبة ...
- أنا بقى كنت عارفة ...
يكفيه هذا أملًا ليدفعه لتحمل قسوة الأيام القادمة يدًا بيد مع من دق لها فؤاده ، "موده" ....
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
مقر المخابرات العامة (الجهاز) ...
مكتب "معتصم" ....
أعاد جذعه بأريحية لظهر المقعد الجلدي الخاص بمكتبه وهو يرفع ساقيه بغرور فوق سطحه لتتجلى تلك الإبتسامة المعتدة بنفسه وهو يدير القلم بين أصابعه بحرفية شديدة ...
رفع سماعة هاتفه متحدثًا بثقة متناهية مع رفيقه "عمر" يخبره بما توصل إليه من معلومات هامة للتو ...
- صباح الخير يا "عمر" ...
أجابه "عمر" بترقب ...
- صباح الخير ، "معتصم" باشا بيتصل يصبح عليا ، لأ طبعًا ، قول يا باشا ، شكل الموضوع كبير ...
ضحك "معتصم" بغرور لثقته المعتادة بنفسه وبما توصل إليه ...
- هو إنت كدة فاهمني على طول ...
- على طووول ، ها ، وصلت لإيه ؟!!!
إعتدل "معتصم" ليخفض ساقيه بإنتباه وجدية تامة ...
- وصلت لمعلومات حتخلينا نوصل للمحرك بتاع التشكيل ده ، ومش حتصدق مين ، الموضوع أكبر من تشكيل إرهابي أو شوية تجار سلاح يا "عمر" ، الموضوع داخل في حته ضلمة أوي ...
كان رد "عمر" يحمل جدية وتخوف بذات الوقت ...
- إنت وصلت لإيه ، شكل الحكاية مش سهلة زي ما كنا متخيلين !!!
طرق "معتصم" بقلمه فوق سطح المكتب بينما إستكمل "حديثه" ...
- مش سهلة خالص ، لازم أشوفك ، الكلام ده مينفعش في التليفون ، لأن ده شغل عايز تجهيز بشكل مختلف المرة دي ...
بإذعان شديد كان "عمر" متحمسًا بقوة ...
- عمومًا لازم أشوفك النهاردة ، إلا قولي ، عملت إيه مع "طه" ..؟!!
تطلع "معتصم" بساعة يده قبل أن يجيبه ...
- أهو مرمي بقاله ييجي عشر ساعات جوه ، لما أعصابه تفلت على الآخر نبدأ نستجوبه ، بس خد بالك ده مش حد يتعمل له حساب ، الحكاية كلها شوية حقد كدة جواه ، لكن فيه ناس مش سهلة أبدًا لازم ناخد بالنا منهم ، هم دول الخطر الحقيقي ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
توجس "عمر" بشدة خاصة وهو لم يصرح بعد بماهية هؤلاء الأشخاص ...
- قلقتني بجد ، عمومًا قابلني الساعة أربعة تقولي على التفاصيل ، بس أنا عارف ، مفيش حد إنت متقدرش عليه ...
ضحكة قصيرة كانت رده على "عمر" قبل أن يستطرد ...
- ماشي يا سيدي ، حقوم أشوف موضوع "طه" ده عشان أعرف منه عمل إيه بالضبط ...
- تمام وأنا في إنتظارك زي ما قولت لك ... سلام ...
أنهى حديثه معه ليضع القلم فوق سطح المكتب ليخرج بعدها متجهًا لغرفة الإحتجاز لمتابعة التحقيق مع "طه" ....
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
مكتب عيسى للمحاماة ...
أرق أصابه منذ ليلة الأمس ، وكيف يغفل وهو يرى تحطم آماله وخسارة وشيكة لتلك القضية ، والسبب بالتأكيد هو تلك المحامية الفضولية لتتحلى بأسوأ الصفات التى يكرهها "عيسى" الكذب والخيانة ...
ثورة إنفعال تجلت على ملامحة حين دلف للمكتب ووجدها أمامه تعبث ببعض الأوراق فوق مكتبها ، رفعت "سندس" وجهها نحو هذا القادم الذى شعرت بخطواته داخل المكتب لتتسع عيناها إندهاشًا ...
- أستاذ "عيسى" ...!!! غريبة أوي ، ده مش معادك خالص ...!!!!
تلك النظرات النارية التى أخذ يحدجها بها جعلتها تتلعثم قليلًا ليباغتها بإنفعال صارخ ...
- فين الورق يا "سندس" ...؟!!
إضطربت قليلًا دون فهم لمقصده لتردف نافية رغم ذلك ..
- ورق إيه بس !!! أنا مش عارفه حاجة ..؟!!
رفع "عيسى" جذعه للأعلى متشدقًا بملامح معقودة من شدة غضبه بصورة أول مرة تراها "سندس" به ...
- الورق فين يا "سندس" أحسن لك ...!!!
رفعت ذراعيها تلوح بهما بمعنى لا أدري بينما تساءلت بأعين متخوفة من غضبه ...
- والله ما فاهمة ؟؟!! قصدك إيه يا أستاذ "عيسى" ، ورق إيه بس ؟!
ضرب كفيه بعضهما ببعض مصدرًا صوتًا إنتفضت له "سندس" لتجفل بعينيها لوهلة لحظة صدوره ، إشتد وجه "عيسى" حُمرة وهو يضغط بحروف كلماته بغضب يتحكم به بقوة حتى لا ينفعل بها لأكثر من ذلك ...
- ورق قضية "رمزي" إللي فيه أسماء الناس والرشاوي إللي أخدوها ، الورق إللي كنتِ ماسكاه في إيدك يوم ما رجعت المكتب ولقيتك دخلتي من غير إذني وفتحتيه ...
فغرت "سندس" فاها بصدمة لتردف بذهول ...
- الورق ضاع !!!!!! لأ طبعًا ، أنا مشفتهوش يا أستاذ "عيسى" ...
لم يستطع "عيسى" كبح غضبة لأكثر من ذلك مرددًا بإنفعال ...
- "سنــــــــــــدس" ، هاتي الورق أحسن لك ، أنا عمري ما أذيتك عشان تأذيني بالشكل ده ، مستحمل كل عيوبك دي وبقول أهو فضول وخلاص ، لكن توصل لدرجة تسرقيني وتخوني ثقتي فيكِ ، ده لا يمكن أعديه بالساهل ...
نفت "سندس" تلك التهمة عن نفسها فقد شعرت بالضيق لهذا الإتهام ، وضيق أكبر لغضبه منها لتهتف بنفي قاطع ...
- محلصش والله ما حصل ، أهو إنت بتقول دخلت المكتب وأنا الورق كان في إيدي وأخدته من إيدي ونزلت و سبت المكتب ، معرفش إنت أخدته وديته فين ، بس أنا مأخدتهوش ، أنا معرفش حاجة ...( وجدتها فرصة لتخبره بكل ما يضيق بصدرها وتعترف له بعشقها الذى يطغى على كل شيء آخر بحياتها ) ، أنا عمري ما أفكر أأذيك عارف ليه !! عشان بحبك ، بحبك لدرجة إني مستعدة أعمل أي حاجة وأكون جنبك ، يبقى إزاي أفكر أأذيك ، أنا لا يمكن ، لا يمكن أعمل كدة ، شوف مين له مصلحة لكن أنا مصلحتي إنك تبقى كويس وإني أفضل جنبك وبس ...
تغاضى "عيسى" عن هذا الإعتراف كما لو كانت أذناه عمياء تمامًا ، كل ما إنصب فِكره عليه هو تذكر هذا اليوم وخروجه منفعلًا حاملًا الملف ليضعه بغرفة مكتبه بشقته ، ليظن أنه ربما أسقط هذا الورق الهام وهو لم ينتبه له ...
هوى فوق المقعد بتحسر فكيف سيجده بعد ضياعه بهذا الشكل ، شعر بالدماء تتدفق برأسه ليزداد الصداع الذى غطى بألمه رأسه كاملًا ، أسند رأسه بكفيه بتألم لتناظره "سندس" بإشفاق ومازال صدرها يتحرك صعودًا وهبوطًا إثر إنفعالها الأخير ...
أردفت بنبرة مختنقة ...
- أعملك قهوة ...؟!!!!
أومأ "عيسى" رأسه بخفة فيما خرجت "سندس" من المكتب لصنع القهوة ، بينما جلس "عيسى" متحسرًا على خسارته القادمة للقضية التى باقى من وقت محكامتها أقل من ثلاثة أسابيع فقط وها هي ورقته الرابحة قد فقدها ، لكن ترى أين ذهبت وكيف إختفت من الملف ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
بيت النجار "شقة فريد" ...
إرتدت "حنين" عبائتها ذات الأكمام الطويلة تخفى آثار تلك البثور والتقرحات ، حملت حقيبة يدها الجلدية السوداء لتضع بها أولًا لفافة المال التى أحضرها "فريد" بالأمس ثم أغلقتها وخرجت من شقتها دون أن توصد الباب كعادتها ...
لم تكترث لأبنائها اللذين تركتهم بمفردهم بالشقة ، ولا بأنها لم تستأذن زوجها للخروج ، بل كانت تهتم فقط لأن تخرج دون أن يلاحظها أحد ...
تحركت بخطوات مترددة تعبر الطريق لتشعر بالإطمئنان نوعًا ما لإبتعادها عن الحي ، لكنها لم تبتعد كثيرًا بل إتجهت للحي المجاور تعلم وجهتها جيدًا ...
بعد مرور دقائق قليلة كانت "حنين" تقف مقابل بيت قديم بآخر الحي ، بيت هادئ كما لو كان خاليًا من أصحابه ، دلفت نحو الداخل دون سؤال أو إستئذان ، كان وجهتها أيضًا بالدور الأرضي كما لو أنه قد كتب عليها هذا الطابق القابض للنفس ...
طرقت الباب عدة مرات ليُفتَح على الفور ، ناظرها شاب طويل مملوح الملامح قوي البنية ذو شعر أسود قصير وبشرة سمراء برونزية جذابة ، إنه "محمود شومان" برغم قوته الظاهرة إلا أنه عاطل عن العمل ، يعيش كالآفات فوق بقايا الآخرين دون جهد ، يستغل وسامته الفقيرة لإغواء سيدات يغدقن عليه بالمال لأجل إسعادهن ووجوده بحياتهن ، يُشعرهم بحبه وولهه بهن تمامًا كتلك المغفلة "حنين" ، والتى تزوره كلما تحصلت على مال يكفيه لترى بعينيه تلك النظرات المحبة وحديث العاشقين الذى يخدعها به بملذاته المحرمة ...
وقفت "حنين" بخنوع وتذلل لعشقها لهذا الشاب المخادع كما لو كانت إمرأة مختلفة تمامًا عن تلك التى تحاول فرض سيطرتها وبغضها لزوجها ، كانت لطيفة بل متذللة له ..
- صباح الخير يا "حودة" ...
تطلع بها "محمود" مصطنعًا تلك المحبة التى لا يعرفها حقيقة فهو كاذب محتال مخادع حتى بمشاعره المزيفة ، أجابها بوله ...
- "نونااا" ، وحشتيني يا قلبي ...
دلفت "حنين" نحو الداخل تعلم تفاصيل الشقة كما لو كانت مقيمة بها ...
- إيه يا "حودة" مسألتش عليا الكام يوم إللي فاتوا يعني ..؟!!
دلالها المغثي للنفس كان منفر للغاية لكن عليه تحمله ، فطالما جائته اليوم فذلك يعني حصولها على المال ، أجابها بتهرب رغم قسمة ...
- والله كنت تعبان يا "حنين" ، مش كنتِ تيجي تسألي عليا ، وأنا تعبان ومفلس ومش معايا حتى حق الدوا ...
ضربت "حنين" صدرها بفجعة ...
- يا لهوي ، تعبان وأنا معرفش ، حقك عليا يا أخويا ، والله لولا قاعدة مستنية المخفي جوزي يجيب الفلوس لكنت جيتلك ..
نظر بطمع تجاه حقيبتها التى مازالت تعلقها بذراعها ...
- و ... جبتي الفلوس ولا إيه ؟؟!!
فتحت "حنين" حقيبتها بعجالة تخرج منها لفاقة المال كلها ...
- اه يا "حودة ، أهي يا أخويا ...
خطفها بيده بسرعة يتمسك بها بقوة وإبتهاج سعد له وجهه ليتطلع نحوها بحديث معسول فيما يظنه مقابل لذلك المال فهذا ما تنتظره تلك الحقيرة الخائنة لزوجها ...
- حبيبة قلبي يا "حنين" ، كنت عارف إنك بتحبيني زي ما أنا بموت فيكِ ...
تناست "حنين" نفسها لتخلع تلك العبائة لتجلس بحريتها فيما لاحظ "محمود" تلك التقرحات المقززه بجسدها ويديها حتى رقبتها بشكل أثار غثاء نفسه ...
- إيه القرف ده ؟!! إنتِ جسمك عامل كدة ليه ؟!!
نظرت "حنين" لما ظهر من جسدها من تقرحات فقد نسيت الأمر تمامًا لتنهض تجاهة تخشى أن ينفر منها ...
- لالالا ، متخفش ، ده ، ده ، ده ناموس ...
لوى ثغره بنفور وهو يقفز للخلف بتخوف من أن تلمسه حتى ...
- لأ ، لأ ، خليكِ بعيد عني ، ده شكله مقرف أوي ، أخاف أتعدي منك ...
توسلت إليه "حنين" لأن يتقبل هذا الأمر المؤقت دون خوف ...
- متخفش يا حبيبي ، أنا باخد علاج ، والمرة الجاية حيكون راح خالص ...
خشي "محمود" على نفسه ليدفعها بأطراف أصابعه بعيدًا عنه بتقزز ...
- ولا مرة تانية ولا مرة تالته ، خدي عبايتك المقرفة دي وإطلعي من هنا ، ويا ريت متجيش تاني ، أنا مش ناقص المرض كمان ...
تهدلت ملامحها بذهول ...
- "حودة" !!!! إنت بتقول إيه ، مش إنت بتحبني؟!! أصبر كام يوم والعلاج حيخليها تروح خالص ...
هو لا يحب ولا يخشى إلا على نفسه فقط ، وغير ذلك لا يهم ليردف بجفاء وخشونة ...
- أنا مبحبش حد ، وغوري من هنا أحسن ألم عليكِ الخلق كلها ويفضحوكِ ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
لمعت عيناها بشرر غاضب لتهدده وهي تحاول سحب لفافة المال من بين يديه ...
- بقى كدة ، طب هات فلوسي بقى يا حيوان ، أحسن والله ما يحصل طيب ...
دفعها "محمود" بحدة فهو يفوقها قوة وجثامة ليُظهر نفسه البشعة التى كان يخفيها خلف قناع المحبة ...
- فلوس مين يا أم فلوس ، دي حقي يا ماما ، أمال أنا حقبل واحدة زبالة زيك ليه ، على حلاوتك ولا جمالك ، غوري من هنا يا بت ، ولو شوفت خلقتك دي تاني يا جربانة أنا إللي حروح لجوزك "فريد" وأقوله إنك بتجيلي البيت هنا ، فاهمة ، لسانك ده يفضل جوه بوقك لأحسن أقطعهولك ، مش فاضل إلا الجربانين كمان يتأمروا ...
كل حديثه كان جارح بصورة مؤلمة ، لملمت عبائتها لترتديها بنفس منكسرة ، كم شعرت بالدونية والحقارة ، فلم يكن يحبها بل كان يخدعها لأجل المال ...
خرجت من بيته وهي تكفكف دموعها التى لم تتساقط من قبل ، فهي للأسف أحبت هذا المحتال ، وإهانته لها غُرست كالخنجر بقلبها ، جرجرت ساقيها عائدة نحو البيت الذى أصبح كما لو كان طريقه بعيد للغاية ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
فيلا الأيوبي (النوبارية) ...
إنه فقط الفضول ، ذلك الخيال الذى دفعني لإكتشافك ، لا لأن تقبع بقلبي وتسحبني رغمًا عني لأقع فريسة بهواك ، كأن بك شيء خلق لأجلي جعلني أقسم ألا أتركه ...
مال "رحيم" يفغر فاهه عن إبتسامة عريضة دون أن يشعر بذلك وهو يطالع "شجن" ، تلك صاحبة الروح المفعمة بالحياة والإقدام ، كانت تتحدث عن مواقف عدة مرت بها خلال عملها ، مواقف طريفة وأخرى مؤلمة ، إستمتعت السيدة "أم محمد" وولدها أيضًا لتلك الجلسة الرباعية أثناء إحتسائهم أكواب الشاي بوقت قيلولة "أيوب" ...
فبعد حضور "رحيم" طلب "أيوب" من "أم محمد" وولدها البقاء معهم بالبيت ليكونوا ونسًا وعزوة لـ"شجن" حتى لا تبقى وحدها بالمنزل برفقة "رحيم" ...
منذ الوهلة الأولى إستطاعت "شجن" جذب قلب وإنتباه "رحيم" الذى شعر بألفة غير عادية بوجود تلك الفتاة ، لكن هناك حاجز ما يقف بينه وبينها ، قبولها لهذا العمل وترك أهلها ، إنه لأمر محير للغاية بل يدعو للشك وبث الظنون بنفسه ، لكنه لا ينكر أن لتلك الفتاة وقع غريب بنفسه يجعله دومًا سعيدًا قُربها ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وجود "رحيم" أشعل نار خامدة بداخل قلب "شجن" الصامت لكن دون الإفصاح عن ذلك ، بل كانت تتعمد البقاء برفقة ثلاثتهم لتتحدث وتتحدث لترى تلك النظرة المعجبة بحديثها بداخل عيناه ، فهل وقعت بعشق من النظرة الأولى ، أم أنها تتوهم وتظن شيئًا ليس بالوجود ...
دفعت خصلتها خلف أذنها وهي تسترق نظرة خاطفة تجاه "رحيم" قبل أن تستكمل قصصها الساخرة ...
- كل ده وكان مش في وعيه أبدًا ، البنج ده رهيب ...
تعلق نظراته نحوها وهو يبتسم ببشاشة ليضحك بخفة فهي خفيفة الظل منمقة الحديث بشكل جعله يهوى رغم عنه ببئر يسمى "شجن" ، أيام قليلة إستحوذت بشكل كامل على عقله وقلبه المتوجس ناحيتها ...
نهضت السيدة "أم محمد" قائله بعتاب مازح ...
- ربنا يحظك يا ست "شچن" ، أجوم (أقوم) أني بجي (بقى) أحضر الغدا ...
لحق بها ولدها مستئذنًا من "رحيم" و "شجن" ...
- لا موأخذه ، أجوم أني كمان أنضف الچنينة ...
لاحظت "شجن" نظرات "رحيم" المتعمقة نحوها ، حتى أنها طالت لوقت طويل أثار حفيظتها لتتساءل بتوجس ...
- فيه حاجة يا أستاذ "رحيم" ؟؟!!
سؤالها رغم أنه يظهر به بعض الإستياء لنظراته الغريبة ، إلا أنها سببت لها نشوة داخلية ، إحساس مؤجل لم يمر بقلبها من قبل فكان كل إهتمامها قبل مجيئها هنا هو كيف تتعايش بذل زوجة عمها والهروب منها وإستسلام والدتها لهذه المهانة ، لكنها الآن تترك العنان لكل شيء بها فقد زالت كل الضغوط وتبقى لها الحياة لتخرج كل ما كانت لا تدركه بنفسها ...
إعتدل "رحيم" متداركًا تطلعه المُخجل نحوها ليحاول بإرتباك الإعتذار عن تصرفه العفوي كطبيعتة العفوية المسالمة ...
- أسف ، ما أخدتش بالي ...
كانت عيناه تحمل العديد من الأسئلة التى لم ينطق بها لكنها كانت تتحلى بالجرأة لسؤاله ...
- حاسه إنك مخبي حاجة ، مش عارفه ليه ، وعلى فكرة أنا إحساسي مبيخيبش ...
ضحك "رحيم" أولًا قبل أن يجيبها بشفافية تامة ...
- يمكن عشان كلامي قليل ، طبعي غريب شوية ، المفروض الناس بتستنى من الشباب الكلام والحركة والإنفعال ، بس أنا طبعي هادي شويه ...
بنظرة متفحصة باغتتة "شجن" بتخمين صائب ...
- إنت إبن وحيد ، صح ؟!!
إندهش "رحيم" للغاية من فراستها وذكائها ...
- صح ، عرفتي إزاى ؟؟!
بقلم رشا روميه قوت القلوب
أجابته بغرور لطيف زاد من إنبهاره بشخصيتها الفريدة ...
- مفيش حد له أخوات بيبقى هادي أبدًا ، الهادي ده حد زيك كدة عايش لوحده مع بابا وماما ...
شعر بنوع من الإستياء كما لو كانت تقلل من قدره وتشير لكونه مدلل ...
- بس أنا مش دلوعة بابا وماما يا آنسة "شجن" ...
تهدلت إبتسامتها ببعض الإقتضاب فقد ساء فهمها لتردف بإعتذار عن ذلك ...
- أسفه والله ما أقصدش كدة ، أنا قصدي لما بيبقى لك إخوات بتبقى متعود على العصبية والخناق ، مقصدش حاجة تانية والله ، وبعدين فيه حد متدلع يسيب أهله ويدور على شغل في حته بعيدة ...!!!
هنا لاحت أسئلته التى يتمنى بالفعل معرفة إجابتها والتى سببت له هذا التخوف منها ...
- طيب وإنتِ !!! مش غريبة تسيبي أهلك وتيجي تقعدي مع راجل غريب ...؟؟!!
شعرت بلمحة من الإتهام بسؤاله لتجيبه بحدة ...
- والله أكل العيش مفيهوش قريب ولا بعيد ...
أنهت عبارتها وهي تنهض من جلستها بضيق ليشعر "رحيم" بأنه قد تسبب بإثارة ضيقها ...
- أنا أسف والله مكانش قصدي أضايقك ...
حركت رأسها نفيًا وهي تتجه نحو داخل البيت ...
- لا عادي ، أنا داخله أشوف عم "أيوب" ، زمانه صحي ...
تقبل "رحيم" عذرها للمغادرة بضيق فهو لم يقصد الإهانة لها أو سوء ظنه بها ، لكن وضعها مريب يدعو للشك ، ليردف بنبرة خفيضة للغاية ...
- ما هو برضه الوضع مريب أوي ، بنت حلوة زيك إزاي تعيش لوحدها في بيت راجل غريب ، حتى لو كان قد أبوها ، يبقى إيه ، أكيد فيه سبب ، أو طمعانه فيه ...
زفر "رحيم" بقوة ليتجه لغرفته الموجودة بالحديقة ، لم يكن يود إغضابها ، لكن شيء ما بداخله يدفعه لمعرفتها فقد خانه قلبه وتعلق بها قبل أن يطمئن لها أولًا ...
لم تكترث من قبل للظنون لكنها اليوم فور أن شعرت بأن هناك بعض الأفكار تدور برأس "حليم" شعرت بضيق بالغ ، لا تدري هل لأنها أصبحت تهتم بأشياء لم تحصل على فرصة من قبل للإهتمام بها لإنشغالها بألاعيب "صباح" ، أم أن هذا الشاب له تأثير مختلف عليها ، حتى أنها تنتظر رد فعله وإعجابه بحديثها كما لو كانت تتمنى أن يكون الحديث يخصه هو فقط ، أهذا ما يسمى بالحب من أول نظرة ، أم مجرد لهفتها بأن تكون محط إعجاب أحدهم ...
صعدت "شجن" لغرفة "أيوب" فقد ظنت أنه قد إستيقظ من قيلولته ، طرقت الباب برفق لتطل برأسها المستدير من خلفه لتجده إستيقظ بالفعل لكن وجهه ممتعض بشكل كبير ، هتفت به بحيويتها ..
- إيه النوم ده كله يا عم "أيوب" ، ده إحنا عدينا العصر ....
رفع "أيوب" رأسه بتألم ...
- والله يا بنتي ما جاني نوم ، جنبي واجعني بزيادة النهاردة ...
أشفقت "شجن" على حاله لتردف بتأثر ...
- ما هو المغص الكلوي إللي بييجي لك من وقت للتاني ده مؤلم شويه ، ربنا يشفيك يا عم "أيوب" ، لازم تاخد الدوا وتشرب مياه كتير ...
أومأ بوهن ليعقب ناظرًا نحو أحد الأركان ...
- أيوة ، أنا والزرع ده عاوز مياه ...
إبتسمت "شجن" وهي تتقدم نحو إصيص النبات الموضوع بغرفة "أيوب" لتسقيه ببعض الماء ...
- أدي الزرع شرب ، يلا بينا بقى ناخد الدوا إحنا كمان ...
تلوى "أيوب" متألمًا وقد زاد إمتعاض وجهه ...
- شكل المغص إشتغل تاني ...
هنا لم تستطع "شجن" التصرف كطبيبة فهي بالنهاية ممرضة وتخشى أن تخطئ لتردف بقلق ...
- لأ بقى ، كدة لازم نجيب الدكتور ، مش حتفضل تعبان كدة ...
- لا مفيش داعي ، حاخد الدوا وأبقى كويس ...
رفضت "شجن" بإصرار لتهتف أثناء مغادرتها الغرفة ...
- لا مينفعش ، أنا حروح مع "رحيم" نجيب الدكتور ونييجي ...
لم يعترض "أيوب" فقد زاد ألمه حدة ، بينما تركته "شجن" مسرعة نحو "رحيم" تطلب منه التحرك بعجالة بطريقتها التى تسبب له بعض التوتر لحدتها بالطلب ...
- يلا بسرعة حرك العربية ...
وقف "رحيم" بعدم فهم ...
- حنروح فين ؟!!
أوسعت من عينيها بطريقة مضحكة ثم هتفت ...
- الله ، إتحرك الأول هو أنا حاكلك ...
ضحك "رحيم" فمزاحها الطريف كسر حدة ضيقها منذ قليل ليتحرك بالسيارة لخارج البيت متجهين لطبيب القرية ليأتوا به لـ"أيوب" ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
ترجلت تلك الحسناء القصيرة من إحدى سيارات الأجرة لتُعدل من وضع حقيبتها الصفراء فوق كتفها لتخطو بضع خطوات بحيِّهم القديم ، رفعت هاتفها نحو أذنها قبل أن تهتف بخفة ظل ..
- "أدوداااااا" ، أنا خلاص جيالك ، حضري الغدااااا ...
ضمت "مودة" قبضتها تجاه شفتيها بتفاجئ ثم أردفت ...
- يا خبر ، ده أنا نسيت خالص إنك جايه ، معلش يا "غدير" ، روحي الشقة وأنا حخلص في الشركة وجيالك ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
لوت "غدير" فمها بإستياء مازح وهي تجيبها ..
- طيب يا "دودا" متتأخريش ، حقعد أتفرج على فيلم أكشن كدة لحد ما تيجي ..
ضحكت "مودة" ساخرة من أختها ...
- قصدك كارتون ...
- وهو الكارتون ده مفيهوش أكشن ، إسكتي إسكتي ده إنتِ غلبانة وعلى نياتك ، يلا متتأخريش ...
نظرت "مودة" تجاه "رؤوف" قبل أن تجيبها بحماس مستتر ...
- تمام ، متروحيش إلا لما أجي لك فيه موضوع مهم أوي ...
أجابتها "غدير" بتلقائية ...
- قاعدالك يا أختي ، متتأخريش إنتِ بس ...
- حاضر ...
أكملت "غدير" طريقها نحو شقتهم القديمة بينما تطلعت "مودة" نحو "رؤوف" الذى أرسل بطلبها منذ قليل متسائلة بفضول ...
- خير ، قالولي إنك عاوزني ...
ببسمته المميزة وبروز أسنانه الأمامية بلطافة أجابها بصدق لم يشعر به من قبل بوصف إحساسه ...
- مش عارف ، كنت عاوز أشوفك وبس ، ممكن تقعدي معايا شوية قبل ما تروحي ...
رغم مكالمة "غدير" وإدراكها بأنها ستنتظرها وحدها إلا أنها لم تستطع رفض طلبه الذى كان يومًا حلمًا لها ...
- ماشي ، شوية صغيرين بس ، "غدير" جايه لي البيت ...
أجابها بحالمية تخصها هي فقط وليس كمجاملة لطيفة كما كان يفعل مع الجميع من قبل ...
- وأنا راضي بالشوية الصغيرين دول ..
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈
كالشمس أنتِ شروقها قوة وغروبها جمال ، لا يضاهيك شيء فكل ما بك لا يقارن ، فريدة أنتِ كإستثناء الحرير ؛ ناعم يخطف القلوب والعيون ورغم نعومته قوى لا ينقطع ...
نظرت بحدة نحو باب مكتبها لا تصدق ما سمعته أذنيها للتو لتسرع "عهد" تفتح مقبض الباب بقوة لتخرج كريح عاتية متجهة نحو مكتب "معتصم" للتأكد من الأمر ...
أنهى "معتصم" للتو تحقيقه مع "طه" ليعود لمكتبه يشعر بالفخر وأيضًا بالصواب ، نعم هو مدرك لأن توصله للأمر صحيحًا بالتأكيد لكن إرضاء ضميره وأن "طه" مذنب بالفعل لأمر يريح ضميره تمامًا فهو لا يرضى بالظلم مطلقًا ...
طرقات حادة دقت بباب مكتبه لتجذب إنتباهه على الفور ، أمر ما لاح بداخله أنها هي لا غيرها ، نظر "معتصم" نظرته الثاقبة تجاه الباب وهو ينطق برزانة ..
- إدخل ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
كشمس أشرقت تنسج خيوطها الذهبية لحظة فتحها للباب ليشعر بقلبه كمن سرق بالكامل ليصبح طوعًا لها ولم يعد يملك منه سوى بعض الدقات التى تضخ به الحياة ...
دلفت بوجومها تتساءل دون تريث كقطار إنطلق ولا يمكنه التوقف ...
- يعنى إيه "طه" إتقبض عليه ؟؟! إزاي ؟! "طه" من أكفأ الضباط هنا ...
دفاعها عنه جعله يشعر مرة أخرى بهذا الشعور البغيض (الغيره) ، وقف منفعلًا ليهتف بحدة ...
- أنا مظلمتهوش ، "طه" فعلًا خاين ، وهو إللي بلغ عن وقت وصولنا ، أسيبه ؟!!!!!
هي لا يهمها "طه" بحد ذاته على العكس تمامًا لكنها كانت تظن أنه لن يكون ضابط فاسد مطلقًا لتردف بحيرة ...
- متأكد !!!
كان يمكنه إخبارها بالأمر من البداية لكنه لم يشأ أن يصدمها بالأمر ، لكن غيرته الآن لدفاعها عنه جعله يلقى الأمر دفعة واحدة ليمحي "طه" عن فِكرها تمامًا ...
- طبعًا متأكد ، "عهد" أنا عاوز أقولك إن "طه" لما إنتِ رفضتيه لما كنا في المراقبة الحقد والغيره ملوا قلبه و عنيه وقعد يدور على طريقة يأذيني ويأذيكِ بيها ، وللأسف كان قدامه طريقين مشي فيهم ، أول حاجة بلغ أفراد التشكيل عني وقالهم معاد وصولنا إسكندرية عشان يتخلصوا مني ، وتاني حاجة للأسف "طه" قعد يدور عنك لحد ما وصل لوالدك إللي سابكم من زمان وهو إللي طلب منه ييجي لك البيت ويخدعك بإنه إتغير عشان تسامحيه ويقدر وقتها يجبرك على الجواز منه ...
شردت بقلب مهموم فحتى ندمه لم يكن حقيقي ، لم أنت يا أبي نقطتي السوداء بحياتي ، عذابي الذي لن يمنحني السعادة والهناء وأنت بها ...
صمتت بوجوم فهو بالفعل يبيعها لأجل نفسه ومصلحته كما فعل بالماضي ، شعر "معتصم" بحزنها العميق فهو بالنهاية والدها؛ ليزفر متمالكًا إنفعاله يجبر نفسه على الهدوء مردفًا بنبرة يشوبها بعض اللين والحنو ...
- ممكن متفكريش في الموضوع ده ، أهو أنا عشان كدة مرضتش أقولك ...
رفعت هامتها بشموخ تدعي عدم تأثرها وأنها تتعامل بحيادية وعملية دون الإكتراث لأنه والدها ...
- لأ طبعًا ، كنت قولي ، عادي جدًا ده شغل والمصلحة عاوزة كدة ....
أخذ يتقدم نحوها بهدوء بعد أن إنتبه لأنها معه أخيرًا ودون أن يقاطعهما أحد ، تناسى أمر العمل منفصلًا تمامًا عن الواقع ليهيم بتلك الناعسة الشرسة التى إمتلكت قلبه ...
تقدُمه نحوها بهذا الشكل الولِه جعلها تضطرب بقوة لتتراجع بهدوء دون إظهار توترها الذى حل بها بحضوره حتى كادت تصل لمقبض باب المكتب لتديره إستعدادًا للتهرب منه لكنه باغتها بوضع كفه بقوة ليعيد إغلاق الباب مرة أخرى ليصبح على مقربة منها بصورة أرجفته قبل أن ترجفها ....
لكن قُربه منها إلى هذا الحد جن جنونه حتى تناسى وجوده بالعمل ، تناسى قوته وشراسته وأفكاره ، كل شيء إنمحى تمامًا ولم يعد يهتم إلا بقربها ووجودها هنا معه ...
إتسعت عسليتاها الناعستان وهي تطالعه بتخوف أخفته خلف قوة واهية وهي تبتلع ريقها القلق ...
- مالك ؟!! ما تظبط كدة !!!!
زاغت قاتمتيه بهيام مجيبًا إياها ...
- أظبط إيه !!! هو أنا جنبك عارف أنا مين !!!
رغم عدم وجود مساحة كافيه إلى جانبها إلا أنها تزحزحت قليلًا قائله ...
- لو سمحت ، متخلنيش أزعلك ...
رفع حاجباه بتحدي ...
- زعليني ، أنا عايزك تزعليني ...
- متفتكرش إنك قادر عليا ، ده أنا مهما كنت "عهد مسعود" ...
مال تجاه أذنها ليهمس بصوته الشجي حتى شعرت بأن قدمها لا تطأ الأرض...
- قصدك "عهد قلبي" ...
رفعت سبابتها محذرة إياه فطريقته الناعمة تلك زائدة عن الحد ...
- بقولك إيه ، أنا مش بتاعة النحنحة والكلام ده ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
إلتف بوجهه بمقابلة وجهها تمامًا ليتابع رد فعلها المضطرب بسعادة كمن أمسك بفريسته داخل المصيدة ...
- أمال بتاعة إيه !!!
تهدجت أنفاسها بقوة حتى شعرت بتعاظم نبضات قلبها المتسارعة فكم هو وسيم ساحر ، حتى هي لا تستطيع الثبات بوجوده ، لقد وقعت بالفخ وسقطت ببحور عشق هذا المراوغ ...
غلبها بالفعل حتى أوشكت على رفع راية الإستسلام وهي تناظر عيناه التى إخترقت بنظراتها المثبتة بعينيها حتى وصلت لداخل أعماق قلبها ...
لملمت شفتيها بإرتجاف فقد حاصرها وتلاشت له قوتها بينما فاه هو بها ، سحرته دون حديث بل ترك العنان لعينيهما يموجان ببحور العشق بحديث يخصهما وحدهم ...
لن أجاهد وأعاند ، لن أتيبس وأرفض ، لأعلنها صراحة (أحبه) ، حتى هو الذى بدأ قُربه كتحدي وفرض قوة وسيطرة ، أصبح ضعيف مستسلم أمام عينيها وقلبها ...
لحظات مسروقة من الخيال ليهيما محلقين بسماء عشقهما هما فقط ، فهي بالفعل لا تقارن ولا تشبه غيرها إنها مثال للتفرد لها حق الغرور والتباهي فهي ليست مثلهن ...
طرقات خفيفة دقت بباب المكتب لتشعرهما بنهاية تلك الوصلة الرائعة التى لم يودا أن تنتهي ، رغم إستفاقتهم من غياهب بحور العشق إلا أن هناك نظرة بقيت بعينيهما لا تريد إنهاء تلك الحالة ، لكن معاودة الطرقات جعلت عيناه تتساءل بشوق [ متى سيكون الوصال فقد أُنهكت من الهوى ] ...
تلقت "عهد" تلك الرسالة بقلب يحلق بسعادة رغم محاولتها الفاشلة للعودة لجمودها وخشونتها ...
إبتعد "معتصم" لخطوات قبل أن يفتح الباب متعجبًا مما يراه أمامه ...
لحظات صامتة كانت تنتظر بهم "عهد" أن تستمع لصوت أحد زملائها بالجهاز لكنها إنتفضت فزعة وتحلى قلبها بغضب وبإحساس آخر جعلها تنقبض بضيق حين سمعت صوت أنثوي لطيف يستطرد حديثه الموجه لـ"معتصم" ...
- "معتصم" باشا ، أنا "عائشة علي" ...
•تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2" اضغط على اسم الرواية