رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2 (كاملة جميع الفصول) حصريا عبر دليل الروايات بقلم قوت القلوب
رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2 الفصل الاول 1 - بقلم قوت القلوب
للصمت أحيانًا ضجيج يصرخ بما لم تنطق به الشفاة ، فكثير ما أنهكتنا ثرثرة الأفكار ونحن بحالة الصمت والسكون ...
تمر الأيام وغيرها لكن بداخلنا ذكريات لا تنسى تتضارب بضجيج داخل عقولنا دون التفوه بها ...
هناك بعض القرارات تؤخذ رضا للعقل وألم للقلب لكن حين نسترجعها تزيد من آلامها كما لو كانت وليدة اللحظة ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
حي النعماني (مكتبة بحر) ...
من النادر أن يبقى الناس كما عهدناهم أول مرة ، فهناك من تُغيره الأيام ، وهناك من يَظهر معدنه بمرورها ، فالذهب يبقى ذهب مهما تغطى بالتراب ، والحديد يبقى حديد مهما لمع ببريق مصقول ...
أرخى "بحر" رأسه مستمعًا لوالدته بإنصات ، فقد مرت به الليلة وبهذا الوقت خصيصًا لتفيقه من غفلته وتنقذه من أن ينجرف مع التيار لتخسره للأبد ...
وقفت تلك السيدة الخمسينية تُحدث ولدها الوحيد بحِدة لم تعتادها معه من قبل ...
- وأخرتها معاك يا "بحر" ، لحد إمتى حتفضل ماشي في الطريق ده ، أخدت منه إيه بس غير وجع القلب !!! ...
تنهد "بحر" وهو يرفع عيناه للفراغ ململمًا جرح قلبه المنشطر قبل أن يردف بصوت متحشرج ...
- الليلة كتب كتابها يا ماما ، مش قادر أروّح البيت وأعدي من قدام بيتهم وأنا متأكد إن الليلة دي آخر ليلة ، كان عندي أمل الدنيا تتغير وتسيب "مأمون" ده ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
مطت "أم بحر" شفتيها بإمتعاض لتردف بعقلانية ...
- هو يعني إللي خلقها مخلقش غيرها ، ما خلاص بقى هي إختارت إبن عمها وخلصنا (ثم عقبت بنفس ضائقة) ، وبعدين أنا مكنتش عايزاك تعرف الناس دي ولا تقرب منهم طول عمرك ، يا ريتني عرفت إن بنتهم هي إللي بتشتغل معاك هنا في المكتبة ، إبعد يا إبني عن طريقهم دول ناس ميتعاشروش ...
تهدجت أنفاسهُ بضيق ليقبل الأمر على مضض قائلًا ...
- خلاص يا ماما ، معدش له لزوم الكلام ده ، روحي إنتِ البيت وأنا حبقى أقفل وأجيلك ...
"ليس للهوى سلطان" مقولة محقة تمامًا ، لهذا إستسلمت "أم بحر" للأمر لتومئ بخفة مغادرة المكتبة برضوخ ..
- ماشي يا "بحر" ، متتأخرش ، ملهوش لازمة الشغل يوم الجمعة كمان ...
حاول "بحر" مجاراتها حتى تتركه بمفرده فلا طاقة له بالحديث لأحدهم فيكفيه ضجيج رأسه وأفكارها ...
- حاضر يا ماما ، إتفضلي إنتِ ...
خرجت والدته ليجلس "بحر" بهدوء فوق المقعد الذى كانت تتخذه "نغم" من قبل لينكس رأسه بين كفيه متذكرًا تلك الأيام الماضية بعد لقائه بـ"نغم" و"مأمون" أمام بيت النجار ...
﴿ ليتذكر أنه لم يتحمل "بحر" تجرؤ "مأمون" عليه والحط من شأنه بتلك الصورة خاصة أمام "نغم" ، فقد تعمد إزدرائه بصورة مخجلة إنتهى به الأمر ليطرده بتلك الصورة المهينة ...
عاد "بحر" أدراجه وقد أظلمت الدنيا بعينيه من شدة غضبه من هذا الحقير "مأمون" متوعدًا له بأن ينتقم منه ويزيحه عن طريقه وطريق "نغم" ...
إنتبه لأمر ما ليتجه نحو أحد معارفه القدامى فقد طرأت برأسه فكرة قد تخلصه نهائيًا من "مأمون" ...
بعد وقت ليس بالقليل فقد إتخذ إحدى الحافلات للوصول لهذا الرجل المدعو "شبارة" أحد تجار الأسماك بشادر السمك ...
توقف "بحر" أمام هذا المتجر الخاص ببيع السمك الطازج حيث يعمل "شبارة" ليلقى التحية أولًا لجذب إنتباهه إليه ...
- السلام عليكم ، إزيك يا معلم "شبارة" ...
إنتبه هذا الرجل الأسمر ذو الجلباب المعقوص لمن يناديه ليلتفت إليه لتتضح ملامحه المقتضبة ووجهه الطويل وشاربه الكثيف أسود اللون ...
تهللت ملامحه بإرتخاء مرحبًا بـ"بحر" بحفاوة شديدة ...
- أستاذنا ، ده إيه النور ده ، إتفضل يا غالي ..
ثبت "بحر" بموضعه ليردف بتأدب ..
- متشكرين يا معلم ، كنت بستأذنك عايزك في موضوع كدة ...
نفض "شبارة" يده عن تلك الأسماك التى كانت يمسكها بين راحتيه ليمسح كفه بجلبابهِ الملطخ والذي تفوح منه رائحة عطب قوية ..
- أوى أوى يا غالي ، إنت تؤمرني ...
تقدم "شبارة" بضع خطوات تجاه "بحر" الذى عزم الأمر على ما تفكر به ...
- شوف يا معلم "شبارة" ، أنا عندي مصلحة وعارف إن مفيش غيرك حيقضيها لي ..
ضرب "شبارة" رقبته بخفة بكفه الغليظ مجيبًا بإبانه ..
- تحت أمرك ، رقبتي ...
- تسلم يا معلم ( ثم اخفض "بحر" صوته متلفظًا بها دفعة واحدة ) ، أنا عاوز حتة حشيش ...
رفع "شبارة" حاجبيه بإستسهال للأمر ..
- بس كدة ، من عنيا ، غالي والطلب رخيص ، بس ااا متأخذنيش يا أستاذنا ، أنا مكنتش أعرف إن ليك في الصنف ..!!!
زاغت عينا "بحر" ببعض الدهاء لتتبدل شخصيته لغير ما إعتاد عليه ..
- عايزها في مصلحة كدة ...
أومأ "شبارة" بإنصياع وهو يشير تجاه أحد المقاعد ...
- أقعد يا أستاذنا ، نص ساعة وطلبك يكون جاهز ...
لم يخب "شبارة" ظنه ولم يمر أكثر من ساعة إلا وكان "بحر" بطريق عودته يحمل قطعة من (الحشيش) بين خبايا سترته لتنفيذ خطته بإقصاء "مأمون" نهائيًا من طريق "نغم" ليفسح له المجال بمفرده للوصول لقلبها ...
خطة ماكرة بوضع قطعة (الحشيش) ببيت "مأمون" أو بحوذته للتخلص منه وإبلاغ الشرطة ..
لكن سرعان ما تلاشت أحلامه بالتخلص منه ، فقد كان "مأمون" أكثر دهاء منه فحين علم ببداية الأمر بوجود "بحر" ببيت النجار وسبب تلك المشكلة المفتعله من والدته ، أوصى "مأمون" أحد العاملين بالوكالة لملازمة "بحر" و مراقبة تحركاته كاملة وإستطاع "مأمون" كشف مؤامرته التى كاد "بحر" أن ينجح بها لو كان قد غفل عن مكره ...
لقاء آخر جمع "مأمون" بـ"بحر" لكن هذه المرة بعيدًا عن بيت النجار حيث فاجئه قبل وصوله لشقة "مأمون" الجديدة مواجهًا إياه بعيون حادة وقوة تميل للقسوة أحيانًا حين قطع "مأمون" طريق "بحر" المتفاجئ بوجوده ...
- طلع الحشيش ...
إضطرب "بحر" لكشف "مأمون" له لكنه تحلى بالثبات رغم ذلك ..
- حشيش إيه ، إنت فيه حاجة في دماغك !!!!
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بإستعلاء شديد ضم "مأمون" شفتيه ثم أردف بإستهزاء ...
- ما هو ما تتخيلش بمخك إللي على قده ده إن حتة واد دلوعة أمه زيك إنت حيهددني أنا يا روح ماما ، ده أنا برضه "مأمون النجار" ...
كز "بحر" بأسنانه بغيظ من هذا المتطاول ، ليقبض بكفه يكوره بقوة يناظره بحِيِرة ، فمن أين علم بأمر (الحشيش) ، فلم يمر سوي القليل منذ تحصل عليه من "شبارة" ...
- لم نفسك بدل ما أعلمك الأدب ...
رفع "بحر" قبضته تجاه "مأمون" لكنه تصدى لها وقبض بكفه قبضة "بحر" بقوة ليضع عيناه نصب عينيه وقد لمعتا بحدة ليردف مهددًا إياه ...
- لآخر مرة بقولها لك بالذوق يمكن تفهم ، لو مبعدتش عن طريقي وطريق "نغم" لا حندم أمك عليك ، وحتة الحشيش اللي كنت ناوي تبليني بيها دي حتلاقي أنقح منها في بيتك وأقدر ألبسك بدل التهمة عشرين ، فبدل ما تخسر نفسك وأهلك إحترسني يلا ، أنا لحمي مُر ، ومتاكلش بسهولة ، إحترس نفسك ...
دفع "مأمون" قبضة "بحر" يفلتها من بين كفه ليمد يده بجيب سترة "بحر" عُنوة مخرجًا منها قطعة (الحشيش) قبل أن يضحك بتهكم ...
- متشكرين على الواجب يا أبو الواجب ...
كان هذا آخر لقاءه به لكنه كلما حاول التحدث مع "نغم" لاقته بصدود بكل مرة حتى تيقن أن الأمر قد إنتهى وأعلنت تلك النهاية ...﴾
أغمض "بحر" عيناه بقلة حيلة بعد تذكره ما حدث بذلك اليوم ، عائدًا لواقع مُر فاليوم سيُعقد قرآنها على هذا الحقير وهو الضعيف الذى لم يستطع التغلب عليه وإستسلم له رغمًا عنه ، خاصة بعدما علمت والدته بما حدث وأصرت أن يتجنب الأمر تمامًا فهم ليسوا بأهل للمشاكل ولا تود إقحام نفسها بها ، أغلق "بحر" المكتبة عائدًا لبيته القريب ليناظر بيت النجار بتحسر قبل أن ينتهي المطاف به ببيته يتمنى مرور تلك الليلة التى لن تمر على قلبه بسلام ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
بيت محفوظ الأسمر (شقة وعد) ...
في عالم من الأحلام حلقت تلك الفراشة ترفرف بأجنحتها بين الأغصان والزهور ، هل تلك ما تسمى بالسعادة ، إنها لأمر جميل للغاية ، لقد شعرت بقلبها يتراقص فرحًا كلما سمعت همس صوته الحالم ، لقد أصبح "محب" عنصر هام ليومها ، فلا يوم يستحق أن يُحسب من عمرها إلا بوجود "محب" به فقط ...
أشرق وجهها ولمعت عيناها ببريق الحياة ، أصبحت مُقبلة عليها ، سعيدة بيومها وبحياتها الهانئة ...
وجود "محب" بحياتها كاد أن ينسيها "عاطف" بالمرة ، بل هي بالفعل نسيته ، خرجت "وعد" بحركة رشيقة نحو غرفة المعيشة لتحمل "زين" للأعلى تدور به ببهجة تداعبه بحنو ...
- حبيب قلب مامي ، روح قلب مامي ...
طبعت قبلة حانية فوق وجنته الصغيرة لتضمه بعدها بقوة قبل أن تتوقف عن دورانها بأنفاس متهدجة ...
- ااه ، مامي تعبت يا "زون" ، كفاية لعب بقى ...
أمال الصغير رأسه تجاه اليسار بوداعة قائلًا ..
- أصير (عصير) ...
وضعته "وعد" أرضًا وهي تعبث بشعره المموج ..
- حاضر يا عيون مامي ، حالًا أجيب لك عصير الفراولة إللي بتحبه ..
على الفور إتجهت نحو المطبخ لتخرج من البراد قنينة عصير الفراولة لكنها وجدت العبوة فارغة ، إمتعض وجهها قليلًا لتلتف عائدة لصغيرها لكنها تفاجئت بـ"محب" يقف خلفها تمامًا لتصدم به لحركتها السريعة ، لحظة من الإندهاش تلتها ضحكة صافية إحتلت وجهها الناعم ...
- مسمعتكش وإنت جاي ، خضتني ...
إبتسم "محب" مغازلًا إياها ...
- أعمل إيه قلبي طاير ومخليني أطير من على الأرض عشان أوصلك ...
علقت ذراعيها تشابكهما برقة خلف رقبته متسائلة بفضول ...
- لا بجد ، إنت إزاي كدة ، مش بسمع لك صوت خطوات خالص ، بجد خفيف جدًا ...
داعب أنفه بأنفها قائلًا بغرور مازح ...
- أنا رياضي ، مفيش مني إتنين ، وزن الريشة ، تعرفي وزن الريشة ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
نظر نحو البراد مستفهمًا عما كانت تبحث عنه ...
- كنتِ بتدوري على إيه ؟!!
تنهدت بإستياء قبل أن تجيبه بضجر ...
- عصير "زين" خلص ، وحيعمل فيلم دلوقتِ عشان وعدته أجيب له العصير ...
فاه بخضراوتيها بهيام لتدق ضربات قلبها متسارعة بنبضاتها حين همس بحالميته التى تسرق قلبها ..
- هو إنتِ لم توعدي لازم توفي ؟؟! يعني لو وعدتيني بحاجة حتنفذيها ...
شعرت بالإضطراب لطريقته التى تلقيها ببحور من الرومانسية الحالمة لتبتعد خطوة نحو الخلف بخجل ...
- أنا حروح أشوف "زين" ..
جذبها "محب" من مرفقها يوقفها قبل أن تهرب منه ..
- خلاص تعالي ، بلاش تهربي مني كدة ، يلا غيري هدومك إنتِ و "زين" حننزل الهايبر نشتري لوازم البيت والعصير إللي إنتِ عاوزاه ...
حتى بأدق التفاصيل يشاركها بها ، كم هي محظوظة للوصول لما تتمني وما حلمت به لسنوات طويلة ، لكنها أشفقت عليه فمنذ ليلة زواجها وهو يصطحبهما يوميًا خارج البيت لقضاء وقت لطيف أو شراء ما يحتاجونه أو لتناول الطعام ولم يحظى على أى وقت للراحة والإسترخاء ..
- هو كل يوم تاخدنا بره كدة ...؟!!
بتقبل شديد وسعادة حقيقية أجابها بصدق ...
- ولو كل لحظة طالما دي حاجة حتفرحك وتسعدك ...
ضمت شفتيها بسعادة لوجود هذا المحب بحياتها الباهتة ليكسبها بوجودة رونق الحياة والألوان الزاهية ...
بدلت ملابسها في عجالة لترافق "محب" و"زين" لشراء لوازم البيت من السوق ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
فيلا الأيوبي ...
لم تكن بليدة الإحساس سعيدة بهروبها ونجاتها وحدها من قهر بيت العائلة ، فكم إشتاقت لأمها وأختها وأشفقت على ما هم فيه الآن ، فلابد أن اليوم هو يوم عقد قرآن "نغم" بـ"مأمون" ...
وقفت "شجن" بشرفة البهو الكبير تتطلع نحو حدائق الفاكهة من حولها بمشهد بديع رائع لكنها كانت تشعر بالإختناق والضيق لبُعدها عنهم ، لكن ذلك ربما يكون دافعًا لهم ليستفيقوا من تعمقهم بإيذاء نفسهم ...
مر أسبوع كاملًا وهي تقيم ببيت "أيوب" الكبير تشعر به بالألفة والمحبة والقلوب الصافية ...
روتين يومي معتاد فالجميع يستيقظ بالصباح يدور ويجول بداخل المزرعة إلا "أم محمد" وإبنها هم فقط من يسمح لهم بدخول البيت ، فالسيدة "أم محمد" تعتني بنظافة البيت وترتيبه وتجهيز الطعام ، بينما إبنها يشتري لوازم البيت من خضروات وبقالة وغيرها وأيضًا يساعد "أيوب" للإعتناء به حين يطلب منه ذلك ...
إن "أيوب" بالفعل يعيش بمفرده فطوال هذا الأسبوع لم يأتي أحد لزيارته ولم يتصل به أحد على الإطلاق ، كم هو رجل وحيد للغاية ...
يتحرك "أيوب" بصعوبة بالدور العلوي عن طريق المقعد المتحرك لكنه لا يتجاوز الحركة من غرفة لأخري فقط ...
تنهدت "شجن" بضيق لتدلف نحو الداخل لتتجه نحو غرفة العم "أيوب" لتطمئن عليه قبل خلودها للنوم ...
طرقت الباب بخفة لتستمع لصوته الواهن يسمح لها بالدخول ...
- تعالي يا "شجن" ...
تقدمت "شجن" نحو "أيوب" قائله بإبتسامة مصطنعة ...
- معاد الدواء جه ، وخفت أتأخر عليك أكتر من كدة ، ها ، يلا بينا ...
تملل "أيوب" متسائلًا بضجر شديد ...
- هو لازم الدواء ده كل يوم كدة ، أنا زهقت منه ...
جلست "شجن" تشاطره الضجر الذى ظهر على ملامحها ...
- معلش يا عم "أيوب" ، الدكتور عاوز كدة ...
تفحص "أيوب" ملامحها بفراسة قبل أن يسألها بشكل مباشر ...
- إنتِ زعلانه على أختك ...؟!!
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
صمتت للحظات متذكره تلك الأيام الماضية التى قصت له بها عن سبب تركها لوالدتها و أختها وإضطرارها للرحيل ، تلك الذكريات التى مازالت تتخبط بضجيج برأسها الصغير ، زفرت بقوة قبل أن تجيبه بملامح مستاءة ...
- أنا زعلانه على تفكيرها و إللي وصلت ليه ، زمانهم النهاردة بيكتبوا الكتاب ، كان نفسي يرفضوا ويقولوا لأ ، بس هم خوافين أوي ...
حاول "أيوب" إيجاد مبرر معقول لتصرفاتهم ..
- ما يمكن يا بنتي الراجل ده يطلع غير إللي في دماغك ده ويبقى راجل كويس يصون أختك ويحافظ عليها ، هو إنتِ مكلمتيش حتى والدتك تطمني عليها ...
دارت بعينيها نحو الأعلى قليلًا ثم عادت لتجيبه بنبرة تميل للضيق والغضب من تصرفاتهم ...
- لأ ، ومش حكلمهم، أنا من ساعة ما سبت البيت وأنا قفلت التليفون خالص ، إللي بيعملوه ده غلط ، غلط يا عم "أيوب" ، و "مأمون" ده لو أحسن راجل في الدنيا يغور من وش أمه وسلبية أبوه ...
ضيق "أيوب" بين حاجبيه بعدم فهم ليردف مستفهمًا ...
- أيوه يعني إيه السبب إن الست والدتك مصممة تفضلوا في البيت ده ؟!!
إعتدلت "شجن" بجلستها لتقص الأمر بإستفاضة على "أيوب" ..
- شوف يا عم "أيوب" ، أنا حقولك ، الشقة إللي إحنا فيها دي شقة أبويا إتجوز فيها أمي زمان ، وجاله مرض وتعب جدًا ومات وإحنا صغيرين ، وكان قبل ما يموت كان بيوصي أمي دايمًا متفرطش في حقنا عشان إحنا بنات يعني والمفروض ملناش ورث في الشقة ، والدي قالها إن الشقة كتبوها بإسمنا أنا وأختي عشان محدش يتحكم فينا ، ولما مات قعدنا ندور على عقد الشقة دي ملقيناهوش ، خوفنا عمي ومراته يعرفوا إن العقد مش معانا وإنه ضايع يطردونا بره ، ومن وقتها أمي متجنبه أي مشاكل معاهم عشان ميقولولهاش هاتي العقد ، أمي خوافه أوي مستحملة كل حاجة عشان منترميش في الشارع ولا حتى نقدر نبيع الشقة لإننا مش معانا أي إثبات إنها بتاعتنا ...
تفهم "أيوب" ذلك الأمر لكنه إحتار بإيجاد سبب لتحمل والدتها كل ذلك العناء مقابل الشقة ، ليُعقب بدبلوماسية ...
- أكيد والدتك كانت عايزة مصلحتكم ولو كان عندها سبيل تاني كانت عملته ...
لوت "شجن" فمها بإمتعاض ..
- يمكن ، بس إحنا تعبنا وإتذلينا أوي ، وأظن كفاية لحد كدة ...
بقلب أب حنون إلتمسته "شجن" وكانت بالفعل بحاجة إليها ...
- إرمي يا بنتي حمولك على الله وإن شاء الله كله يتعدل ، وأهو إنتِ معايا هنا ، وإعتبري إن ده بيتك من هنا ورايح ومتشيليش أى هم ، ويمكن ربنا ينور بصيرة والدتك وأختك ويخلصوا هم كمان من أفكارهم دي ...
تفهمت "شجن" حديث "أيوب" لتشكره بإمتنان على مساعدته لها ...
- مش عارفة أشكرك إزاى يا عم "أيوب" ، حقيقي بحس إنك زي بابا الله يرحمه ، ده إنت حتى شبهه ...
سحب "أيوب" نفسًا مطولًا قبل أن يجيبها ببعض الخمول ...
- تشكريني إيه بس ، ده أنا إللي المفروض أشكرك على حاجات كتير أوى ، كفاية وجودك هنا معايا ومونساني ، ووقفتك معايا وقت الحادثة ...
تعجبت "شجن" لوهن "أيوب" المفاجئ وتباطؤ حديثه معها ...
- مالك يا عم "أيوب" ، إنت عاوز تنام ولا إيه ...؟!!
أخفى "أيوب" شعوره بالوهن الذى يتردد عليه مؤخرًا ليومئ لها بالإيجاب ..
- الظاهر كدة ، أنا حاخد الدواء وأنام ، وبكرة إن شاء الله نقعد مع بعض كتير أوى ...
ناولته "شجن" الدواء ليبتلع أقراصه مستسلمًا للنوم فيما خرجت "شجن" بهدوء من الغرفة تناظر البيت الساكن من حولها لتعود مرة أخرى لشرفة البهو تناظر السماء متفكرة بأمر أمها وأختها تتمنى لو أنها تسمع صوتهم وتطمئن عليهم لكن عنادها يمنعها من الرضوخ حتى يشعرا بجثامة ما أصروا عليه ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
بيت النجار ....
يوم نظن أن تغلبنا فيه الأفراح وتتعالى به الضحكات ، لكن اليوم غابت الفرحة والضحكة ، رُسمت بالنهاية بسمة باهتة على الوجوه و كَسرة قلب كنا نظن أنها ستضمحل بهذا اللقاء ...
أنهى الشيخ عقد قرآن "مأمون" و "نغم" وسط سكون صامت لم تتعالى به الزغاريد أو تصفق له الأيدي ، بل إنزوت العروس بنفسها لتترقرق دموعها الحزينة بصمت ...
خرج الشيخ من شقة "زكيه" ، هذا المكان الذى لم تكن تتخيل "نغم" أن حفل زواجها سيكون بنفس شقتهم المتهالكة ، عاد "فخري" بوجه مقتضب مشفقًا على تلك الحزينة التى لم تهنأ بسعادتها كونها عروس اليوم ، أردف بهدوء ...
- خلاص بقى يا "نغم" ، إفرحي كدة النهاردة ، وإن شاء الله ربنا حيحلها ...
رفعت "نغم" عيناها الواسعتان تجاه عمها ، هل ترى منه بعض الحنان الآن !!!! ، إرتعشت شفتيها ببكاء مرير لتردف من بين شهقاتها التى بدأت تتعالي ...
- مش عارفه أفرح يا عمي ، مش عارفه ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
عاد "مأمون" بعد إيصال الشيخ لخارج الشقة ليجاور والده ناظرًا نحو "نغم" الباكية ...
- إن شاء الله إسبوع كمان وكل حاجة حترجع زي ما كانت ، بس إنتِ متزعليش كدة ...
نظر "فخري" تجاه "مأمون" أولًا ثم أعاد وجهته لـ"نغم" معقبًا ...
- "مأمون" معاه حق ، إسبوع كمان والدنيا تبقى تمام ، وأدينا أهو كتبنا الكتاب وحنأجل الفرح أسبوع ، ما هو مينفعش تفضلي قاعده لوحدك كدة ...
قوست "نغم" شفتيها بتعاسة ...
- طب إزاى !!! وماما ؟!! حتجوز وهي مش معايا كدة ؟!! حفرح إزاى وهي مش جنبي ؟!!
بعقلانية شديدة أجابها "مأمون" ...
- بصي يا "نغم" ، إللي حصل لمرات عمي ده مالناش يد فيه ، وقعادك لوحدك ده مينفعش أبدًا ، إحنا أجلنا الدُخلة كمان إسبوع يمكن الظروف تتحسن ، وأكيد هي مش حترضي بالوضع ده وإنك تفضلي هنا لوحدك ...
برضوخ لرأيهم وإستسلام لتلك الفكرة أومأت رغم عدم تقبلها للأمر فهي لم تشعر بسعادة كونها عروس اليوم لغياب أمها وأختها أيضًا ، كانت وحيدة بيوم كانت تظن أنها ستحاط بالمحبين اللذين سيغدقونها بفرحتهم ومحبتهم لا أن تكون بعقد قرآنها وحيدة برفقة عمها و"مأمون" فقط ...
خرج بعد ذلك "مأمون" و"فخري" ليتركوا عروس اليوم تقضي ليلتها بمفردها تتخبط بضجيج أفكارها بما حل بهم بالأسبوع الماضي ....
شقة فخري النجار ...
سعادة حلت بوجه تلك السمراء الغليظة تتضاحك بعد أن كادت تنسى كيف تكون السعادة ...
وقفت "صباح" بالشرفة تناظر رحيل "فخري" و "مأمون" بعد عقد قرآن إبنها وإبنة "زكيه" لتعقب بشماتة ...
- أحسن ، أحسن ، أهي باظت ، ولسه ياما حتشوفوا مني ، بقى أنا يحصل فيا ده كله بسببها واسيبها تتهني ...
وقفت "راويه" من خلف أمها تناظر الطريق ثم أردفت ...
- هم خلاص كتبوا الكتاب ..؟؟!
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
إستدارت "صباح" نحوها تملؤها النظرات الشامتة ، تتسع إبتسامتها عن آخرها ...
- ولا مكتبوش ، المهم إن أنا ورا الجوازة دي لحد ما تبوظ ، وورا "فخري" لحد ما يرجع لي تاني ، أنا مش حسيبهولها تتهني بيه الخدامة ...
مالت "راوية" بفمها بإستياء ....
- بس "مأمون" مكمل في الجوازة أهو ، ما خلاص كتبوا الكتاب ، ناقص إيه تاني ؟!!
أشارت "صباح" بكفها الغليظ لتُصمِت إبنتها ...
- بس بس، متعكننيش عليا ، أنا دماغي كدة متكلفة ومتظبطة أوي ، هو يعني كل إللي إتكتب كتابهم إتجوزوا !!!! ..
مالت "راويه" برأسها للأمام قليلًا ...
- في دماغك إيه تاني يا ماما ، ناوية تعملي إيه ؟!!
ضحكت "صباح" ساخرة من تفكير إبنتها المحدود ، لكنها مازالت تشعر بالزهو بما حققته حتى الآن ...
- دماغي دي فيها حاجات كتير أوى ، ولسه حتشوفوا كلكم ، أنا إللي حطلع كسبانة في الآخر ...
حركت "راويه" رأسها بتخوف مما ستُقدم عليه والدتها فقد زادت من تجبرها ومكرها المخادع بصورة كبيرة للغاية ، لكنها تربح جولاتها مرة أخرى من جديد ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
قاعة الإحتفالات ( عقد قرآن رؤوف و نيره)
أضواء متلألئة وورود بيضاء توزعت بشكل باهر بتلك القاعة الصغيرة التى حضرها أهل العائلتين فقط بتجمع حميم لعقد قرآن "رؤوف" و"نيره" ...
وقف "رؤوف" بإنتظار "نيره" التى تقدمت برفقة والدها نحو الطاولة المستطيلة الخاصة بعقد القرآن ليجلسا إلى جوار الشيخ بإنتظار بدء تلك المراسم ...
إختيار "نيره" للون فستانها الفستقي كان غير موفق بالمرة فقد أكسبها طلة باهتة لكنها أصرت على هذا اللون لتكون مختلفة وغير متوقعة ...
جلست بالبداية ببسمة واسعة أظهرت أسنانها العريضة بشكل كبير ، أخذت تناظر الحضور تتباهي بجمالها تنتظر سماعها لعبارات الإطراء لحُسنها وجمالها وطلتها الأخاذة كما تظن ...
لم تلتفت حتى لمرة واحدة تجاه "رؤوف" الذى وقف كطفل صغير فقد أمه ، كانت نظراته تائهة مشتتة ، نَفَسهُ منُقبض وصدره مُختنق ...
دار بعينيه الصغيرتين بوجوه المدعوين حتى وصل لوجهته تمامًا - "مودة"- ، جلست بهدوء مُنكسر حول إحدى الطاولات الجانبية تُناظره بتحسر ، نظرة أدرك معناها على الفور فهي بالكاد تتمالك دموعها من الإنهمار ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
طالت بينهم النظرات الموجعة كما لو كان يعتذر منها عما سيحدث بعد قليل ، نظرات متحسرة على قلبه المنشق لنصفين لكنه يتوجب عليه السير بهذا الطريق ...
رغمًا عنه نكس عيناه عن عينيها التعيستين ليلتفت نحو الطاولة حيث جلس والده وأخيه "عيسى" كشهود على العقد بينما بالجانب الآخر جلس والد "نيره" وهي إلى جوار والدتها ...
حاول التنفس بعمق لكن هناك شئ متحشرج بداخله ، غصة عالقة بنفسه وألم بدأ يزداد بمعدته ..
تغاضى عن الألم ليتقدم نحو الشيخ ليجلس إلى جواره لبدء عقد القرآن ...
نظرات مغتبطة تعالت الوجوه لاحظها "رؤوف" جيدًا بينما نظرات "مودة" كانت على النقيض تمامًا ، حتى "غدير" رغم تظاهرها بالسعادة إلا أنها لاحظت نظرات تعيسة بعيون كلا من "رؤوف" و "مودة" فيبدو أن للأمر رابط بين قلبيهما لكن القدر أسقط حكمه وعليهم التنفيذ ...
وقف "معتصم" بنهاية القاعة يناظر إلتفافهم حول المنضدة إستعدادًا لعقد القرآن ليستمع لرسالة واردة بهاتفه أسرع بقراءتها ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
لحظات يناظر تلك الكلمات المرسلة إليه ليتسلل برفق شديد خارجًا من القاعة متجهًا نحو بيت "عهد" الذى أدرك عنوانه جيدًا منذ أن قام بإيصالها الجمعة الماضية بعد إصابته بالمهمة الأخيرة ...
مرت بضع دقائق حتى سُمع صوت الشيخ يقرأ إحدى الآيات القرآنية ببداية حديثه ، نظر "رؤوف" نظرات فزعة تجاه مستقبله الذى يضع الخطوط الأساسية به الآن وإقترانه بـ"نيره" لبقية حياته ...
لحظات من الترقب الفزع ليجد فجأة سواد أعظم يغشو عينيه وإحساس بالبرودة يجتاح جسدة المرتجف كما لو كانت روحه تسحب منه تمامًا ، ودون ان يدري سقط أرضًا فلم يعد لديه القدرة على التحمل ...
صرخات فزعة متتالية من الحضور و هم يناظرون هذا الملقى بالأرضية لينتفض المدعون نحوه ليلتفوا بأعين متخوفة ....
ركزت "منار" بفزع تدنو من ولدها بقلب مرتجف متخوف ...
- "رؤوف" ، مالك يا حبيبي ، فوق يا "رؤوف" ...
لكنه لم يستجب لمحاولتهم مطلقًا ، ليهتف "خالد" على الفور ...
- كلم الإسعاف يا "عيسى" ، مالك يا "رؤوف" ، فوق يا إبني ...؟؟؟
وقفت "نيره" تطالعه بصدمة دون التقدم نحوه لا تدري ما يتوجب عليها فعله الآن لتبقى متيبسة تناظره بأعين متسعة متخوفة للغاية ...
بينما لم تجد "مودة" سوى دموعها المتخوفة على هذا المغشي عليه دون سبب ، إلتلفت مع بقية المدعوين تخشى الإقتراب وإظهار قلقها حتى لا يفضح عشقها المكنون ...
مرت بضع دقائق حضرت بهم سيارة الإسعاف ليتم نقل "رؤوف" إلى المستشفى وتأجيل عقد القرآن حتى يتماثل للشفاء أولًا ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
بيت محفوظ الأسمر ...
يا ليتني عهدت منذ زمن بعيد معنى كلمة أسرة ، فكم هى لشيء لطيف مبهج للقلب ، مجرد أفعال بسيطة تزيد الترابط وتحلق بنا في السماء ...
مجرد تبضع لإحتياجات المنزل كان أملًا بحد ذاته بحياة "وعد" ، عاد ثلاثتهم من السوق يحملون العديد من الأكياس ببهجة كما لو أنها كانت نزهة طويلة ، شعورها بأن زوجها المُحب يشاطرها كل خطواتها لهو أمر يسعد قلبها ، لقد سرق قلبها بأيام قُربه لم تكن تتخيل أنها تحمل له كل تلك المشاعر من قبل ...
توقفوا بتفاجئ حين فتحت "عتاب" باب شقة والديها تناظرهم بأعين حاقدة وحاجب مرفوع وضجيج ملأ رأسها الطويل ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
ظلت تحدجهم بنظراتها المتهكمة قبل أن تتفوه بحديثها اللاذع ...
- طب مش كنتوا تقولوا إنكوا رايحين الهايبر كنت جيت معاكم ، ما إنت عارف يا "محب" إن البيت ناقصة حاجات كتير !!! ...
زمت فمها بصورة مشمئزة وهي تطالع الأكياس بأيديهم لتشعر "وعد" بأن نظراتها إخترقت الأكياس رغم شفافيتها نوعًا لتستكمل "عتاب" بحدة ...
- إيه مش حتدخلوا ولا خايفين آخد حاجة من إللي إنتوا جبتوها ...
رسمت "وعد" إبتسامة باهتة متخوفة من "عتاب" ورد فعلها القاسي لتردف بإضطراب لم تشعر به منذ زواجها من "محب" ...
- لا إزاى ، جايين أهو ، ولو عاوزة كل حاجة إتفضلي أكيد ...
مالت "عتاب" ببسمة متهكمة وهي توسع بخطواتها الجانبية لهم الطريق ليدلفوا نحو الداخل ...
مر "محب" من خلف "وعد" لتتحدث عيون "عتاب" المتسائلة مع عيون "محب" المتحيرة كما لو أنها تريد معرفة إلى ماذا وصل معها ، لكن "محب" إلتفت على الفور تجاه "وعد" حتى لا تنتبه لنظرات "عتاب" ..
وضعت "وعد" بعض الأكياس عن يدها وتلاها "محب" قبل أن تجلس "وعد" تاركة "زين" يلعب مع بنات "عتاب" ..
سارعت "عتاب" بشكواها المستمرة ...
- أمك تعبانة يا "محب" ..
وقف "محب" مجيبًا إياها بما يريحها ..
- أنا إتفقت لها مع دكتورة علاج طبيعي ، حتيجي لها ولو محتاجة معالجة نفسية ممكن هي توصلنا بيها ، إهدي بقى يا "عتاب" (ألقى نظرة نحو "وعد" ليميل هامسًا بأذنها قائلًا ) ، بعد إذن حبيبي ، أنا داخل أطمن على ماما بسرعة وجاي على طول مش حتأخر ...
إبتسمت "وعد" بسعادة متناسية وجود "عتاب" التى كانت تتجول بنظرها بداخل الأكياس تارة وبين "محب" و "وعد" تارة أخرى حتى تحرك "محب" تجاه الغرف ليطمئن على "قسمت" اليوم ...
بعد مرور بعض الوقت كان ثقيلًا مجهدًا لنفس "وعد" للغاية حملت بعض الأكياس بين يديها لكن "محب" رفض ذلك تمامًا قائلًا بمحبة ...
- كفاية شيلتي الأكياس من العربية لحد هنا ، أنا حكمل وأجيبهملك فوق ...
نظرت "وعد" لتلك الأكياس العديدة لتردف بإشفاق ..
- بس دول كتير أوى ، خليني أساعدك شوية ...
رفض "محب" تمامًا بشكل قاطع ليردف بحزم ...
- لأ ، يلا خدي إنتِ "زين" وإطلعي وأنا حجيبهملك ...
رضخت لطلبه لتحمل طفلها الصغير صاعدة درجات السلم بينما تبعها "محب" يحمل كل الأكياس دفعة واحدة غير مبالي بثقلهم فكل ذلك أمام راحتها شيء لا يذكر ...
دلفا لداخل شقتهم فيم وضع "محب" الأكياس بالمطبخ ليستمع لنداء "عتاب" مرة أخرى ...
- يا "محب" ، تعالى ، الدكتورة إللي بتقول عليها جت أهي ...
زفر "محب" مطولًا ليظهر كم هو متملل من "عتاب" وتصرفاتها ليردف بإعتذار ...
- معلش حبيبي ، حنزل أشوف الدكتورة وآجي على طول ..
بتفهم أجابته "وعد" ...
- براحتك يا "محب" ، أنا حغير هدومي وأرتب الحاجات دي في المطبخ عقبال ما تيجي ...
غمز "محب" مداعبًا "وعد" ..
- طب ما أحضر فقرة تغيري هدومك دي وأنزل ...
ضحكت "وعد" بخجل محذرة إياه ...
- إلحق "عتاب" أحسن تطلع تعلق لك المشنقة ..
إنتفض "محب" بمزاح ..
- يا ستار يا رب ، معاكِ حق ، أنا حروح لها ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
خرج "محب" لتبدل "وعد" ملابسها وملابس "زين" على الفور ثم إتجهت للمطبخ لترتب أغراضهم التى إشتروها ، بدأت بإخراج محتويات الأكياس حتى وصلت للكيس الخاص بقوارير العصير الخاص بـ"زين" ...
تهدلت ملامحها وقد بُهتت تمامًا وهي تناظر محتوي الكيس ، فكل ما به قارورات لعصير الكيوي فقط ...
شعرت بتثلج بأطرافها كما لو أن الدماء لم تعد تتدفق بعروقها لتهمس بحشرجة ..
- أنا مجبتش العصير ده ، أنا جبت عصير الفراولة ، أنا مجبتش كيوي !!!!!!!!!!...
رفعت عيناها بإضطراب بالغ حتى كاد جسدها يرتجف من شدة البرودة التى إجتاحتها لتشعر بتباطئ ضربات قلبها هامسة بتفزع ..
- "عاطف" هو إللي بيحب العصير ده ، أنا مجبتش العصير ده ، إزاي جه هنا ؟؟!!!!!!!!!!! ...
تبقى لها أملًا وحيدًا لتشعر بالإطمئنان ، أن يكون "محب" هو من أبدله ...
حملت قارورة من العصير بين كفها المتجمد كما لو كانت تحملة قنبلة موقوتة لترتعش يدها بقوة تنتظر "محب" بالصالة ...
فور سماعها لصوت مفتاح الشقة يفتح الباب نظرت بأعين هلعة تجاه "محب" وقد تهدج صدرها صعودًا وهبوطًا وهي تسأله مباشرة ...
- إنت إللي جبت العصير ده ؟!!!
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
أليس من المفارقة البائسة أن غيابك هو أكثر شئ حاضر بحياتي ، تعودت غيابك حتى أصبح حضورك يؤلمني ، ليتك ظللت بعيدًا حتى لا أتذكر كيف كنت حاضرًا معي ، ليتك بقيت غائبًا ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
وصل "معتصم" لبيت "عهد" بملامح غامضة صامتة ، لا يظهر بها هل هو سعيد بتلك الزيارة أم أنه متضايق منها ...
لم يكن يود أن زيارته الأولى لها تكون بهذا الشكل وبدون موعد أيضًا ...
تفرس المحيط من حوله يستكشف الأجواء فبالتأكيد هناك شيء غامض غير مفهوم بالنسبة له ...
طوال إسبوع مضى تجاوز به آلام جروحه المتفرقة وإبتعد عن عمله بأجازة إجبارية لم يتسني له رؤيتها أو حتى معرفة أية تفاصيل عن إتمام المهمة التى كُلفوا بها ...
لكن تلك الرسالة التي وصلته منذ قليل أثناء عقد قرآن "رؤوف" جعلته يتحرك على الفور للتأكد من فحواها والأهم من ذلك من الذي أرسلها ...
كان فحوى الرسالة ...
[ لو "عهد" تهمك أوي روح لها دلوقتِ وإنت حتشوف منظر عمرك ما كنت تتخيله ] ..
رسالة مُبهمة لكنه خشي عليها وتخوف من أن يصيبها أحدهم بمكروه ، لكن يبقى السؤال الذي يسبب له الضجيج برأسه ، من أين علم صاحب الرسالة بأنه يهتم لأمر "عهد" حتى يرسل له رسالة كتلك !!!!!!...
رغم شكوكه التى بدأت تراوده إلا أنه صعد نحو الطابق العاشر كما علم من حارس العقار ...
كضابط متمرس وضع الحذر بخطواته الأولى لحمايتها وحماية نفسه أيضًا من أى غدر يحل بهما ...
وصل "معتصم" للطابق العاشر متجولًا بعيناه الثاقبة تجاه أبواب الشقق ليتجه صوب إحداهم ظنًا منه بأنه باب شقتها ، فجميع الأبواب ذات لون خشبي فاتح إلا هذا الباب الأسود قاتم اللون ...
دق جرس الباب مُتحفزًا لمن يفتحه كما لو كان بمداهمة بإحدى مهماته الخطرة ...
لكن رؤيته لها كانت لها وقع آخر ، تناسى تخوفه وشكوكه وإنصب تركيزه بها هي فقط ، متوحشته سارقة قلبه ، سرعان ما زادت دقات قلبه حين وقعت عيناه عليها ، عسليتاها الناعستان ثبتتا نحوه بإندهاش لوجوده ليطيح بهدوئها فها هو متجسدًا بشخصه أمامها ...
طالت نظرة إشتياق بين كلاهما لتتسائل "عهد" بإستغراب ...
- "معتصم" ...؟!!!
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
وجوده معها بتلك اللحظة كانت أقصى ما يتمنى بالفعل ، تلاشى بعقله تركيزه المنصب بعمله فقط وإحتلت تلك الحسناء كل جوارحه ، هام بحُسنها بتلك اللحظة تحديدًا فلم تعد المتوحشة الشرسة ، بل كانت هادئة وديعة للغاية ...
هل يخدع نفسه أم يخدعها إنه لم يعشق غيرها ، لقد إستولت على عقله وقلبه معًا ، تلك الفريدة من نوعها التي يرضخ هذا الشامخ لها وهو راضي وسعيد بذلك بل وسيساعدها على إستسلام قلبه لها ..
نطق أخيرًا بإشتياق لرؤيتها ...
- وحشتيني ...
إنها كلمة واحدة ، لم قلبت كيانها لمجرد سبعة أحرف نطق بها ، زُلزلَ قلبها بقوة يدق بإنفعال إرتجف له جسدها ...
تهدجت أنفاسها بوجوده أمامها لكنها شعرت بالتوجس من وجوده بشقتها بهذا الوقت المتأخر ، فما هي نواياه الآن ...
خشيت على نفسها من وجوده فإما ستنساق له وهذا أمر مرفوض ، أو ستهتز من داخلها وترضخ لقلبها الذى أعلن تمرده فور رؤيته ...
بنظرة قلقة تساءلت "عهد" ..
- إنت جاي ليه دلوقتِ ، وإزاي تيجي لي بيتي بالشكل ده ...؟!!
إنها محقة تمامًا فماذا ستظن به الآن ؟؟ بالتأكيد ستظن أنه يخالها من هؤلاء المنحلات اللاتي يعشن بمفردهن ويفعلون ما يحلوا لهم دون رقيب أو حسيب ...!!!
كان لابد وأن يوضح لها الأمر ويخبرها بأمر الرسالة و الشك الذى إنتابه منها ومن مُرسلها ، هَمَّ أن يُخرج هاتفه ليوضح لها الأمر حين شعر بدَفعةِ أحدهم له من ظهره ليدلف لداخل الشقة كما لو كان مالكها ...
إحتد وجه "معتصم" بقوة وكاد يهتف بإنفعال بهذا الشخص لكن عيناه لم تسعه تصديق ما يرى ...
لقد سحب هذا الشخص "عهد" بين ذراعيه يطوقها بهما بقوة ليزيد من إحتضانه لها قائلًا ...
- وحشتيني أوي يا "عهد" ...
صدمة مقلتيها وهي متيبسة من شدة تفاجئها وهي تردف بذعر ..
- إنت ..!!!!!!!!
ويبقى للأحداث بقية ،،،
✨ فضلًا إذا أعجبتكم الرواية شاركوا الفصل بصفحاتكم منعًا لسرقة مجهودي و توثيق حقي بها ولا تنسوا لايك و كومنت كتقدير منكم لمجهودي بكتابة الرواية ✨
•تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2" اضغط على اسم الرواية