رواية قارب الموت كاملة بقلم مريم الجنيدي عبر مدونة دليل الروايات
رواية قارب الموت الفصل الاول 1
« ١-عين حسودة»
ألتفت إتجاه الباب وهو يخلع مريوله، ليقابل صديقه شهاب أمامه وهو يلهث آثر ركضه
"فى إى مالك؟"
تحدث شهاب بتوتر مرتبك
"باهى ممكن طلب، أنا لازم أروح البيت فى مشكلة، صدقنى مش هتأخر، تلت ساعات بالكتير أوى، تبقى مكانى فى الشيفت"
زفر باهى بحنق وهو يتمتم "أنت جاى و أنا مروح، دى الإجازة بتاعتى"
نظر الآخر له برجاء "معلش يا باهى، مش هتأخر والله، تلت ساعات بالكتير، هخلص المشكلة دى و أجى على طول"
تنهد باهى بعدما رأى خوف الآخر يظهر بوضوح على وجهه، ليربط على كتفه بموافقة
"روح، لو أتأخرت دقيقه هزعلك، أنا عايز الحق الأجازة"
ضرب شهاب على صدر باهى بأمتنان وهو يتحرك بسرعة للخارج
"ليك واحدة عندى"
عاد باهى لربط المريول على خصره مرة أخرى ثم أخرج هاتفه ليرسل رساله سريعة بحروف مشتاقة و تهفوا للطيران إلى بيته بكل سرعة
"أسف مش هعرف أوصل دلوقتى، هوصل متأخر، اوعدك هعوضك"
وصله الرد بنفس الدقيقة بحروف حزينه خطت بأنامل رقيقة، وكأنه استمع لصوتها الحزين وليس فقط قراءة مجرد كلمات
"باهى أنت غايب بقالك أسبوعين، كمان عايز تتأخر عن كدة كمان"
عقد حاجبية بضيق وهو يرد بحزن "غصب عنى، إن شاء الله مش هتأخر غير ساعتين تلاته، هعوضك"
وصلته رساله أخرى "أنا اللى عملالك مفاجأة، مش قادرة أصبر أكتر من كدة، لازم تشوفها"
أبتسم بسعادة حالمة و فضول لم يستطيع أن يداريه
"طب ادينى نبذة عقبال ما أوصل"
"لا لازم تشوفها بنفسك مينفعش أقولها، مستنياك، متتأخرش"
رد على الرساله بقلبين باللون الأحمر ثم أغلق الهاتف وعاد لمكان صديقة شهاب ليشرع فى بدأ العمل
يدة تعمل بسرعة و مهارة عالية، بينما عقلة فى مكان أخر بعيد عن هذا العمل، يفكر بكل شئ حدث معه، بداية من أول عمل بدأ به، حتى الآن لا يستطيع حزم عدد الأعمال الذى عمل بها فهو يكاد يكون عمل بكل شئ، منذ الصغر وهو يعتمد على نفسه يعمل بالعديد من الوظائف حتى بجانب الدراسة، يشعر بالمسؤولية اتجاة كل شئ، فهو لم يكن يوماً شاب هزلى لعوب يعتمد على والده، بل إنه يحب العمل و كسب المال بجهدة، حتى أنه استطاع الزواج فى سن صغير، و بالتفكير عن الزواج أبتسم بتلقائية وهو يتذكرها، وبمجرد تذكرها عاد للعمل بسرعة أكبر وهو ينظر لعقارب الساعة مرة أخرى يتمنى أن تمر الثلاث ساعات بسرعة الريح، حتى يستطيع العودة.
========================
بأحد الشقق البسيطة بمحافظة الشرقية
كان يجلس أمام جهاز الكمبيوتر وهو يتحدث بعصبية محدثاً رفيقة فى اللعبة الالكترونية التى استحوذت على عقول الشباب، وجعلتهم يعيشون فى العالم الافتراضي أكثر من الواقع، جعلت الإدرينالين دائماً عالياً فى دمهم متعصبين و مشتتين، العنف هو أسلوبهم فى اللعبه مما جعل اللعبه تبهت على الواقع فيصبح أسلوبهم فى العموم الهمجية و العنف
"أنت يابنى، روحت فين و سايبنى أضرب عليهم بسرعة هموت"
انفتح باب الغرفة بعنف و صوت والدة يدوى فى الغرفة
"أنت يابنى أطفى الزفت دة و قوم صلى"
التفاتة سريعه منه ثم عودة تركيزة للشاشة وهو يردف بدون إهتمام
"حاضر يا بابا، نخلص الجيم دة و أقوم"
نظر له والدة بحده وهو يقترب ليضربه على كتفه الأيسر
"لا قوم صلى الأول، أنت كل شوية تقول كدة و بتنسى نفسك"
زفر وهو يقلب اعينه بملل يتمنى أن ينتهى هذا الحوار بسرعة، فقط إستاء لهذا المعتاد
"يا بابا قولتلك هخلص الجيم دة و هقوم"
مد والده يدة بكل سهولة مغلقاً الجهاز، لينظر الآخر بصدمه للشاشة السوداء، ثم انتفض يصرخ بغضب
"لى كدة، أنا قولت هخلص و أقوم اصلى"
رفع والده إصبعه السبابة مشيراً له بتحذير
"وطى صوتك و أنت بتتكلم معايا، و لما أقولك قوم صلى تقوم تصلى على طول، لو مت وربنا سألك مصلتش لى هتقول اصل كنت بلعب؟"
صرخ بغضب وهو يركل بقدمه الكرسى الذى يجلس عليه
" أنا زهقت من الكلام دة بقا، إى المشكلة يعنى لما اخلص و أقوم اصلى، أنا أصلاً مش عايز اصلى"
شعر والده أن العالم يدور به ليردف بصدمة
"أنت بتقول إى! مش عايز تصلى! لى كافر"
هز اكتافة بلامبالاة
" أنا بحس أن الصلاة كأن ورايا واجب ولازم أعمله عشان اخلص منه، مش عشان أنا عايز اصلى، مش شايف أن برتاح أصلاً، ممكن بقا تفكك منى"
انقبض صدرة من هذا الكلام الخطير، إبنه هو لا يرى فى الصلاه فائدة يفعلها مجبراً ليتخلص منها، هو بالكاد يفعلها أصلاً، هل أبتعد عن إبنه ليكون بهذا السوء، هل قصر فى تربيته
أردف بتلعثم
"أنت ازاى بقيت كدة، أنت بتتكلم بجد، أنت أى فيدتك من الحياة اصلاً!!!"
"يوه مش هنخلص بقا من الكلام دى، أنا سيبهالك و خارج"
خرج من الغرفة ضارباً الباب بعنف، لينظر والده فى أثره بصدمة غير مستوعب كلام إبنه، شعر بأنه نزل عليه كالصاعقه ضارباً بكل معاير الواقع و الخيال، ارتخت أعصابه وسقط جالساً على الفراش بذهول
همس بعدم تصديق
"عمار!!"
=============
بعد أربع ساعات عاد لبيته أخيراً، فتح الباب بأصابع ملهوفه وهو ينادى بصوت سعيد
" حبيبتى، أنا رجعت"
صمت باستغراب وهو يلتفت حوله بخيبه أمل بعدما وجد البيت يغوص فى الظلمة
لكن ما لفت نظرة على منضدة السفرة كانت شمعة مشتعلة و بجانبها ورقة فوقها وردة و بجانبها شئ آخر لا يعلم ما هذا، اقترب بتعجب منها ليقراء ما بها، ظل قليلاً يحاول استيعاب الحروف البسيطة المكتوبة غير مصدقاً لما قراءة شعر برجفة تمر على جسدة و طبقة شفافة تتجمع بأعينه
ليأتى صوت من خلفه يؤكد على الكلمات المكتوبة
"مستعد يا بابا ليا!"
هل ما يعيشة واقع أم خيال لا يستطيع التحديد أو الحزم فى هذا الشأن، هذا أكثر مما تمنى فقد وهبه الله بيت ثم شريكه حياة ثم سيرزقة بطفل أصبح الآن نطفه فى رحمها.
فى اليوم التالى كان يقف فى المطبخ يعد الغداء بكل رحابة صدر ولا يسع البيت لاجنحته السعيدة
فكرة أنه سيكون أب تجعله يكاد يطير فرحاً، يفكر بكل شئ، و أهمها كيف سيوفر له حياة كريمة!؟
أتسعت ابتسامته وهو يتخيل أن يكون له ابن يعلمه بنفسه كل شىء، يجعل منه رجلاً يشد ازره مثلما علمه والده، نفخ اودجته بفخر من مجرد التخيل.
يريد العمل ليل نهار حتى يستطيع أن يوفر للصغير القادم حياة جيدة ولا ينقصه فيها شئ، رغم صعوبة المعيشة لكنه لن ييأس، فالكد و العمل هو اساسه الذى تربى عليه ولا يمل منه، فلن يكون باهى الشرقاوى إن لم يعمل بكفاح يدير عجلة الحياة بكل مهارة و ذكاء و كل هذا بثقته أن الله سيرزقه من حيث لا يحتسب.
=====================
تقدم باهى بخطوات هادئة للمقهى الذى يجلس به مع أصدقائه بملامح هادئه مستكينة
ألقى السلام على أصدقائه ثم جلس معهم ليرتفع صوت أحدهم بنبرة مازحة لكن فاح منها الحقد بوضوح
"معتش حد بيشوفك على طول فى الشغل بقا، سمعت إنك هتترقى لاعبه"
أبتسم باهى بلا إهتمام لكلامه ورد بهدوء معقباً
"أكيد هكون فى الشغل أنا ملزوم ببيت و ورايا التزامات دلوقتى"
رد صديقه مره أخرى بخبث
"أيوة بقا يا عم ما أنت متجوز و محدش قدك"
عقب صديق آخر له بسخرية مبطنة وهو يتعمد إحراجه
"أى يا جمال الواد هيموت من قرك عليه صلى على النبي فى قلبك"
رفع جمال إحدى حاجبيه بسخرية وهو يبتسم ابتسامه متجمده ظهر زيفها بوضوح لأعينهم جميعاً
"يا عم هحسده على إى هو حد يروح للنكد برجليه!!.
تجاهل باهى هذا الحديث العقيم منهم ثم رفع صوته لصبى المقهى كى يجلب له كوب شاى
عرض صديقه الثالث الذى كان يجلس بصمت عقب سيجارة على باهى وهو ينغزه
"خد روق يا عم وسيبك من كلامه"
رفض باهى و هو ينظر للسيجارة باشمئزاز
"شكراً يا عم ما أنت عارف أن مش بدخن"
ضحك الاخر بابتزال وهو يشعل السيجارة بعدما وضعها بين شفتيه وتحدث بمهاره و عقب السيجارة يتحرك مع شفتيه دون أن يسقط
"الحق عليا عايزك تروق، عنك يا عم"
زفر باهى بعدم راحة وهو يشعر باختناق من هذه الجلسة، أراد الإنسحاب و العودة لدفئ منزله بدلاً من هؤلاء الحمقى الغير مجدين
ارتشف نصف كوب الشاى ثم وقف يردف بجدية
"يلا أنا همشى بقا عشان اللحق أقعد مع الحاج شوية"
رفع صديقه الذى عرض عليه السجائر رأسه بدهشة
" أنت لحقت يابنى! اقعد معانا شوية إحنا مش بنلحق نشوفك"
ربت باهى على كتفه "هبقى أشوفكوا بكرا بس عشان الحاج مجدى ميزعلش، يلا مع السلامه"
بعد رحيله أردف جمال بحسره
"بيضاله فى القفص ابن المحظوظة"
نهره الآخر بحده
"اى يا عم الكلام دة، دة إحنا اكتر ناس عارفين هو تعب قد اى فى حياته و بدأها من تحت، متولدش فى بقه معلقه دهب يعنى"
نظر له جمال بطرف أعينه بضيق
"طب بص يا فالح هو بقا فين و إحنا فين، هو اتجوز و شغال فى فندق كبير و هيترقى و عنده شقته الملك، إنما إحنا يا خيبتها معمرناش فى شغلانه أسبوع، هى بتبقى حظوظ"
نظر الآخر له بدهشه مستنكراً مدى حقده على الآخر ليحرك رأسه بذهول وهو يردف بضيق شديد
"الشقه اللى بتتكلم عنها دى هو نحت فى الصخر عشان يشطبها و يتجوز فيها، و الشغلانة اللى عينك فيها دى برضو هو بدأها من تحت من شيف فى مطعم صغير، مفيش حاجة اسمها حظ اسمه ربنا بيعوض صبره و اجتهاده، الحظوظ دى شماعة للى زيك بيعلق عليها خبته لما يبقى مناخيره فى السما و مش راضى بنصيبه و عايزه أول ما يشتغل يبقى وزير، أنا ماشى أنا كمان سلام"
فى طريق العودة كان شارداً فى مستقبلة، يرسم خططاً كثيرة لكي يصبح وضعه المادى و الاجتماعى أفضل وما يشجعه على هذا هو النطفة الموجودة برحم زوجته و الذى بين اليلة و ضحاها سيكون فى هذه الدنيا يملى عليه حياته.
ارتد للخلف أثر دفعه من شخص يمر بعصبيه من جواره ليلتفت الشخص صائحاً لكنه قطع كلامه بدهشه
"مش تفتح...باهى ازيك عامل إى!"
أبتسم باهى تلك الابتسامة الهادئه التى يتميز بها
"عمار اى الأخبار مالك ماشى مش طايق نفسك لى كدة!"
زفر عمار وهو يعبث برأسه
"مفيش شوية مشاكل متشغلش بالك، المهم أخبارك إى"
أومأ باهى برضى "تمام الحمد لله"
رسم عمار بسمه مغتصبه بسبب ما يعانيه ثم أردف بنبره صادقة
" مضطر امشى دلوقتى بس خلينا نشوفك و خلى بالك من نفسك"
رحل باهى وهو يفكر فى عمار المعروف عنه فى قريته أنها مشاغب سئ الخلق كثير المشاكل، عراكه مع والده لا ينتهى، يسمعه كل من فى القرية من صراخ بينهم
عاد باهى للبيت بخطوات تكاد تطير لكن قبل الصعود لمنزله الخاص دخل يجلس مع أهله و قد وجد زوجته كذلك بالداخل فجلس باستمتاع مستكين ينعم بهذه الأجواء قبل أن يعود للعمل و الغرفة الباردة التى يقيم بها من أجل عمله.
==================
بعد يومين
وقف ينظر أمامه ينتظر مرور شاحنات النقل الضخمة لداخل المخازن عقد ذراعيه يتابع دخولها وهو يكاد يغلى من معامله والده السيئه فهو ينكر كل جهده المبذول فى العمل، على الرغم أنه هو من يدير كل أعمال والده التجارية
رفع اعينه يتابع دخول الشاحنات و تفريغ العمال ما بها
أقترب المسؤول عن المخزن يحيه بصوت لطيف
"عبد الرحمن أخبارك إى!"
التفت له عبدالرحمن ببنيته الضخمه الرياضية يرد التحيه
"تمام يا حسين اى أخبارك"
"بخير يا ريس والله، أخبار الحاج اى!"
أبتسم عبد الله ابتسامة باهتة "بخير يا حسين"
وضع عين يده ياريت على ساعد عبد الرحمن الذى مازال يقيده أمام صدرة
"ربنا يطولنا فى عمره، عن إذنك هروح أتابع العمال"
أوما له عبد الرحمن بهدوء ثم ألتفت مره أخرى بعد رحيله يتابع العمل من بعيد وهو يزفر كل دقيقة و الأخرى ثم يستغفر بعدها
شرد فى حياته المتداخلة لا يستطيع أن يحدد له وجهه محددة للمضى بها قدماً، فلا منه استطاع بناء عمل خاص به، و من جهه أخرى والده يقيدة فى هذا العمل الذى لا يترك فرصة إلا و ذكره بمدى شقائه فى بناءه ويرفض رفض قاطع على أن يترك عملة معه وبناء عمل خاص به
تنهد باستياء بعد كل هذا والده لا يرضى على عملة ولا يعطية ما يستحقه من أموال، يرفض حتى أن يمارس هوايته المفضلة وهى السباحة على الرغم من أنه ماهر بها لدرجة جعلته مطلوب فى مسابقات عالمية لكن أيضاً والده رفض أن يدخل بها معللاً أنها تفاهات تضيع الوقت، و العمل أولى بجهده و وقته.
استفاق من شرودة على خروج أول شاحنة من المخزن ليفرد ذراعة بجانبه ويتحرج اتجاه المكتب ملتقط الأوراق من فوقه ثم ألقى السلام على حسين وهو يردف بجدية
"أول ما البضاعة كلها تروح على المحلات كلمنى يا حسين، مش عايز تأخير على التُجار"
أومأ له حسين وهو يؤكد عليه أن العمل سيسير بسلام ليتجه عبدالرحمن بعد ذلك إلى سيارته مغادراً المكان.
دخل المكتب على والده وهو يلقى السلام باحترام من شيمه الحسن، نظر له والده بابتسامة بسيطة وهو يجلس على كرسيه بشموخ خلف المكتب العتيق الذى يرفض التفريط به مما زاده هيبه ووقار ارتسمت على ملامحه العميقة الصارمة
"استلمت الشحنة يا عبدالرحمن!"
أومأ له بهدوء وهو يضع الورق أمامه على المكتب
"آه يا حاج و دة الورق بتاعه و هيتوزع للتجار و المحلات متقلقش"
أومأ له والده بهدوء وهو يحرك حبات السبحه فى يده ببطئ
"جدع يا عبدالرحمن، روح بقا يلا على المخزن التانى عشان الشحنة التانية هتوصل كمان ساعة يادوب تستلمها"
أغمض عبد الرحمن أعينه بضيق وهو يتمتم
"طب هروح استريح يا حاج شوية عقبال ما توصل"
عقد والده حاجبيه بجدية وحزم
"استلم الشحنة الأول و تعالى استريح قبل ما تسافر شوية"
أتسعت أعينه بدهشه وهو يردف بضيق
"أسافر فين! يا حاج أنا بقالى يومين منمتش أصلاً"
رد والده ببساطة مستفزه
"هتروح تخلص المصلحة دى بسرعة و ترجع، مش عايزها تروح من أيدينا وبعدين اسكندرية مش بعيدة يعنى ساعتين تلاته بالكتير، وبعدين قولتلك ريح شوية قبل ما تسافر"
مسح عبدالرحمن على وجهه بحركات متشنجة يحاول فيها كبت غضبه
"طب خلى حد يروح مكانى"
ضرب والده على المكتب بعصبية
"مين هيروح مكانك!! أنت ابنى الوحيد ولا عايزنى يعنى أروح اجيب حد من اخواتك البنات يروح مكانك، و متقوليش حد غريب، أنت عارف أن مستحيل هأمن لحد غريب يروح يخلص مصلحة زى دى، الكلام انتهى يا عبدالرحمن هتروح تتستلم البضاعة دى وتيجى تسافر باليل لاسكندرية"
ألتفت يضرب الأرض بخطوات غاضبه تكاد ينفجر رأسه من الصداع و كتمه لغضبه بداخله يركب السيارة مغلقاً الباب بعنف خلفة ثم قبض على المقود يضغط عليه بحده حتى ابيضت قبضتاه متنفساً بسرعة و غضب شديد حتى تحولت أعينه لحمراء، لكن كل هذا وفى النهاية لن يستطيع مخالفة أمر والده.
=====================
فى أحد محلات الملابس النسائية
وقف شاب فى نهايه العشرينات يرتب الملابس مره أخرى فى مكانها بصبر بعد أن رحلت إحدى الزبائن
ألتفت على نداء صاحب المحل
"عُبيدة تعالى عايزك"
تقدم عُبيدة باحترام لصاحب المحل الكبير فى السن يردف بلهجة مصرية يشوبها لهجته السورية الأصلية
"تكرم عيونك، تؤمرنى ب إى"
تنهد صاحب المحل بهم ثم نكس رأسه بقلة حيلة
"زى ما أنت شايف يابنى الحال واقف ازاى، و الإيراد على القد خالص، و السوق نايم، فمعلش قبض الأسبوع دة هيبقى قليل مش زى كل مره"
تجمد عبيدة مكانه ثم ابتسم بهدوء وربت على كتف الرجل بحنان
"ولا يهمك معلم، الله يرزق، ما تحمل هم خير إن شاء الله"
أبتسم الرجل بإحراج
"متزعلش يابنى غصب عنى، أنا مش هاين عليا أقولك أمشى والله ربنا يصلح الحال يارب"
رد عبيدة بإحراج "ولا يهمك معلم خير إن شاء الله، عن إذنك"
خرج عبيدة يقف على باب المحل ينظر للمارة وقد شعر بضيق صدره من سوء أحواله المادية لكنه مؤمن أن الفرج قريب أخرج هاتفه يجيب على المتصل بعدما ارتفع الرنين يخرجه من شرودة
"إى يا حبيبى وينك، ....ماشى يا بابا بستناك فى المحل"
أغلق الهاتف وهو يمسد على وجهه بيستغفر ربه لا يعلم من أين يأتي بأموال تعليم أخته الصغيرة و التى لم يتبقى سواها له فى الحياة
بعد نصف ساعة تقدمت فتاه بالتاسعة عشر و ابتسامة مشرقة بخطوات واسعة لتقول بصوتها الصبوح
"السلام عليكم عبيدة إى أخبارك انهاردة ملحقتش أشوفك الصبح قبل ما أنزل"
أبتسم عبيدة لشقيقته الصغيرة التى أصبحت تتحدث اللهجة المصرية بطلاقة دون أن تخلطها مع السورية عكسة فهو لم يستطع حتى الآن التحدث بالمصرية فقط مازال يخلط الكلمات و إن كانت السورية هى الغالبة على كلامها
"ولا يهمك يا بابا خلصتى المحاضرات!"
أومأت له ثم ابتسمت بخجل وهى تفرك أصابعها، ليربت على شعرها مشجعاً إياها لتتحدث
"قولى يا بابا إيش بدك "
نظرت للأرض بخجل
"بصراحة عايزة مصاريف الكلية الترم قرب يخلص و لسه مدفعتش المصاريف"
تنهد عبيدة وقد شعر برصاصة تصيب قلبه بعجز لا مثيل لها لكنه لم يظهر هذا بل ربت على رأسها بحنان
"ماشى يا بابا، راح أعطيكِ المصارى بيوم السبت لا تحملى هم شي"
احتضنت ذراعة بسعادة وهى تبتسم باتساع وقد ظهرت أسنانها المصفوفه و تنغلق أعينها العسليه بأهدابها الطويلة
"ربنا يخليك ليا يارب"
أشار لها برأسه
"يلا على البيت وأنا بخلص و أجى، يلا لا تتأخرى"
ابتعدت تومأ فى طاعة لتتحرك مبتعدة لينادى عليها يستوقفها وهو يردف بقلق لا يذهب عنه
"سيلا طمنينى لما توصلى حبيبتى"
أشارت له بإصبع الإبهام بمعنى تمام بينما بقى هو يتطلع فى أثرها و سنين عمره الماضية تدور فى رأسه ما بين الحرب و الهروب و حماية شقيقته فى رحلته الشاقة حتى وصول الإثنين إلى مصر لتبدأ رحلة أخرى من الشقاء لا تنتهى.
==================
نظر باهى لعيون زوجته الدامعة وهى تطالعة وهو يرتب اشياءه استعداداً للعودة إلى العمل بعد ثلاثة أيام إجازة قضاها معها
ليتقدم منها يكوب وجهها بحنان
"طب بتعيطى لى دلوقتى مش إنتِ عارفة أن لازم أمشى!"
أومأت له ثم قالت وهى تحاول أن تبتسم رغم حزنها
"أيوة بس مش عارفة حاسه المرة دى مش عايزاك تمشى، مينفعش تاخد يوم أجازة كمان"
أبتسم لها وهو يردف بجدية رغم الحنان الظاهر بصوته
"أنتِ ناسيه أن فى باشا جاى فى الطريق ولا أى لازم مينفعش استهتار فى الشغل خالص دلوقتى"
أومأت له بتفهم ثم تمسكت بيده و شعور بالخوف يلازمها "مش عارفة قلبى مقبوض ليه، خير يارب، خلى بالك من نفسك يا باهى، طمنى عليك أول ما توصل"
قبل رأسها برفق
"متخافيش خير بأذن الله، خلى بالك من نفسك، متتعبيش نفسك، أنا عملت أكل و سبته فى التلاجة على التسخين بس، لو احتاجتى أى حاجة كلمينى، ولو الفلوس خلصت قوليلى ماشى!"
أومأت له وهى تعانقة
خرج من باب المنزل وهو يحمل حقيبته على ظهرة يمضى فى طريقة لكن هذه المرة لديه طاقة للعمل بكل جهده فقد تحقق حلمة و بعد بضعة أشهر سيأتى قطعة صغيرة منه لطالما حلم بهذا اليوم السعادة التى تغمر قلبه تجعله أكثر خفة وعلى إستعداد للتحليق فى السماء أو الصراخ بعلوا صوته أنه سيصبح أب لكنه أستمع لتحذيرات والدته بأن لا يخبر أحد الآن.
نظر لساعة يده لتتسع أعينه بصدمة فقد تأخر على موعد الحافله التى سيذهب بها الى القاهرة لم يكن أمامه حل سوى أن يستقل دراجته النارية للسفر بها فالقاهرة لا تبتعد كثيراً عن قريته ساعة و سيصل، تنهد وهو يسمى بالله فعلى الرغم من رفضه السفر بالدراجه و خصوصاً فى الليل لكن لم يعد هناك رفاهيه إختيار أمامه
ارتدى خوذة الأمان همس وهو يستعد
"والله لو حد عرف أن سافرت بيكِ ما هيحلونى، يلا بسم الله توكلنا على الله"
كان كل شئ جيد و كاد يقترب من القاهرة إلا ما حدث فجأة جعل قلبه يكاد يتوقف
وهو يقود بكل ثبات شعر فجأة بالسيارة جانبه تصدمة بكل قوتها ليطيح من على الدرجة مسافة كبيرة و يطيح معه كل احلامة لم يشعر بشئ سوى أنه يطير فى الهواء ثم ارتد بكل قوته على شئ قاسى فتت عظامة و من فوقه شئ ثقيل يقع على رأسه و بعدها لم يعد يشعر بشئ وقد ابتلعته الظلمة.
قبل نصف ساعة
إستقل عبد الرحمن السيارة بأعين حمراء و جسد مرهق مقدرته أبعد ما يكون عن السفر فاجفانه تكاد تنغلق من شدة الإرهاق، لكن إصرار والده على السفر الآن لم يستطيع أن يعارضه فلبى طلبه و أستعد للسفر
وعلى الطريق الدولى تملكته رغبه شديدة فى النوم و تداخلت اضواء السيارات أمامه ببعضها فاختلت عجلة القيادة بين يدية لم يستفيق إلا على صدمة قوية بشئ أمامة جعلته يدعس الفرامل بسرعة مما جعل السيارة تنقلب عدة مرات و من أمامه الشخص الذى صدمة و قد غرق الاثنين فى دمائهم.
اغمض عبدالرحمن جفونه و استمع لصوت مشوش يأتى من بعيد
"يا ساتر يا رب، حد يتصل بالاسعاف، شوفوا اللى طار من على المكنه دة بسرعة، استر يارب و نجيهم"
إلى اللقاء في الحلقه القادمة
Welcome back sugars🤎
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية قارب الموت) اسم الرواية