Ads by Google X

رواية ظننتك قلبي الفصل الخامس عشر 15 - بقلم قوت القلوب

الصفحة الرئيسية

 رواية ظننتك قلبي الفصل الخامس عشر 15 - بقلم قوت القلوب 

( الفصل الخامس عشر )
لا شيء أوضح مما يحاول الإنسان إخفائه ، هناك صورة تخدع الأعين أحيانًا لكن الحقيقة تغلب بظهورها ، فحتى وإن حاولت الظهور بمظهر عادي فلا تنسى أنك ياقوت أسود ، حجر مميز لا يمكنه أن يتواري بسهولة ....
فالذهب يظل ذهب والياقوت يظل ياقوت ، والتراب يظل تراب ..
فمهما حاولت إخفاء حقيقتك إلا أن الأصل غالب ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
ثبات قوي ، حدة وبراعة وقوة ، ذلك الشموخ الذي لابد أنه متأصلًا به ، لا يدعيه بالمرة ، وقف "معتصم" بوجهٍ صارم يتطلع نحو "كاتينا" التي أُرديت قتيلة بلمح البصر ، كما لو كان قناص بارع ، لم يهتز ذِراعه ولم يُخطئ هدفه ، زاغت عين "عهد" نحو "كاتينا" أولًا حينما سقطت بدون حراك ثم عادت بعينين مدهوشتين تجاه "معتصم" وقد إتسعت مقلتيها بإندهاش ...

تفاجئ وصدمة غير متوقعة سببت لها حالة من التشويش لكنها عادت لتركيزها لتسأله بشك ...
- إنت إزاي ضربتها بالدقة دي ...؟!! و إنت أصلًا جبت المسدس ده منين ... ؟!! 
هي تدرك جيدًا أنه لم يكن يحمل أي سلاح فمن أين أتى به ...؟! 
تحركت مقلتيه أخيرًا لينظر تجاهها بنظراته العميقة ، تلك النظرات التي أثارت تساؤلها منذ رؤيتها له ، ليزداد غموضه كلغز صعب الحل أجهد عقلها المتقد ...
أردف "معتصم" براحة وهو يزفر بهدوء كما لو أنه لم يسمع تساؤلها المندهش ...
- شكرًا على إنقاذِك ليا منها ..
بجمود حاولت "عهد" إظهار ثباتها رغم تشتتها بمشاعر مضطربة تجاه هذا الغامض ، أجابته بعملية ...
- لا ما تشكرنيش ... ده واجبي ...
إجابة غامضة للغاية لكن ملامحها كانت هادئة بشكل يسير القلق وهو يجيبها بهدوء أعصاب وبرود تام ليس كمن قَتل منذ لحظات ...
- لا مش واجب ... تعرفي إنك عامله زي البحر بعيدة أوي ... وعميقة قوي ... ممكن لو حد على الشط ما يعرفش أبدًا إيه إللي جواه ...
هزت "عهد" رأسها بعدم إدراك لمقصده لتجيبه متسائله ...
- قصدك إيه ...؟!!
إستدار بكامل جسده نحوها مجيبًا إياها بوضوح ...
- قصدي إن ورا قناع الدبش ده ... والسواد إللي إنتِ معيشة نفسِك فيه مخبيه حد ثاني جواكِ ... حد ضعيف أوي ... حد مش عايز تظهريه ... إنتِ مختلفة بشكل عجيب ..
رغم إصابته للحقيقة وهشاشتها التي تخفيها بداخلها إلا أنها تعاملت مع الأمر كمجاملة لا أكثر ...
- شكرًا برضه ... عارفة إنك بتجامل ... أنا عارفه نفسي كويس .. بس ده مش حيشتتني ولا أنسى اللي عايزاه ... وهو إني أعرف إنت ده جبت المسدس ده منين ...؟؟! وإزاي إنت بتضرب بالدقة دي ... زي ما تكون واخد على التعامل مع السلاح ...؟؟!
بطريقته الغير واضحة ، لم يحبذ إيضاح الأمر لها ليجيبها مشتتًا إياها ...
- سيبك من المسدس ... أنا عاوز أقول لِك أن أنا فعلًا منبهر بيكِ ... أنا طول عمري مفيش بنت لفتت إنتباهي بالشكل ده ... على فكرة إنتِ جميلة .. و بشكل يخوف كمان ...
إستطاع بسهولة تشتيتها وزلزلة كيانها لتقف كالطفله التي وقعت بحيرة ، خاصة وهو ينتظر منها إجابة ، كيف ؟؟ وهي لا تستطيع أن تجيبه ، إنها تختبر هذا الشعور لأول مرة ، لا تدرك بما عليها التفوه به الآن ...
ذلك الإضطراب الذي جعلها تتشتت بسهوله وتنكس عينها نحو "كاتينا" متهربة من عيناه المحدقتين بها تتمنى لو أن تنشق الأرض وتبتلعها من هذا اللقاء الذي لم تَحسبُ له حساب ...
لم تجد بُدا من إظهار روحها المشاكسة متهربة من كلماته المتغزلة ونظرات عيناه المسلطة نحوها لتشير نحو "كاتينا" ساخرة ...
- ولا بنت لفتت إنتباهك ....!!!! أمال دي إيه ... هدية ماما في عيد الأم ....؟!! 
بتهكم إضطر "معتصم" إجابة مشاكستها له ....
- لا دي حكاية تانية خالص ...
تطلع بهيام بعينيها الناعستين حين عادت بهما نحو خاصيته ، ليجد "معتصم" أن الطريق أصبح سهلًا ممهدًا ولن يتراجع عنه الآن ...
لن يترك فتاة مثلها بعد أن ظن أنه لن يجد من تَغلُب قلبه وعقله معًا ....
- أنا واحد شغلي أهم حاجة في حياتي ... إنت لخبطتيني أوي من ساعة ما جيتي ... شغلتي تفكيري بإني إزاي أشاكس فيكِ ... إزاي خليتي طول الوقت إهتمامي الأول يكون بيكِ إنتِ ... مش بالشغل إللي واخد حياتي كلها طول وعرض ..
زاغت عيناه نحوها وهو يخرجها صريحة ... 
- فيكِ حاجة خدت قلبي ...
تنفسها المضطرب وعيناها المتشدقتان نحوه بغير إدراك هل ما تفوه به حقيقة بعالمها الواقعي وأنه ليس محض خيال عابر برأسها ...
نعم بالتأكيد هو كذلك هي لا تعيش لحظات كتلك بالحقيقة حياتها المليئة بالقسوة والعراقيل لا يمكن أن تحظى بهذه اللحظة مطلقًا وبتلك السهولة ...
إحساس جديد ومشاعر مضطربة تتطلب اسلوب رقيق حالمي لا تعتاد عليه ، لا تستطيع أن تكون تلك المرهفة اللينة ....
لكنها تفكرت .. ألا يمكنها أن تُحب وأن تعبر عن حبها ؟!! ولم لا يطاوعها لسانها و شفتيها بالتفوه بما تستطيع به إجابة تصريحه ...
إنه لأمر قاس للغاية ، ليس بتلك السهولة تصبح "عهد" أخرى حالمة رومانسية ...
إنها خشنة الطباع متحجرة القلب كيف تقول أحبك بهذه السلاسة !!! خاصة وهي التي ترفض تمامًا الإنسياق خلف المشاعر والقلوب ، فمن ينساق خلف قلبه هو الضعيف فقط وهي ليست بهذا الضعف لتنساق خلف قلبها وتخسر نفسها ...
لحظات من الصمت بينهم تصارعت بداخلها تلك الأفكار ، لكن إستطاع "معتصم" بفطنته وذكائه المتقد فهمها فهي ليست كبقية الفتيات يمكنها أن تجيبه بيسر عن مشاعرها نحوه بل بالتأكيد لها طرق أخرى للتعبير ...
لكنه كان سعيد بما صرحه لها ، ووجد أن تلك فرصة لن تعوض ، لكن عليه أن يخبرها عن نفسه التي لا تعرفها أولًا ...
- الكوخ من هنا يا "عهد" يلا بينا ... أنا كمان كنت عايز أقولك حاجه مهمة أوي بس لما نوصل ....
أومأت عده مرات دون رد لترافقه "عهد" بطريق قريب للغاية حتى وصلا للكوخ ...
جلس "معتصم" بالسلم الخشبي خارجه لترافقه "عهد" كذلك ، حتى أن السماء أخذت تصفو بشكل رائع فيبدو أنها أيضًا تتحضر كنفوسهم لحديثهم القادم ...

❈-❈-❈

المستشفى ...
(الخير للخير) ... هكذا قالت "شجن" لنفسها وهي تنتظر الإطمئنان على حال هذا الرجل الذى علمت بإسمه أخيرًا "أيوب"، هذا الوحيد الخائف بعدما تم نقله للمستشفى ...
هي تدرك كم أن الوحدة صعبة للغاية خاصة للمرضى ، فالمرء يحتاج للشعور بالإطمئنان لمن حوله بوقت ضعفه وحاجته ، لهذا بقيت فقط لتُشعره ببعض الإهتمام ، إنتظرت كثيرًا فربما يظهر أحد أبنائه أو أقاربه ...
لكن ذلك لم يحدث ولم يحضر أحد لتتيقن أنه لهذا السبب تمسك رجل بوجودها ومرافقتها له ..

في وقت لاحق ...
دلفت "شجن" لغرفة "أيوب" بعدما خرج من غرفة العمليات وتجبير ساقيه المكسورتان لم يهمه سوى أن هناك من يسانده لكن ما أصابه فلا إعتراض عليه فهذا قدره وهو مؤمن بالقضاء والقدر ...
تقدمت "شجن" بوجهها البشوش تزيح إحدى خصلات شعرها القصير خلف أذنيها تسأله عن حاله بود حقيقي ...
- حضرتك عامل إيه دلوقتِ ....؟؟!.
رفع "أيوب" عيناه تجاه تلك التي دلفت من الباب للتو لتعلوها بسمة سعيدة فهو لم يتوقع أن تفي بوعدها ، فهو لم يعتاد الوفاء بالوعود ... 
وها هي بقيت لتطمئن عليه ، هتف بسعادة ممزوجة بحزن لوحدته التي أجبرته على تسول العطف والمساندة من الغرباء ...
- إنتِ لسه هنا ...؟؟!!! أنا كنت فاكر إنك مشيتي ...!!!
جلست "شجن" بالقرب منه بمودة إبنة بارة ...
- إزاي بس ....؟!! هو مش أنا وعدت حضرتك إني حبقى هنا ....
أردف "أيوب" بإمتنان ...
- كتر خيرك يا بنتي ... والله ما عارف أقولك إيه ... أنا لو بنتي مش حتعمل معايا زي ما إنتِ عملتي معايا ...
هزت شجن رأسها بتساؤل ...
- صحيح ليه ما فيش حد جه لحضرتك ...؟؟!
إبتسم الرجل ببساطة حتى حلت ملامح الطيبة والإستكانة على عيناه ثم أردف بهدوء رخيم ...
- ما بلاش كلمه حضرتك دي أنا عمك "أيوب" ...
إبتسمت "شجن" بصفاء وهي تعيد سؤالها بعد وضع إسمه ليشعر بالقرب والمحبة أكثر بحديثها ...
- هو ليه ما حدش جالك لحد دلوقتِ يا عم "أيوب"...؟!!
- تنهد "أيوب" بحنق ثم أردف بتحسر على حاله ووحدته ...
- أنا وحداني يا بنتي ما ليش حد .... عايش لوحدي .... يلا قسمتي بقى ...
أعادت "شجن" رأسها للخلف وزادت إبتسامتها إتساعًا لتظهر وجنتيها الممتلئتان مضفية على ملامحها عذوبة ولين قلب تخصها بالفعل ...
- لأ خلاص بقى .... عايش لوحدك إيه ... من النهاردة إنت مش وحيد خالص ... بنتك "شجن" حتسأل عليك وتاخد بالها منك ....
لاحت بسمة إمتنان على وجه هذا الرجل الهزيل فكم مازال خير الدنيا يطفو فوق بحور الشر الذي يموج بها ليجيبها بتقبل سعيد رغم ألم ساقه التى إشتدت عليه ...
- ااه ... ده أنا يشرفني أن يبقى لي بنت زيك ... كفايه قلبك الأبيض ده ...
ثم إبتهل بالدعاء لها بمحبة غُرست بقلبه تجاه تلك الفتاة ...
- ربنا يراضيكِ ويسعد قلبك الأبيض ده ... ويفرحك زي ما فرحتيني بوجودك يا بنتي ...
- أمين ... إنت حاسس بإيه دلوقتِ يا عم "أيوب"...؟!!
أجابها الرجل ببعض التوعك متحملًا إحساسه بالألم ...
- والله تعبان يا بنتي بس التعب كله بيروح لو بصيت في وشك الحلو ده ...
كم كان مشتاق لمشاعر الأبوه كما كانت هي أيضًا بحاجة لتلك المشاعر التي حُرمت منها منذ سنوات قاسية ...
تلك المشاعر الحانية التي تُربت على قلبها المفعم بأثقال ضيقه ...
- شكرًا يا عم "أيوب" ...
رغم إعيائه إلا أنها أجابها بتساؤل هي تدرك إجابته ....
- مين فينا إللي يشكر التاني يا بنتي ...؟؟! أردفت بشقاوة تلوح بعينيها البنيتان بقوة ...
- خد بالك بقى يا عم "أيوب" ... أنا إتأخرت أوي ... أنا حروح دلوقتِ وحاجي لك بكره ... إستناني إوعى تمشي ....
أومأ "أيوب" برأسه بصورة مستسلمة للغاية بينما حلت فوق ثغره بسمة راضية قائلًا ...
- حستناكِ ...
أرادت أن تبث له الطمأنينة والثقة بعودتها ، وأنها حينما تَعِد تفي بوعودها ، أخرجت ورقة من حقيبتها القماشية الرخيصة وقلم لتدون رقم هاتفها قائله ....
خد رقمي أهو يا عم "أيوب" لو إحتجت أي حاجة كلمني على طول ... ماشي ...
أغمض عيناه لوهله ممتنًا لصنيعها معه ثم تناول الورقة من يدها مطبقًا عليها بقوة كغريق تعلق بقشة لتنقذه من الغرق وتعيد لها الحياة ...
غادرت "شجن" بعد ذلك على الفور فلقد تأخرت كثيرًا عن موعد عودتها حتى لا تثير قلق والدتها وأختها عليها فهم لا يعرفون بعد سبب بقائها بالمستشفى مع هذا الغريب ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

بيت محفوظ الأسمر ...
نعم يغريك الشيطان فهذا مقصده ، لكنه لا يقوى أن يجبرك على التصرف ...
فما من سوء نفعله إلا بأنفسنا الضعيفة لم نجبر على القيام بها فما للشيطان علينا بسلطان إنما نميل مع الهوى ...
عادت "وعد" بذكراها لتلك الليلة حينما أقلت سيارة الإسعاف "محفوظ" والد زوجها إلى المستشفى ، وأصر "عاطف" ألا تغادر شقتها بينما رافقت أمه "قسمت" وأخته "عتاب" وأخيه "محب" ... 
فور أن دلف الجميع إلى داخل المستشفى أخذ "عاطف" يهتف بإضطراب ...
- بسرعة ... بسرعة بالله عليكم ... أبويا حيروح مني ...
لحقه "محب" بأعين قلقة على غير العادة مرافقًا لوالدته التي إنهالت الدموع من عينيها تأثرًا بما أصاب زوجها لتبقى "عتاب" الوحيدة ذات الجمود وقلة التأثر ...
أخذ "محب" يهدئ من روع والدته قائلًا بنبرته الهادئة ...
- إهدي يا ماما ... بإذن الله حيقوم بالسلامة ويبقى كويس أوي ... بابا قوي مش حيقع بسهولة ...
رفعت "قسمت" وجهها تجاه ولدها تتمنى لو أن ما ينطق به حقيقة لتردف بنشيج وسط دموعها الغزيرة ...
- يا رب يا "محب" .... أنا عمري ما شفت أبوك تعبان كده ...!!!!
كما لو أنها مجرد مسرحية هزلية ، وقفت "عتاب" كمتفرجة لها من بعيد وقد تملك الغيظ منها ، حتى أنها لم تشفق للحظة على والدها الذي يرقد بين الحياة والموت ... 
تم نقل محفوظ لغرفة العناية المركزة على الفور بعد أن قام الطبيب المناوب بالفحص المبدئي ...
خارج غرفة العناية كان الإنتظار مقلق للغاية خاصة عندما خرج الطبيب ليوضح لهم تشخيص حالة "محفوظ" .... 
- إنتم أهل المريض ...؟!!
أجابه "عاطف" بتلهف على الفور ...
- أيوه يا دكتور ... أنا إبنه ....
ذم الطبيب بشفتيه ببعض التأثر ولو أن تلك حالة معتادة يراها بصورة متكررة قبل أن ينطق متحدثًا ووجب عليه إيضاح حالته بصورة عملية للغاية ...
- والدكم للأسف إتعرض لذبحة صدرية شديدة ولازم يقعد في العناية لأن حالته خطيرة جدًا .... مش أقل من 48 ساعة لحد ما تستقر الحالة ...
لحظات من الذهول إعترت وجوههم جميعًا فلم يتوقعوا أن تصل حالته لهذا السوء ، رفع "عاطف" عينيه بنظرات إتهام نحو "عتاب" يلومها بشده على ما أصابه فهي بالتأكيد السبب بما حل به ....
لكن مع نظراته الملُومة إستطرد متسائلًا بتخوف ...
- يعني في أمل إنه يتحسن يا دكتور ...؟!!
أجابه الطبيب بعملية للغاية ...
- كل شيء بإيد ربنا ... إدعوا له وباذن الله ربنا يشفيه على خير .... لكن دلوقتِ الحالة حرجة جدًا ولازم يقعد في العناية بدون أي زعل أو إنفعال ...
تركهم الطبيب ليدنو "عاطف" من "عتاب" التي تعاملت مع الأمر أنه لا يتعدى كونه القضاء والقدر وأن هذا قدره وليس لها دخل بالأمر ....
كز "عاطف" أسنانه بسخط وهو يهمس معنفًا "عتاب" دون أن ينتبه لهما والدته أو أخيه "محب" .... 
- شايفه عمايلك عملت إيه في بابا ... إنتِ السبب ...
رفعت "عتاب" حاجبيها بإستنكار وهي تردف تردف بلا إكتراث أو إهتمام "عاطف" لها ...
- ده عمره وده نصيبه ... أنا ما ليش دخل ... وبعدين ما تلبسنيش مصيبة إنت السبب فيها ... وبطل طريقتك دي عشان أنا فاهماك كويس ... أول ما بتتزنق ترمي بأي تهمة على أي حد ... أنا مش "وعد" علشان تعمل فيا إللي بتعمله فيها ... أنا ما بسكتش زيها ...!! 
حدجها "عاطف" بنظرات متقده تكاد أن تشتعل توهجًا من شدة غضبه ... 
- إنتِ إيه ...!!!! ما عندكيش إحساس .... مش ندمانه حتى على إللي عملتيه مع أبوكِ .. عمومًا مش وقته بس يقوم بالسلامة ولينا حساب مع بعض يا "عتاب" ... 
بالزاوية المقابلة وقفت "قسمت" مع "محب" تشعر بالقلق لحالة زوجها الغير مستقرة ، بينما أخذ "محب" يطمئنها قدر الإمكان رغم عدم إلمامه بتلك الحالة الصحية الطارئة التي يمر بها والده ....
- ما تقلقيش يا ماما أكيد أزمه وحتعدي ... بابا عُمره ولا إشتكى من قلب ... ولا إشتكى من أي تعب ... أكيد حاجة بسيطة يعني ...
- أمال بس مقعدينه في العناية ليه ...؟!! ما هو لو كويس كانوا حتى قعدوه في أوضه عادية ... لكن قلبي بيقول لي إن هو مش كويس أبدًا يا "محب" ... 
راقب "محب" بعيناه حالة الجدال بين "عتاب" و"عاطف" يود لو يستشف بما يتحدثون فأصواتهم كانت هامسة للغاية لا يستطيع تمييزها بسهولة ، إنتبهت "قسمت" لوجوه كلا من "عاطف" و"عتاب" المتجهمه لتردف متسائله ...
- أخوك و أختك مالهم يا "محب" ....؟!!!
تصنع "محب" عدم معرفته بالأمر ليجيبها محاولًا تشتيتها ...
- ولا حاجة يا ماما ... شكلهم متضايقين بس عشان بابا ...

إنتهى اليوم بعودتهم جميعًا إلى بيت العائلة بينما ظل "محفوظ" نزيل المستشفى لا يعي بما حوله محاط بالأجهزة التي تساعده على تخطي تلك الأزمة ...

لا شئ أسوء من الفُجر في الخصومة ، فهناك تصرفات تزيدك قناعة بأن البُعد أجمل ، فالنزاهة بالخصومة شرف ..
لم تنتهى الليلة لتلك العائلة بعد فما تتذكره وعد جيدًا هو تلك المشادة بين "عاطف" و"عتاب" بتلك الليلة بعد عودتهم من المستشفى ، هي لم تستطع سماع تفاصيل مهاوشتهم وصراخهم من شقتها بالأعلى لكن الوضع كان محتدًا للغاية ...
حينها إتهم "عاطف" "عتاب" بأنها السبب بما حدث لأبيه ....
- إنتِ السبب إللي عمل فيه كده ... إنتِ إللي عايزه تموتيه ....!!!
شهقت "عتاب" بتهكم لتعيد الإتهام له فهو المستفيد الوحيد من موت أبيهم ...
- لا والله وليه ما تكونش إنت إللي عايزه يموت ... إنت إللي أخدت كل حاجة ... يا طماع يا خبيث ... أنا سبتكم ومشيت ... مش يمكن إنت سممته ... ولا إديتله حاجة راح واقع فيها ....؟!!!!!
إتسعت عينا "عاطف" بذهول من حديث أخته التي لا تلقي عليه التهم فحسب بل تدينه بجريمة بشعة بسعيه لقتل والده ليهتف بها بلا تصديق ....
- إنتِ بتقولي إيه ....؟!!! إنتِ مجنونة .... إنتِ واعية للكلام ... أنا ... أنا أقتل أبويا ..... أنا مش جاحد للدرجة دي .... !!!!!!!!
ضحكت "عتاب" بسخرية لتبث الشك بقلب "محب" ووالدتها تجاه "عاطف" .....
- لا إنت جاحد وتعمل أكتر من كده ... إنت إللي ضحكت على أبوك وخليته يكتب كل حاجة بإسم إبنك المفعوص .... يا خبيث يا طماع ....
صدمت "قسمت" بما سمعته للتو لتهتف بتساؤل وحيرة ....
- إيه .....!!!!!! مين إللي كتب إيه ....؟؟! إزاي ده حصل ...؟!! يعني إيه يكتب كل حاجه بإسم "زين" ...!!! الكلام ده حصل يا "عاطف" ...؟!!!
قالتها "قسمت" بنبرة تحمل الإتهام لولدها ، تلك الطريقة التي جعلت "عاطف" يشعر بمزيد من الإنفعال والغضب ، فهو المتفرد المدلل والذي لا يُتهم مطلقًا ، لكن "عتاب" جعلته بموضع يجب عليه الدفاع عن نفسه ليصيبه ذلك بهياج شديد وهو يشير نحو "عتاب" بإنتفاضه كما لو أنه يقف على جمر ملتهب ....
- إنتِ هتصدقيها ....؟!!! دي كذابه ... دي هي إللي قالت له أنا ححجر عليك ... طب وقع فيها ....
رفعت "عتاب" كتفيها بخبث وهي تنكر ذلك تمامًا لتردف بدهاء كاد "عاطف" نفسه أن يصدقها لإصطناعها البراءة والصدق ....
- أنا عمري ما أعمل كده .... مش أنا إللي بلعب من تحت لتحت .... أنا طول عمري واضحه حتى لما بتعصب بتعصب وبقول إللي في قلبي و إللي جوايا على طول .... عشان أنا قلبي أبيض .... عمري ما شلت من حد وده إللي مخلي بختي وحش في الدنيا .... مش ناقص كمان غير أهلي وأخواتي يجوا عليا ويلبسوني تهمه ....!!!!!
أنهت حديثها بشهقات ودموع ذُهل لها "عاطف" فكم أدرك أنها ماكرة كاذبة خبيثة ، حرك رأسه بعدم تصديق وهو يرفع كفيه بصدمة قائلًا ....
- يا نهار أسود ... ده أنا صدقتِك ... !!! إنتِ إيه يا شيخه ... صحيح يقتل القتيل ويمشي في جنازته ...!!!
ألقت "عتاب" نفسها بأحضان والدتها تشتكي من أخيها قاس القلب حتى تُبعد الشك عنها و لا احد يصدق "عاطف" ....
- سامعه يا ماما .... سامعه إبنك بيقول إيه ...؟!!!
ربتت "قسمت" فوق كتف "عتاب" بحيرة فأيهما تصدق ....!! هي تعلم أن "عتاب" ليست بالسوء الذي يخبرها به "عاطف" ، فلن تؤذي والدها مهما حدث لتنهي هذا الجدال والشجار بنبرة منفعلة مهتزة .... 
- إسكتوا بقى مش وقته ... أبوكم في المستشفى ... ما ينفعش كده ... إطلع شقتك يا "عاطف" .... إطلع دلوقتِ ....
قلبت "عتاب" شفتيها لتزيد من الطين بِلة قائله ...
- أيوه ... إطلع للهانم إللي ورا كل المصايب دي ... إطلع للي كانت السبب في تعب أبوك ... أكيد ... أكيد هي إللي ميلت دماغك عشان تاكل حقنا ... ما إنت عمرك ما تعمل كده من دماغك ... ده يمكن هي اللغي إدتك السم عشان تموت أبويا ... أنتوا عايزين تخلصوا منه ....
زادت "قسمت" انفعالًا بعد حديث "عتاب" لتهتف بحدة ...
-روح يا "عاطف" .... ويكون في علمك مراتك دي ولا عايزة أشوف وشها .... ولا عايزة أسمع حسها خالص .... فاهم ... لحد ما أبوك يرجع بالسلامة ....
رغم أن كل تلك الأحداث والأقاويل كانت أمام مرآى "محب" إلا أنه تعامل مع الأمر كمشاهد فقط لم يتدخل ولم ينفعل بل ظل متابع للأمر دون إبداء أي تعليق بالسلب أو بالإيجاب ....ليتراجع نحو غرفته ببرود تام فهذا ليس وقت العتاب والشجار ولكل مقام مقال ....
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

شركه عسرانكو للإستيراد والتصدير ...
بمكتب فخم يليق بمكانة المستشار "خالد دويدار" جلس يدون بعض النقاط بأحد الملزمات الخاصة بالملاحظات فقد بدأ عمله الجديد كمستشار قانوني لتلك الشركة للتو وعليه متابعة العقود المبرمة بين الشركة ومثيلاتها للتأكد من صحة البنود من الناحية الفنية والقانونية ...
عملًا جديدًا دخل حيز إهتمامه ليخرجه من حالة الملل التي كان يشعر بها بعد تقاعده ، لكن يومه لم يكن بالحافل ليتغاضى عن تلك المكالمة الهامة والإطمئنان على أحوال رفيقة عمره "منار" ....
- إيه زهقانه لوحدك ...؟؟!!
أجابته "منار" بتقبل تام لقرارها الذي إتخذته ...
- لا أبدًا .... ده أنا حتى من بعد ما جيت من المستشفى قعدت مع "غدير" شوية قبل ما تنزل ... ما تقلقش يا "خالد" أصلًا الراحة مطلوبة ...
بتفهم لهذا القرار الذي لم يكن ديكتاتوريًا بالمرة ، بل كان بالتفاهم والتواصل بينهم ليجيبها بنفس هادئة ...
- أنا كنت قلقان أحسن تزعلي إننا أجرنا العيادة ... 
- لا خالص ... (أجابته "منار" بدون أدنى تردد لتستكمل موضحة )...
- أنا كده مرتاحة جدًا .... كفاية عليا شغل المستشفى ... وهو برضه الدكتور "أمين" مشغل العيادة بشكل كويس ....
أومأ "خالد" بتفهم كما لو كانت تراه بأعينها مؤكدًا حديثها ...
- فعلًا ... أنا شايف إن كده كان أحسن حل ليكي وللعيادة ...
- عندك حق ...
تساءل "خالد" بفضوله المعتاد للإلمام بأحوال عائلته ومعرفة ظروفهم المحيطة ...
- مشغولة في إيه دلوقتِ ...؟!!
جلست "منار" وهي تتابع "أم مجدي" التي تساعدها بالمطبخ مستكملة حديثها معه ...
- أبدًا بنجهز العشا لحد ما ترجعوا .... تعرف يا "خالد" البيت كئيب أوي من غير "غدير" ....
تساءل "خالد" عن غياب "غدير" اليوم على غير العادة ...
-هي فين أمال مش عوايدها تسيبنا كده ....؟؟!؟
بمزيج من الإشفاق والمحبه أجابته "منار" ...
- تقريبا راحت عند "موده" .... بقى لها كم يوم ما راحتش هناك علشان كانت تعبانه 
.. البنت دي بتصعب عليا أوي يا "خالد" ...
ضم "خالد" شفتيه وهو يحرك رأسه بخفة إيجابًا ...
- فعلًا يا "منار" البنت دي دايمًا وحيدة ... بس مش بإيدينا نعمل حاجة ... 
نظر "خالد" لساعة يده متابع عقاربها حين أردف بإنهاء المكالمة ....
- عمومًا أنا حتصل بـ"عيسى" أشوف أخباره إيه علشان نرجع سوا ....
- كويس خالص حتى نكون أنا و"أم مجدي" خلصنا العشا ونتجمع كلنا زي كل يوم ...
أنهى "خالد" مكالمته مع "منار" ليدون بعض النقاط بملزمته قبل أن يتصل بـ"عيسى" للا؟تفاق معهم على المرور به و إصطحابه بطريق عودته ...
❈-❈-❈

مكتب عيسى للمحاماة ....
إنشغال شديد مع أحد الموكلين الجدد الذي حضر لمكتبه للتو كان "عيسى" بمنتهى الجدية والمهنية يطرح أسئلته لفهم محتوى القضيه التي بصدد أن يوكلونه بها ....
- الأستاذ "رمزي" كانت متورط معاهم فعلًا .. ؟!! 
سألهم "عيسى" وهو يحاول أن يستشف مدى صدقهم بالأمر ليجيبه العميل بنفي قاطع ...
- لا يا متر ..... أخويا ولا ليه في الطور ولا في الطحين .... أخويا غلبان و إتاخد في الرجلين والله ... ده كان كبش فداء ....
لم يكن "عيسى" من الشخصيات سريعي تكوين رأي عن الشخص الذى يقابله من مجرد كلمات ، فهو بطبعه متوجس يرتاب بالأمور قبل أن يتيقن منها تمام اليقين فهو لا يأمن بسهولة ...
- عمومًا حنشوف يا أستاذ "عطيه" لأن أنا مش بترافع عن حد إلا لو واقع عليه ظلم وبس ... أنا مش بدافع عن الخارجين القانون ... ولا عن المجرمين ... أنا راجل صاحب مبدأ ...
أجابه "عطيه" بما يطمئن قلبه مؤكدًا صدق حديثه عن أخيه ...
- والله يا متر أخويا مظلوم وما تقلقش إحنا ناس نضاف ما لناش في السكك دي ... وحتتأكد بنفسك ...
بعد عدة أسئله متتالية أخذ "عيسى" يحاور "عطيه" عن هذا الإتهام الذي وقع على أخيه "رمزي" وملابسات القضيه لتكوين رأي قاطع بها ...
أخذ "عيسى" يتطلع إلى ملف القضية متفحصًا جميع بنودها حتى يمتلئ قلبه باليقين أولًا ثم أردف ببعض الراحة ...
- عمومًا يا أستاذ "عطيه" أنا مبدئيًا قبلت القضيه دي .. لكن لو ظهر أي دليل على عكس كده .... أنا آسف جدًا مش حقدر أكمل .. وبرده أنا لسه حدرسها أكثر من كده عشان أشوف نقط القوة والضعف فيها ...
ردد الرجل بيقين تام ...
- احنا واثقين فيك يا متر ... وباذن الله حتكون براءة أخويا على إيديك ...
نهض "عيسى" مودعًا إياهم معلنه نهاية جلسة المناقشه بينهم ...
- بإذن الله خير ... مع السلامة يا أستاذ "عطيه" ...
غادر "عطيه" المكتب بعد أن إنتهى من مناقشة قضية أخيه مع هذا المحامي ذائع الصيط متأملًا أن يكون وتدًا قويًا بترسيخ حُجتهم ببراءة أخيه من تلك التهمة ...

بطبعها الماكر جلست "سندس" تستمع للحوار القائم بين "عيسى" وهذا الموكل الجديد بكل إهتمام والتي إنتظرت حتى مغادرة "عطيه" المكتب ثم دلفت مباشرة لمكتب "عيسى" قائله بحماس ... 
- برافو عليك يا أستاذ "عيسى" ... القضية دي لو إنت كسبتها ممكن ترفع من المكتب بصورة فظيعة ... إنت عارف كمان دي ممكن تكون قضيه رأي عام ...
رمقها "عيسى" بنظرات غاضبة ، فرغم مهارتها وذكائها الحاد إلا أن عيوبها أصبحت تضيق الخناق حول رقبته بوجودها لينهرها بصرامة ...
- أنا مش مِنبه عليكِ ... آخر مرة تتصنتي عليا وأنا في المكتب ...!!! أنا لو كنت عاوز أبلغك بتفاصيل القضية دي ... كنت جبتك عندي هنا ... وخليتك تحضري النقاش ... لكن أظن أنا ما طلبتكيش ...!!!!!
بهتت "سندس" وهي توبخ من "عيسى" على إستراقها السمع بتلجلج قائله بحرج شديد ..
- أسفه يا أستاذ "عيسى" بس أصل صوتكم كان عالي جدًا ... مش أنا اللي سمعته ... هو صوتكم كان واصل لبره ... 
إستطرد "عيسى" بإشمئزاز ....
- إتفضلي إطلعي بره ... وبعد كده صوتي مش هيبقى عالي عشان يطلع لك .... أظن الفكرة واضحة ... خليكِ في شغلك بس لو سمحتي ما تدخليش في اللي ما لكيش فيه ... 
خرجت "سندس" وهي تقضم شفتيها بقوة فهي تتمنى ولو لمرة أن تُظهر وجودها ومساندتها له فربما يشعر بعشقها المتيم الذي فاض به الكيل بداخل قلبها ...
صدح رنين هاتف "عيسى" برقم والده لينهض من خلف مكتبه أولًا مغلقًا الباب بقوة حتى يمنع "سندس" تمامًا من إستراق السمع إليه ....
- سيادة المستشار ... ده إيه النور ده كله ...
بإمتنان لتوقير ولده له إبتسم "خالد" بخفة بينما أردف ...
- إيه يا متر مطول لسه في المكتب ولا إيه...؟!!!
نظر "عيسى" إلى ساعته ثم أجاب والده ...
- لا مش كتير نص ساعة وأكون خلصت إللي ورايا ...
- طيب كويس ... خلاص خلص مكتبك وعدي عليا في الشركه نروح سوا ...
هام "عيسى" بأفكاره بشرود فقد تغيبت عن يومه تلك مسببة الحياة والتي تمده بطاقتها وأنفاسها التي تعطيه القوة على الإستكمال ، فمنذ متى وهي تغيب عن فكره فهي أمام عيناه سواء بوجودها أو بغيابها ليقحم سيرتها على الفور بحديثهم مع والده ...
- طيب يا بابا أنا حكلم "غدير" علشان ممكن أخدها من عند "موده" هي كمان ونروح كلنا سوا ...
بإيمائة خفيفة أجابه "خالد" بترحاب شديد ...
- أكيد طبعًا ... ده هي إللي بتدي الروح للبيت ... ما ينفعش نروح البيت وما نلاقيهاش ...
إبتسم "عيسى" بخفة فقد أصاب والده عين الحقيقة ...
- فعلًا يا بابا ... إنت بتقول فيها ... عمومًا أنا حكلم "غدير" على طول علشان نروح سوا ونقضي السهره كلنا عندكم ...
- تمام خلص شغلك وكلمني أنا مستنيك ...
رؤيتها هي الحافز الذي ينهي به يوم يتلقى مكافأته بوجودها بحياته أسرع منهيًا تلك النقاط التي يريد تحضيرها قبل الإستعداد لمغادرة المكتب لكن عليه الإتصال بـ"غدير" أولًا ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

شقه موده ... 
جلست "غدير" على غير عادتها تمط شفتيها بإستياء وهي تطالع أختها الصامته التي ضاقت ملامحها اللطيفة بإقتضاب وضيق بصورة مبالغ فيها حتى هي لم تكن بعادتها كأختها تمامًا ...
بعد فترة من التحديق هتفت "غدير" بأختها بإستياء ...
- بس لو تقولي لي من ساعة ما جيت وإنتِ ضاربه لي البوز كده ليه ... ؟؟! مش إنتِ إللي أصريتي تسيبي الشغل ...؟؟!!
مطت "موده" شفتيها الرقيقتان بضيق لتتنهد قليلًا قبل أن تجيبها إجابه غير مقنعة لكي تخفي الحقيقه خلفها ..
- عندي إمتحانات ومش عارفه أوفق بين الشغل والإمتحانات والمذاكرة ...
مالت "غدير" برأسها للأمام محدقة بعينيها الواسعتين وهي لا تصدقها بالمرة ...
- كداااااابه .... قري وإعترفي أحسن أدعي عليكِ في ليلة القدر ...
رغم أنها تهددها إلا أن "موده" تبسمت بخفة لطرافة أختها خفيفة الظل ، لكن الأمر مازال ثقيلًا على قلبها الضعيف فماذا ستخبرها ، أتخبرها بأنها تركت العمل حتى لا ينظر لها "رؤوف" نظرة دونية كما قالت "نيره" التي قللت من شأنها أمامه ؟؟ ، أتخبرها أنها تعشق أخو زوجها المرتبط ..؟؟! 
كيف ستجرؤ على قول ذلك لتكتفي بسببها الواهي بالوقت الحالي ...
- لا عشان الإمتحانات ... وكمان الشغل ما بقاش مساعدني وفلوسه قليلة ...
ما يظهر من "غدير" انها غير عابئة ، غير مسؤولة ،كما أن ظروف حياتها قبل زواجها من "عيسى" لم تهيئ لها سوى تعليم بسيط ، لكنها مع ذلك كانت تتمتع بسرعة بديهة وذكاء فطري ، و بذكائها تفهمت "غدير" أن هذا الأمر لم يخرج عن تقليل "نيره" من عملها يوم العزيمة ، لتمط شفتيها وهي تومئ برأسها إعجابًا بذكائها لربط الأمرين بعضهما ببعض ...
- ااااه ... فهمت ... ماشي يا "دوده" هعديها بمزاجي قومي بقى شوفي الكيك إللي في الفرن عشان أخذ حته قبل ما أروح أنا مش ماشيه إلا لما أكل حته ... 
نهضت "موده" من جلستها لتتجه نحو المطبخ بينما دق هاتف "غدير" برقم مدون بتوأم روحي ، إن السعادة هي صوتك ثم حديثك ثم أنت ، يا ليتني نجم وفي فلكك أدور ، إتسعت بسمة "غدير" المميزة وهي تجيبه بشوق ...
- هلا وغلا بالحبايب ... كنت متأكده إنك حتكلمني ...
- يا سلام و إتاكدتي منين بقى ...؟؟!!
تلاعبت عيناها بشقاوة وهي تهز رأسها حتى تحرك خصلات شعرها العشوائي بإبتهاج أضفى بريق على ملامحها اللطيفة ...
- هم مش بيقولوا قلب المؤمن دليله ... وأنا مؤمنة ... مش محتاجة فصاحة يعني يا حلو الحلوين كلهم ...
ضحك "عيسى" فهو لا يدري هل هذا مدح أم ذم ...
- والله ما فاهملك ... ده غزل ولا شتيمه ولا إيه .. ؟!!
شهقت بشقاوة وهي تجيبه ببلاهه ...
- كده برده يا روح الروح ..
زادت ضحكاته التي أطلقت الغيرة بنفس "سندس" التي ما زالت تسترق السمع خارج باب المكتب لتطقطق أصابعها وهي تكظم غيظها من ضحكاته التي لا تستمع إليها إلا حين يأتي طيف "غدير" فقط ...
- يا ست (زينات صدقي) أنا قدامي نص ساعة حعدي عليكِ بالمرة نروّح سوا ...
تعلقت عين "غدير" بـ"موده" التي دلفت للتو إلى داخل المطبخ وما زالت رائحة كعك البرتقال الشهية تدغدغ أنفها فهي لا تحسن صُنعه ، بينما تعلمت أختها طريقته من زوجة خالها مؤخرًا ... 
هتفت "غدير" برفض قاطع وهي تلوح بكفيها بالرفض تام ...
- لا لا ... أنا عندي حاجة كده حخلصها واحصلك ... روّح إنتَ وأنا حاجي وراك ...
تعجب "عيسى" من إنشغالها لهذا الحد ثم أردف بإمتعاض وتحولت نبرته للجديه والضيق ...
- حاجة إيه إللي مهمة أوي دي إللي عشانها مش حتيجي تروحي معايا ... ؟!!
لم تشأ "غدير" أن تخبره بإنتظارها لنضج الكعك ، لتزيغ عينيها بإضطراب ثم تجيبه بدون توضيح ...
-لما آجي حقولك عشان ما تضحكش عليا يا روح الروح ...
رغم ضيقه إلا أنه ظن أن هناك أمر ما متعلق بـ"موده" ليزفر ببطء ثم يجيبها بتقبل للأمر رغم رفضه ...
-طيب يا "دورا" أشوفك في البيت ما تتأخريش ...
- عيوني يا عيوني ...
أنهى مكالمته مع "غدير" ليستكمل تدوين بعض الملاحظات السريعة قبل مغادرته المكتب مع محاولة "سندس" كظم غيظها من ضحكاته التي لا تظهر إلا مع "غدير" فقط ، تتمنى لو ينالها بعض من رضاه ولو بمجرد بإبتسامه فهذا يكفيها ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
إنتظرت "غدير" إنتهاء "موده" من صنع الكعكة لتناولها بشهية قبل مغادرتها وعودتها لبيتها ومملكتها الخاصه بها وبحبيبها "عيسى" ...

❈-❈-❈

دفعت "نيره" شعرها للخلف ووقفت تنتظر مرور "رؤوف" بتذمر كما إتفق معها بالصباح لإستكمال جولتهم للبحث عن أثاث مناسب لبيتهم بعد زواجهم ، توقف رؤوف بسيارته الرياضية الصغيرة أمام متجر "نيره" لتقابله بنفس الوجه الممتعض الذي تقابله به كالعادة ...
تطلع نحوها ومازالت الاسئله تدور برأسه لا يدري عن إجابتها بداخله لكنه عليه الآن إنهاء أمر ضيقتها منه بأي شكل ، فهو لا يفضل هذا الجو المشحون بينهم فكل ما يريده هو حياة هادئة ...
تمتم "رؤوف" بصوت هامس أثناء توقفه بالسيارة ...
- أستر يا رب ... أنا عارف الوش ده كويس ربنا يستر ...
فتحت "نيره" باب السيارة قبل أن تجلس دون النطق بحرف واحد لما يبدو على ملامحها من ضيق فقط تجاهلت "رؤوف" تمامًا كما لو كان غير متواجد بالسيارة ، أجابها "رؤوف" بروحه المرحة ممازحًا ...
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
لم تعط له بالًا ليبدأ هو بمراضاتها عن أمر يجهله فقد أنهى أمر غضبها منه حين هاتفها بمكالمته لها و لم يظن أن للأمر بقية ...
- نور عيني إللي مبوز .. بس برضه قمر في كل حالاته مش خلاص بقى ولا إيه ...؟!!
مالت "نيره" فمها جانبيًا ثم أجابته بنفس ضائقة...
- خلاص يا "رؤوف" يلا إطلع على البيت عشان مش عايزه أتأخر النهاردة ...
- تمام يا حبيبة "رؤوف" ... زي ما تحبي ... يلا نروح ...
إستدارت "نيره" نحوه بحده كما لو كانت تنتظر إجابته لتبدأ بها مهاوشتها معه من جديد ..
-ده إنت ما صدقت بقى ...!!!!
إتسعت عين "رؤوف" بذهول من تصيدها لإجابته لبدء شجار جديد ليردف مدافعًا عن نفسه ...
-والله ما أقصد مش إنتِ إللي قلتِ يا "نيرو" ... أنا ما أعرفش إن إنتِ هتضايقي أوي كده ... عادي يعني عايزانا نكمل نكمل ... عايزانا نروح نروح ...
إعتدلت وهي تنظر للأمام بتجاهل تام لـ"رؤوف" ثم عقدت ذراعيها بتذمر شديد 
- خلاص يا "رؤوف" روحني البيت أنا ماليش مزاج النهاردة إن أنا أعمل حاجة ... إنت عصبتني ... وأنا مش حعرف أدور على حاجة بالشكل ده ...
تنهد "رؤوف" بقلة حيلة فلم يعد يدري كيف يرضيها ، هذا ما يتوجب عليه طيلة الوقت فقد أصبح إرضائها هو كل ما يجمعهما سويًا ... 
- ماشي يا حبيبتي زي ما تحبي خلاص ... نروّح دلوقتِ وبكره نكمل ... ونشوف إللي إنتِ حباه ...
- أه ... يلا ...
خيم الصمت عليهما طوال الطريق حتى قام "رؤوف" بإيصال "نيره" لبيتها ليعود بعد ذلك إلى البيت مباشرة ...

❈-❈-❈

ليس إنتهاء العمل هو نهاية اليوم بل هناك حياة أخرى تبدأ بعد الدوام ، حياة يملؤها الصخب والمتعة وحياة رتيبة تمر ساعاتها كقرون لا تنتهي ...
لم يحبذ "رشيد" بقائه بمنزله ليقضي سهرته اليوم برفقة أقرانه بالمقهى يقضون الوقت ويتسامرون كعادة كل يوم ...
ضرب أحدهم بقطعة أحجية الدومينو بسعادة بلهاء مصدرة صوت إرتطامها المحبب المطعم بإنتصار مبهج ...
- قفلت يا حلو ... كدة أنا كسبت ... عد ورقك ...
غمغم رفيقه بذات المناوشة رافضًا خسارته ...
- على فكرة إنت بتخم ...
ضحك "محمد" وهو يتراجع بجذعه نحو الخلف بغرور ...
- أهو حيعملها زى كل مرة ...
ضحك البقية على صديقهم المعتاد الخسارة وعدم قبولها أيضًا ، لكن "رشيد" لم يكن متجاوبًا معهم بل شرد بذهنه بعيدًا لينتبه له "محمد" ...
- مالك يا "رشيد" ... إنت بجد غريب جدًا النهارده ...؟؟؟
سحب "رشيد" نفسًا مطولًا قبل أن يجيبه ...
- عارف ... بقالي فترة بقاوح إحساس جوايا ... كنت فاكر إن الحكاية دى حتعدى زى غيرها ... بس باين إني غلطان ...
إعتدل "محمد" بمواجهة "رشيد" وقد إحتدت ملامحه بإنفعال لكن نبرته تحلت بشك وعدم تصديق لحديث "رشيد" ..
- "رشيد" إنت حتجنني ...!!! مش انت اللي قلت كل البنات واحد ... ورحت ورا البت "رانيا" ... وقعدت تقول فيها أشعار ... إنت ناسي ولا بتضحك على نفسك وعليا ... ؟!!
مال "رشيد" برقبته للأمام بحركة إنفعالية من ضيقه الشديد خاصة و"محمد" أخذ يكشف له كل الأمور غير مصدق لما ينهش بقلبه المفطور ..
- أيوة ... أيوة ... بس وقتها بس عرفت إن كان فى إيدي جوهرة وسبتها ... من بعدها حسيت إني كنت بحبها بجد ... أنا فعلًا يا "محمد" مش شايف غيرها قدامي ...
هدأ "محمد" قليلًا وهو يستشعر الصدق بحديث "رشيد" ليردف بتفهم ...
- طب خلاص خلاص ... متزعلش مني ...ما هو التغيير المفاجئ اللي حصلك ده وفجأه كدة "رشيد" اللي كل يومين مع بنت شكل بقى يحب ... ونسي كل البنات ... عقلي مش مستوعب كدة ...
تنهد "رشيد" بضيق ظهر بطول زفيره القوى ليجيبه موضحًا ...
- أنا مش بضحك عليك ... أنا فعلًا إتغيرت ... كأن حالي كله إتقلب ومبقتش أفكر غير فيها وبس ... الدنيا كلها وقفت عندها ومش راضيه تمشي ...
أومأ "محمد" بتفهم ليحاول إخراج "رشيد" من تلك الحالة التى أصابته ببعده عمن يميل إليها قلبه ، ليساعده "رشيد" على ذلك بمحاولة الإندماج بلعبتهم لتشتيت تركيزه وتفكيره بها ...

❈-❈-❈
سويسرا ...
رغم برودة الأجواء إلا أن الجو أصبح صحوا وتلاشت الغيوم أخيرًا ، وصل "معتصم" و"عهد" للكوخ بعد وقت قليل من تركهم "كاتينا" التي كادت أن توقع بهما ...
جمود غريب ساد بعد هذه الواقعة لكن ملابستها لم تنجلي عن تفكير "عهد" خاصة وهي تلحقه متفكره بغموض هذا الرجل الذي أربك عقلها وشتت أفكارها ...
تساؤلات عدة أخذت تجتاح رأسها بصمت تام أثناء عودتهم ، كان أولهم سؤال هام للغاية ... لم إختارها لإنقاذها من الحريق ، هل كان يعلم أن "كاتينا" ستغدر به وتحاول قتله .؟؟!!..
والسؤال الأهم .. من أين أتى بالسلاح وكيف صوبه نحوها بهذه الدقة والمهارة دون أن يرمش له جفن ..؟!!!
وفي النهاية .. سؤال عن ماهية هذا الرجل فكيف بعد قُربه من "كاتينا" إلا أنه لم يبالي بها وهي صريعة أرضًا بعدما أطلق عليه الرصاص ..؟!!!
أخذت تلك الأفكار تتخبط برأسها دون النطق بها حتى وصلا بالنهاية إلى الكوخ ، كان "معتصم" بدوره صامتًا للغاية ...
كم كانت تود تفسيرًا منطقيًا لما يحدث حولها تريد معرفة هذا الرجل الذي يخفي أكثر مما يظهر ، لتنتظر فرصة مواتيه لتبدأ سلسلة أسئلتها لتهدئة فِكرها المُجهَد ....
فور وصولهم إلى الكوخ جلس "معتصم" بمقدمته فوق الدرجات الخشبية بينما وقفت "عهد" بمواجهته لتبدأ سؤالها بنبرتها الحادة ، فلن تترك الأمر إلا بتفسير منطقي لما يحدث فهي لم تعتاد على هذا الغموض الذي لا يشعرها بالراحة ...
- إنت إزاي قلبك جامد كده ... ؟!! هي مش كانت صاحبتك ... إزاي ضربتها بالنار وسبتها ومشيت ... حتى لو كانت خاينة ... بس إنت ما كنتش تعرف ... ثانيًا بقى وده المهم إنت جبت المسدس منين ....؟!!!
نظر "معتصم" نحوها نظرة طويلة متعمقة قبل أن تميل شفتيه ببسمة خفيفة ، لقد شعر بالنشوة لما سببه لعقلها من إجهاد ، أجابها ببرود أعصاب أثار ريبتها ...
- حقول لك يا "عهد" ... ولا أحسن أقولك يا .... حضره الظابط "عهد" ...!!!
إتسعت عسليتاها بصدمة ، وشعرت برودة إجتاحت جسدها ، فمن أين عَلِم بحقيقة شخصيتها التي لم تظهرها بالمرة ، ولا يعلم أحد عن حقيقتها تلك مطلقًا لتنفي الأمر بشكل قاطع ...
- ظابط ... !!! ظابط إيه ...؟!! إنت بتقول إيه ...؟! شكل دماغك تعباك شوية ...
وضع "معتصم" ساقه فوق الأخرى بثقة وبعض الغرور وهو يطالع توترها بعد كشف حقيقتها التي ظنت أنها تخفيها عنه ليجيبها بيقين تام من معرفته بهويتها ...
- أنا عارف كل حاجة عنك .... وعارف إنك ظابط مخابرات من يوم ما جيتي ودخلت الكوخ هنا ...
فغرت فاها بصدمة وهي تستفهم منه كيف علم بذلك ....
- إزاي ده ... إزاي أصلًا أنا محدش يعرف عني حاجة ... وهويتي كانت سرية جدًا ...!!!! إنت عرفت منين ...؟!!!
لم يتخلى "معتصم" عن ثقته الزائدة التي وصلت لحد الغرور ليستطرد قائلًا يزيد من دهشتها الحديثة ...
- لأن أنا زميلك يا "عهد" ... أنا كمان ظابط مخابرات ... وكنت في مهمة قبلك هنا ...

كانت عيناها كجهاز كمبيوتر يعيد على ذاكرتها بعض المشاهد الهامة لتلك المهمة التي قامت بها ...
كان بدايتهم بمشهد لقائها مع السيد "نظمي" بمكتبه حين أوكل إليها تلك المهمة قائلا .. (أنا عارف إنك قدها يا "عهد" ... المهمة دي ما أقدرش أبعت غيرك فيها ...)

تذكرت لحظة إطلاعها على الملف ومعرفة أبعاد تلك المهمة الغامضة .. وهي الحفاظ على حياه المهندس تقنيي الكمبيوتر المقيم بالكوخ أعلى جبال الجنوب السويسري والذي تُهدد حياته بالخطر ممن تدعي صداقته ، فهي تهدد حياته بشكل لا يدركه وعليها حمايته مهما تطلب الأمر ..

تذكرت بالبداية حين أقامت بالكوخ وبدأت تجمع معلوماتها عن طبيعة علاقة "معتصم" و "كاتينا" وبدأت سلسلة حمايتها له بأن وصلتها رسالة من مُتابعها بالقيادة بالقاهره بأن عليها التدخل وكسب إنتباه "معتصم" ودب الغيرة بقلب "كاتينا" ....

تذكرت كيف تصنعت الإعجاب به لتثير غيرة تلك الشقراء والتي نجحت ببراعه بذلك وكان عليها إفساد توافقها مع "معتصم" لتفسد خطتها بصنع الكعك له ...

وميض آخر لاح بذاكرتها حين علمت بأن "كاتينا" تسعى للتخلص من "معتصم" وعليها حمايته بكل السبل ، أخذت تراقبها جيدًا حين فصلت "كاتينا" أضواء الكوخ وتربصت بـ"معتصم" لتقتله حين عودته في الظلام ، لتنقذه "عهد" من بين أيدي تلك الخبيثه ، لكن كان عليها ألا تُظهر هويتها له تنفيذًا لتلك التعليمات التي وصلت إليها ...

لم تكن ذكرياتها تتوقف عند هذا الحد لتتذكر حاولة "كاتينا" الثانية لقتل "معتصم" والتي كادت أن تنجح بها عن طريق الحبوب المنومة التي رأتها تضعها له بالقهوة أثناء تصنعها للنوم على الأريكة ، وعندما تأكدت أن العبوة هي لتلك المادة التي سترديه قتيلًا اذا تناول تلك القهوة فإضطرت لسكبها لإنقاذ حياته مره أخرى دون الإفصاح عن هويتها ...

تذكرت وضعها لتلك الأسطوانة لتحديد الموقع بجهاز الحاسوب الخاص بـ"معتصم" قبل رحيله مع "كاتينا" للوصول إليه قبل أن تحاول "كاتينا" التخلص منه مره أخرى ، وأن بحفاظها على حياة "معتصم" قد أدت مهمتها على أكمل وجه ...

لكن المحير الآن انها لم تكن تعلم إنه ضابط مثلها بالمخابرات ، بل كل ما تعرفه عنه إنه تقني للكمبيوتر و عليها حمايته حتى لو فقدت هي حياتها ...!!!

وقفت بالذهول وهي تنظر بأعين مصدومة للغاية ، فلماذا لم يخبرها السيد "نظمي" أنها هنا لحماية زميل لها ..؟؟! لماذا كانت تلك المهمة غامضة إلى هذا الحد ...؟؟؟ ولم يتعامل "معتصم" معها كما لو لم يكن يعلم بالأمر ..!!!! فما يخبرها به الآن أنه يعلم هويتها منذ أن دلفت لداخل الكوخ وعلى دراية مسبقة بكل شئ ...

هل تخوض معركة تحارب بها بمفردها أم أنها جزء من تلك المجموعة ، فحتى وإن كانت ستخوض تلك المعركة فعليها توفير بريق سيفها لمعركة تستحق ، صراع من نوع آخر بداخلها جعلها تنتظر إيضاح يريح نفسها المشحونة ...
أسئلة محيرة مُجهدة لعقلها ، زادها توضيح "معتصم" الذي لم يريحها بالمرة بل زاد من شحن نفسها وضيقتها ، خاصة حين علمت بأنها لم تحظى بكل المعلومات عن هذه المهمة ، فقد تغاضى فريق عملها عن توضيح الأمر لها وإبقائها على جهالة بالأمر ...

بعد دقائق من الإندهاش والصمت أثناء تذكرها لتلك الأحداث الماضيه ، نظرت تجاه "معتصم" نظرة مقتضبة يشوبها المزيد من الغضب قائله بحدة ...
- لا معلش فهمني بقى واحدة واحدة ... إيه الحكايه ... ظابط إيه ... وعارف إيه ...؟!!!
لم يتحرك "معتصم" عن موضعه الواثق مطلقًا بل إستكمل بخيلاء عن إدراكه لكل الأمور دون أن يظهر ذلك لها ...
- أنا الرائد "معتصم دويدار" شغال معاكِ في جهاز المخابرات ... كانت مهمتي هنا إني أوصل لمقر البيت الآمن للإستخبارات الروسية ... لأن في جهاز مزروع في البيت ده وكان لازم أوصل له ... ومكنتش عارف اوصل للمكان لأنه في مكان صعب الوصول إليه ... فكانت مهمتي إني أكون بشخصية تقني كمبيوتر إخترع برنامج يقدر يشغل المفاعلات النووية ... وكنت متوقع انهم حيبعتوا لي حد علشان ياخذوه مني ... وكانت "كاتينا" هي الشخص ده .... طبعًا أنا أسأت تقدير مهارة "كاتينا" .... وظنيت إنها مجرد فتاة عادية ... يعني حتسرق مني البرنامج وبس ... عشان كده كان لازم إنى أقنعها إننا نيجي نقضى أجازة هنا في الكوخ ... وده طبعًا لأن مكانه قريب من مكان المقر الآمن ... لكن برضه معرفتش اوصل للمكان بدقة ... والظروف سمحت لنا تقدير وقت العاصفة وإنها حتسهل لنا إننا نقعد وقت أطول ... ونقدر ساعتها نوصل للمقر الآمن ...
أجابته "عهد" بتشتت ودون فهم لطبيعة مهمتها إذا كانت مهمته بتلك السهولة ...
- طب معلش ... أنا كان لازمتي إيه ...؟!! إنت تمام إتقابلت مع "كاتينا" .... وطلعتوا برحلتكم وقعدتوا في الكوخ ... وبقى سهل جدًا إنك توصل للمقر الآمن ... كل ده تمام ... أنا إيه طبيعة مهمتي ...؟!! عشان أنا مش فاهمه ليه طلبتوا مني إن أنا آجي وأحميك وإنت قادر وفاهم وعارف كل حاجة ...؟!!!
زاد "معتصم" من بسمته الجانبية وغلبه غروره الزائد ليوضح بإستفاضة ...
- كان في شك عند السيد "نظمي" إن الإستخبارات الروسية بدأت تشك في موضوع البرنامج .... وكان لازم نعمل لهم إلهاء أو تشتت بحد معين يهتموا بيه أكثر ويغفلوا عني ... انا كمان ما كنتش قادر أوصل للمقر الآمن وكان لازم أحسس "كاتينا" إن أنا وهي في خطر ... وده أنا إللي طلبته من السيد "نظمي" ... إنه يبعت لي حد يكون تشتت ... عشان كده أول ما جيتي ولقيتك بتتكلمي مصري فهمت على طول إن إنتِ المرسال إللي حيشتت "كاتينا" .....

تبقى بذهنها سؤالاً وحيدًا لتنخفض نبرتها قليلًا وهي تسأله بدون إظهار أي رد فعل على ما يخبرها به ...
- موضوع الإلهاء او التشتت ده ... كان ممكن يكون فيه أي خطورة ...؟!!
ضمه "معتصم" شفتيه الممتلئتان قبل أن يقوسهما للأسفل موضحًا بإسهاب مرة أخرى ...
- طبعًا ... طبعًا ... الروس دول ما بيهزروش ... لو كانوا حسوا بأي خطر من ناحيتك حيهدد وصولهم للبرنامج ... أكيد كان حيتصرفوا بأي صورة ... المهم يوصلوا له مفهومة يعني ...
كان وقع الكلمة قاسي للغاية لكنه كان مصيب تمامًا ، فلو كان كُشف غطائها أو إعترضت وصول "كاتينا" للبرنامج لكانت في عداد الموتى ، تهدج صدرها للحظات لتثبت عيناها جانبًا فقد أدركت الأمر جيدًا ، لتعيد بصرها نحوه قائله بأنفاس طويلة ونفس محطمة ، فكم كانت قليلة الشأن يمكنهم التضحية بها من أجل تنفيذ تلك المهمة وإنقاذ "معتصم" وإتمام مهمته ، حتى انهم بخلوا بإعطائها تلك المعلومة ، و أوكلوا إليها مهمة مزيفة لمجرد تثبيت مكانته وأمانِه لإتمام ما جاء إليه ، لتردف بقوة برغم نفسها المهتزة ...
- يعني أنا كنت مصدر إلهاء وبس ..... مهمتي أشتت الإنتباه عنك ... حتى لو إتكشفت مش مهم .... !!! حتى لو إتقتلت مش مهم ....!!! المهم إن مهمتك إنت تكمل ... يعني أنا مكنتش .... غير كبش فداء ..!!!!!!!!!!!!

ويبقى للأحداث بقية ،،،
انتهى الفصل الخامس عشر ،،،
قراءة ممتعة ،،،
رشا روميه (قوت القلوب)

 •تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent