رواية اسيره في مملكة عشقه الفصل الخامس عشر 15 - بقلم سليا البحيري
فصل 15
بعد عدة أيام ، في مكتب الجد نادر
داخل مكتب فخم يحمل في زواياه عبق التاريخ والأصالة، جلس الجد الأكبر نادر على كرسيه الوثير خلف مكتبه العتيق، وأمامه ابنه عادل، وإلى جانبهما محمود الصاوي، يتبادلون الحديث بصوت خافت.
فجأة، يُفتح الباب بعنف، ليظهر سليم، ملامحه كانت متجهمة وعيناه تحملان إصرارًا لا يمكن تجاهله.
سليم (بصوت حازم وهو يتقدم إلى منتصف الغرفة): جدي… بابا… عمي محمود… خلاص، طفح الكيل! لازم أعرف السبب الحقيقي ورا إصرارك على زواج غزل من غيث!
نظر إليه الثلاثة بهدوء، لكن لم يُجب أحد، كأنهم كانوا يتوقعون قدومه بهذه الطريقة.
سليم (متابعًا بنبرة أكثر حدة): أنا مش غبي، وعارف إنك ما بتاخد قرارات اعتباطية يا جدي… فيه سبب، وسبب كبير كمان، وإلا ما كنت تصرفت بالطريقة دي!
تنهد محمود بعمق بينما ظل عادل صامتًا، وكأنهما تركا الأمر لنادر ليكون هو من يتحدث.
أما الجد نادر، فبقي هادئًا، ينظر إلى حفيده كما لو كان يزنه بعينيه، قبل أن يميل إلى الأمام مستندًا إلى المكتب، ثم قال بصوت منخفض لكنه حمل ثقل السنين:
نادر: سليم… أنت رجل ذكي، وبتفكر بعقلانية، عشان كده هفهمك حاجة… أحيانًا، فيه أمور لازم تحصل قبل ما يجي وقتها… حمايةً لأشياء أهم…
سليم (بحدة): كلامك غامض! أي حماية؟ غزل مش بحاجة لحماية! إحنا موجودين، أنت موجود، العيلة كلها واقفة معاها!
نادر (بنظرة ثابتة): أيوه، لكن في حاجات أكبر مننا يا سليم… حاجات إحنا حتى الآن ما نعرفش كل أبعادها…
عبس سليم، بينما تبادل محمود وعادل نظرات متوترة، وكأنهما يعرفان ما سيقوله نادر، لكنه شيء لا يريدان الحديث عنه.
نادر (متابعًا ببطء وكأنه يزن كلماته بعناية): غيث مش مجرد شاب محترم، ولا مجرد اختيار مناسب… هو المفتاح، سليم. المفتاح لحماية غزل… وحماية العيلة كلها.
سليم (متراجعًا قليلًا وهو يحدق بجده بصدمة): حماية؟ من إيه؟
نادر (ينظر إليه مباشرة بنظرة قوية): من شيء… لو عرفته دلوقتي، مش هتقدر تتعامل معاه، ولا هتفهمه، لكن لما ييجي الوقت… هتعرف إن القرار ده كان الصح.
ساد الصمت، صوت عقارب الساعة كان الشيء الوحيد الذي يُسمع في الغرفة، بينما كان عقل سليم يعمل بسرعة، يحاول الربط بين كلمات جده الغامضة، إحساسه الداخلي يخبره أن الأمر خطير… لكنه أيضًا يعلم أن جده نادر لم يتخذ هذا القرار إلا لسبب وجيه.
سليم (بصوت منخفض لكنه حازم): طيب… هثق فيك، وهثق في قرارك، بس لو فيه خطر فعلاً… لازم أكون عارف كل التفاصيل وقتها.
نادر (بابتسامة خفيفة تحمل الكثير من المعاني): لما ييجي وقته يا سليم… هتعرف كل حاجة.
نظر سليم إلى والده عادل ثم إلى محمود، لكنه لم يجد إجابة مختلفة في وجوههم، فقط صمت ثقيل، وكأنهما يعلمان أن الجد قال كل ما يمكن قوله في الوقت الحالي.
أخذ نفسًا عميقًا، قبل أن يمرر يده في شعره بتوتر، ثم استدار ليغادر، لكن وهو يضع يده على مقبض الباب، سمع صوت جده مجددًا:
نادر (بصوت هادئ لكن يحمل ثقلًا رهيبًا): خلي عينك على غزل، كويس.
توقف سليم لثانية، قبل أن يخرج، وهو يشعر بأن هناك شيئًا أكبر بكثير مما يتخيله، لكن الوقت لم يحن بعد ليُكشف الستار عنه…
المشهد ينتهي على نادر الذي يراقب الباب المغلق، وعادل ومحمود اللذان يتبادلان نظرات صامتة، كأنهما يعرفان أن المستقبل يحمل ما لا يمكن تجنبه…
************************
في غرفة غزل
تجلس غزل على سريرها، يديها مشدودتان في كفيها، وجهها محمر من الغضب، عيناها الزرقاوان تشتعلان رفضًا. أمامها يقف سليم ابن عمها، واضعًا يديه في جيبيه، بينما تجلس ميار ابنة خالها على كرسي بجوارها، تحاول التحدث معها بلطف، لكن غزل كانت كالقنبلة الموقوتة.
غزل (بانفعال وهي تنهض واقفة): مستحيل! مش هتجوز! لا غيث ولا غيره!
سليم (بهدوء لكن بحزم): طب ليه مش غيث بالذات؟ أنتِ أصلاً شايفاه شخص كويس.
غزل (بحدة): غيث طيب جدًا، ومحترم، وراجل يعتمد عليه… بس مش معنى كده إني أتجوزه! أنا مش مستعدة، ولا عمري فكرت في الجواز أصلاً!
ميار (بتنهيدة وهي تحاول تهدئتها): طب ممكن تهدي؟ ماحدش قال إن الجواز هيتعمل بكرة الصبح، بس جدو نادر مصر، وأنتِ عارفة لما يقرر حاجة… صعب يتراجع.
غزل (تضع يديها على رأسها بعصبية): ده اللي مجنني! ليه جدو مصمم بالشكل ده؟ إيه اللي مخليه مستعجل كده؟ أنا لسه صغيرة، عندي أحلامي، حياتي، شغلي، مستقبلي!
سليم (يقترب منها ويضع يده على كتفها بلطف): غزل، محدش قال إن الجواز هيوقفك عن تحقيق أحلامك. بالعكس، غيث مش من النوع اللي هيقيدك، أنتِ عارفاه كويس… ده حتى أكتر واحد بيشجعك دايمًا.
غزل (تبعد يده بانفعال): مش فاهمين قصدي! أنا مش ضد غيث، بس مش عايزة الارتباط ده دلوقتي! مش عايزة حد يحط لي حدود لحريتي، ولا حد يتحكم في قراراتي، حتى لو كان أطيب إنسان في الدنيا!
ميار (برجاء): غزل، إحنا فاهمين إنك مستقلة وعايزة تعيشي حياتك بطريقتك، بس الزواج مش نهاية العالم! ممكن تلاقوا طريقة تخلي الجواز ده مناسب ليكم الاتنين.
غزل (بإصرار وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها): ومين قال إني لازم ألاقي طريقة أصلاً؟ أنا مش موافقة، وأول ما أشوف جدو هقوله إني مش هعمل حاجة غصب عني!
سليم (يرفع حاجبه بمكر): هتقفي قدام جدو نادر وتقوليله "لأ"؟
توقفت غزل، وشعرت للحظة بأنها قد دخلت معركة لا تملك كل أسلحتها فيها، لكنها لم تكن من النوع الذي يستسلم بسهولة.
غزل (بجموح): أيوه، هقوله!
تبادل سليم وميار نظرات تحمل الشك في كلامها، لكنهما يعرفان أنها عنيدة ولن تستسلم بسهولة.
ميار (بابتسامة صغيرة): حلو، وهنشوف جدو هيقول إيه.
سليم (وهو يهز رأسه): بس أنا متأكد إن غيث مش الشخص اللي المفروض ترفضي الجواز منه بالشكل ده، لأنه فعلاً واحد يستاهل.
غزل (تشيح بوجهها): هو يستاهل كل خير، بس أنا مش هغير رأيي.
ساد الصمت للحظات، قبل أن تتنهد ميار وتنهض، ثم نظرت إلى سليم الذي هز رأسه باستسلام.
ميار (بهدوء): طيب، إحنا حاولنا… بس أتمنى تفكري كويس، لأن شكل الموضوع أكبر من مجرد "جواز عادي".
سليم (بصوت منخفض لكنه جاد): وأتمنى لما تواجهي جدو… تكوني مستعدة للرد على اللي هيقوله.
نظر إليها نظرة طويلة قبل أن يغادر مع ميار، تاركين غزل في غرفتها، تفكر بكلماتهم… لكن عنادها كان أقوى من أي شكوك قد تراودها.
*المشهد ينتهي على غزل التي تجلس مجددًا على سريرها، تحاول أن تستوعب كل ما يحدث، لكنها كانت تعرف شيئًا واحدًا… لن تُجبر على الزواج، حتى لو كان العريس شخصًا رائعًا مثل غيث*
********************
خرج سليم وميار من غرفة غزل وهما يتبادلان نظرات محبطة، لم يتمكنا من إقناعها ولو قليلًا. وبينما يسيران في الممر، فوجئا بظهور إياد، عم غزل وسليم، الذي كان يسير بخطوات واثقة، مرتديًا قميصًا مفتوح الزر العلوي بابتسامة مرحة على وجهه.
إياد (بمرح وهو يضع يديه في جيبيه): مالكم يا أولاد؟ شكلكم طالعين من معركة؟
ميار (بتنهيدة مرهقة): مش غلط، فعلاً كانت معركة!
سليم (وهو يعقد ذراعيه): غزل رافضة الجواز نهائيًا، مهما حاولنا نقنعها.
إياد (يرفع حاجبه بمكر): أهااا… يعني بنت أخويا العزيزة عاملة دراما؟
ميار (تتأفف): دراما؟ لا، دي كابوس!
إياد (يضرب كفه ببعضه بحماس): طيب، خلي المهمة على عمكم إياد، أنا عندي أسلوبي الخاص.
سليم (بسخرية): قصدك أسلوبك اللي بيستخدمه مع البنات في كل مكان؟
إياد (بمزاح وهو يشير لنفسه): ولمَ لا؟ يمكن أكون أنا الحل السحري!
نظر إليه سليم وميار بعدم اقتناع، لكنه تجاهلهما ودخل غرفة غزل بكل ثقة.
---
المشهد: غرفة غزل – مواجهة إياد
وجد إياد غزل جالسة على سريرها، وذراعاها معقودتان أمام صدرها، وعيناها تعكسان عنادًا لا جدال فيه. أدار إياد عينيه في الغرفة وكأنه يدرس الموقف، ثم اقترب منها بخطوات هادئة وجلس على الكرسي أمامها.
إياد (بابتسامة جانبية): سمعت إن عندنا عروس عنيدة؟
غزل (بجفاف): مش عروس، ومش هكون.
إياد (يضع يده على صدره بمبالغة): أوف، كسرتي قلبي، كنت متخيلكِ هتفرحي وتعملي حفلة عشان غيث وقع في شباككِ.
غزل (بحدة): غيث مش وقع في أي شباك! وأنا مش هتجوز، مش عايزة، مش مستعدة، ومش مقتنعة بالفكرة أصلًا!
إياد (يميل للأمام وهو يضع مرفقيه على ركبتيه): طيب، فهمنا إنكِ مش عايزة، بس جدو نادر مش هيقرر حاجة من فراغ.
غزل (تعقد حاجبيها): ده اللي مجنني! ليه كل الناس مقتنعين إني لازم أقبل كده وخلاص؟ محدش عنده إجابة غير "جدو قرر"؟
إياد (بهدوء غير متوقع): بصراحة… عندكِ حق. بس برضو، في حاجة إنتِ مش شايفاها، أو يمكن مش عايزة تشوفيها.
غزل (تتراجع قليلًا): زي إيه؟
إياد (بابتسامة دافئة): إن غيث واحد من أفضل الناس اللي ممكن تفكري ترتبطي بيهم. راجل بمعنى الكلمة، محترم، طيب، مش بيتلاعب بالمشاعر، ودايمًا بيكون جنبك.
غزل (بتنهيدة وهي تنظر للأرض): أنا مش بقول إنه مش كويس، بس الزواج… الزواج حاجة كبيرة، ومش حاسة إني جاهزة ليه.
إياد (يميل إليها هامسًا بمكر): بس غيث مش أي حد… يمكن هو بالذات اللي هيخلي فكرة الجواز مناسبة ليكِ.
نظرت إليه غزل بحدة، لكنها لم تجد ردًا مناسبًا، فقط زفرت بضيق وأشاحت بوجهها بعيدًا، فعلم إياد أنها لن تقتنع بسهولة.
إياد (ينهض ويرفع يديه باستسلام): تمام، تمام، مش هضغط عليكي أكتر. بس فكري في كلامي، لأن لو كان عندي بنت… كنت هتمناها تتجوز واحد زي غيث.
نظر إليها بنظرة أخيرة قبل أن يخرج من الغرفة، تاركًا غزل وحدها، غارقة في أفكارها المتشابكة…
المشهد ينتهي على غزل التي تعض شفتها بتوتر، عقلها يعاند قلبها، لكن كلمات إياد ترن في أذنيها… هل حقًا غيث هو الشخص الذي قد يجعل فكرة الزواج مناسبة لها؟
*********************
بعد فترة قصيرة ، في قصر عائلة الشرقاوي – قاعة الضيافة
كان أفراد عائلة غيث يجلسون متقابلين في قاعة الضيافة الفاخرة، تحيط بهم أجواء الهيبة والرُقيّ التي تميز قصر عائلة الشرقاوي. رمزي، والد غيث، بدا متحفظًا بعض الشيء، بينما شيرلين والدته كانت تنظر حولها بإعجاب، وأمجد الصغير يجلس بينهما، يتأمل المكان بفضول بريء. أما غيث، فكان جالسًا في صمت، وجهه متجهم لكنه يخفي توترًا واضحًا.
دخل الجد نادر بخطوات واثقة، يتبعه والدا غزل – سليم وميار – ومعهم بقية رجال العائلة. جلس في مكانه المعتاد على الكرسي الفخم في صدر القاعة، ثم نظر إلى رمزي وشيرلين بابتسامة هادئة، قبل أن ينطق بصوته الحكيم.
نادر (بهدوء وهيبة): أهلًا وسهلًا بيكم في بيتنا، نورتونا.
رمزي (باحترام): الشرف لينا يا حاج، بس مش عارفين سبب الدعوة المفاجئة؟
نادر (بابتسامة مطمئنة): دعوتكم لأن عندي أمر مهم يخص ابنكم غيث… وحفيدتي غزل.
تبدلت تعابير عائلة غيث إلى الدهشة والاستغراب، فيما تبادل رمزي وشيرلين نظرات متسائلة. أما غيث، فشعر بانقباض غريب في صدره، وكأن قلبه أخبره بما سيُقال تاليًا.
نادر (بهدوء حاسم): قررت إن غيث هيتجوز غزل… قريبًا.
ساد الصمت… الصدمة شلّت الجميع، حتى أمجد، الذي كان يلعب بأصابعه، توقف وحدق بذهول في جده. رمزي وشيرلين لم ينطقا بكلمة، وكأن عقولهم تحتاج إلى وقت لاستيعاب ما سمعوه. أما غيث، فقد شعر وكأن قلبه توقف للحظة.
شيرلين (بتوتر وارتباك واضح): ج-جواز؟ حضرتك بتتكلم جد؟
رمزي (يحاول استعادة توازنه): بصراحة… إحنا مصدومين!
غيث (بصوت متردد لكنه قوي): جدي نادر… حضرتك متأكد من القرار ده؟ أنا… مش فاهم ليه؟
ابتسم الجد نادر، وكأنه كان يتوقع ردود الفعل هذه. نهض من مكانه وسار ببطء نحو غيث، ثم وضع يده على كتفه بتلك الهيبة الأبوية التي يمتلكها.
نادر (بلطف وحكمة): فاهم استغرابك يا بني، وحقك تسأل. لكن أنا مش من الناس اللي بياخدوا قرارات عشوائية… عندي أسبابي، وأسباب قوية كمان.
شيرلين (بتوجس): بس… غيث وغزل لسه بيدرسوا، وزواجهم المفاجئ… مش هيكون صعب عليهم؟
نادر (يبتسم مطمئنًا): أنا مش طالب منهم يسيبوا دراستهم، بالعكس، هيكملوا حياتهم مع بعض ويدرسوا سوا. أنا شايف إنهم مناسبين لبعض أكتر من أي حد، وغيث شاب محترم وشريف، ودي الحاجة اللي تخلي أي أب يثق إنه هيحمي بنته.
نظر رمزي إلى نادر بتمعن، ورغم صدمته، لم يجد أي أثر للطمع أو المصالح في كلام الرجل، بالعكس، بدا الأمر وكأنه يرى شيئًا أكبر من الجميع. التفت إلى غيث، الذي كان لا يزال في صدمة، ثم إلى شيرلين، التي كانت تعض شفتيها بتوتر.
رمزي (بعد لحظات صمت): إحنا ناس بسيطين، وعمرنا ما طمعنا في حاجة، لا مال ولا سلطة… بس القرار ده كبير، ومحتاج وقت للتفكير.
نادر (بابتسامة مطمئنة): وأنا مقدر ده، بس صدقني، القرار في صالحهم هما الاتنين… وأنت أكتر واحد عارف إن غيث راجل يعتمد عليه.
كان غيث لا يزال يحاول استيعاب الأمر، عيناه تائهتان، لكن جزءًا منه شعر بشيء غريب… وكأنه في أعماقه لم يكن رافضًا الفكرة كليًا، بل فقط لم يستوعبها بعد.
شيرلين (بصوت هادئ بعد تفكير): إحنا نثق في ابننا، ولو هو موافق… يبقى إحنا موافقين.
أمجد (بحماس طفولي غير مدرك لوقع الأمر): يعني غزل هتبقى مرات غيث؟! هتبقى أختي؟!
ضحك الجد نادر بينما نظر إليه الجميع بدهشة، أما غيث، فاكتفى بالنظر إلى شقيقه الصغير بنظرة معقدة، وكأن عقله لم يقرر بعد كيف يشعر حيال ذلك.
رمزي (بهدوء وهو ينظر لابنه): القرار الأخير ليك يا غيث، إنت شايف إيه؟
ارتبك غيث، لم يكن مستعدًا لإجابة مباشرة… لكن نظرات الجميع كانت تنتظر رده.
المشهد ينتهي على غيث، الذي يعقد حاجبيه بتوتر، بينما يحاول استيعاب القرار الذي سيغير حياته بالكامل…
**********************
ساد الصمت لثوانٍ بعد سؤال رمزي لغيث، لكن قبل أن يتمكن الأخير من الرد، انطلق صوت حاد وجاد كالرعد في القاعة.
سليم (بصوت صارم وهو ينظر إلى غيث بحدة): قبل ما تفكر ترد، لازم تعرف حاجة كويسة، يا غيث. زواجك من غزل مش مجرد قرار بسيط، دي مسؤولية… وأي خطوة غلط منك، مش هتعدي بسهولة.
اتسعت عينا غيث قليلًا، لكنه بقي صامتًا، يحاول الحفاظ على هدوئه رغم التوتر الذي بدأ يتسلل إلى صدره. أما أمجد الصغير، الذي كان يجلس بجوار والدته، فقد تقلص جسده قليلًا، وبدأت شفتاه ترتجفان وهو ينظر إلى سليم برعب.
أمجد (يهمس بخوف وهو يتمسك بيد والدته): ماما… الراجل ده مرعب!
انتبه سليم إلى الطفل الصغير المرتعب، فزفر بضيق قبل أن يشيح بوجهه عنه. أما شيرلين، فاحتضنت ابنها بحنان، بينما رمزي حاول تهدئة الأجواء بابتسامة صغيرة.
رمزي (بهدوء لتخفيف التوتر): سليم بيه، إحنا ناس متواضعين وبسيطين، وفاهمين كويس إن غزل بنتكم الغالية… بس غيث مش هيفرط فيها، لو وافق، هتكون على رأسه من فوق.
نادر (مقاطعًا بهدوء وحزم): وأنا واثق في غيث، وإلا ما كنت قررت القرار ده. لكن كلام سليم برضه صحيح… دي مش حاجة بسيطة.
عاد الجميع بنظراتهم إلى غيث، الذي كان يحاول جاهدًا أن يبقى متماسكًا رغم الضغط. أخذ نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى نادر مباشرة، وكأنه يبحث عن تفسير أكثر لهذا القرار.
غيث (بصوت ثابت لكن مليء بالتوتر): حضرتك عارف إني عمري ما أفكر أؤذي غزل أو أسبب لها أي ضرر، بس… أنا عايز أفهم السبب الحقيقي ورا القرار ده.
نادر (بنبرة هادئة لكن غامضة): الأسباب عندي يا بني، ومش كل شيء لازم يتقال في وقته… بس صدقني، لما يجي اليوم اللي تفهم فيه، هتشكرني.
لم يكن ذلك الجواب كافيًا لغيث، لكنه أدرك أن الجد نادر ليس من النوع الذي يتراجع عن قراراته أو يكشف كل أوراقه بسهولة. زفر بصمت، قبل أن يرفع عينيه ببطء إلى سليم والد غزل، الذي لا يزال ينظر إليه بصرامة.
غيث (بهدوء وجدية): لو وافقت، هتعامل مع غزل باحترام، وهفضل دايمًا محافظ عليها… دي وعدي ليكم.
سليم (بصوت بارد محذرًا): أتمنى إنك تفهم معنى كلامك ده كويس، لأن أي غلطة… ثمنها هيكون غالي.
تصلبت ملامح غيث للحظة، لكنه لم يتراجع، فقط أومأ برأسه بثبات. أما أمجد، فظل متشبثًا بوالدته وهو يرمق سليم بنظرات مرتعبة، قبل أن يهمس بصوت صغير:
أمجد (بخوف): بابا… متأكد إن غيث عايز يتجوز عندهم؟ المكان ده مخيف!
كتمت شيرلين ضحكتها، بينما رمزي ضرب رأس ابنه بخفة، في حين ظل سليم والد غزل ينظر إلى غيث نظرة طويلة قبل أن يحوّل عينيه إلى الجد نادر، الذي اكتفى بالابتسام برضا، وكأن الأمور تسير تمامًا كما خطط لها…
المشهد ينتهي على نظرات غيث القلقة، ونظرات سليم الصارمة، وصمت الجد نادر الغامض…
*******************
بعد لحظات من الصمت التقيل، الباب اتفتح بعنف بسيط، وظهر خيال غزل وهي داخلة بخطوات واثقة. وقفت في نص القاعة، إيديها متشابكة على صدرها، وعينيها الزرقا لونهم كله سخرية واضحة.
غزل (بابتسامة ساخرة وهي بتبص للكل): الله! يعني قعدتوا واتفقتم على مستقبلي من غير حتى ما تفكروا تسألوني؟ بجد تصرف عبقري! عبقري جدًا كمان!
غيث بصّ لها بسرعة، باين عليه التوتر، بينما سليم أبوها زفر بضيق، أما الجد نادر فاكتفى يراقبها بصمت وابتسامة خفيفة على وشه كأنه متوقع رد فعلها ده.
سليم والد غزل (بصوت حاد): غزل، خدي بالك من كلامك!
غزل (بتهكم وهي بتميل رأسها): آه طبعًا، لازم أخد بالي! طب قولولي كده، إزاي المفروض أعبّر عن رأيي "بأدب"؟ أشكركم جدًا على اتخاذ القرار عني؟ ولا أصفقلكم عشان قررتوا جوازي من غير حتى ما أفتح بوقي؟
الكل ساب عينه تنزل للأرض للحظة، ورمزي، والد غيث، حاول يتدخل بهدوء عشان يهدّي الموقف.
رمزي (بلطف): آنسة غزل، إحنا طبعًا بنحترم رأيك، بس الجد نادر كان واضح… وأكيد عنده أسبابه.
غزل (مقاطعة بحدة وهي بترفع حاجبها): أسبابه؟ آه، طبعًا! طب ينفع بقى حد يتكرم ويقولي الأسباب دي؟ ولا نخمن؟ يمكن مثلا لقيتوني عبء ولازم تتخلصوا مني؟ ولا قررتوا إني مش هعرف أحقق حاجة في حياتي غير الجواز؟
سليم والدها شد فكّه وهو بيبص لها بنظرة حادة، بينما غيث أدار وشه في إحراج من طريقتها اللاذعة.
الجد نادر (بهدوء، قاطعًا كلامها): غزل، محدش هنا هيجبرك على حاجة من غير سبب… بس بكرر، إنتِ مش مضطرة تفهمي كل حاجة دلوقتي.
غزل بصّت لجدها بغضب، وبعدها ضحكت بسخرية وهي بتحط إيديها على وسطها.
غزل (ببرود): آه، طبعًا… الجملة السحرية "مش مضطرة تفهمي كل حاجة دلوقتي." شكرًا جدًا على الشرح العظيم يا جدي! طب خلاص، بما إن الاجتماع العائلي العظيم خلص، أقدر أمشي؟ ولا المفروض أمضي على عقد الجواز وأنا واقفة؟
سليم والد غزل (بصوت محذر): غزل، بلاش قلة أدب
غزل طنّشت تحذيره، وبصّت لغيث للحظة قبل ما تاخد نفس عميق وتلفّ بسرعة خارجة من القاعة، رافعة دقنها بعناد واضح. أما سليم ابن عمها وميار بنت خالها، اللي كانوا واقفين بيتابعوا المشهد من بعيد، تبادلوا نظرات قلق.
أمجد الصغير (يهمس لوالدته وهو باصص على غزل الراحلة بخوف): ماما… العيلة دي كلها مرعبة، مش بس الراجل ده-يشير نحو سليم -
شيرلين كتمت ضحكتها بالعافية، بينما الكل فضل ساكت، بيتابعوا غزل وهي خارجة تاركة وراها توتر في المكان… وقرار شكله مش هيكون سهل أبدا.
المشهد ينتهي على نظرات الجد نادر الثابتة، وإحساس غيث العميق إن الأمور هتبقى أصعب بكتير مما كان متخيل…
**********************
بعد خروج غزل بعناد، ساد الصمت للحظات، ثم زفر الجد نادر بهدوء، وهو يلتفت إلى رمزي، والد غيث، الذي كان لا يزال في حالة صدمة.
الجد نادر (بحزم): على بركة الله… هنتفق على الإجراءات النهارده، والجواز هيكون قريب.
نظر له الجميع باندهاش، بينما رمزي وشيرلين تبادلا نظرات مترددة.
رمزي (بتوتر): بس… بس يا حاج نادر، مش شايف إن الأمور سريعة شوية؟ غزل واضح إنها مش موافقة…
الجد نادر (بثقة): غزل بنتي، وأنا عارف مصلحتها أكتر منها… هتفهم مع الوقت.
سليم والد غزل (بجدية): وبالنسبة للإجراءات، إحنا هنتكفل بكل حاجة… الفرح هيكون في القصر، ومفيش داعي لأي تكاليف تقل عليكم.
غيث كان ساكت طول الوقت، مش قادر يفهم إزاي حياته قلبت بالشكل ده، لكنه اضطر يتكلم أخيرًا.
غيث (بتوتر وهو بيبص للجد نادر): بس يا جدي… يعني، أنا مستعد لأي حاجة تطلبوها، بس غزل… لو مش موافقة، إزاي هنكمل؟
سليم ابن عم غزل (بابتسامة خفيفة وهو يربت على كتف غيث): اوعى تفتكر إن غزل هتسيبك بسهولة، هتقاوح شوية بس في الآخر هتقتنع، إحنا هنبقى معاك.
ميار ابنة خال غزل (بمرح وهي بتغمز لغيث): حظ سعيد يا عريس، عندك عروسة عنيدة جدًا!
ضحك البعض بخفوت، لكن غيث لم يكن قادرًا على الابتسام، لا يزال يشعر بثقل القرار.
شيرلين (بقلق وهي تنظر إلى زوجها رمزي): إحنا مش عايزين أي حاجة غير رضاهم، وإحنا نثق في قراركم بس… ياريت الموضوع يبقى بالهدوء…
الجد نادر (بثقة): كله هيتم زي ما قولت… وإحنا اللي هنتكفل بكل حاجة، من أول الشبكة لحد الفرح.
مازن (أخو غزل الصغير، بحماس): يا سلام، يعني هنشوف غزل بفستان الفرح قريب؟ دي هتبقى حاجة تضحّك!
ضحك أمجد الصغير أيضًا، لكن غيث كان لا يزال متوترًا، فيما نظر سليم والد غزل لوالديه، عادل وصفاء، ثم إلى الجد نادر.
سليم والد غزل (بحزم): تمام، نبدأ الإجراءات فورًا، وأتمنى إن غزل تتقبل الموضوع بأقل عناد ممكن.
الجد نادر (بهدوء حاسم وهو ينهض من مجلسه): متقلقش… العند ده جزء من شخصيتها، بس في الآخر، كل شيء هيمشي زي ما أنا شايفه.
نظر الجميع لبعضهم البعض، مدركين أن الجد حسم الأمر… وأن زفاف غيث وغزل أصبح أمرًا واقعًا، سواء وافقت غزل بسهولة، أو قاومت حتى النهاية
*********************
بعد أن حسم الجد نادر القرار، خيّم الصمت للحظات، قبل أن يُفتح الباب فجأة، وتقتحم القاعة فتاة صغيرة بشعرها البني المرفوع في ضفيرتين وعينيها الواسعتين المليئتين بالبراءة. كانت حور، شقيقة غزل الصغرى، تلهث قليلًا من الركض، وعندما وقعت عيناها على أمجد، تجمدت في مكانها للحظة قبل أن تهتف بسعادة.
حور (بحماس وهي تشير إلى أمجد): أمجد! إنت هناااا!
التفت الجميع نحو الطفلة الصغيرة التي ركضت مباشرة نحو أمجد، بينما وقف الأخير مذهولًا.
أمجد (بدهشة وهو يشير لنفسه): إيه ده! حور؟!
حور (بحماس شديد): أيوه أنا! أنت بتعمل إيه هنا؟!
نظر أمجد نحو والديه في ارتباك، بينما ضحكت ميار ابنة خال غزل بخفوت، أما الجد نادر فابتسم وهو يراقب التفاعل الطفولي.
رمزي (والد غيث، وهو يربت على رأس أمجد): إحنا جينا علشان موضوع مهم يا أمجد…
أمجد (مقاطِعًا باندهاش): لحظة… حور، إنتِ ساكنة هنا؟!
حور (تهز رأسها بفخر): طبعًا! ده بيتي… إنت اللي إزاي جيت هنا؟!
نظر أمجد نحو والديه مجددًا، ثم إلى غيث الذي بدا وكأنه يتمنى لو يختفي من الموقف بالكامل.
أمجد (يفكر للحظة، ثم يهتف بدهشة): أوووه! لحظة… ده معناه إنك أخت غزل اللي المفروض تتجوز أخويا؟
اتسعت عينا حور بصدمة بريئة، ونظرت إلى الجميع في دهشة قبل أن تلتفت لغيث، ثم إلى أمجد، ثم همست بحماس وكأنها اكتشفت سرًا خطيرًا.
حور (بصوت منخفض ولكن بحماس): يعني… يعني غيث هيبقى جوز أختي؟!
انفجر الجميع في الضحك، حتى غيث نفسه ابتسم رغم توتره، بينما ارتبك سليم والد غزل ومسح وجهه بضيق.
سليم والد غزل (بصرامة لكن بنبرة ساخرة): هي حور كمان بقت معترضة على الجواز؟!
حور (بحماس وهي تلوّح بيديها): لأ، لأ! بالعكس، أنا مبسوطة! غيث لطيف، وأنا بحبه… يعني مش بحبه حب الكبار، بحبه حب الأصدقاء!
ضحكت شيرلين والدة غيث وهي تنظر إلى الطفلة اللطيفة، بينما مال أمجد نحو حور وهمس لها بسرية.
أمجد (بخبث): إنتِ عارفة إن ده معناه إنك هتبقي شبه أختي؟
اتسعت عينا حور بحماس أكبر، ثم قفزت بحركة طفولية سعيدة وهي تهتف بسعادة.
حور (تصيح بسعادة): يااااي! يعني هبقى أختك! ده أحلى يوم في حياتي!
انفجر الجميع ضحكًا على عفوية الطفلة، بينما نظر سليم ابن عم غزل إلى غيث بغمزة ماكرة.
سليم ابن عم غزل (يضحك وهو يربت على كتف غيث): على الأقل، عندك حور موافقة على الجوازة!
ضحك الجميع مجددًا، بينما كان غيث لا يزال غير مستوعب لكل ما يحدث حوله، في حين كانت حور الصغيرة تقفز في مكانها بسعادة، وكأنها وجدت أخًا جديدًا بالفعل
******************
بعد ساعات من الاجتماع في قصر الشرقاوي، عاد غيث وعائلته إلى منزلهم المتواضع. كان المنزل هادئًا، لكن الجو كان مشحونًا بالدهشة والارتباك. جلس رمزي، والد غيث، على الأريكة وهو يخلع سترته بتعب، بينما كانت شيرلين، والدته، تمسك بكوب ماء تحاول استيعاب ما حدث. أما أمجد، فقد جلس على الأرض متربعًا وهو ينظر إلى الجميع بحماس واضح، في حين وقف غيث بجوار النافذة، يعقد ذراعيه أمام صدره، وعيناه شاردتان تمامًا.
أمجد (بحماس وهو يلوّح بيديه): بصراحة، أنا شايف إن ده أحلى يوم في حياتي!
رمزي (ينظر إليه بتعب): أحلى يوم في حياتك؟! يا ابني إنت كنت معانا ولا في قصر تاني؟!
شيرلين (بتنهيدة وهي تضع يدها على رأسها): بصراحة، أنا لسه مش مستوعبة اللي حصل… معقول فعلاً نادر باشا قرر إن غيث لازم يتجوز غزل؟!
أمجد (بمرح وهو يهز رأسه): أيوه، وكمان حور مبسوطة جدًا علشان هتبقى أختي!
غيث (بصوت منخفض لكنه يحمل دهشة واضحة): الموضوع مش منطقي خالص… ليه أنا بالذات؟! ليه الجد نادر مصر على الجوازة دي؟!
نظر رمزي إلى ابنه بتمعن، ثم تنهد وأشار إليه بالجلوس.
رمزي (بهدوء لكنه جاد): اسمع يا ابني، إحنا مش عيلة طماعة، وأنت عارف ده… صحيح الجوازة دي غريبة، بس الراجل عنده أسبابه، وواضح إنه مش بيهزر.
شيرلين (تهز رأسها بموافقة): إحنا ناس بسيطين، عمرنا ما تخيلنا نرتبط بعيلة الشرقاوي… بس من اللي شوفناه النهارده، واضح إنهم مش بيتعاملوا معاك كحد غريب.
ظل غيث صامتًا للحظات، قبل أن يتنهد ويضع رأسه بين يديه.
غيث (بصوت منخفض لكنه مثقل بالأفكار): غزل أصلاً مش عايزة الجوازة دي… شفتوا نظرتها؟ شفتوا كلامها؟ هي شايفة إنها مسجونة وسط عيلتها، و جوازي منها هيكون القيد الأخير ليها.
ساد الصمت لثوانٍ، قبل أن يتحدث أمجد بحماس وهو يرفع يده وكأنه اكتشف الحل السحري.
أمجد (بابتسامة واسعة): بسيطة! ما تتجوزهاش!
رمزي (بتنهيدة وهو ينظر لابنه الصغير): يا بني، إنت فاكرها لعبة؟!
شيرلين (تنظر إلى غيث بجدية): بص، إحنا عمرنا ما هنجبِرك على حاجة، القرار في إيدك… بس خليك عاقل، فكر كويس قبل ما تاخد أي خطوة.
ظل غيث صامتًا، بينما أفكاره تتلاطم بعنف في رأسه… الزواج من فتاة لا تريده، ولكن لعائلة تضع ثقتها فيه. لماذا هو؟ وما السر وراء هذا الإصرار؟
المشهد يُغلق على نظرات غيث الشاردة، وأمجد الذي يجلس على الأرض، يراقب الجميع وكأن الأمر مجرد مغامرة مسلية بالنسبة له…
*******************
في غرفة غزل – فيلا الشرقاوي
غزل جالسة على سريرها، عيناهما تغرق في الحزن، شعرها البني الفاتح مبعثر حول وجهها النحيف. كان الصمت يلف الغرفة، فقط همسات الهواء تداعب الستائر. فجأة، يُفتح الباب وتدخل شخصية صلبة لكنها محبة: سليم، والد غزل. خطواته الواثقة تتوقف أمام الباب لحظة، ثم يدخل بهدوء، يتوقف عند طرف السرير وهو يراقب ابنته بصمت لثوانٍ.
سليم (بصوت حنون وهو يقترب منها): غزل… يا حبيبتي، في حاجة مش مظبوطة هنا؟
غزل ترفع عينيها نحوه، وتتأمل ملامحه الجادة، ثم تنهدت وأخفضت رأسها من جديد.
غزل (بصوت منخفض، مليء بالحزن): مش عارفة، يا بابا. أنا مش عايزة الجواز ده. أنا مش جاهزة ليه. مش هقدر أكون زي باقي البنات وأحط نفسي في الحتة دي…
سليم يقترب منها أكثر، يجلس على طرف السرير بالقرب منها، ثم يضع يده على كتفها برفق.
سليم (بحنان، وهو يربت على كتفها): أنا فاهم يا غزل، فاهم إنك مش عايزة تتحملين المسئولية دي، أو إنك تحسّين إن حياتك هتتغير. بس زي ما أنا عايزك تحققي أحلامك، عايزك كمان تشوفي الصورة الكاملة.
غزل ترفع رأسها لتلتقي عيناها بعيني والدها، ترى فيهما حبًا صادقًا وخوفًا عليها.
غزل (بقلق): بس الزواج ده هيوقفني عن تحقيق أي حاجة يا بابا. أنا مش عايزة أكون مقيدة بحياة مفيهاش حرية.
سليم ينظر إليها بعينين مليئتين بالحكمة والحنان، ثم يتنهد، وكأنه يريد أن يشاركها شيئًا يخفف من قلقها.
سليم (بصوت هادئ): الزواج مش قيد يا غزل… مش معناه إنك هتسجني نفسك. الحقيقة، الجواز مش بيعني إنك تخسري نفسك أو أحلامك. في ناس بتقدر توازن بين حياتها الشخصية، وبين حاجات تانية في حياتها. وبعدين، غيث مش أي حد. هو شخص محترم جدًا، هيسندك ويشجعك.
غزل تلتزم الصمت، عيونها مليئة بالتساؤلات بينما والدها يواصل الحديث بحب وحنان.
سليم (بابتسامة محبّة): أنا عارف إنك لسه شايلة الهم ده في قلبك، وإنك مش متأكدة. بس خليكي قوية. غيث مش هيفرض عليك أي حاجة، وهتكونوا فريق واحد. وأنا واثق إنك هتلاقي طريقة توازن فيها بين حياتك وحياته، وتحققي كل حلم ليكي.
غزل تبقى صامتة لبرهة، تفكر في كلام والدها، ثم تنظر إليه، وفي عينيها لمحة من التردد.
غزل (بصوت منخفض): يعني… إنت شايف إن ده الصح؟
سليم يبتسم بلطف، ويرتفع صوته وهو يجيبها بحنان.
سليم (بإصرار هادئ): أكيد، يا غزل. أنا واثق إنك هتكوني سعيدة. وإحنا كلنا هنا عشانك، هنسندك في كل خطوة.
غزل تأخذ نفسًا عميقًا، ثم تبتسم بابتسامة صغيرة، على الرغم من الحزن الذي لا يزال في عيونها.
غزل (بهمسات خفيفة): خلاص، بابا. هحاول أقبل ده… بس لازم أعرف إزاي أحقق أحلامي برضه.
سليم يبتسم بحب، ويعطيها قبلة على رأسها، قبل أن ينهض ليغادر الغرفة، وهو يتركها تفكر في القرار الذي سيكون له تأثير كبير على حياتها القادمة.
سليم (وهو يغادر الغرفة): هتنجحي في كل حاجة يا غزل، وأنا واثق فيك.
المشهد يُغلق على غزل، جالسة على سريرها، تفكر بعقل وقلب مليء بالتردد والتحدي......
•تابع الفصل التالي "رواية اسيره في مملكة عشقه" اضغط على اسم الرواية