Ads by Google X

رواية قارب الموت الفصل الخامس عشر و الاخير 15 - بقلم مريم الجنيدي

الصفحة الرئيسية

  

 رواية قارب الموت الفصل الخامس عشر و الاخير 15 -  بقلم مريم الجنيدي


(١٥-النهاية)
                                    
                                          
ربنا نهاية الطريق لم تكن كما رسمنا، ربما أحلامنا ليست نفسها قدرنا المكتوب، ما اتجهنا له كان سراب منثور، لا أعلم ماذا كان سيحدث لو لم نتخذ هذا الطريق، لكن الشئ الأكيد أن حياتنا ربما كانت ستكون أفضل، الأكيد الآن أننا خسرنا جزء كبير من نفسنا، لم نعد كما كنا، ربما عندما نخرج للحياة مره اخرى سنكون مختلفين تماماً عن نفسنا....



أرض الوطن لم تكن سوى سجن واسع، نتخبط فيه ببعضنا، نتشدق بالحرية لكنها حرية مزيفه وهميه لا يدرك حقيقتها سوى.... الناجين منها 



الطائرة التي قادتنا كانت عباره عن سجن كل كرسي محاط بالحديد كأننا قادرين على الهروب في السماء!!



 لم يكن هذا سوى كسر المزيد من نفسنا الابيه 



الغريب أن عددنا كان قليل، هل هؤلاء الناجين فقط من القارب؟



كان الأمر مريب، الإجراءات متعتمه،  دخولنا للطائرة في مكان فارغ 



حتى الآن بعد وصولنا لمصر!!!!



كانت صدمتي وقتها كبيرة، هل عدنا لمصر!! هل تحركت بلدي للبحث عني! 



نظرت لعبد الرحمن بقلق و عدم فهم بينما هو أسود وجهه و قد كانت معالم وجهه المحتقنه تصيبني بالجزع ماذا سيحدث لنا!!



اثناء نزولنا من الطائرة، لم أتوقع أن أراها صدمة رؤيه شقيقتي في المطار هنا سلبت تفكيري!! 



لكنها لم تكن في استقبالي، بل كانت ترتدي الزي الرسمي هنا، هل عملت شقيقتي في المطار!



شعرت بالتشوش، وحاولت قدر الإمكان الظهور لها أو التأخر في سيري لكنهم سحبوني بعنف بعيد عن المكان في جو مليء بالغموض 



لكن ما أراح بعض من انقباض قلبي، رأيتها تستلم الورق الخاص بالطائرة، و الأكيد أن أسمي مكتوب من ضمن المسافرين على متنها



هل يعقل أن ترسم الأقدار بهذا الشكل
أن تكوني شقيقتي أمامي ولا تراني و لا اسمع حتى صوتها، و تستقبل هي الطائرة التي كنت محتجز عليها 



لم اتمنى شيء بحياتي بمقدار أن تفتح نور شقيقتي ورق الطائرة أن ترى اسمي فقط، أن تعلم أنني على قيد الحياة، أن تطمئن قلب والداي و زوجتي، أن تريح بعض من عذابي ....



من قال أن زمن المعجزات انتهى!!
كل يوم في حياتنا معجزة تحدث ربما لا نعلم عنها شيء لكنها تحدث 




استلمت نور شقيقة باهي المتدربة في مطار القاهرة الدولي الأوراق الخاصة بالطائرة التي وصلت منذ قليل من الكابتن الخاص بها لكي تذهب بها لأحد المسؤولين ليوقع عليها، تحركت ببعض الحماس لكن شابه الريبة وهي تبصر الطائرة فارغة لا تعلم متى ترجل الركاب منها!! لكن ما أثار ريبتها أكثر وجود هذا الحديد المحاط به المقاعد!!
   
                
"أي دخلك هنا، خدي الورق و أمشي الدخول ممنوع" 
قال أحد المسؤولين هذه الجملة يمنعها من الدخول للطائرة لتومأ له و تتحرك عبثت بالورق بيدها وهي تنظر له لتتوقف قدمها بذهول بمجرد أن رأت اسمه، لا تصدق شعرت أنها تتهيأ لكن لا هي ترى اسمه! هل هذه حقيقة هو هنا!! شقيقها هنا..... 
حاولت حبس دموعها وهي تطلع الاسم الحبيب تتأكد من كل حرف 



الأقدار تسوقنا لنفترق ثم نلتقي تحت نفس السماء و نفس المكان، لكن ربما بعد كل هذا لا نلتقي 



بعد كل المجهود التي تكبدته، و الفيديوهات العديدة التي نشرتها تصرخ بها مطالبه أحد المسؤولين بالتحرك لإنقاذ هؤلاء البشر 



لا تصدق أن بعد كل هذا، سيكون ورق وصول شقيقها للبلاد بين يديها و بمحض هذه الصدفه 



إن الله لطيف بنا.....






أما عند باهي و عبد الرحمن
كانت ملامحهم الجامدة خير دليل على ما تكبدوه، و ما هم واثقين منهم أن وقوفهم على أرض وطنهم لا يعني نهاية طريق العذاب 



ربما وجودهم في هذا المكان هو بداية طريق آخر من العذاب و الحبس..... وقد كان
الحياة ليست لطيفة لترحب بك و تفتح ذراعيها لك



تأكد أنك ستظل تشقى فيها، ولن تعلم متى نهاية هذا الشقاء



ربما غلطة ارتكبتها في ذروه غضبك تكون نقطة تحويل مسار حياتك، و تأكد أن كل القرارات التي اتخذتها وقت غضبك ستكون المسار لتحول حياتك لجحيم فعند الغضب الشيطان هو من يتحكم بقراراتك، وبعد الغرق، يقول لك وداعاً هذه غلطتك.... فاحترس 




أبتسم باهي بعد أن أغلقت عليه أبواب الحبس بجواره عبد الرحمن..



نظر الاثنين لبعض بكأبه تشوبها اليأس
"هي دي النهاية!"  
سأل باهي بهذه الجملة الميته 



ليرد عبد الرحمن 
"ممكن تكون دي بداية لطريق أسود تاني" 



رد باهي وهو يجلس أرضاً
"أنا معتش فاهم حاجة، إحنا إزاي جينا هنا، إزاي محدش حتى كلمنا" 



أبتسم عبد الرحمن ساخراً
"عمرنا مهنفهم لعب السياسة بين الدول، كل واحد بيعمل لمصلحته" 



"بس أنت أسمك كان متسجل أنك موجود، أنا لا" 



جلس عبد الرحمن جانبه 
"اللي متأكد منه يا باهي أنك رغم كل اللي حصلك دةء ربنا نجاك من مصير كان هيبقى أصعب، أنت متعرفش بيعملوا اي مع اللي زينا، دول لقوا صيده كبيرة، جابوا شويه مننا قدام الكاميرات أنهم انقذونا و دول اللي نجوا من الحادث، و أنهم بيعملوا كل جهدهم للسيطرة على الموضوع، في نفس الوقت أخدوا عدد أكبر يبعوه للمافيا يشتغلوا معاهم كبش فدا، أو يبعوهم لتجار الأعضاء، وشهم الأسود المختفي ورا الفيلم المزيف اللي عملوه مسيره يتعرف"




        
          
                
اتسعت أعين باهي بإدراك ليقول بخفوت
"يعني كانوا هيتاجروا فينا!" 



أومأ عبد الرحمن له
"بالظبط رغم كل اللي إحنا فيه و اللي شوفناه هناك لكن ربنا نجانا من مصير أسوأ بكتير، كنت قلقان عليك، وعلى نسيم ليعملوا كدة"



سأل باهي 
"نسيم قريبتك!" 



أومأ عبد الرحمن بجمود
"رغم كل اللي حصل، و طرقنا اللي بتتقاطع غضب عنا، كان مصيرها مكتوب يكون معايا، تعاني زي، وأنا اللي هربت من كل دة، قدرها خلاها تهرب مني هي كمان، عشان في الآخر نلاقينا إحنا الاتنين هربانين على نفس المركب، كنت حاسس أنها مسؤوله مني، كنت خايف يعملوا فيها حاجة في الحبس"



نظر له باهي يتساءل بصمت و قد فهم عبد الرحمن سؤاله ليقول 



"ملامحها بتقول أن حصلها حاجة، بس جرح رجولتي مسمحليش اسألها حصلها أي كفاية اللي أنا فيه، مش قادر اشتال أكتر من كدة" 



أغمض باهي أعينه بتعب وهو يتخيل معاناه فتاة في هذا الأمر، أنه أشبه بالنحر البطيء، المؤلم وجود فتيات و نساء كثيرة على القارب معهم 



أنه رجل و لا يستحمل ما حدث، ماذا عن الفتيات، كم المهانة و الذل و الأكيد التحرش و التجاوزات، دعى من قلبه أن لا يكون الأمر أكثر من هذا، فلا فتاة تهرب من بلدها بهذه الطريقة سوى لأسباب قوية، لا تستحمل أن تذبح  أنوثتها أكثر دون حتى أن تستطيع الصراخ أو الاستغاثة بأحد، الأمر كخنجر ينغرز في القلب و كل دقيقة أحد يضغط عليه أكثر



سأل باهي بصوت مبحوح 
"تفتكر الحياة اللي خليتنا ناخد الطريق دة كانت مستهلكة!" 



نظر عبد الرحمن أمامه وهو يتذكر حياته قبل أن يتخذ هذا الطريق المظلم
"مفيش حاجة مستهله أنك تعرض حياتك للموت بالشكل دة، كنا مفكرين أن هنتعامل أحسن و أنهم بيخافوا على روح الإنسان، و التنديد بحقوق الإنسان و حقوق الحيوان، و حقوق حقوق، بس أول ما يحصل مشكلة بجد يقولك سلام، هما تقريباً مش بيحافظوا غير على الإنسان اللي بيحمل جنسيتهم بس، لكن اي إنسان تاني ملوش لازمه، مجرد دمية بيحركوك حسب مصالحهم، هيستفادوا منك ياخدوك، مش ملزمين يرموك"



أومأ له باهي ثم قال بسخرية 
"حتى بعد كل اللي حصل دة، معتش هينفع نعيش هنا، لو خرجنا  من هنا هتعمل أي مع قريبتك هتتجوزها!" 



نظر له عبد الرحمن بتفكير لم يخطر في باله هذا السؤال! ربما لأنه لم يخطر في باله أنهم سيعيدوهم مره آخرى لمصر، لكنه توصل لإجابة يخشاها 
أنه لن يستغنى عنها، لن يتركها وحيدة تصارع وحوش العالم وحدها، لقد وضعها القدر في طريقه و أصبحت مسؤوله منه 



ليهزر رأسه 
"الله أعلم، محدش عارف ربنا كتبلنا أي، مصيرنا بيتغير بين الدقيقة و التانية" 




        
          
                
تنهد  عبد الرحمن و بداخلة العديد و العديد من علامات الاستفهام لا يعلم لماذا رحلوهم هم فقط لمصر مره آخرى مع العلم هناك ناجيون آخرين كانوا معهم، و ماذا سيحدث معهم الآن 



ليهمس باهي بقنوط وهو ينظر للسقف حيث حدود حريته



"دة لو خرجنا من هنا!!" 
==================
أما عن نسيم قد جفت دموعها، أصابها الوهن، روحها مذبوحها، كل يوم مر عليها كان تغرق أكثر في الجحيم 



لم يكن هين عليها ما مرت به 
و بعد كل هذا تخرج من حبس لحبس أكثر ظلمه 
أغمضت أعينها تبكي بانهيار 
لتفتح أعينها على فتح باب الحبس ليقول العسكري بصوت خافت 
"في مكالمة جيالك مخصوص متوصي عليكي من ناس فوق أوي" 



اتسعت أعينها بعدم فهم وهي تأخذ الهاتف لتضعه على أذنها لتستمتع لصوت تعرفه جيداً 



"ازيك يا نسيم" 



همست بعدم تصديق
"عمو عرفات!" 



وصلها الصوت القوي الواثق 
"متقلقيش يا نسيم قريب هتخرجي من هنا" 



أسرعت بسرعة تردف بلهفه 
"و عبد الرحمن موجود هنا يا عمو محبوس " 



صمت عرفات قليلاً ثم قال بحشرجة 
"محدش بينسى إبنه يا نسيم...." 



قد يأتي الفرج قريب..... 
=======================



 تعمل بقنوط في أحد المحلات في إيطاليا، فقدت ملامحها بهجتها بعد أن فقد قلبها أمانه 



تقدمت منها صاحبة المحل، امرأة كبيرة في السن مبتسمه ذات ملامح مشرقة ودودة 



"لا تعبسي حبيبتي، ابتسمي للحياة كي تبتسم لكِ" 



نظرت لها سيلا بقنوط 
"لا شئ يجعلني أبتسم، أشعر كل يوم بضياع أكثر، جزء بداخلي مفقود، هناك شيء ناقص، الفراغ بداخلي كل يوم يزيد بعدم وجوده" 



ما قالته حقيقة، منذ عده أشهر و بعدما وصلت لهذه الأرض وحدها تشعر بالخواء، داخلها فارغ قلبها متألم، تبحث عن شقيقها في  كل وجه تراه لكنها تعود حائبه الرجاء في نهاية اليوم اللي المنزل الصغير الذي تسكنه لتجلس على الأريكة و تنظر أمامها تتذكر حياتها مع شقيقها الراحل و تبكي، هذه كل أيامها على مدار الشهور الماضية، لكن هذا لا يمنع امتنانها لهذه السيدة التي عملت معها في محلها، فهي تعاملها بود، تبتسم كل يوم لها، تعطيها بدون مقابل، كأنها تخبرها مازال هناك خيرًا في الدنيا استمري!! 



ربتت السيدة على كتفها بمحبه ثم سحبت مقعد لتجلس أمامها 
"بل هناك أشياء كثيرة تبتسمي عليها، أعلم أن داخلك يتألم من أجل فقد شقيقك، تشعرين بالوحده و الفراغ، شعرت بكل هذا عندما مات زوجي، كنت اجلس هنا و اتذكر كل شيء يفعله، بكيت كثيراً، لكن عندما مر وقت في البكاء و الرثاء تدهورت صحتي، قال لي أحدهم مره جملة لازلت اتذكرها، من مات مات و انتهى البكاء لن يعيده يحق لكِ الحزن عليه، لكن ليس من حقك أن تجعلي الحياة تسلبك عمرك في الرثاء، لقد ترك لكِ زوجك زكريات تتذكريها و تبتسمي، ترك لك أثره في كل شيء، وهذا حبيبتي ما أريدك أن تفعليه، أن تنظري لنفسك لمستقبلك، لقد نجاكي الرب من الموت، و تخطيتي كل العقبات لتصلي هنا سالمة، مازال أمامك فرصة لا تجعلي الحياة تسلبك عمرك في الحزن، ابتسمي للحياة و تحديها، ابتسمي للناس كلما تذكرتي شقيقك ابتسمي، سيكون سعيد بهذا عزيزتي" 




        
          
                
مسحت سيلا دموعها التي فرت على وجنتها ثم ابتسمت للعجوز أمامها بامتنان 
"أشكرك سيدة ماري، لقد رزقني الله بكِ كي يعوضني مُر أيامي، بدونك لا أعلم كيف كنت ساتخطى الكثير من الأمور " 



ابتسمت لها السيدة الودودة بحب
"لا عليكِ صغيرتي، أنتِ كابنتي، فلم يرزقني الله بأي أبناء، لذلك اعتبرتك ابنتي، المحبة تقع في القلوب بدون حساب، وجهك الصبوح المريح كان ألطف ما رأيت" 



احمرت وجنتي سيلا بخجل وهي تميل لتحتضن العجوز بحب 



بعد قليل نهضت العجوز تسحبها من يدها وهي تتحدث ببشاشة و حماس 
"هيا صغيرتي باقي اليوم أجازة لكِ أذهبي للتنزه و تمتعي لشروق الشمس، هناك أشياء لم تفقد بهجتها هنا، انظري للسماء و الزهور و اذهبي لرؤيه نافورة الأمنيات، تناولي المعكرونة أو البيتزا، هيا اقبضي على السعادة بيدك ولا تتركيها، ابحثي هنا و هنا حتى تمليء الفراغ بداخلك، إيطاليا واسعه ستجدين ما يعوض الجزء المفقود بداخلك" 



نظرت لها سيلا بتردد
"كيف ساتركك و ارحل، لا يمكن ربما تحتاجين لشيء"



ضحكت السيدة ماري بنزق 
"ماذا سأحتاج يا صغيرة، أستطيع تدبر أمري، هيا هيا اذهبي و تمتعي ببعض الحياة"



خرجت بخطوات مترددة تسير بين الناس بنظرات خائفة متوترة، لكن كلمات السيدة ماري مازال صداها يرن بعقلها 



توقفت فجأة و نظرت للسماء كأنها تبحث باعينها على وجه عبيدة الحبيب، لكنها لم تجد سوى العصافير التي تطير بحرية، و السحاب الأبيض 



لتبتسم وهي تأخذ بعض الأنفاس 
"عبيدة... وحشتني وحشتني اوي، الأيام صعبة من غيرك، بس بحاول أكمل، بحاول مقفش زي ما أنت عودتني، أنت سعيد!! متخفش عليا هكون كويسة دة أنا ترببتك، لو الطريق قفل في وشي هشوف طريق تاني، ولو المركب هتغرق هنط و اعوم لبر الأمان، أرتاح يا حبيبي مش هستسلم، الله يرحمك يا حبيبي الله يرحمك، في الجنة إن شاء الله، أشوفك في الجنة يا حبيب قلبي" 



تنهدت بأعين دامعه لكنها ابتسمت، تعمل بنصيحة السيدة ماري" كلما تذكرتي شقيقك ابتسمي"



تحركت بخطوات أكثر ثقة، يختفي منها التردد شيءً فشيء 



فتحت أعينها على الأشياء التي لم تفقد بهجتها، ربما انطفاء الألوان كان منها هي، لذلك حاولت أن تزيل غمامة الانطفاء و تنظر للجانب الممتلئ من الكوب، لقد منها الله فرصة آخرى عليها أن تحمد الله على هذا، فهو مسبب الأسباب، وهي هنا في هذا المكان بالتأكيد لسبب ما 



نظرت للورود و الأشجار  السماء  ، اشترت المخبوزات وجلست في أحد الحدائق تتناولها 



وقفت أمام نافورة الامنيات و ابتسمت بسخرية، أنها خدعة أو تقليد لا تؤمن هي به، أن ترمي عمله في الماء و تتمنى امنيه! 




        
          
                
لما عليها أن تتمنى أمنية واحده مقابل عمله، فهي تستطيع الدعاء بكل الأمنيات التي ترغبها و سيحقق الله لها ما فيه الخير...



لذا وضعت العمله مره آخرى بحقيبتها و ألتفتت لترحل 



"لا تؤمنين بهذا العبث صحيح" 



ألتفتت على هذه الجملة الإيطالية التي أصبحت تتقنها نوعاً ما من خلال الاختلاط بهم و بمساعدة السيدة ماري، شاهدت شاب بملابس مهندمة و وجه وسيم لديه بعض الوشوم على كفه، لكن نظراته العميقة نحوها كان بها شيء من .... لا تعلم لكنها أصابتها بالتوتر 



لتقول بلا مبالاة
"نعم" 



سألها بفضول وهو يقترب منها 
"إذا بماذا تؤمنين" 



رفعت سيلا أعينها له وردت دون تردد و ثقة 
"أؤمن بالله لا اله الا هو" 



و دون حديث آخر تركته و رحلت ليبتسم وهو ينظر في أثرها بفضول..... ثم تحرك خلفها يجذبة المزيد من الفضول، فهو لا يرى كل يوم فتاة تمتنع عن رمي العملة في النافوره و تمني أمنية!!.....



ربما نبدأ دروب جديدة من الحياة، أو تجذبنا الحياة نحو أبواب لا نعلم ما خلفها سوى بفتحها، نحن نتخطى العثرات لأننا مجبورين على المضي قدماً في الحياة، ربما نسقط في بعضها و ربما نستطيع النجاح و التجاوز، فالدنيا ليست كلها أسود وليست كلها أبيض، أحياناً تكون مزيج بين الإثنين، بعض الاختيارات القاسية و المؤلمة قد تكون ابتلاء من الله، فقد كتبت الأقدار ورفعت الأقلام و جفت الصحف. 



=======================



فتح أعينه بتعب الرؤية مشوشة أمامه، و بعد عدة محاولات من استعادة وعيه، استطاع أن يرى ما أمامه 



أين هو!! ما هذا الألم في خصره؟ 
رفع رأسه يرى ما يحدث حوله، هو في المستشفى؟ 



أغمض أعينه يحاول تذكر ما حدث، و بعد فترة فتح أعينه يتذكر ما حدث في عراك الشوارع 



اقتربت منه احد الممرضات تقول شئ لم يفهمه 
ليتحدث هو بانجليزية ضعيفة 
"ماذا حدث، أين أنا" 



ردت عليه بالانجليزية و لم يفهم منها سوى أنه في المستشفى و قد تم إنقاذ حياتة، لعن نفسه لهروبة من دروس اللغة الإنجليزية فهو الآن في ورطة!
 لكن اتسعت أعينه عند استماعه لكلمة الشرطة!! 



تركته بعدما لم تجد رد منه فنظر حوله برعب، استقام من مكانه رغم الألم الشديد الذي عصف به 
مسك خصره وهو يحاول القيام و التحرك من مكانه حتى يهرب قبل مجيء الشرطة، إن علموا أنه بلا هوية!! لا يعلم العواقب لكن تواجده هنا خطر، خصوصاً بعدما حدث



تحرك بخطوات حريصة يحاول ألا ينتبه عليه أحد و بعد عناء خرج أخيرًا 



نظر حوله بضياع لا يستطيع تحديد وجهته!! 




        
          
                
شعر بألم شديد في حضره لينظر لكفه الموضوع مكان الجرح ليجد بعض قطرات الدماء 



حاول أخذ أنفاسه بهدوء حتى يهدء من الألم، لكن ألم جسده مع ألم الطعنة كان فوق قدرته على الإحتمال، جلس جانباً بعدما ابتعد عن المشفى بخطوات متعثرة،
أغمض أعينه بشدة من قوة الألم



فرت بعض الدموع من أعينه لا يصدق ما وصل إليه حاله يجلس على الأرصفة مطعون ولا يستطيع حتى الصراخ أنه يتألم بل يكاد يموت من الألم



ماذا يفعل! لقد ظن أنه سيموت من الطعنة لا محالة، لكن من الواضح أن بعد كل ما حدث مازال في عمره بقيه؟



وضع يده على رأسه بقله حيلة ظل على جلسته و قد مرت الساعات دون أن يعلم عددها حتى أستمع لصوت أذان يأتي من مكان قريب نسبياً، انتفض من مكانة بعدم تصديق نظر حوله يبحث عن مكان المسجد الذي يؤذن 
تحرك بخطوات بطيئة يتتبع مصدر الصوت، حتى أخيرًا استطاع أن يصل، أرتجف جسده بقوة وهو ينظر لفخامة المسجد الهيبة الطاغية عليه، صوت المؤذن الخاشع الذي أصاب جسده بانتفاضة غريبة 
تقدم بارتجاف للداخل بعد أن خلع حذائه و بمجرد أن خطت قديمة أرض المسجد الشريف حتى خر على عقبيه وهو يبكي بشدة 



أقترب منه بعض من أهل المسجد يساعدوه وهم يسألوه على حاله وهو لا يفهم ما يقولون 



ليقترب منه شيخ كبير في السن يسأله ما به 



ليرد عمار بصوت مرتجف 
"مش فاهم، مش فاهم" 



سأله الشيخ بدهشه بلغه عربية ركيكة 
"هل تتحدث العربية" 



أومأ له عمار بأمل دب به بعدما وجد أخيرًا أحد يفهمه 
ليسأله الشيخ بقلق 
"ماذا حدث لك بني!"  



أجاب عمار وهو يغمض أعينه بتعب، و قد استكان جسده بعدما شعر بالأمان هنا 



"المعاصي عملت فيا كدة، عايزة أتوب...." 



ثم أغمض أعينه وهو يبتسم براحة 
ليقول الشيخ لمن حوله 
"ادخلوه هذه الغرفه لنرى ما به، بسرعة، الشاب ينزف، لقد أرسله الله لنا كي يتطهر من معاصيه" 



لا تقنط من رحمة الله فإن الله غفور رحيم كريم 



===================
 
الهجرة الغير شرعية هلاك، ليست الطريق السهل الذي سينقلك لعالم الأحلام الوردي
أولاً لا يوجد عالم وردي في هذه الحياة 
لا تجعل نفسك محطة شبوهات، لا تلقى بنفسك في طريق التهلكه، ستتجرع الذل و الإهانة و العذاب جسدياً و نفسياً



فقد العديد و العديد من الشباب حياتهم في الهجرة الغير شرعية، تحللت جثثهم في البحار دون حتى تكريم جثمانه بالدفن، و مازال أهلهم عاجزين عن معرفه مصيرهم 



ربما نجى البعض و كون حياة جيدة، لكن تأكد أن خلف كل ضوء ظلام، و مهما كان الظلم في ارضك، ستجد اضعافة في ارض ليست أنت واحد منها، الحقوق  التي ينددون بها  بفخر في بلادهم ما هي إلا وجهه تخفي بشاعهتهم القاسية و تجبرهم إتجاه كل غريب أو مناقد لافكارهم الفاسدة 



ربما انتهت الرواية لكن لم تنتهي حياة كل من أبطالها بعد



كانت هذه الرواية تعرض صورة لما يحدث لكل مهاجر، ربما ما يحدث أكثر بشاعة من ما كُتب، لكن تمت كتابة هذا العمل من أحداث واقعيه لأشخاص حقيقيين ندعوا الله أن يردهم لأهلهم سالمين، كُتبت لتمحوا الضوء الامع لطريق  مظلم..... ربما لم تسلط الضوء على ما يحدث في الجانب الآخر لأهالي المهاجرين لكن لك أنت تتخيل موقفهم و هم لا يعلمون أبنائهم ماتوا أو على قيد الحياة، تخيل مدى العذاب الذي يحيوه كل يوم!! 



ندعوا الله أن يرد كل مفقود لأهله، وأن يصبر أهل المتوفين و يلهمهم الصبر و السلوان 



تمت بحمد الله 

 


google-playkhamsatmostaqltradent