Ads by Google X

رواية ظننتك قلبي الفصل الثالث عشر 13 - بقلم قوت القلوب

الصفحة الرئيسية

 رواية ظننتك قلبي الفصل الثالث عشر 13 - بقلم قوت القلوب 

(الفصل الثالث عشر)
الحيرة إختيار فأنا من أضع نفسي على الحافة أنتظر لأقع بين حيرتي فإما أن أختار ما "يجب" وإما أن أختار "ما أريد" ، أنا من شتت نفسي بتلك الحيرة والوقوف بمفترق الطرق ، لكن مازالت أمامي الفرصة لأصلح ما بدأت وإن توجبت على الحيرة فالإختيار قرار ...

❈-❈-❈

بيت عائلة الأسمر ...
تغيرت .. نعم رغم صمتي وإنعزال نفسي ، رغم أني فضلت السكون إلا إنى قد تغيرت ، لم يعد قلبي هو قلبي فقد تبدل لعضو ينبض ليعيش ، فرغ إحساسه وصمتت لهفته ، وإن سألوني يومًا لما تغيرت سأجيبهم لأنني تأذيت أكثر مما أستحق ...
منذ ذلك اليوم الذى تعمد به "عاطف" إهانة "وعد" وكسر أنفها بما يدعيه من قوة ورجولة و "وعد" تعيش بسكون و إنهزام بهذا البيت فقط لأجل إبنها "زين" ، ربما فقدت أى مشاعر تجاه هذا الكائن متبلد المشاعر بذئ اللسان إلا أنها أضعف من تحمل مسؤولية طفلها وحدها ففضلت البقاء لأجله ..
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
تجنبت بكل الأشكال أى صدام أو حتى حديث مع "عاطف" ، وكيف لها بالحديث وقد ماتت بحلقها الكلمات ، لم يعد هناك بقلبها شغف لأى قرب منه لقد وضعته كما كان "غريبًا" ...
أخرجت بعض الصور التى تضمها مع أختها "عهد" تتطلع لبساطتهم وتلقائيتهم بها ، كم كانتا طفلتان بريئتان لم تدنس الحياة قلوبهم النقية بعد ..
حتى "عهد" لم تكن بتلك القسوة والخشونة بل كانت مثلها تمامًا تتمتع بذات الرقة والعذوبة والإحساس المرهف ، إتسعت إبتسامتهما لتملأ الكون بأكمله خاصة إلى جوار والدتهم "عايدة" ..
إبتسامة تحسر علت ثغرها فيا ليت تلك الأيام قد بقيت ، رجفة إنتابت قلبها المرهف حين تذكرت والدتها الحنونة فقد إشتاقت لها كثيرًا ، كم هو موجع الإشتياق لمن غاب ولن يعود ..
- الله يرحمك يا ماما ... كان نفسي تبقي معايا وتقوليلى أعمل إيه ...!! تعبت لوحدى وتهت فى طريقي ... حتى "عهد" هي كمان تاهت فى طريقها .. يا ريتك كنتِ معانا وأخدتينا تحت جناحك ...
ضمت الصورة لصدرها بقوة تسمح لدموعها التى غامت بخضراوتيها بالإنهمار ، عيبها الذى يغلبها ، كانت تظن أن إحساسها المرهف ولين قلبها هو ميزة كبرى لكنه يبدو أنه عيب يؤذيها ويحطم قلبها ...
رفعت وجهها نحو الفراغ تتذكر يوم آخر له بصمة بحياتها مع "عاطف" ....

فلاش باك ..
﴿ كان "عاطف بهذا اليوم متجمعًا مع والده "محفوظ" وأخيه الأصغر "محب" بالمعرض الخاص بهم ، تمسك "عاطف" بأحد الأوراق بإنفعال لينهض من جلسته قاضبًا حاجباه بقتامة ليردف بحدة ...
- إيه ده ...؟؟! إزاى يعملوا كدة ... ده كدة يبقى خراب بيوت يا بابا ... التقرير ده مش مظبوط ...!!!
إستدار "عاطف" نحو "محب" الهادئ تمامًا بأعصاب باردة كما لو أن الأمر لا يشغله إطلاقًا لينهره بقوة ...
- جرى إيه يا "محب" ...ما بلاش البرود اللي إنت فيه ده ... فكر معانا فى حل ... إحنا كدة حنروح فى داهيه إحنا الثلاثة ...
رغم قلقه إلا أن "محفوظ" كان دومًا يسيطر على نفسه فهو من يملك القرارات ليردف ببعض العقلانية ...
- إحنا لازم نشوف محامى ... التقرير الضريبي ده لو أقروه ونفذوه بالشكل ده وتقديرهم الجزافى بالمبلغ ده كله مش بعيد يحجزوا على أملاكنا كلها ...
إنتبه "محب" لتلك الكارثة التى ستحل بهم إن وصل الأمر لهذا الحد ، فهو لم يشأ التدخل حينما ظن أن الأمر لا يتعدى إحدى الإقرارات الضريبية المعتادة ، ليتطلع بإهتمام فالضرر سيصيبه معهم فحينما تتضرر مصالحه يبدأ بالإهتمام ليسائل بتحفز ...
- قصدك إيه يا بابا ...؟؟! إن مصلحة الضرايب ممكن تحجز علينا ...؟! 
زفر "محفوظ" بقوة ليردف بوجه مقتضب ...
- أيوة ... تقدير زى ده يخسرنا الجلد والسقط زى ما بيقولوا ... والسيولة إللي معانا متكفيش ندفع ... ساعتها حيحجزوا على كل حاجة ... وممكن يعلنوا إفلاسنا كمان ... متنسوش إن البضاعة اللي إستوردناها من فرنسا لسه واقفه فى الميناء مش عارفين نخرجها ...
ألقى "عاطف" بجسده فوق المقعد مكفهر الوجه ليزداد سُمرة عابثًا بشعره الأشعث بحيرة ...
- مينفعش نخسر ... إحنا طول عمرنا كبار فى السوق ... إحنا لازم نتصرف ... إن شا الله ندفع لأى موظف في الضرايب يظبط لنا التقارير دى ..
هب "محب" ثائرًا بإعتراض على إقتراح "عاطف" الأهوج رافضًا إياه بصورة قاطعة ...
- ندفع إيه وهباب إيه ...!!! إنت عاوز تزود البلاوى علينا .. وييجي موظف ميسواش حاجة يلبسنا قضية رشوة ...( ثم إستدار محب نحو والده الذى كان منصتًا لحديثهم بترقب يحثه على الرد ) ... ما تقول حاجة يا بابا ...!!!
تفكر "محفوظ" لبعض الوقت بحديث "محب" فربما يكون محقًا فلا داعى للمجازفة بالأمر ليوجه حديثه بضيق من تفكير "عاطف" المتسرع بإستهجان ...
- بس يا "عاطف" ... اللي بتقوله ده مش حل ... إحنا كدة بدل ما ندفع للضرايب حندفع رشوة للموظف ... يعني مكسبناش حاجة ...
إظهار "محب" لـ"عاطف" بأن فكرته قد تُسبب تورطهم وأنه بالتأكيد مخطئ بأفكاره جعل "عاطف" يثور غاضبًا من إظهاره بتلك الصورة ، فمدلل والدته لا يقبل أن ترفض أفكاره أو أن يظهر أحدهم خطأه حتى وإن كان والده ..
ضرب "عاطف" كفه بالطاولة بقوة وهو ينهض بإنفعال من تقليلهم من رأيه لحل تلك المعضلة ...
- هو كل فكرة أقولها مش عجباكم ...!!! خلاص .. بقيت أنا إللي مبفهمش ...!!! 
(ثم حدج أخيه بنظرات ساخطة حادة للغاية فهو السبب الذى جعل والده يلومه على فكرته ثم عاد محدثًا والده بغضب )..
- إبقى خلي النحنوح ينفعك ... أنا ماشي ...
وكما ينتهي كل حوار بينهم بإظهار "محب" له بأنه مخطئ سطحي الفكر وأنه هو من يفكر بعقلانية وهدوء ، مقارنة بينهم يقوم بها والده بكل عمل يقومان به ليضع "عاطف" بصورة المتهور سطحي التفكير ..
تلك الصورة التى رفض "عاطف" تمامًا الظهور بها ليسقط أسبابها على شخص واحد هو المتسبب بذلك ، حقد دفين توغل بنفسه تجاه أخيه الذى دومًا يُظهر نفسه ببراعة أفكاره وذكائه المتقد ...
خرج "عاطف" من المعرض ثائرًا وسط نداء والده الذى حاول اللحاق به ...
- إستنى بس يا "عاطف" ... خد هنا ... ده مش إسلوب كلام ده ...!!!!
إستدار "عاطف" والغضب يلفح ملامحه السمراء مستكملًا بإنفعال ، تلك الطريقة التى يخفى بها ضئآلة فِكره و سوء توليه للأمور ، كان لابد عليه إستكمال صورة الغاضب المقتضب حتى لا يظهر إنتصار "محب" عليه برجاحة عقله ...
- أنا مروح البيت .. مش قاعد لكم فيها .. خلي "محب" ينفعك ... مش هو ده أبو دماغ جامدة وأفكار مُعتبره وحيجيب لك التايهه ...!!! إشرب بقى ... وإبقى إدفع يا بابا ... أنا الحق عليا إني بدور على المصلحة .... ( ثم أكمل مستهزئًا ...) .. لكن إزاااى ... "عاطف" لازم يطلع وحش .. وحيودينا كلنا فى داهية ...
أنهى جملته ساقطًا بنظرة متأففة وهو يشيح بوجهه بعيدًا عن والده ليغادر المعرض بعجالة حتى لا يضطر للعودة برفقة والده والإقرار بأن "محب" أفضل منه ...
(من هذا الذى يظن نفسه أفضل من "عاطف الأسمر") .... هكذا حدث نفسه بينما شعر ببعض النشوة من داخلة وهو يسمع صوت والده المترجى من خلفه ...
- إرجع يا "عاطف" ... بلاش العصبية دى ... 
لم يكترث بندائه بل شعر بالزهو لترجي والده العودة وهو يرفض ذلك ليتخذ سيارته عائدًا للبيت ليتراجع "محفوظ" لمقعده يبحث الأمر مع "محب" لحل تلك الأزمة قبل أن يخسروا أموالهم ...
بنفس ضائقة وغضب تجلى بملامح هذا الثائر الذى عاد بغير موعده تطلعت "قسمت" بوجه ولدها المكفهر الذى تبحث عيناه عما يسقط عليه غضبه مشبعًا غاية بنفسه بأنه لابد وأن يكون محط الإهتمام والإرضاء وأن الكون كله لابد أن يدور فى فلكه وهو نجمها الساطع ..
إنتفضت "قسمت" نحو ولدها الأكبر الذى لا تضاهي محبته بقلبها أى من إخوته ...
- مالك يا حبيبي ... إيه إللي مضايقك كدة ...؟؟!
بمزيد من الإستمتاع وهو يرى والدته تحدثه بنبرتها القلقة ليرضى غروره بمحايلتها لمعرفة سبب ضيقه أجابها "عاطف" بأقتضاب ...
- مفيش حاجة ...
تفحصت بعيناها الصغيرتان وجه ولدها المتجهم و ملامحه المقتضبة لتردف بتأكيد ..
- لأ فيه ... وحاجة كبيرة كمان ...
ألقى "عاطف" بجسده فوق الأريكة مخرجًا سبب ضيقه تحت أعين "وعد" و "عتاب" بآخر الصالة اللاتي ينصتان بإهتمام ...
- يعنى أنا غلطان ... جالنا تقرير ضريبي زى الزفت حياخد اللي ورانا واللي قدامنا ولما ألاقى حل يطلع لي الأستاذ "محب" يطلعنى أنا اللي غلطان ..!!
أنهى عبارته مستهزئًا بأخيه لتتسائل "قسمت" عن ماهية هذا الحل ...
- حل إيه ...؟!! وكام يعني جه فى البتاع اللي إنت بتقول عليه ده ؟!.
إستدار بأعين محتدة تضئ ببريق كاذب يود به إظهار نفسه بسديد الرأى الذى لا يخطئ ، وأنه ضحية لأنانية أخيه الذى يود إظهاره بصورة سيئة قبيحة بأعينهم ..
- كنت حشوف حد يظبط لنا التقارير دى ويقلل المبلغ ... لكن إزاااى ...( قالها بإنفعال ساخط ) ... "محب" لازم يطلع صح وإن أنا اللي غلطان ومينفعش أتدخل فى الحكاية دى ...( حاول إلقاء الشك بقلوبهم تجاه أخيه ليستطرد قائلًا ..) ... شوفوا بقى هو فى نيته إيه ...؟!!
ولأنها تعلم طبيعة أولادها وأن "محب" ما هو إلا أناني لا يحب سوى نفسه ومصلحته زمت فمها بإستياء وهى تحاول إسترضاء "عاطف" ...
- ولا يهمك يا حبيبي ... هو أخوك كدة ... ميهموش إلا مصلحته .. لكن الباقي لأ ...
- اه ... "عاطف" هو إللي لازم يطلع وحش ...
رغم تجنب "وعد" لـ"عاطف" بالآونة الأخيرة خشية أى صدام بينهم إلا أنها تدرك تمامًا طريقته بإظهار نفسه المعصوم من الخطأ وأنه لابد كان سيحل الأمر بأساليبه الملتوية لتردف بدفاع عن "محب" ..
- هو أكيد مش قصده كدة يا "عاطف" ... يمكن الحل بتاعك ممكن يعمل مثلًا مشكلة تانية ولا حاجة ... 
هكذا دق ناقوس الخطر حينما توهجت عيناه الغاضبتان التى حاولت بكل قوتها أن تتلاشى الصدام بهما لأيام عدة ، غضب تدرك نهايته التى أصبحت تتكرر كثيرًا ، بقفزة واحدة كان "عاطف" يمسك بخصلات شعرها بين كفه القوى ليجذبها نحو الخلف معنفًا إياها وإزداد قسوة بمشاهدة "قسمت" و "عتاب" له ..
تراجع رأس "وعد" المتألمة للخلف تتأوه بصوتها الناعم..
- ااه ... شعري يا "عاطف" ...!!!
لم يبالي بها وبألمها ليردف مستنكرًا تدخلها وهو يحقر منها أمامهم ...
- إنتِ مين طلب منك تتحشري بينا ... إنتِ فاكره نفسك إيه ؟!! إوعى تكوني نسيتي نفسك .. محدش طلب منك تفتحي بوقك ...!!!
- إوعى طيب ... رأسي .... إوعى إيدك ...
زاد من جذبه لشعرها الذى قبض عليه بقوة يجرجرها نحو الصالة الكبيرة مرضيًا نفسه وشعوره بالسطوة والقوة ..
- حد طلب منك تتدخلي !!!!! وإلا إنتِ فاكره نفسك بتفهمي اللي محدش بيفهمه ؟!
كان يقصد أن يقلل من شأنها ومن إكمال تعليمها الجامعي بخلافهم جميعًا فلم ينهي أحدهم تعليمه سوى "محب" الذى يحمل له "عاطف" ضغينة أخرى ...
وبرغم إستمتاع كلا من "قسمت" و "عتاب" لفرض "عاطف" سيطرته على "وعد" إلا أن "قسمت" حاولت التدخل لتخليصها من غضبه ..
- خلاص يا "عاطف" ... سيبها مش كدة ..
نظر بحدة نحو والدته قائلًا ...
- بتتحشر فى الكلام لييه ...؟؟؟..
مدت "قسمت" يدها بهدوء نحو يد "عاطف" التى إشتبكت بشعر "وعد" كالوطواط دون ملاذ ..
- خلاص سيبها وهى مش حتتكلم تاني ...
حاولت "وعد" تبرير ما قالته فربما يحررها من بين غلظة كفه القاسية ..
- والله ما أقصد حاجة .. أنا بس بقولك يمكن "محب" يقصد إن الحل ده مش مناسب ... بس كدة ..
زاغت عينا "عاطف" لوهلة وهو يتابع عينا والدته وأخته بأنهم ربما يرون ما تراه "وعد" ووقتها سيكون "محب" مصيبًا برأيه و سوف يعلق الخطأ برقبته هو ويظهر مرة أخرى بمظهر السطحي المتهور ووقتها سيلومونه على إندفاعه وغضبه الغير مبرر ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بلحظة عبث بها شيطان أفكاره ليحول إتجاه الخطأ نحو "وعد" ليشوش عن الحقيقة ليظهر دائمًا بأنه على الصواب ولا يخطئ مطلقًا ...
لاحت تلك الفكرة الشيطانية لإقحام "وعد" بالأمر والتملص من اللوم الذى سيلحق به ليحاول بث الشك والظن السئ بزوجته ...
- وإنتِ بتدافعي عنه ليه ...؟!! هاااا ... بينك وبينه إيه ... إنطقي ؟!!!
لو كانت للعيون حديث لنطقت عيناها المصدومتان بصاعقة كلماته وإتهاماته المجحفة ، نظرت إليه بخضراوتيها المتشدقتان كمن تصرخ بكلمة ( لقد إكتفيت ) ، لحظات مشدوهة من الصمت فلم يعد للحديث حاجة لرد هذا الظلم ، لقد خاب ظنها به فقد ظنته رجلًا ، سندًا حاميًا لها من قسوة الأيام ، لكنه لا يرتقى لذلك على الإطلاق ..
أيقنت بتلك اللحظة بأنها لم تساوي شئ من الأساس ، إنه لم يحبها قط فأفعاله الآن تؤكد ذلك ، إنه لم يحب سوى نفسه التى لأجلها يدهس رقاب الآخرين ...
عليها طلب السماح الآن لكن السماح من نفسها التى أذلتها لأجله ، لقد تحملته وتحملت أنانيته وعشرته المهلكة لأجل ظن بعقلها بأنه أحبها يومًا ، لطالما إنتظرت تلك العودة والإفاقة من غفلته ليردها لقلبه لكنه لا يستحق ، فهو لم يحبها يومًا ، لا لم يحدث وإلا لما أساء إليها كل تلك الإساءة ...
تهدج صدرها المنفعل لتتغاضى عن الألم الذى تشعر به إثر قبضته القوية فإتهامه البشع لها أنساها الإحساس بما حولها ، إجتاح جسدها برودة قوية كادت تفقد الوعى إثرها لكنها بصعوبة بالغة تحشرجت كلماتها لتردف بغصة ...
- إنت إتجننت ... إنت بتقول إيه ...؟!!
كلماتها أطلقت هذا الوحش بداخله ظنًا منه أنها لن تتغير وستتحمل مثل كل مرة ، فعليه الضغط ولا يبالي ، لكنه لم يدرك أن لظنه حد وقد آتى يومًا يخلف به الظن وتتغير به القلوب ...
- بقى أنا إتجننت ... طيب ... أنا حوريكي الجنان إللي على أصوله يا *******
ربما رفع كفيه لينهال بالضرب عليها بالتبادل بينهما لتتكور هى على نفسها لكنه لم يدرك أنها فقدت الإحساس منذ كلمته الأولى فقد خطت خطوة جديدة لكنها بالإتجاه المعاكس ، لقد خطت خطوة نحو كراهيتها له ، لم تعد تطيق صوته ولا رؤيته ، لم تعد تتقبل إسمه أو صورته ، لقد أصبح بغيضًا مكروهًا ، تعالت شهقاتها ليس لضربات كفوفه لكن لتوديعها لحياة ظنت أنها ضحت لأجل بقائها ، ياليت الظن يبنى جدار الود لكنها لم تدرك أن بعض الظن إثم ..
لم تتدخل "قسمت" أو "عتاب" لإنقاذ "وعد" من بين يديه رغم تيقنهم بأنه يتهمها باطلًا وأن "وعد" بعيدة كل البعد عن شكه المزيف بها وبـ"محب" أيضًا ، لم تدرى "وعد" كم مر عليها بين ضرباته المتتالية لتسقط مغشيًا عليها فلم تتحمل بقلبها المرهف هذا الظلم فقد توقف كل شئ حتى الزمن والإحساس ....﴾

عادت لواقعها متذكرة هذا اليوم القاسي الذي كان بداية النهاية ، نعم بقيت لكن لأجل ولدها فقط ، فهي تدرك تمامًا أنهم لن يتركوها ترحل بولدهم لتبتلع ما حدث ولم تخبر به أحد حتى لا تجبرها "عهد" على الرحيل ، فقلبها متعلق بولدها ولن تتحمل فراقه ولو ليوم واحد وعليها البقاء لأجله حتى لو أصبح ما يربطها بوالده مجرد كراهيه ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

التردد هو مقبرة الفرص ، فمن الغباء حين تتاح لك الفرصة ألا تغتنمها ، فما كان نيل المطالب بالتمني لكن تأخذ الدنيا غلابا ، وقد تجلت الفرصة أمام مرآي فإن سُأل من لها فأنا لها ...
بقلب جسور دون مخافة أو رهبة كمن إعتاد على إجتياز تلك المخاطر والمعارك الخفية كان "معتصم" يقتحم النيران ليجتازها ببراعة لكن ليس وحده ، فقد كان كالصقر القابض على فريسته دون تردد ، وبلحظات كان خارج دوائر النيران وهي معه ..
لم يمهلها حتى فرصة للتفكر فكان واجب عليه إنقاذ نفسه وهي أيضًا ، أبى أن يتركها خلفه وكان متوجبًا عليه حمايتها ...
خرجا من الكوخ المشتعل برغم تساقط الأمطار الخفيفة وقد إبتعدا لبعض الخطوات عن ألسنة اللهب ورائحة الدخان ...
وقفا لإلتقاط الأنفاس ليسقط "معتصم" تلك البطانية عن كتفيهما ليكشف عمن إختارها لإنقاذها ..
وقفت "عهد" للحظات تحاول إستيعاب الأمر ، فبرغم قوتها وقدرتها على مواجهة المخاطر إلا أن شعورها بحمايته لها ووجودها بقربه لأمر مختلف ، كان غريبًا لكنه محببًا لنفسها حتى أنها تركت العنان لنفسها بمرافقته للنجاة بها ..
لحظات من الخوف والقلق مزجت بنشوة فَرحة ، تحركت معه دون تفكير لكن قلبها تراقص بسعادة بالغة لم يجتاحها هذا الشعور الرائع من قبل ..
وقفت "عهد" تلتقط أنفاسها المتقطعة وتسكن قلبها المضطرب لقربه لترفع هامتها بنهج تملس على خصلات شعرها المتأرجحة فى الهواء وهى تطالعه بعسليتيها بإنجذاب وإمتنان بذات الوقت سرعان ما إنتبهت لنفسها قبل أن يلاحظ تلك النظرات الموجهة إليه ...
لكنها إنتبهت لأمر آخر جعلها تندهش ولأول مرة بصدق حقيقي لتتيبس بموضعها لتحدثه متسائلة بعدم فهم ...
- إنت واخد بالك إنك أنقذتني أنا مش هي ...؟؟!!
إلتف "معتصم" تجاهها يطالع وجهها بتفرس أولًا وقد إضطرب تنفسه الناهج لا يدرى هل هذا الإضطراب سببه ركضه بين النيران أم أنه بفعل قلبه المضطرب لقربه منها فقد أعلن قلبه تمرده وقد تعالت دقاته وعصيانه لفرض تحكمه به ...
أرغم نفسه على التنفس ببطء لكن عيناه لم تنحى عن خاصتيها ليتعمق بقاتمتيه بهاتان الناعستان اللاتى أسقطتا حصون قلبه وهو يجيبها ...
- طبعًا واخد بالي ... وعارف جدًا إني إخترتك إنتِ مش هي ...
ذهول مبهج لنفس "عهد" فبرغم كل ما حدث إختارها هي وترك "كاتينا" ، إبتلعت ريقها المضطرب هاربة من نظراته المباشرة نحوها وهى تلتف حول نفسها ببعض التشتت ...
بالفعل تراجعت عن كل ما قامت به بالآونة الأخيرة لتظهر "عهد" التى تعرفها ، لا ليست "عهد" التى تعهدها فحسب بل "عهد" جديدة عرفتها بقربه فقط ، "عهد" لها قلب ينبض ويدق لكنه أيضًا متمرد ، تمرد على أفكارها وخشونتها ، تمرد على إجبارها له بألا ينساق خلف أوهام العشق ...
لم هي سعيدة الآن بإختياره لها وليست "كاتينا" ... إنه لم يختارها بالخطأ بل بإرادته ودون تردد ...
مشاعر تختبرها لأول مرة لكن عقلها مشتت للغاية كطفلة تتحمس للمرة الأولى ، عادت بعيناها الزائغتان لتجده مازال متفرسًا بها ، كحلم جميل يسحبها فوق السحاب تحلق بجناحين لم تدرك أنها تمتلكهم من الأساس ...
كم لوجودها معه يجعلها تترك الواقع وتحلق ببحور الخيال لولا قدرتها على إمتلاك نفسها القوية لكانت صرخت بكلمة (أحبك) دون الإكتراث لشئ آخر لكنها تمالكت نفسها قبل أن تنساق لتلك اللحظات ونظرات التحديق التى لا يكف عنها ..
إجتاحها إحساسها بالرهبة والخوف ، تذكرت أن لا أمان لهاوية المشاعر ، لا يمكنها الإنزلاق بهذا المنحدر فهي القوية وعليها أن تظل القوية ، تصنعت الجمود وعدم التأثر لتهتف به ببعض السخرية ...
- ستة فى تسعة يا أخويا ....!!!
ضيق عيناه وهو يضم شفتيه الممتلئتان يمطهما بعدم فهم ليردف بإمتعاض ...
- هاه ... يعنى إيه ..؟!!
عقدت ذراعيها أمام صدرها لتجيبه بتهكم رافعة حاجبها الأيسر بإستهزاء ..
- الصورة يا خِفة ... مش إنت بتصورني برضه ...؟؟؟
رفع رأسه بتعالي لفهمه لمقصدها والأدهى أنه قد فهم طريقتها الجافة التى تخفى خلفها مشاعرها بسردابها العميق لتتحول لتلك الخشنة الجافة حينما تميل لإظهار نقطة ضعفها حتى تظهر على الدوام بمظهر القوية التى لا تقهر ...
- ده بدل ما تقوليلى متشكرين ... كتر خيرك إنك أنقذتني ...
قلبت شفتيها ببعض السخرية فهي ليست من تعترف بإنقاذه لحياتها ، رغم سعادتها بإنقاذه لها إلا أن أمر إختياره لها محيرًا للغاية تود لو تسأله لم قام بهذا الإختيار لكن عزة نفسها منعتها من هذا السؤال لتردف بإستهزاء ...
- لا يا شيخ ... !! طب ما كنت تاخد القطة بتاعتك ولا إنت مبسوط إنك سايبها تتشوى ... طب حتى كنت طلعها نص سوا ...
مال برأسه متعجبًا من إستمرار لسانها السليط ..
- ده إنتِ كلامك دبش ... هو ده برضه رد الجميل ...!!
تتوقت نفسها لمناوشتهم تلك مرة أخرى فقد إشتاقت إليها لتجيبه دون إظهار سعادتها ...
- لااااا ... لو لك جميل خده ... أنا محبش يبقى ليا عند أى كلب حاجة ...
ضرب كفيه بعضهما ببعض متعجبًا من تلك الشخصية الغريبة التى تتمتع بها ، لكن بداخله شعور بالنشوة لمجرى الحديث بينهم ، فكم قربها مختلف يجذب روحه رغمًا عنه لها ...
- نفسي أقطع لك لسانك ده ...
زمت فمها جانبيًا لتردف بسخط ...
- قطعوا حسك من الدنيا يا بعيد ...
قالتها بتلقائية لتصمت بعدم إرتياح لتنهر نفسها بقوة فهي لا تريد أن تدعي عليه ولو بمزاح فربما تستجاب دعوتها ، شعور بالتخوف حين ترائت لها تلك الأفكار وأن دعوة مازحة أو غاضبة لا تعنيها يمكن أن تقبل بساعة إستجابة و وقتها لن ينفع الندم ...
نعم تلك طريقة حديثها دون وعى منها فهي تطلق لسانها السليط دون تفكير فعليها أن تراعي ما تتفوه به وتبتلع لسانها والتفكير أولًا قبل أن تطلق لسانها السام ...
بسمة إعتلت عيناه وليس شفتيه تلك المرة فكم يراها أنثى مختلفة كليًا ، مختلفة بشكل لا يصدق ، لا تنفعل ولا تهتم له لكنها إستطاعت جذبه نحوها ..
منذ ساعات كان يهرب منها والآن هو معها آثر بقائه معها عن الجميع ، سألها بما يشغل فكره مباشرة ...
- إنتِ فيكِ حاجة غريبة ...؟؟؟
رمقته بطرف عيناها الناعستان وهي تشرأب بشموخ ولا مبالاتها التى هي جزء لا يتجزأ من شخصيتها ...
- بقولك إيه ... مش وقت حواديت ... ده لا وقته ولا مكانه يا خِفه ...
أخرجت هاتفها تحاول الوصول لشبكة الإنترنت الذى قطع بفعل الصاعقة لكن يبدو أن الأمر سيتأخر لبعض الوقت ، زفرت بضيق وهي تعيد هاتفها لجيب سترتها مرة أخرى وسط متابعة "معتصم" لها ليتطلع حوله متغاضيًا عن تهربها من حديثها معه قائلًا ...
- إحنا مش حينفع نفضل فى وسط الغابة كدة ... لازم نحاول نرجع للكوخ على الأقل .. الجو برد ومش مضمون خالص ...
أومأت "عهد" بتفهم لتردف موضحة ...
- أيوة ... كمان الإنترنت لسه مقطوع ومضطرين ندور على طريق الكوخ بنفسنا...
كان عليهما البحث عن طريق العودة وسط تلك الطرق وبقايا الأمطار والأشجار الكثيفة فوجودهم بهذا الطقس دون حماية لأمر شاق ، إتخذا أحد الطرق بهدوء وحذر لكن يبقى تساؤل يشغل فكر "عهد" بقوة ، لم إختارها دون "كاتينا" وهو الذى كان يخشى البقاء معها بنفس المكان وإضطر للهرب منها ...

❈-❈-❈

مكتب عيسى للمحاماة ....
أعاد "عيسى" رأسه للخلف يريح زخم أفكاره التى تضاربت برأسه فتلك القضية محيرة وغامضة بشكل كبير ، إستغرق وقت طويل للغاية حتى شعر بأنه فقد إحساسه الزمني لما يحيط به ..
دقات متتالية بهاتفه هى التى أيقظته من شروده لترسم تلك الإبتسامة التى تخص صاحبة الرنين وحدها ...
- "دورا" ... وحشتيني ... 
قلبت شفتيها كطفلة مستاءة حتى كاد "عيسى" يتخيل ملامحها بهذا الشكل دون رؤيتها ...
- لو كنت وحشتك كنت جيت ... إتأخرت أوى يا "إيسووو" ...
نظر لتلك الأوراق التى تملأ سطح مكتبه بتملل فكم إشتاق لرؤيتها ...
- غصب عني ... الوقت سرقني فى الشغل ولسه مخلصتش ...
هبت بإنفعال متفاجئة بطريقتها العفوية ...
- يا خبر يا خبر .... شغل وتأخير وحاجات جد و وجع دماغ ... وسايب "دورا" وحدها فى البيت ... ؟؟! لأ ... أنا زعلانه ...
حتى بعتابها تدفع بالروح بداخله ، يعشق حديثها وكلماتها حتى عتابها اللذيذ ليردف ببسمة خفيفة ...
- حقك عليا ... أوعدك أول ما أرجع حعوضك عن التأخير ده ...
ضحكت "غدير" بشقاوة وهي تحاول إستغلال الأمر ...
- أكيد أكيد ... ؟!! يعني أطلب وأتدلع ...؟؟؟ 
- عيوني يا شيكولاته ...
دقات قلبها المرتفعة بسماعها كلمته جعلتها تردف بنبرتها العاشقة مبتعدة عن طفولتها وشقاوتها بكلمات لمست قلب "عيسى" المشتاق ...
- حبيب عيون الشيكولاته ... حستناك ... متتأخرش عليا ... إن شا الله تجيب المكتب كله فى البيت بس متبعدش عنى كل ده ...
لم يكن منه سوى نفس الشعور ليجيبها بمحبة ..
- جايلك حبيبتي ... حخلص أوام وأجيلك ...
- مستنياك ...
أنهى "عيسى" مكالمته مع "غدير" والتى أعطته الطاقة لإستكمال يومه كما لو أن له بطارية أوشكت على نفاذ طاقتها وبكلمات محبة من شريان قلبه أعادت له ملئ طاقتها ...
تنفس بهدوء ليخرج أحد البطاقات من محفظته ليقوم بإجراء مكالمة أخرى بحماس جديد ..
- ألو ... أستاذ "عطية" .. معاك الأستاذ "عيسى دويدار" المحامى ...
- أهلًا يا متر ... 
- كنت عاوزك فى المكتب بكره إن شاء الله نتناقش شوية فى القضية قبل ما أشوف حقبلها ولا لأ ...
- تحت أمرك يا أستاذ ... بكره بأمر الله حكون عندك فى المكتب ...
بنهاية تلك المكالمة كان على "عيسى" الإنتهاء من آخر أعماله بالمكتب قبل عودته للبيت الذى إشتاق لصاحبته منذ خروجه منه ...
مطت "سندس" شفتيها بغيظ وهى تسترق السمع لمكالمة "عيسى" مع "غدير" أولًا لتتمتم بإستياء ..
- هو انا مليش مرة شوية حنية من دول ... مش حيحن عليا أبدًا .... !!!
لتتابع مكالمته الثانية والتى إنتهت بندائه لها ...
- لو سمحتِ يا أستاذة "سندس" ...
وقفت بحماس تعدل من ملابسها بعجالة لتتحرك بدلال نحو مكتبه لتردف ببسمتها العريضة ...
- أفندم يا أستاذ "عيسى" ...
كمن تبدل تمامًا ليعود لشخصيته الجدية التى تثير جنونها أردف بعملية ...
- المفروض بكرة فيه جلسة فى المحكمة لقضية التبديد وإحنا حنطالب بالتأجيل ... إتفضلي المذكرة دى عشان تقدميها بكرة فى المحكمة ..
مدت "سندس" يدها تلتقط الورقة التى يشير بها "عيسى" إليها قبل أن تجيبه ..
- تمام يا أستاذ "عيسى" ... متقلقش خالص ... 
كانت ستستطرد حديثها حينما قابلها "عيسى" بإنهاء الحديث ...
- تقدرى تتفضلي إنتِ تروحي ... أنا لسه قاعد شوية ... و وإنتِ خارجة خلي عم "شاكر" يعمل لي كوباية شاى تقيلة ...
- أنا ممكن أقعد .. أنا ...
قاطعها "عيسى" بصرامة ..
- مفيش داعي ... إتفضلي إنتِ ...
زمت فمها الممتعض وهو تقضم شفتها السفلية بحركة لا إرادية بإضطراب لتضطر لمغادرة المكتب رغم أن مازال الوقت مبكرًا إلا أنه حازم تمامًا بطلباته وهي لن تخالفة مهما تطلب الأمر ، فهي لا تريد سوى إرضاءه فقط ...

❈-❈-❈

حي النعماني ...
كيوم روتيني أنهت "شجن" يوم عملها كالمعتاد بهدوء تام وبعض الحالات السطحية التى تعد على أصابع اليد الواحدة بهذا المستوصف قليل الإمكانيات ..
خلعت معطفها الأبيض ردئ الخامة وهي تلوح لرفيقتها "رؤى" مودعة ...
- سلام بقى يا "رؤى" .. أشوفك بكره ...
- سلام ... سلمى لي على أختك اللي بتحكي عليها طول النهار دي ...
إبتسمت "شجن" بالإيجاب لتنتبه أنها تتحدث عن "نغم" طيلة اليوم فهي تشعر بأنها مسؤولة منها رغم الفارق البسيط بين عمريهما إلا أن بساطة "نغم" وبرائتها يجعلانها تشعر بالقلق والمسؤولية تجاهها ...
خرجت من المستوصف متجهة مباشرة نحو المكتبة لإصطحاب "نغم" للعودة إلى البيت ...
ولقرب المسافة بين عمل كلاهما كانت "شجن" بدقائق قليلة تقف بمقدمة المكتبة لتدق رقم أختها تحثها على الخروج كما إتفقتا من قبل ...
كـ يمامة وديعة خرجت "نغم" من المكتبة لمقابلة "شجن" وهي تلملم شفتيها الرقيقتان عن إبتسامتها المتحمسة للقاء أختها ...
- جيتي بدري يا "شجن" ..!!
سحبت "شجن" ذراع أختها تعلقة بذراعها وهي تسألها كأم حنون وليست أخت كبرى ..
- ها ... عملتي إيه النهاردة ...؟؟؟
ما كانت إلا بعفوية تلقائية وهى تجيبها بحماس هادئ ...
- الشغل هنا حلو أوى ... أنا حبيته ...
بنظرة شقية إنقلبت بها "شجن" من إهتمام أم لأخت وصديقة ...
- هو مين إللي حبيتيه بالظبط ...؟!!
قوست "نغم" حاجبيها بعدم فهم لمقصدها لتتسائل عن ذلك ..
- مش فاهمة ... ؟!!
ضحكت "شجن" بإبتسامتها المتسعة وهي تعيد خصلة شعرها القصير الذى تناثر بفعل الرياح لتلك الليلة الشتوية ...
- لا ولا حاجة ... خليكِ كدة زى ما إنتِ حتبقى الدنيا تمام .. طالما مش فاهمة يبقى هو ده المطلوب ...
ليست غبية أو محدودة الذكاء لكن بالفعل لم تدرك مقصد أختها فهي تحب الوضوح ولا يجذبها الغموض بالمرة فمن أراد قُربه منها عليه التحرك مباشرة تجاهها فهي لا تحبذ أى من تلك التلميحات التى تجهد عقلها ...
وبرغم بساطتها ووضوحها التلقائي إلا أن "شجن" على النقيض منها تمامًا تفهم الغموض وتعشق الفضول والأفكار الضمنية ، هي فتاة ليست معتادة ولا سهلة التوقع كأختها البريئة وذلك ما يجعلها تخشى أن تنصدم "نغم" بواقع ليست معتادة عليه لكن حتى الآن فالأمور تسير بشكل طبيعي فى نصابها ...

❈-❈-❈

سويسرا (الغابة) ... 
"الغريب أعمى ولو كان بصيرا" جملة لا خلاف عليها فمن يدرك مكانًا لا يعرفه وسط جبال و طرق متداخلة وأشجار كثيفة ، و من يستطيع أن يعلم وجهته وسط تلك الأجواء والطقس السئ بدون توجيه ..؟!! 
زاد الأمر سوءًا إنقطاع خدمة الإنترنت ليبقى "معتصم" و "عهد" يتخبطان بطريقهم بحثًا عن طريق العودة للكوخ الذى ضلوا وجهتهم له ..
فبعد بحث لوقت لا بأس به وتداخل الطرق بعضهم ببعض بمخيلاتهم إضطرا للوقوف محلهم فقد سقط غشاء الليل فوق رؤوسهم ولم يعد بإستطاعتهم إكمال بحثهم فهم لا يحملون أى حقائب بها وسائل مساعدة ..
إتجها نحو مجموعة من الأشجار الضخمة بجانب الطريق ليلجئا إليها تحميهم ولو بصورة قليلة من البرد الذى يحيط بهم ...
جلس "معتصم" مستندًا بجذع أحد الأشجار لتنزوى "عهد" بعيدًا عنه لتتخذ جذع آخر ليقضيا تلك الليلة فى العراء دون الوصول للكوخ ...
أغلقت سحاب سترتها السميكة ثم رفعت غطاء رأسها تحكمة بقوة لتغمض عيناها المنهكة بصمت محاولة إلتماس غفوة قليلة ، سرعان ما إستغرقت بالنوم فهذا موعد نومها المعتاد ..
لكن تلك الياقوتتان البراقتان بلونهما الأسود كانا يطالعانها من بعيد لم يسقطهما عنها وهى تستكين بوداعة تمحى شراستها التى تغلف حياتها ...
دنا منها ببطء شديد يطالع ملامحها الناعمة وسط ضوء القمر المتسلل من بين فروع الأشجار ليترك العنان لقلبه الذى سرقته ، لقد دق .. نعم دق قلبه لتلك المتوحشة فكيف له بإستعادة قلبه الذى إستولت عليه ...
بعد وقت طويل من إستراقه النظر لنعومتها الغير معتادة داعب النعاس جفنيه ليعود لجذع الشجرة خاصته مستغرقًا بالنوم وسط الطبيعة والأجواء الباردة ...

❈-❈-❈

بيت النجار ...
تتوقت "زكيه" لعودة بناتها بحماس شديد لتنتظرهم بالشرفة كعادتها خشية وقوعهم بلقاء غير محسوب من "صباح" أو إبنتها ...
ردت روحها برؤيتهما تتقدمان بأول الحي كنجمتان تشعان بريق وتوهج ، كم هي محظوظة بهما لتتمتم بقراءة المعوذات بصوت خفيض لحمايتهن من شرور نفوس من تقع عيناه عليهما ...
دلفت بعد صعودهما بسلام لتقابلهم بوجهها البشوش وضحكتها الطيبة تستقبلهم بباب الشقة ...
- حمد الله على سلامتكم .. ربنا يحرسكم من العين .. 
ألقت "نغم" بنفسها أولًا بأحضان والدتها فقد إشتاقت لها ...
- وحشتيني يا ماما ...
تلتها "شجن" بدورها بإختلاف طبع كل منهما لتقبلها بإشتياق ...
- أخبارك يا "زوزو" .. وحشتيني ...
أغلقت "زكيه" الباب من خلفهم وقد أشرقت ملامحها بحماس وسعادة ممزوجتان ببعضهما البعض وهي تخبر إبنتيها بهذا الخبر السعيد ...
- مبروك يا "شجن" ... أخيرًا حنفرح يا بنات ...
تهلل وجه "شجن" بسعادة وإتسعت إبتسامة "نغم" فرؤية والدتهم سعيدة إلى هذا الحد أطلق بمخيلة كل منهما ما تتمناه لتهتف "شجن" على الفور ...
- حنسيب البيت ...؟!؟
بينما هتفت "نغم" بحالمية ..
- لقيتي العقد ...؟!!
تطلعت "زكيه" بوجه كلاهما فما دار بمخيلتهما بعيد تمامًا عما كانت ستخبرهم به لتقل حدة حماسها بعض الشيء ثم أجابتهم ...
- لأ .. ولا حنسيب البيت ... ولا لقيت العقد ... دى "شجن" جالها عريس ...
لم تكن أحلامهم متعلقة بزواج وهروب من مجهول لمجهول آخر فـ"شجن" تتلخص أحلامها بأمل وحيد .. الخروج من هذا البيت وترك كل مشاكلهم مع عمهم وزوجته وابنائه خلف ظهورهم لتردف بإحباط ..
- جواز إيه وعريس إيه يا ماما ... كان نفسي تقوليلنا خلاص نسيب البيت ده ونمشي ... 
بينما عقبت "نغم" بهدوء مستكين ...
- أو نلاقي العقد ونبيع الشقة ونخلص ونبعد عن مرات عمي وقرفها ...
زاغت عينا "زكيه" بين بناتها اليائسات لتجيبهم بإستسلام ...
- كان على عيني يا بنات ... بس من ناحية دى وصية أبوكم إني أحافظ على حقه ... ومن ناحية تانية معندناش القدرة إننا نسيب البيت ونسكن بره ... مسيرها حتتعدل ...
نظرت الفتاتان لبعضهما البعض بتحسر وتملل من البقاء على نفس الوضع ، لتدفع "زكيه" بحماسها المفتور بسبب إحباطهن لتغيير مجرى حديثهم والبحث عن أى مصدر للسعادة ..
- بقولكم "شجن" جالها عريس .. دكتور ...
حركت الفتيات رأسهن بهدوء لتستطرد "زكيه" قصها لما حدث اليوم بالتفصيل وكيف علمت بهذا العريس المنتظر وسط إنصات الفتيات لها دون حماس يذكر ، لتظل تعيد بكلماتها وترسم خطوطًا بالخيال عما سيحدث وزواج إبنتها القريب الذى سيهل بالسعادة أخيرًا ببيتهم ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

مستبدة أنا والأمر يروقني ، عنيدة لا أخضع لأسياد ، أشبه غزال لكني في الأصل أسد ...
لاح الصباح ليزعج ضوئه أعين "عهد" المغمضتان بسكون لتضغط عيناها بقوة وهي تحاول فتحهما لتستيقظ من تلك النومة المتعبة ..
لحظات لم تدرك بها أين هي وماذا تفعل وسط الغابة لتتذكر ليلة الأمس ولجوئهم لتلك البقعة ليناما بها ..
جلست بنشاط مجبرة عليه لتمد جذعها للأمام تحاول التطلع تجاه "معتصم" المستغرق بالنوم ...
مستكين هادئ يصل لحد الوداعة مختلف تمامًا عن صحوته ، فهو مثلها شرس مهاجم خصم عنيد بالفعل لا يستسلم بسهولة ..
وقفت بهدوء حتى لا تصدر صوتًا يوقظه لتقترب منه بخطوات رشيقة متسللة لتنظر نحوه بتمعن فتحديقه بها على الدوام لم يعطها الفرصة للتحقق من ملامحه كتلك اللحظة ..
وسيم بالطبع لكن به جاذبية نزعت قلبها من بين ضلوعها ليستقر بين راحتيه بإستسلام فلم هو من إستطاع إمتلاك قلبها دون حتى جهد منه ..
وجدت نفسها بدون شعور تبتسم بخفة ، إنها سعيدة بدقات قلبها المتصارعة تجاه هذا الرجل ، حركة فجائية منه جعلتها تنتفض بقوة إزداد لها دقات قلبها المرتجف لتقفز مبتعدة عنه حتى لا يلاحظ إستراقها للنظر له ...
إستيقظ "معتصم" بوجه ممتعض من إثر نومته فوق تلك البقعة القاسية وشعوره بالبرد الذى لا يطيقه على الإطلاق ...
إعتدل باحثًا على الفور عن تلك الشرسة خاصته ليجدها جالسة بعيدًا عنه غير منتبهه له بالمرة ...
إستقام متقدمًا نحوها ليرى فيم إنشغلت متوحشته قائلًا بصوته الشجي الذى يغلبه النعاس بعد ..
- صباح الخير ... 
إصطنعت عدم الإهتمام لتجيبه بثبات غير ما تشعر به من إضطراب ..
- صباح الخير ... ناموسيتك كحلي ... إيه مكنتش ناوي تصحي ...؟!!
قالتها مستنكرة لتحفز رده المماثل ..
- مستعجلة على إيه يعني ... وراكِ الديوان ...!!!
زمت فمها بإمتعاض وهي تنهض واقفه لتتقدم الطريق دون دعوته وهي تتمتم بصوت مسموع ...
- صحيح هو أنا بكلم مين ... ما إنت لا تعرف ليل من نهار .. الصبح عندك بعد العصر ... يلا نشوف الكوخ المنيل ده راح فين ... 
كلماتها اللاذعة وتقدمها الواثق جعلاه يتبعها بإبتسامة فقد أحب طريقتها المتصادمة معه ليهتف بها بحدة رغم إستمتاعه بذلك ...
- طالما حنكمل مع بعض يا ريت الإسلوب يكون أحسن من كدة ... بلاش تستفزي لساني لإنك مش قده ...
تشدقت برقبتها رغم موافقتها لطلبه إلا أنها لم تظهر ذلك ولن تنطق بالموافقة بتلك السهولة ...
- والله إللي تقدر عليه ... إعمله ...
نطقتها بتحدي لكن بقرارة نفسها ستحافظ على لباقة حديثها معه فلا داعي لهذا السخط والحدة طوال الوقت ، أكمل "معتصم" سيره إلى جوارها وأوقات عدة يتخطاها فهو لم يعتاد أن تعطيه فتاة أمرًا أو يتبع أحدهم أيًا كان ...
بعد سير لفترة من الوقت توقفا بمكان متسع بين الأشجار التى تحيط بئر ، جال "معتصم" بعيناه خلال هذا المتسع الدائري يحاول الوصول لوجهة هذا الكوخ الذى لا يستطيعان الوصول إليه ..
- الظاهر إننا بنلف فى نفس المكان ... أنا رأيي نستريح هنا شوية ونحاول نشوف الإتجاه اللي حنمشي فيه ...
إيمائة خفيفة بعيناها كانت إجابتها فهي تود البحث بالفعل عبر شبكة الإنترنت ربما تستطيع تحديد مكان الكوخ عوضًا عن تخبطهم بطرق مسدودة ...
جلس "معتصم" فوق إحدى الصخور مستندًا بظهره إلى حافة البئر بينما أخذت "عهد" تبحث عن صخرة مماثلة لتجلس عليها ...
توقفت لبرهة تنظر عبر كثافة فروع الأشجار لتحدق بينها بقوة فقد خُيل لها أنها ترى أحدهم تحرك من خلف الأشجار ...
حركة لم تدرك ماهيتها لكن على ما يبدو أن هناك شخص ما أو شئ ما يتبعهم ...



ويبقى للأحداث بقية ،،،
انتهى الفصل الثالث عشر ،،،
قراءة ممتعة ،،،
رشا روميه (قوت القلوب)

 •تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent