رواية اسيره في مملكة عشقه الفصل الثاني عشر 12 - بقلم سليا البحيري
أسيرة_في_مملكة_عشقه
فصل 12
زينب (بغضب شديد وهي بتقف بسرعة): آه! يا لهوي! إنت مجنون ولا إيه؟! إنت عارف البالطو ده بكام؟!
غيث (مصدوم، بينزل بسرعة الصينية وبيحاول يمسح الشوربة بمنديل): والله آسف جدًا، ماكانش قصدي خالص، غلطة مني، سامحيني—
زينب (بتبعد إيده باشمئزاز): إبعد عني! إنتو بتجوا منين أصلاً؟! إزاي يشغلوا حد زيك هنا؟! المكان ده بقى أي كلام!
غيث (منكس راسه ومحرج بس بيحاول يتمالك نفسه): يا فندم، والله آسف، ممكن أدفع تمن تنظيف البالطو…
زينب (بتضحك بسخرية): تنظيف إيه؟! إنت عارف البالطو ده تمنه قد إيه؟ ده إنت مش هتجيب حقه لو اشتغلت عشر سنين! مش عايزة اعتذارك، هاتلي مديرك حالاً! المكان ده واضح إنه مبقاش محترم زي زمان، بقى بيشغل أي حد والسلام!
(في اللحظة دي، مدير المطعم بيجري عليهم، وشه متوتر، بيحاول يهدي زينب، وغيث واقف على جنب بيحاول يمسك نفسه، بس جواه غليان من الإهانة اللي خدها.)
********************
في اللحظة اللي زينب بتصرخ فيها، بييجي مدير المطعم بسرعة، وراه مصطفى، صديق غيث، اللي كان شايف الموقف من بعيد وحاسس إن الدنيا هتقلب. المدير شكله متوتر، عارف إن زينب زبونة مهمة وممكن تعمل مشكلة كبيرة.
المدير (بصوت مرتبك وهو بيحاول يبتسم): مساء الخير يا فندم، أنا آسف جدًا على اللي حصل، أكيد غيث ماكانش يقصد، وإحنا مستعدين نعوض حضرتك بأي طريقة.
زينب (بغضب وهي لسه ماسكة طرف البالطو المبقّع): تعوضني؟! هو ده اللي عندك؟ الولد الغبي ده بوّظلي لبسي، وإنت بتقول تعويض؟! أنا مش هسكت على قلة الأدب دي!
غيث (بحزم وهو بيحاول يمسك أعصابه): أنا قلت لحضرتك إني آسف، وكان غلطة غير مقصودة.
زينب (باحتقار): ومين قال إني مستنية أسفك أصلاً؟ أنا عايزة أشوف العقاب اللي هتاخده، النوع ده ماينفعش يفضل في أماكن زي دي!
مصطفى (اللي كان ساكت طول الوقت، أخيرًا بيتكلم وهو بيبص لزينب بضيق): مع احترامي لحضرتك، بس غيث مش خدام عند حد، هو شغال هنا بشرف، وكلنا بني آدمين وممكن نغلط.
زينب (بدهشة وسخرية): بني آدمين؟! إنت كمان جاي تدافع عنه؟! الظاهر إن المكان كله محتاج يتغير!
المدير (بلغة دبلوماسية وهو بيحاول يهدّي الموقف): يا فندم، أكيد حضرتك حقك علينا، وإحنا ممكن نبعت البالطو للتنظيف على حسابنا، وكمان نقدّم لحضرتك أي حاجة تعويض.
زينب (بعجرفة): إنت فاكرني محتاجة تعويضكم التافه؟ أنا هتصل بصاحب المكان بنفسي، وأشوف شغلي معاكم!
بتاخد شنطتها، تبص لهم نظرة احتقار، وتتحرك ناحية الباب وهي بتكلم حد في التليفون، بينما المدير بياخد نفس عميق وهو باصص لغيث اللي واقف وشه متوتر، ومصطفى جنبه بيحاول يسانده.
مصطفى (بهمس لغيث): متخليش كلامها يهدّك، إحنا مش أقل من حد، فاهم؟
غيث (بهدوء لكنه جواه بركان): فاهم، بس في ناس مش عايزة تفهم
*********************
في غرفة فخمة داخل فيلا عائلة الشرقاوي، حيث الأثاث الراقي والإضاءة الدافئة. تجلس غزل على سريرها الكبير، مرتدية بيجاما أنيقة، بينما تجلس شغف على الأريكة بجانبها، وميار على كرسي هزاز بالقرب من النافذة. الجو مليء بالمرح والضحك، خاصة مع حماس غزل الزائد لحفل زفاف شغف وأوس
غزل (بحماس وهي تلوّح بيدها): يا بنتي أنا مش مصدقة إنك راجعة أخيرًا بعد كل السنين دي! وأحلى حاجة إنك راجعة عشان نحتفل بفرحك هنا!
شغف (تضحك وهي تمسك بيد غزل): وأنا كمان مش مصدقة! بس فعلاً وحشتوني كلكم، حسيت إن السنين عدت بسرعة، بس بمجرد ما شوفتكم حسيت كأننا ما افترقناش لحظة!
ميار (بمزاح وهي تعقد ذراعيها): طبعًا، وإحنا هنسمح لكِ تنسي الأيام الجميلة اللي عشناها سوا؟ مستحيل!
غزل (بمرح وهي تشير إلى شغف): بس على فكرة، إنتي السبب في إني مش ناوية أنام النهاردة! الفرح ده لازم يكون أسطوري! فستانك، تسريحتك، المكياج… كل حاجة لازم تبقى بيرفكت!
شغف (تضحك): غزل، إهدي شويه! إحنا لسه عندنا وقت.
ميار (بخُبث): لا يا شغف، واضح إن غزل ناوية تقلب الدنيا، ويا عالم إيه الأفكار المجنونة اللي في دماغها!
غزل (تغمز بمكر): طبعًا! ماينفعش فرحك يعدي عادي، أنا عندي خطط لازم تتنفذ، وهتكون ليلة أسطورية!
شغف (تضع يدها على رأسها بمزاح): يا ساتر، خطط إيه تاني؟ أنا المفروض أفرح ولا أقلق؟
ميار (تضحك): لأ تقلقي طبعًا، غزل لما تقول "عندي خطة" يبقى في حاجة هتحصل وهنقلب الفرح حفلة مفاجآت!
غزل (بمرح): استعدي يا عروسة، لأن الليلة دي هتفضل في التاريخ!
يستمر ضحك الفتيات وحماسهن، وأجواء المرح تملأ الغرفة بينما شغف تنظر إلى صديقتيها بحب، سعيدة بعودتها إليهن بعد كل هذه السنوات
*********************
في حديقة الفيلا في المساء، الأجواء هادئة، والنجوم تلمع في السماء. يجلس أوس وسليم على كراسي خشبية بجانب طاولة صغيرة، يحتسيان القهوة بينما تهب نسمات باردة منعشة. الحديقة مضاءة بأنوار خافتة تضفي جواً دافئاً على المكان
أوس (يأخذ رشفة من قهوته ويبتسم): مش مصدق إننا قاعدين كده تاني بعد كل السنين دي! كأننا رجعنا الإعدادية تاني، بس الفرق إننا دلوقتي كبرنا وبقينا رجالة متجوزين بقى!
سليم (يضحك وهو يهز رأسه): آه فعلاً، بس الفرق إنك إنت الوحيد اللي متجوز، أنا لسه في السكة!
أوس (بمزاح): هو إحنا نضحك ولا نقلق على العروسة اللي هتقع في إيدك؟
سليم (يبتسم وهو ينظر إلى القهوة في يده): لأ خالص، بالعكس… المرة دي أنا عارف أنا عايز إيه بالضبط.
أوس (يرفع حاجبه باهتمام): أها! واضح إن في تطورات… خليني أخمن، غزل؟
سليم (يهز رأسه نافيًا بابتسامة هادئة): لا… غزل كان مجرد إعجاب زمان، بس مع الوقت فهمت إن مشاعري ليها كانت مجرد فكرة أكتر منها إحساس حقيقي. إنما دلوقتي… أنا قلبي مع حد تاني.
أوس (بفضول): بجد؟ مين؟
سليم (يبتسم وهو يحرك الملعقة في فنجانه): ميار.
أوس (بدهشة وهو يضحك): ميار؟! طب والله توقعتها، كنت دايمًا بشوفكوا مع بعض، بس عمري ما تخيلت إن الموضوع كبر معاك كده!
سليم (بتنهيدة خفيفة): هي مختلفة… عقلها حلو، طريقتها في الكلام، تفكيرها، وحتى جنانها اللي بيطلع أوقات بيخليني مش عارف أفكر كويس! بس بحس إني على طبيعتي معاها، مش مضطر أكون شخص مثالي أو متصنع.
أوس (يضحك): آه طبعًا، ميار وغزل وشغف… ثلاثي الجنون الرسمي! أنا اتجوزت شغف، يعني أقدر أقولك من دلوقتي، حياتك مش هتكون هادية لو دخلت ميار حياتك بشكل رسمي!
سليم (يبتسم): بالعكس، يمكن ده أكتر حاجة عجباني فيها، إن حياتي معاها مش هتكون مملة أبدًا.
أوس (يمد يده ويصافح سليم): خلاص، اتوكل على الله، وخلينا نشوف خطوة جدية قريب، عشان الفرح الجاي يكون فرحك إنت بقى!
سليم (يضحك وهو يهز رأسه): قريب جدًا، بس خلينا نخلص جنان فرحك الأول، لأن غزل شكلها ناوية على مصيبة!
أوس (بتنهيدة مسرحية): آه، أنا حاسس… وربنا يستر!
يضحكان معًا، بينما الهواء يعبث بأوراق الأشجار من حولهما، والذكريات القديمة تلمع في عيونهما، ممزوجة بحماسة المستقبل
*********************
أوس يأخذ رشفة من قهوته ثم ينظر إلى سليم بمكر، وكأنه تذكر شيئًا فجأة.
أوس (بفضول وهو يبتسم بمكر): طب قولي بقى… غزل عندها حد في حياتها؟ ولا لسه زي ما هي؟
سليم (يهز رأسه نافيًا): لأ، مفيش حد، بس بصراحة… أنا عندي حد في دماغي ليها.
أوس (يرفع حاجبه باهتمام): بجد؟ مين؟
سليم (يبتسم بخبث): شاب اسمه غيث… زميلنا في الجامعة، بس غير أي حد عرفته قبل كده.
أوس (بفضول): غيث؟ مش سامع عنه قبل كده، حكايته إيه؟
سليم (يستند للخلف وهو يشرح): غيث شاب بسيط جدًا، وسيم، مجتهد، من عيلة متوسطة، وبيشتغل جنب الدراسة عشان يساعد أهله. شخصيته قوية وعنده مبادئ، مش زي شباب العائلات اللي حوالينا، وده اللي عاجبني فيه.
أوس (يهز رأسه بإعجاب): شكله حد يعتمد عليه… بس إزاي ناوي تقرّبه من غزل؟ دي مش أي حد يعجبها كده وخلاص.
سليم (يبتسم بذكاء): عارف، بس أنا مش ناوي أفرض حاجة، أنا بس عايزهم يقربوا، يشوفوا بعض، يمكن يحصل بينهم حاجة طبيعية… وغيث، بصراحة، هو أكتر حد شايفه مناسب لها.
أوس (يضحك وهو يومئ برأسه موافقًا): عجباني فكرتك، ومش هسيبك لوحدك في الموضوع ده!
سليم (ينظر له بريبة): يعني إيه؟
أوس (بابتسامة واسعة): يعني بما إن غيث زميلكم في الجامعة، يبقى لازم تلاقوا فرصة تجمعوه مع غزل… وأهو أنا هساعدك نخلي الموضوع طبيعي ومن غير ما تحس إنها متراقبة!
سليم (يضحك وهو يهز رأسه): إنت عارف إنك خطر؟ بس بصراحة… دي أول مرة حس إن عندي شريك مناسب للجريمة!
أوس (يغمز له): بس طبعًا، إحنا أصدقاء الطفولة، ماينفعش حد غيري يساعدك في المهمة الخطيرة دي!
يضحكان معًا، بينما في داخلهما، يخططان لكيفية جمع غزل وغيث بطريقة طبيعية، غير مدركين أن الأقدار قد تكون أسرع منهما في لعبتها الخاصة
*********************
في منزل عائلة غيث ، غيث يدخل المنزل بعد يوم طويل في العمل، وجهه غارق في الحزن. الباب مفتوح والجو في الداخل دافئ، حيث ينتظره والده رمزي، والدته شيرلين، وشقيقه الأصغر أمجد، الذي يركض نحوه بمجرد أن رآه يدخل.
أمجد (بفرح وهو يركض نحوه): أخيرًا رجعت يا غيث! شفت النهاردة أكتر مسلسل حلو على التلفزيون!
غيث (يبتسم ابتسامة حزينة وهو ينحني ليحمل أمجد): برافو عليك يا بطل، عارف إني كنت مستني أفهم النهاية.
رمزي (والده، وهو يبتسم من بعيد): إيه ده؟ مش شايفين إن غيث متعب؟ مالك يا ابني؟
غيث (يرتدي قناع الابتسامة وهو يضع أمجد على الأرض): مافيش حاجة، شوية تعب بس.
شيرلين (والدته، تلاحظ الحزن في عينيه وتقترب منه): غيث، في حاجة؟ ملامحك مش طبيعية النهاردة.
غيث (يتنهد وهو يجلس على الأريكة): مفيش يا ماما، بس اليوم كان صعب شوية.
رمزي (يقترب منه ويجلس بجواره): صعب إزاي؟ قل لي يا ابني.
غيث (بتنهدة عميقة، يبتعد عنهم بنظرات حائرة): كنت في مطعم النهاردة، وشفت قد إيه الدنيا بتكون قاسية… في واحدة، اسمها زينب، كانت جاية، وعشان شوية شوربة اتسخت على معطفها، عملتني زي العبد، زي ما مافيش كرامة ليّا. أنا حاسس إني مش إنسان بالنسبة ليهم.
شيرلين (بقلق): يا حبيبي، إنت عارف إن الناس دي مش زي الناس اللي إحنا نعرفهم. هم مش فاهمين حاجة عن معاناتنا.
غيث (يحاول أن يخفف عن نفسه): بس اللي بيحصل ده كل يوم يا ماما. كل مكان بروح له، كل حاجة بعملها، دايمًا بيتعاملوا معايا على إني أقل منهم. لأني مش غني زيهم، لأني مش عندي فلوس، مش عندي رفاهية الحياة زيهم.
رمزي (وهو يضع يده على كتفه، يحاول أن يواسيه): مش كل الناس زيهم يا غيث. في ناس محترمة وفي ناس قلبها طيب، وعمر ما الفلوس كانت مقياس لقيمة الإنسان.
غيث (يحرك رأسه بحزن، وهو يرفع عينيه نحو والدته): عارف يا بابا، بس بيحصل كده في كل مكان. إحساسك إنك عايش تحت رحمة الناس الأغنياء، وإنت مجرد شخص بيشتغل عشان يعيش. إحساس صعب…
أمجد (بحماس وهو يقترب منهم): بس إنت قوي يا غيث، ولازم تفضل قوي علشاننا، أنا عارف إنك هتوصل للي إنت عايزه!
غيث (يبتسم بحزن وهو يربت على رأس أمجد): شكرًا يا صغيري، إنت دايمًا بتشجعني.
رمزي (بصوت حازم): بلاش تحبط نفسك يا غيث، الدنيا مش دايمًا زي ما بيشوفها الأغنياء. أهم حاجة إنك تبقى مرتاح مع نفسك، وفي النهاية الكرامة هي اللي بتدوم.
غيث ينظر لوالده، ثم يغمض عينيه قليلاً، يحاول أن يجد بعض الراحة في كلمات والديه، لكنه لا يستطيع التخلص من الإحساس المرير الذي يشعر به من الإهانة التي تعرض لها
**********************
في اليوم التالي ، داخل أحد المولات الفاخرة، حيث الأضواء اللامعة والمحلات الفخمة، تسير غزل، شغف، وميار بحماس بين المتاجر، بينما يسير خلفهن أوس وسليم متذمرين، يحملان بعض الأكياس وكأنهما مُجبران على هذه المهمة الشاقة.
غزل (بحماس وهي تمسك بفستان أنيق): بصوا ده! مش تحفة؟ لازم أجربه!
شغف (تضحك وهي تنظر لأوس): أوس، ما تيجي تختار لي حاجة، ولا هتفضل عامل نفسك مش موجود؟
أوس (بتنهيدة وهو يمرر يده في شعره): بصراحة؟ أنا جاي هنا عشان أشيل الشنط، الاختيارات دي مسؤوليتكوا إنتوا!
ميار (بمكر وهي تشير لسليم): طيب وسليم؟ مش هيختار لي حاجة هو كمان؟
سليم (برفع حاجب وهو ينظر لها بسخرية): أنا؟ إنتي عايزة ذوقي في اللبس؟ ده أنا حتى لما أشتري حاجة لنفسي بحتاج استشارة!
غزل (تغمز لشغف): طيب بما إنكم جايين تهزّروا، يبقى عقابكم… تنتظرونا برا محل الفساتين النسائية!
أوس (بعينين متوسلتين): غزل، بالله عليكي! حرام عليكم، إحنا رجالة عندنا كرامة!
شغف (تضحك): كرامة إيه؟ إحنا دخلين نقضي وقت جميل، وأنتوا يا إما تستمتعوا معانا يا إما… تستنونا ساعتين على الأقل!
سليم (يضع يده على جبينه بيأس): أوه لأ، بليييز، خلّوا معانا رحمة!
ميار (تلوّح بيدها وهي تدخل المتجر مع الفتيات): الرحمة ممنوعة النهاردة!
أوس وسليم يتبادلان النظرات، ثم يجلسان على مقاعد قريبة، ينظران إلى بعضهما بيأس بينما الفتيات يبدأن في تجربة الملابس بحماس، غير مباليات بمعاناة الشابين.
أوس (بسخرية وهو ينظر لسليم): إحنا ضحايا، بس محدش مقدّر حجم مأساتنا!
سليم (يتنهد): عادي، أنا استسلمت، أي حاجة تطلّعنا من هنا بسرعة، أنا موافق عليها!
أوس (يضحك): طيب، إيه رأيك في فكرة مجنونة؟ لو نجحنا في خطتنا مع غيث، ممكن نخلي غزل تشغله لدرجة تنسى تجرّنا لتجارب التسوق دي!
سليم (يضحك وهو يهز رأسه موافقًا): خلاص، دلوقتي بقت معركة شخصية، ولازم ننجح فيها!
يضحكان بينما من داخل المتجر، تتعالى أصوات غزل وشغف وميار وهن يطلبن منهن إبداء رأيهم في الفساتين، ما يجعل أوس وسليم يضعان أيديهما على وجهيهما بيأس، مستعدين ليوم طويل من المعاناة
*********************
أوس وسليم ما زالا يجلسان خارج المتجر، يراقبان الفتيات وهن يتنقلن بين الفساتين. فجأة، يلمح سليم شخصًا مألوفًا يسير في المول وهو يبدو شارد الذهن ومحبطًا.
سليم (باندهاش وهو يحدّق): غيث؟!
ينظر أوس إلى الاتجاه الذي يشير إليه سليم، ليرى شابًا وسيمًا يسير ببطء، ملامحه حزينة وكأنه في عالم آخر.
أوس (مستغربًا): هو ده غيث اللي كنت بتكلمني عنه؟
سليم (ينهض وينادي): غيث!
يلتفت غيث متفاجئًا عند سماع اسمه، ثم يرى سليم يلوّح له، فيتجه نحوهما.
غيث (بدهشة): سليم؟! إنت هنا؟
سليم (يبتسم ويربت على كتفه): آه يا صاحبي، أنا وأوس مع الفتيات في رحلة تعذيب… قصدي تسوق.
أوس (يمد يده مصافحًا غيث): أوس، صديق سليم وغزل، و—الضحية اللي شغف قررت تعذّبه طول عمره!
يبتسم غيث مجاملة، لكن الحزن لا يزال واضحًا في عينيه.
سليم (يلاحظ ذلك ويعبس): مالك؟ شكلك مش تمام.
غيث (بتنهيدة): اتطردت من شغلي في المطعم امبارح. الست زينب اللي حصلت معها المشكلة، اشتكت للإدارة، وهم ما استحملوش وجابوها عليّ وطردوني.
أوس (باندهاش): إيه ده؟ مش معقول!
سليم (بغضب): والله الست دي متكبرة جدًا! كل ده عشان شوية شوربة؟
غيث (يهز رأسه بيأس): مش موضوع الشوربة، الموضوع إني كنت مجرد عامل بسيط، وده كان كفاية يخليهم يستغنوا عني في ثانية. أنا هنا بدوّر على شغل، لازم أساعد أهلي بأي طريقة.
قبل أن يرد أي منهما، تخرج غزل وشغف وميار من المتجر، وغزل تحمل فستانًا بحماس.
غزل (بحماس): أنا لقيت فستان ها— تتوقف فجأة عندما ترى غيث، ثم تبتسم بلطف.
غزل (بهدوء واحترام): غيث؟؟
غيث (ينظر لها بتفاجؤ، غير معتاد على هذا القدر من الاحترام من شخص مثلها): آه…
ميار (تبتسم): أخبارك إيه؟
ينظر غيث إلى سليم
غيث (بتنهيدة): بصراحة، طردوني بسبب الشكوى اللي حصلت امبارح، والنهاردة كنت بدوّر على شغل جديد.
غزل (بجدية وهي تعقد ذراعيها): الناس دي مستفزة! بس متقلقش، إحنا مش هنسيبك كده.
غيث (باندهاش): "إحنا"؟
أوس (يضع يده على كتف غيث): طبعًا! ما تعرفش إنك وقعت في وسط عصابة دلوقتي؟
شغف (بابتسامة مطمئنة): هنلاقي لك شغل مناسب، متقلقش.
غزل (تفكر ثم تبتسم فجأة): أنا عندي فكرة! بابا عنده شركة كبيرة، ودايمًا بيدور على ناس مجتهدين يشتغلوا معاه. ممكن أكلّمه عنك!
غيث (مترددًا): بس… أنا مش متعود آخد حاجة بالشكل ده، أنا بحب أعتمد على نفسي.
سليم (يربت على ظهره): محدش قال إننا بنديك حاجة من غير مقابل، ده مجرد باب هنفتحه لك، والباقي عليك.
غزل (تبتسم بحماس): بالظبط! وبعدين إنت زينا، مفيش فرق بيننا.
ينظر غيث إليها باندهاش، وكأن كلماتها أثرت فيه أكثر مما يتوقع. ابتسامة صغيرة تظهر على وجهه لأول مرة منذ يومين، بينما يشعر أن هذا اللقاء قد يكون بداية جديدة لحياته
***********************
غيث ما زال ينظر إلى غزل باندهاش، غير مصدق أنها تتحدث معه بهذا الاحترام والتلقائية. قبل أن يتمكن من الرد، تتحدث غزل مجددًا بحماس.
غزل (تبتسم وهي تشير للمحال من حولهم): طيب بما إنك خلاص قابلتنا، يبقى لازم تنضم لينا في جولة التسوق!
غيث (يرتبك وهو يرفع يديه معتذرًا): لا لا، مش هينفع، أنا كنت همشي أكمل البحث عن شغل…
ميار (تتظاهر بالاستياء): يعني إحنا كلنا بنتعب معاك عشان نلاقي لك شغل، وإنت مش هتدينا ساعة واحدة بس؟
شغف (تهز رأسها بمكر): بصراحة مش عادل، ده حتى أوس وسليم مجبرين على التسوق معانا، وأنت جاي بكيفك!
أوس (يعقد ذراعيه بتمثيل الجدية): آه بالظبط! تعال شاركنا المعاناة بدل ما تهرب!
سليم (يضع يده على كتف غيث وهو يضحك): بجد بقى، إحنا مش هناخد منك "لأ" كإجابة، يلا يا صاحبي، فرصة تاخد استراحة بدل ما تفضل شايل هم الشغل طول اليوم.
غيث (ينظر إليهم محرجًا، لكنه يشعر بالدفء وسط هذا الجو): بس… أنا مش مناسب لمكان زي ده، وأكيد مش مناسب لجولتكم دي.
غزل (تضع يديها على خصرها وتبتسم بثقة): أولًا، إحنا مش فارق معانا مين مناسب لمين، إحنا كلنا زملاء وأصدقاء، وثانيًا… مش حاسيبك تمشي!
غيث (يضحك بخفة رغم إحراجه): ماشاء الله، واضح إنكِ عنيدة جدًا!
ميار (تغمز له بمكر): إنت لسه ما شفتش حاجة!
غيث (يتنهد مستسلمًا وهو يهز رأسه): خلاص، أنتم كسبتم، هاجي معاكم.
شغف (تصيح بحماس): هاااااااي! ضحية جديدة انضمت للمعسكر!
أوس (يمسك كتف غيث متظاهرًا بالجدية): كان الله في عونك يا صاحبي، احنا دخلنا دوامة لا خروج منها.
سليم (يضحك وهو يدفعهم للأمام): يلا بقى، مش هتخلصوا اختيار الفساتين النهاردة ولا إيه؟
يتحرك الجميع داخل المول، غيث يراقبهم وهو لا يصدق أنه انضم إليهم بسهولة، وكأنه ينتمي لهذا المكان… لأول مرة منذ فترة طويلة، شعر أن الفارق بينه وبينهم قد يكون مجرد أوهام زرعها المجتمع، وليس حقيقة مطلقة
*******************
في إيطاليا، مدينة روما، في مقهى صغير بالقرب من نافورة تريفي، يجلس ماركو على إحدى الطاولات الخارجية، ينظر إلى هاتفه بقلق. يمرر أصابعه على الشاشة، يتصفح أخبار الشرق الأوسط، وكلما وجد شيئًا عن سوريا، يشعر بأن قلبه يتوقف لثوانٍ.
ماركو (يتمتم بقلق): غزل… أين أنتِ؟
يفتح بريده الإلكتروني مرة أخرى، يبحث عن أي رسالة قد تكون وصلته منها، لكن لا شيء. يزفر بضيق، ثم يفتح تطبيق المراسلة، آخر محادثة بينه وبين غزل كانت منذ شهور، قبل أن تسافر إلى سوريا. يضغط على رقمها، يرن الهاتف، لكن لا إجابة… كالمعتاد.
ماركو (يحدث نفسه وهو يمرر يده في شعره): مستحيل تكون اختفيتِ كده… لازم أعرف أي حاجة عنكِ.
ينهض فجأة، يخرج محفظته، يترك بعض النقود على الطاولة ثم يخرج من المقهى بسرعة. يتجه إلى زقاق ضيق، حيث يوجد مكتب سياحي صغير يعمل فيه صديقه "لوكا"، الذي لديه علاقات مع صحفيين ومسافرين دوليين.
ماركو (يدخل بسرعة ويخاطب لوكا الجالس خلف المكتب): لوكا، أحتاج مساعدتك!
لوكا (يرفع رأسه متفاجئًا من توتر ماركو): ماركو؟ مالك؟
ماركو (بصوت مضطرب): تتذكر الفتاة المصرية التي كنت أحكي لك عنها؟ غزل؟
لوكا (يفكر قليلًا ثم يومئ): آه، الصحفية الجميلة اللي كنت معجب بيها، صح؟ إيه اللي حصل؟
ماركو (بقلق): كانت في سوريا، تعرضت للقصف، وبعدها انقطعت أخبارها تمامًا! هاتفها مغلق، لا ترد على رسائلي، ولا أجد أي خبر عنها!
لوكا (يعبس وهو يفتح حاسوبه): انتظر لحظة، دعني أبحث في بعض المصادر، ربما أجد شيئًا.
يقف ماركو متوترًا، يراقب لوكا وهو يبحث في المواقع الإخبارية وقوائم الصحفيين الذين غطوا الحرب مؤخرًا. تمر دقائق ثقيلة قبل أن يتوقف لوكا فجأة.
لوكا (يرفع حاجبه): وجدت شيئًا…
ماركو (يقترب بسرعة): ماذا؟ أخبرني!
لوكا (يقرأ من الشاشة): هناك خبر قديم عن مجموعة صحفيين تعرضوا للقصف في سوريا، بعضهم قُتل، وبعضهم عاد إلى بلاده للعلاج… انتظر، هذا الاسم… "غزل الشرقاوي"، مصرية…
ماركو (بعينين متسعتين): هذا هو اسمها! وماذا حدث لها؟
لوكا (يتابع القراءة): لا تفاصيل كثيرة، لكنها لم تمت، عاد بعض المصابين إلى مصر لتلقي العلاج… ربما هي واحدة منهم؟
ماركو (يتنفس الصعداء قليلاً لكن القلق لا يزال يسيطر عليه): إذن هي على قيد الحياة؟ لكن لماذا لم تتواصل معي؟
لوكا (ينظر إليه بجدية): ربما تمر بوقت صعب… أو ربما لا تستطيع استخدام هاتفها الآن…
ماركو (بإصرار): يجب أن أجد طريقة للوصول إليها! هل تعرف أي شخص في مصر يمكنه مساعدتي؟
لوكا (يفكر قليلًا ثم يهز رأسه): لدي بعض المعارف هناك، سأرى إن كان بإمكانهم معرفة شيء عنها.
ماركو (يمسك كتف صديقه بامتنان): لوكا، أرجوك، افعل كل ما تستطيع، يجب أن أتأكد أنها بخير!
لوكا (يبتسم): سأفعل ما بوسعي، لكن استعد، قد يستغرق الأمر بعض الوقت.
يهز ماركو رأسه بتوتر، ثم يخرج من المكتب، يسير في الشوارع الإيطالية لكنه يشعر أن قلبه في مكان آخر… في مصر، حيث ربما تكون غزل الآن، لكنه لا يعرف إن كانت تتذكره أو حتى إن كانت بخير تمامًا
*****************
ماركو يخرج من المكتب وهو لا يزال شارد الذهن، يمشي في الشارع بسرعة، عقله مشغول تمامًا بغزل ومحاولته الوصول إليها. فجأة، يسمع صوت كعب عالٍ يقترب منه بسرعة، ثم يأتي صوت أنثوي متصنع خلفه.
تارا (بابتسامة مغرورة): ماركوو! وأخيرًا وجدتك!
يتوقف ماركو للحظة، يغمض عينيه بضيق، ثم يستدير ببطء ليرى تارا تقف أمامه بفستانها الضيق وحذائها اللامع، تمسك بحقيبة فاخرة وكأنها قادمة من عرض أزياء.
ماركو (بفتور): تارا… ماذا تريدين؟
تارا (تتظاهر بالدهشة): ماذا أريد؟ أوه، ماركو، لا تكن باردًا هكذا! سمعت أنك كنت هنا، فقلت لنفسي، لمَ لا أمر لأراك؟ أنت تعلم أنني أشتاق إليك دائمًا.
يحاول ماركو الحفاظ على هدوئه، لكنه يشعر بالاشمئزاز من طريقة حديثها المصطنعة.
ماركو (بصوت جاف): حسنًا، رأيتني، هل انتهى الأمر الآن؟ لدي أشياء مهمة لأفعلها.
تارا (تضع يدها على صدرها بمبالغة): ماركو، هذا يؤلمني! أنت دائمًا تعاملني بهذه القسوة، رغم أنني الوحيدة التي تهتم لأمرك حقًا.
ماركو (يضحك بسخرية): "تهتمين"؟ تارا، أنتِ تهتمين فقط بنفسكِ، وبكيفية جعل الجميع يدورون حولكِ مثل الكواكب حول الشمس.
تارا ترفع حاجبها بغرور، ثم تميل عليه قليلًا، متظاهرة بأنها لم تسمع إهانته.
تارا (بإغراء): ولمَ لا تدور حولي أنت أيضًا؟ صدقني، ستكون حياتك أسهل لو توقفت عن مطاردة أشياء مستحيلة، وركزت على شيء… قريب منك.
تضع إصبعها على صدره، لكنه يبتعد فورًا وكأنه لمس نارًا.
ماركو (باردًا): لا تلمسيني، تارا.
تارا (باندهاش وغضب مكبوت): ماركو! لماذا تصر على معاملتي بهذه الطريقة؟! أي فتاة تتمنى أن تكون مكاني، وأنت تعاملني وكأنني…
ماركو (يقاطعها بنفاد صبر): وكأنكِ ماذا؟ كأنكِ شخص متعجرف لا يهتم إلا بمصلحته؟ لأن هذا بالضبط ما أنتِ عليه.
تارا تضيق عينيها، تحاول الحفاظ على برودها، لكنها تغلي من الداخل.
تارا (بصوت منخفض لكنه مليء بالغضب): كل هذا بسبب تلك الصحفية، أليس كذلك؟ تلك الفتاة المصرية… ماذا كان اسمها؟ غزل؟
يشتد فك ماركو، ونظرته تصبح أكثر حدة.
ماركو (يحذرها): لا تتحدثي عنها.
تارا (تضحك بسخرية): أوه، فهمت الآن! لقد فقدت عقلك بسبب فتاة اختفت في الشرق الأوسط، بينما لديك امرأة مثلي أمامك، حقيقية، موجودة هنا.
ماركو (بهدوء لكنه حاد كالسيف): تارا، وجودكِ لا يعني أنكِ تستحقين الاهتمام.
تصمت تارا للحظة، ملامحها تتجمد من الصدمة، ثم تتحول إلى الغضب القاتل.
تارا (تصرخ بغضب): ماركو! أنت نادم على هذه الكلمات! لا أحد يرفضني! لا أحد!
ماركو (يبتسم بسخرية وهو يستدير ليغادر): يبدو أنني أول شخص يكسر هذه القاعدة… اعتادي على الأمر.
تارا تبقى في مكانها، يشتعل الغضب في عينيها، تنظر إلى ماركو وهو يبتعد، وتهمس لنفسها بحقد.
تارا (بغضب): ستندم… سأجعلك تندم، ماركو
*******************
ماركو يبتعد دون أن ينظر خلفه، تاركًا تارا تشتعل غضبًا في مكانها. تقبض على حقيبتها بقوة، وأظافرها المطلية بالأحمر تكاد تمزق الجلد. تأخذ نفسًا عميقًا وتحاول تهدئة نفسها، لكن الغضب بداخلها كان يغلي مثل بركان على وشك الانفجار.
تارا (تتمتم بغضب وهي تعض شفتيها): غزل… كل هذا بسبب تلك الحقيرة!
تستدير بسرعة، تمشي بخطوات سريعة إلى سيارتها الفاخرة، تجلس خلف المقود، تضرب عجلة القيادة بيدها بغضب.
تارا (بحقد شديد): غزل الشرقاوي… الصحفية المسكينة التي جاءت من العدم وخطفت انتباه ماركو! أعتقدتِ أنكِ ستختفين للأبد؟ كان يجب أن تبقي هناك في سوريا تحت القصف!
تسحب هاتفها بسرعة، تفتح تطبيق البحث، تبدأ في كتابة اسم غزل بالعربية والإنجليزية، تقرأ الأخبار القديمة عنها، تتابع صورها في المظاهرات والتغطيات الصحفية… عيناها تزدادان ظلمة مع كل صورة تراها.
تارا (بابتسامة باردة): إذًا، عدتِ إلى مصر، أليس كذلك؟ رائع… هذا يعني أنني أستطيع الوصول إليكِ بسهولة.
ترفع الهاتف، تتصل بأحد معارفها في مصر، شخص معتاد على تنفيذ المهام المشبوهة.
تارا (بصوت ناعم لكنه سام): مرحبًا، لديّ مهمة صغيرة لك في القاهرة… اسم الفتاة؟ غزل الشرقاوي. أريدك أن تراقبها، تعرف كل شيء عنها… نقاط ضعفها… وأعدك بمكافأة سخية.
تغلق المكالمة، تضع هاتفها جانبًا، ثم تميل برأسها إلى الخلف وهي تبتسم ابتسامة خطيرة.
تارا (بهمس): استعدي يا غزل… سأجعلك تندمين على اليوم الذي قابلتِ فيه ماركو
•تابع الفصل التالي "رواية اسيره في مملكة عشقه" اضغط على اسم الرواية