Ads by Google X

رواية قارب الموت الفصل العاشر 10 - بقلم مريم الجنيدي

الصفحة الرئيسية

  

 رواية قارب الموت الفصل العاشر 10 -  بقلم مريم الجنيدي

«١٠-على قارب الموت»
                                    
                                          
«الحلقة ١٠»



تحرك الجميع للخارج و من بينهم عمار المرتجف ولا يعرف مصيره، دب الأمل بهم مره آخرى بعد الكتير من اليأس و التعب.



كانت أعين عبد الرحمن لا تفارق نسيم التى تتحرك بجانب صديقتها الجديدة لم يرتاح أن تظل معهم و بجانبهم شاب غريب لكنه تفهم أنها بحاجة اللي وجود فتاة مثلها معها، لذلك كانت أعينه تتابعها من بعيد ليس لأي شئ سوا إراحة ضميره، ليس أي شئ آخر..! 



لقد تعرف على عبيدة في الأيام الماضية ليعرف سلوكة علم أنه سوري رغم حديث الآخر الذي بذل جهد كبير ليكون باللهجه المصرية لكنه مع الأسف فضل و انكشف أمره طمئنه وقتها أنه ليس عليه أن يخشى شئ ولا يخشى من معرفة أحد جنسيتة، و للامانه وجده شاب ذو خلق كريم و إحترام و نباله كبيرة، فطمئن قلبه قليلا و ما طمئنه أكثر أنه خلال العشر أيام الماضية لم يوجه كلمه واحده إلي نسيم و احتفظ بحدوده جيداً 



أقترب عبد الرحمن من باهي الشارد وهو يسأله
"مالك!! سرحان في أي" 



تنهد باهي بحزن و الهم يظهر على وجهه كأن العشر أيام الذي مروا كانوا عشر سنوات، فملامح الكبر رسمت خطوطها على وجهه 



"قلبي مقبوض ربنا يستر" 



أرتجف عمار وهو يمر ليصعد للسيارة دون أن يعرف مصيرة 



صعدوا جميعاً للسيارات تمسك عبيدة بيد شقيقته وهو يبتسم لها كي تطمئن 



بعد ساعتين في الطريق توقفت السيارات و نزل الجميع منها 



قال باهي بصدمة وهو ينظر لقارب الصيد المتهالك القديم و لعدد الناس المهاجرين الذين ينتظرون في المكان غير الآخرين الذين كانوا محبوسين معهم 



هناك المئات من البشر المتواجدين في المكان و من المستحيل أن يصعدوا جميعاً على هذا المركب المتهالك 



أقترب الحراس منهم كي يجبروهم على الصعود 
لعترض باهي و يتعالى صراخ الجميع 



"المركب دي مش هتستحمل، مستحيل تاخد العدد دة كله" 



رد عليه أحد الحراس الممسك بعصى غليظة 
"يلا خلصونا لو مش عاجبك ابقى نط في البحر" 



أعترض باهي و عبد الرحمن  عدد كبير من الشباب على الصعود، تعالت الأصوات و الصراخ و التخبط بين الجميع عندما بدأ الضرب العشوائي من الحراس للمهاجرين 



صرخ باهي وهو ينحني يمسك قدمه بعدما طالتها إحدى ضربات العصى 



هجم عبد الرحمن يضرب أحد الحراس الذي يحاول تكبيله 



وقف عمار ينظر حوله بذهول من الفوضى المنتشرة 



صرخت نسيم وهي ترى عبد الرحمن يسقط على الأرض بعد أن ضربه أحدهم 




   
                
تمسكت سيلا بشقيقها بخوف وهي تبكي
كان الوضع كارثي على الجميع، لكن اوقفهم جميعاً صوت الطلقات النارية التي انطلقت في الهواء تشق صوت الصرخات و تعلوا عليها 



انحنى الجميع على عقبيهم بعدما صرخ بهم الريس 



ليعلوا صوته بحده 
"دي المركب الموجودة، و اللي كلكوا هتركبوها، و اللي معترض يترمي نفسه في البحر، مفيش رجوع و مفيش اعتراض، مش هنضيع نفسنا ووقتنا عشانكوا" 



تكلم عبيدة بصدمة 
"العدد كبير على هالمركب، ما بتكفي" 



أبتسم الآخر بسخرية 
"هتكفي، هتقفوا جنب بعض و هتكفي، و مفيش حل تالت، و الكلام خلص، و كلمة كمان هنستخدم العنف، و تبقى توصل أوروبا غرقان و متكسر"



رد عبد الرحمن بغضب 
"يعني بعد كل القاعدة اللي قعدناها دي، عشان تطلعونا مركب بالشكل دة!" 



رد الآخر ببرود 
"كل القاعدة دي عشان ناخد الفلوس من اهليكوا، بالنسبة للمركب دي اللي موجود، و مفيش غيرها، تحب تروح إيطاليا سباحة؟" 
أنهى كلامه وهو يشير للحرس بالتحرك 



تحرك الحراس بالعصيان و السلاح يجبروا الجميع على الصعود و من يعترض كان ينال من عصيانهم ما يكفي لبلع اعتراضه بجوفه 



نظر عبد الرحمن لنسيم التي تبكي وهي تمسك ذراعها بألم  و ملامح الذعر تحتل وجهها وهي تنظر حولها بتيه ليتقدم منها سريعاً بعدما وجدها وحيده دون رفيقتها، اقترب منها في الزحام و امسك كم سترتها يسحبها منها لتقول ببكاء بعدما وجدته هو من يسحبها 



"عبد الرحمن مش لاقيه سيلا، أى اللي بيحصل!" 



سحبها أمامه و نظر حوله ثم قال لها 
"صحبتك مع الواد اللي معاها متخافيش، امسكي فيا"
 
تشبثت بذراعه وهي تتأرجع و تتخبط بسبب الزحام و الفوضى



نظر باهي حوله بضياع وهو يرى الجميع حوله يصعدوا على القارب بالاجبار تحت تهديد السلاح و العنف المبرح 
تألم من قدمه المصابة بعد أن ضغط عليها
لا يصدق الكابوس البشع الذي يحياه، لقد ترك عائلته ليعيلهم، لكن ما يحدث الآن أنه يتم دهسه و يتقدم للهلاك بقدمه ولا طريق للعودة، ولا اختبار آخر للحياة



كل ما أراده في الحياة هي مكالمة لعائلته ليسمع صوتهم ولو لآخر مره في حياتهم، فشكل المركب المتهالك مع عدد البشر الموجودين للصعود عليها لا يبشر بالخير ابدا ستغرق لا محالة 



حاول البحث حوله عن أي مفر لكن تكدث الناس و تزاحمهم حال دون ذلك 



فنظر للأعلى يصرخ باستغاثة و اعينه مدمعه بعجز مميت 



"يارب" 



تسلل عمار و صعد من بينهم حتى لا يتم إيقافه فهو لا يصدق الفرصة التي جائته على طبق من ذهب، استغل الزحام و التكدث و صعد المركب ليبتسم بانتصار بمجرد صعوده لم يهتم بشكل القارب ولم يهتم بالصراخ أو بعدد الأشخاص المتواجدين كل ما يهمه أن يلوذ بالفرار من هذا المكان المميت و ينطلق للحرية و لحياته الجديدة 




        
          
                
ضم عبيدة شقيقته الباكية المذعورة بين ذراعيه وهو يحاول الصعود للقارب المهترء دون أن يصيبها مكروه، يتحمل الضربات و الصدام و عانقها أكثر بصدره و بين كل ثانية و الآخرى  يطمئنها بصوت مرتجف



"ما تخافي، كل شي راح يكون بخير" 



بعد أكثر من ساعتين صعد على القارب أكثر من سبعمائة و خمسون شخص للهجرة من مختلف الجنسيات 



 
يقفون بجوار بعضهم ملتصيقن لضيق المكان 
الدور الأسفل لقارب الصيد و الذي يعتبر الثلاجات يقف به الأشخاص أغلبهم النساء 
الجو خانق و الزحام مميت، لكن بريق الحياة الكاذبة جذبهم جميعاً لهذا الطريق دون التفكير في العواقب 



وقف عمار بجانب باهي و عبد الرحمن الذي مازال يتمسك بنسيم، و أخيراً بالصدفة كان بجانبهم عبيدة و سيلا
جميعهم في بداية القارب متجاورين 



و قد بدأ القارب في التحرك إلي طريق لا يعلم أحد منهم نهايته 




تمسكت سيلا بيد شقيقها بعدم تصديق وهي تنظر لمياة البحر التي تشقها المركب 



"عبيدة  هنوصل صح!" 



ربت على يدها وهو يبتسم لها كي تطمئن، لكن  قلبه هو غير مطمئن، هناك انقباض مخيف بقلبه، دعى الله أن يسلمهم و يصلون بسلام دون حدوث أي ضرر لهم 




أما من كان لا يصدق نفسه هو عمار الذي كان ينظر لمياة البحر التى تشقها المركب بسعادة غير طبيعية يشعر أنه عصفور كان حبيس داخل قفص وأخيراً نال حريته ألتفت لباهي يقول له بسعادة 
"أنا مش مصدق نفسي، إحنا خلاص في البحر رايحين إيطاليا!" 



نظر له باهي لثواني و أعاد أنظاره دون أن يعقب على حديثه، ليكمل الآخر دون انتظار رد 



"حاسس إني بحلم، أخيرا هقدر أعمل كل اللي عايزة منغير ما حد يحاسبني، ولا يقولي بعمل أي، هعيش في بلد نضيفة، ناس تحترمني" 



رد عليه باهي بهدوء دون أن يلتفت له
"هو دة كل اللي أنت عايزة!!" 



أومأ عمار بسعادة 
"آه يا عم، هبعد عن البيت النكد دة، مش كل حاجة يقولي مينفعش و حرام و لاء، أنا زهقت من الخنقه دي" 



رد باهي دون استيعاب 
"أنت اللي خنقك أنه كان بيقولك حرام!" 



هز الآخر أكتافه بلا مبالاة 
"آه أنا عايز أعيش براحتي، أنا لسه صغير، و ولد أي يعني لما أعمل اللي عايزة، و أشتغل في حته كويسة البنات تترمى تحت رجلي كدة" 



هز باهي رأسه لا يصدق ما تسمعه أذنيه ليقول بخفوت 
"غيرك بيتمنى نص عشتك دي، بيتمنى بيت يستره، أو أب ينصحه، و بعدين أنت لي محسسني أنك هتروح تشتغل وزير ولا حاجة، فوق إحنا مسافرين منغير بطاقة شخصية، و بعدين متخليش كل هدفك أنك تروح عشان تصيع" 




        
          
                
زفر عمار بملل وهو يقلب أعينه
"متدنيش حكم و مواعظ الله يخليك، أومال يعني أنت مسافر لي مش عشان تنطلق، مش عشان تتعامل كبني آدم و ليك حقوق! ولا أنت عاجبك المرمطة اللي شوفتها وقله التقدير" 



ألتفت له باهي يستند على حافة القارب بظهره رغم صعوبة الوقوف أو التحرك أو حتى الجلوس من تكدس الناس 



"أنا مش رايح انطلق، أنا رايح ادور على لقمه عيشي أنا متعلق في رقبتي أسره مسؤوله مني، أنا كنت هسافر كدة كدة شرعي و كنت بعمل في الورق لما لقيت فرصه كويسة و أحسن و مرتب حلو، بس لما حصلت الكوسة في الشغل و حد اخد مجهودي اللي بسعى ليه من سنين في طرفة عين، الغضب عمى عيني" 



سخر عمار بملامح باردة 
"و الغضب عمى عينك لي ما أنت كدة كدة كنت بتعمل الورق بتاعك" 



"و أنا كنت أضمن أن الورق هيخلص أنا لما لقيت الشغل أخويا اقنعني أن مستقبلي هناك هيكون أحسن خصوصاً إني شيف، كمان فرق العمله كنت هقدر أربي ابني أحسن، أنت مش حاسس بحاجة، أنا مش بفكر في نفسي و بس أنا بفكر في مستقبل أبني و إزاي ادخله مدرسة كويسة و أعلمه، بفكر في مراتي و بيتي، و أبويا اللي جه الدور عليا اساعده بقى شوية بدل مهو شايل حملنا كلنا، و جربت حظي و قدمت على الورق، و في نفس الوقت بسعى للترقية اللي شغال على نفسي فيها من سنين عشان اوصل لها عشان لو مسافرتش، يقوم يجي عيل بواسطه مش عارف الطماطم من الخيار ياخد مكاني عشان أبوه حد كبير في الفندق، تفتكر دة ميخليش الغضب يعمى عينك، أنا لو كنت أعرف أن كل دة هيحصلي في المشوار دة مكنتش جيته اصلاً أنا مش مستهتر عشان ارمي حياتي على كف عفريت" 



مط عمار شفتيه برتابه وهو يردف 
"مش عارف لي ممكن حد يتجوز صغير كدة و يشيل مسؤولية بيت و عيال، أنا أهو عايش بمزاجي و يعمل كل اللي عايزة و محدش ليه حاجة عندي" 



رد باهي بسخرية وهو ينظر له بطرف أعينه
"بتعمل كل اللي انت عايزة في الحرام، أنت مفكر إن دي عيشه دا قرف" 




قلب عمار أعينه باستياء 
"هتقول زي أبويا، أنا معملتش حاجة حرام ولا نمت مع واحده بجد،. دة بيبقى إلكتروني أو فون مكالمة فيديو توريني عملي صور نودز ، كدة يعني مش بجد، أي بقا المشكلة في كدة" 



اتسعت أعين باهي بعدم تصديق و كاد يرد عليه لكن وصله رد من شخص آخر بنبرة غاضبة 
"اتقي الله يا زلمه كيف بتقول هيك و جنبك حريم، كيف بتبرر اللي بتقوله اصلاً، ربنا يسترها علينا و نوصل سالمين و الله ما بغضب علينا باللي بتقوله، استغفر الله" 



تمسكت سيلا بيد عبيده تحاول تهدئته بعدما استمعوا لكلام عمار المتواقح الجرئ 



نظر عمار له بغضب بعدما ألتفت إليه بعض الأشخاص يتطلعون إليه 
"و أنت مالك أنت يا عم هو حد كلمك ولا جه جنبك" 




        
          
                
أمسك باهي ذراع عمار ليصمت وهو يقول معتذراً
"إحنا اسفين الكلام سحب بعضه و مأخدناش بالنا" 



نفض عمار ذراعه بحده من يد باهي
"بتعتذر لمين يا عم، اللي مش عاجبه يسد ودنه، هو أنت هتمسك بوقنا!" 



صرخ عبيدة به بحده وهو يقف أمام شقيقته



"لك روح اتواقح بكلامك بعيد ما قدام البنات و الحريم يا عديم النخوه" 



انتفض عمار يمسك به بغضب وهو يصيح 
"هو مين ده اللي عديم النخوه، هو أنا اللي جايب مراتي ولا اختي ولا الله أعلم تقربلك على مركب هربانه أغلبها رجاله متزنقين بالشكل دة، روح شوف نخوتك أنت الأول" 



صوت تكسير قلب عبيدة وصل لأذنه، شعر بالذل و القهر من كلام المتواقح الآخر ليدفعه بعنف وهو يلكمه بوجهه كتعبير عن رجولته التي تذأر كان أول مره بحياته يستخدم العنف 
"الله بيعلم بحياة الناس، ما أنت اللي بتحكم علي شي، أنا عندي نخوه و رجوله أنت ما عندك ذره منها لتبرر لعبك ببنات الناس و هيك كلام بيقرف حسبي الله ونعم الوكيل" 



مسد عمار على وجهه بألم و كاد أن ينقض على الآخر يلقنه عراك شوارع لكن منعه باهي و عبد الرحمن الذي قيدوه 
أردف عبد الرحمن بصوت عالي وهو يسحب الآخر بعيد
"خلاص.. خلاص... هو عنده حق اكتم بوقك دة، إحنا في أي ولا اي إحنا مش ناقصين مصايب"



"سب عمار ببذائه وهو يحاول التخلص منهم
"اكتم مين يا عم أنت كمان، انتم مال اهلكوا بيا" 



رد باهي بقسوه وهو يسحبه و يدفعه على ايطار المركب 
"كلمه كمان وانا اللي هخلي وشك خرائط أخرس خالص، عايزين نوصل منغير قرف اكتر من كدا"



صمت عمار وهو ينظر لعبيدة بغل 
ليلتفت الآخر يهدئ من شقيقته التي تبكي بخوف وهي تتمسك به 
"عبيدة خلاص ملناش دعوه بحد، بالله عليك عايزين نوصل كويسين" 



وقفت نسيم تطلع للمياة بشرود  لتشعر بهيئته الطويله جانبها لم تعره إهتمام أو تلتفت له، ليسألها مباشرة 



"لي مفضلتيش عايشة في بيت أبويا، مش كان ارحم ليكِ من البهدلة دي؟" 



صمتت قليلاً أعتقد هو أنها ستتجاهل الرد عليه، لكنها ردت بالنهاية بقنوط
"عشان عنده إبن حلوف بيذل فيا في الطالعه و النازله" 



رفع حاجبه بإحراج وهو يحمحم يحاول أن يلملم كرامته التى بعثرتها بجملة واحده 
ليسألها مره أخرى
"أبويا اتجوز أمك لي!!" 



نظرت له بطرف أعينها 
"ابقى أسأله ولا أنت خايف منه!!" 



رد باستهجان متشدق 
"أنا مبخفش من حد" 



طالعته بنظره تقيميه شامله قبل أن تردف ببرود
"آه عشان كدة أنت على مركب هربان لإيطاليا؟" 




        
          
                
قبض على يده يغضب كي لا يصفعها على وقاحتها و أسلوبها الفج للتابع هي 
"أنا سبتهالك و مشيت مش عشانك لواحدك، عشان مامتك ست طيبة و جميلة مكنتش هسامح نفسي لو كنت السبب في صدمتها في أن أبقا بنت ضرتها، على العموم أبوك كان مقعدني عندكم أمانة، بس هو غلط لما افتكر أن بجوازي منك هيحافظ عليها"



أومأ لها و احترم كلامها بعدما فضلت المخاطرة على ألا تجرح والدته ليقول لها 
"صح هو محفظش عليكي ولا على إبنه، حسبها غلط لما فكر يلوي دراعي، على العموم أنا هفضل معاكي لحد ما نوصل بالسلامة و اطمن انك في أمان و كل واحد من طريق" 



عاندت وهي تعقد ذراعيها بحنق 
"مش محتاجة حد يخلي باله مني أنا قادرة اشتال مسؤوليه نفسي" 



"عارف، بس أنا رجولتي متسمحليش اسيب بنت أعرفها حتى لو من بعيد في موقف زي دة لواحدها و بعدين مين البنت و الولد السوريين اللي ماشية معاها دي!!"



ردت بثبات "معرفش بس هما شكلهم طيبين و كفاية انها بنت زيي و دة أخوها" 



سخر منها 
"مش أي حد شكلة طيب بيبقى طيب بجد"



أومأت له بالايجاب وهي ترد عليه بكلماتها الحارقة 
"كويس أنك قولتلي عشان احرص منك" 
 
تحركت من جانبه منهيه الحوار لتتقدم تقف بجانب هذه الفتاه دون أن تعيره إهتمام أو تمنحه فرصة للرد 



كان القارب يتحرك ببطئ ملحوظ، نظراً لما يحمله من عدد فوق حمولته بسته أضعاف، صوت محرك القارب كان عالي، دخل الليل عليهم وهم مازالوا يتحركون ببطئ، الوضع أصبح مرعب و خانق، الجميع متكدس في زحام رهيب، الظلام يجعلك لا ترى و جه من يقف أمامك، صوت محرك القارب عالي بشكل مقلق 



تعالت الهمهمات المتسائله بعدما شعروا بتوقف القارب 
ليقول السائق بصوت عالي كل يعلوا على صوت الجمع المذعور كان صوته مرتبك بعض الشئ
"اهدوا يا جماعة مفيش حاجة، هنريح الماتور شويه عشان ميتحرقش مننا وأحنا ماشين"



سأل عبد الرحمن بصوت عالي 
"إحنا فين دلوقتي يا ريس!" 



رد الآخر بارتباك متعثر 
"إحنا خرجنا من الإقليمية يا غالي عشان كدة هنريح شويه" 



زفر عبد الرحمن بأستيا، الظلام محيط بهم من كل جانب المياة في الظلام مقضبه حتى القارب لا يوجد به اي نور 



قطع أفكاره صوت باهي المتسائل
"هو مفيش هنا اي نور خالص يا ريس"



رد السائق بحنق 
"مينفعش نشغل أى اضائه المركب خرجت من الاقليميه" 



سأل أحدهم مستفسراً بقلق 
"طب و الناس اللي تحت دي كدة تتخنق"



"ياريت كل واحد يخليه في نفسه يا جماعة مش عايزين دوشة، و اللي مش عاجبه ينط في البحر و يخفف حموله" 




        
          
                
كان الوضع سئ للغاية و متعب مرت بعض الساعات عليهم كسنوات، حتى بدأ النهار يشرق خيوطة باستيحاء 



ليقول عبد الرحمن "يا ريس ... هو راح فين يا جماعة، حد يقوله يتحرك بقا النهار بدأ يطلع و إحنا و ققنا كتير" 



لم يستجيب له أحد ليعلوا صوت الناس منادين على سائق القارب 
 



أردف باهي مقترحاً 
"حد يشوفه في الاوضه اللي بيسوقوا فيها ممكن يكون نام" 



بعد ساعتين من البحث عن السائق خرج صوته يقول 
"خلاص يا جدعان في اي أنا موجود كنت بشوف المكنه مالها بس هنتحرك أهو" 



بعد نصف ساعة آخرى من المحاوله بدأ التحرك ببطئ أكثر من قبل، و كان صوت المحرك أعالي كأنه على وشك الانفجار



أعين مطفيه و أخرى لامعه، أعين ميته، و آخري تتوهج بالحياة 



المكان واحد و الأهداف مختلفه، الأشخاص كثيرون كلاً يسعى في دنياه، القارب يشق الماء و أحلامهم تطير تسبقهم لأرض الأحلام الزائفه.



استندت برأسها على رجل شقيقها وهي تجلس في و وضعيه متعبه كانت تضم ركبتيها لصدرها حتى لا تأخد مكان في الجلوس مستنده بظهرها على سور المركب و ترمي رأسها على أرجل شقيقها الواقعه أمامها 



مر النهار و دخل الليل مره آخره لكن هذه المره وقف المحرك على قبيل الغروب 



سأل عبد الرحمن مستفسراً
 "هنريح المكنه!" 



ليرد الريس وهو يخرج من قعره مرتبكاً
"لا المكنة شكلها اتحرقت، وقفت لواحدها" 



تعالت الشهقات و الصرخات المذعورة ليحاول السيطرة عليهم وهو يصرخ 
"اسكتوا أكيد هنلاقي حل هنزل أشوفها" 



تقدم باهي و عبد الرحمن معه و تحدث الأخير
"أنا هاجي معاك، أشوفها"  



بعد ساعتين عادوا موقعهم ليسأل عمار بتردد
"حصل أي عرفتوا تصلحوها!!" 



هز باهي رأسه بالنفي بضيق 
"لا المكنة اتحرقت خالص، محتاجة تتغير" 



مسح عبد الرحمن على وجهه بنفاذ صبر، بينما سأل عمار مره أخرى بارتباك 
"يعني أي، يعني هنعمل أى دلوقتي، حد هيجيلنا ولا هنعمل أى، مش المفروض بيبقا في لانشات من اللي الهوا دي موجودة هنا؟" 



سخر عبد الرحمن وهو ينظر له بغضب 
"لي أنت فاكر نفسك راكب تيتنك، دي مركب صيد بقالها أكتر من ميه سنه، ده كويس إن المكنة منفجرتش بينا، دي مفهاش نقطة زيت" 



انتفضت نسيم بخوف وهي تردف 
"هنعمل أي دلوقتي!! هنفضل واقفين كدة لحد ما حد يجيلنا!!" 



سأل عبيدة 
 "مش ممكن نكلم حد بالاسيلكي!! نبعت إشارات لأقرب سفينه معدية" 



أردف السائق بحنق 
"عملت كدة و مفيش حد رد، الاسيلكي هنا اصلاً ضعيف أوي، لازم يكون الإشارة من المركب التانية قريبة" 




        
          
                
حاول عبيدة أن يطمئنهم بصوته الهادي 
"بنلاقي حل يا جماعة بإذن الله، الله ما بيتركنا" 



مسح عمار رأسه وهو يتمتم بضيق 
"مش عارف اي النحس دة بس، كل حاجة بتبوظ لي" 



أردف باهي عندما أستمع لحديثه 
"عشان نيتك من الأول زي الزفت، شايف وصلنا ل أي" 



رد عمار بعصبية
"وأنا مالي هو أنا اللي عطلت المكنة يا عم" 



رد باهي بسخرية و قسوة 
"أستغفر ربنا و توب عن الهباب اللي في دماغك دة عشان ربنا يكرمنا، و منبقاش وجبه للسمك" 



رد عمار ببرود
"ريح دماغك مني يا باهي أنا مش ناقص والله، كفاية القرف اللي احنا فيه" 



دفعه عبد الرحمن بكتفه بعدما سئم حديثة 
"أنت كافر يلا في أي، ما تستغفر ربنا كدة و أهدى" 



ضرب كفه بالآخر ساخراً
"هديت يا عم ها تقدري تقولي هنعمل أي!!" 



أستمر الحال بهم هكذا حتى شروق الشمس مره آخرى و قد ارهقهم الوقوف و شدة الأعصاب، مر يومين دون أكل أو ماء و قد جف حلقهم وضاق النفس أكتر من التوتر و الترقب



انتشرت صرخه انوثيه لينتفضوا من مكانهم أقترب عبد الرحمن من نسيم التي صرخت وهي تشير لشئ في الماء بهستريه و ملامح الفزع ارتسمت على وجهها 



نظروا لما تشير إليه، و انتشر الفزع و الخوف على وجوههم 
فكانت هناك جثه متأكله الملامح بشكل بشع تطفوا على الماء و من بعيد بقايا قارب متحطم



سحبها عبد الرحمن يبعد عن المنظر البشع المقبض للروح و النفس 



فكر باهي و قد شعر بأزمه تنفس 
هل مصيرهم سيكون بهذا الشكل، غارق و متحلل وسط البحر غير معلوم الهوية ولا الجنسية، لن يستطيعوا أهله حتى إيجاد جثته، حتى بعد الموت لن ترحمه قسوه الحياة 



بكت نسيم وهي تمتم بتقطع 
"هنموت هنا!! هنموت كدة! مش عايزة أموت فى وسط البحر، بالله عليك، عايزة أرجع أنا آسفة خلاص موافقه اعمل أي حاجة بس رجعني" 



أشار لها كي تهدئ وهو يحكم إمساك كمى سترتها
"أهدي يا نسيم أهدي، هنوصل، باذن الله هنوصل، مش هسيبك متخافيش مش هيحصل حاجة، ثقي فيا، مش هسيبك متخافيش، اهدي" 



همست بانهيار وهي تشير خلفها 
"دة دة اتحلل من الماية اتحلل و ملامحه راحت، أكيد في كتير زيه، أنا لي عملت كدة لي عملت كدة، يارب يارب ساعدني" 



"هششش كله هيكون تمام، خلاص أهدي أنا معاكي مش هسيبك اهدي هنكون بخير" 



أما سيلا و عبيدة كانوا الأكثر ثباتاً يدعون للمتوفي بالرحمه، ثباتهم أتى بعد ما مروا به من صعاب، فمن رأى موت عائلته و دمار بلدته، و مشى فوق حطام المدينة، و رأى الجثث في كل مكان، من عاش أيام وسط رائحه الموت، و من ركض بين الحدود، من نجى من كل هذه الصدمات لن يؤثر به مشهد جثه تحللت نصفها من المياه المالحة، قلبهم بالأساس مهشم ملئ بالمناظر الأكثر بشاعه، لذلك وقفوا بثبات يدعون أن تمر هذه المرحله أيضاً دون أن يخسر أحدهم الآخر 



يكفي ما خسروه، و من نجاهم من قلب المجزرة التي حدثت في بلادهم قادر على أن ينجيهم من سفينه هالكه في وسط البحر



بعد عده ساعات، كانت الشمس عموديه فوق رؤوسهم، حرها يسحب المتبقى من مخزون المياة في جسدهم 



اردفت سيلا بصوت خافت مرهق 
"أنا عطشانة أوي يا عبيدة" 



أومأ لها بتعب، كان هو الآخر فاقد للطاقة، حلقه جاف يكاد يموت ظمئًا 



بعد ساعتين آخرين صرخ الريس باستغاثة
"يا جماعة في سفينه قريبة الإشارة بتوصل منها هناك اهي، تقريباً سفينه تجارية" 



انتفض الجميع بأمل وهم ينظرون لاتجاه السفينه ليقول عبيدة 
"اتواصل معاهم بالاسيلكي، قولهم إننا عطلانين" 



عاد الريس لغرفة القيادة ليذهب عبد الرحمن خلفه سريعاً يحاولن التواصل مع هذه السفينه 
أمسك عبد الرحمن الاسيلكي وهو يردد بأمل 
"Hello anyone hear me?"
مرحبا هل أحد يسمعني؟ 



كان الصوت مشوش للغاية يصل كهمهمات ليكرر  عبد الرحمن النداء أكثر من مره و كل مره يصل إليه الصوت مشوش و بعد عده محاولات استطاع أن يسمع احد يقول هل هناك مشكلة، ليسرع بالإجابة سريعًا 



"Yes, our ship is broken down. We need help" 
نعم لقد تعطلت سفينتنا نحتاج المساعدة



وصله الصوت المشوش بالإيجاب و أنهم سيقتربون بعد أن يحددوا موقعهم بالاشارات الرداريه 



نظر عبد الرحمن للخارج بأمل لكن مع اقتراب السفينه الضخمه التجارية منهم تحرك مركبهم بعنف جراء الاقتراب و تلاطم الأمواج صرخ الجميع وهم يتمسكون ببعض المركب تهتز بعنف تكاد تنقلب ليركض عبد الرحمن الي الاسيلكي 
"Stop, stop, the ship will capsize" 
توقفوا المركب ستنقلب 



ردوا عليه بما عليهم فعله ليس لديهم وسيله لإنقاذهم غير ذلك



ليسرع عبد الرحمن يسالهم هل يوجد لديهم مراكب إنقاذ، ليردوا أنها خاصه بسفينتهم و لن يلقوها لهم سيكون خطوره عليهم، ليطلب منهم بآخر أمل لديه 
"Well we want water, we are dying of thirst"
حسنًا نحن نريد الماء، نحن نريد عطشًا 



سألوه كيف سيأخدوا الماء



أنتظر دقيقه وهو ينظر للبشر المتزاحم في السفينة وقعت أعينه على أعينها التي تطالعه بأمل كأن في يده إنقاذهم جميعاً



ليتمتم بقنوط 



"I will swim to you. You can throw it into the water and attach it to anything"



ساسبح إليكم يمكنكم رميها في الماء مع تثبيتها بأي شئ



اجابوه ب حسناً سنفعل، لكن المسافه بعيدة أنها أكثر من ثلاثه كيلو متر 
أجابهم ب " I can do that" 



"Can you call for help for us?"
هل يمكنكوا طلب الاستغاثة لنا؟





إلي اللقاء في الحلقه القادمة 🤎




        



google-playkhamsatmostaqltradent