Ads by Google X

رواية في ظلال الحب المفقود الفصل العاشر 10 - بقلم مهجة

الصفحة الرئيسية

  

 رواية في ظلال الحب المفقود الفصل العاشر 10 - بقلم مهجة


"خلف الصمت، بين الخوف والفضول".
                              
                                    

في الزاوية التي تغمرها أضواء المساء الناعمة، جلست سُكرة على الأريكة تتصفّح دفترًا صغيرًا، تحاول الانشغال عن ضجيج البيت والوجوه التي امتلأت بها الغرف. كانت تنتظر ليان، ولا شيء آخر... أو على الأقل، هذا ما كانت تقنع نفسها به.



مرّ أدهم من أمام الباب، لمحها دون أن تراه، فتراجع خطوة للوراء ودخل الغرفة بخطى هادئة. جلس بصمت على الطرف الآخر من الأريكة، وكأن وجوده لا يريد إزعاج عالمها الصغير.



قال بهدوء: - "أهلاً، سُكرة."



رفعت نظرها إليه، لم تبتسم، فقط أومأت برأسها، وقالت بنبرة عادية: - "أهلاً."



ساد الصمت لحظة، ثم مدّ أدهم يده ووضع علبة صغيرة ملفوفة بورقٍ ناعم بجانبها على الطاولة.



قال وكأنه يتحدث عن شيء لا يخصه: - "ليان قالت لي أعطيك هذا... كانت متحمسة تعطيك إياه بنفسها، بس نسيت."



نظرت سُكرة إلى العلبة ثم إليه، وقالت بجفاف: - "شكرًا... بلغ ليان."



ابتسم أدهم ابتسامة باهتة، كمن يخبّئ خيبته خلف قناع لطيف، وقال وهو ينهض: - "أكيد، سوف أبلّغها."



وخرج، بينما بقيت سُكرة تنظر إلى الهدية، شيء في داخلها أراد أن يفرح، لكن قلبها تراجع خطوة للوراء... لا تريد أن تمنح مشاعرها بسهولة، ليس الآن.



بعد العشاء، بدأ الجميع يتسلل بهدوء إلى غرفهم. بعضهم اختار السمر وتبادل القصص، وآخرون غلبهم النعاس بعد يوم طويل من اللقاءات والضحك. أما سُكرة، فكانت تنتظر ليان في غرفتها، جالسة على طرف السرير، تتأمل علبة صغيرة وملفوفة بورقٍ منقوش، وكأنها تخشى أن تكتشف ما بداخلها.



دخلت ليان بهدوء، وابتسمت حينما رأت سُكرة تمسك بالهدية بتردد.



قالت وهي تقترب منها: - "أما زلتِ لم تفتحيها؟"



هزّت سُكرة رأسها ببطء وقالت: - "أردت أن تكوني بجانبي حين أفعل."



جلست ليان قربها بحماس، وقالت: - "فلنفتحها معًا، إذن."



بدأت سُكرة بنزع الورق بلطف، ثم فتحت العلبة الصغيرة، ليظهر طوق شعر وردي اللون، بسيط في شكله، وناعم في تفاصيله، تتوسّطه وردة حريرية صغيرة، بدت كأنها نُسجت بعناية خصيصًا لها.



شهقت ليان وقالت بابتسامة عريضة: - "إنه جميل للغاية! يشبهك تمامًا."



حدّقت سُكرة في الطوق بصمت، لم تبتسم، لكن عينيها لمعتا للحظة قصيرة. مرّت أصابعها على الوردة الصغيرة، ثم همست: - "كأن من أهداني هذا... يعرف ما أحب دون أن أسأل."



قالت ليان بسرعة وبنبرةٍ تخفي شيئًا: - "رأيته مصادفة... فخطر في بالي أنه يناسبك تمامًا. لا تسألي كثيرًا عن التفاصيل، المهم أنّه وصلك."



رفعت سُكرة نظرها إليها، لم تنطق بكلمة، لكن في عينيها شيء لم تستطع ليان مواجهته.



قالت سُكرة أخيرًا وهي تعيد الطوق إلى العلبة: - "جميل، ولكنني لا أرتاح للهدايا التي لا أعرف قصّتها، أو من أين جاءت."

 
                
ابتسمت ليان بهدوء وقالت: - "أحيانًا، هناك من يفضّل أن يبقى في الظل، ويُعبّر بصمته."



نظرت إليها سُكرة باستغراب، ثم قالت بنبرة حازمة: - "الصمت لا يصنع حبًّا. من لا يملك الشجاعة ليواجه، لا يستحق أن يُحب."



ساد صمت بينهما، ثم نهضت سُكرة، وأغلقت العلبة، ووضعتها في درجها برفق. اقتربت من النافذة، وقالت: - "أنا لا أحب الغموض يا ليان، إما وضوح... أو لا شيء."



أومأت ليان بصمت، تخفي قلقًا صغيرًا خلف ابتسامتها، وفي قلبها تمنّت لو أن أدهم كان يسمع كل كلمة.



خارج النافذة، كانت نسمات الليل تعبث بستائر الغرفة، والقمر ينثر ضوءه على وجه سُكرة، وكأنّه يراقب ارتجافة قلبٍ صغير... لم تفهم سُكرة إن كان سببها الطوق الوردي... أم ذلك الذي أهداه لها دون أن يظهر.




في الجهة الأخرى من المنزل...



كان أدهم يجلس في الشرفة الخلفية، يتأمل السماء المرصّعة بالنجوم. في يده كوب شاي لم يذق طعمه، وفي قلبه كلمات عالقة لم يُفصح عنها. كان يعلم أنّ سُكرة قد استلمت الهدية. كان يتخيّل ملامح وجهها، يتساءل إن كانت أعجبتها، إن كانت ابتسمت، إن كانت عرفت... أو لعلها شعرت.



اقترب منه يزن بهدوء: - "ما بك؟ يبدو أنك سافرت بعيدًا."



ردّ أدهم دون أن ينظر إليه: - "أحيانًا... الصمت يكون أصدق من ألف كلمة، لكن يبدو أن بعض القلوب لا تفهم الصمت."



ابتسم يزن وقال: - "ربما تحتاج إلى طريقة أوضح... أنت تعلم أن سُكرة ليست من النوع الذي يفهم التلميحات."



نظر أدهم إليه، ثم تنهد وقال: - "أعرف. لكني خفت أن أُفسد كل شيء. خفت أن أصارحها فتبتعد. خفت أن أقول شيئًا يجعلها تراني كما لا أريد."



وقف يزن ومدّ يده لأدهم: - "تعال، أظن أن الوقت حان لتطلب المساعدة من المختصين."



رفع حاجبه بدهشة: - "مختصين؟"



ابتسم يزن وقال: - "رهف وملاذ."



---



في غرفة رهف...



كانت رهف تمشط شعرها أمام المرآة حين دخلت ملاذ، تحمل بين يديها طبق فواكه صغير. نظرت إليها رهف وقالت: - "تبدين كأنك تخططين لشيء."



قالت ملاذ وهي تضحك: - "ولكِ الحق. لقد أتاني قبل قليل ضيف غريب الأطوار... يُدعى أدهم."



رفعت رهف حاجبيها: - "جاء إليك أيضًا؟ ماذا قال؟"



جلست ملاذ بجانبها وقالت: - "قال إنه يحب سُكرة، وإنها لا تبادله الشعور... ويريد مساعدتنا."



ضحكت رهف: - "غريب فعلاً... جاءني قبل قليل بنفس الحديث. قال إنه مستعد أن يفعل أي شيء، فقط لنساعده في جعل سُكرة تحبه."



نظرتا لبعضهما، ثم صمتتا لحظة.



قالت ملاذ: - "أتعلمين؟ سُكرة عنيدة، لكنها ليست باردة. فقط تحاول أن تحمي قلبها."




        
          
                
أومأت رهف: - "وأدهم... ليس سيئًا، فقط خجول، ويحسب كل خطوة أكثر من اللازم."



قالت ملاذ بابتسامة ماكرة: - "فلنلعب دور العرّافتين. نقرّب بينهما دون أن يدركا، ونترك الباقي للقدر."



ضحكت رهف وقالت: - "أنا معك، لكن بشرط."



رفعت ملاذ حاجبها: - "ما هو؟"



أجابت رهف بمكر: - "أن يفي أدهم بوعده... قال لي إنه سيجلب لي شوكولاتة نادرة لا تباع في الأسواق، إذا ساعدته."



ضحكتا سويًا، وفي تلك اللحظة، بدأ أول خيط من خطتهما يتكوّن.



---



في اليوم التالي...



نهض أدهم من مكانه، وقلبه يضج بأفكار متناقضة. خرج من الغرفة، وهناك التقى برهف وملاذ، وكأن القدر ينتظرهما ليكملا دوره.



قالت ملاذ وهي تبتسم بثقة:
"أدهم، أظن أنّ الوقت قد حان لنُحرّك المياه الراكدة، أليس كذلك يا رهف؟"



أجابت رهف بنبرة خفيفة ولكن حادة:
"سُكرة عنيدة، لكنها ليست من حجر... فقط تحتاج دفعة ذكية."



قال أدهم مترددًا:
"لكن لا تخبروها أنني خلف هذا... دعوها تظن أنّ الأمور تحدث صدفة، لا أكثر."



ابتسمتا معًا، وكأنّ خطة بدأت تتشكّل في الهواء.



---



في المساء... على سطح المنزل



أُعدّت السُّفرة البسيطة فوق سطح المنزل، حيث النسيم عليل، والنجوم تُزاحم ضوء المصابيح المعلّقة بخيوط خفيفة. توزّع الجميع حول المائدة، ضحكات هنا، وهمسات هناك.



قالت رهف وهي تضع صحن الفراولة في منتصف الطاولة:
"ما رأيكم في لعبة الأسئلة؟ شيء بسيط قبل أن ننزل."



ضحك يزن:
"لا بأس، بشرط ألا تكون الأسئلة مُحرجة."



ردّت ملاذ بنبرة مشاكسة:
"إن لم تكن محرجة... فهي لا تستحق اللعب!"



بدأت الجولة، كلٌّ يسأل الآخر، والإجابات تتنوّع بين المزاح والمراوغة، حتى جاء دور سُكرة.



نظرت رهف إليها وقالت بابتسامة خبيثة:
"حسنًا يا سُكرة، سؤالي لكِ بسيط... من هو الشخص الذي إذا ابتسم لكِ، تشعرين وكأن العالم بأسره يهدأ فجأة؟"



ساد الصمت، وتوقّفت الأحاديث الجانبية. الكل ينتظر إجابتها، لا سيّما أدهم، الذي أمسك كوبه دون أن يشرب، وعيناه عليها.



أمسكت سُكرة بطرف الطوق الوردي الذي كانت تزيّن به شعرها، وتنفّست بعمق. لم تبتسم، لم ترتبك، بل قالت بهدوء:



"لا أحب الأسئلة الساذجة."



ضحك البعض، بينما اكتفى أدهم بابتسامة صغيرة، كأنّه قرأ السطور بين الكلمات.



همست ملاذ في أذن رهف:
"لقد قالت كل شيء... دون أن تنطق."



وهناك، في الزاوية، ابتسم أدهم... لأن قلبه قد سمع ما لم يُقال.



كان الجميع قد بدأ بالنزول من السطح، يحملون الأطباق والأكواب، وضحكاتهم تتلاشى تدريجيًا مع نزولهم. لكن أدهم بقي متأخرًا قليلًا، كأنه ينتظر شيئًا أو أحدًا. ولما لمح ملاذ وحدها على الدرج، ناداها بنبرة منخفضة:



"ملاذ... انتظري قليلاً."



توقّفت، والتفتت إليه بفضول:
"نعم، ماذا هناك؟"



تقدّم بخطوة، ونظر إليها نظرة حملت كل ما لم يستطع أن يقوله لسُكرة:



"أتعلمين... أنا لا أطلب المستحيل. فقط أريد فرصة. أريدها أن تراني... لا كأحد الأولاد، بل كشيء أكثر من ذلك بقليل."



نظرت إليه ملاذ مطولًا، ثم قالت:



"هي ترى، يا أدهم... ولكنها لا تريد أن تُفصح، لأنها تخاف أن تُخطئ فيك، أو في نفسها."



سألها بصوت فيه رجاء:
"هل ستساعدينني؟ أنتِ الأقرب إليها، والأكثر فهمًا لها."



ابتسمت ملاذ بخفة، ثم قالت:
"إن وعدتني بشيء، سأساعدك."
- "أيّ شيء."
- "إن جرحت قلبها، سأكون أول من يُحاسبك."



ضحك أدهم، لكنه أومأ بصدق:
"اتفقنا."



---



في الغرفة بعد منتصف الليل.. 



كانت الغرفة تغرق في ظلال الليل، ولم يكن يُضيء الزاوية إلا مصباح خافت موضوع على الطاولة. كانت ليان ممدّدة على السرير، تُقلب إحدى الكتب ، بينما كانت سُكرة جالسة على الأرض، ظهرها إلى الجدار، تفكر بصمت.



قالت ليان فجأة دون أن تنظر إليها:
"الطوق جميل عليكِ، على فكرة."



لم تردّ سُكرة مباشرة، ثم قالت بنبرة منخفضة:
**"أتعلمين أنه ليس منكِ، صحيح؟"



رفعت ليان رأسها ببطء، ابتسمت كأنها كانت تنتظر هذا الاعتراف، ثم قالت:
"كنت أعلم أنك ستكتشفين ذلك."



سكتت لحظة، ثم أردفت:
"لكنني أعطيته لكِ لأن من أهداه... لا يملك الشجاعة ليعترف."



نظرت سُكرة إلى الطوق في شعرها عبر المرآة، وقالت:
"وهل الحب ضعف؟ أن يحب أحدهم بصمت ويتوارى خلف الآخرين؟"



قالت ليان بحذر:
"أحيانًا، يكون خوفًا من الرفض... أو احترامًا لحدود الآخر."



سكتت سُكرة مطولًا، ثم قالت:
"أنا لا أكرهه يا ليان، لكن... لا أعلم إن كنت أريده أن يحبني. لا أريد أن أكون محطة في قلب أحد."



قالت ليان برقة:
"ربما، فقط ربما... أنتِ محطة الوصول."



نظرت سُكرة إليها، بعينين فيهما حذر، ولكن خلف الحذر... شيء يشبه الفضول.




        

google-playkhamsatmostaqltradent