رواية جريمة حب الفصل الحادي و الثلاثون 31 - بقلم سلسبيل
___________________
تفقدت حرارته من حين لأخر لتجدها طبيعية إلى حدا ما، جلبت الطبيب ليفحصه وتم نقله لغرفتها بالأعلى وهو الآن نائم من كثرة إرهاقه في الفترة الأخيرة كان يشعر بالألم في كل أنحاء جسده لم يكن ينام بشكل كافي وأيضا لم يهتم بطعامه كما أنها لم تهتم بصحته كثيرا فقط كل ما كانت تتمناه التخلص من قصي والأخذ بالثأر حتى أنها قررت الزواج به و ضحت بنفسها وحريتها للمرة الثالثة.
استيقظ في منتصف الليل يشعر بحرارة في جسده، فتح عينيه ليتفحص المكان من حوله ويتعرف على غرفتها ولكن الأغرب أنها نائمة بجواره في الفراش يبدو أنها كانت مستيقظة بجواره لأطول فترة حتى غلبها النعاس لتقرر النوم بجواره على الفراش على الرغم من أنها عاندت كثيرا في البداية ولم تكن تريد النوم بجواره على نفس لفراش ولكنها استسلمت في النهاية.
اعتدل في نومته ليستند بظهره على الفراش متساءلا بداخله، أهذا ما كان يتمناه؟ وجوده بجوارها بتلك الطريقة ليسرح قليلا يفكر لما حبها وكيف.
لم يبحث عن إجابة ولكنه يشعر بشعور قوي يجذبه نحوها بقوة لا يعلم ماهيته ولكنه ترجمه على هيئة إعجاب ثم حُبّ وها هي الآن بجانبه على الفراش دون قيود تمنعه من قربه منها، ابتلع لعابه ليمتد بيده لوجنتها يربت عليها بحنية مبالغة ربما يخاف عليها أن تتحطم فهي بمثابة مرآة تهشمت أكثر من مرة والآن ملثمة.
قبّلها على وجنتها اليسرى كاد أن ينهض حتى تمسكت بذراعه تمنعه من الذهاب لتعتدل في جلستها بينما هو يراقبها حتى أردفت متساءلة وهي تنظر للجهة الأخرى عن حاله وكيف يشعر الآن.
أجاب ببعض الكلمات البسيطة لينهض ويغادر ولكنه توقف حينما أردفت بقولها:
-أنا عايزاك في موضوع.
توقف بمكانه لتجذب ذلك المعطف على المقعد وارتدته لتتقدمه للخارج ليذهب خلفها ويتمشوا سويا بالحديقة كان الجميع نائم عدا بعض الحرس.
لتقطع الصمت بقولها:
-هتكمل شغلك؟
وضع يده في جيب بنطاله وتوقف في مكانه يطالعها بصمت وكم اربكها الأمر وهي تنتظر إجابته، ليردف:
-يهمك؟
لم تتوقع إجابته، لتتراجع للخلف وهي تجده يتقدم منها بخطوات بطيئة متزنة ليستند على جذع الشجرة من خلفها ويهبط برأسه لمستواها لتحاول الابتعاد ولكنها نظرت له لتتساءل:
-أنت عايز مني إيه، يا أمير؟
ليردف بهمس خافت مغري:
-حُبّك.
-مش موجود، بتطلب مني حاجة مش عندي.
لتصرح مضطربة وتتحدث بلهفة وقد تأثرت كثيرا بكونها غير قادرة على منح الحب أو الشعور به:
-أنا مبعرفش، أنا عمري ما حبيت يا أمير.
التمعت عينيها بالدموع ليشعر بصدق حديثها، لتكمل بقولها:
-أنت بتطلب مني أوديك حاجة مش عندي، بتطلب مني جزء مفقود.
-أنا معرفش حاجة في الحب ومتعلمتش، لأني ملقتش الشخص اللي يحبني.
أشارت على نفسها وهي تقول:
-كلهم حبوا جسمي، ثروتي، شركتي، كلهم حاربوا بس مش لشخصي مش عشان جوليا بس كلهم حاربوا عشان جوليا الساعي صاحبة النفوذ والسلطة.
-أنا ما اتحبتش بالطريقة المناسبة اللي تخليني أحس بالأمان.
شعر بالشفقة والحزن اتجاهها ليردف:
-فاكرة اليوم اللي طلبتي مني أحبك.
لم تجيبه فسيطر عليها شعور الحرج لتتذكر انهيارها أمامه بتلك الطريقة والآن وفي كل مرة أمامه تظهر جانب من شخصيتها المخفية.
-في اليوم ده بالذات تمسكت فيكِ أكتر من أي وقت تاني، وأنتِ ماسكة هدومي زي الطفلة تايهة بتبحث عن ملجأ فقررت أكون أنا ملجأها حسيت ساعتها بأني ملكت الدنيا كلها لأنك طلبتي مني أحبك وده معناه أنك مش رافضة حبي.
التقت عينيهما سويا لتأخذ شهيقا قويا وتخرجه على هيئة زفير ببطيء لتكرر حركتها لعلها تهديء من روعها.
تركها وأكمل سيره لتلحقه وهي تحاول المحافظة على اتزانها الداخلي لتنظر أرضا وتردف:
-عايزاك تشتغل في الشركة.
شبه ابتسامه ظهرت على ثغره ليتساءل بقوله:
-اشمعنا أنا؟ وشغلي؟
-تقدر تبعد عن شغلك؟
توقف مرة أخرى وهو يفكر في غرضه في بداية عمله ولما قرر العمل بتلك الطريقة، ليشرد وتلاحظ جوليا الأمر متساءلة عن سبب صمته أجابها:
-أنا حققت مرادي من شغلي، ولكن اللي بيخرج من دائرتهم بيموت.
شعرت بالفضول حيال سبب رغبته في العمل، ولكنها لم تتحدث عن الأمر معه ليكمل حديثه قائلا:
-أنا في أجازة دلوقتي، معنديش مانع أشتغل معاكِ ولكن مش عندك في فرق.
تقدمت منه لتزيل ذلك الغبار الوهمي من أعلى كتفه وتردف بنبرة باردة فقد عادت لجمود جوليا الساعي:
-لو الخيانة جت منك هتبقى أول شخص اقتله بإيدي.
تركته وعادت للداخل لتصعد لغرفتها، بينما هو شعر ببعض الجوع ليذهب للمطبخ ويقوم بإعداد وجبة خفيفة له.
في الصباح الباكر،،
كان يجلس في غرفة مسؤول السجن ليدلف له أخيه معتز، نهض قصي ليقبض على عنقه وهو يصرخ في وجهه بقوله:
-هقتلك يا معتز.
-أنت اللي عملت في نفسك كدة، من ساعة ما ضميرك مات وخونتني يا قصي.
ابتعد قصي عنه وهو يراه يلتقط أنفاسه الأخيرة وقد أحمر وجهه من قوة الضغط على عنقه، ليردف قصي بقوله:
-هخرج يا معتز وهنتقم منكم كلكم.
أخرج معتز تلك الورقة وألقاها في وجهه قائلا:
-عشان تعرف أن أبوك مظلمكش ورثك جاهز ولكن يفيد بإيه وأنت بين أربع حيطان.
ذهب قصي من قبل لعلي ليطالبه بميراثه وأتهمه بكونه لص وأخذ نصيبه، ألتقط قصي تلك الورقة بلهفة يقرأها بتركيز ليتأكد حقا من حديث معتز وأن أبيه أعطاه ميراثه لينظر حوله وإلى المكان الذي وصل له كاد أن يغادر معتز ليعود إليه مرة أخرى ويقول بهدوء وهو يرى تأثير كلماته عليه:
-كتب كتاب جوليا وأمير كان أول امبارح.
تركه معتز وغادر ، ليدلف العسكري ويقبض على ذراعيه ليدفعه للخارج بقوة يعيده إلى زنزانته مرة أخرى ليشعر قصي بالذعر والخوف كلما اقترب من زنزانته ليحاول أن يهرب بعيدا عنها ليدفع العسكري ويجري نحو بوابة الخروج ولكنه رأى كل من أمير وجوليا بثوب زفاف أبيض تبتسم بقوة وتنظر له باحتقار لتقترب من أمير الذي يبتسم وتحتضنه ليشعر بالحسرة الشديدة ويسقط أرضا يصرخ باسمها.
- لا لا لا.
-مش هتبقي لغيري لا مش هتبقي لغيري مش دِ نهايتي مش دِ نهايتي أنا اللي حاربت عشان أوصلك أنا اتنازلت عشان أجمع كل الفلوس مش هخسر لوحدي كدة لا مش هتبقي دِ نهايتي.
ليصرخ بقوة:
-مش هسيبك تتهني يا جوليا لا مستحيل.
حاولت العساكر تهدئته وإعادته للزنزانة ليزداد صراخه وهو يرى نهايته التي اقتربت، قبل أن يدلف لزنزانته سقط أرضا مغشيا عليه ليقوموا بطلب الإسعاف وفي طريقهم لإنقاذه أُعلنت وفاته في العاشرة صباحا أثر جلطة أصابته.
___________________________
كان يرتدي بذلته بلونها الزيتي الفاتح والتي تتناسب مع بشرته البيضاء، استيقظت من نومها لتجده يعطيها ظهره ويقف أمام مرآتها لتعتدل في جلستها وتستند على الفراش وهي تنظر له تتفحص ملامحه لتقر لأول مرة بكونه وسيم، ابتلعت لعابها عندما وجدته أمام وجهها ويديه تعبث في شعرها لتجده يتعامل بلا حواجز وتشعر وكأنه تزوجها منذ عدة سنوات لأنها يشعر بأريحة تامة معها لم تكن تعتقد بأنه سيتمادى لهذا الحد.
انتفضت على الفور بوجهها وجسدها للخلف لتنهض من الفراش من الجهة الاخرى تبتعد عنه، اتجهت للمرحاض لتنظف وجهها وتأخذ شهيقا وزفيرا وتخرج له مرة أخرى وجدت ريهام تعدل الفراش وتطمئن على صحة أمير، فهي تعلم بموعد استيقاظ جوليا ولكن نسيت بأن أمير أقام معها بنفس الغرفة لتعتذر لجوليا التي اومأت لها وسمحت لها بالخروج لتتقدم من تلك الخزانة الصغيرة وتفتحها لتلتقط منها بطاقة مدت يدها بها لأمير الذي التقطها متساءلا عن هويتها.
-الكارت ده خاص بأصحاب الشركة وتلاتة بس اللي بيمتلكوه حاليا، أنا ومعتز وأنت حاليا.
-صعب عليا أقول الكلام ده، ولكني بثق فيك متطلعش زيهم.
-كنت عايز أكلمك في موضوع.
اومأت له ليبدأ في الحديث قائلا:
-أنتِ بقيتِ مراتي و.
قبل أن يكمل حديثه تراجعت للخلف لتقول بريبة وقد ظنت بأنه سيطالبها بحقوقه:
-إياك تفكر تطالبني بحقوقك.
حقا!! أهذا ما أعتقدته لا ينكر بأنه يودّ كسر كافة الحواجز بينهما ولكن لن يكون الأمر بتلك الصراحة أبدا على الأقل حاليا.
-ممكن تبطلي تتسرعي في حكمك؟
اعتدلت في وقفتها ليكمل حديثه:
-أنتِ بقيتي مراتي ومسؤولة مني وعشان كدة أنا مش موافق نعيش في بيتك وخاصةً أنه بيذكرك بذكريات وحشة عشان كدة أنا بكرة هشتري فيلا نسكن فيها أنا وأنتِ ومش هنتظر منك رفض.
ليقبّلها على وجنتيها ويتركها ليغادر الغرفة بعدما اسكتها بتلك القبّلة لأنها كانت ستعترض وقد رأى الرفض في عينيها.
غادر المنزل بعدما ألقى السلام على حامد وأستقل سيارته الخاصة لينطلق بها لشركتها الخاصة والتي أهملتها كثيرا في الآونة الأخيرة.
على الجهة الأخرى،،
كانت تجلس تشاهد التلفاز شاردة الذهن تفكر في حياتها التي تنقلب رأسا على عقب وتنتقل ببصرها لكل من ملك وريهام متساءلة كيف يضحكن هكذا! لتحاول أن تبتسم ولكنها لم تستطيع فقد أصبحت معالم وجهها باردة جامدة لا تضحك خالية من الفرح والسعادة عدا عينيها التي تحمل أحزان تكفي العالم لتغرقه؛ فحتى أن خانتك ابتسامتك لن تخون عينيك.
تعالى رنين هاتفها لتجد المتصل المحاسب الذي هاتفته من قبل ليساعد أمير في العمل لتجيب على الفور وقد استمعت لصوت ضجة من حوله نهضت جوليا لتصعد لغرفتها وقد أبدلت ثيابها لأخرى بيضاء ماذا إن اعتادت على لبس الأسود! أحقا سيدل ارتداءها للأسود على حزنها على ابنتها تلك عادات وتقاليد رُسغت في عقلنا ولكن لن ننكر كونها قاسية القلب وباردة لا يهمها حديث الأخرين ولا الفرق بين الأسود والأبيض؛ لذا لا تهتم كثيرا.
استقلت سيارتها وقد تعجب كل من ملك وريهام لمغادرتها هكذا وهي قد قررت عدم الذهاب للعمل لبعض الوقت، قاد السائق نحو الشركة في وقت قياسي تحت أمر جوليا لتهبط من السيارة لتتطلع للشركة من الخارج وتتذكر كيف قامت بإنشائها على حساب سعادتها وأحلامها تقدمت للداخل وقد استمعت لصوت ضجة وثوران الموظفين على أمير رافضين العمل تحت قيادته ولكن كيف لهم أن يثوروا في وجهها هي، ليصمت الجميع عند رؤيتها وينظر للأرض على الفور خوفا من بطشها لا يعلمون أن أمير أكثر منها بطشا.
تعجب أمير عند صمتهم ليلتفت للخلف ويجدها أمامه تقف بكل ثقة واضعة يدها في جيب ثوبها تنظر للجميع بهدوء مريب يعلمون بأنه هدوء ما قبل العاصفة.
لتسير بين الموظفين وهي تنظر لهم كيف يرتجف كل منهم كلما مرت بجواره، لتردف:
-القرار أتمضى أمير هيكون مسؤول عن الشركة من بعدي، واللي مش عجبه يتفضل يطلع بره.
-أنا مجبرتش حد أنه يشتغل معايا ومش بجبر حد دلوقتي أنه يكمل، والفرصة دِ مش هتتكرر كتير.
-عادل.
تقدم منها المحاسب مجيبا ندائها، لتردف جوليا:
-اللي عايز يمشي يمشي وأصرف ليهم مكافأة نهاية الخدمة من الشركة دِ أو غيرها.
تهديد صريح في حديثها أخاف الجميع يا لها من متحجرة المشاعر لا تمتلك رحمة، ليعترض أحدهم وقد تملكت منه الشجاعة:
-بس الشخص ده هو اللي قتل جود قصي بيه صرح وكمان قصي بيه توفى النهاردة الصبح وفي نفس اللحظة اللي عينتي فيها الشخص ده.
اتجهت بأبصارها لأمير قائلة:
-قصي مبقاش جزء من الشركة دِ سواء مات أو عاش مش هتغير حقيقة أنه هو اللي قتل بنته.
التفتت لهم قائلة بحدة:
-قصي كان في السجن بعد اعترافه بجريمته يعني أنتوا بتدافعوا عن حد بالباطل.
-الكلام انتهى، أمير المدير الجديد واللي عايز يمشي مش همنعه.
تركتهم وغادرت لتتجه نحو المصعد ليذهب نحوها أمير بعدما أشارت له بعينيها كاد أن يستقل بقية المدراء لتمنعهم وتغلق الباب.
-مش عايزة تحصل مشاكل تاني في الشركة.
كادوا أن يصلوا للطابق الأخير ليعطل أمير المصعد ويجذبها نحوه قائلا:
-مش ملاحظة أنه أنتِ اللي بتودي أوامر وبس.
-أنا متعودتش أخد الأوامر من حد يا جوليا وبالذات من واحدة ست.
-أنا مش قصي يا جوليا فرقي.
تركها وأعاد تشغيل المصعد مرة أخرى بينما هي تكررت جملته الأخيرة على مسامعها لتغادر المصعد خلفه وتتجه لمكتبها ليذهب معها للداخل والجميع متعجب منه ومن هيئته متساءلين ما العلاقة التي تربطهم؟
-مكتبك في الأوضة اللي جمبي، ورق الشركة هيتحول ليك النهاردة.
خلع معطفه ووضعه على ذراعه مشيرا على ذلك الباب في غرفتها متساءلا:
-وده الباب المشترك ما بينا؟
اومأت له جوليا في صمت وقد التقطت ذلك الملف على مكتبها ليتركها أمير ويتجه نحو الباب ولكنه توقف حينما أردفت:
-أنت اللي قتلت قصي؟
-ل.
طُرِق الباب ودلف معتز على الفور دون الاستماع لإذن جوليا، لتردف جوليا بثبات:
-البقاء الله، ربنا يجعلها أخر الأحزان.
تعالى رنين جوليا ووجدت أمير يتقدم ليجلس أمام معتز وهو يراه مرتبكا ليفحص ملامح وجهه يحاول تحليلها لتغلق جوليا الهاتف وهي تنظر لمعتز وتشير لأمير أن يغادر بعينيها ولكنه أبى أن يتركها بمفردها معه لتردف بقولها:
-أمير لو سمحت جيب ليا ماية.
وكأنها وضعته أمام الامر الواقع ولكنه نهض ليتجه نحو الثلاجة الصغيرة وقبض على زجاجة مياه صغيرة ووضعها أمامها على المكتب وعاد لمكانه مرة أخرى، أصبحت هناك حرب بين عينيهم حتى لا يشعر معتز بالحرج لتخبره أن ينهض لبعض الوقت لينهض في النهاية وهو يراقبها بعينيه، لم تستطيع أن تؤمره كقصي أو التحكم به وبقرارته لتتكرر جملته على مسامعها "أنا مش قصي يا جوليا فرقي".
نظرت لمعتز وأردفت بقولها:
-كنت بتعمل إيه عند قصي النهاردة يا معتز؟
-ليك يد في قتله؟
أردف بنبرة تائهة وهو ينظر لها:
-تفتكري ليا يد!
حتى وإن كان أخيه أسوأ إنسان لن يستطيع كرهه، فحب الأب، والأم، والأخ والأخت حب غريزي لا شأن لنا به ابتلع لعابه بقلق ونهض ليستأذن من جوليا ويغادر ولكنها أوقفته بقولها:
-انسى يا معتز عشان تعرف تعيش.
ابتسم بسخرية كيف له أن ينسى أفراد عائلته أمه ثم أخيه يعلم بأنهم سيئين ولكن ذلك الأمر لن يغير الحقيقة.
قضت طيلة اليوم في العمل وكذلك أمير الذي انغمس في العمل كثيرا لمنتصف الليل ليشعر بألم شديد في عموده الفقري نهض أمير وقد علم بأنها مازالت تعمل هي الأخرى فهي أهملت شركتها كثيرا.
أردف متساءلا:
-هتروحي امتى؟
كانت تصب كل بصرها باتجاه الحاسوب الخاص بها لتنظر له وقد وجدته يقف أمامها بلا حذاء وقد فسدت بذلته ابتسمت على منظره العشوائي لتختفي على الفور حينما وجدته يتقدم نحوها وهو يشير على ثغرها بقوله:
-بتضحكي! طبعا ليكِ حق تضحكي وأنا واقف مهزأ قدامك بمنظري ده.
-مضحكتش.
-ضحكتي.
-قولتلك مضحكتش.
-طب عيني في عينك كدة.
نهضت جوليا لتبدأ في لملمة متعلقاتها وتخبره أنها ستعود للمنزل ليخبرها بأنه سيذهب لتعديل هيئته ويغادر معها.
ليغادرا سويا الشركة وقد تبقى بعض الموظفين سيعملون لوقت إضافي، استقلت سيارته ليقود باتجاه المنزل وقد نام الجميع سوى ريهام التي كانت تجهز لهم طعام العشاء ليتناولوه.
____________________________
انتقلت جوليا لمنزل أمير الجديد بعد إصرار وإلحاح منه قوي، ليخبرها بأن تصنع ذكريات جيدة معه فقط وأن تحاول نسيان ما مضى لعله يستطيع تعويضها.
أخذ أمير أجازة طويلة المدى من عمله ليبدأ في التعود على بعض طباع جوليا بينما هي لطالما صنعت حدود بينهم ولم تسمح له بالقرب أكثر من هذا لم تسمح له بحبها على الرغم من حاجتها لهذا الحب ولكنها تخاف، تخاف أن تُخدع مرة أخرى منه وتلك المرة ستكون نهايتها للأبد.
استيقظت صباح اليوم بعد مرور شهرين على تلك الحياة الروتينية المملة، وجدته نائم بجوارها كادت أن تنهض لتجده احتضنها مردفا بصوت أجش أثر النوم:
-النهاردة منتظر ضيف مهم.
اومأت له وحاولت أن تبتعد عنه ولكنه أقوى منها ليفتح عينيه وهو ينظر لداخل عينيها مردفا بصوت خافت مغري أسرى قشعريرة قوية في بدنها:
-أنا بحبك، يا جوليا.
جملة أذابت قلبها المتحجر وكلما نظرت له شعرت بالصدق في كلماته وعينيه تشعر بأنها محاصرة ما بين الاستسلام وتكملة الطريق بذلك الأسلوب تشعر بالحيرة والضعف كلما كانت بين يديه تشعر وكأنه يستحوذ عليها بمشاعره الصادقة التي تفتقرها.
نهضت لتتجه نحو المرحاض وأغلقت الباب خلفها وهي تتنفس الصعداء ولكن لما تشعر بتلك القشعريرة في بدنها أثر كلاماته البسيطة لتتقدم من المرآة وقد أظهرت ضعفها الآن لتبدأ في محاورة نفسها.
-أحنا محتاجين الكلام ده محتاجين نحس بالحب يا جوليا، دِ الفرصة الوحيدة اللي بنمتلكها مش هتتكرر تاني.
-مش هثق في شخص حاول يقتلني قبل كدة.
-وليه اتجوزتيه؟
ارتبكت لتنظر لمرآتها والتي أخبرتها بكونها تكن له بعض المشاعر بداخلها وربما ستبكي لفراقه.
-الحب والإعجاب مش في قاموسي.
-مشاعر مينفعش أحس بيهم.
-أنا.
-أنتِ بتظلميه معاكِ، بيبذل مجهود أضعاف وأنتِ بتقابليه بجفاء وقسوة.
-اطلعي بره السواد ده.
-ده النور الوحيد اللي قدامك.
-أمير مش ملاك.
-ولا أنتِ ملاك.
-و.
-بطلي حجج، أنتِ ضعيفة يا جوليا.
أعلنت جوليا نهاية النقاش وهي تلقي بزجاجة البرفيوم أرضا، إنها ليست ضعيفة لا لم ولن تكن ضعيفة أنها فقط خائفة؛ وما الخوف سوى ضعف!
خرجت من المرحاض لتجده يقف في منتصف الغرفة يحمل بيده ثوبين لها سقطت الثياب من يديه أثر اندفاعها نحوه تحتضنه ليرفع يده اليمنى نحو شعرها بتردد وربت عليه عدة مرات وهو يخبرها أنه هنا بجوارها.
ابتعدت عنه قليلا ولكنها مازالت بين أحضانه مردفة:
-أمير أنا مبعرفش أحب.
-هعلمك.
-خايفة.
-أنا جمبك.
كاد أن يقترب منها حتى طُرق الباب لتدلف ريهام وهي تنظر أرضا قائلة:
-ضيف حضرتك تحت.
اومأ لها أمير ليبتعد عن جوليا تلك التي شعرت بالخجل والتقطت تلك الثياب من الأرض واتجهت للمرحاض لتبدل ثيابها ولأول مرة تبتسم بصدق إنها تشعر بأنها ستتحرر من أسر الماضي، ستكتب تاريخ جديد لها مليء بالفرح والسعادة.
كان من ضمن اختياراته ثوب أبيض لتلتقطه يدها و تبدأ في ارتدائه وتقوم بتصفيف شعرها بطريقة جديدة وعصرية، سبقها أمير لأسفل وهو يرحب بضيفه، لم يكن سوى أكرم ذلك الرجل الذي ساعده كثيرا في الغرب والذي دعاه لمنزله الجديد حينما علم بوجوده في مصر وأيضا للحديث معه في العمل.
-تعجبت كثيرا من زواجك أمير.
ابتسم أمير ليردف قائلا:
-إنها فتاة جميلة مختلفة عن البقية.
-أشتاق لرؤيتها.
ابتلع لعابه بتوتر فحينما رأى ريهام تلك الخادمة التي تلازم جوليا منذ فترة بعيدة شعر بالكثير من القلق وشك بأنها جوليا تلك التي تزوجت أمير ليتساءل بداخله عما إن كانت تعلم حقيقته وعما إن كانت ستستطيع رؤيته.
تقدمت جوليا للداخل وهي تبتسم للترحيب بضيف أمير قائلة:
-مساء ا.
صمت دام لدقيقة تعجب فيه أمير من صمتها بينما ريهام وضعت يدها على فمها وقد صدرت عنها شهقة حينما علمت هويته، ابتلعت لعابها لتتحكم في عضلات وجهها ولكن كيف كيف وهي ترى أمامها معذبها طيلة حياتها وحتى تلك اللحظة.
-مساء الخير.
أجابها بالأنكليزية وكأنه لا يعرفها كما فعلت:
-مساء الخير، مدام.
أجابه أمير بقوله:
-جوليا، اسمها جوليا.
-يا له من اسم رائع.
جلست جوليا بجوار أمير ليبدأ في تعريفهم لبعضهم البعض بينما جوليا شعرت بأن أحلامها انتهت قبل أن تبدأ، لترتجف يدها لاحظ كل من أمير وأكرم الأمر ولكن أكرم لم يعلق عدا أمير الذي قبض على يدها اليمنى لتلتقطها على الفور وهي تقبض على كف يده الأيسر وكأنها وجدت ملاذها لتضغط على كف يده بقوة.
نهض أكرم وهو يغلق زر معطفه قائلا:
-سأرحل.
-لما الآن؟ يجب عليك تناول الطعام.
-هذا منزلي يجب عليّ الترحيب بك كما يجب.
-مرة أخرى.
تعالى رنين هاتف أمير والذي لم يكن سوى أدهم الذي يودّ إخباره بخبر مهم يتعلق بجوليا ليستأذن أمير منه ويترك يد جوليا على مضض وهو يطمئنها بعينيه ويقول:
-لا ترحل أكرم سأعود.
تركهم وغادر لغرفة المكتب والتي تجمع مكتبين لكل من جوليا وأمير، اختار تلك الفيلا بعناية من أجل راحتها أجاب على أدهم الذي تحدث في البداية عن أحواله.
تقدم أكرم من جوليا وقبض على كتفيها قائلا:
-جوليا اسمعيني، لازم تنفصلي عن أمير.
-أمير قاتل صدقيني، أنا خايف عليكِ.
دفعته بقوة وهي تقول بحدة:
-وأنت مش قاتل! مشتغلتش مع اللي قتلوا روح بنتك وحطيت إيدك في إيدهم.
-خايف! هو أنت بتحب عشان تخاف.
-أنت أناني يا أكرم.
-سيبني بقى أعيش حياتي.
-اقطع علاقتك بيا وبأمير.
قبضت على ياقة قميصه وهي تردف قائلة:
-أنا مش العيلة الصغيرة اللي استنجدت بيك زمان، أنا اللي بيجي عليا بنتقم يا أكرم وأنت مشوفتش انتقامي بيبقى عامل إزاي.
دفعته لتقرر مغادرة المجلس وهي غير قادرة على المواجهة أكثر من هذا، على الجهة الأخرى استمع أمير لكلمات أدهم الأخيرة.
-لم يكن بالسهل أن أخبرك بالأمر، ولكن جوليا تجمعها صلة قوية بأكرم جوليا تكون ابنته.
صدمة قوية احتلت ملامحه، بعد الكثير من البحث علم بحقيقة أمرها التي أخفتها لكثير من الوقت وعن كثير من الناس ولكن أن يكون أبيها مؤذيها أقرب الناس له أحقا سيصمت عن الأمر!!
.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (جريمة حب ) اسم الرواية