رواية جريمة حب الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم سلسبيل
____________________________
توقفت السيارة أمام المنزل القديم الذي هربت له ملك من قبل لتهبط وتتقدم للداخل، خرجت من كابوس لكابوس أخر لم يتم تنظيف المنزل بأكمله ولكن كانت غرفة جوليا تم تنظيفها بالكامل ووُضعت متعلقاتها بها لتصعد نحوها وتغلق الباب خلفها تاركة لعَبراتها العنان.
سقطت أرضا تستند بيديها على الفراش تخبيء وجهها وتبكي بصوت مكتوم حتى لا يصل لمسامعهم، كيف ستخرج من تلك الحلقة السوداء التي وُضعت بها.
ظلت تبكي لوقت متأخر، كان الجميع انتهى من التنظيف ليدلفوا لغرفهم حتى ينالوا قسطا من الراحة عدا ذلك الذي وقف أسفل شرفتها في انتظارها حتى تطفيء إنارة غرفتها؛ فهو يعلم بأنها لن تتجاوز الأمر سريعا كالبقية وربما لن تستطيع تجاوزه أبدا.
ليتملكه الغضب من نفسه؛ لأنه لا يستطيع الفتك بقصي حتى تؤمر هي لا يعلم متى ستخبره أن ينهي حياة قصي يودّ ذلك الآن وسريعا.
صعد نحو غرفتها ليطرق عليها بقوة أقلقتها لتزيل دموعها بقوة وتتقدم نحو الباب تفتحه لتجده أمامها مازال مستيقظا من أجلها، تساءلت عن الأمر بخفوت:
-في إيه؟
تقدم منها لتتراجع للخلف ببطء لا تتوقع ردة فعله تلك، حتى أردف بهدوء لا يتناسب مع غضبه قبل قليل:
-المرد دِ مش هسمحلك تبقي لوحدك يا جوليا، مش كل مرة هسمح أكون بتفرج عليكِ من بعيد ومستنيكِ تبقي كويسة.
فهمت مغزى حديثه لتنظر للجهة الأخرى وقد التمعت عينيها بالدموع مرة أخرى حاولت ألا تضعف ولكن كيف وهو يحاصرها بكل الزوايا، لتنهار في البكاء مرةً أخرى كادت أن تسقط أرضا حتى التقطها بين يديه حتى أردف بهمس بجوار أذنيها:
-"عندما تحزني، افصحي عن الأمر لا تكتمينه بداخلك".
كان قد قرأ ذلك الاقتباس من قبل ليخبرها به وتزداد في بكائها حتى تحول بكائها لشهقات مرتفعة وكأنها تبكي على ماضيها بأكمله، ليشعر بالألم الشديد يغزو قلبه من انهيارها هذا ليربت على كتفها برقة بالغة تكفي لإخبارها بأنه هنا من أجلها فقط.
حتى لو ظل واقفا هنا لعدة ساعات لن يشكو؛ فيكفي بأنها اختارته هو لتبوح عما بداخلها من بكاء وألم.
ظلت على حالها لخمس وأربعين دقيقة حتى أنتهت لتبتعد عنه ببطء بينما هو رفع يده اليمنى ليزيل تلك الدموع المتعلقة برموشها وعلى وجنتيها قائلا بنبرة صادقة:
-تمنيت لو اتقابلنا في ظروف أفضل من كدة، بس تأكدي إني هكون جمبك في كل وقت صعب بتمري بيه.
ربت على شعرها بحنو مع ابتسامه صغيرة تزين ثغره ليقبّل أعلى جبينها بينما هي ابتعدت عنه سريعا لتؤمره أن يغادر غرفتها فورا.
تراجع للخلف عدة خطوات وهو يطالعها بحزن ليغادر على الفور ويغلق الباب خلفه، ليغادر المنزل بأكمله وهو يكره وجوده بجوارها الذي لا يغير شيء.
ظلت مستيقظة حتى أعلن الشروق عن بداية يوم جديد مليء بالأحداث، مازال اليوم باكرا للغاية لتذهب نحو الشرفة لتراه أمامها يقف خارج المنزل بأكمله يبتسم لها والدموع تغرق وجنتيه شعرت بأن قلبها سقط بين قدميها في الأسفل من هول الصدمة التي احتلتها لتغادر الشرفة على الفور وتقف بغرفتها تتنفس الصعداء ولكن كيف وهي تراه أمامها بعد سنوات عديدة.
لتجد قدميها تقودها للخارج وتخرج من البوابة الرئيسية لتجده يقف أمامها لا حول له ولا قوة يرتدي بذلة غالية الثمن ولم يبدو عليه السن لتدفعه بقوة كبيرة لا تعلم من أين استمدتها لتردف بغضب:
-ليك حق تظهر قدامي من تاني.
قبضت على ياقة ثيابه لتتقابل أعينهم، كل منهما يحمل بداخله الكثير من المشاعر القوية التي تكاد تغرقهم كانت تنظر له عكس ما ينظر لها بنظرة مليئة بالكره، والحقد، والغضب، والألم، والتعب، وأيضا كانت تنظر له بنظرة مليئة بخذلان.
أكبر خذلان قد تشعر به الفتاة من قِبل أبيها أن يتخلى عنها ويتركها وحيدة في هذا العالم المليء بالوحشية، تمردت عَبراتها على وجنتيها لتردف قائلة:
-اللي زيك المفروض كان يموت من زمان.
-ولو رجع بيا الزمن مش هتردد إني أحاول أقتلك تاني.
بكى هو الأخر من مشاعر ابنته اتجاهه متذكرا تلك الليلة التي رفعت بوجهه السكين لتطعنه بقوة بنظرة مليئة بالانكسار والخذلان.
كان صامت لا يتحدث أمام مشاعر ابنته التي ظهرت لتوها، لتكمل حديثها بغضب وهي تهزه بين يديِّها بعنف:
-راجع ليه!! راجع ليه!!
-مش خايف؟ مش خايف المرة دِ أقتلك بجد؟
-أوعى تكون جاي وطالب العفو و السماح! لأني ساعتها مش هشفق عليكِ ولا حتى هفكر فيك.
أردف بحنية بالغة ودموع تغرق وجنتيه وقلبه ينزف دما على ابنته:
-وردتي.
أغضمت عينيها حينما تذكرت ذلك اللقب كان دوما يدعوها به، لتبتسم بسخرية وتعقب على حديثه بقولها:
-وردتك! بجد!
صرخت في وجهه بقولها:
-وردتك اللي سيبتها لغيرك، وردتك اللي رميتها في نص الطريق كل واحد داس عليها برجله.
-وردتك اللي بقت مليانة شوك بيجرح وأول ما جرح جرحها هي!
-وردتك اللي.
صمتت لتبتلع لعابها وتكمل بخفوت:
-اللي سيبتها لغيرك يسيقيها.
صمت كلاهما، كانت تتنفس بغضب وهي تنظر لها باحتقار بينما هو شعر بأنه لا يمتلك حق الندم الآن هو من تركها حقا لغيره بدلا من رعايتها.
قرر أن يكون سبب ذبولها بدلا من إزدهارها، دفعته بقوة ليسقط أرضا مصطدما بالأرض الصلبة بينما هي لم يهتز لها جفن أثر سقوطه لتردف وهي تشير على سيارته بسبابتها:
-امشي من هنا.
-ولو تطول تمشي من البلد كلها.
-أو الأحسن ليكِ إنك تسيب العالم كله وتمشي.
-لأني أقسمت إني هرد القلم أضعاف لكل واحد أذاني في حياتي، وأنت أولهم اللي منعتني ساعتها ماتت.
استند على سيارته لينهض ويقف أمامها محاولا الحديث ولكنها قاطعته بصراخها:
-اخرج بره حياتي بقى، ارحمني.
استقل سيارته بضعف وحزن على حال ابنته، ليقودها مبتعدا عنها يلعن نفسه وعقله في تلك الليلة ليعلن كل من قام بإيذاء وردته وهو أولهم.
هبطت دموعها على وجنتيها لتجلس كالقرفصاء أرضا وهي تحاول تخفيف ذلك الألم الذي غزى قلبها بقوة منذ اللحظة التي رأته بها.
أزالت دموعها ولكن كيف لها أن تزيل ذلك الشعور الذي سيطر عليها، لتستمع لصوت سيارته قادم خلفها التفتت حينما توقفت السيارة وهبط منها أمير الذي قلق من تواجدها بالخارج في ذلك الوقت ليجدها تتقدم منها وقد شحب وجهها.
تمسكت بياقة قميصه الأبيض متساءلة:
-بتحبني؟
شعر بالارتباك لأول مرة منها، لم يستوعب سؤالها بعد حاول أن يستعيد توازنه ليومأ رأسه ببطء لم يقوى على الحديث ليجدها تكمل حديثها بقولها:
-إذا حبّني حب يعوضني عنهم.
-حبّني حب ينسيني كل الألم، وكل ذكرى سيئة مرت في حياتي.
-حبّني كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وكل لحظة.
-حبّني حتى لو رفضتك.
-حبّني حبّني أوي.
-حبّني حب يخليني أتولد من جديد.
هبطت عَبراتها على وجنتيها ليعلم بأن هناك أمرا حدت لها كاد أن يتحدث لتتركه وتجري نحو الداخل، ليتنهد بيأس قائلا بداخله:
-الوقوع في حُبِّك جريمة ارتكبها قلبي، لكني لست نادما.
غفت على فراشها من شدة الإرهاق لتحاول ريهام أن توقظها بعد ساعتين من نومها، استيقظت جوليا لتمسح وجهها بيديها وتنظر لريهام التي أحضرت لها ثوب أسود.
دلفت للمرحاض لتغسل وجهها وتتذكر ما تفوهت به لأمير لتشعر بالحرج منه واليأس منها ضربت رأسها بقبضة يدها، أغمضت عينيها لتحاول محو تلك الذكرى ولكن إن محتها من داخلها أتستطيع محوها من داخله.
خرجت من المرحاض لتبدل ثيابها لثوب أسود أخر طويل وحذاء عالي أسود وكأنها ستذهب لسهرة وليس إلى عزاء ابنتها.
هبطت لأسفل لتتجاهل أمير والذي شعر بإحراجها ولكن لا بأس؛ فهي ليست في وقت يسمح له بأن يغازلها أو يضايقها.
فتح لها الباب لتستقل السيارة وبالأمام كل من أمير وحامد، تعالى رنينه ليجيب على الهاتف وكان المتصل أدهم الذي أخبره بأنه حصل على معلومة جديدة تخص جوليا.
-حسنا، يمكننا التحدث في وقت لاحق.
-متى ستعود أمير؟ لقد سئمت من تواجدك بجوار تلك الفتاة وأيضا هنا العمل لن ينتظرك.
-يبدو بأني سأستقر هنا، أدهم.
تقابلت أعينهم في مرآة السيارة لتبتلع لعابها ببطء وهي تلعن نفسها على غبائها وتسرعها.
صرخ أدهم قائلا:
-ما هذا الهراء الذي تفوهت به لتوك؟ أجننت!!!!
-اللعنة!
-سأتصل بك قريبا، وداعا.
أغلق الهاتف، لتنظر جوليا لساعة يدها وتنظر لزجاج سيارتها حتى وجدت السيارة تقف لتشعر بالارتباك والخوف والرغبة العارمة في البكاء لم تهبط بعد من السيارة ليقوم أمير بفتح الباب ومد يده نحوها مع ابتسامه تزين ثغره تطمئنها.
خرجت من السيارة ليغلق الباب خلفها ويحاصرها بينه وبين الباب قائلا:
-"الابتسام في وجه عدوك فوز".
-إياكِ تستسلمي دلوقتي يا جوليا، إياكِ.
استمدت القوة منه ومن تلك النظرة التي أشعرتها بالقليل من الاطمئنان والثقة.
استعادت توازنها لتغمض عينيها وتعيد فتحها مرةً أخرى وهي تنظر للأمام لتتقدمهم، لتجد الكثير يتقدم منها يسألونها عن سبب وفاة ابنتها بتلك الصورة البشعة والذي يشفق عليها والذين يحسدونها على اتزانها النفسي.
تجاهلت الجميع مثلما كانت تفعل في الماضي لتتقدم لداخل الجنازة ويقابلها معتز التي أدمعت عينيه وهو يردف:
-البقاء لله.
ربتت على كتفه وتقدمته نحو علي، تبادلوا النظرات سويا حتى أردف:
-مشكلة صغيرة وصلت لإيه يا بنت الساعي!
-صاحب المشكلة كان ابنك مش أنا يا علي بيه.
لتميل على أذنه قائلة بهمس لم يسمعه سواهم:
-بس قريب هنخلص من المشاكل دِ كلها بموته.
-اللي قتل حفيدتك يبقى قصي الأدهم.
ابتسمت له لتربت على كتفه قائلة:
-شدة وتزول.
لم تعيير قصي انتباه ووقفت ترى جثمان ابنتها لتحاول الثبات ولكن كيف وهي ترى ابنتها تُدفن قبلها، لتندم على كل لحظة انشغلت بها عنها كانت تعمل كثيرا من أجلها ولكن ليس هذا ما كانت تتمناه جود تلك الفتاة التي لم تكن تعي شيء نضجت قبل آوانها نتيجة لتلك الخلافات التي نشأت بين والديها.
تقدم أمير معهم ليحمل جثمانها ولكن قصي صرخ في وجهه يخبره بأن ليس لديه حق أن يحمل جثمانها معهم، ليحاول معتز تهدئة قصي ولكن تلك هي فرصته كيف ألا يستغلها!
دفع قصي أمير الذي حاول الثبات حتي لا يفتك به الآن وأمام الجميع من أجل جوليا وقدسية الجنازة.
دفعه قصي عدة مرات ليشير إليه قائلا بصوت غاضب وهو ينظر لجوليا بتحدي:
-اللي قدامكم ده قاتل، حاول يقتلني ويقتل جوليا لا وكمان بكل بجاحة جاي يدفن بنتي معايا وقدام عيني.
-وهو اللي قتل بنتي كمان.
شهق الجميع بقوة عندما تفوه قصي الآن بحقيقة أمير، ليغمض أمير عينيه ليحاول المغادرة ولكن قصي أكمل حديثه:
-اللي قدامكم قتل بنتي وأنا مش هسيب حقها، بطلب منكم كلكم تقفوا جمبي ونجيب حق بنتي الغلبانة الضعيفة.
بدأت الصحافة في التقاط الكثير من الصور لأمير الذي وضع يده أمام وجهه، تحركت جوليا نحو قصي لتردف:
-بينقلب السحر على الساحر يا قصي.
تقدمت من أمير لتقف أمامه في وجه الجميع قائلة بحدة وهي تؤمرهم أن يخفضوا تلك المعدات، لتشير بسبابتها على الجميع:
-دِ جنازة بنتي مش هسمح لأي حد أنه يبوظها.
-حامد.
أتى لها حامد على الفور لتشير له أن يخرج كل الصحافة من هنا، ليقوم على الفور بما أمرته هو رجاله لتبتلع لعابها وتتقدم من قصي تجذبه من ذراعه الأيمن وتدفعه لخارج الدفن قائلة:
-لو كان في قاتل المفروض يخرج يبقى أنت يا ابن الأدهم.
-لو كل الناس صدقت إنك بريء، ألاعيبك مش هتمشي عليا و.
اقتربت منه تهمس بجوار أذنه:
-جه وقت حسابك على كل أفعالك يا قصي، حاول تحمي نفسك بأقصى ما يمكنك.
-حتى لو اختفيت من العالم هقدر أجيبك وأندمك على كل سوء سببته ليا.
تركته ودلفت للداخل بعدما أمرت حامد ألا يسمح لهم بالدخول مرةً أخرى، لتشير لأمير بعينيها أن يتقدم نحو جثمان جود مع معتز والأخرين.
تم دفن جود على خير ليغادر واحد تلو الأخر عدا تلك التي بقيت حتى المساء بجوار ابنتها تبكي بصوت خافت حتى لا يسمعها أحد ولكن إن ضحكت على الجميع بصمودها لن تضحك عليه، كادت أن تغفو بجوارها ولكن أمير منعها ليساعدها في النهوض قائلا:
-هي بين إيدين ربنا، أفضل مننا أحنا كبشر يا جوليا.
-ربنا رحمها مننا ومن كل سوء كان هيصيبها لكونها بس بنتك أو بنت ال..
سبّ أمير ذلك المختل قصي، ليقوم بفتح الباب لجوليا التي استقلت وهي تائهة لا تعي شيء فقط هي تودّ النوم حتى وصولوا لبوابة المنزل ليحاول أن يحملها ولكنها استيقظت لتبتعد عنه على الفور وتنظر حولها، لتردف قائلة:
-بكرة الصبح عايزاك في أوضة المكتب.
تركته وصعدت للأعلى على الفور وهي تشعر بالألم في جسدها بالكامل أثر مجهودها الكبير التي تبذله لتحاول خلع الثوب ولكنها لم تستطع لتنام بثيابها ولم تشعر بشيء من حولها.
على الجهة الأخرى، وقد أتى صباح يوم جديد.
صعد لغرفته ليلملم ثيابه ومتعلقاته في حقيبة سفر وهو قلق وخائف من أن تستطيع جوليا الانتقام منه كما أخبرته، ليصرخ فيه علي بقوله:
-أنت اللي عملت كدة في بنتك؟ رد عليا.
-أنا معملتش حاجة، كل ده بسبب الغبي اللي أمرته أنه يخطفها.
نظر له علي بصدمة وهو يرى حصد ما زرعته سمر، ليتساءل:
-يعني إيه؟
رمى تلك الحقيبة أرضا ليردف بغضب مبالغ فيه:
-أنا اللي أمرتهم يخطفوا جود ولكن عصابة تجارة الأطفال جت واختارت جود من بينهم عشان كدة أنا خسرت بنتي.
-أنا ممكن أخسر أي حد يقف قدام طموحي.
صفعه علي بقوة على وجنته اليسرى ليقول بغضب سيطر عليه من هول ما يسمعه، هذا ابنه يعترف بجريمته في العلن دون خجل أو ندم:
-أنت مش ابني، أنت ابن عاق وأنا مش هسمحلك تحط اسمك جمب اسمي من هنا ورايح.
-أنت لعنة، لعنة كبيرة واتحطت فوق رأسي.
-أنت تربية سمر، وهي فين سمر دلوقتي؟
-هتنقذك؟ هتنقذك بإيه؟ وهي لا حول ليها ولا قوة دلوقتي بين إيدين ربنا.
صرخ قصي في وجهه قائلا:
-أنت اللي عملت كدة، لما كنت بتفضل معتز عليا لما كنت بثق فيه عني.
-وأنا أثق فيك ليه؟ كل حياتك عبارة عن مشاكل وقرف ومن مصيبة لمصيبة عمرك ما أثبت أنك تقدر تشيل اسمي بعد ما أموت.
-إذا كان عشان جوليا وقفت قصادك قتلتلها بنتها أومال أنا أبوك اللي جابك في الدنيا دِ هتعمل فيه إيه؟
-ياريتك ما جبتني يا أخي.
-يا ريت كان ينفع، ده قدر ونصيب.
-نصيبك في الدنيا أنك تيجي، لكن مش نصيبك أنك تعيش بكل الحقد والكره اللي جواك ده أنت اللي صنعته جواك وخليته يكبر كل مرة.
-بدل ما تثبت نفسك وتشيل مسؤولية، جبت لنفسك مصايب لو خرجت من واحدة التانية هتنهي حياتك.
-اطلع بره البيت ده.
-أنت قاتل وأنا عمر ما بيتي كان فيه واحد زيك.
-بره.
خفض قصي مستواه ليحمل تلك الحقيبة ولكن لمح ذلك المسجل بيد معتز، ليبتسم بسخرية ويترك الحقيبة أرضا ليتقدم لتلك الطاولة ويحمل بيده قطعة أثاث ثقيلة ويتقدم من معتز ويضربه بقوة بها، ليصرخ علي به ويسقط معتز أرضا والدماء تسقط من جبينه ليقع ذلك المسجل على الأرض الصلبة.
رفع قصي رأسه للأعلى وهو يضحك بسخرية؛ حيث أن أخيه قام بخداعه لينظر لأبيه متساءلا:
-أنتوا متفقين عليا؟
كاد أن يلتقط ذلك المسجل ليزحف معتز نحوه ويلتقطه قبله ويحاول النهوض مبتعدا عنه، ليركله قصي بقدمه ويسقط أرضا مرة أخرى.
ليتقدم منه علي ويدفعه بقوة عن أخيه، استند معتز على أبيه وهو ينظر لقصي بغضب قائلا:
-أنت تستحق يبقى مكانك الحبس.
-أنت مقتلتش بنتك وبس! أنت عملت حاجات كتير قتلت و زانيت وتاجرت في حاجات غلط تستحق الموت كمان.
-وأنت بقى اللي هتحبسني!
-أنت! أشك.
أخرج قصي مسدسا أخفاه تحت قميصه ليرفعه في وجه أخيه الوحيد مشيرا على ذلك المسجل:
-هاته وأنا مش هأذيك.
-مستحيل.
-تبقى مستغني عن حياتك.
كاد أن يطلق النيران حتى وجد أبيه يجري نحوه يفديه بجسده لتخترق الرصاصة كتفه الأيسر من الخلف، لتجحظ عينيّ معتز وهو يرى أبيه يسقط أرضا بين أحضانه.
-بابا!
طُرِق الباب كثيرا ليخاف قصي ويتراجع للخلف وهو يبحث عن مخرج له، غضب معتز لينهض ويقوم بفتح الباب ليجد أمامه أمير الذي طلب منه أن يسجل لقصي حتى يتمكنوا من الإيقاع به.
دلف أمير للداخل ليجد علي أرضا ينزف الدماء، تقدم أمير من قصي الذي تراجع بذعر ليمسكه من ياقة قميصه ويقوم بلكمه عدة مرات في وجهه ليدفعه قصي ويغادر المنزل بالكامل خوفا من تلك المصيبة التي حلت عليه.
تقدم معتز من أبيه وهو يضغط على جرحه، التقط أمير ذلك المسجل ووضعه في جيب بذلته وقام بمهاتفة الإسعاف لهم.
كان أمير على الهاتف الخاص بمعتز ليستمع لكل حرف تفوه به قصي وقد سقط في بئر أعماله المظلم بكى معتز خوفا من فقدان أبيه المتبقي له في تلك الدنيا.
تم نقل علي للمشفى وظل أمير معهم خطوة بخطوة حتى اطمئن عليه واستأذن من معتز وعاد للمنزل، ليجد جوليا تأخذ الحديقة ذهابا وإيابا ويبدو عليها القلق فحينما استيقظت كادت أن تتحدث له ولكنها وجدته يصب كل اهتمامه في هاتفه ومن ثم نهض مسرعا ليغادر المنزل حتى يتمكن من إنقاذ معتز وأبيه.
تقدم منها وهو يبتسم لتقابله بوجه جامد متساءلة عن سبب اختفائه وعدم إجابته على اتصالاتها، ليردف قائلا مع ابتسامه صغيرة زينت ثغره:
-عشان أشوف قلقك ده.
أخرج هاتفه أمامها ليغلقه قائلا:
-وقتي كله ملكك دلوقتي.
ابتلعت لعابها وهي تراه يتحدث لها بنبرة مليئة بالحب تركته وتقدمته للداخل قائلة:
-حصلني على المكتب.
جرى خلفها للداخل ليغمز لريهام قبل أن يغادر تلك التي ابتسمت له وهي تدعو ربها أن يصلح شأن جوليا، وجدها تجلس على مقعدها واضعة قدم فوق أخرى تنظر أمامها بشرود تفكر في ذلك الهراء الذي ستتفوه به الآن حاولت تهدئة نفسها عبر استنشاق بعض الهواء مع إغماض العين.
وقف أمامها يراقبها ويراقب تصرفها الهاديء، لتفتح عينيها وتصوب بصرها نحوه قائلة وهي تشبك أصابعها:
-أنا عايزاك تخلص من قصي بأقسى عذاب، عايزة كل الناس تعرف حقيقته وكل الناس تهاجمه عايزة حق بنتي يرجع.
ظهرت ابتسامه مريضة على ثغره وهو يتخيل عذابه لقصي ليستند على المكتب أمامها قائلا:
-والمقابل؟
نهضت لتتقدم منه بينما هو اعتدل في وقفته ليراها تقف على بضعة سنتيمترات منه قائلة:
-في اللحظة اللي هتنتهي مسيرة قصي، هيكون المأذون هنا بيكتب كتابنا وبكدة يبقى حققت مرادي ومرادك.
.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (جريمة حب ) اسم الرواية