رواية جريمة حب الفصل الثامن و العشرون 28 - بقلم سلسبيل
__________________________
كاد أن يخرج من المنزل حتى تعالى رنين هاتفه ليجيب على الفور حينما وجده ذلك الشخص الذي قام بتكليفه بمهمة البحث عن جود:
-أمير، البنت اللي طلبت مني أدور عليها أحنا لقيناها.
-كويس فين؟، أنا جاي حالا.
صمت الرجل قليلا ليكمل حديثه:
-ولكن لقيناها ميتة وأعضائها مأخوذة.
توقف فجأة حينما كان سيستقل سيارته للتو لتنزل الكلمات عليه كالصاعقة متخيلا ردة فعل جوليا حينما تعلم بالأمر، ليمسح وجهه بيده وهو يفكر كيف سيخبرها ليحاول التمسك بذرة أمل متساءلا:
-متأكد إنها نفس البنت اللي بعتها ليك؟
-أه كانت عصابة بتاجر في البنات الصغيرين ولما وصلنا لمقرهم لقينا كذا بنت بنفس التشويه.
-لو مش مصدق تعالى شوف، المستشفى.
قاطعه أمير قائلا:
-فلوسك تقدر تأخدها بكرة الصبح، وابعت مكان المستشفى.
أغلق أمير المكالمة وأستقل سيارته متساءلا ما الذي يجب عليه فعله وكيف سيخبرها بخبر موتها، قاد السيارة نحو تلك المشفى لعله يخيب ظنه تساءل عن حادثة الفتيات قائلا بأنه لديه ابنة مختفية منذ فترة لذا هو هنا للتأكد لتسمح له الممرضة بالذهاب للتأكد.
ليتقدم أمير من كل فتاة ولم يستطع التعرف عليهن حتى وجد ذلك الانسيال بيد فتاة صغيرة تقدم منها وجثى على ركبتيه أمامها لتمتد يده نحوها ليرى ذلك الانسيال والذي قد أعجبها منذ فترة وقرر شراؤه لها لتسعد وتفرح به كثيرا لتخبره حينها بسر ليحفظه لها.
كم الأمر صعبا عليه فكيف سيكون عليها، لذلك قرر الذهاب لها والبقاء بجوارها يجب أن يظل بجانبها حتى تستعيد قوتها مرة أخرى.
غادر المشرحة وأخرج هاتفه ليتصل بها وبعد محاولات عدة استطاع الوصول لها ولمكانها، كانت متفاجئة كثيرا من احتضانه المفاجيء لها، إنه لا يستطع المواساة بالحديث لذا هذا ما يمكن فعله كادت أن تبتعد حتى أردف بجوار أذنها كلماته التي كانت بمثابة سكين ذبح قلبها بألم وقسوة.
دفعته بقوة لتمسكه من ياقة قميصه قائلة أمام وجهه مباشرةً:
-أنت بتقول إيه؟ أنت عارف أنت بتقول إيه!
-أنت إزاي تقول حاجة مش متأكد منها!
صرخت في وجهه بقوة قائلة:
-رد عليا.
صمت أمير وهو يرى بداية انفعالها وانهيارها يعلم بأن القادم أسوأ، ليهتف باسمها بهدوء:
-جوليا.
نظرت له وقد امتلأت عينيها بالدموع لتردف بضعف:
-كلامك مش صح مش كدة؟
صمت ليؤكد لها دقة كلامه لتصرخ وتدفعه عدة مرات حتى أختل توازنها وسقطت أرضا بين يديه، ليجذبوا انتباه المارة من حولهم ليهتف أمير باسمها:
-جوليا، خلينا نمشي من هنا الأول.
قام بإسنادها ليجعلها تستقل سيارته وقام بجذب متعلقاتها وإغلاق سيارتها ليعود لها مرة أخرى ويقود السيارة نحو المشفى، بينما هي كانت توجد الكثير والكثير من النيران بداخلها تودّ الفتك بكل من أذى ابنتها الصغيرة، إنها غريزة الأمومة حتى وإن كانت تبين عكس هذا فقلبها يحترق قهرا على أذى أبنائها.
حاولت التماسك ولكن كيف تستطيع؛ فأخر سبيل لقوتها انتهى كيف ستتمكن من المواجهة وترى ابنتها جثة هامدة أمامها لا حول لها ولا قوة.
توقف بسيارته أمام المشفى ليحاول الحديث ولكن لسانه لُجم كيف سيخبرها بأنهم قاموا بتشويه جثة ابنتها الحبيبة، أردف أخيرا بعد فترة صمت طالت كانت شاردة الذهن بها.
-يلا بينا.
أردفت الممرضة بحنق:
-ومين دِ كمان يا أستاذ؟
-والدتها عندك مانع؟
-لا الأول تمليء الاستمارة دِ.
عادت جوليا لجمودها من تلك الفتاة التي تحيل بينها وبين ابنتها ببضعة أوراق، لتردف متساءلة:
-فين المدير؟
-والمدير هيعمل إيه؟ هو أي حد يدخل يقولي فين المدير يا أبلة هنا في أوراق لازم تتمضي الأول.
كاد أن يتحدث أمير حتى وجدها تقبض على عنق الممرضة و تدفعها على الحائط بقوة قائلة وهي تنظر لداخل عينيها:
-كلمة زيادة كمان وصدقيني هطردك من المستشفى كلها وأي مستشفى تانية.
ظلت تضغط على عنقها بقوة وهي تتذكر موت ابنتها وأمها، لتجده يدفعها نحوه برفق حتى ابتعدت عن الممرضة التي سقطت أرضا تسعل بقوة وقد احمر وجهها بشدة.
هتف بهمس بجوار أذنها:
-تمالكي نفسك.
جذبها معه حيث وجود ابنتها، بينما الممرضة كانت تلتقط أنفاسها من قبضة تلك المجنونة لم تكن الأم الوحيدة هنا تتحسر على ابنتها كان الجميع يصرخ على فقدان أبنائهم سواها تلك التي أغمضت عينيها وهي تحاول تهيئة نفسها ولكن كيف، كيف ستقوم بالتمثيل مجددا عند وفاة ابنتها كيف ستكون بخير وهي ترى ابنتها مشوهة بتلك الطريقة الأكثر بشاعة على الإطلاق.
أُغلق باب المشرحة في وجهها قبل أن تلمس ابنتها، لتردف قائلة بضعف:
-عايزة أشوفها.
ليردف الطبيب قائلا:
-في الوقت المناسب حضرتك أتفضلِ اقعدي هنعمل شوية إجراءات و.
هتفت جوليا بحدة:
-أنا من حقي أشوف بنتي.
حاولت دفع الطبيب عدة مرات حتى يسمح لها زيارة ابنتها، ولكنه رفض ليستطيع أمير التحدث للمسؤول والموافقة على الزيارة لتدلف جوليا للداخل بمفردها كم الغرفة مخيفة و باردة.
توقفت في منتصف الغرفة والخوف والذعر سيطر على قلبها، تمالكت ذاتها وتقدمت من ابنتها تجثو على ركبتيها أمامها وقد اغرورقت عينيها بالدموع وبدأت في الهبوط على وجنتيها لأول مرة منذ سنوات على فراق ابنتها مصدر قوتها.
لتمسد على شعرها ببطء وأردفت قائلة بشفاه مرتجفة:
-سعيت كثيرا لأجلك لأجل أن ترثيني وترثِ قوتي، لم أكن أعلم بأني سأراكِ جثة هامدة قبلي.
-يؤلمني قلبي على فقدانك، صغيرتي.
-ألا يمكنكِ البقاء قليلا بجواري، أمك تحتاجك كثيرا وتعتذر على اختيارها لذلك الأب القاسي.
اقتربت من أذن ابنتها لتهمس بعدما قامت بإزالة عَبراتها:
-سأنتقم من كل شخص أذاكِ، صغيرتي.
-سأجعلهم يندمون على العبث معكِ.
نظرت لوجه ابنتها المشوه مطولا، كيف قاموا بالتخلص من ملامح ابنتها الجميلة تلك الوردة الصغيرة التي لا ذنب لها في تلك الحياة سوى أنها وُلدت ابنة لكل من جوليا وقصي كانت ضحية لكليهما.
صمتت جوليا لا تعرف بما ستتفوه، قلبها ينزف دما وروحها تُطالب المغادرة والدموع تشق طريقها على وجنتيها.
دلف الطبيب ليخبرها بأنه حان وقت رحيلها، نهضت بخطوات بطيئة وضعيفة قامت بإزالة عَبراتها بيدها لتغادر الغرفة بقلب مفتت منكسر يصرخ مطالبا بمغادرة تلك الحياة.
كانت تمشي مستندة على الحائط صامتة لا تبديء بأي تعبير على وجهها بينما هو يسير خلفها يؤلمه قلبه على حزنها وفراق تلك الطفلة الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة.
"أنا، أنا جوليا الساعي تلك الفتاة التي تعلمت درس الحياة القاسي من أبيها تلك التي أقسمت ألا تبكي على أحدا أبدا، تلك التي رأت القوة في النفوذ والسلطة فقط تلك الفتاة التي كتمت حزنها بداخلها لسنوات أنا جوليا أكرم الباجوري أعلن هزيمتي فقد تركتني قوتي الوحيدة بتلك الحياة، ابنتي التي أتت لي بمثابة طوق نجاة لكي أستمر وأعيش وأسعى.
لا يؤلمني فراقها بل أنه يقتلني ببطء، حتى وإن لم أمت معها سأموت كل ليلة بدونها تلك الوردة البيضاء الوحيدة في غابتي المظلمة، لقد فقدتها وفقدت روحي معها".
سقطت أرضا مغشيا عليها لتصطدم رأسها بالأرض الصلبة وتستسلم للظلام من حولها، جرى نحوها وهو يصرخ باسمها لتأتي له تلك الممرضة التي رأتها وهي تسقط أحاطها بذراعيه ليحاول إفاقتها ولكنها لم تستجيب له لتردف الممرضة:
-لازم ننقلها الطواريء.
حملها أمير بين ذراعيه ليذهب خلف تلك الممرضة التي قادته لغرفة الطواريء ليضعها على فراش المرضى ويتراجع للخلف عدة خطوات ليفسح المجال للطبيبة لفحصها.
على الجهة الأخرى،،
كان يقبض على عنقه بقوة وهو يصرخ في وجهه قائلا:
-أنت اتجننت! أنا أمرتك بس تخطفها.
كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بين قبضته ليحاول دفعه ولكنه لم يستطع، ليدفعه قصي بقوة على الحائط ليسقط الرجل أرضا بينما قصي أخذ في ركله عدة مرات بقدمه ليصرخ بهستيرية:
-هموت بسببكم يا كلاب.
-مفيش هروب من انتقام جوليا.
أردف الرجل بخوف وألم:
-أحنا عملنا اللي أمرت بيه ولكن الغبي اللي شغال عندي جه وخدها من ضمن البنات اللي هيتاجر في أعضائهم.
اقترب من قدم قصي ليتمسك بها قائلا:
-ارحمني يا بيه ده مش ذنبي.
دفعه قصي وابتعد عنه عدة خطوات وأصبح يتصبب عرقا أثر المجهود وانفعاله ليقترب من الرجل أمامه وهبط لمستواه ليقبض على خصلات شعره بقوة قائلا:
-اسمعني كويس.
-أنت مشوفتنيش ولا تعرف أنا مين.
-أنت اللي خطتت وأنت اللي نفذت وأنت اللي هتتعاقب.
-لو بوقك نطق بحرف من اسمي هقتلك قبل ما جوليا تقتلك لأنك في كل الحالات هتموت.
-لكن لو كنت شاطر ومذكرتش اسمي هقدر أساعدك وأسفرك بره مصر وساعتها ولا جوليا ولا غيرها هيقدر يوصلك.
كان يتلوى الرجل تحته من قبضة قصي على خصلاته ليدفع قصي رأسه بالحائط لتهبط الدماء من رأسه، امتد ذراع قصي نحو مساعده ليلتقط ذلك المسدس ويصوب باتجاه الرجل قائلا:
-ولا الحياة مش فارقة معاك وحابب تموت من دلوقتي.
فزع الرجل ليصرخ بقوة قائلا:
-لا لا هعمل اللي تؤمرني بيه أنا أسف أنا تحت أمرك.
دلف ناصر إلى ذلك المخزن المتواجد بداخل مصنع للحديد والصلب متعجبا من تواجده بذلك المكان وسبب جلب قصي له لهنا.
لينظر ناصر إلى ذلك الرجل الغارق في دمائه، جذب ذلك المقعد الفارغ ليجلس عليه واضعا قدم فوق أخرى متساءلا:
-جبتني لهنا ليه؟
نظر حوله لينسحب الجميع للخارج مع ذلك الرجل الغارق في دمائه، ليبتلع ناصر لعابه متساءلا بداخله أحقا علم بأمر خيانته له ولكنه كان ثابت برغم تلك الأفكار التي سيطرت على عقله ليقترب قصي منه وقد ثنى أكمام قميصه للأعلى بعدما خلع المعطف الخاص به ليقبض على كتفي ناصر من الخلف قائلا:
-ناصر، هديك اتنين مليون جنيه لو خلصت من الواد اللي ملازم خيال جوليا.
-قولتلك ده قناص محترف و.
قاطعه قصي بصراخ:
-مش مهم، هو ده نقطة قوتها وأنا مش هسمح ليها تنهي كل حاجة.
-ومستعد أدفع ليك ضعف الرقم حتى ولكن لو قدرت تخلص منه.
-هعيشك في نعيم يا ناصر.
-هعيشك في هنا وفلوس كتير.
شرد ناصر في ذكرياته قليلا متذكرا ميادة حينما بكت أمامه ترجوه أن يبتعد عن كل مصائبه وعمله حتى تطمئن له وتسمح له باقتحام حياتها وحصون قلبها، لا تنكر على الرغم من كونه كان وقحا في حديثه معها وتصرفاته ألا أنه شغل جزء من تفكيرها حتى ذلك اليوم الذي عرض عليها الزواج به.
تتساءلون كيف تم الأمر؟، كان يعمل معها ليلا ونهارا سرا من أجل القبض على مخلفات قصي والايقاع به تحت قدميّ جوليا حتى تثأر لموت أمها كان يرى بها أمه التي توفت منذ زمن ليس بقريب كان تتعامل بلطف على غير أول مقابلة بينهما وأيضا كانت تضع الكثير والكثير من الحدود بينهم ليتساءل بداخله لما لا يمتلك حياة بسيطة مليئة براحة البال مثلها ومثل عامة الشعب، لما اختار ذلك الطريق الصعب الشاق على عتقه ليختارها لتكون رفيقة دربه تعلمه طريقة العيش الصحيحة دون سفك دماء وقتل.
كانت تقرأ ذلك الملف بعناية حتى وجدته يتقدمها وتعابير وجهه مترددة على غير عادته لتتساءل بقولها:
-في مصيبة حصلت!
تفحص المكان من حوله ليجد بأن ليس هناك أحد قد يستمع لحديثهم، ليخرج تلك العلبة والتي تحتوي على خاتم بسيط غالي الثمن ووضعها على المكتب أمامها بشكل غير رومانسي يعبر عن أهمية الموقف ومشاعره قائلا:
-أنا عايز أتجوزك.
جحظت عينيها من تصرفه الغير لائق وطريقه عرض زواجه وما زاد صدمتها أن يتقدم لها ناصر!!
نهضت سريعا من مقعدها لتردف وقد ارتبكت على عكسه الآن الذي ارتاحت تعابير وجهه قليلا بعدما عرض عليه الزواج كما يدعى.
ابتلع لعابه حينما وجدها تشير بذاك القلم في يدها قائلة بحدة:
-حضرتك بتهزر! جاي تسخر مني! أنا مسمحلكش.
-جاي تعمل عليا تمثيلية!
قبض على العلبة ليفتحها ويظهر أمامها ذلك الخاتم الذي اختاره بعناية فائقة حتى يليق بها، أردف سريعا:
-أنا عايز أتجوزك فعلا، ممكن معرفش إيه الطريقة المناسبة للكلام ده ولكني عايزك تعلميني كلامي ملغبط ولكن أنا.
صمت قليلا لا يجد الكلمات المناسبة لوصف طلبه وشعوره ليكمل حديثه:
-ميادة أنا عمري ما فكرت في بنت كله كان للشغل ولكن من ساعة ما شوفتك عمري ما اتخيلت إني هفكر فيكِ ليل نهار وهكون عايزك جمبي علطول، أنا جاهل في أمور الحب والجواز ولكني متأكد إنك هتكوني معايا وجمبي في كل خطوة.
نادرا ما تجد أن يراك أحدهم بتلك الصورة، ولكن لما انهمرت في البكاء الآن ليشعر بأنه تفوه بأمر غير لائق ليرتبك ويتساءل:
- أنتِ كويسة؟ في إيه؟ أنا قولت حاجة غلط؟
نفت برأسها عدة مرات ولكنها مازالت تبكي لتردف:
-وشغلك؟ وكل اللي عملته زمان؟ مستعد تتخلى عنه؟
صمت قليلا يفكر في حديثها أحقا سيتمكن من التخلي عنه، ليجيب:
-مستعد أتخلى عنه عشانك لو ده اللي هيخليكِ توافقي.
نفت برأسها لتمسح عَبراتها قائلة:
-وأنا مش موافقة، أنا عايزاك تتخلى عن شغلك عشانك مش عشاني عايزاك تتخلى عن شغلك وكل حاجة وحشة عشان ربنا مش عشاني.
-لو هتتخلى عن حاجة عشاني يبقى لو مُت الصبح ممكن ترجعله لكن لو اتخليت عن أمر عشانك عشان نفسك وعشان ربنا عمرك ما هترجعله تاني وحتى لو رجعتله تاني هتقدر تقاوم نفسك لكن لو عشاني فده تخلي مؤقت.
أردفت لتنهي حديثها:
-أنا مش موافقة على طلبك لحد ما تتخلى عن شغلك مش عشاني عشان ربنا وعشانك عشان متهلكش.
كادت أن ترحل ليوقفها بقوله:
-طب ما أنا ممكن أقولك إني بطلت وأضحك عليكِ؟
أجابت على سؤاله مردفة:
-لو ضحكت عليا مش هتقدر تضحك على ربنا.
تركته وغادرت الغرفة بأكملها تدعو من قلبها أن يهديه الله من أجله وليس من أجلها، بينما هو شعر بِـحيرة شديدة تسيطر على قلبه ليغادر المكان بأكمله وتشتت عقله وكأن جزء منه يخضع لها والأخر يخضع لرغبات شيطانه.
أردف قصي قائلا:
-عايز أسمع خبر موته في أقرب وقت غير كدة هعتبرك عدوي يا ناصر.
نهض ناصر ولم يعقب على حديثه بل غادر ذلك المكان المليء بفساد قصي، ليستقل سيارته ويقودها مبتعدا عن المكان يفكر ما الذي عليه فعله الآن.
_____________________________
دلف لتلك المشفى ليستقل المصعد وهو يرتب ثيابه في مرآة المصعد واصطنع الحزن الشديد ليتقدم من تلك الغرفة التي تقبع بها تلك التي تحرقها نيران انتقام تكفي لحرق الأخضر واليابس.
تقدم للداخل ليجلس بجوارها على المقعد كانت تعتقده أمير لذا لم تلتفت له وكانت تعطيه ظهرها حتى أردف بصوته اللاذع والذي باتت تبغضه:
-البقاء لله يا جوليا، بنتنا في ذمة الله.
انتفضت من مكانها لتنظر له وعينيها احمرت من شدة الغضب حتى برزت عروقها بداخلها، ليكمل حديثه بهدوء يُحسد عليه:
-وأوعدك هنجيب حق اللي عمل كدة في بنتنا ولو هحاربهم واحد واحد.
بكى أمامها ليُصاب بالاندهاش عندما ضحكت بقوة بَدت وكأنها مريضة نفسية لتكف عن الضحك ونظرت له نظرة دبت الرعب والذعر في قلبه أقسم بأنها ليست بشرا مثلهم لتردف بهدوء:
-كنت ممكن أسامحك على أي حاجة يا ابن الأدهم إلا بنتي أنت ملعبتش بالنار وبس أنت لعبت في عداد حياتك الوقت بيمر وكل يوم هيعدي هسرق يوم من حياتك يا ابن الأدهم.
-جوليا هو أنتِ معتقدة أنه أن.
قاطعه دخول أمير للغرفة الذي تعجب من وجوده وجذبه من ثيابه ليدفعه على الحائط بقوة ويقوم بضربه بعنف وغل حتى صرخت جوليا باسمه، توقفت قبضته في الهواء ونظر له تلك التي أردفت:
-مش الوقت المناسب.
هبط أمير لمستوى قصي ليردف أمام وجهه بنبرة مخيفة، ليخبر قصي نفسه بأنه سقط بين فكيّ الأسد:
-هلاكك على إيدي يا ابن الأدهم.
-قدامك عشر ثواني لو ممشيتش فيهم هعتبر أن وقتك جه.
نهض قصي على الفور ليجري نحو الخارج ولكن قدميه انزلقت ليسقط أرضا بخوف ويتراجع للخلف على الفور حتى غادر تلك الغرفة التي مُلئِت بنيران الانتقام.
كانت تحرك وجهها بعشوائية وهي تعيد اتزان عقلها لتتحلى بالقليل من الشجاعة والطاقة حتى تتمكن من التخلص منه وحينها، قاطع تفكيرها أمير الذي أردف:
-الدفن بكرة.
نهضت من فراشها لتردف قائلة:
-جهز العربية وأمر خروجي من هنا.
تركته ودلفت للمرحاض لتبدل ثيابها لتلك التي أتت بها لهنا استنتدت على حوض الاغتسال لتنظر لانعكاسها في المرآة لتحاول تمالك نفسها ولكنها غير قادرة، غير قادرة على الانهيار والاستسلام وغير قادرة على الوقوف كعادتها بدون خوف وبداخلها قوة تكفي لتحمل كل الألم.
خرجت من الغرفة وقد كانت ترتدي ثوبها الأبيض الذي أتت به لهنا تستقبل خبر وفاة ابنتها بأبشع الطرق، ليشهق الجميع عند رؤياها بثوب أبيض بعد وفاة ابنتها ليتحدث الجميع عن سوء أخلاقها وأنها ليست مسؤولة ولا تمتلك أي شعور والبعض يحسدها على اتزانها فهي تمشي بكل ثقة وخطوات متزنة تعرف طريقها حقا.
استقلت المصعد مع مجموعة من الممرضات والأطباء لتقف في منتصفهم بكل قوة لتستمع لهمس الممرضات من خلفها بقولهن:
-كيف تمكنت من الصمود وابنتها مازالت هنا في مشفانا؟
-حتى أنها لم ترى ابنتها سوى مرة واحدة، كيف لها أن تكون أم!
-حتى أنها ترتدي ثوب أبيض ليس وكأنه زفافها!
-ولما ستحزن؟ ستتزوج بأخر وتنجب منه حتى أنها ستنسى ابنتها وكأنها لم تلدها.
فُتِح باب المصعد ليخرج الأطباء الرجال، كاد أن يخرجن الممرضات حتى عطلت جوليا المصعد والتفتت لهم بنظرات حادة مستندة على حائط المصعد بجوارهم قائلة بنبرة هادئة متزنة:
-اسمع اعتذار من كل واحدة فيكم.
هتفت إحداهن بقولها:
-وأحنا نعتذرلك بتاع إيه كنا قولنا حاجة!!
تقدمت منها جوليا لتقبض على معصمها وتثنيه لتصرخ الممرضة بتألم، لتأتي الأخرى تدافع عن صديقتها وتحاول ضرب جوليا التي صفعتها بقوة على وجنتها اليمنى قائلة بحدة:
-قدامكم فرصة واحدة لو خسرتوها صدقوني مش هتخسروا شغلكم هنا بس لا هتخسروا حياتكم وكل اللي بتمتلكوه وساعتها بس هتشوفوا مدى ضعفكم.
بدأت الفتاة تبكي أثر قبضة جوليا بها لتعتذر لها وكذلك الأخريات، لتبتعد جوليا عنهم وهي تنظر لهم باحتقار وتفتح المصعد لتجد أمامها أمير الذي يقف بانتظارها ليجدها تخرج وتتقدمه نحو الخارج.
توقفت السيارة أمام المنزل لتهبط منها وتتقدم للداخل بخطوات بطيئة هادئة تتفحص المكان بأكمله.
"ها أنا أصل لنقطة الصفر مرة أخرى وأشعر وكأن كل ما امتلكه لن ينفعني الآن، فماذا تبقى لي! لقد خسرت نفسي ومن بعدها أبي،ثم خسرت كل حلم حلمت به في الصغر،ثم أمي تلك السيدة الطيبة التي عُذبت من أجلي تلك التي حاربت الموت من أجل حمايتي تلك التي تركتني تائهة في عالم موحش كعالمنا، ثم قصي ذلك الذي حاربت الكثير لأجله بينما هو كان يستخدمني كطُعم للتخلص من صفقاته المشبوهة، ثم ابنتي مصدر قوتي كيف لي الاستمرار الآن بلا ابتسامتها البريئة تلك الفتاة التي رأيت بها نفسي تلك الطفلة التي لا تفقه شيء في عالم موحش كهذا كيف لها أن تموت بتلك الطريقة البشعة التي لا تتمناها لألد أعدائها، حسنا ماذا بقيّ لها؟
تلك العقارات، السيارات، الشركات، الأموال التي تتواجد بداخل البنوك، ابتسامتها الزائفة، كره الجميع لها، ماذا ستفعل بهم إن كانوا سيشتروا السعادة فلا بأس ولكن لا يوجد سبيل لشراء السعادة بتلك الأمور".
فاقت من شرودها لتدلف للداخل وتهتف باسم ريهام التي أتت لها وقد احمرت عينيها أثر البكاء على فراق جود تلك الفتاة الجوهرة التي لا ذنب لها سوى أنها ابنة كل من قصي وجوليا، لتردف جوليا قائلا:
-جهزي هدومي وكل متعلقاتي هننتقل.
أتت لها ملك وهي باتت تبغضها لعدم شعورها بالمسؤولية لكونها من تسببت في مقتل ابنتها، لتؤمرها جوليا بقولها:
-وأنتِ جهزي هدومك أنتِ وريهام هنتتقل النهاردة بليل.
لتخرج مرة أخرى للجنينة وتجد كل من أمير وحامد يتحدثان ليتركه أمير على الفور حينما رأها وتقدم نحوها يتساءل عن الأمر بقوله:
-في حاجة؟
-هنتقل من هنا، بلغ الكل إن أحنا هننتقل النهاردة للبيت القديم واللي مش عاجبه الشغل معايا حاسبه ومشيه.
تقدم حامد ليردف قائلا بأسف:
-البقاء لله يا هانم.
أومأت له جوليا لتتركهم وتعود للداخل، بحلول المساء كان الجميع قد استعد للمغادرة وقاموا بحزم كل متعلقاتها المهمة فقط لا غير وتركت المنزل بأكمله لينتقل الجميع نحو المنزل القديم الذي هربت إليه ملك وجود من قبل.
أبدلت جوليا ثيابها لأخرى سوداء وقبل أن تغادر غرفتها كانت قد حطمت مرآة غرفتها تلك التي شاهدت كل ضعفها وانهيارها وأيضا اعتداء قصي عليها في كل ليلة عكس رغبتها لتحطمها بالكامل وتلقيها أرضا نزفت يدها اليمنى لتغادر تلك الغرفة وتذهب لغرفة ابنتها أمرتهم أن ينقلوا كل متعلقاتها بالكامل دون شيء ناقص لتنظر لأرجاء الغرفة الخالية تتذكر ابنتها بكامل برائتها التي لم تكن لُوثت بعد.
غادرت المنزل ووقفت أمامه تنظر له من الخارج التقطت ذلك البنزين بجوارها تلقيه بقوة داخل الجنينة، كان كل من حامد وأمير أغرقوا المنزل من الداخل والخارج ببنزين بناءا على رغبة جوليا التي التقطت تلك الولاعة لتلقيها بدون تردد وقوة.
كانت تقف وهي ترى النيران تأكل المنزل بأكمله ليظهر انعكاس النيران في عينيها وكم كانت مخيفة في هيئتها تلك يبدو أنها استعادت جزء كبير من قوتها ستقوم بحرق كل ما تقابله من الأخضر واليابس لن تبقى على حياتهم كذلك المنزل وذِكراه.
.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (جريمة حب ) اسم الرواية