رواية جريمة حب الفصل الرابع عشر 14 - بقلم سلسبيل
_________________________
استيقظت وهي تتآوه من آلام رقبتها أثر نومتها الخطأ، لتتفاجيء حينما تراه مستيقظا ينظر لها وكادت أن تسقط لتتمالك نفسها متساءلة:
-صحيت امتى؟
-من شوية.
-حاسس إنك أحسن؟
أومأ لها بصمت لتتقدم منه وتتفحص جبهته وتجد الحرارة منخفضة لتبتعد عنه وتجده يحاول ألا يضحك لتعقد حاجبيها باستفهام ولكنه لم يستطع تمالك نفسه لينفجر في الضحك حتى استيقظ حامد بفزع ونظر حوله لينظر إلى جوليا وينظر أرضا على الفور وهو يحاول تمالك نفسه هو الأخر، تألم أمير من كثرة الضحك ليتوقف بينما هي كانت غاضبة منهم وهي لا تفهم لما يضحكون لتغادر الغرفة ولكنها توقفت أمام المرآة وشهقت بقوة من منظرها الفوضوي كان شعرها مبعثر ومساحيق التجميل على وجهها أيضا لتشعر بالغيظ من أمير الذي عاود الضحك مرة أخرى.
لتغادر الغرفة وتصعد حيث غرفتها، بينما حامد اقترب من امير واطمئن على حاله قائلا له ما حدث بالأمس وكيف جوليا اعتنت به على غير العادة ليفسر اهتمامها لكونه عنصر مميز في حياتها وهو القادر على حمايتها ليزداد غرورا من الداخل.
شكر حامد الذي ذهب ليحضر له بعض الطعام ولكنه وجد ريهام قد عادت ليخبرها بأن أمير أُصيب لتبدأ على الفور بتحضير طعام صحي، بينما حامد كان يتابعها بحب قام بإخفائه كثيرا لتشهق ريهام حينما تجده مازال واقفا لتستفسر عن الأمر ليرتبك قائلا:
-كنت عايز ماية.
جلبت له مياه ليرتشف من الكوب ويتركها ويغادر على الفور، بينما جوليا أبدلت ثيابها وقامت بتصفيف شعرها وهي غاضبة من أمير الذي لم يفعل شيء سوى الضحك عليها وضعت مساحيق تجميل أخرى تخفي بها تلك الكدمات بوجهها، قامت بإرتداء حذاء رياضي يناسب ثيابها المكونة من بنطال وتي شيرت على غير العادة لتهبط لأسفل وتجده يخرج من الغرفة وهو يستند على الحائط لتردف ببرود:
-خير الخدمة معجبتش جنابك؟
-شكرا.
نظرت له بطرف عينيها وجلست على الأريكة في انتظار الفطار، ليتعالى رنين هاتفها وتتعجب من ذي الذي هاتفها في ذلك الوقت المبكر لتجدها ملك لتجيب على الفور بقلق ليأتيها رد ملك بصوت منخفض متألم:
-جويرية هانم.
-مالها؟
نهضت على الفور وهي تنتظر رد ملك ولكنها لم تجيب؛ لأنها سقطت مغشية عليها من كثرة الضرب المبرح الذي تعرضت له حينما أعترضت طريق الذين اقتحموا المنزل لقتل جويرية.
جرت للخارج على الفور دون أن تستمع لنداء أمير الذي كان يتساءل عما حدث، ليذهب خلفها بعدما جلب سلاحه استقل كلاهما السيارة لتقود جوليا نحو منزل والدتها التي قررت العودة لمنزل زوجها التي لطالما أحبته.
توقفت أمام العمارة لتصعد للأعلى بخطى سريعة، بينما أمير رأى سيارة الشرطة ليضع المسدس بداخل السيارة ويصعد خلفها وجدت الكثير يقف أمام منزل أمها لتتقدم منهم بخطى بطيئة حينما سيطر على فِكرها حدوث مكروه لأمها لترى ملك تُنقل لسيارة الإسعاف، دلفت للداخل بعدما قامت بدفع كل من كان يقف أمام الباب مانعا المرور لتجد أمها مستلقية أرضا تغطيها قطعة قماش بيضاء لتسقط على ركبتيها أمامها وتقوم بإزالة الغطاء لتنظر لأمها كم تألمت في لحظاتها الأخيرة بسببها.
توقف أمير خلفها حينما رأى جثة جويرية ليحاول تخمين ما حدث، فتحت ملك الباب وجدت من يهاجمها بسلاح لتسقط أرضا خرجت جويرية من غرفتها على صراخ ملك لتجد من اقتحم منزلها وتحاول الصراخ ولكنهم يقيدوها ويحاولوا قتلها ولكنها قاومت لينتهي الأمر بالضغط على عنقها حتى الموت.
قبّلت رأس أمها بوجه جامد خالي من التعبير، نهضت بقوة وكأن من أمامها ليست أمها التي قُتلت لتغادر المنزل والجميع يتحدث عنها وعن قسوة قلبها غادر خلفها وجدها ترحل بالسيارة ليقف أمامها ويمنعها من الرحيل.
كانت تقود السيارة بأقصى سرعة حتى كادت أن تصطدم ببعض السيارات ولكن كان نظرها مصوب للأمام فقط، بينما هو كان يمسك في المقبض أعلى الباب الزجاجي وينظر لها مازالت ثابتة لم تدمع عينيها ليتساءل بداخله ما الذي جعلها بتلك القسوة ليغلفها هالة من الغموض ليشعر بالفضول نحوها.
توقفت حينما شعرت بالتعب وأنها ليست قادرة على القيادة، كانت تبحث عن المياه في السيارة لتجده يجلس بجوارها يبدو بأنها نسيت وجوده فهي لم يخطر ببالها أي فكرة سوى الهروب وألا تضعف أمام البقية أو حتى نفسها.
جلب زجاجة المياه ليضعها بيدها لترتشف البعض منها، بينما هو شعر بالألم في جرحه ولكنه تغاضى عن الأمر فهذا ليس الوقت المناسب للشعور بالألم.
هبطت من السيارة واستندت على مقدمتها ليفعل المثل ويقف بجوارها مستندا على مقدمة السيارة قائلا:
-مش هتعيطي؟
ابتسمت جوليا وهي تنظر لقدمها لـتقول بضعف:
-مبعرفش.
تفاجيء من إجابتها الغير منطقية، ليصمت بينما هي شعرها بأنها وحيدة فقدت جزء كبير من قوتها وصمودها يبدو بأنها على حافة طريق نهايته الموت.
كان ينظر لها بيأس وهو لا يعلم كيف يواسيها وما الطريقة المناسبة للأمر، ليجذبها نحوه يحتضنها بينما هي كانت شاردة الذهن ما الخطوة التالية، أحقا ستدفن أمها وتغادر بقلب بارد؟ أم ستنتقم من كل من قام بإيذائها؟ أعليها الإستعانة بأحدهم؟ وابنتها؟
تذكرت ابنتها لتنظر إلى أمير وتردف بنبرة تائهة:
-جود؟
-متقلقيش كويسة.
استندت برأسها على كتفه، بينما هو أشتد عليه الألم لتزداد قبضته على كتفها وهو يحاول أن يقاوم ألمه بينما هي كانت تنظر للاشيء لتشعر بأن الدموع بأكملها تجمعت بداخل عينيها على استعداد للنزول لتحاول المقاومة وتذكرت ذلك القسم في تلك الليلة المظلمة والتي كانت سبب تغيرها الجذري.
شعرت بجسده يتراخى ويستند على السيارة بيده، ابتعدت عنه للفور لتستوعب أنها للتو كانت بين أحضانه ولكنه تناست الأمر حينما رأت تعابير الألم على وجهه لتتساءل:
-حاسس بوجع؟
أومأ لها وهو يتحسس جرحه ليجده تخرج منه الدماء يبدو بأن جرحه قد فُتِح مرة أخرى، لتضع ذراعه على كتفها وتتقدم من السيارة وتجعله يستقلها لتستقل هي الأخرى مقعدها وتقود نحو أقرب مشفى قد يقابلها.
وضعت يدها على جبهته لتجد حرارته قد ارتفعت مرة أخرى لتشعر بالخوف، فهي السبب في الأمر لو لم يأتٍ معها لما كان تعرض لكل ما حدث.
-أنا أسفة أنا.
صمتت وهي لا تجد طريقة تعبر بها عن أسفها، كانت أفكارها مشوشة ولسانها متلعثم لم تكن تعرف ماذا يجب أن تقول أو تفعل تشعر وكأن عقلها توقف عن التفكير بطريقة سليمة وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة للتو.
أردف أمير بصوت خافت:
-اطلعي على البيت.
قادت نحو المنزل ليتعالى رنين هاتفها وتجد المتصل جاسر ولكنها لم تجيب، توقفت أمام منزلها وهبطت من السيارة ليستند عليها ويتقدموا نحو المنزل أتى جاسر من الداخل فهو قد علم بموت جويرية وأتى للاطمئنان عليها حينما لم تجب على اتصالاته ليراها تسند ذلك المختل الذي ألتقى به من قبل ويشتعل غضبا.
أتى حامد مهرولا ليساعدها ويدلفوا سويا للفيلا، لتشهق ريهام وتذهب نحو غرفته لتهيأ له الفراش هاتفت جوليا الطبيب لتجد جاسر يجذبها نحوه وهو يردف بغضب قائلا:
-سيبك من الزفت ده، عندي خبر ليكِ جويرية هانم اتوفت النهاردة الصبح.
نظرت له وكأنها للتو سمعت ذلك الخبر لأول مرة صمتت قليلا بعض المشاعر بداخلها تحركت لتنظر حولها وأعادت خصلات شعرها للخلف لتبتعد عن جاسر وتقول بصوت هاديء كعادتها:
-اتنقلت للمستشفى مش كدة؟
أومأ لها جاسر بتعجب من هدوئها، لتصعد للأعلى حيث غرفتها وتجذب معطف لترتديه وتغادر مع جاسر إلى المشفى لتسقط ريهام أرضا عندما علمت الخبر ليساعدها حامد وتجلس على الأريكة حتى أتى الطبيب بعد فترة وقام بخياطة جرح أمير مرة أخرى الذي غلبه النعاس من الألم والمجهود الذي بذله.
دلفت للمشرحة بخطوات بطيئة ودقائق لا تمر عليها وكأن الزمن توقف أمام جثة أمها، ربما تلك المرة فهمت الأمر أخيرا بأن أمها ودعت تلك الحياة وتركتها بمفردها ربما استوعبت الأمر الذي حاولت تكذبيه.
ليغادر الجميع ويتركها وحدها مع أمها، لتنحني نحوها وتنظر لملامحها للمرة الأخيرة وتقبّلها وقد تمردت دمعة منها لتسقط على وجه أمها ابتلعت لعابها وأزالت تلك الدمعة وهي تقسم بداخلها بأنها ستنتقم من كل من قام بذل أمها في لحظاتها الأخيرة أشد انتقام.
وضعت الغطاء الأبيض مرة أخرى على وجه أمها وودعتها بقلب محترق و وجه جامد وعيون لا تبكي.
غادرت المشرحة ليقترب منها جاسر ويسندها لتبعده عنها قائلة:
-أنا كويسة.
-فين غرفة ملك؟
-تعالي معايا.
تقدمت نحو غرفة ملك لتدلف وحدها للغرفة ولكنها وجدت هند التي ارتجفت وسقطت منها تلك الحقنة التي أتت بها لهنا لتنهي على حياة ملك والتي رأت الأشخاص الذين قاموا بقتل أمها.
جرت هند للباب لتجذبها جوليا من ذراعها نحوها وهي تنظر لداخل عينيها قائلة:
-جيتي للموت برجليكِ.
دفعتها أرضا لتتقدم نحوها وتقف على يدها بحذائها قائلة بنظرة باردة ونبرة حادة:
-مين اللي بعتك؟
كانت هند تتألم بقوة بين يدي جوليا وتحاول إنقاذ نفسها ولكن جوليا لم تسمح بالأمر لتقول:
-قصي؟
لم تجيب هند بل كانت تحاول جذب يدها من تحت قدم جوليا، لتبتعد جوليا عنها وتنهض هند وتكاد أن تغادر مرة أخرى لتجذبها جوليا من خصلات شعرها قائلة بحدة:
-هسأل السؤال مرة أخيرة، مين اللي بعتك؟
لم تجيب لتتركها جوليا وتجري هند لخارج الغرفة، لتهرب على الفور بينما جاسر كاد أن يلحق بها ولكن جوليا رفضت لتعود مرة أخرى لملك وتتفحصها لتجد الكدمات تمليء وجهها.
وضعت يدها بين عينيها في محاولة منها لتخفيف ألم الصداع الذي اجتاحها، فتحت ملك عينيها وهي تنظر حولها ليقابلها السقف الأبيض ومن ثم جوليا التي تقف بجوارها لتحاول النهوض ولكن جوليا تبقيها نائمة، لتتساءل:
-جويرية هانم؟
أردفت بنبرة جامدة:
-توفت.
نظرت لها ملك وهي تتعجب من تلك النبرة وتلك التعابير التي تغطي ملامحها، أحقا هي قاسية القلب لتلك الدرجة لم تكن تتوقع الأمر هكذا.
أردفت جوليا وهي ترفع سبابتها بوجه ملك:
-الشرطة هتحقق معاكِ، مسموح ليكِ تقولي أنهم كانوا حرامية اتهجموا عليكِ أنتِ وجويرية هانم ولكن أنتهى الأمر بمقاومة جويرية هانم وماتت.
-فاهمة؟
غادرت جوليا الغرفة، بينما ملك كانت غاضبة بشدة من تصرف جوليا الغير لائق والغير مناسب لتلك الظروف.
-ليه سبتيها تمشي؟
-عشان هعرف اجيبها بطريقتي.
استقلت السيارة لتردف وهي تنظر للشباك الزجاجي الخاص بها:
-اطلع على الشركة.
قاد لطريق الشركة ولكنه توقف في منتصفه ليهبط ويتركها قليلا بالسيارة تفكر في طريقة مناسبة لجعل قصي يدفع ثمن أخطائه بأكملها.
استقل السيارة مرة أخرى وبيده بعض الأكياس ليضعها بين يدي جوليا قائلا:
-كُلي.
وضعت الطعام في المقعد الخلفي وركزت على الطريق، ليغضب جاسر قليلا ويتوقف أمام الشركة ليهبطا سويا وتدلف للشركة ولكنها أصبحت حديث الشركة بدأ الجميع يتهامس عن سبب تواجدها وأيضا كيف لها الجراءة لترتدي ثياب ملونة وليست بسوداء أليست أمها توفت في صباح اليوم!!!!
اعتادت على الأمر لم يكن أبدا في اهتمامتها حديث البشر عنها، فليذهبوا جميعا للجحيم برأيهم هي لا تعيش من أجلهم فقط تعمل لأجلها ولأجل عائلتها والتي أصبحت ابنتها فقط.
كانت تجلس في مكتبها تتناقش في الأمر مع جاسر قائلة:
-يعني هو عرف إن ممتلكاته اتسجلت باسمي؟
-أه.
-يبقى هو اللي عملها.
نهض جاسر من مكانه ليقترب من جوليا ويحتضنها قائلا:
-أنا عارف إن الأمر صعب عليكِ ولكني جمبك هنا.
ابتعدت عنه على الفور لتقول وهي ترفع سبابتها بوجهه:
-جاسر مش عايزة أي تجازوات منك تاني، احترم المسافة اللي ما بينا لو سمحت.
-أنا بواسيكِ.
-حد قالك إني مستنياك تيجي تواسيني!
-وأتفضل امشي دلوقتي وجهز للدفن بكرة.
نظر لها بغضب بينما هي كانت تنظر للأوراق أمامها، فهي جردت قصي من جميع ممتلكاته أو بالأحرى أمير من فعل هذا هو من قام بطلاقها وأيضا فعل الأمر.
رجعت برأسها للخلف لتنظر إلى الساعة بجانبها لتجدها قد تخطت منتصف الليل لتنهض وتأخذ متعلقاتها وتغادر المكان لتصل إلى المنزل.
كان السكون و الظلام يخيم المكان، دلفت للداخل لتجلس على الأريكة بالأسفل وهي تشعر بألم في أنحاء جسدها.
نهض أمير من فراشه وهو يشعر بتحسن ليخرج من الغرفة ويجدها تجلس على الأريكة ليذهب لها ويجلس مقابلها قائلا:
-تشربي حاجة؟
نظرت له ثم نهضت لتغادر ولكنه أمسك بيدها قائلا:
-مش هتعرفي تنامي لو بقيتي لوحدك، لأنك هتكوني أنتِ وأفكارك بس.
-هحضر القهوة.
أردفت قائلة وهي تذهب لغرفتها:
-سادة.
أبدلت ثيابها ونظرت للمرآة وهي تتحسس وجهها وملامحه الجامدة لتحاول الضحك ولكنها فشلت لتحاول أن تبكي ولكنها فشلت أيضا، لتشعر وكأن مشاعرها اختفت لم يعد بإمكانها الضحك أو البكاء.
هبطت لأسفل مرة أخرى لتجده قد أعد فنجانين من القهوة ليجلسا على الأريكة سويا ولكنه يجلس بعيدا عنها بمسافة كبيرة كافية لنوم أحدهم.
ارتشفت من القهوة وكذلك هو لتبديء إعجابها بالقهوة، ابتسم أمير ليقول:
-بكرة ناوية على إيه؟
-هندفن.
-لو عايزاني أتعامل مع قصي.
رفضت الأمر برأسها لتقول:
-أنا عايزاك في مهمة تانية.
أخرجت هاتفها لتضعه أمامه ليلتقطه وينظر بداخله ليجد به صورة لفتاة شابة، قالت:
-عايزاك تجيب البنت دِ، هي اللي عارفة مين اللي ورا الحادثة.
-وأنتِ عندك شك أنه مش قصي!
-قصي ميخططش كدة لوحده، وخاصةً أنه مش معاه غير شوية ملاليم هيقدر يصرف بيها على نفسه بالعافية في حد كبير وراه.
-وهو نفسه اللي طلب من هند أنها تقتل ملك.
-عايز معلومات عنها.
-كل اللي أعرفه إنها كانت بتشتغل خدامة عند عائلة قصي وهي نفسها اللي قصي خاني معاها وكانت حامل بابنه.
-وإيه اللي حصل للطفل؟
نظرت له لتخيفه نظراتها وتقول بنبرة باردة يستخدمها سفاح أو قاتل:
-أجبرتها على الإجهاض.
صدمة احتلت تعابير وجهه، يعلم بأنها قد تكون قاسية أو لديها قلب ليس لين ولكن لما قد تفعل ذلك الأمر! حاول التغاضي عن الأمر ليبتسم لها متساءلا:
-ليه؟
-عشان متجيش بعد كام سنة وتطالب بنتي بأنها تعترف بإن ده أخوها الغير شرعي فتضطر بنتي تعاني في حياتها.
-أه إذا كان كدة ماشي.
كانت تعلم بأنه يسخر منها ولكنها لم تعييره اهتمام لتتناول مشروبها بأكمله، وتشعر بالألم يجتاح رأسها ليبقى كل واحد منهما يصارع أفكاره وحزنه.
لم تشعر جوليا بنفسها حينما سقطت رأسها على الأريكة لتغط في سُبات عميق هاربة من ذلك الواقع الأليم.
كان يطالعها بصمت ويقترب منها ليعدل وضعية نومها وذهب لغرفته ليجلب غطاء ووضعه عليها كاد أن يرحل ولكنه عاد لها مرة أخرى ليزيح خصلات شعرها بعيدا عن وجهها ليتأمل وجهها قليلا كيف يمكن أن تكون فتاة مثلها بكل تلك القسوة!
فُزِع حينما هتفت ريهام باسمه لينهض على الفور وتصطدم قدمة بالطاولة بجواره ليشعر بالألم وينظر لريهام التي تساءلت:
-هي الهانم نايمة هنا ليه؟ هصحيها.
قاطعها أمير قبل أن توقظ جوليا ليقول:
-سبيها هي لسة نايمة بلاش تقلقي راحتها.
فكرت ريهام قليلا لتوافق على الفكرة وتغادر، بينما هو دلف لغرفته وأخرج هاتفه الذي أغلقه لفترة ليجد الكثير من الاتصالات من طرف كلا من أدهم ونيسان هاتف أدهم أولا الذي أجاب بانفعال:
-لما لم تجيب على اتصالاتي؟
-حسنا، ما الأمر؟
-يبدو بأن الأمر لا يعنيك.
-ماذا حدث يا أدهم لست في مزاج للاستماع لسخريتك.
-حسنا، لقد تم اختطاف تلك الفتاة.
انتفض من مقعده ليشعر بالألم في جرحه ليتساءل:
-وأين هي الآن؟
-بحوزتي.
-ومن قام باختطافها؟
-جوزيف.
-اللعنة! لما قام ذلك المختل باختطافها؟
-لا أعلم، ولكني لم أستطع استجوابه لأن السيدة أكيرا تدخلت في الأمر ودافعت عنه.
-حسنا، انصت لي جيدا.
على الجهة الأخرى،،
كان نيسان تجلس بحوزة جود النائمة، فهي هاتفت أمير لتساءله عن ذلك الأمر وهل حقا أخبر جوزيف ليذهب بها للطبيب أم لا ولكن أمير لم يجيب على اتصالاتها لتهاتف أدهم والذي أجاب على الفور ليأتي لها ويستفسر عن الأمر ويتتبع جوزيف حتى علم بمكانه ليذهب له ويتمكن من أخذ جود منه عنوة ويضربه لتخبر نيسان أكيرا بالأمر لتنهي الاشتباك بينهما وتدافع عن ابنها بأنه لم تكن نيته الخطف بينما جود سقطت مغشية أرضا ليجلبوا طبيب لها والذي كتب لها الراحة التامة لتبدأ جود في كره أمها بسبب إهمالها لها.
___________________________
أتى صباح حزين على كل من كان يحب جويرية، فهي كانت دوما محبة للخير وتسعى لإرضاء الجميع ليجتمعوا اليوم لحضور جنازتها ودفنها تحت التراب ليتساءلوا بغموض عن سبب وفاتها.
أخذت تتحرك يمينا ويسارا حتى فتحت عينيها وتنهض بنصف جسدها لتجد أنها نامت طوال الليل على الأريكة لتشعر بالألم في جسدها وتجلس على الأريكة وهي تفرك رقبتها لعلها تخفف من شدة الألم.
وجدت أمامها ريهام وهي ترتدي ثياب سوداء وتحاول أن تخفي دموعها التي تراكمت مهددة بالنزول، تجاهلتها ونهضت لتردف ريهام بخفوت:
-تحبي تفطري؟
رفضت جوليا الأمر لتصعد لغرفتها، وتلتقط يدها ثوب أسود يصل لبعد الركبة ومعطف من نفس اللون دلفت للمرحاض وأخذت حماما دافيء يرخي عضلاتها ويعطيها مساحة خاصة من التفكير.
كان الجميع يرتدي الأسود حتى أمير الذي أضاف نظارة سوداء على وجهه، واعتلت ملامحه الجمود فهو كإنسان يحزن من أجل تلك السيدة التي توفت ضحية لجبان جاهل يظن بأن الحياة لعبة بين يديه.
هبطت وهي بكامل أناقتها تحمل بيدها حقيبة سوداء لتستقل السيارة وبجوارها ريهام وبالأمام كل من أمير وحامد، تعالى رنين هاتفها لتجيب على جاسر الذي أخبرها بأنهم تحركوا الآن من المشفى في طريقهم للمقابر.
ابتلعت لعابها وأغلقت الهاتف دون أن تتحدث وكأن الكلام عُقِد في حلقها، حاولت أن تبتسم ولكن شيئا ما بداخلها يمنعها يبدو أن شيئا ما بداخلها يشعر بالحزن يعتصر ألما على فراقها.
طلبت منهم التوقف فهي قد شعرت بضيق تنفس مفاجيء لتهبط من السيارة على الفور وتستنشق هواء الطبيعة لعلها تشعر بتحسن. -تحبي تشربي ماية؟
جذبت الزجاجة من ريهام وارتشفت منها وأعادتها مرة أخرى، وضعت يدها على قلبها وهي تربت عليه لعله يهديء لما ينبض بتلك القوة.
شعرت بالقليل من التحسن لتستقل السيارة مرة أخرى ويقود حامد نحو المقابر، كان الجميع قد وصل ولم يبدأوا في الدفن في انتظار جوليا الابنة الوحيدة للمتوفية.
هبطت من السيارة بكامل قوتها وبرودها وكأن الأمر لا يعنيها، مشت بثقة نحو المقابر لتصعد عدة درجات وتدلف للداخل لينظر الجميع لها مستغربين كيف تستطيع أن تصمد بتلك الطريقة.
وقفت أمام جثة أمها لتشير لجاسر بيدها أن يبدأ في الأمر، ليبدأ في دفنها وساعدهم كل من أمير وحامد.
كانت تنظر لهم كيف يضعوا التراب على أمها لتفهم أنها أخيرا فارقت الحياة، ابتلعت لعابها ونظرت للأمام ليبدأ الجميع في تعزيتها حتى أتى قصي بعائلته لتشعر بالحسرة حينما رأته فهو قاتل أمها وبالرغم من ذلك لا تستطيع أن تقبض روحه بيدها.
اقترب منها ليحتضنها هامسا بجوار أذنها:
-ألف مبروك، أقصد البقاء لله.
-خليكِ بصحة كويسة الفترة الجاية لأنك هتحتاجي صحتك أوي.
ليرفع يده نحو وجنتها ومن ثم انتقل لعنقها، بينما هي كانت تنظر لداخل عينيه بجمود وكأنها تخبره بأنها لن تستسلم وتتحداه أن يصمد أمام قوتها.
-أنا قصي الأدهم يعني شوية الملاليم اللي أخدتيها ولا تيجي حاجة جمب ثروة عائلة الأدهم.
وكأنه ألقى نكتة سخيفة لتوه لتبتسم ونفضت ذلك الغبار الوهمي من ثوبه لتقول ببرود وثقة:
-عِشرة سنين ولسة مفهمتنيش يا قصي، أنا مش بسعى ورا الفلوس ولا الموت.
اقتربت من أذنه لتقول بهمس ونبرة مخيفة جعلت قصي يشعر بالقشعريرة:
-أنا عندي ألف طريقة تموتك غير الموت، ده لعب كبار مش هتفهمه.
كان يقف على بُعد منهم يراقب ما يحدث بصمت وتحليل للموقف، ليقترب ويقف بجانبها ونظر لقصي قائلا:
-أعتقد إنك خدت وقت أكبر من اللازم.
نظر قصي له باحتقار ليقف بجانبها، احتضنت سمر جوليا لتقول:
-الأحزان هتنزل على قلبك واحدة واحدة.
لتردف بصوت مرتفع قليلا بنبرة حزن:
-البقاء لله يا حبيبتي.
صافحها علي وهو يدعو لجويرية بالرحمة، ابتسم لها معتز بحزن وهو يقول:
-البقاء لله إن شاء الله تبقى أخر الأحزان.
احتضنها كأخ وكأنه يقول لها أنه بجانبها وسيدعمها لتربت على كتفه وهي تعلم بأنه صادق في كلماته.
صدى صوت القرآن بالمكان ليطهر القلوب ويذكرهم بأن تلك الدنيا فانية وما هي إلا رحلة ستنتهي يوما، لعل منهم من يهتدى.
وقف أمامها رجل يرتدي ثياب سوداء ونظارة تغطي نصف ملامحه ليصافحها قائلا بنبرة حزن:
-البقاء لله.
كان يمسك يدها بقوة وكانت له كامل الحرية ليتأمل ملامحها بدقة من خلف نظارته، ابتسمت له بمجاملة وجذبت يدها منه ليغادر الرجل على الفور.
شعرت وكأنه شخص تعرفه من قبل، لتجري على الفور للخارج وتنظر بالأرجاء ولكنها لم تجده لتشعر بالغرابة وضيق نفس لتشعر بعدم اتزان وكادت أن تسقط لتجد من يحاوط خصرها بيدها ليجعلها تقف باستقامة قائلا:
-يمكنكِ السقوط والاستسلام عندما تكونين بمفردك، ولكن الآن الجميع يراقبك وينتظرون سقوطك.
نظرت له لفترة لتعتدل في وقفتها وتبتلع لعابها وتذهب مرة أخرى للداخل لتأخذ عزاء والدتها، بدأ الجميع يغادر حتى حان موعد رحيل جوليا لتستند على ريهام ولكنها شعرت بهبوط حاد لتصرخ ريهام وهي تحاول أن تمسكها ولكنها وجدت من يحملها على الفور بين يديه التفت يدها حول عنقه وهي تشعر بعدم اتزان تقدم نحو السيارة ليضعها بداخلها.
كاد أن يذهب خلفهم ليقف أمامه حامد قائلا:
-أستاذ جاسر أعتقد مش وقته.
-يلا يا ريهام.
دفع جاسر حامد ليتقدم نحو أمير ويلكمه بقوة، نظر أمير لجوليا التي كانت بين الوعي واللاوعي كان سيرحل بهدوء ولكن جاسر دفعه بقوة ليغضب ويقترب منه ليبدأ في لكمه عدة مرات ولا يعطيه فرصة لتسديد ضربات له.
لتنزف شفتيه وأنفه ويسقط أرضا كاد أن يكمل ضرباته ولكنها هتفت باسمه بخفوت.
ليتوقف على الفور وينظر لجاسر ويتركه ويغادر ليستقل السيارة، ساعد حامد جاسر لينهض ليدفعه وتشهق ريهام وهي تمسك به لتقول:
-هو عملك حاجة؟
-خلاص يا ريهام، اركبي يلا.
استقل الجميع السيارة، ليعودوا إلى المنزل أردف أمير قائلا:
-حضري أكل للهانم.
تقدم من بابها ليفتحه ويساعدها لتهبط من السيارة دلفوا سويا للداخل ليساعدها في الصعود لغرفتها.
-أقفل الباب عايزة أنام.
-تأكلي الأول.
-مش عايزة.
أردف بحدة ليقول:
-خلاص خليكِ ضعيفة كدة.
تركها وغادر ليهبط إلى غرفته وأخذ حماما دافيء يرخي عضلاته ليشعر بالقليل من الألم ويخرج ليضمد جرحه مرة أخرى ويستلقى على السرير بتعب.
بالأعلى،،
ساعدتها ريهام في تبديل ثيابها وقامت بإطعامها القليل، لتتركها بعد فترة حتى تغفو قليلا.
______________________________
مر شهر كامل على الجميع، استعادت جوليا عافيتها وعادت لعملها؛ بينما أمير مازال معها يختفي ليومين أو أكثر ويعود مرة أخرى؛ عادت ملك لتعمل بمنزل جوليا مع ريهام بالرغم من أنها كانت حزينة للغاية من فراق جويرية هانم لتجد صعوبة في التعامل مع جوليا التي عادت أكثر برودا من ذي قبل.
كانت تجلس في الاجتماع تستمع لآراء الجميع، حتى أردفت ميادة لتقول:
-كدة يا فندم يبقى الفرع الجديد مين المدير هناك؟
-مستر جاسر.
-هو فين؟
-بيخلص شوية شغل وهيرجع.
-أتفضلوا كل واحد على مكتبه.
عادت لتجلس على مقعدها الرئيسي ليعلن هاتفها عن وصول رسالة لتراها وكانت من جاسر لتتعجب من مضمونها وتهاتفه ولكنه لا يجيب.
حاولت عدة مرات ولكنه لم يجيب لتجمع متعلقاتها على الفور وتغادر.
-يا فندم هتروحي فين؟
-هات المفاتيح يا حامد.
أخرج المفاتيح لتتلقاها يد جوليا وتستقل السيارة لتذهب نحو منزل جاسر، كان دوما يحب الانعزال لذا اختار منزل بعيدا عن التجمعات قليلا توقفت أمام المنزل لتذهب للأمام وتجده مفتوحا لتتعجب وتخرج هاتفها لتتصل به ولكنه لم يجيب لتستمع لصوت هاتفه من الداخل لتعتقد بأن هناك خطبا ما، تقدمت للأمام ببطء وهي تنظر حولها لتجد الظلام يخيم على المكان ما عدا ضوء بسيط يأتي من النافذة.
جحظت عينيها حينما رأت صورة لها بعرض الحائط وعدة صور لها مع قصي وقد تشوه وجه قصي بالكامل.
انتفضت حينما استمعت لصوت الباب يُقفَل.
.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (جريمة حب ) اسم الرواية