رواية الحصان و البيدق الفصل التاسع عشر 19 - بقلم ناهد خالد
" كلاً منا بداخله خوف وشجاعة بنفس القدر, ونحن من نختار أيًا منهما يتغلب على الآخر"
_ البيت الكبير ونص المصنع خالي أمر انهم يكونوا باسمي، حجي، وابجى عبيطه لو اتنازلت عن حاجه حتى لو كان ليك... او بالأخص لو كان ليك..!!!
ونظرته في تلك اللحظه وتحول ملامح وجهه كان اختباراً لها إما أن تمضي قدمًا، وتكمل إما أن ينتصر خوفها وتتراجع.....!!!
- هتجولي ايه؟ سمعيني تاني أكده؟
تحكمت في رجفتها الداخلية, ولبست ثوب الشجاعة, ورفعت رأسها كرأس الغزال وهي تقول:
- كيف ما سمعت, ولما اعيد كلامي مش هغيره, اللي جولته هو اللي هعمله.
التقط كفها بين قبضته يعتصره بقوة عاصفة, وبرزت أنيابه وهو يهدر بها:
- مش بكيفك, هتمضي على التنازل ورجلك فوج رجبتك.
تحكمت في ألم كفها الذي شعرت وكأن عظامه تُهرس, وقالت بإصرار:
- هو ايه اللي مش بكيفي! متجدرش تمضيني عن حاجة غصب عني, ده أنا اروح اشتكيك في النجطة " القسم " واطعن في الأوراج اللي مجدمها.
- يا نهار ابوكِ طين! أنتِ واجفة تناطحي جدامي! ده أنتِ عيارك فلت ولازملك تتأدبي.
ومع انهاء كلمته الأخيرة كان يهبط بكفه على وجهها بقوة أطاحتها أرضًا, لتشهق بوجع, ولكنها لن تتلقى ضربه في صمت هذه المرة, وخاصًة أن " رباح" معها الآن, ليست معه بمفردها كالسابق, ستعمل بنصيحة "خديجة" و...
- أنتَ بتمد يدك عليا!! يالهووووي... الحجوني يا ناس هيموتني..
وقف مصدومًا وصراخها وعويلها يعلو ويعلو, لم يلمسها بعد سوى مرة واحدة حين لطمها بها, لِمَ تصرخ الآن! وأي موت تتحدث عنه تلك المجذوبة!
- هتصرخي ليه يا بت المجنونة أنتِ!
وما إن انهى جملته حتى وجد "رباح" تفتح باب الغرفة بقوة, وهي تصرخ بفزع:
- في ايه يا فريال؟ مالك يا بتِ؟
تمسكنت أكثر وبكت بقوة, ليس اصطناعًا ولكن اللحظات الماضية كانت عصيبة عليها وشعرت فيها بضغط نفسي رهيب أثر اصطناعها القوة و تحكمها في خوفها أمامه, وأجابت من بين بكائها:
- ضربني ياما لاجل مانا رافضة اتنازله عن املاكي, وكان هيموتني في يده.
صرخ بها وهو يقترب منها:
- بكفياكِ كدب يا....
وقفت أمامه "رباح" مانعة وصوله لها, ودفعته في صدره ليرتد للخلف, وهي تهتف بهِ:
- وجف عندك, ايه هتضربها جدامي كمان اياك!
اتسعت عيناها وكأنها للتو استوعبت ما يفعله, وهتفت وهي تشيح بيدها يمينًا ويسارًا بهياج:
- اتاريك سكت بعد ما هجت كيف التور تحت, رتبتها يا بن رباح؟ حطيت في عجلك إنك هتمضيها تنازل عن اللي ليها, بس لاه, مش هيحصل أنا هجافلك جبل ما هي توجف, حجها محدش هيلمسه, سامع؟
تجمدت ملامحه وقست بشكل مخيف, شكل أشعرها أنها لا تعرفه, وهي حقًا يبدو أنها لا تعرفه! في كل موقف يثبت لها هذا, وإلى متى ستتجاهل؟ وتتأمل في التغيير, هي تتخذ الآن معه منحنى آخر في علاقتهما, لكنها تشعر وكأنه لا أمل, فالشخص الذي أمامها الآن يتجسد وكأنه شيطان! أو كأنه شخص متجبر, قاسٍ لا يعرف الرحمة أو الإنسانية..
ومن بين جمود ملامحه هتف بما جعل جسدهما يتسمر وعيناهما تكاد تخرج من مقلتيها ....
-----------------------------------
بعد أربعة أيام...
اليوم هو يوم زفاف أسطوري, كتبت عنه الصحف ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي, والعنوان الرئيسي كان
" زفاف أسطوري يشهده البحر الأحمر, لأحد أصحاب الطبقة المخملية, العروس المهاجرة...والأعزب الوسيم نجل رجل الأعمال الشهير"
وأسفل العنوان الكثير من التفاصيل في مضمونها:
" الشاب الوسيم, رجل الأعمال الذي أثبت جدارته رغم صِغر سنه, " مراد وهدان" نجل رجل الأعمال الشهير "حسن وهدان", يتخلى عن عزوبيته ويواعد ابنة خاله المهاجرة إلى لندن منذ صغرها, ليصبح حفل زفاف الفتاة الشابة والشاب الوسيم حديث وسط الطبقة المخملية, قبل إقامته حتى, والجميع ينتظر المفاجئات, ويترقب الحفل"
والعروس الآن تجلس في غرفة لم تحلم يومًا برؤيتها من بعيد, غرفة تطل على ساحل البحر مباشرةً بمنظره الرائع , الغرفة مليئة بالتصاميم والورود التي تصنع خصيصًا من أجل العروس, تجلس ترتدي روب أبيض من الستان الفاخر, رُصع عليهِ بماء الذهب جملة " bride خديجة ", وتجلس على كرسي مريح للغاية حتى أنها شعرت تغوص بداخله وأن عظام جسدها ارتاحت بشكل غير طبيعي, وأمامها فتاة المكياج تتفنن في وضع مستحضرات التجميل على وجهها, وهي صامتة, هادئة, بشكل غريب, حتى أن الفتاة حدثتها بمرح متسائلة:
- خديجة هانم اللي يشوفك يقول إنك مُرغمة على الجواز!
ابتسمت لها بهدوء مجيبة:
- لا ابدًا, بس متوترة شوية.
هزت رأسها متفهمة وضعها وأردفت:
- فاهمة طبعًا, واكيد كل العرايس بيكونوا متوترين, ما بالك وحضرتك حفل زفافك هيبقى اسطوري, اكيد قلقانه يحصل فيه حاجه مش مظبوطه أو ميطلعش زي مانتِ متخيلة, لكن ده ميمنعش أبدًا إنك تفرحي ده يوم مبيتعوضش يا هانم.
ارتفع صدرها في تنهيدة قوية, وهي لا تعلم ما بها, لكنها تشعر بكونها في غير مكانها, كل هذا لا يخصها, تشعر وكأنها تُجهز وتُعد لمجرد عرض سخيف أمام الجمهور, ليصفق الجميع ويمدح الحفل الأسطوري الذي يليق بعائلة "وهدان", لكن إن كان عليها فكل هذا لا يعنيها البتة, انتفضت من شرودها على دقات خافتة فوق باب الغرفة, تبعها صوته المميز لأذنها يطلب الدخول بلباقة تليق بهِ أمام الغريبة, لتسمح له الفتاة على الفور فتشعر بهِ يدخل الغرفة, والأخيرة تقول:
- استأذنك أنا بقى يا باشا أنا كده خلصت ميكب, وحضرتك زي ما طلبت محدش يساعدها في الفستان, فالفستان موجود اهو وأول ما تلبسه هتيجي البنت تلبسها الحجاب.
أجاب بكلمة واحدة وعينيهِ ثابتة على التي ما زالت جالسة على الكرسي وظهرها له, كرسيها المطل على شرفة الغرفة ليكن البحر أمامها مباشرًة:
- تمام.
اقترب منها ودقات قلبه تتسابق للوصول إليها ورؤية وجهها, ليس اهتمامًا بمساحيق التجميل التي وضعتها ابدًا, ولكن شوقًا لها, فهو لم يراها منذ ليلة أمس, فقد انشغل في ترتيب أمور الحفل وحرص على هذا بنفسه كي يطمئن أن يسير كل شيء كما خطط له, فهو لن يسمح بأي عشوائية قد تحدث وتتسبب في إزعاج صغيرته.
وقف أمامها لينظر لها بأعين تشع حبًا وولهًا يخصها هي فقط, لمعة عيناه هذه لا تظهر سوى لها هي, ابتسم ثغره برضا وهو يرى ملامحها لم تتغير البتة كما طلب من الفتاة, مكياج بسيط جدًا, فقط يخفي المشاكل الطبيعية التي تكن في البشرة, وكحل ثقيل أبرز جمال عيناها فبدت كعين المها, حتى أحمر الشفاه كان من لون وردي خفيف, احتضن وجهها بكفيهِ تحت نظراتها الصامتة, واقترب مقبلاً جبهتها قبلة طويلة, عبرت عن مشاعره الجياشة نحوها, ثم ابتعد قليلاً يخبرها بابتسامة:
- مكنتيش محتاجة ميكب أصلاً, بس لزوم الفستان والحفلة بقى, بس بردو طالعة زي القمر يا ضيّ.
قطبت ما بين حاجبيها تشعر بالضيق من نعته لها باسم لا تفهم سببه:
- أنتَ بردو مش هتقولي ليه بتناديني بالاسم ده أوقات؟
اجابها بنفس ابتسامته الساحرة:
- حكايه الاسم حكايه طويله قوي، وما تتحكيش في أي وقت كده، ليها وقتها المناسب، فسيبيها لوقتها..
نظرت له بتنهيده وهي تدرك انه ما لم يريد اخبارها الآن إذاً فلن يفعل، لذا تجاوزت هذه النقطه وهي تعاود سؤاله:
_ وليه بتقوله في اوقات معينه؟ يعني مش طول الوقت!
_ ويا ترى انتِ ملاحظه إن امتى بناديكِ بيه؟
سألها بخبث ظهر واضحًا وتراقص في مقلتيهِ لترفع كتفيها حائره وهي تجيب بخجل طفيف:
_ مش عارفه امتى بالظبط، بس يعني في الأغلب بيكون وقتها بتقولي كلام حلو او بتبصلي زي ما بتبصلي دلوقتي....
أردفت الأخيرة وهي تحني رأسها بخجل أحمر له وجهها، لمعت عيناه اكثر سعيدًا في ملاحظتها القويه لشيء كهذا وسألها وهو يقترب برأسه منها لدرجة الخطر:
_ ببصلك ازاي؟
لترتبك بشده ويصيبها التوتر خاصًة وإنه لم يقترب الى هذا الحد المبالغ بهِ من قبل، حتى أن انفيهما كادا ان يتلامسا، لتبتعد هي برأسها تلقائيًا لدرجه تسمح لها بالتنفس، وتجيبه بتوتر ظاهر:
_ مش عارفه.
رحم توترها وارتباكها، ليستقيم واقفًا مره أخرى ليسمح لها بالهدوء، ثم سألها مضيقًا عينيهِ:
_ مالك يا حبيبي!؟ حاسك مش مبسوطه!!
تنظر له الآن مستغربه، كيف لاحظ؟ فهي منذ تحدث معها وهي تحاول قدر المستطاع ألا تظهر له اضطرابها وبؤسها، لكنها لم تنجح وقد استطاع من نظره واحده في عينيها أن يدرك أن بها شيء ما تحاول اخفاءه، ابتلعت ريقها بتردد وهي تحاول التحدث بطبيعيه:
_ ابداً ما في....
قاطعها وهو يقول بتحذير اخافها رغم هدوءه:
_ خديجه! بلاش لف ودوران، لإنك لو قلتِ من هنا للصبح ما فيش حاجه مش هصدقك، فهاتي من الآخر وقولي مالك؟
لا تريد ان تضايقه بحديثها بعد كل ما فعله من أجل أن يكون اليوم يوم مميز لها من وجهة نظره، ولا تريد أن تبخس مجهوده في جعل حفل الزفاف كما وعدها سابقًا "يخطف الانفاس"، ولكن تحت اصراره الظاهر فهي لن تستطيع خداعه بأي حجه كانت فحاولت انتقاء كلماتها وهي تقول بينما تفرك كفيها بتوتر، و ملامحها ظهر عليها الحزن تدريجيًا:
_ مفيش... أنا بس حاسه ان المكان هنا مش مكاني.. حاسه ان كل ده ما يناسبنيش... عارف لما تحس إنك بتحضر حاجه لحد، اهو أنا حاسه كده، ان كل ده مش ليا وما يخصنيش واني جايه احضر المناسبه لشخص تاني...
تنهدت مكملة وهي تسرح بعيناها في منظر البحر خلفه:
_ انا لو في يوم من الايام كنت اتخيلت يوم فرحي عمري ما كنت هتخيله كده... كل ده غريب عليا يا زين، ومش حاسه براحه.. فكرة ان في 100 واحده حواليا بتعمل كذا حاجه عشان تطلعني بالشكل اللي هم شايفينه مناسب، وفي 100 واحد بيظبط الحفله عشان تطلع كويسه، وفي 100 كاميرا وتليفون هيصوروا، وناس كثير هتبقى مستنيه تشوف العروسه اللي كل ده معمول عشانها، ومش أي ناس دول ناس متعودين يشوفوا بنات بيلبسوا وبيتعاملوا زي الفنانين، و زي ولاد الزوات، هيكون رد فعلهم ايه وهم شايفين واحده محجبه وتعتبر مش حاطة ميكب و شكلها عادي.. وهي اللي كل ده معمول عشانها وخدت حد زيك... حتى هويتي كدبه، كله فاهم إن أنا بنت خالك اللي كانت مهاجره بره، وظهرت فجأة عشان تتجوزها، وتعمل لها كل ده.. ازاي وسط كل ده عاوزني اشوف ان انا في مكاني؟! أنا حاسه زي عارضة الأزياء اللي بيقعدوا يجهزوها ويحضروها ورا الستاره عشان في الآخر تطلع تتمشى قدام الجماهير اللي بره، وتعرض نفسها وأهم حاجه انها لازم تعجبهم ويصقفوا ويشيدوا بيها، أنا عارفه انك بتعمل كل ده عشاني قبل ما يكون عشانك أو عشان الناس.... ونيتك صادقه في اللي بتعمله و هو انك تفرحني... عشان كده ما كنتش عاوزه اقول اي حاجه من اللي قلتها دلوقتي.
تنهدت بضيق بعد ان انهت حديثها.. وقد شعرت بأنها لم يكن عليها قول كل ما قالته، فهي ورغمًا عنها لم تستطيع انتقاء كلماتها رغم تحفظها، فالأمر ليس به أي تجميل، وإنما يُشرح كما هو... نظرت له تحاول معرفة رد فعله على حديثها فقد ظل لثواني بسيطه صامتًا فقط، وطالعها بنظرات لم تستطع كشف ما وراءها، حتى خرج عن صمته وهو يلتقط كفيها اللذان تفركهما بقوه، يملس عليهما بحنو، وبدأ حديثه يقول بصدق ظهر في نظرته وعينيهِ:
_ اولاً، كل اللي انا عامله ده لا عشانهم ولا عشاني.. ده عشانك انتِ وبس، فكره البنات اللي حواليكي من الصبح والناس اللي بتحضر الحفله كل ده طبيعي، وأي واحده بتتجوز طبيعي تروح تعمل ميكب، وطبيعي واحده بتلبسها الحجاب وواحده بتلبسها الفستان، وبيصوروا فيها... كل ده طبيعي حتى الناس اللي بينظموا الحفله، برده طبيعي، أي فرح بيبقى فيه ناس بتنظمه... مش شايف فيهم حاجه تخليكي تتوتري او تحسي ان ده مش مكانك! تمام انا معاكي انه الاهتمام زياده والمكان مش أي حد يعمل فرحه في مكان زي ده، بس ده طبيعي يا خديجه! حتى لو ما كانش فرحنا كبير وما كنتش عازم فيه كل الناس كنت برده هعمل كده حتى لو انا وانتِ بس اللي هنحضر.... هعمل كده عشان ده اللي يليق بيكي وده اللي تستاهليه، أما بالنسبه لموضوع إني قلت انك بنت خالي، فده مش ابداً معناه ان مش حابب الناس تعرف انتِ مين، أو شايف ان هويتك الحقيقيه تحرجني لو قلتها قدامهم، او ما تكونش لايقه بيا، عشان عارف ان ده في تفكيرك حتى لو ما قلتهوش.. كل الحكايه ان انا قلت انك بنت خالي عشان اقفل أي باب وامنع أي حد ممكن يحاول يسأل او يدور في حوار انتِ مين وبنت مين ونعرف بعض منين وكل الحوارات اللي ملهاش لازمه دي.. وعشان ما سببش ليكي انتِ اي مضايقه من أي نوع سواء كلمه حد يقولها أو خبر تشوفيه أو تسمعيه، صدقيني كل همي اني اقول انك بنت خالي وكنتِ مسافره بره هو عشانك وعشان أبعد عنك اي حاجه ممكن تضايقك واقفل أي باب ممكن يسببلك إحراج بأي شكل من الأشكال او يعرضك لموقف سخيف...
التقط نفسه بقوه ثم عاد يبتسم لها وهو يقول بنفس الصدق:
_ حالاً لو مش عاوزه الفرح و عاوزه ترجعي القاهره كل اللي عليكِ بس انك تقولي وفوراً، كل ده هيتلغي وهنرجع القاهره ولو عاوزاني سواء في فرح او ما فيش اطلع واقول انتِ مين واقول انك مش بنت خالي، برده حالاً هعملها، عشان كل ده ما يهمنيش لو انتِ مش مرتاحه وانا قلتلك ده قبل كده قلتلك لو انتِ مش عاوزه فرح يحضروا ناس كثير ومش عاوزه حد انا هعمل كده.... خديجه، كل الناس اللي مستنيه فرحنا و كل الناس اللي قاعده بره واي حد ما يهمنيش ابداً، انا كل اللي يهمني انتِ، شوفِ انتِ حابه ايه، وأنا فوراً هعمله.
صمتت لدقيقتين تقريبًا تتخبط بين جنبات الحيره لا تعرف ما عليها ان تقرره، هل تخبره بان الغاء كل هذا هو ما سيريحها؟ ام تتجرأ وتدلف معه لعالمه المختلف تمامًا عن عالمها التي عاشت فيهِ، وتبدأ في الاعتياد على عالم جديد باشخاص جديده وطبقه اجتماعيه اخرى ستلازمها طوال الفتره المقبله ما دامت معه، وبعد حيرتها كان الاختيار الحل الثاني لتنظر له وتضغط بكفيها على كفيهِ الممسكان بها دون وعي وهي تقول:
_ لا تمام كمل الفرح... بلاش تلغي كل ده... يمكن انا بس متوتره يعني زي اي عروسه في اليوم ده ، حتى البنت اللي عملتلي الميك اب قالتلي ان ده طبيعي..
نظر لها بجديه وسألها بتاكيد فقط عن طريق نطق اسمها:
- خديجه؟!
هزت رأس وابتسامه صغيره وهي تجيب:
_ خلاص والله... أنا اكيد متوتره عشان كل ده جديد عليا لكن في الاخر لازم اتعود يعني انتَ نفسك كنت لسه بتقولي من يومين ان بعد كده لو في حفلات اللي هي تبع شغلك لازم هكون موجوده فيها، ككوني مراتك، ولازم اتعود عليها واتعود على ظهوري قدام الناس.
اومأ برأسه مؤكداً وهو يقول:
- فعلاً احيانا في حفلات هكون مضطر انك تكوني موجوده معايا فيها، لانها بتكون حفلات عائليه لرجال الأعمال، وانتِ مش اقل من اي حد هيكون حاضر، بس كمان مش هتكونِ موجوده في كل حفله.... مش حابب انك تظهري قدام الناس كثير... اصلاً حتى في الحفلات اللي بقولك عليها مش حابب تكوني موجودة بس بقولك عشان لو الظروف حكمت.
امالت رأسها بدلال وهي تعقب:
_ بس انا هبقى حابه اني اكون موجوده زي ما انتَ قلت، مش معقول كل واحد هيكون رايح مع مراته وانتَ رايح لوحدك!
حرك رأسه بهدوء متجاهلاً الحديث في هذه النقطه حالياً واخبرها:
_ طب يلا عشان تلبسي الفستان، عشان في بنت هتيجي تلفلك الحجاب..
وقفت معه وهو يجذبها من على الكرسي لتقول باستغراب تسأله:
_ بس الفستان تقيل قوي، انا استحاله اعرف البسه لوحدي، هم فين البنات!؟
نظر لها بتلاعب وهو يخبرها:
_ لا يا حبيبتي ما هو ما فيش بنات... الفستان زي ما انتِ قلتِ تقيل قوي ومقفول من كل اتجاه فمش هينفع تكوني لابسه حاجه، فاكيد مش هسيب البنات اللي تدخل تلبسك الفستان ويشوفوا جسمك..
توترت وابتعدت عنه تقف امامه هاتفه بحيره وهي تنظر للفستان المعلق على مجسم ضخم بجانبها:
_ ايوه بس البسه ازاي؟ ده كان اتنين شايلينه عشان يجبوه هنا!
نظرت له في هذه اللحظه لترى ابتسامه عابسه أدركتها على الفور، فاتسعت عيناها وهي تتراجع للخلف مردده بفزع:
_ لا.. لا ما تهزرش.
ضحك بصوت وهو ينظر لذعرها المتوقع وقال من بين ضحكته العاليه والتي اظهرت" غمازتيهِ":
_ ما هزرش ايه، اومال مين هيلبسهولك؟
حركت رأسها نافيه بتوتر بالغ:
_ لا مش هينفع... مستحيل لا..
تعالت ضحكاته اكثر على كلماتها الغير مرتبه وجسدها الذي يتراجع للخلف باستمراريه تلقائيًا فاخبرها مهاوداً:
_ ما تخافيش مش هبص انا بس هساعدك تلبسيه..
_ زين! انسى...
قالتها وهي تبرق بعينيها وكأنه سيخافها مثلاً؟
الفصل التاسع عشر " تهديد"
الحصان والبيدق
بكِ أحيا 2
ناهد خالد
" كلاً منا بداخله خوف وشجاعة بنفس القدر, ونحن من نختار أيًا منهما يتغلب على الآخر"
_ البيت الكبير ونص المصنع خالي أمر انهم يكونوا باسمي، حجي، وابجى عبيطه لو اتنازلت عن حاجه حتى لو كان ليك... او بالأخص لو كان ليك..!!!
ونظرته في تلك اللحظه وتحول ملامح وجهه كان اختباراً لها إما أن تمضي قدمًا، وتكمل إما أن ينتصر خوفها وتتراجع.....!!!
- هتجولي ايه؟ سمعيني تاني أكده؟
تحكمت في رجفتها الداخلية, ولبست ثوب الشجاعة, ورفعت رأسها كرأس الغزال وهي تقول:
- كيف ما سمعت, ولما اعيد كلامي مش هغيره, اللي جولته هو اللي هعمله.
التقط كفها بين قبضته يعتصره بقوة عاصفة, وبرزت أنيابه وهو يهدر بها:
- مش بكيفك, هتمضي على التنازل ورجلك فوج رجبتك.
تحكمت في ألم كفها الذي شعرت وكأن عظامه تُهرس, وقالت بإصرار:
- هو ايه اللي مش بكيفي! متجدرش تمضيني عن حاجة غصب عني, ده أنا اروح اشتكيك في النجطة " القسم " واطعن في الأوراج اللي مجدمها.
- يا نهار ابوكِ طين! أنتِ واجفة تناطحي جدامي! ده أنتِ عيارك فلت ولازملك تتأدبي.
ومع انهاء كلمته الأخيرة كان يهبط بكفه على وجهها بقوة أطاحتها أرضًا, لتشهق بوجع, ولكنها لن تتلقى ضربه في صمت هذه المرة, وخاصًة أن " رباح" معها الآن, ليست معه بمفردها كالسابق, ستعمل بنصيحة "خديجة" و...
- أنتَ بتمد يدك عليا!! يالهووووي... الحجوني يا ناس هيموتني..
وقف مصدومًا وصراخها وعويلها يعلو ويعلو, لم يلمسها بعد سوى مرة واحدة حين لطمها بها, لِمَ تصرخ الآن! وأي موت تتحدث عنه تلك المجذوبة!
- هتصرخي ليه يا بت المجنونة أنتِ!
وما إن انهى جملته حتى وجد "رباح" تفتح باب الغرفة بقوة, وهي تصرخ بفزع:
- في ايه يا فريال؟ مالك يا بتِ؟
تمسكنت أكثر وبكت بقوة, ليس اصطناعًا ولكن اللحظات الماضية كانت عصيبة عليها وشعرت فيها بضغط نفسي رهيب أثر اصطناعها القوة و تحكمها في خوفها أمامه, وأجابت من بين بكائها:
- ضربني ياما لاجل مانا رافضة اتنازله عن املاكي, وكان هيموتني في يده.
صرخ بها وهو يقترب منها:
- بكفياكِ كدب يا....
وقفت أمامه "رباح" مانعة وصوله لها, ودفعته في صدره ليرتد للخلف, وهي تهتف بهِ:
- وجف عندك, ايه هتضربها جدامي كمان اياك!
اتسعت عيناها وكأنها للتو استوعبت ما يفعله, وهتفت وهي تشيح بيدها يمينًا ويسارًا بهياج:
- تابع الفصل التالي "رواية بك احيا" اضغط على اسم الرواية