رواية دموع شيطانية الفصل السادس عشر 16 - بقلم چنا ابراهيم
ال16• دموع التماسيح.
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
❀❀❀
"تبكين؟ يا ليليث! هل تظنين أن دموعك التماسيح تخدعني؟ أتظنين أنني لا أرى اللعبة التي تلعبينها بي؟ كل هذه العواطف الزائفة لا تغير حقيقة أنكِ شيطان ماكر، وأن حبي لكِ كان مجرد ذكريات."
وفي النهاية أتمنى لكم قراءة طيبة
وفي النهاية أتمنى لكم قراءة طيبة.
❀❀❀
تحذير: هذا القسم يحتوي على مواد حساسة مثل تعاطي المخدرات! يرجى ملاحظة أن هذا الكتاب مخصص للبالغين فقط.
ملاحظة: ميرا لا ترى المشاهد السابقة التي نقرأها من وجهة نظر تميم بنفس الطريقة التي نراها بها نحن، إما أنها تتذكرها جزئياً من ذكرياتها الخاصة أو لا تتذكرها على الإطلاق. لذا، يرجى تذكر أن ذكرياتهما منفصلة عن بعضهما البعض.
❀❀❀
ميرا إسحاق هيلمان
اليوم...
أكتوبر 2019...
تميم.
كارثتي.
كيف يستطيع أن ينام هانئًا أمامي هكذا بعد أن دمر حياتي بأفعال لا يمكن تصورها؟
لم أستطع النوم بعد الكابوس الذي رأيته ليلة البارحة، فقد قضيت الليل أتجول في الغرفة وأنا أنظر من النافذة، وأستمع إلى صوت السفينة الضخم وكأنه مهدئ، وأغفُو بين الحين والآخر.
النتيجة: استيقظت في صباح شديد البرودة بين ذراعي تميم.
كان صباح يوم عانيت فيه من عذاب شديد بعد ليلة قاسية؛ كل جسدي يؤلمني، وأشعر وكأنني قد أصبت بضربة على رأسي. وعندما بدأت أتذكر شيئًا فشيئًا عما حدث ليلة البارحة، تجعد وجهي بسبب التفاصيل.
تكسير الطاولة وضربي لـ تميم وشتمي لكل من حولي واقتيادي بعنف من المكان... أخذت نفسًا عميقًا من شدة الخجل وكأنني أريد اقتلاع رأسي.
كان تميم قد لف ذراعه حول خصري، وأنا قريبة جدًا منه لدرجة أنني كنت أختنق تقريبًا، ولكن عندما حاولت التحرك قليلًا، شدني أكثر إليه. تحرك هو الآخر، لكن عينيه كانتا مغمضتين. بدأت أشعر بالضيق، وحاولت دفعه بعيدًا عني، لكن يده ارتفعت ووضعها على جبهتي وفحص حرارتي.
حدقت في عينيه المغمضتين، وعبست. همهم بصوت خافت "أصبحت أفضل". كان هناك شيء ما يجذبني في هذا الوضع النعاس؛ ربما كان ضعف إرادتي بسبب المرض، أو الشعور بالأمان الذي أمنحه لي اهتمامه بي، أو ربما كانت غريزة الحماية التي استيقظت في داخلي بعد أن شعرت بالوحدة لفترة طويلة.
بالطبع، هذا إذا تجاهلنا أنه هو من تسبب في كل هذا...
دفعته بغضب وخرجت من بين ذراعيه. قلت بغضب "هذا استغلال". كنت جالسة على السرير.
استدار على ظهره وقال بصوت ناعس وخشن "ألححتِ عليّ للنوم معك". رفع ذراعه بصعوبة ونظر إلى ساعته. كان تميم يستيقظ مبكرًا دائمًا، لكنه لم ينم جيدًا منذ أيام، لذلك كان في هذه الحالة. كانت الساعة تقترب من التاسعة.
قلت وأنا أتذكر حالي البائس ليلة البارحة وأشعر بالاشمئزاز من نفسي "مع ذلك، لم يكن عليك أن تستغلني هكذا".
عندما نظر إلى الساعة، عبس وألقى الغطاء عنه ووقف. كان لديه عمل بالطبع، وشعرت بالغضب لأنه لم يهتم بي كثيرًا، لذلك أردت أن أثير غضبه وأنا أجد الفرصة سانحة. قلت وأنا حزينة وأراقبه بتعبير متوتر "لقد وجدت فرصة للاستفادة مني". لم يرد مرة أخرى، بل فتح هاتفه واتصل بشخص ما. كان مظهره مبعثرًا، فقد أجبرته على النوم بملابسه بالأمس؛ كان قميصه الأبيض مفتوحًا زرين وكان ياقته مبعثرة، وتساقطت خصلات شعره على جبهته.
سمعته يقول في الهاتف "سيران"، وعبست. "هل أرسلتي الوثائق بالفاكس؟ جيد. دعيهم يبدأوا المعاملة على الفور. سأستحم وأعود".
وذهب إلى الحمام. كنت أستمع إلى صوت الماء، ولم أخرج من السرير ولم أكن أريد ذلك. استندت بظهري إلى رأس السرير وفكرت في ليلة الأمس وما رأيته. كنت صامتة هادئة، وأشعر بألم في حلقي، لكن عقلي كان صافياً على الأقل، ولم أكن سيئة كما كنت بالأمس.
كانت أفكاري مشغولة بما رأيته ليلة أمس. تذكرت مرة أخرى كل تلك المشاهد الجهنمية من السجن. مرت أمام عيني مرارًا وتكرارًا لحظات استخدام والدي لي كأداة لتحقيق مصالحه الشخصية، وكيف باعني لرجل ما. كان من غير المقبول أن يكون لهذا الرجل الحق في حبسي في زنزانة متى شاء.
انظر إلى هذه الحياة التي استيقظت فيها فجأة!
في الواقع، كلما اكتشفت المزيد، تساءلت عما إذا كان يجب عليّ أن أنسى كل شيء. لقد عانى هذا الجسد والعقل من كل أنواع التعذيب، ولم يسلم روحه من أي ضربة. مسكين.
ربما ارتكبت ميرا خطأً لهذا السبب. لقد كانت يائسة، طُردت وُدِّعت طوال حياتها، وعاشت تحت نير مجموعة من الأشخاص الوحوش باسم "العائلة"، وغُسِل دماغها وتعرضت لكل أنواع الاستغلال. ربما أرادت الاستفادة من حب تميم لها عندما قابلته. ربما أرادت الاستفادة من كونه محاميًا، وواجهت عائلتها به، وتسببت في ضرر كبير لكليهما.
مهما قال الناس، ومهما زعم تميم أن الخدعة التي تعرض لها كانت عميقة وشريرة، فإن ميرا فعلت ما كان عليها فعله من أجل نفسها. ربما فشلت، وربما وجدت نفسها في ورطة مع تميم بدلاً من التخلص من عائلتها وبوراك، لكنها على الأقل حاولت.
موضوع العائلة يؤلمني حقًا. عندما سمعت بموتهم لأول مرة، شعرت بألم شديد في قلبي. شعرت بالذنب، وشعرت بالعجز لأنني فات الأوان، ولكن الآن وبعد أن علمت أنهم كانوا أشخاصًا فظيعين يستحقون الموت، شعرت ببعض الراحة.
الحمد لله، إنهم جميعًا في جهنم الآن. بفضل تميم...
ولكن هذا لا يعني أنني ممتنة له، فالتعامل مع شخص واحد أسهل بكثير من التعامل مع ثلاثة أغبياء.
فتح باب الحمام وخرج منه تميم وهو يلف منشفة حول عنقه، وكان صدره العاري ويرتدي بنطلونًا أسود. كان يمسح شعره بمنشفة. كانت عينيّ عليه منذ البداية، لكنه لم ينظر إليّ، بل أخذ حقيبته وفتحها وأخرج قميصًا وسترة. وبينما كان يدير ظهره لي، اضطررت لرؤية ظهره العاري مرة أخرى.
نفس الندبات، كما لو أنها رسمت على لوحة. كانت تغطي ظهره بالكامل. أعتقد أنني سأصاب بالصدمة في كل مرة أراها، كما لو كانت المرة الأولى. من المستحيل التعود على مثل هذا المنظر.
قال وهو يرتدي قميصه الذي ستر الندبات "سأطلب إرسال الفطور". وأضاف بشكل خاص "مع أدويتك". "تناولي الطعام جيدًا واشربي دوائك".
كنت أنظر إليه بتعبير شارد. سألت "أين ستذهب؟". لم يرضني جوابه "لدي بعض الأعمال". كان يرتدي سترته بالفعل.
"سيران معجبة بك"، قلت فجأة، وكانت نبرة صوتي تحمل شيئًا من غيرة الأطفال وحقدها. لم أكن على ما يرام.
قال ببساطة "أعلم". لم يبدِ أي اهتمام.
أذهلتني إجابته للحظة. "هل كنت تعلم؟ هاه... ومع ذلك-"
قاطعني قائلاً "ومع ذلك لا يهمني".
ضممت ذراعيّ أمامي تحت الغطاء. سألت بإلحاح "ما مدى احترافيتك في العمل مع شخص معجب بك؟".
قال "إذن سأضطر إلى طرد نصف الموظفين لدي."
توقفت للحظة ونظرت إليه بجدية وغضب، وهو ينظر إليّ الآن. قلت "أنت أناني، لكن ليس إلى هذا الحد".
ابتسم، وكانت ابتسامته تعني الكثير.
كان قد انتهى عمله هنا، وتوجه نحو الباب. صرخت خلفه بغضب "سأتناول إفطاري بمفردي في غرفتي، لكنك ستذهب لتناول العشاء مع سيران في المطعم، أليس كذلك؟" في الواقع، حتى لو طلب مني الانضمام إليه، لما ذهبت. المسألة ليست كذلك على الإطلاق.
"توقفي عند هذا الكلام. أولاً، أنتِ مريضة ويجب أن تبقي في الغرفة وتستريحي. وثانيًا، لن أكون مع سيران وحدها بل مع زملائي في العمل".
نظر إليّ كما لو كان يقيس مدى فهمي لحالته، لقد كان غريبًا عليه هذا الغضب والسلبية مني. كان على وشك المغادرة، لكنه توقف بعد بضع خطوات وعاد.
وقال وكأنه مرتبك "لماذا تزعجك سيران هكذا؟ لا تخبريني أنك تشعرين بالغيرة".
لم أكن أملك أي رغبة في التظاهر بالقوة أو اللامبالاة. قلت بصراحة "إنها تزعجني لأنك تتصرف بلطف شديد معها وأنت تتعامل معي بشكل سيء، رغم أنك كنت تحبني في السابق".
عابسًا، لاحظ أن عينيّ بدأت تدمعان، لكنه لم يتمكن من منع نفسه من القول "ليست سيران هي من خانتني، أنتِ من خانتني ميرا".
ساد صمت قصير وتبادلنا النظرات. كانت هناك الكثير من الكراهية. كنت حساسة في تلك اللحظة، ومريضة، ولم تنخفض حرارتي تمامًا، وشمل ذلك نيران الغضب داخلي. لم أرد أن أبكي أمامه. قلت بغضب "اذهب إذن".
أصبح نظره قاسياً وثابتًا عند سماعه كلماتي، وأمسك بمقبض الباب بقوة. شعر بالتوتر لكنه لم يفعل شيئًا، ثم استدار وغادر و أغلق الباب بقوة خلفه.
لو كنت عشت ما عشتهُ لجننت أنت أيضًا وتستخدم أي شئ يأتي في طريقك.
ربما لم يكن تميم على علم بما فعله بوراك بي.
ولم أعد أستطيع مساءلته عن التفاصيل التي أتذكرها من الماضي. كان يجب أن لا يعرف تميم أنني ما زلت أتذكر، كان عليّ أن أصمت وأأكل قلبي. علاوة على ذلك، كانت كلمات رجلٍ متلاعبٍ مثله سامة مثله، لم أكن لأثق به.
وبعد رحيله، عدتُ وحدي إلى عالمي الداخلي. ربما يكون أشد العذاب هو أن أكون حبيسة عقلي.
فكرت كثيرًا في عائلتي، وسجني، ورسالة ميرا، والرجل الذي ذكر في الرسالة. ثم جاء أحد الموظفين بوجبة إفطار، وانتظر بجواري للتأكد من أنني تناولت أدويتي. لم يكن لدي شهية كبيرة، أخذت قليلًا من هنا وهناك في طبقِي حتى لا يشكو مني إلى تميم، وتظاهرت بأنني أكلت شيئًا ما، وفي النهاية خدعته ورميت الدواء مرة أخرى تحت لساني وأرسلته بعيدًا.
لم أكن سأتناول الدواء مرة أخرى. كنت أعرف الآن أنه لن يقتلني، لكنني لم أرد شفاءً منه، إصرارًا أو بسبب انعدام الثقة العميق، لا أعرف، ألقيت الدواء مباشرة في المجاري. وتساءلت لفترة. أتمنى ألا ترتفع حرارتي مرة أخرى.
نهضت من الفراش، كان الجو بارداً، واستمتعت بدش دافئ. ارتديت بنطالاً قماشياً وبدي أسود ضيق. أحذية، وهكذا، كنت مستعدة، ربما كنت عادية للغاية مقارنة بالنمط العام للركاب على متن السفينة، لكن هدفي لم يكن مطلقًا الوصول إلى مستواهم، أردت فقط العثور على ذلك الرجل.
هل كان خليل بن شالوم أم ماذا؟ سأبحث عنه بينما كان تميم مشغولاً.
كنت متأكدة الآن من أنه هو الرجل الذي تحدثت عنه ميرا في الرسالة، وكان هو الشخص الوحيد الذي يمكنه مساعدتي، وعلى الرغم من أنه سيجدني في الوقت المناسب، إلا أنني كنت بحاجة إليه. كنت بحاجة إلى تأكيد، إلى طمأنينة، على الأقل، إلى أن يقول لي "نعم، أنا ذلك الشخص".
لم أكن أعرف أين سأجده بين كل هؤلاء الناس، لكني أردت أن أحاول حظي. بدأت بالتجول في الممر؛ الهدف هو تجنب الصالات والتنقل في الردهة واللوبي وبعض الأماكن الأخرى. ربما ذهب لشرب شيء ما في بار الطابق العلوي، أو ربما كان في حمام السباحة في الطابق السفلي أو في صالة البلياردو. على أي حال، كان أفضل من الجلوس مكتوفة الأيدي.
في النهاية، صادفت موظفًا شابًا، وقلت له "عفواً"، "كنت أبحث عن شخص ما... خليل... إبراهيم بن شالوم إذا لم أكن مخطئة". نظر إلي الشاب بنظرة غريبة، لم أفهم ما إذا كان يحاول تذكر الاسم أم أنه متأخر قليلاً. في النهاية، بدأت أصفه بفارغ الصبر، "رجل طويل القامة، أسمر البشرة، في الثلاثينات من عمره، عيون كهرمانية، شعر أسود..."
"آسف"، قال، "لقد انضم إلى هذه الرحلة أكثر من 1600 مسافر، من المستحيل أن أتذكرهم جميعًا. ولا أتذكر أي شخص يتطابق مع وصفك".
اضطررت للتجول، وسأبحث في كل مكان واحدًا تلو الآخر. على الرغم من أن هذا كان صعبًا برأسي الثقيل، إلا أن تميم نادرًا ما يبتعد عني، وكان عليّ استغلال ذلك. قضيت بعض الوقت في التجول في أرجاء السفينة، واعتبرت كل رجل أراه من الخلف يشبهه، وتابعته وقطعته. لم يكن هناك. لا في صالات الطعام ولا في الردهة ولا حتى حول حمام السباحة... إما أن يكون تميم قد علم به وأرسله إلى الجحيم منذ فترة طويلة، أو أن الرجل يتجنبني عن قصد. على الأقل، آملت في قرارة نفسي أنه لا يزال على قيد الحياة، لكنني في النهاية استسلمت.
كان يومًا كئيبًا وباردًا، وأخذت قسطًا قصيرًا من الراحة معتمدة على سور السفينة الجانبي، وأنا أشاهد البحر الأزرق الغامق المتلاطم بحزن.
لو كان لدي سيجارة لولعت بها في تلك اللحظة وأنا أشاهد البحر. عادت عيني إلى هناك، إلى المتعة على سطح السفينة، شعرت بالكثير من الانعزال والوحدة في تلك اللحظة بالذات. كان من السهل جدًا في السابق إلقاء اللوم على تميم فقط... كانت لدي حياة جميلة وتميم أخذها كلها مني، هذا كان بسيطًا، وكانت المعادلة تحتوي على مجهول واحد فقط، لكنني الآن في متاهة لا نهاية لها لا أستطيع الخروج منها. كانت لعبة ملتوية مشكوك فيها حول من هو جيد ومن هو سيء؛ ولا أستطيع أن أقول إن تميم أنقذني منهم، بل أتمنى لو أن تميم لم يخرجني من ذلك المكان أبدًا.
أي جحيم أفضّل، لا أعرف، من ناحية عائلة كبيرة ورجل مجنون، وخطيبي المفترض، ومن ناحية أخرى ربما يكون شخصًا واحدًا مرعبًا بما يكفي ليواجههم جميعًا... هم جميعًا سيئون وقاسون؛ أحدهم يربط حبلًا بيدي والآخر بقدمي، ويلاعبني كما لو كنت دمية.
لا أعرف. أينما أنظر أرى الجحيم.
وبالحديث عن النظر، كنت أقف خارج السفينة لكن الداخل كان مفصولًا بزجاج، ولفت انتباهي شخص مألوف جدًا على بعد بعيد.
داوود.
كان قد التفت ووقف أمام باب، وبدا شكوكًا وهو يفعل ذلك. حدقت فيه وأنا أتابع ما يفعله، انحنى ولعب بالقفل قليلاً ثم فتح الباب دون مفتاح.
بالطبع، لا يمكنني السماح له بالعبث بمفرده، قبل أن أفكر وأتخذ قراري، كانت قدماي قد تجاوزت كل تلك المسافة دون إرادتي، ووجدت نفسي بجانبه في غضون ثوانٍ. كان على وشك الانزلاق إلى الداخل بعد أن فتح الباب، وعندما رآني وهو يبحث حوله، تراجع فجأة وسقط ظهره على الباب ولفظ كلمات نابية.
"يا أمي..." عندما رأى أنني واقفة أمامه، أشاهد غبائه، رفع حاجبيه واستعاد وعيه على الفور. "ماذا تفعلين هنا؟"
نظرت إلى رقم الغرفة على الباب الذي يستند إليه. وهمست بسخرية "أعتقد أنك دخلت الغرفة الخطأ"، "لمن هذه الغرفة؟ لماذا تدخل سرا؟"
صرخ غاضبًا "ماذا يهمك؟" ثم أضاف "ومن أنتِ لتتجولي وحدك في الخارج؟ هل لديك إذن للتجول في الخارج؟"
كنت في حالة مزاجية جيدة جدًا حتى سمعت هذا الكلام، لكن سلوكه أثار أعصابي على الفور. "أنا بالغة يا أحمق. هل أنا طفلة حتى أحتاج إلى إذن؟ ألا يمكنني التجول وحدي؟"
ضاقت عيناه السوداوان ونظر إلي بشك. همهم قائلاً "بالتأكيد أنتِ تبحثين عن متاعب مرة أخرى"، ومد يده وأمسك بذراعي ودفعني للخلف برفق لأبتعد. "اذهبي إلى غرفتك."
فوجئت بما حدث في البداية، لكنني تفاعلت في اللحظة الأخيرة ودفعت يده بعنف. "أبعد يدك!"
عندما قاومت، دفعني مرة أخرى، وهددني قائلاً "اذهبي قبل أن أخبر تميم!"
لم أتوقف، بل دفعته أيضًا، ولم يتوقع هذه الحركة العدوانية مني، ففقد توازنه للحظة واصطدم بظهره بالباب. "ستخبر تميم؟" كررت بغيظ. "ماذا سيفعل إذا علم أنك تتسلل إلى غرف الآخرين على السفينة؟"
تفاجأ بجرأتي، وحضر إليّ على الفور وأمسك بذراعي مرة أخرى وجذبني إليه. "من تهددين؟" سألني وهو يحدق في وجهي مثل حيوان مفترس مستعد للهجوم في أي لحظة.
ظننت أن أصابعه ستمزق ذراعي، وتجعد وجهي من الألم. صرخت بغضب، "يا كلب الشارع عديم الحياة، اذهب إلى الجحيم وافلت ذراعي!" و في لحظة ما تمكنت من التخلص منه. تراجعت على الفور وكنت على وشك إلقاء أي شيء أجدُه عليه، لكن داوود انصرف عني، ونظر إلى مكان ما بعيدًا.
قال "لعنك الله!" بسبب ما رآه أو من رآهم. لم أكن أنظر، وكنت أتجه نحو الحائط المقابل لأسقط اللوحة، ولكن فجأة أمسك بذراعي وسحبني للخلف، ومنعني بأصابعه من الصراخ الذي كنت سأطلقُه بشكل انعكاسي.
قبل أن أفهم ما يحدث، وجدت نفسي مسحوبة إلى داخل الغرفة التي كنا نتشاجر فيها. أغلق داوود الباب خلفنا، لكنه لم يتركني، بل استمر في سحبي خلفه إلى غرفة النوم.
قال بهدوء قدر الإمكان "أنتِ أحمق!"، "كنت سأنهي عملي وأخرج الآن! لماذا تتبعيني؟"
حاولت جاهدًا أن أتحرر منه، لكنني تمكنت من ذلك فقط عندما أراد هو ذلك. كنت ألهث، وكنت مرعوبة لدرجة أنني لم أستطع حتى أن أسأله عما يحاول فعله. كان داوود يفتش الغرفة بجنون، يفتح الأبواب والخزائن، وفي النهاية لم يجد أيًا منها آمنًا وعاد. بينما كنت أنتظر أن يمسكني مرة أخرى، استعددت للهجوم، لكنني لم أستطع فعل أي شيء، أمسك بي داوود بسرعة وجذبني نحو السرير وأجبرني على الانحناء.
قلت بغضب "ماذا تفعل؟" كنت أحاول المقاومة لكنه كان يحاول بكل قوته أن يدفعني تحت السرير. كنا سنختبئ تحت السرير!
قال بغضب أيضًا "اسكتي وادخلي رأسك!" ودفعني بقوة تحت السرير. وبعد قليل جاء هو أيضًا بجواري.
كنا نجلس تحت السرير، في الظلام والغبار، مثل اثنين من الأغبياء. نظرت إليه بدهشة، ولم أعد أعرف ماذا أقول. سمعنا صوت باب يفتح.
ربما كان داوود قلقًا من أن أصدر صوتًا، فأمسك برأسي بإحكام في ذلك المكان الضيق وهمس في أذني "لا تصدر أي صوت!"، "إذا أمسك بنا تميم، فسيقتلنا كلينا!"
قلت برعب "أنت من أحضرني إلى هنا!"
قال "الآن لا يهم من أحضر من، إذا خسرت سأخسركِ أنتِ أيضًا!"
أنظر إلى ما وصلت إليه بسبب فضولي! لقد جننت! هل كل خطوة أخطوها خاطئة؟
نظرت بسرعة حولي من تحت السرير بقدر ما أستطيع. كانت الغرفة مطابقة لغرفتنا، نفس الديكور، نفس السجاد الأحمر، الكراسي الجلدية، الجدران البيضاء، الخزائن الخشبية. كم كنت غبية! ماذا سيحدث إذا علم تميم؟ هل هذا مهم جدًا بالنسبة له؟
همست وأنا أستمع إلى أصوات الأقدام "إلى غرفة من أدخلتنا؟". كانوا يقتربون، شخصان، وسرعان ما ظهر زوج من الأحذية الجلدية السوداء وحذاء بكعب أبيض في مجال رؤيتنا.
قبل أن يجيب داوود، سأل الرجل "أرسلت الفاكس بالوثائق أليس كذلك؟"
زهير...
وسيران التي أجاب: "نعم سيدي".
أصبح زهير شريك عمل لـ تميم الآن، وقد بدأوا مشروعًا مهمًا معًا، وكنا نحن الاثنين أغبياء نجلس في غرفة زهير، تحت سرير زهير، نستمع إلى محادثاته الخاصة. نعم، كان هذا عملًا سيئًا ومخزياً سيقوض ثقة زهير بـ تميم بالتأكيد، وسيضع تميم في موقف غريب في مجال أعماله.
في العادة، لم أكن أهتم كثيرًا، لكن الأمر يمسني في النهاية، فسيعرف تميم بهذا الهراء بسبب داوود.
قال زهير "رائع"، وألقى ربطة عنقه على السرير، فوصل طرفها إلى مجال رؤيتنا.
عقدت حاجبي ونظرت إلى داوود رأيت نفس التعبير على وجهه، عيناه متسعتان وشفتاه مفتوحتان بدهشة.
"أصبح تميم ملكك سيدي."
قال زهير "أبلغِ السيد طلال أيضًا"، وكانت النظرات تتبادل بين الحذائين.
"بالطبع سيدي."
اقترب منها قائلاً "وتوقفي عن قول سيدي يا سيران، نحن لسنا بين الناس"، وصارا متلاصقين.
أطلقت ضحكة خجولة قائلة "عادة لغوية"، وأضافت "كنت أعتقد أنك تحب أن أخاطبك بسيدي".
قال "وأنا أحب أن تناديني باسمي".
لم أفهم فجأة كيف اشتعلت الأجواء بهذا الشكل، فقد بدآ في المداعبة والتقبيل. ظننت أن عيني ستنفجر عندما انتقلا إلى السرير. التفت إلى داوود لأطلب منه إنهاء هذا المشهد، لكني وجدته غارقًا في أفكار عميقة. دفعتُه بكتفي لتحذيره، التفت إليّ.
حتى لو تحدثنا بصوت عالٍ، لما استطاعا سماعي على الأرجح، لكني همست بصوت خافت مفزوعة "إنهم يمارسون الحب!".
عبس وتجهم. وعندما شعرت بالسرير يهتز، غطيت أذني. لم أكن أريد أن أستمع إلى هذا الصوت المزعج. شعرت برغبة في التقيؤ في تلك اللحظة.
كأنما لم يكن لدي ما يكفيني من الصدمات، أي موقف هذا الذي وجدت نفسي فيه!
ساعدني سد أذني قليلاً بالتأكيد، لكني اضطررت لتحمل ذلك العذاب لدقائق طويلة. كنت ملتصقة بالأرض أسفل السرير الذي يمارسان فيه الحب بشغف، وكأنني أريد أن أدفن رأسي فيها كطاووس، ولم أجرؤ على فتح عيني خوفًا من رؤية شيء ما عن طريق الخطأ.
لحسن الحظ، لم يستمر الأمر طويلاً، يبدو أن زهير ليس بنفس الكفاءة في حياته الجنسية كما هو في عمله. ولم أسمع الكثير من حديثهما، وكنت مشغولة بالتفكير في أن أتمنى لو طلبت من داوود أن يضربني ويغميني، ولم أدرك أن الثنائي قد غادرا السرير للذهاب إلى الحمام إلا عندما خرج داوود من تحت السرير.
هرعت خلفه على الفور، خوفًا من أن يتركوني هناك إذا تأخرت. ولم يكن داوود صبورًا بما يكفي لانتظاري حتى أخرج بشكل صحيح، بل أمسك بياقة قميصي وسحبني من تحت السرير وجعلني أقف. كنت مستعدة للصراخ عليه أو حتى ضربه، لكنني سمحت له بسحبني من الغرفة بهذه الطريقة دون أن أصدر صوتًا. لقد كان سريعًا بما يكفي حتى أنني كنت سأشكره.
أخيراً، تمكنا من الخروج من تلك الغرفة في اندفاعة واحدة. بمجرد أن تركني، اتكأت على النافذة المقابلة واستنشقت الهواء النقي بعمق في رئتي. كنت قد عشت صدمة لا أنساها أبدًا، حيث كنت أخشى حتى التنفس تحت ذلك السرير القديم، وشاهدت ما لا يمكنني نسيانه.
قلت وأنا أتنفس بصعوبة "مقرف". كنا في الممر، لكنني كنت أستطيع رؤية البحر من خلال الجدار الزجاجي بيننا.
كان داوود صامتًا، رأيته بهذه الجدية والتأمل لأول مرة، كان يقف جاحظًا حاجبيه وكأنه يتتبع الأرانب في رأسه. كان يزن شيئًا ما في ذهنه، ويضع القطع في مكانها، ثم التفت فجأة وبدأ في المشي بتلك النظرة القاسية على وجهه. تابعته بنظري.
بصراحة، كنت أفضل ألا يخبر تميم بأي شيء، وأفضل أن يتورط زهير في مشكلة مع تميم، فكل شيء ضده كان في صالحي، لكنني لم أستطع إقناع داوود بالسكوت. ربما لو سألته فقط، لرمى بي في البحر.
وكنت أفكر في الأمر عندما توقف داوود فجأة في منتصف الطريق وعاد. كنت أتابعه بتعجب وهو يتجه نحوي، وبعد بضع خطوات كبيرة، وصل إلي وأمسك بذراعي مرة أخرى.
قال وكأنه تذكرني للتو "سيري أنتِ أيضًا". لقد نسيني تمامًا منذ لحظة.
لم أعارض سحبه لي هكذا، أردت معرفة ما يحدث. قلت بهدوء "هذه المرأة التي تدعى سيران، أليس هي المحامية الشخصية التي تتولى الشؤون القانونية لشركات تميم؟"
كان داوود في عجلة من أمره، كنا نسير بسرعة في الممرات ونصعد الدرج. استغرق الأمر بعض الوقت حتى يتجمع ذهنه، وقال بتشتت "إنهم يتآمرون معًا ضد تميم". "لقد كان فخًا من البداية. طلال متورط في الأمر."
سألت حائرًا "طلال؟" لم أسمع بهذا الاسم من قبل.
قال داوود بازدراء وكأنه يبصق "رئيسنا السابق". "كان سيتعاون مع زهير ضد طلال، لكن يبدو أن زهير كان قد باع نفسه بالفعل".
سألت على الفور فمي مفتوحًا "أي نوع من التعاون؟" لكني لم أحصل على جواب.
وصلنا إلى الغرفة رقم 207، فتح داوود الباب بسرعة ودفعني إلى الداخل وقال "ابقِ هنا". "ليس لدي وقت لأتعامل معكِ أيضًا".
كان على وشك الانصراف عندما صرخت فجأة "انتظر!" أمسكت الباب قبل أن يغلق. "انتظر داوود، لدي شيء لأقوله!"
توقف وقال ببرود "ماذا هناك؟" كان واضحًا أنه يريد المغادرة في أسرع وقت ممكن.
جمعت أفكاري وقررت ما سأفعله. قلت وأنا أتردد في الكلام "ما سمعناه هذا... لا تخبره به تميم".
عقد حاجبيه وسألني وكأنه لم يفهم "ماذا قلتِ؟" بدا وكأنه وثق بي للحظة، واعتقدنا أننا في نفس الفريق، ولكن كان الأمر كما لو أنني ذكرته بمن أكون. رأيت فكه يتشنج عندما أدرك ذلك، ونظر إلي نظرة مليئة بالكراهية ثم التفت حوله سريعًا قبل أن يدفعني إلى الداخل ويتبعني. وأغلق الباب بقوة خلفنا.
قال وهو يتقدم نحوي "ماذا تفعلين مرة أخرى؟" تراجعت إلى الخلف. كان داوود يدرك كل شيء، وضحك بسخرية. قال "بالطبع أنتِ تريدين أن يتورط تميم في مشكلة"، بدا غاضبًا من نفسه لأنه وثق بي. "كل هذا التغيير الذي حدث لكِ كان مجرد تمثيل، أنتِ لا تزالين نفس العاهرة!"
شعرت للحظة بالقلق من أنني أخطئ، لكنني كنت متأكدة من أنني على حق مهما حدث. قلت "لن تخبره بأي شيء!" وأخذت الأمور إلى مستوى آخر.
نظر إلي بدهشة من جرأتي. قال "اذهبي، هل جننتِ أم ماذا؟" بدا وكأنه يتساءل عن سبب ثقتي بنفسي.
"أنت تكرهني وأنا أكرهكم"، عندما قلت ذلك توقف مرة أخرى. "ألا تريد أن يتخلص تميم مني؟ صدفة، أنا أريد الشيء نفسه. ما أقوله هو أن تتعاون معي، لنستفد من لعبة زهير الخبيثة ونخرج تميم بأقل خسارة ثم ننفصل. أنت تذهب مع تميم وأنا لن أظهر أمامكم مرة أخرى".
انتظرت. انتظرت دقيقة كاملة لأرى إن كان سيرد، أو سيغضب ويذهب، لكنه بقي واقفًا. جعلني هذا أفكر للحظة، ربما هناك احتمال أن نكون في نفس الفريق، بعد كل شيء، حياة تميم بدوني ستكون أفضل، لكن سرعان ما استدار نحوي بجسمه الطويل وحركة بطيئة، وكان تعبير وجهه كافيًا لإعطائي إجابتي.
كان يكرهني بالتأكيد. يكرهني من أعماقه. كان يحدق بي بعينين عابستين، ليس بغضب هذه المرة، بل وكأنه يتساءل كيف وصلت إلى هذه الحالة.
سألني بدهشة "ما نوع المرأة التي أنتِ عليها؟"
أجبت دون تردد: "أنا امرأة تحاول البقاء على قيد الحياة". "قد أكون أنانية، لكنني على الأقل لست وحشًا مثل تميم. في هذا السيناريو، لن يتضرر تميم، بل سنفعل ذلك من أجله. ما الخطأ في ذلك؟ هل تفضل أن يضيع تميم حياته من أجل الانتقام؟ هل تريد أن يقضي سنوات وهو يكرهني؟"
اقتربت منه خطوة واحدة عندما سكت. وقلت بكل إخلاص "داوود، ساعدنا". "لا تعتبر ذلك خيانة لـ تميم، بل ستنقذه من هذا العبودية".
"أنتِ لا تزالين تريدين طعنه في ظهره"، قال وهو لا يفهم كيف لا أتعلم من أخطائي.
سألته "كنت ستفعل أنت نفس الشيء؟ بعد كل ما فعله، هل كنت ستجلس وتشاهد؟ بعد أن كان لديك اسم، حياة، شخصية، وبعد أن جعل منك دمية يتحكم بك، وسرق روحك وشخصيتك ومستقبلك، هل كنت ستظل مخلصًا له؟ ولماذا؟ فقط لأننا كنا معًا في الماضي؟ فقط لأنه أحبني ذات مرة؟ هل أستحق كل هذا؟"
توقف، وظهر تعبير فارغ على وجهه. فتح فمه وكأنه سيقول شيئًا، شيء ربما كان سيغير رأيي، لكنه تراجع. لعنة! تراجع وأغلق فمه.
ابتسم ابتسامة ساخرة. أنحنى برأسه ابتسامة مزيفة وقال "إنه لا يفعل شيئًا بلا سبب". "في البداية كنت غاضبًا من تميم، تساءلت لماذا لا ينهي الأمر، لو كنت مكانة لوضعتك تحت التراب منذ زمن بعيد، لكنني أفهمه الآن. عندما أرى أنكِ تتألمين وتعانين وتضيعين، أقول لنفسي، يا إلهي، هناك شيء أسوأ من الموت: هو عدم اليقين. هو أن تضيعي مثلما ضعتِ أنتِ".
بقيت واقفة مذهولة أمامه. بردت ملامحه، ووجه إلي نظرة عدائية. "مهما حدث لكِ لن أشفق عليكِ. أنتِ تستحقين أسوأ من ذلك، ميرا. أنتِ شيطانة لا تستحق الرحمة".
ابتلعت ريقي بصعوبة، شعرت أن أظافري ستغرس في راحة يدي من شدة قبضتي، ولم أستطع منع دموعي من التدفق مرة أخرى. شاهد داوود كل هذه التغيرات التي طرأت عليّ لكنه لم يهتم، كان سيتركني هكذا.
لم أسمح له بذلك، ومسحت أنفي وقلت بهدوء "أنت أيضًا خنزير أحمق". "مهما حدث، ستظل كلبًا لـ تميم. اذهب إذًا ولحس قدميه حتى تموت".
يبدو أنني تجاوزت الخط الأحمر، رأيت تحول داوود، عيناه تتسع وفكه يلتصق. قال وهو يشبه كلبًا مسعورًا على وشك العض "سأريكِ!" وتقدم نحوي.
لكنني كنت قد ابتعدت عنه وبدأت أدور حول السرير. قلت بغضب "اذهب! أيها الخنزير القذر! اذهب إلى سيدك! إنه ينتظرك بالخارج!"
بدأ يركض حول السرير أيضًا ليقبض علي. كنت أخشى أنه سيقتلني حقًا، وبدأت أشعر بالذعر، لكنني كنت أزداد غضبًا ولم أتمكن من السيطرة على نفسي.
قال بغضب وهو يمد ذراعيه "سأرميكِ من النافذة مباشرة إلى البحر..." كان يحاول الإمساك بي من كل الجوانب، لكنني كنت أقفز من فوق السرير إلى الجانب الآخر وأتفاداه في كل مرة.
أخيراً فقدت صبري، وخوفاً من أن يمسكني ابتعدت عن السرير واقتربت من الخزانة القصيرة بجانب الحائط. كانت عليها زخارف زجاجية مثل التماثيل الصغيرة والمزهريات والشمعدانات. دون تردد، أمسكت بأول ما وقعت يدي عليه ورميته عليه. كانت كلها زجاجية وثقيلة، وعندما اصطدمت بذراعه التي يحاول بها حماية نفسه، شعر بالألم. بدأ يشتم، وهذا بدوره زاد من غضبي، وعندما نفدت الأشياء في يدي، بدأت أرمي عليه كل ما أجد في الغرفة، من التفاحات في المزهريات إلى كرسي كبير، كل ما استطعت حمله. قليل منها أصابه، وبعضها اصطدم بالنوافذ وكسرها.
استغرق تحويل الغرفة إلى ساحة معركة دقائق قليلة. كنت أفرغ كل غضبي في داوود بلا رحمة. وأخيراً، اصطدمت تمثال بوذي صغير مصنوع من المعدن بعظم وجنته، فتفاجأ، واستغليت الفرصة ودفعته بقوة.
"أتعني أنني أستحق كل هذا؟" هكذا صرخت بغضب، وكنت سأمسك بشعره، لكنه كان أصلعاً تماماً. اضطررت أن أمسك بأذنيه وأسحبهما وأخدشه، وبفضل توازنه المفقود، تمكنت من دفعه على السرير. كنت فوق ركبتي، وأنا أسحب أذنيه وأضرب رأسه الأصلع وأهزه بقوة.
"مهما فعله بي، لن يبرد قلبك أليس كذلك؟" قلت، وعندما حاول أن يمسكني علقته بأسناني. جلست على بطنه بكل ثقلي، وأخذت وسادة وضربت وجهه بها بلا هوادة.
"لقد قلقتم عليّ لأنني جننت الليلة الماضية، أليس كذلك أيها الوغد؟" قلت وأنا أخنقه بالوسادة، لكنه أغرق يده في شعري وجذبه بقوة. "أنت تعلم، أن الذي في داخلك غير إنساني!"
رغم أنني كنت أشعر بألم شديد من شدّ شعري، إلا أنني لم أتركه، بل فتحت له مساحة صغيرة فقط ليتنفس للحظة. قال بضيق في النفس "اذهبي إلى الجحيم!"، ثم أضاف "كنت قلق فقط من أن يأتي تميم ويمارس الحب معك".
صرخت بغضب "إنها كذب!"
ضغطت على الوسادة على وجهه مرة أخرى. كنت مجنونة، وبما أنني لا أستطيع أن أكون عدوانية مع تميم، كنت أفرغ كل غضبي في داوود. لم أستطع رفع صوتي بهذه الطريقة أمام تميم، لقد خنق صوتي أولاً، لذلك كان نصيب داوود. ربما انفجرت هكذا لأنني كنت أصارع المرض من جهة، وكنت أتعذب بين الماضي والحاضر من جهة أخرى، لا أعرف، لكنني فقدت سيطرتي على نفسي حقًا.
ولكن مع سماع صوت طرقات على الباب، سرعان ما رفعت الوسادة عن وجه داوود وسمحت له بالتنفس. داوود لا يعرف ما يحدث، وهو يلهث ويهمس بألفاظ نابية ويشد شعري بوعي. قمت من فوقه على الفور ورميت نفسي على الأرض. حدث كل شيء في ثوانٍ. لم أفهم ما يحدث، لكن جسدي تفاعل من تلقاء نفسه.
لقد فوجئت بقدرتي على التكيف بهذه السرعة. قبل أن أفهم ما يحدث، كان جسدي قد استجاب بالفعل.
ودخل تميم، ولم أنظر إليه مباشرة، وحاولت أن أجمع نفسي كما لو أنني لا أعرف شيئًا. أما داوود فكان لا يزال على السرير، وكان يبدو بائسًا.
وبعد قليل، سمعت صوت تميم الجهوري أخيرًا "ماذا يحدث هنا؟ ماذا تفعلون؟"
حينها فقط نظرت إلى تميم. كان يقف أمامنا، حاجبيه مجعدان، وهو يراقب حالة الغرفة التي تبدو وكأنها ساحة معركة.
قال داوود "أبعد هذة المجنون عني!" كان قميصه وشعره في حالة فوضى، وبدأ خدّه يحمر. بدا وكأن سيارة دهسته ثم عادت ودهسته مرة أخرى.
كانت الدموع تسيل بالفعل من عيني، فمسحت أنفي بصوت مرتعش وعصبي وقلت "هاجمني!"
فتح عين داوود على مصراعيهما. وقال وهو ينظر إلي ثم إلى تميم "أخي ... أقسم أنها هاجمتني أولاً!"
صرخت على الفور "يكذب!" وكنت ما زلت أمسك بذراعي وأنا أنظر إلى تميم من على الأرض بنظرة ضحية. "مشكلتي مع تميم، فلماذا أهاجمه؟ هو يكرهني!"
بدا داوود وكأنه مصدوم من قدرتي على التمثيل بهذه الطريقة، ولم يستطع حتى الاعتراض. وفي الوقت نفسه، شعرت بتوتر عندما بدأ تميم يقترب منا، لكن دوري كان مقنعًا بما فيه الكفاية، فقد صدقت نفسي بالفعل أنني لم أكن أول من هاجم. كانت هناك ما يكفي من الدموع، ليس كثيراً ولا قليلاً، وشعري مبعثر وملابسي ممزقة، وشفتي متشققة ... علاوة على ذلك، كيف يمكنني التعامل مع شخص بحجم داوود تقريبًا؟ أليس كذلك؟
أخيرًا، توقفت خطوات تميم عند قدميّ. انحنى وأمسك ذراعيّ ورفعني من الأرض. على الرغم من أنني لم أشعر بأي ألم، إلا أنني عبست قليلاً، وحاجبيّ متجعدان، ووجهي يعكس تعبير ضحية غاضبة. في هذه اللحظة، قفز داوود من السرير.
"أخي..." لكن تميم قاطعه "ماذا حدث هنا؟"
أجاب داوود على الفور "لقد اكتشفت أشياء مهمة جدًا حول زهير!"
هذا استرجع انتباه تميم، وتوجهت عيناه إليه. قال بجدية "أنت... لماذا لم تكن في العشاء مع الشركاء؟ لقد أخبرتك بأن هذا الأمر جاد، ولا يمكنك التصرف كما تشاء، وبصفتك شريكي، يجب أن تهتم بهم جميعًا"، متجاهلاً تمامًا ما قاله داوود.
لم يستطع داوود الإجابة على ذلك. شعرت بالسرور على الفور، ظننت أنه لن يأتي دوري أبدًا، لكن بعد قليل، عادت عيون تميم إليّ.
قال "وأنتِ..." فبلعت ريقي بصعوبة. "لماذا أسمع أنكِ تتجولي بلا هدف؟"
قد أكون قد قلت لـ داوود قبل قليل ألا يقول شيئًا، لكني كنت أعلم أنه سيخبره بكل شيء، لذلك أردت أن أكون أول من يتحدث وأن ألقي كل اللوم على داوود، كما يستحق.
قلت بصراحة، بدءًا من البداية "أولاً، لقد عانيت من صدمة ستؤثر على حياتي الجنسية بأكملها بسبب داوود".
عبس تميم وتوجه بنظره مباشرة إلى داوود. رد داوود بتلقائية وكأنه بريء تمامًا من أي شيء، قائلاً "لم أفعل شيئًا يا أخي".
قلت بغضب "أنت من أدخلنا إلى تلك الغرفة".
رد هو بغضب "كنت سأدخل وحدي، وأنتِ أفسدت عليّ كل شيء! هل يمكن أن تتوقفِ عن التدخل في كل شيء؟ كنت سأدخل وأبحث جيدًا ثم أخرج".
فهم تميم الأمر على الفور وسأل "هل دخلت غرفة زهير؟"
توقف داوود فجأة وقال "لا يا أخي".
صححته قائلة "نعم، دخلت غرفة زهير".
قال وهو يجبرني على الانضمام إليه "دخلنا معًا يا أخي".
أشرّت إليه باستغراب واتهام، وقلت بشدة "يكذب! أجبرني على الدخول! وعندما رأينا زهير قادمًا، دفعني إلى داخل السرير وخبأني تحته! ضربت رأسي بالسرير الحديدي. ثم جاء زهير وسيران، وتبين أنهما يخططان لشيء ما"، بما أن داوود سيقول كل شيء على أي حال، قررت أن أسبقه وأخبرهه بكل شيء حتى أبدو أكثر مصداقية. "ثم مارسا الجنس على السرير. اضطررت للاستماع لكل شيء".
نظر إلي داوود هذه المرة بإعجاب وتقدير، وقال "واو، ماذا أقول؟ بما أن الأمر كذلك، فلتخبرينا عن العرض الذي قدمتيه لي بعد ذلك".
بالطبع، ضربت قدمه برفق دون أن يشعر. دارت بيننا معركة صغيرة من التفوق والتهديد والهيمنة بعيوننا. طافت في الهواء إشارات تقول "إذا أخبرت فسأقتلك" و"سأخبر وسنقتلك معًا". لو لم يكن تميم بيننا، لكنا حولنا هذه الغرفة، بل سفينة كاملة، إلى ساحة معركة بالتأكيد.
ولكن بعد قليل، قال تميم "داوود، يمكنك الخروج".
ألم يؤثر فيه الخيانة التي ارتكبها سيران وزهير؟ أم أنه ببساطة هادئ هكذا عندما يغضب؟ والأهم من ذلك، هل كان طرده لـ داوود انتصارًا؟ لقد فاجأتنا ردة فعله. أعتقد أننا كنا نتوقع جميعًا أن يؤمن بـ داوود ويتحزب معه، لكن تميم كان ينظر إليّ فقط.
سأل داوود بدهشة "أنت لا تصدقها أليس كذلك؟"
أجاب تميم بتأكيد أكبر "اخرج من هنا يا داوود". رأيت بوضوح الدهشة والغضب على وجه داوود. لم يعترض أكثر من ذلك، بل هز رأسه ببطء ومر بجانب تميم واصطدم بكتفه.
توقف قبل أن يمر بي، وبصوت منخفض قال "سنتحدث".
رفعت رأسي ونظرت إليه. ابتسمت بينما تدفقت الدموع من عيني، ورددت بصوت منخفض لدرجة أن تميم لا يستطيع سماعه "اذهب إلى حظيرتك يا خنزير صغير. أونك أونك!"
رأيت أنه أطبق فكيه، لكنه بالطبع لا يستطيع فعل أي شيء، فابتعد عني وسُمع صوت إغلاق الباب بعد قليل. أصبحنا الآن وحدنا في هذه الغرفة الفوضوية، وحافظت على ذلك التعبير الباكي على وجهي. لا تزال بعض الدموع تتساقط على خدي. كنت أسحب أنفي ولا أمسح دموعي حتى يراها بوضوح.
راقبت تميم وهو يخلع سترته. تابعت عيني عضلات كتفه القوية عندما فتح ذراعيه ووضعه على الكرسي. كنت لا أزال أتنهد وأبدو حزينة، ربما يحاول تهدئتي.
ولكنه قال بجدية "ميرا، لا تتورطي مع داوود مرة أخرى".
توقفت فجأة، وتوقفت الدموع عن التدفق، وبلعت ريقي بصعوبة ونظرت إلى تميم بتجهم. "هل أنت حقًا تختار أن تصدقه؟"
فتح بضع أزرار قميصه العلوية وتوجه نحوي. كانت هناك نظرة غريبة في عينيه. شيء مألوف، شعور، وكأنني طفل تم القبض عليه وهو يعبث ولكنه كان جادًا.
اقترب مني خطوة بخطوة، وشعرت أن الأمر استغرق سنوات وليس أربع خطوات للوصول إلي. توقف على بعد سنتيمترات قليلة، وعندما رفع يده أردت الابتعاد، لكنني توقفت عندما رأيت أصابعه تلمس دموعي بلطف فقط.
همس بلطف "امسحي دموع التماسح يا ليليث، لقد توقفت عن الثقة بكِ منذ زمن طويل".
ذهلت من موقفه وقربه وكلماته. "ماذا؟"
أنزل عينيه ببطء دون عجلة. همهم قائلاً "دموع ليليث... بمعني دموع شيطانية...".
"تميم-"
مسح الدمعة التي كانت تتدفق على خدي بإبهامه. قال متجهمًا "دموعك مزيفة".
لم أعرف ما إذا كان غاضبًا أم حزينًا من الداخل، ولم أفهم كيف يؤثر عليّ وجودي معه أكثر مما أؤثر عليه. لدينا ماض طويل، سلسلة من الأحداث التي عشناها معًا بكل مرارتها وحلاوتها... لهذا السبب، لم تتطابق تردداتنا أبدًا. كان دائمًا في الماضي، وكنت دائمًا في الحاضر، في اللحظة، "ماذا حدث".
لم أفهمه الآن أيضًا. شعرت بالغضب فقط، وقلت بعناد "داوود هاجمني، ألست ستصدقني؟".
يمكنني القول إن هذا أضحكه تقريبًا، فقد رفع يده الأخرى ومسك ذقني بعد أن زفر أنفاسه. قال بصوت هادئ كالأمواج الهادئة "لقد ولدت وعشت ومُتُّ فيكِ يا ميرا، أعرفكِ أكثر من نفسك. أعرف كل مشاعرك وأفكارك، حتى حركتك التالية"، وأشار بإصبعه إلى رأسي واضغط عليه برفق، "أعرفها قبل أن تصل إلى هنا".
عندما تجعدت حاجبي أكثر، قلدني كما لو كان يلعب. شعرت حتى في نخاع عظمي بأن غرابتي تجاهه قد تم قمعها بمعرفته لي أفضل من أي شخص آخر. ألم أكن ألعب لعبة العمياء والصم حقًا؟ وضد مبتكر اللعبة نفسه...
كانت أصابعه تتجول بين شعري، ورتبته بلطف وجمعه على كتف واحد، تاركًا جانبًا من رقبتي مكشوفًا. قال وهو يركز كل اهتمامه على شعري "لذلك، لا تحاولي إفساد علاقتي بـ داوود عبثًا".
لم أعد بحاجة إلى حبس أنفاسي لأنه ابتعد عني. شاهدته وهو يلقي بجسده المتعب على الأريكة. كان قميصه مفتوحًا قليلاً، وعندما استلقى على ظهره، انفتح أكثر. نظرت إليه بتجهم، في كل مرة يسترخي فيها بهذه الطريقة، بعد أن قلب حياتي رأسًا على عقب وجعلني أشعر بعدم الاستقرار، كنت أشعر برغبة في قتله.
لكنني لن أذهب، اقتربت من الأريكة أيضًا. سألته وأنا أجلس على الأريكة المقابلة "لماذا تستمر في مناداتي بـ ليليث؟ هل فقط لأنها شيطانة؟ ألم تجد أي فرصة لتوبيخني؟"
التقت عيناه بعيني، كانت لمسته الأولى برية ومخيفة، لكن لم يكن هناك شيء جديد في الواقع، فقد كانت لديه دائمًا هذه النظرة الصيادة. اضطررت إلى التركيز حتى لا تتجول عيني في الأماكن الخاطئة.
أخرج من جيبه علبة سجائر، وأخذ منها سيجارة واحدة. جلس منتصباً ومد يده إلى الطاولة الصغيرة. اعتقدت أنه سيُشعل السيجارة ويدخنها، لكنه وضع العلبة والسجارة على الطاولة. كنت أتابعه بتعجب وتجهم.
في هذه الأثناء، بدأ بقول صوت عميق "حسب الأسطورة اليهوديّة التي تنتمي اليها، فإن ليليث كانت زوجة آدم قبل حواء، وخُلقت من نفس التراب الذي خُلق منه آدم، لكنها لم تخضع لأدم أو لأوامره، لأنها كانت تمتلك نفس الخلق، ولم تقبل تفوقه أو سيطرته، فتركت آدم والجنة."
أخرج من الدرج السفلي للطاولة علبة صغيرة معدنية تشبه علبة كريم، لكنه عندما فتحها وجدت بها قطعًا من الأعشاب. تجهمت فورًا، لكنه تجاهلني تمامًا وبدأ في طحن الأعشاب باستخدام مطحنة صغيرة. ثم أخرج ورقة سجائر جديدة ووضعها أمامه ورش عليها الأعشاب المطحونة على شكل خط طويل.
"لهذا السبب، لم تخلق حواء من نفس التراب الذي خُلق منه آدم، بل من ضلعه، حتى لا يكون هناك صراع على التفوق بينهما". ثم أضاف "ليليث هي رمز التمرد والنسوية".
كنت مشتتة الانتباه وأنا أشاهد براعته في هذه العملية. في النهاية، قسم السيجارة التي أخرجها من قبل إلى نصفين، وأزال الورقة الخارجية، ورش بعض التبغ على الأعشاب. ثم صنع فلترًا صغيرًا من قطعة من الورق، ولّف كل شيء معًا مثل سيجارة عادية.
"لقد تصرفت بشكل صحيح جداً"، همهمت بتشتت.
"تُعرف أيضًا بأنها أم كل الشرور وملكة الشياطين"، قال متجاهلاً كلامي. شاهدت إشعال السيجارة. "وفقًا للاعتقاد، فإن سبب وجود كل هذا الشر في العالم هو ليليث في المقام الأول".
ظهرت على شفتي ابتسامة ساخرة خفيفة. "بالطبع، لقد وصفتني بـ الشيطانة كإهانة لأنني لم أطيعك... لقد كنت مجاملًا لي طوال هذا الوقت"، قلت لإظهار أنني لست مستاءة.
أخذ نفسًا عميقًا من العشب، واسترخى جسده مرة أخرى على الأريكة، ووجدتني تحت نظراته الثابتة والمتفحصة.
قال بهدوء "أنا لست آدم في هذه القصة يا ميرا".
تجعدت حاجبي مرة أخرى، فقد تفاجأت بهذا التحول المفاجئ لأنني اعتقدت أنه يتحدث عنا من البداية، ووضعت نفسي مكان حواء.
أدرك ذلك. واستمر في قصته قائلاً "بعد أن تركت ليليث آدم والجنة، تزوجت من ملك الشياطين أبليس. وأطفالهم الشياطين هم السبب الرئيسي لانتشار الشر في العالم، وفي النهايه كل هذا اسطوره وتخاريف".
كان يراقبني بدقة، مدركًا الأثر الذي يخلقّه في داخلي، وفي ردود أفعالي. كنت أشعر دائمًا وكأنني عارية تمامًا تحت نظراته المتفحصة. كانت ثقته بنفسه، واسترخائه وهو يستنشق التبغ، والدخان الكثيف الذي يتصاعد من شفتيه ويتبدد بحركات رشيقة، كل ذلك مع استمراره في التواصل البصري معي، أمرًا مرعبًا.
بالتأكيد هناك شيء شيطاني فيه. إنه ليس شخصًا جيدًا، بل أكثر من ذلك بكثير. ابتلعت ريقي أمام انعكاس أبليس.
تابع قائلًا "ليليث وأبليس"، لاحظت ابتسامة خفيفة تزوي ركن شفتيه وهو ينطق بهذه الكلمات، "يُصوّران على أنهما التوأم الشرير لآدم وحواء".
أخذ نفسًا عميقًا آخر من السيجارة، واقترب منها. بينما كانت عيني تنتقل بين السيجارة بين أصابعه وبين عينيه، استمر هو في الحديث بنفس الهدوء
"يرى كلاهما نفسهما حاكم الجانب 'الأيسر' الذي لا يحكمه الله، جانب الظلام والشر. بينما الله والملائكة وكل ما هو جيد يمثلون الجانب 'الأيمن'".
استمر في سقي بذور الفضول، بوعي منه بإشعال النار بداخلي.
"باختصار، أنت وأنا في جانب واحد"، قال ببطء، "وبقية الناس وكل شيء في الجانب الآخر". لم يرفع عينيه عن عيناي. "في هذا الجانب، في هذا الظلام، أنا وحدي. نحن وحدنا هنا".
مد يده وأطفأ السيجارة في المنفضة، واسترخى مرة أخرى. وجدت نفسي أسجنه بنظري. كانت رائحة التبغ تملأ المكان، وشعرت بالنفور، وحاولت تغيير الموضوع قليلًا، فقلت وأنا أنظر إلى السيجارة في المنفضة "حقًا، لم يتبق دستور واحد لم تمضغه يا سيدي المحامي؟"
"ومع ذلك فانا بمثل مثالي للعداله،" ابتسم ابتسامة مزيفة وهو ينطق بهذه الكلمات.
راقبته بتعبير جاد ومضطرب. لُحِقت شفتاي الجافتين. كان مستلقيًا في نفس الوضع المريح، ومدد ذراعيه على مسند الكرسي. طيات قميصه، وعضلات صدره المكشوفة المشدودة، وما دون ذلك...
صرفت نظري لأشتت انتباهي. "لا أعتقد أنني سيئه مثلك"، قلت بحزم.
رسمت نفس الابتسامة خطوطًا على خدي. "أنت بعيد كل البعد"، قال بثقة تامة، لكنه سرعان ما غيّر الموضوع لحسن الحظ. "دعنا نعود إلى موضوعنا الرئيسي"، قال وهو يأخذ نفسًا عميقًا. "أخبريني، ماذا كان يقول داوود؟"
لم يكن هناك فائدة من الكذب. قلت بنصف لسان وبابتسامة ازدراء تقريبًا "كان يتحدث عن زهير وسيران". "وبالمناسبة، كانت تلك سيران الثمينة تمارس الجنس معه، لتكون على علم. لقد وجدت امرأة وفية حقًا لنفسك".
كان ينظر في أعماقي. لم يكن هناك غضب أو خيبة أمل، بل هدوء. قال "نعم، هي وفية جدًا".
"وما العجب!" قلت بغضب.
"لن تخونه أبداً"،
"بالطبع"،
"لا تستطيع أن تخونه، بالأحرى"، صحح لي.
كنت أسخر منه بوضوح، "أرى ذلك"، كنت أقول.
وبدا أن تميم يستمتع بذلك، وكان يجيب بهدوء ويُلوّح بكتفيه. "ليس لديها فرصة كبيرة لخيانتي"، قال، "أنا لا أتركها من عيني".
كنت أشعر بغضبي يتصاعد بداخلي كلما تحدث. "ثقتك بها أبكتني"، قلت بسخرية.
ولكنه رد علي فورًا: "أنا لا أثق بها أبدًا. أبدًا ميرا. أنا لا أثق بكِ بعد الآن. أنا أعلم ذلك فقط لأنني على علم بكل خطواتك".
فجأة أدركت أن موضوع حديثنا منذ قليل كنت أنا. نظرت إلى وجهه دون أن أعرف ماذا أقول، كانت هذه هي مفاجأتي الثانية في آخر ساعة.
واستمر تميم في الاستمتاع بي بينما كنت أنظر إليه كالحمقاء، قائلاً "لا يمكنك أن تخوني إلا معي".
"إذن لا يمكن أن نسمي ذلك خيانة"، قلت بتساهل.
"لكنها أكبر خيانة أقوم بها لنفسي".
ارتفعت حاجبي فجأة بدافع الفضول. "أن تمارس الجنس معي؟"
"أن أستسلم لكِ".
ضاقت عيني الآن بشك. "أن تمارس الجنس معي؟"
استولت ابتسامة شبه صادقة على شفتيه. بدأ رأسي يدور، بينما استرخى هو أكثر. لابد أنه كان يشرب الكثير، فقد ألقى رأسه للخلف وأغلق عينيه. دفعني هذا إلى التفكير بعمق مرة أخرى. كنت أشعر بالغضب من الهاوية الشاسعة بين ميرا البائسة التي رأيتها في ذكرياتي وليليث التي لم تطع حتى كلمة الله. في أي نقطة رفضت الجنة التي "منحت" ووجدت الأمل في الظلام؟ كيف تمكنت من الحصول على مثل هذه القوة وسط قبضة أب قاسي وخطيب مجنون؟ بالتأكيد كان تميم دور في ذلك، أليس كذلك؟
أبليس.
ملك الشياطين. أحد الملائكة الذين تمردوا على الله.
"فهربت من جنتي ولجأت إليها؟"
"بدأت العلاقة قصة جميلة"، همهمت بتشتت وبلا وعي.
"وكانت ستنتهي بشكل جميل أيضًا"،
"ربما..."
رأيت أنه عابسًا، وكان لا يزال ملقياً رأسه للخلف، وعيناه مغمضتان، ووجهه يشبه وجه شخص غاضب من شخص أو شيء ما. كان رأسه جميلًا حقًا.
"بسببكِ يا ليليث"، قال بعد قليل، وراقبت تفاحة آدم تتحرك صعودًا وهبوطًا. "كنا يمكن أن نكون عشاقًا وليس أعداء، وكان يمكن أن أجلس بجانبك دائمًا وليس مقابلًا لكِ. لماذا كان عليكِ تدمير كل شيء؟ لماذا لم تحبيني أبدًا؟"
لم أجِب.
"كنت على استعداد لسحق أي شخص من أجلك، حتى نفسي"، قال بصوت خافت وثقيل. "كنت أتجنبك دائمًا حتى أن يكون ظلامي أقل من ظلك. كنت أخشى أن تجرحي".
بدأ يضحك بابتسامة مزيفة، وتحرك جسده الضخم. كان يهز رأسه يمينًا ويسارًا احتجاجًا. قال "لقد فقدت عقلي"، "لقد فقدت نفسي يا ميرا، لقد انتهيت. لقد انتزعتِ كل شيء من داخلي، لقد أنهيتني".
كنت أشاهدَه وهو يكشف عن مشاعره بهذه العري لأول مرة، وشعرت بمشاعر غريبة ومزعجة داخلي. كنت سأقول "تميم"،
ولكنه، وهو شارد الذهن ومنفصل عن اللحظة، وبذهن مشوش، وبغضب مكبوت، وبكراهية، ولكن بابتسامة، قال "ثمن وضع رصاصة في قلبي"،
قلت "استمع إلي"،
أكمل "سأجعلكِ تدفعين ثمن تدمير قلبي".
حبسّت أنفاسي. كان قلبي ينبض في حلقي، وكانت يداي ترتجفان من التوتر، ولم يكن ينظر إلي حتى. كانت عيناه مغمضتين، وكان على وشك النوم تقريبًا، ومع ذلك، كانت هذه الكلمات تزرع الرعب في داخلي.
تابع: "في اليوم الذي أطلقتِ النار عليّ"، رفع يده وأشار بإصبعه إلى صدره الأيسر. قال وهو يضغط "من هنا، من هنا بالضبط، أقسمت يومها بأنني سأدفنكِ معي يا ميرا إسحاق".
كانت يداي مشدودتين على شكل قبضة تلقائيًا. قلت بصوت مرتجف من الغضب: "ألست قد تسببت لي بما يكفي؟" "ألست قد دفعت ثمن كل ما فعلته؟ ألست قد حصلت على جزائي؟"
انتشرت ابتسامة باهتة على شفتيه. همهم بصوت عميق وخشن "أنتِ بعيدة كل البعد يا ليليث".
لا أفهم هذه الصلة المشوهة بيننا. لا أستطيع أن أفهم كيف لا يستطيع أن يبعد عينيه عني حتى وهو يكرهني، وكيف يريد أن يكون معي في كل لحظة وفي كل نفس، ولكنه في الوقت نفسه أكبر أعدائي في العالم. ما هذه التناقضات التي لا أفهمها.
إي نوع من العقاب انت يا تميم؟"
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية دموع شيطانية) اسم الرواية