رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل السادس 6 - بقلم فاطمه طه
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
لا يستجد في حياتك شيء إلا خير، ولا يغادرك شيء إلّا لخير، ربما لن يبدو الأمر واضحًا في بداية الأمر، لكن مع الوقت ستفهم كُل شيء، وتُصبح الرؤية أكثر وضوح، فتعرف طريقك جيدًا، وتقدّر ذاتك بالشكل الصحيح، على الإنسان فهم الحياة والحكمة من تجاربها قبل إصدار الأحكام..
#مقتبسة
في يومٍ ما ستعرف أن وقتك أثمن من يضيع في حواراتٍ لا تخدمك، وعلاقات مؤذية لا تُقدم لك الكثير، ومناسبات مليئة بالنفاق الاجتماعي لا تُشبهك، وأن عليك حينها التّوقف لبرهةٍ ووضع النقط على الحروف، وإعادة ترتيب أولوياتك، وتشكيل خريطة حياتك كما تُريد وتشتهي..
وقتك الخاص ثمين وحياتك تستحق.
#مقتبسة
______________
كان أفضل شيء يستطيع دياب فعله من أجل بهية، هو الاتصال بـ أحلام..
كونها طبيبة باطنة...
ولحسن الحظ حسب معلوماته بأن هذا ليس موعد عملها؛ الوقت مازال مبكرًا إذا لم يحدث تغيير لا يعرفه...
اتصل بها وأخبرته بأنها ستأتي بعد دقائق وبالفعل جاءت ولأول مرة تكون صادقة في موعد أعطته له...
كانت بهية بدأت تعود إلى وعيها قبل أن تأتي من الأساس، فقامت أحلام بقياس الضغط والسكر لها؛ فكان الثاني مرتفعًا وهذا ما جعلها تعطيها شيء له..
وبعدما انتهت أحلام ورحلت على الفور مخبرة أياهم بأنها سوف تأتي بعدما تنتهي من عملها وإذا حدث أي تغيير يتصلوا بها..
بعد رحيلها، تحدثت ريناد التي تقف بجانب فراش بهية تحت أنظار حور ودياب:
-أنا لازم أتصل بـ بابي يجي يوديها المستشفى مهوا مينفعش...
قاطعتها بهية بنبرة هادئة ورزينة:
-أنا كويسة وأديكي سمعتي أحلام قالت إيه، السكر علي شوية أنا مأخدتش العلاج بقالي كذا يوم طنشته..
هتفت ريناد بعفوية:
-وهي بتفهم يعني؟! أنا شايفاها صغيرة اكيد معندهاش experience...
رد دياب عليها بنبرة ساخرة من الدرجة الاولى:
-لا طلعوها من كلية الطب شفقة، جايبينها من ورا الجاموسة وجاية، سيبنا ليكي الفهم يا فيلسوفة..
تحدثت بهية بلطافة رغم إدراكها بأن الأجواء مشحونة بطريقة لم تفهمها جيدًا:
-في إيه يا ولاد بس، وبعدين استنوا لما أعرفكم على بعض، دي حفيدتي يا دياب، بنت محمد اللي شوفته كام مرة هنا وهي قاعدة معايا الفترة دي..
كيف!!
كيف من الممكن أن تحدث صدفة كـ تلك؟!
كيف تكن تلك الفتاة الفظة قريبة تلك المرأة الطيبة؟!
وجهت بهية حديثها إلى ريناد متمتمة:
-ده دياب ابن جارتي، وزي ابني بالظبط أنا يعتبر اللي مربياه..
كانت ريناد تتحدث وهي تقف بجانب بهية مباشرة تشعر بالخوف ولا تعلم لما تحديدًا وهو ينظر بها بتلك الطريقة..
كأنه سوف يبتلعها...
تمتمت ريناد بنبرة متوترة حاولت قولها بالعربية لكنها لم تفلح سيطر توترها بشكل كبير:
-اه، فرصة حزينة...
رد دياب متهكمًا:
-هي حزينة فعلا..
تحدثت هنا حور بنبرة جادة ومشاغبة كعادتها:
-جرا إيه يا بهية؟! نستيني ولا إيه؟! مش هتعرفيها على دكتورة المستقبل..
تمتمت بهية بعد ضحكة خرجت منها:
-دي بقا حور سكرة البيت...
قاطع دياب هذا الحديث كله بنبرة غاضبة ومغتاظة إلى أقصى حد؛ أخر شيء كان ينقصه فعليًا هو رؤية تلك الفتاة مرة أخرى، وفي وضع هكذا، شيء لم يأتي حتى في أحلامه:
-أنا بقول يلا نمشي يا حور علشان نسيبها ترتاح شوية...
كان تعقيب بهية غريبًا عليه فهي لم تسمع حديثه بل بدأت حواسها في العمل بفاعلية مرة أخرى:
-إيه الريحة دي؟!..
ضحك دياب ثم تحدث متهكمًا وهو يناظرها بغل كبير، فهي السبب الأساسي فيما هو فيه الآن:
-أبدًا حفيدتك الكتكوتة هتولع فيكي وفينا وفي البيت، كانت سايبة الغاز مفتوح....
كانت ريناد تقوم بسماع بعض الأغاني في الصباح وهي تضع السماعة في أذنيها وضعت البيض في طنجرة معه القليل جدًا في المياة وبعدها جلست في الشرفة تفكر فيما فعله فيها والدها واختيارها هذا الاختيار اللعين حتى لا تسجن في المنزل مرة أخرى....
أو لتكن صريحة حتى تجد طريقة مناسبة كتر عخرج من هذا المأزق وتبعد عن هنا...
وتناست أمر البيض والطنجرة تمامًا ولم تهتم بل فقدت شهيتها، فهي كانت ترغب في تناول البيض والجبن وشرائح التركي المدخن لكنها تناست كل شيء..
ولا تستطيع فعل شيء من الأساس....
لم تقف مرة في حياتها في المطبخ حتى لصنع شيء..
حتى المياة حينما تريدها كانت تأتي حتى فراشها...
و ما حدث هو أنها ولجت إلى الشقة ثم ذهبت إلى غرفة بهية وحينما وجدتها نائمة بتلك الطريقة وقامت بالنظاء عليها أكثر من مرة ولم تجب كادت أن تصرخ لكنها وجدت شاب وفتاة أمامها.....
هذا كل ما حدث...
حاولت ريناد قول أي شيء تحفظ به ماء وجهها:
-كل الحكاية إني كنت بحضر الفطار ليا وليها، ولما جيت أصحيها لقيتها كده ونسيت....
تحدث دياب منفعلًا تحت نظرات شقيقته التي ترغب في سؤاله لما هو فظًا بتلك الطريقة مع فتاة يبدو لها أنهما يرونها للمرة الأولى:
-اه واضح فعلا أن ده اللي نساكي؛ علشان كده أنتِ ماخدتيش بالك بحاجة لولا أن حور اتكلمت، ده الحمدلله أن ربنا ستر والدنيا مولعتش...
كزت ريناد على أسنانها، وكادت أن تجيب عليه وتخبره بأنه ما شأنه بها، لما يتحدث معها بتلك الطريقة لولا أن دياب هتف بنبرة عصبية:
-أنا ماشي يا بهية لو في حاجة كلميني..
قالت بهية بـ غموض وعدم فهم:
-طيب يا ابني..
___________
يقف نضال في "الجزارة" كعادته حينما يشعر بالملل في المتجر يأتي ويقوم بالجلوس قليلًا مع الشباب والرجال التي تعمل فيها...
لكنه لم يعرف بأن هناك من يراقبه من الشرفة، وبمجرد رؤيته واقفًا يمزح مع الرجالة، ولجت إلى الشقة وقررت أن تهبط له، كانت والدتها على أي حال في الشقة مع سلامة...
بالفعل كانت دقائق معدودة مرت وسامية تأتي إلى الجزازة ووقفت أمامه تقريبًا هاتفًا:
-ازيك يا نضال عامل إيه؟!.
أجاب عليها نضال بنبرة هادئة بلا تعابير واضحة وهذا ما ازعجها تحديدًا وهي تتذكر لهفته السابقة عليها:
-الحمدلله بخير، محتاجة حاجة أخليهم يحضروها ليكي؟!
-لا أنا جاية أتكلم معاك أنتَ مش عايزة حاجة.
رد نضال عليها بنبرة واضحة ولكنها خافتة:
-مفيش كلام نتكلمه يا سامية، عايزة إيه؟!
قالت سامية معترضة بانزعاج واضح:
-يعني أنا جاية لغايت عندك وعايزة اتكلم معاك ونتصالح علشان أنتَ مضايق مني، تقولي مفيش كلام نتكلمه يا سامية؟!.
هتف نضال بنبرة هادئة وهو ينظر لها:
-والله أنا معنديش أي مشكلة ولا زعلان منك أحنا في النهاية ولاد عم لكن انا بطلت أحتك بيكي زي ما كنتي طول عمرك عاوزة يا سامية إيه المشكلة بقا..
في كل جملة ينطق اسمها..
ســامـيـة..
هذا ما يزعجها هل هو متعمدًا لا تعلم ولكنها لا ترغب في الحديث في الأمر....
-أيوة بس ده مش معناه أن..
قاطعها نضال بنبرة جادة ولكنها ساخرة إلى أبعد حد:
-أنتِ مشكلتك يا سامية أنك مش عارفة أنتِ عايزة إيه بالظبط علشان كده أنتِ هنا قدامي دلوقتي، وأسف أني مش هقدر أحققلك حلمك ولا أنتِ محور الكون علشان افضل أجري وراكي...
كادت أن تتحدث لولا أنها رأت نضال أعطى كامل تركيزه وانتباهه في مكان أخر ناحية المنزل....
______________
اليوم لم تصمت أحلام...
بل كانت غاضبة إلى أقصى حد بسبب هذا التجاهل ولم تستطع الإستمرار بتلك الطريقة...
بل أرسلت له رسالة بأن يأتي في أحد المقاهي التي كانت تجلس فيها معه بعد موعد عملها، هي تريد الحديث معه بأي طريقة وخارح المستشفى لأنها لا تأخذ راحتها بها...
وهي تعلم جيدًا بأنه غير مرتبط بمواعيد أو عمليات، كونه لم يعود إلى العمل حتى الآن بشكل مباشر....
هو فقط يأتي من أجل إدارة المستشفى....
وبسبب إصرارها ورسالتها كان بالفعل يجلس أمامها هاتفًا بعدما طلب قهوته:
-إيه المهم للدرجة دي؟! إيه اللي يخليكي تتصلي بيا كل ده وتجبيني بالشكل ده وإصرارك الرهيب..
أردفت أحلام بوضوح دون مماطلة:
-المهم أنك وحشتني، واني عايزة أقعد وأتكلم معاك مش عايزة أحس أنك بعيد عني بالشكل ده، ده مش كفايا؟! مفيش أهم من كده في نظري...
سألها جواد بنبرة جادة أظهرت جزء من غضبه الذي يحاول كتمه قدر المُستطاع:
-إيه اللي منتظراه من واحد أبوه بقاله شهر ميت وهو بيحاول يتأقلم على الوضع الجديد، منتظرة مني أعمل ليكي إيه، أو إيه نوع الاهتمام اللي منتظراه مني في ظروف زي دي؟!..
شعرت بالتوتر الرهيب لكنها حاولت الحديث بطريقة ملائمة:
-ربنا يرحمه، والله ربنا وحده يعلم قد إيه أنا زعلانة عليه، وأنا مش عايزاك تهتم بيا ولا عايزة حاجة قد ما أنا عايزة أنك تسمحلي أقف جنبك، تسمحلي إني حتى أشاركك حزنك يمكن أقدر أخفف عنك..
أجاب جواد عليه بنبرة مقتضبة:
-في ظروف مينفعش الواحد حد يخفف عنه فيها لازم يمر بيها لوحده ويعديها لوحده...
هتفت أحلام بنبرة جادة:
-جواد لو أنتَ بتتهرب مني أنا...
قاطعها جواد بانزعاج واضح وهو يطالعها بغضب يبدو أنه حان وقت أنفجاره:
-تاني يا أحلام؟! بتعيدي نفس الكلام تاني وأنا لسه بقولك اللي فيا..
صمت لدقيقة واحدة ثم تحدث بصراحة مطلقة:
-وبعدين أنا عمري ما اتهربت منك، ولا عمري بعدت عنك لأني مكنتش قريب من الأساس وأنتِ السبب عمومًا في وضعنا الغريب واللي مش مفهوم ده.
رددت أحلام كلماته باستنكار شديد:
-أنا السبب ليه بقا مش فاهمة؟! أنتَ عايز تطلعني غلطانة وخلاص؟! مع أنك بتتهرب مني وبتبعد عني مهما كان معاك حق في الظروف اللي بتمر بيها، حتى في المستشفى مبقتش تعبرتي..
هتف جواد بانفعال وقد طفح الكيل حقًا وهو لم يعد يستطيع أن يظل صامتًا:
-أنا مش بتهرب منك يا أحلام، أنتِ اللي بتعملي ده، من أول يوم شوفتك فيه أنتِ عجبتيني فعلا، وحبيت أساعدك في شغلك، حبيت أقف جنبك بكل الطُرق قولتلك كل حاجة لا وهمتك ولا غيره لكن أنتِ اللي كنتي بتماطلي وبتأجلي..
شحب وجه أحلام وهو يسترسل حديثه:
-أحنا عمرنا ما كنا قريبين علشان نبعد، واه أنا بقلل احتكاكي بيكي فعلا في المستشفى علشان محدش يتكلم عليا أو عليكي لأن الموضوع بوخ أوي كنت الأول بقول بابا عارف، شوية وهنتجوز وساعتها محدش هيقدر يتكلم، لكن أنتِ اللي فضلتي تماطلي مع إني بدل المرة ألف طلبت منك رقم أي حد من اخواتك أكلمه...
تمتمت أحلام وهي تحاول أن تدافع عن نفسها بأي طريقة وألا تخسر في تلك المعركة:
-أنا كنت خايفة وقلقانة من فكرة أننا نتجوز وأنتَ متجوز وكنت لسه صغيرة ومتخرجة وطبيعي أكون متوترة، أنا ضيعت سنين وأنا جنبك يا جواد مش علشان في الآخر تقولي الكلام ده...
عقب جواد بنبرة صريحة صدمتها كليًا:
-ضيعتي السنين دي بمزاجك، أنا مضحكتش عليكي ولا لعبت بيكي ولا عيشتك في وهم أنتِ عارفة أني عايز اتجوز وأنا متجوز وعارفة إني مش ناوي أطلق مراتي، ومقعدش اضيع معاكي وقت بل بالعكس بعد شهور قليلة من معرفتي بيكي عرضت عليكي الجواز وخليت بابا الله يرحمه يكلمك وكنتي عارفة أن رانيا معندهاش مشكلة..
بكت في ثواني وهي تتقن الدور على أكمل وجه:
-يعني بعد ده كله عايز تتخلى عني وتسيبني ولا أنتَ عايز إيه بالظبط بكلامك ده؟!، عايز توصل لإيه؟!، أنا غلطانة يعني إني حبيتك؟! أنا بحبك بس خايفة أكون زوجة ثانية..
دور الضحية دورها المفضل على الأغلب..
هو لا يصدقها ولم يعد يصدق تصرفاتها وأفعالها..
أو حتى حبها كما تدعي...
هي قامت بفرض وضع غير معلوم بينهما...
لا هي زوجته ولا هي شيء في حياته..
ولا حتى أمرأة تعمل في مكانه..
ليست هي المذنبة الوحيدة هو مثلها ايضًا....
لكنه كان في غفلة رُبما، كان ينتظرها، وينتظر أن تسمح له بأن يقترب خطوة جادة، وظن في أنتظار تلك الخطوة لما يقارب ثلاث سنوات تقريبًا وأكثر...
لم يكن وقتها يدرك أهمية الوقت، لكن بعد وفاة والده الكثير من الأشياء تغيرت في نظره...
بدأ بالفعل يعيد حساباته كلها..
ولم يعد يلزمه علاقات وهمية غير مفهومة...
لكن بالرغم من هذا كله مد يده لها بمنديل ورقي هاتفًا:
-بطلي عياط يا أحلام ملهوش لزوم كل ده وأجلي الكلام وقت تاني...
قال ما عنده...
لكنها حاولت أن تستفزه عاطفيًا كما كانت تفعل دومًا...
وتجعله يصبر عليها...
لكن الفارق الوحيد أنه في السابق كان يصدق...
لكن الآن هو يحاول أن يريح عقله من المناقشة الآن......
___________
كانت سلمى تقف بجانب جهاد التي تهتف وهي ترفع سبابتها في وجه سلامة:
-متقوليش اهدي...
رد سلامة عليها ساخرًا وهو يقلد حركتها بأصبعها:
-لا صوتي ولمي علينا الشارع متهديش، وبعدين أعملك إيه ده اللون اللي اخترتيه.
هتفت جهاد بنبرة جادة:
-لا ده أفتح من اللي طلبته يا سلامة متشتغلنيش أنا بركز كويس..
أتت جهاد اليوم مع شقيقتها لرؤية ألوان الحوائط التي انتهت وكانت قد طلبتها بنفسها، ووالدتها كانت في العمل لذلك من أتت معها شقيقتها الكبرى سلمى وصعدت معهما "انتصار" وقام بمصافحتهما ووداعهما عند شقتها وتركت سلامة يقوم بتوصيلهما...
قال سلامة بنبرة واضحة:
-اللون هو هو أنتِ بتتلككي والله...
هتفت جهاد بإصرار شديد وهي تنظر له بجدية:
-لا يا سلامة مش هو أفتح درجة من اللي طلبته أنا مش عامية...
قالت سلمى وهي تحمل بعض الأكياس، فهي كانت تقوم بشراء ما يتبقى لشقيقتها من ملابس من أجل زواجها، وقابلهما سلامة وأتى بهما إلى هنا وكان يحمل الأكياس من سلمى ولكن عند هبوطهما تناسى الأمر أنشغل في شجار غريب من نوعه وجديد..
-جهاد ممكن اختلاف اضاءة مش أكتر وأنا مش شايفة أنه في فرق كبير..
تمتم سلامة بنبرة جادة:
-أهو شهد شاهد من أهلها أنا متكلمتش...
" في إيه يا جماعة صوتكم عالي كده ليه "
كان هذا تعقيب نضال الذي أتى وخلفه سامية تلاحقه بغيظٍ كبير من تجاهله لها حتى أنه تركها وأتى إلى إليهما بعدما شعر بشجار يشب بينهما...
تمتم سلامة بانزعاج واضح:
-جهاد مش عاجبها اللون اللي هي اخترته..
تحدثت سلمى بعد سلامة معقبة:
-هو اختلاف إضاءة والله مش أكتر وأنا شايفة أنه هو هو..
هتفت جهاد بغضب وهي تعقد ساعديها:
-لا أنا شايفاه أغمق..
عقب نضال بعدهما ببساطة وهدوء:
-ممكن تشوف اللون اللي اخترته قبل كده ولو مش هو فعلا وفي اختلاف عرفوه لأنه هيكون غلطه هو مش غلطكم يعني وممكن يمكن هو هو وأنتِ متهايقلك يا جهاد..
تحدثت سامية بنبرة عالية بعض الشيء على ما يبدو الجميع تناسى وجودها:
-ازيك يا جهاد وازيك يا سلمى..
"الحمدلله"
"تمام".
الأول كان رد سلمى...
أما الثاني كان رد جهاد...
تحدث نضال بعتاب واضح إلى سلامة:
-يعني عمال تتخانق أنتَ وجهاد وسايبين سلمى شايلة الشنط دي كلها لوحدها..
عقبت سلمى بحرج وهي تزيد من إحكام قبضتها على الحقائب:
-لا مفيش حاجة أصلا كلهم حاجات خفيفة..
أخذ سلامة منها جزء ونضال فعل المثل تحت نظرات سامية المحترقة، بينما تحدث سلامة بأسفٍ:
-حقك عليا يا سلمى أهو اختك السبب..
تمتمت جهاد بسخرية:
-ما كفايا يا ملاك بقا..
تمتم نضال بنبرة جادة:
-يا جماعة مفيش حاجة والله مستاهلة الخناق، حتى لو مش عايزة اللون يتغير، كفايا مشاكل ملهاش لازمة كل دي حاجات بسيطة جدً..
ردت سامية عليه بانزعاج واضح:
-بيعجبني فيك عقلك الكبير..
كانت سامية تشعر بالضيق والاختناق..
فهي دون سبب حقيقي تبغض جهاد وسلمى والأكثر سلمى منذ الصغر ولا تعلم لما حتى..
لكنه شعور دون سبب واضح وصريح..
فهناك أشخاص في حياتك لا تتقبلهم دون سبب..
لا تتألف روحك معهم..
تحدثت سلمى وهي بدأت تشعر بالضيق من تلك الأجواء العجيبة بالنسبة لها:
-يلا يا جهاد بقا نروح زمان ماما راجعة من الشغل وأبقي شوفي هتعملي إيه بعد كده يلا..
ونظرت لها نظرة ذات معنى أظهرت فيها انزعاجها وانصاعت جهاد لها هاتفة بخنوع لا يليق بها:
-ماشي يلا..
-ممكن الشنط...
كان هذا حديث سلمى التي وجهته إلى نضال وسلامة لكن نضال أعطى الحقائب إلى سلامة مغمغمًا:
-وصلهم يلا وكفايا مشاكل وانا شوية كده وطالع....
هتف سلامة بهدوء:
-ماشي..
رحلت سلمى وجهاد وخلفهما يسير سلامة، وهنا تحدثت سامية بنبرة ساخرة:
-واضح أن اللي حصل علمك تتعامل مع البنات كويس بدل طريقتك اللي كانت معايا دي...
قاطعها نضال بنبرة منزعجة فهي تضغط على جرحه الذي يحاول تضطميده بمفرده، ويحاول نسيانه والتخطي لكنها لم تأتي للاعتذار بقدر إتيانها حتى تغضبه تقريبًا..
-اللهم طولك يا روح، سامية كفايا كده أطلعي بيتكم، وربنا يهديكي..
رحل نضال متوجهًا صوب الجزارة مرة أخرى تاركًا أياها....
____________
ألـــم عــظــيــم...
تشعر به إيناس كأي أمراة تتعرض للانفصال....
تحديدًا أمرأة تمر بظروفها وظروف عائلتها...
فـهي تشعر نفسها حِمل ثقيل جدًا على شقيقها...
ينام طفلها على الفراش، تداعب خصلاته بأصابعها وعقلها في مكان أخر تحاول التفكير في أي شيء لكن كل شيء أمامها أسود بشكل مخيف...
حسنًا هي تعلم بأنها تخلصت منه..
تخلصت من حياة هكذا..
من حب لم تجده..
حبه كان وهمًا جعلها تعيش فيه، هو لم يفعل معها أي شيء قد يدل حقًا بأنه يُحبها كما كان يزعم...
تنهدت تنهيدة طويلة تحاول التوقف عن التفكير حتى ولو لبضعة دقائق لكن لا تستطيع أبدًا...
الرؤية معتمة بالنسبة لها إلى حدٍ كبير...
مرت خمس سنوات وأكثر رُبما على تخرجها ومن وقتها لم تعرف شيء أكثر من زوجها وأطفالها، منزلها، لا تعلم أي شيء عن سوق العمل حتى كليتها لا تتذكر منها أي شيء، وفي النهاية الدراسة شيء أخر مختلف عن الدراسة..
جاءت والدتها حُسنية متحدثة بنبرة هادئة وهي تقترب منها وتجلس على طرف الفراش:
-إيه يا بنتي هتفضلي طول اليوم قاعدة في الأوضة كده...
هتفت إيناس بنبرة جادة:
-في حاجة في البيت محتاجة إني اعملها معاكي؟!.
ردت عليها حُسنية بانزعاج:
-مفيش حاحة يا بنتي تعمليها كل حاجة زي الفل، أنا بتكلم علشانك هتفضلي حابسة نفسك كده؟!.
تمتمت إيناس بفتور:
-المفروض اعمل إيه يعني؟!.
-عيطي مداريش وجعك وزعلك على الأكل، أنك تكتمي جواكي ده غلط يا حبيبتي أنتِ لسه صغيرة أوي على الكلام ده..
كانت كلمات والدتها بمنزلة تصريح وإفراج لدموعها التي هبطت دون توقف هاتفة وهي تحاول أن تكون متماسكة قدر المُستطاع:
-أنا زعلانة على نفسي أوي يا ماما، مقهورة بشكل هيموتني مش زعلانة علشانه، الانسان بيزعل على وجعه وقهرته، وكسرته، مبيزعلش على الشخص، بيزعل على نفسه وعلى مشاعره ووقته...
أمسكت والدتها كف يدها بحنان واضعة أياه بين كفيها متحدثة:
-متزعليش يا حبيبتي، كله مقدر ومكتوب ونصيب، على الأقل أنتِ قدام نفسك عملتي كل اللي عليكي علشان في يوم من الأيام متلوميش نفسك أنك كان المفروض تحاولي تاني ولا لما عيالك يكبروا محدش يلومك في حاجة؛ أنا عارفة أن كل حاجة في أولها صعبة؛ بس ربنا مبيعملش حاجة وحشة..
مسحت حُسنية دموع ابنتها بأناملها الحنونة وهي تنظر لها بأسفٍ شديد وحزن واضح..
عقبت إيناس عليها بنبرة جادة:
-كنت فاكرة أنك هتقولي كلام غير ده، لأنك مكنتيش عايزاني أطلق...
تحدثت حُسنية ببساطة شديدة وهي تشرح موقفها:
-أنا مقولتش مكنتش عيزاكي تطلقي كل اللي كنت بقوله فكري كويس، مهما كان الشخص اللي احنا عايشين معاه وحش أو مهما كانت ظروفه وحشه أو ظروفنا مينفعش اقولك اطلقي من غير تفكير؛ لازم تفكري كويس في قرارك وتعرفي أنتِ عايزة ايه..
ابتلعت ريقها وتحدثت بنبرة حنونة:
-خراب البيوت مش بالساهل ودي حقيقة لازم الانسان بيحاول مرة واتنين وتلاتة، الطلاق مش حاجة سهلة، انا عمري ما أقبل باهانتك ولو كنت اعرف من بدري كنت ادخلت، أصلا سكوتك ده كان أكبر غلط، وحتى لو كنتي هترجعي كنا هنرجع بكذا قعدة علشان يعرف غلطه لكن خلاص الموضوع خلص واللي حصل ده أكيد خير للكل...
أخذت إيناس كف والدتها قامت بتقبيله بامتنان حقيقي ثم أردفت وهي ترتجف:
-خايفة من اللي جاي يا ماما أوي، خايفة، عمرو مش هيدفع فلوس لعياله أنا عارفاه وأنا تقلت عليكم وعلى دياب أوي كده وهو المفروض على وش جواز غير مصاريف دروس حور غير أنه قاعد من الشغل وأنا عارفة كويس أن معاش بابا مش بيكفي حاجة...
تمتمت حُسنية بحنان شديد:
- ربنا يسترها ويكرمه ويكرمك أنتِ كمان لما قسيمة الطلاق تكون في ايدك ساعتها تقدري تقدمي على المعاش، وواحدة واحدة الدنيا هتتعدل فكري بس في نفسك دلوقتي...
ثم أسترسلت حديثها وهي تضع يدها على وجنتي ابنتها:
-بقولك ايه يلا البسي أنتِ والعيال ونقابل حور وهي راجعة من الدرس ونشرب عصير عند ***** اهو ننزل نتهوى شوية..
____________
يقوم نضال بتحضير العشاء...
لكنه توقف في منتصف تحضيره وتوجه صوب غرفة سلامة تحديدًا بعدما قام بالاتصال بوالده ولم يجب عليه..
كان الباب مفتوحًا وسلامة مستلقي على الفراش وبين يديه هاتفه، تحدث نضال باستفسار:
-هو مش ابوك تحت؟! مش أنتَ لسه طالع من عنده؟!.
هز سلامة رأسه في إيجاب مما جعل نضال يعقب باستغراب:
-أومال مش بيرد عليا ليه؟!.
رد سلامة عليه بجدية زائفة:
-علشان حضرتك كاسر بخاطره ومزعله، بقالك فترة؛ وبتخلي الراجل يكتم مشاعره...
أردف نضال باستغراب وهو يشير على ذاته:
-أنا؟!..
هز سلامة رأسه مؤكدًا، ثم أردف بنبرة ممازحة:
-جرب كده تكون مكانه وحد يمنعك عن البنت اللي بتحبها وشوف مشاعرك هتنهار ازاي...
نضال يعلم جيدًا بأن سلامة يستفزه ولا يقبل بالوضع ولكنه يحب دومًا خلق جو من المرح...
أسترسل سلامة حديثه بمرحٍ:
-الله يسامحك الراجل ولا عايز يشرب ولا يأكل وقاعد تحت ومش هيطلع يأكل معانا يا عاق، ربنا ما يرزقني بعيل عاق زيك..
-أنا مش عارف أنا قاعد معاكم بعمل إيه غير أنه بيتحرق دمي كأنكم أنتم الاتنين عايشين في كوكب موازي..
سأله سلامة بجدية:
-طب ما تجرب يا أخي تعيش معانا حارم نفسك من المتعة ليه، دي متعة، إثارة تشويق..
ثم أسترسل حديثه بعتابٍ:
-وبعدين فين الأكل؟!.
-هو أنا الخدامة اللي جابها أبوك؟!.
ضيق سلامة عيناه ثم سأله وهو يعتدل في جلسته على الفراش:
-هي مش الكلمة دي بتقولها الامهات ولا إيه؟!.
رد نضال عليه بنبرة ساخرة:
-بيقولها اللي بيعمل الأكل.
بعد محادثة حاول سلامة فيها أن يمرح فيها ويستفز شقيقه في نفس الوقت كعادتهما كل ليلة...
فـ سلامة قد يشبه والده في الطباع، لكنه يمتلك وجه والدته وملامحها، أما نضال يمتلك ملامح زهران ولا يمتلك الكثير من صفاته...
ذهب نضال ليستكمل طهي الطعام ليصدع صوت هاتفه يعلن عن إتصال من صديقه طارق، مما جعله يجيب عليه فاتحًا مكبر الصوت وهو يقوم بتقطيع الخضروات......
-بقى كده يا نضال يحصل كل ده لدياب ومتقوليش؟! لولا أن أحلام قالتلي مكنتش أعرف، وأنا بقول بقالي فترة طويلة كل ما بتصل بدياب يا اما يرد عليا وميكملش دقيقتين ويقفل بأي حجة يا ميردش عليا ويبعتلي رسالة أنه مش فاضي..
عقب نضال على حديث صديقه الذي يأتي من الهاتف وهو يقوم بعتابه بشكل واضح:
-أنا مقدرش أقول حاجة مدام صاحب الشأن متكلمش يا طارق وبعدين يعني اكيد دياب كان هيفوق وهيحكي ليك كل حاجة...
تمتم طارق بسخرية:
-اكيد مش كل مشكلتي أن دياب يحكي ليا، مش هاخد جائزة يعني، مشكلتي إني مضايق إني بعيد ومش قادر أقف جنبه ولا أعمله حاجة..
قال نضال بأسف بعدما توقف عن تقطيع الخضروات:
-يمكن علشان كده هو مقالش ليك علشان أنتَ بعيد وميشغلش بالك على الفاضي وبعدين متزعلش أنا نفسي مش عارف أعمله حاجة بسبب موضوع شغله ده كمان، والمشكلة إني عارف كويس أنه في وضع صعب جدًا والوضع كمل بطلاق أخته...
ثم أسترسل نضال حديثه وهو يخبره بجدية:
-كنت عايز أعرض عليه يشتغل معانا بس أنتَ عارفة هيفضل يقول لا، وهيقرفني، كنت بفكر أخلي ابويا هو اللي يكلمه..
سمع صوت ضحكات طارق رغمًا عنه:
-أنا مش متخيل أنك عايز أبوك اللي يقنعه ده هما علاقتهم قط وفأر ولا كأنهم من سن بعض ولا توأم..
-معرفش بقا يا طارق بحاول أوصل لحل..
هتف طارق على عجلة من أمره:
-طيب أنا هقفل دلوقتي علشان أنا في الشغل أصلا لما أروح البيت هكلمك، وهفكر ممكن نساعده ازاي وهقولك يلا سلام..
-سلام.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا كان نضال يهبط على الدرج إلى حيث تتواجد شقة أبيه...
سلامة ونضال يجلسون في شقة الزوجية التي تخص زهران وزوجته الأولى والدة نضال وسلامة...
أما زهران أنفصل عنهم حينما رغب في الزواج فقام بتجهيز شقة أخرى في البناية له..
فقط في زيجاته الأولى حينما كان عمرهما صغير كان يجلسا معه في الأسفل...
لكن حينما ولجوا في مرحلة المراهقة انفصلوا عنه..
وجد نضال باب الشقة مفتوحًا ليدخل إليها ليجد الشاب الخاص بتوصيل الطلبات في مطعمهم " كبابجي" يقف في الشقة مع والده ومعه بعض الأكياس غير الأرجيلة الموضوعة أمام والده والكثير من الأكياس الخاصة بالمقرمشات، والفول السوداني، والفواكة...
-خد دول عشانك كتر خيرك تعبتك يا حسن.
رد عليه الشاب بابتسامة وهو يأخذ منه النقود:
-تعبتني إيه بس يا معلم زهران تعبك راحة، ولو مش عايز حاجة تاني أنا هنزل بقا علشان معايا طلبات تانية...
-ماشي روح أنتَ..
" يا مساء الخير "
قالها نضال وهنا تخشب وجه زهران بعدما كان بشوشًا، بعدها قام نضال بمصافحة الشاب وتوصيله حتى البوابة ثم صعد مرة أخرى إلى أبيه هاتفًا.....
-هو ده الانهيار...
عقب زهران بنبرة جادة للغاية:
-اه بفش غلي في الأكل أعمل إيه يعني لحضرتك وبعدين هو أنتَ اللي بتربيني ولا أنا اللي بربيك؟!!!..
تمتم نضال بنبرة ساخرة من نفسه:
-رغم إني عارف أن سلامة بيحور عليا، وأنكم أنتم الاتنين فيكم حاجات مع بعض إلا إني ولو لمدة ثواني فكرت أنك مضايق بجد وهلاقيك مجروح بتسمع هاني شاكر وتامر عاشور..
- أنا لما بضايق لازم اجيب كباب ضاني وريش، وفتة وموزة كده غير كده جرحي مبيخفش، وبعدين أنتَ جرحتني جامد لولا موضوع دياب شغلنا أنا مكنتش اتكلمت معاك بس أعمل إيه في قلبي الطيب...
رد نضال عليه باعتراف صريح:
-لا مدام وصلت للموزة يبقى فعلا أنتَ اتجرحت يا بابا حقك عليا......
______________
في اليوم التالي...
كان يجلس نضال برفقة دياب وكان الاثنان في انتظار سلامة الذي ذهب لتوصيل خطيبته بعد عودتهما من العمل سويًا....
تحدث دياب بنبرة مختنقة:
-هو أخوك فين كل ده؟!.
رد نضال عليه بعدما أخذ رشفة من مشروبه:
-ما قولتلك راح يوصل خطيبته..
سخر دياب منه متحدثًا بنبرة متشنجة:
-مش ملاحظ أن خطيبته دي ساكنة معاكم في نفس الشارع ونفس الشارع ده اللي على ناصيته القهوة اللي أحنا فيها...
تمتم نضال ببساطة شديدة وهو ينظر له بـ شكٍ:
-يبقى بيتخانقوا عند بيتها الطبيعي يعني، وبعدين هو أنتَ مالك قالب وشك كده ليه؟! وبتتكلم من تحت ضرسك من ساعة ما شوفتك وامبارح طول اليوم مختفي ومش بترد عليا..
رد دياب عليه ساخرًا:
-وإيه اللي المفروض واحد زيي يعمله في الظروف ده أقوم أرقصلك؟!..
لم تكن عادة دياب أن يشتكي طوال الوقت...
لكن الآن لديه الحق بما يمر به...
وتلك الإجابة تحديدًا حاول أن يخفي بها انزعاجه من رؤيتها...
-لا مليش في الحاجات الناشفة بعد الشر عليا..
وأسترسل حديثه بجدية فهو لم يصدق تلك الإجابة:
-معاك حق بس مش ده اللي مضايقك واضح أن فيه حاجة جديدة، لو حابب تقول قول؛ مش حابب براحتك بس اللي متاكد منه أن السحنة اللي قدامي دي في حاجة خلتها تتقلب بالشكل ده...
تحدث دياب بانزعاج واضح، هو لن يخفي ما حدث له أكثر من ذلك:
-فاكر البت اللي ما تتسمى اللي هي السبب أني أسيب الشغل؟!.
ضيق نضال عيناه وغمغم باهتمام شديد وهو يعقد ساعديه:
-ايوة مالها؟! إيه اللي جابها في بالك تاني؟!.
رد دياب عليه بنبرة متشجنة:
-وهي كانت بتروح من بالي يعني؟! ده أنا كل ما بفتكرها ببقى عايز أمسك في زمارة رقبتها أو أرنها علقة...
لم يفهم نضال ما يحدث مما جعله يقول باستغراب:
-طب وإيه المشكلة دلوقتي، إيه اللي حصل جديد يعني؟!..
هتف دياب بنبرة هادئة وهو يعتدل في المقعد البلاستيكي يخبره بما حدث:
-اللي حصل إني صحيت امبارح الصبح عادي جدًا، نزلت اشوف بهية عادي جدًا علشان شمينا ريحة غاز..
تمتم نضال بعدم فهم:
-ما تقول في إيه يا دياب علطول إيه جو الكلمات المتقاطعة ده ما تنطق مرة واحدة..
قال دياب ساخرًا:
-المحروسة هي اللي كانت هتولع في العمارة، طلعت قريبة بهية..
سأله نضال بغباء جعل المتبقى من صبر دياب ينفذ:
-ايوة مين المحروسة دي؟!.
-رانيا..
-رانيا مين؟!..
تمتم دياب يحاول تذكر أسمها هو يحفظ وجهها جيدًا الذي ألقى بالمشروب عليه لكنه ينسى اسمها:
-مش رانيا، راندا...
يسأله نضال بانفعال:
-راندا مين يا ابني ورانيا مين ؟!.
حاول دياب أن يتذكر اسمها وهتف أخيرًا:
-ريناد، اسمها ريناد، هي السبب في طردي اللي اتخانقت معاها يا نضال أنا لقيتها في شقة بهية وطلعت قريبتها...
أقترب نضال منه ومال عليه متحدثًا بنبرة خافتة:
-أنتَ شارب حاجة يا دياب؟! لو الظروف اضطرتك تشرب حاجة قولي ونلحق الموضوع من الأول..
صرخ دياب في وجهه وجذب بعض الأنظار:
-يا عم شارب إيه هو هتكون أنتَ وأبوك عليا؟! ولا شارب ولا منيل، اللي بقوله حقيقي هي صدفة عجيبة وغريبة بس حقيقة شوفتها في وشي وكنت عايز افصل رقبتها عن جسمها بسبب اللي انا عايش فيه طلعت هي بنت ابن اختها....
بدأ نضال يستوعب الأمر ويتذكر قريب بهية التي كان يخبره دياب عنه...
-خلاص يا دياب فكك منها بقا، ريح دماغك منها واكيد يومين وهتمشي ريح دماغك بقا هي كانت سبب، عيشك في المكان ده اتقطع لحد كده بيها أو من غيرها كنت هتمشي..
كاد دياب أن يعقب على حديث صديقه لكن نما إلى سمعه صوت هاتفه المتواجد على الطاولة ألتقطه ليجد المتصل هي خالته -سمر- أجاب عليها باستغراب ليس من عادتها أن تتصل به طوال الوقت تتحدث مع والدته فقط لكن ليس هو......
-الو، ازيك يا خالتو عاملة إيه؟!
ردت عليه سمر بهدوء..
"تمام يا حبيبي أنتَ إيه اخبارك؟!"
-الحمدلله.
سألته سمر بوضوح:
"أنتَ في البيت؟!"
تمتم دياب بـقلقٍ:
-لا على القهوة في حاجة ولا أيه؟!
"أنا عايزاك تجيلي عايزة أتكلم معاك شوية، بخصوص أمك، ومتعرفهاش أنك جاي".
هتف دياب بـتوتر فبدأ قلقه يتفاقم بشكل واضح:
-أنا ابتديت أقلق قولي في إيه علطول؟!.
"تعالي بس أشوفك ونتكلم، أنتَ واحشني يا ابني"
_____________
اتــصـال منه لها اليوم اخبرها فيه بأنه سيأتي لها في المساء.....
ولم يعطها أي تفاصيل واضحة..
لكنها قامت بتحضير العشاء رغم أنها تعلم ما ستفعله...
أما ما سيفعله هو...
بأنه يأتي للشجار لكن لا مانع من تحضير طعام جيد على الأقل لها...
فتح جواد باب المنزل وولج إليه واستقبلت أنفه رائحة الطعام اللذيذة لكن ليس لديه شهية.....
أغلق الباب خلفه ووضع ميدالية مفاتيحه وهاتفه على الطاولة التي قابلها أثناء سيره وهو يتوجه صوب الأريكة ويجلس عليها..
لتأتي رانيا من الداخل وهي ترتدى أحدى مناماتها الحريرية التي تناسبها جدًا، هاتفة:
-نورت يا جواد.
سألها جواد باستغراب وهو ينظر لها:
-أنتِ بتعملي ايه؟!.
ردت عليه بنبرة فاترة لا تناسب ما تقوله من الأساس كأي زوجة ترغب في أن تطعم زوجها:
-بحضر العشاء جعانة جدًا، هتأكل ولا واكل؟!.
-لا واكل أنا مش جاي علشان أكل، أنا جاي علشان أتكلم معاكي...
هتفت رانيا بنبرة عادية ولامبالاة واضحة:
-ماشي مدام مش هتأكل نتكلم بعد ما أكل أنا....
قالتها ونفذتها وتناولت بشهية كبيرة تعكس تمامًا الحالة التي تعيش بها...
يعلم جواد جيدًا بأن هناك بعض الحالات تتناول الطعام ليكن هو المواساة لهم في فترات الحزن لكنها ليست هي...
لكنه بالرغم من ذلك ظل جالسًا ينتظرها حتى بعدما قامت بجمع الأطباق ووضعتها في المطبخ وصنعت مشروبها المفضل ثم جاءت وجلست على الأريكة بجواره وهي تضع قدم فوق الأخرى هاتفة بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-غريبة يعني مكنتش متوقعة أنك هتيجي بالسرعة دي، قولت بعد ما طردتني هتقعدلك شهر ولا شهرين عقبال ما تشوف خلقتي أو تفضي نفسك وتيجي...
رد جواد عليها بنبرة بدأ يظهر فيها القليل جدًا من انفعاله الذي يكبحه من الظهور:
-أكيد أنا مش هسيبك شهرين معرفش عنك حاجة؛ لو دي صورتي عندك للأسف يبقى متعرفنيش كويس ولا *** علشان يسيب مراته كل ده لوحدها...
تمتم جواد بغضب:
-أنا بجد مش فاهمك أنتِ مكسلة حتى تمثلي قدام نسمة أنك طايقاها، أتعالجي يا رانيا إيه رأيك؟!
لم يزعجها أقتراحه بل على العكس ردت عليه بسخرية شديدة:
-والله انا معنديش حاجة علشان اتعالج منها نقطة من أول السطر أنا مش حابة أعيش معاها في بيت واحد ولا أعيش مع أي حد في الحالة دي أنا حرة...
قاطعها جواد بنبرة واضحة:
-مش كل الأوقات الانسان حر، لازم الإنسان في ظروف معينة يتصرف بانسانية خصوصًا محدش جبرك باحتكاك مباشر، بس يعني أنا هكلم مين عن الانسانية والاخلاق، لو كان بس عندك منهم شوية كنتي قدرتيني كزوج أولا بيمر بفترة صعبة وثانيًا إني ابن عمك مش غريب ولا نسمة غريبة عنك..
هتفت رانيا باختصار شديد وهي تنظر له ببرود:
-أنا مش حابة أسمع شعارات أنا مش هغير وجهة نظري ولا حتى رأيي مهما قولت يا جواد ومهما حاولت معايا، لذلك أنا بقولك أهو انا مش هقبل بده، ولو دي مسؤولياتك الجديدة، فأنا عايزة أطلق علشان نخلص..
نظر لها جواد مدهوشًا هو توقع شجارًا ضخمًا ولكنه لم يتوقع استسلام أو محاولة لأن تنهي كل شيء، لم يكن يدعي المثالية ولكنه تحدث بصدقٍ..
-رغم كل حاجة حلوة ووحشة مرينا بيها يا رانيا، وحتى لما فكرت أتجوز عليكي، عمري ما فكرت أتخلى عنك، ودايما مهما حصل كان عندي عشم فيكي، بشكل غريب ولغايت وقتنا ده معرفش ليه..
قاطعته رانيا بنبرة جامدة:
-أنا مش هقبل وضع مش عاجبني...
رد جواد عليها بنبرة غاضبة ولكنها فضولية:
-نفسي أفهم إيه مشكلتك مع نسمة؟! إيه مشكلتك أنك حتى لو شوفتيها بالصدفة تقولي صباح الخير أو ازيك، إيه المشكلة لو حاولتي تتعاملي كويس وتقدري الموقف اللي أنا فيه؟! فهميني إيه الصعب أنك تكوني عندك رحمة...
هتفت رانيا بنبرة جادة وهي تهتف:
-المشكلة إني مش بتقبل اقعد في مكان فيه حالة زي دي مش اختك بس، من وأنا صغيرة شايفة أن مفيش شيء يستدعي أرهق نفسي وأقعد مع حد من الحالات دي وعلشان كده أنا مكنتش عايزة أخلف إيه الجديد واللي متعرفهوش يعني؟!......
رد جواد عليها بنبرة ألمتها حقًا تلك المرة:
-لا كان ينفع تخلفي طفل سليم ولا حتى طفل أتولد علشان يدخلك الجنة يا رانيا؛ أنتَ متخلقتيش أنك تدي ولا أتخلقتي أن يكون عندك مشاعر تديها لحتة منك مهما كان فيها، يعني افرضي أنا او أنتَ أو حتى لو كنا خلفنا طفل سليم فيما بعد حصلت له مشاكل صحية كنا هنرميه ولا لو أنا تعبت هترميني؟!!!!.
رغم أن حديثه أوجعها لكنها تحدثت بنبرة ساخرة:
-صدقني مش وقت شعارات ولا محاولات تقنعني أنا مش عايزة أكمل وشايفة أنه أنسب حل ليك وليا أننا نطلق..
-أنتِ شايفة كده؟!.
-أه، وأنا حبيت أتكلم معاك في شوية حاجات قبل الطلاق...
نظر لها جواد باستغراب:
-إيه اللي هنتكلم فيه بعد ما حضرتك قررتي تنهي كل حاجة؟! اعتقد الباقي معروف يعني مؤخرك و...
قاطعته رانيا بنبرة جادة وجشعة:
-دي حاجات روتينية ومعروفة أكيد مش بتكلم في كده، أنا كنت عايزة تكتب الشقة دي باسمي والعربية كمان اللي جيبتهالي في عيد ميلادي اللي فات وساعتها بسبب مشكلة الضرائب والحاجات اللي حصلت في شغلي معرفتش اكتبها باسمي بس دلوقتي الأمور أتحلت..
عقد جواد حاجبيه وتحدث بنبرة غامضة:
-طب العربية مفهومة، لكن اكتبلك الشقة بمناسبة إيه؟!.
تمتمت رانيا ببساطة:
-كده أنا بحب الشقة دي وهفضل قاعدة فيها، اومال هقعد في الشارع أنا بنت عمك أكيد مترضهاش ليا...
خرجت من جواد ضحكة ساخرة لم يستطع أن يكبحها...
رانيا سوف تجلس في الشارع؟!.
من أي جهة؟!
إذا ارادت شراء فيلا في الصباح ليس شقة تفعلها فقط من الأموال الخاصة بالعلامة التجارية التي انتشرت بشكل واسع لها ..
-بتتكلمي كأنك عملتي حتى بصلة القرابة بيني وبينك ولا حتى بينك وبين نسمة...
-اديني هريحك مني..
سألها جواد بنبرة لم تفهمها:
-وإيه شروطك تاني يا أستاذة سمعيني؟!...
أردفت رانيا ببساطة شديدة وكأنها لم تقل شيئًا:
-تكتب ليا أسهم أو نسبة من شركة الأدوية والفرع الرئيسي للمستشفى..
ضحك جواد قائلا بنبرة متهكمة:
-أنتِ مش قادرة تستني وتكملي على ذمتي لغايت ما أموت وتورثيني فعايزة تورثيني وأنا حي يعني ولا إيه؟!..
هزت كتفها بلا مبالاة:
-عمو الله يرحمه جوزنا علشان كده اني أكون ليا في ورثه...
قاطعها جواد بنبرة جادة وحقيقية رغم أنه يشعر بالصدمة مما تقوله:
-كان السبب من جوازنا يا رانيا أنك تكوني جنبنا، حاول يقربك مننا؛ ويخليكي جنبنا، كانت الأسباب حاجات تانية كتير أكتر من شوية فلوس وأسهم...
ابتلع ريقه رغم أنه لأول مرة يدرك جشعها الغريب، ثم تحدث بغضب:
-وبعدين هو مين اللي دفع علشان تفتحي أول فرع غيري؟! وأبويا فضل معاكي في كل فرع جديد بتفتحيه وكل خطوة بتعمليها أنتِ كنتي مديرة شاطرة وناجحة أنك تمشي الدنيا لكن البداية مكنتش تعبك ولا رأس مال يخصك، أنتِ لا أحنا اللي عملنا كده حتى لو أنتِ كملتي..
-بس هو نجاحي، وأنا دي طلباتي علشان نطلق..
تمتم جواد بنبرة جادة ولأول مرة يدرك بشاعة ما يعيشه معها أو مع أحلام حتى:
-العربية هكتبها، الشقة هكتبها علشان بس أنا مقدرك لأخر لحظة ومؤخرك هتأخديه الضعف لكن أسهم في شركات أبويا أو المستشفيات بتاعته لا..
-مستسخر فيا؟!
رد عليها وهو يرفع حاجبيه بدهشة من وقاحتها:
-اه..
______________
-خالتو أنا ولا عايز أشرب ولا عايز حاجة أنا عايز افهم في إيه؟! وماما مالها..
قال دياب تلك الكلمات وهو يجلس في شقة خالته التي تقوم بوضع العصير والكعك أمام ابن شقيقتها...
تمتمت سمر بنبرة متوترة:
-هي كانت ناوية تقولكم بس عماله تأجل وكمان موضوع إيناس ده خلاها مش عارفة تقول قدامكم ازاي وعلشان ظروفك وظروف شغلك بس انا مش حابة أنها تخبي أكتر من كده..
هتف دياب بتردد:
-ايوة تقولنا إيه؟! قولي علطول متقلقنيش أكتر من كده....
ردت سمر عليه بألم وانزعاج:
-أمك عندها كانسر يا دياب ولازم تبدأ تأخد كيماوي، وهي مطنشة بقالها مدة وده خطر عليها لازم نبدأ بالعلاج علشان نقدر نسيطر على الحالة؛ لما كانت بايتة عندي روحت أنا وهي للدكتور سوا...
•تابع الفصل التالي "رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم" اضغط على اسم الرواية