رواية انصاف القدر الفصل الثالث 3 - بقلم سوما العربي
رواية إنصاف القدر الفصل الثالث
يجلس مقابل صديقه (كارم) الذى يرمقه بنظرات محتاره.
يرتشف بضع من قهوته ويعاود النظر إليه.
كارم:فى ايه يا عامر مالك كده؟
عامر :مالى؟
كارم :مش عارف.. مش مظبوط خالص.. كأنك مستنى حاجة او حد.. قاعد عمال تفرق على الكرسى زى العيال الصغيرين.
عامر :ايه الى بتقولو ده.. ماتلم نفسك يالا.
كارم :الله مش بقولك إلى انا شايفه... انت مش مظبوط والله.
عامر :بقولك ايه.. انت هتعمل شغل المباحث ده عليا... اشرب قهوتك وانت ساكت.
كارم :ياخى حرام عليك دى رابع قهوة اشربها امال فين الغدا.
عامر:قول كده بقا.. حاضر يا سيدى هنأكلك.
ثم اخذ يتطلع حوله ربما تكون قد عادت من الخارج... منذ الصباح بعدما رحبت بخالته وابنتها بحفاوة غير عادية او متوقعه خرجت.. حتى لم تتناول الفطور معهم. وقد قارب المغرب على الأذان ولم تأتى حتى الآن.
كارم يجلس يتابعه... كل حركاته.. بحكم مهنته هو متأكد أن صديقه به شئ.
كانت كارما تسير باتجاه هديل تحمل معها بعض المسليات فتحدث عامر سريعاً :كارما... كارما.
اتت سريعا تقول :مساء الخير.. مساء الخير يا حضرة الظابط.
كارم :مساء النور ازيك يا كارما.
كارما: الحمد لله
عامر :احمم.. اا لو الكل بقى موجود قوليلهم يحضروا الغدا.
كارما :ماشى هخليهم يحضروه.
عامر :يعنى مليكه رجعت؟انا قاعد من بدرى فى الجنينة ماشوفتاش.
كارما :لا ماهى بعتت رساله على موبيل تيتا انها هتتغدا برا.
حاول عدم الشعور بالضيق.. عادى... فلتأكل بالخارج وما يعنيه هو بالاساس.
ذهبت كارما وظل كارم يسلط نظراته الثاقبة على صديقه.
كارم:هى فين مليكه صحيح... وحشتنى العفريته دى.. بقالى مده ماشوفتهاش.
عامر :ها. مش عارف.. خرجت من بدرى.
كارم :اممم... بس انت بتسأل عليها ليه؟
عامر :ايه يابنى مش مسؤله منى.
كارم:مسؤله منك اااه.. صح عندك حق.
نظر له عامر بضيق وصمت. وكارم مازالت نظراته عليه يبتسم بخبث يود الضحك بشدة.
عامر :فى ايه ياض انت بتبصلى كده ليه... انا غلطان اني مصاحب واحد زيك.
كارم:والله انا ال غلطان فى حق نفسى أنى مصاحب واحد زيك.. حويط ومش صريح ابدا... قاعد من الصبح فيك حاجه.. عمال تفرك وتتلفت حوليك زى اللى عامل عامله وبتتحجج وتسأل على مليكه... عبط احنا بقا.. مانا اكيد هربط الاحداث ببعض يعنى وافهم انك بتتلفت تشوفها رجعت ولا لأ.
عامر:ايه الهبل الى بتقولو ده.. انت عبيط.
كارم :بص بس عشان القفشه بتاعتك دى مش هتجيب معايا.. انا قاريك يالا.. انطق وقولى ايه سر التغيير المفاجئ ده.. فى ايه؟
عامر :يابنى مافيش.. كل الحكايه انى عايز اتابعها بنفسى.. حصل حاجة كده من فتره خلتنى احس أني لازم اتابعها اكتر.
زم كارم شفيته بعدم اقتناع يضع اصبعيه تحت ذقنه يقول:اممم... بجد.. حاجة ايه دى؟
عامر بلامبالاه وكبر:ابدا يا سيدى.. جت يوم عيد ميلادها تقولى انها بتحبنى وبتاع وكلام كده... مش عارف ازاى تفكر كده اصلا.. ولا فاكره او بتقول انها متأكده أنى بحبها بردو.. شغل هبل فى هبل كده.
ينظر لصديقه ينتظر الانبهار او الصدمه... كارم يعلم ذلك.. يعلم أن صديقه ينتظر منه ان يصدم ولكنه لن يفعل فليجعله يهبط من سماءه العالية قليلا ولا يتحدث هكذا عن مشاعر بنت صغيره كل ذنبها انها أحبته.
كارم بهدوء:طيب وبعدين.
عامر :ايه الى وبعدين.. انت ماسمعتش إلى انا قولته؟
كارم :لا سمعت.. بس عااادي جدا وبيحصل كتير.
زوى عامر مابين حاجبيه بضيق وقال:هو ايه اللي عادي يابنى انت؟
كارم :ايوه.. بص هفهمك... هى قالتلك بحبك صح؟
عامر :هممم صح.
كارم :بطل تناكة اهلك دى ورد عليا عدل وحياة ابوك.
عامر :احترم نفسك يا*****وكمل.
كارم :ماعلينا.. هبلع الاهانه عشان مش عايز اضربك قدام اهللك.. أول حاجة طبيعي جدا ان بنت فى سنها تقريبا انت الى مربيها تقولك كده.. دى مشاعر مراهقة يعنى ممكن حست كده ساعتها بعدها بساعه واحدة لا.. بطلت.. مابقتش بتحبك ولا حاجة.. فى السن ده وخصوصاً البنات بيبقي عندهم تغيرات كبيره وسريعة.. يعنى ممكن الى تحبه النهاردة تانى يوم تشوفوا عادى... مراهقه.
صدم عامر كليا وقال وهو يعتدل قليلا على مقعده :نعم؟
كارم:ايه اول مره تسمع الكلام ده.. مادرستش علم نفس قبل كده؟
كان عامر صامت فقط مصدوم مما يقال.. فاكمل صديقه :طب احكيلى كده بعدها كانت بتتعامل معاك إزاى؟
تحدث عامر بعد دقيقة من الصمت والزهول يخبره بما حدث وأنها تغيرت كثيرا بل وتتعامل كأنها لم تخبره شئ.
كل ذلك وكارم يشعر أنه لا.. تلك الصغيرة حقا تكن له شئ.. هذه ليست أول مرة يكن فيها بيته ويلاحظ اهتمامها به.. لكن ليربى عامر قليلاً ربما تحدث المعجزة ويتغير جبل الجليد هذا.
كارم بهدوء :طيب شوفت... زى ماقولتلك بالظبط.. والدليل على كده انها بتتعامل بهدوء وبراحة خالص.. هو حاجة من الاتنين.. ياما هى كانت بتحبك فعلاً ولما انت قولت كده اتضايقت من نفسها انها حبت واحد حيوان وجلف زيك.
. عامر :ولااا.
كارم :اسمع منى انا بكلمك كأخ.. رد فعلك على كلامها كان بشع يعنى لو هى بتموت فيك ردت فعلك كفيله انها تكرهك الف مره.. مش بتحبها ومش عارف تشوفها كده ترفض اه بس تحترم مشاعرها مش تقعد تضحك وتقرقع اوى.. هى قالتلك نكته ده انت حيوان اوى.
عامر :كاااارم.
كارم:بلا كارم بلا زفت على دماغك.. بنوته صغيره وحلوه جايه تقولك وبنفسها بمنتهى البراءه انا بحبك تقوم انت تقعد تقهقه اوى كده يالى ماعندكش دم يازباله... ياخى ياريتها كانت حبتنى انا وانا كنت فتحت حته من ضلوعي كده ودخلتها جواها خبيتها وروحت نمت وانا مرتاح ومبسوط... عارف يعني ايه يا مهزق يا عديم الدم لما بنوته في سنها تروح تقول لواحد هى انها بتحبه عارف ولا انت أعمى القلب والنظر.... مش كفاية انها حبت واحد زيك بسنك الى عجز وتقل دمك وبرودك.. يخربيتك ده انت مافيش فيك ميزه... وكمان بتتنك اوى... انت عارف واحده حلوه جدا جدا جدا زى مليكه وصغيرة كام واحد يتمناها وانت تقولها انتى بنوتى... يا اخى جتك البلا فى تقل دمك وسماجتك.
كل هذا وعامر مصدوم... هل كل ما اعتقده غير موجود.. هل فعلاً أصبحت لا تهتم.. توقفت عن حبها له.. والدليل على ذلك تغيرها الكامل.
نظر بصدمه ناحية كارم وقال :والاحتمال التانى؟
كارم :الاحتمال التانى انها مشاعر مراهقه سريعه وجديدة عليها... حست كده وقتها فاجت تقولك وبعدها مافيش... هما شويه أحاسيس جديدة حست بيهم وعبرت عنهم وبعدها خلاص مافيش.
عامر :ايه؟
كارم :لأ ده فى احتمال انيل وانيل.
عامر:ايه هو؟
كارم بمكر:انها بتحبك.. اب.. اخ. مش اكتر وهو ده كان قصدها ساعتها.
صدم عامر على الاخير يتحدث بزهول :ايييه؟
كارم ببرود:اه.. هى مثلا قالتلك عايزاك تتجوزنى.. تخطبنى.. اى حاجة من الحاجات دى؟
ردد عامر بصدمه :لأ.
كارم :طيب مايمكن قصدها انها بتحبك بالشكل ده. الاب والأخ.. انت ليه دماغك راحت فى حته تانيه؟
ابتلع لعابه يقول:لأ.. لا ياكارم ماكنش قصدها كده.
كارم :وانت تعرف منين.... ولا انت الى من جواك بتتمنى ان ده يكون قصدها.
رفع نظره له بتفاجئ يقول :قصدك ايه؟
كارم :مش قصدى.. بص انا عارف انك طول عمرك شايفها بنتك.. ولحد دلوقتي انا عارف ومتاكد أنك يعنى مالحقتش تحبها.. بس انت الكبر الى بيجرى فى دم اهلك ده صورلك انها جايه تقولك بموت فيك.. مايمكن قصدها حاجة تانيه... هو هو نفس الكبر الى مخليك دلوقتي مش متقبل فكرة انها بطلت تجرى وراك ويبقي كل اهتمامها متركز عليك انت لوحدك وانت لا تهتم ولا تاخد بالك.. عايز ترفض حبها وكمان تهين مشاعرها الى عبرت عنها بمنتهى الفطره والبراءة وهى لازم تفضل متجننه بيك بردوا.. طب انت مين قالك او فهمك أن ده هيحصل.. هتتصدم شويه وتفوق من الوهم ده... ده كلامى ده كله اصلا على اعتبار أنها كانت قاصده تقولك بحبك كحبيب وحبيبه مش اب وبنته.
ابتلع عامر ريقه مره اخرى بصعوبه وقال :يعنى.. يعنى دلوقتي ايه اللي حاصل.
كارم ببرود :ياسيدي ماتهتمش ولا تاخد فى بالك.... كله بيتنسى.
احتدت نبره عامل قليلاً وقال:ماتنطق يازفت.
كارم بمكر:ياسيدي انت بتكلمنى كده ليه... هو انا دكتور نفسى ده انا ظابط شرطة.. هما بس كلمتين قاريهم من الكتب بتاعت امى إلى ماليه البيت مش اكتر.
عامر :طب قول كلامك للآخر.
كارم بخبث:انت مدى الموضوع اكبر من حجمه ليه بس.. الموضوع خلص خلاص.
عامر :خلص؟!
كارم :ايوه امال انت مفكر ايه... خلص.. هى تقريبا كده هتلاقيها اتصدمت يومين طبعا ده بفضل رد فعلك الكيوت الحساسه وبعدها فاقت وقررت تخرج من الدايره الى هى عملتها لنفسها.
عامر :يعنى ايه.
كارم :هو كل حاجه يعنى ايه يعني ايه. مش عارف حاجة في دنيتك خالص فالح بص هتقهقه قوى وهى بتقولك.
عامر :كااااارم.. اخلص انا مش ناقصك.
كارم :انا مش عارف الموضوع ده مخلى أعصابك فلتت ليه. بس هفهمك واخد فى واحد زيك ثواب.. بص ياسيدي دلوقتي وبحكم انى دخلت بيتكوا كتير هقولك انها كانت مخليه يومها او مركز حياتها انت. بمعنى اصح كانت عايشه في عالم عامر الخطيب.. كل حاجه متركزه حواليك انت.. بعد الى سيادتك هببته و بعد ما فاقت من الصدمه اول خطوة هتعملها انها تخرج بره الدايره دى وتحاول تصنع لنفسها دايره جديدة تعيش بيها وعليها... الايام الجايه هيبقي كل تركيزها انها ازاى تبسط نفسها.. نفسها وبس.
عامر:يعنى ايه تخرج برا دايرتى؟!
كارم :ومالك مصدوم كده.. مش هو ده اللي انت عايزه.
صمت عامر فقال كارم :هو الخوف الأكبر من حاجات تانيه
رفع عيونه له وقال بسرعه :حاجات ايه؟
كارم:يعنى.. واحدة مصدومه في حبها الخوف تروح تدور على حب تانى بسرعه عشان تثبت لنفسها انها حلوه ومرغوبه خصوصا بعد ما انت كسرتها بالشكل ده.
عامر :كسرتها؟
كارم :ايوه... أمال انت مفكر ايه.. انت حطمتها مش بس كسرتها... الخوف الأكبر هو انك بقيت تهتم اوى وانت مش واخد بالك.
عامر :ايه الى بتقولو ده.. دى مسؤولية وانا دايما بتابعها.
كارم :يبقى خلاص.. الى حصل حصل وللأسف انت مش هتقدر تصلح فيه حاجة.. الامل الوحيد والى ممكن يبقى زى ما قولتلك احتمال كبير انها كانت بتعبر عن حبها ليك كاب واخ حد مربيها وليه فضل عليها يعنى مش اكتر.
صمت ينطر بخبث لملامح صديقه التى بهتت وقال:ادعى معايا.
اما عامر فلم يدعى بشئ.. بماذا ينصحه ان يدعى ذلك الابله.. لقد صدم من حديثه الأخير.. لا يتوقع أن يكون اعترافها على أنه اب واخ... لا ابدا.. كانت تنظر له بعشق وو.. قطع حبل افكاره المصدومه صوت كارم:ايييه روحت فين... خليهم يحضروا الغدا بدل ما اقلعكوا هنا... يالا انا جوعت.
____________________________
فى احد المقاهى على النيل كانت تجلس مع مجموعة من اصدقائها منهم من يدخن الارجيله ومنهم من يشرب سجائر.. الجميع يضحك يتحدثون مع بعض.. على احد الجوانب كانت تجلس تحتسى مشروب الكوكتيل المثلج تستمع لهم يخططون لرحلة جديده.
ندى:ها ايه رأيك... تعالى نغير جو.
مليكه :لا ماليش نفس.
ندى:يابنتى فكى بقا... يالا نطلع لنا يومين انا بجد عايزه اهرب من مشاكل البيت دى.
مليكه :امشى اورح فين واسيبه؟
اتسعت أعين ندى وقالت بصدمه:يانهار اسود.. هو انتى لسه زى ما انتى.
بادلتها مليكه باستخفاف وقالت :لا مش زى مانا.. كل حاجه اتقلبت.. مش هسكت يا ندى على الى عمله... مش هسيبه الا اما يقول حقى برقبتى... انا بنى ادمه لحم ودم... قلبى فيه نار بتغلى ومش هيبردها الا اما يبقى مكانى.
ندى:انا حاسه بيكى بس هتعملى كده ازاى هو مش شايفك اصلاً.. كان من باب أولى كنتى عرفتى تخليه يحبك.
مليكه :كنت بتعامل بطيبة.. انتى كان عندك حق.. مفيش حاجة في الدنيا دى بتمشى بالساهل كده.. فعلا كل حاجه محتاجه حاجه... لازم خطه. لازم يبقى فى بلان بى.. انا كنت بتعامل بالفطرة.. خلينا نجرب مخنا بقا.
ندى:يخربيتك... ناويه على ايه.
مليكه:كل خييير. اطلبلى بقا واحدة بيتزا لارج عشان مهبطه.
_____________________________
فى تلك الحاره التى تسكن بها نجلاء.
كانت تجلس تقلب فى هاتفها بملل.. لقد أخذت دش بارد للتو يقلل من ذلك الحر قليلاً.. ثم قامت بتشغيل المكيف.. وضعت طلاء أظافر من اللون البمبى وأخذت تقلب بهاتفها.. فلحيترق توفيق ولتحترق ايامه.. تدعو الله الا تعود تلك الأيام ثانية.. كم تشعر بالراحة في البعد عنه.. طوال ماهو موجود تشعر بالتوتر.. الارتباك.. ان لديها الف شئ وشئ تفعله.. لا وقت لديها لتدليل حالها ابدا... طلاء الأظافر هذا ماكانت تجد وقت حتى لتضعه.
أغمضت عينيها لا تريد ان تتذكر تلك الايام.
أخرجها من شرودها صوت جرس الباب.
أحضرت شئ طويل تغطى به رأسها.. فتحة القليل من الباب تخرج رأسها فقط كى لا يظهر جسدها بمنامه البيت.
أطلت برأسها للخارج وجدت المعلم رجب يقوم بتمشيط شعره الأسود على جنب.. يعدله بيده كل ثانية وهو يبتسم باتساع:مساء الخير يا ست ام ندى.
نجلاء باستغراب من هيئته ومن وجوده ومن كل شئ:مساء النور.. اهلا يا معلم. خير فى حاجة؟!
رجب بابتسامة واسعه بلهاء:أبدا دول شويه كوارع ولحمه راس لسه طازه يستاهلوا بوقك.. أول ما جالى الطلب الوصاية ده جيتى على بالى على طول.
رمشت بعينيها ببلاهه تقول :ااا.. ليه يعني يا معلم انا ماوصيتكش علي حاجة انا اصلاً مش باكل الكوارع ولا لحمه الراس لا انا ولا ندى.
رجب :ازاى بس يا ست البنات.. دول يروموا العضم ويشدوا الجته ويقووا الصحه.
رددت ببلاهه :ست البنات؟!!... لا كتر خيرك يا معلم متشكرين.
رجب ببعض الحزن الحقيقي : ليه بس كده يا ست البنات ده النبى قبل الهدية.
نجلاء :وكمان هديه!.. لا شكرا يا معلم انا مش بقبل هدايا من حد غريب.
رجب بحزن: وهو انا غريب بردوا ياست البنات.. ده احنا جيران وولاد حته واحدة.. احياة النبى ماتكسفينى.
أحرجت نجلاء كثيراً وقالت كى تنهى الموقف ويذهب من أمام بيتها:ماعلش يامعلم اعفينى.. انا حتى مش بعرف اطبخهم وبقرف من ريحتهم.
اتسعت ابتسامته على الفور يقول بسرعه :لاااا لو على كده محلوله بعون الله... بالاذن انا دلوقتي يا ست البنات.
ذهب سريعاً بفرحة عارمه وهى تنظر لاثره بزهول تردد:ماله الراجل ده... وايه ست البنات ست البنات هو شايفنى راجعه من درس ولا مدرسه.. ده اكيد عبيط.
____________________________
فى المساء
كان يجلس وحيداً فى بهو الفيلا المطل على الحديقه يفكر في كلمات صديقه.. حتى الآن لا يعلم لما هو متضايق من فكرة عدم اهتمامها به كالسابق.
وجدها تدلف بهيئتها تلك التي خرجت بها في الصباح نفس البنطلون الجينز والتيشرت الابيض وتلك القطتين التى تصنعهم بشعرها البنى الجميل... شرد بها قليلا وهى تتقدم فى الحديقه تتصفح هاتفها... يقر انها جميله جدا جدا... بل رائعه التكوين... ينظر تجاها وهو يعلم أنها لن تعيره انتباه بالتأكيد.. ربما ستلقى سلام عابر وتصعد لغرفتها.
بالفعل تحدثت قائله :مساء الخير يا ابيه.
نظر لها اووه. إنها تبتسم.. رد سريعا :مساء الخير يا مليكه.. عامله ايه؟
كان يسأل بصدق.. يود أن يطول الحديث ولو لثواني قبل ان تتركه مع تجاهلها الجديد هذا.
لكن.. انشرح صدره وهو يجدها تقترب منه تجلس لجواره قائله بمرح :الحمدلله كويسه جدا.
استغرب كثيرا جلوسها معه كالسابق وقال :كنتى فين؟
مليكه:كنت مع صحابى.
عامر:اكلتى؟
قالها باهتمام حقيقي وهى تنظر له بتمعن ثم قالت بخبث:مش اوى.. تيجى نعمل حاجة سريعه ناكلها... ولا.. لا لأ خلاص سورى.. ماكنتش اقصد.. انا عارفه ان ماينفعش عامر بيه يدخل المطبخ اصلاً.. هروح انا.
وهل سيضيع تلك الفرصة فهى وبعد ايام طويلة من التجاهل عادت تهتم من جديد.
رد سريعاً :لا هاجى معاكى.. يالا.
ابتسمت بوداعه وقالت :بجد.. طب تعالى.
مدت يدها تسحبه خلفها.. وهو.. ينظر ليديها يشعر باشياء جديدة عليه كليا وأهمها انه سعيد جداً.
ذهبت به للمطبخ تخرج بعض انواع من الجبن المختلفة.. تصنع لها وله بعض الشطائر... وهو يتابعها باعين متحمسه سعيدة.. كأنه يكتشفها من جديد.
انتهت من صنع الشطائر واقتربت منه بهدوء.
فجأة وجد نفسه قريب منها جدا...يتنفس بصعوبه وهى ملتصقه به هكذا تقريبا داخل احضانه.. يغمض عينيه باستمتاع رهيييب وجديد وهو يجدها تحاول أن تطول بيدها مكينة القهوة التى خلف ظهره.
مليكه بهمس:سورى ممكن بس اعمل كوفى لينا.
تاه عامر بها وبقربها.. ينظر لها نظرات جديه ولا يجيب.
اخرجته من تلك المتاهه وهى تقول مجدداً :مكنة القهوه وراك.
رمش بعينيه وتزحزح قليلا لكنه لم يبتعد انما افسح لها فقط.. يريد أن يظل على ذلك القرب وتلك المسافه منها.. ملامحها بذلك القرب مزهله وهى تكاد ان تكن ملتصقة به يشتم رائحتها.
كانت منشغلة بصنع القهوه وهو منشغل بمتابعتها.. لا يعرف لما يحرقه الشوق لاحتضانها.
انتهت سريعاً ونظرت له بابتسامة لطيفة :خلصت... تعالى نقعد.
جلست على احد المقاعد تعطيه القهوه مع احد الشطائر تقول :امال الناس فين... مش شايفه حد هنا خالص؟
لازال سحرها واقع عليه ولم يستفق او يجيب.
مليكه:ابييه.. ابيه عامر.
عامر :ها.
ملكية :سرحت في ايه؟
عامر :لا ولا حاجة كنتى بتقولى ايه؟
مليكه :كنت بسأل على باقى الناس فين كارما ومحمد وطنط وتيتا وهديل وطنط صفاء.
عامر:جدتك اخدت الدوا ونامت من بدرى.. وباقى الناس راحوا حفلة لمسرح مصر.
مليكه :واااااااو.. بجد طب وماحدش قالى ليه؟
عامر :وانتى بقيتى فاضيلنا اصلاً ولا بنشوفك.
مليكه :لا موجوده اهو بس بحب اخرج مع صحابي الى من سنى مش اكتر.
عامر :الى من سنك امم.. ماشى.
مليكه :وانت ماروحتش معاهم ليه؟
عامر :انا.. انا اروح اوبرا.. اروح حفلة اوركسترا.. مش الهلس ده لآلا.
مليكه :امممم.. صح عندك حق. وهى تتمتم داخليا(بتاع النايت كلاب بيروح اوبرا حور اوى حور يابتاع الستات انت)
عامر :كنتى فين بقا؟
مليكه: طب كل الاول عشان احكيلك.
ابتسم باتساع وانشرح قلبه فقد عادت مليكه القديمة.
اخذ ياكل سريعاً يستمع لها تحكى مافعلته بيومها إلى أن وصلت لرحلتهم جميعا فقال بسرعه :ايه.. رحلة.. وانتى هتروحى معاهم.
وضعت يدها على يده بسرعه جعلت القشعريره تسرى بجسده سريعاً وقالت بوداعه وبحه مميزه اغرقته:لأ وانا من امتى بروح مكان انت مش فيه أو من غير ما اقولك.
لأول مرة يفرح بحديثها الذى لطالما كانت تقوله... لكنه الان سعيد بكل حرف تنطق به... سعيد جداً بيدها التى على يده ينظر لعيونها تاره وليدها على يده تاره أخرى وهو غارق بأشياء كثيرة لا يعرف لها تفسير إطلاقا.
انتهت من الطعام سريعاً وظلت جالسة معه تختلق الأحاديث كما كانت تفعل قبل ذلك اليوم المخزى... لكن الجديد الان انه مهتم جدا وسعيد على عكس الماضى حينما كان يستمع لثرثرتها فقط كى لا يحرجها.
يتحدث معها ويسأل عن أشياء كثيرة كى يطول الحديث أكثر وأكثر.
وقفت تقول :الوقت اتأخر... يالا نطلع ننام.
عامر :لأ لسه بدرى دول حتى لسه ماحدش فيهم رجع.
مليكه :لا مش قادرة افتح عيونى خالص بنام على نفسى.
عامر :لا خلاص يبقى لازم تنامى.
ابتسمت له بلطافه وتعلقت بيده تقول :طب يالا وصلنى لاوضتى.
وهل سيرفض.. هو الان يحلق في السماء من جديد.. كل أحاديث كارم التى كانت تزعجه طوال يومه غير صحيحة.. لقد عادت له مليكه من جديد... مليكه التى تهتم به اكثر من اى شئ على الاطلاق.
صعد معها السلم وهى تضع يدها بيده.. ينظر على يدها الصغيرة داخل يديه يريد أن يستشعر أصابعها كل على حدى مثل اى مراهق.
وقف على باب غرفتها وهم لفتح الباب فقالت :يالا تصبح على خير بقا.
عامر :ايه هدخلك تنامى زى ما كنت بعمل زمان.
اقتربت من اذنه حد الخطر تهمس بحرارة تقصدها جدا :ده كان زمان وانا صغيره مش شايف انا كبرت ازاى.
قالت كل حرف قاصده به هدفها ببراعه... تشعر بأن حرارته قد ارتفعت بالفعل وهو يقف متصلب مزهول هكذا وهى كل ما فعلته انها دلفت لغرفتها وأغلقت الباب.
وهو ظل لدقيقه يقف يستوعب ما يحدث له وما اصبح يشعر به.
تحرك ببطئ لا يقوى عليه وذهب تجاه جناحه.. يلقى بجسده على الفراش باهمال وهو يغمض عينيه باستمتاع رهيب وكل ما يشغل باله.. لقد عاد اهتمام مليكه من جديد.
____________________________
فى صباح اليوم التالي
بشقة نجلاء خرجت من المطبخ تمسح يدها بمنشفه صغيره خاصه بالمطبخ وهى تسير بسرعة إثر صوت ذلك الجرس المزعج وابنتها نائمه.
فتحت ندى باب غرفتها تقول :ايه ده فى ايه يا ماما مين الى بيرن الجرس كده وعلى الصبح.
نجلاء بعصبيه:انا عارفه.
فتحت الباب وجدت صبى فى الثانية عشر من عمره يحمل لفه كبيره بيده يقول :صباح الخير يا خالتى ام ندى.
نجلاء:صباح الخير يا بنى انت مين ولا عايز مين؟
الصبى:انا حوكشا.. الى شغال فى مسمط ام تغريد.
نجلاء :تشرفنا يا سى حوكشا أمر.
حوكشا :مايأمرش عليكى ظالم.. الطلب ده ليكوا.
رددت ندى التي تقف خلفها بزهول :لينا؟!
حوكشا :ايوة. المعلم رجب الجزار موصى عليه بنفسه وقال لازم يجيلكوا على الفطار...ده موصى المعلمه وخلاها تفتفح بدرى مخصوص عشانكوا... اتفضلوا... بالاذن انا بقا.
ذهب سريعا وتركهم ينظرون لبعض ثم لتلك اللفة بصدمه حيره كأنها قنبله وعلى وشك الانفجار بوجههم.
_____________________________
فى قصر الخطيب.
استيقظ من نومه وعلى شفتيه ابتسامه تعرف طريقها ذاتيا لوجهه لأول مرة.
اخيرا عادت مليكه كالسابق... وقف سريعاً يؤدى روتينه اليومى كى يهبط لهم.. اشتاق لأن تصب اهتمامها عليه.. سيذهب سريعا كى يحظى به وامام الجميع كما كان.
ارتدى حله من اللون الاسود.. ساعة يده الماركة. عطره الخاص به وحده و قميص اسود مشدود.. حذاء لامع.
هبط الدرج بسرعه ينظر تجاهها هى فقط... ابتسم براحه وهو يجدها جالسه من قبله كما كانت تحرص دائما ولم تتأخر مثلما أصبح يحدث منذ أسبوعين.
مليكه عادت له.
القى السلام على الجميع وللعجيب وجد نفسه يلقى بسلام خاص لها فقط.. كانت هى تفعلها دائما سلام للجميع ثم سلام خاص به وهو الآن فعلها بفطره.
لكن كانت الصدمة من نصيبه وهو يجدها ترد على سلامة ببرود دون أن تنظر له.. تكمل طعامها وكل تركيزها مع جدتها من جديد.
ثم وقفت دون أن تلقى عليه نظرة واحدة.. تخطف قبله من وجنت جدتها تقول :انا رايحه لندى زى ما قولتلك يا تيتا.
اماؤت لها الفت سريعا وهى تبتسم بفرحة وتشفى.
وهو فقط يشعر انه بدوامه... تدور به الدنيا من حوله لا يفهم او يعى شئ........
•تابع الفصل التالي "رواية انصاف القدر" اضغط على اسم الرواية