رواية انصاف القدر الفصل الثاني 2 - بقلم سوما العربي
رواية إنصاف القدر
الفصل الثاني
تجلس ببيت ندى لاتصدق ماتسمعه... والدة صديقتها والتى تتخذها رمزاً للعقل والحكمه خرجت عن صمتها وتريد الطلاق الان.
كانت نجلاء تقوم بصب القهوة لها ولمليكه لحين استيقاظ ابنتها الكسوله.
تنهدت وهى تلاحظ نظرات مليكه موجهه لها بصدمه.
تحدثت قائله :عارفة انتى بتقولى عليا ايه دلوقتي.... زى امى واخواتى وكل الناس.. الناس شايفنى اتجننت على كبر... شايفين قدامهم باشمندس اد الدنيا... مكفى بيته وعياله.. دايما وهو راجع من شغله شايل ومحمل.. وإلى بنطلبه بنلاقيه... مايعرفوش أن الباشمندس المحترم ده سرقنى.
اتسعت أعين مليكه فاكملت:ايوه سرقنى... سرق عمرى... سرق شبابى...لما تعيشى مع راجل عمره ماحبك ولا حتى حاول... عمره ما قالى كلمه حلوه ولا حتى شكر او اعترف باى مجهود بعمله وكل كلامه وانتى قاعده في البيت بتعملى ايه يعني... على فكره انا عارفه ان فى رجاله كتير مش بتعرف تعبر عن حبها وبتتحرج من كده بس على الاقل بتترجمه لافعال حتى لو بسيطه.. ده غير ان الباشمندس توفيق لسانه حلو اوى برا... برا البيت بيتحول...عايش معايا وهو نافش ريشة... مستكتر نفسه عليا ودايما موصلى الإحساس ده.. لما بقولك سرق عمرى مش ببالغ.. عارفة يعنى ايه لما تبقى طول عمرك عايشه مع بنى ادم محسسك أن هو ده بس الى تستحقيه... هو ده أقصى حاجة ممكن توصليلها وماتحلميش ولا تطمعى فى اكتر من كده... طول عمرى شايفه نفسى حلوه... معاه بدأت احس اني مش حلوه اصلاً من طريقته معايا.. طول الوقت عنده علاقات.. كلام خروج ولما انطق امى تقولى طالما بيخلص لف برا وييجى ينام في فرشتك يبقى خلاص.... خلاص خلاص خلاص لما بقا العمر كمان خلاص... عمرى اتسرق من غير ما اعيش ولا احس باى لحظه حلوه... دايما عايشه في ضغط واسترس.. لا الاكل بيعجبه ولا ذوقى فى ترتيب البيت ولا حتى شايف انى بعرف البس عدل... هه ده حتى تربيتى لبنتى مش عاجباه ودايما كان يعلق على كلامى. الفاظى.. انتى متخيله انا عايشه في ايه.. ده غير انى تقريباً مش عارفة عنه حاجة.. معاه كام بيقبض كام... ومش مسموحلى حتى اعرف... لما اتكلم يرد عليا بقرف و يقولى(مش ليكى أن الى بتحتاجيه تلاقيه.. مالكيش فيه بقا) عارفه يعنى ايه يا مليكه انى اعرف أخبار جوزى من سلفتى.. وتبقى قاصده تقول قدامى قال يعني وقعت بلسانها عشان بس تكيدنى وتقولى( ايه ده هو توفيق مالكيش طب والنبى ماتقولى لحد انى قولتلك حاجه)... متخيله كل ده عيشت فيه سنييييين.. ضيعت فيها شبابى وانا بسمع لنصايح امى العاقلة وأنى احافظ على بيتى وماخربش على نفسى وكلل الحاجات دى. وأدى النتيجه... عمرى ضاع على الفاضى.. تعبت ومابقتش قادرة استحمل اكتر من كده.
كانت تستمع لها بصدمه... من يراها لا يصدق ابدا انها هى نفسها تلك المرأة التي تبتسم وتتعامل وكان لا شئ يحدث.. كأنها تعيش حياة مستقرة هادئه.
تحدثت بصدمه :يعنى ناويه على ايه يا طنط.
تنهدت نجلاء وقالت :مش عارفة.. بس كل الى اعرفه ان خلاص.. احنا اتطلقنا ومش هيقدروا يضغطوا عليا ويرجعونا لبعض... عمرى ما هرجعله تانى.
مليكه :طب وندى.
نجلاء :ندى هى الى استحملت عشانها كل ده وهى خلاص كبرت ومسيرها تفهم... زى ما انتى فهمتينى هى هتفهم.
مليكه :بس ماينفعش حبستك فى البيت دى.. لازم تخرجى وتغيرى جو.. كده غلط عليكى انتى بقالك اكتر من اسبوعين ما شوفتيش الشارع.
نجلاء :لأ مانا قررت اخرج معاكوا النهاردة.
اتسعت أعين مليكه :ايه التحول الرهيب ده.
نجلاء بإصرار :انا عيشت دور الضحية كتير اوى... وبعد كل السنين دى عرفت ان المسكنه والكسره مش هتفدنى ولا هتوصلنى لحاجه... يمكن لو كان حصلى كده من كام سنه كنت انكسرت واكتئبت.. بس دلوقتي وفي سنى ده انا فى عز النضج.. هخرج وهتبسط.. وفى الأول والآخر مش بعمل حاجة غلط... ده أنا كمان هتصل بيه اطلب فلوس.
كاد فم مليكه يسقط ارضا وهى تستمع لها وتقول :بجد.. وهتقبليها على نفسك؟
احتست نجلاء بعض القهوة باستمتاع وهزت كتفيها قائله:اممم.. وماطلبش ليه... دى اقل حاجه اصلا.. قولتلك مش هعيش دور الضحية.. ده أنا هطلب وهطلب وهطلب.. وانا عارفه انه هيدفع... ده حقى وحق بنتى.. مايجيش حاجة قدام عمرى الى راح معاه.
مليكه :ايوه بس هيبقي مديهالك وهو حاسس انك محتجاه او انه بيجبى عليكى.
ضحكت نجلاء بسخرية :ههههه.. ضحكتينى والله يا مليكه... حبيبتي هو هيفضل شايف كده طول عمره سواء طلبت منه فلوس او لأ... مش هستفاد حاجة لما احسسه ان بجملت وانا أكبر من انى احتاجلك وكده... مش هيشوفنى أصلا.. افهمى بقا ده واحد مش حاسبنى من البنى ادمين أساسا... انا هاخد منه الى أقدر عليه ومش هاخدها على كرامتى خالص. مش هيبقي تعاسة وفقر كمان.
تعمقت مليكه فى حديث نجلاء.. تشعر أن معها كل الحق فيما قالت.
نجلاء :بتت.. سرحتى فى ايه. اشربى القهوة يالا على ما ادخل اصحى ندى والبس انا كمان.
بعد ساعه تقريبا
كن يخرجن ثلاثتهن من البناية يخططن ليوم اكثر من رائع.. كانت نجلاء ترتدى بنطال ابيض واسع مع توب ابيض وعليهم جاكيت صيفى طويل من اللون (البيبى بلو) وحجاب مدمج من اللونين.
كانت في قمه اناقتها وانوثتها.. تسير معهن وكأنها قريبه من عمرهن.
جلس المعلم رجب امام محل الجزار التابع له ينفس دخان ارجيلته وهو يضع قدم فوق الأخرى.
اعتدل بسرعه وانشراح صدر وهو يرى تلك المرأة التى طالما كانت حلم صعب المنال.
تسير أمامه بكل تلك الأنوثة والجمال.
وقف سريعا يقول بأدب :صباح الخير يا ست ام ندى.
وقفت نجلاء ومعها الفتاتين... وندى تسترق النظر داخل محل الحزاره.
نجلاء باستغراب :صباح النور يا معلم.. خير فى حاجة.
رجب باستعجال:الا انتى رايحه فين كده؟
نجلاء :نعم؟!
استدرك نفسه وذلة لسانه النابعه من شغفه ولهفته عليها وقال :لا ولا مؤاخذة مش القصد... انا.. انا بس بقالى كذا يوم مش بشوف سى الباشمندز توفيق.. الا هو فين.. مش خير إن شاء الله؟
نجلاء :وهو انت يا معلم قاعد راقم كل رجاله الحته وعارف مين بات فى فرشته النهاردة ومين لأ ولا ايه؟!
رجب :ها؟!!..... لا مش القصد.. انى بس شوفته من قيمه اسبوعين كده واخد شنطه هدومه ومن ساعتها مارجعش.. فقولت نسأل لا يكون فى حاجة ولا محتاجين حاجه ولا فى مشكله كبيره إن شاء الله.. ااالاسمح الله يعنى.
رفعت مليكة حاجبها تنظر لندى وكذلك ندى لديها نفس الشعور.
نجلاء :لا كلك واجب يامعلم.. لا خير ان شاء الله ماتقلقش... عن إذنك... يالا يا بنات.
ذهبت من أمامه وهو يقف بدقات قلب عاليه وانفاس مسلوبه... مجرد وجودها أمامه... طلتها.. هيئتها.. رائحتها... وقوفها أمامه وجها لوجه حلم كبييير جدا... سبحان الله من النقيض للنقيض.
طوال اليوم ومليكه تحاول أن تقلد نجلاء فى كل شئ... لن تعيش حياة الضحيه... لن تكن نجلاء الثانيه وتتزوج من رجل لا يراها من الأساس... تحاول أن تستمتع بيومها وتدخل السرور على قلبها بنفسها كما ترى نجلاء تفعل بالضبط.
فقد ذهبت نجلاء للتسوق... اشترت الايس كريم وأصرت على ان تأكله وهى تسير فى الشارع... ذهبت معهم للملاهى... فعلت أشياء كثيرة بيوم واحد.. كانت عازمة على الذهاب للبيت وهى لاترى أمامها.. تستلقى على الفراش بنفس ملابسها من شدة التعب وقد كان.
كذلك فعلت مليكه مثلها بالضبط.. لطالما كانت علاقتها بوالدة ندى جميله جدا... كأنهم اصدقاء.
لكن طوال يومها وأثناء ماهى تتخذ قرار بأن تحيا بسعادة لم تنسى ابدا تارها مع عامر الخطيب.. لن تصمت ابدا او تجعل الأمر يمر هكذا.. لن تعيش هى أيضا بدور الضحية.
عادت للبيت منهكة جدا. لا تريد او تقدر الا على النوم... كانت قد دلفت للداخل وهى بطريقها لصعود الدرج.
جاء صوته من خلفها يقول بغضب :مليكه... كنتى فين لحد دلوقتي؟
استدارت له بتعب فى اول مواجهة لهم بعد ذلك اللقاء المخزى منذ اسبوعين.
مليكه بثبات :فى حاجة يا ابيه.
عامر:أظن سمعتى سؤالي. كنتى فين لحد دلوقتي؟
مليكه :كنت فين.. باينه اوى أنى كنت برا البيت.
عامر:ايه ده بجد.. تصدقى ماكنتش واخد بالى.
بعدها هدر بغضب يقول :كنتى فين؟
مليكه بتعب :هو حضرتك بتعلى صوتك عليا ليه؟
عامر:لما بنت من بنات الخطيب تخرج طول اليوم لوحدها ومن غير ما تقول لحد وكمان ترجع متأخرة كده عايزانى اسكت. بصى حواليكى يا هانم...كل البيت نايم وحضرتك لسه راجعه من برا.. قولتى لمين إنك خارجه اصلاً.
مليكه :قولت لفادى.
عامر :وانتى بقيتى بتاخدى اذنك من فادى دلوقتي... ماطول عمرك بتاخديه منى انا.
مليكه:مش هو خطيبى.. وبكره يبقى جوزى... لازم اتعود اخد الاذن منه هو وبس.
عامر :والله؟
اغمضت عينيها تبتسم داخليا بخبث تقول بأعياء شديد :اه.. والنبى سبنى بقا يا ابيه عشان مش قادر اقف على رجلى حاسه هقع و انام هنا دلوقتي.
مثلت ان قدميها لم تعد تحملها بإحتراف شديد فتقدم سريعا بغضب يتلقفها بيده ويحملها على ذراعيه يصعد بها الدرج يقول :ليه كنتى فين كل ده مش قادرة تقفى على رجلك كده.
مليكة بخمول:على فكره مايصحش كده انا هطلع لوحدى
عامر:لا ماهو واضح انك قادره تطلعى اوى... كنتى فين كده طول اليوم مخليكى مش قادرة تقفى على رجلك.
مليكه :فى الملاهي.
عامر :الملاهى.. ولوحدك بقا؟
مليكه :لا طبعا مع صحابى.
نظر لها بنظرات مذبذبه... يشعر بشيء غريب وهو يحملها كعروس هكذا بين يديه.. رغم أنه فعلها كثيراً جدا وهى صغيره... ماذا؟ وهل كبرت الان عليه؟ هى لازالت مليكه الصغيرة التي رباها.
كان يتمتم بذلك يقنع نفسه بشده.... لكن رائحتها اصبحت مختلفه عن آخر مره حملها فيها... آخر مره حملها كانت رائحتها ممتلئه بالطفولة والبراءة.. لكن الآن رائحتها تذبذبه وتوتر جسده... لكنه تمالك حاله بغضب مما يفكر به.. ينظر لها بغضب لما جعلته يشعر به... وضعها على الفراش ببعض من الحدة يقول :طب نامى... والصبح لينا كلام تاني.
هم بخلع حذاءها فقالت بسرعه وتوتر:ايه ايه.. ايه يااا ابيه انا هقلعها وانام.
عامر :ايه مانا ياما غطيتك ونيمتك.
مليكه :انا كبرت خلاص مابقاش ينفع.. لو سمحت اطلع عشان اغير هدومى.
كانت تتحدث بجديه وخبث فى نفس الوقت.
وهو ينظر لها صامت لدقيقه يتمعن ويستوعب.. الى ان هز رأسه وقال:اوكى.. تصبحى على خير.
خرج من عندها مذبذب حقا وأفكاره مبعثرة وهى تخلع كل حذاء على حدى تلقيه أرضا باهمال وكبر تتوعد له بالكثير والكثير.
صباح يوم جديد.
يجلس الكل على طاولة الإفطار كالعادة.
الكل موجود ماعدا فادى الذى ذهب بعطله لأيام مع أصدقائه.. ومليكه التى لم تحضر حتى الآن.
كانت الجده تهمهم كأنها تود قول شئ فقالت ناهد :ايه يا ماما... بتسالى عن مليكه؟
. نظر لهم بطرف عينيه يرى الفت تومئ برأسها إيجابا فتجيب امه:خلاص بعت داده اعتماد وصحيت ونازله اهى.
ابتسمت الفت تحاول تناول طعامها بصعوبه بيدها.
أكملت ناهد حديثها وقالت :على فكره يا ماما.. اختى صفاء وبنتها جايين يقضوا معانا يومين.. ده طبعا بعد إذنك.
ابتسمت لها الفت مرحبه وهو يغمض عينيه بملل... هل كان ينقصه خالته وابنة خالته (هديل) ومخططات امها بزواجها منه.. أيضاً مشاكل مليكة الدائمة معها... همممم الان فقد ترجم كل شئ واستوعب.. إنها الغيره... كانت تفعل معها ذلك وهى تعلم ان هناك خطط لأن تكون هديل هى عروسه...لذا اليومين القادمين ستكون هناك مشاكل كبيرة من الغيره وخلافه...عاود تناول طعامه بغرور وهو يتذكر ويعرف ركض مليكه خلفه واهتمامها الكبير.
ثوانى وكانت تهبط الدرج ترتدى فستان ناعم من الاخضر.. ترفع شعرها عاليا.. تشع جمال ورائحه جميله.. يبدو أنها غيرت عطرها.
هذا ما كان يفكر به وهو يقلب عينيه بملل.. يعلم.. سيجن جنونها الان وتزيد من جرعة الاهتمام بعد معرفتها بقدوم هديل.
ماذا؟! لم تهتم حتى بقول سلام خاص به كما كانت تفعل وإنما القت سلام جماعى.
ينظر لها بقوه وهو يجدها لا تنظر له ولو مره واحده.. لم تحن منها اى التفاته ناحيته.
ماذا هناك.. اين مليكه التى كانت دائما عيونها عليه.. تراقب كل حركة وكل كلمه... كان بالطبع يلاحظ اهتماما الكبير وتوددها واختلاق اى حديث تماطل به كى يطول.. لم يكن يعلم السبب ولكنها بيوم عيد ميلادها فسرت له كل شئ.
أين كل هذا الان.... حسنا لا بأس فهى على أى حال سيجن جنونها الان بعدما تعلم أن خالته قادمه.
ولكن لما لم تتحدث أمة بالأمر ثانيه. تباً الن تعلم الان.. يريد ان تتحدث أمة من جديد كى تعلم تلك الصغيرة وينتشى من ردة فعلها المجنونة كما عهدها سابقاً.. لا بأس اهدئ عامر لا تقلل من هيبتك بالتأكيد ستتحدث امك الان.
مرت دقائق والجميع على وشك الانتهاء من الفطور وامه لم تعيد حديثها.
وتلك المليكه لم تلتفت له ولو بنظره... عصبيته جعلت كل شئ يخرج عن السيطرة... فتحدث فجأة وقال :و هما هيقعدوا اد ايه يا امى؟
عامر سيظل عامر... هيبته وكبره جزء لا يتجزأ منه.. برغم عصبيته يتحدث بكبر وكلمات مقتضبه وعلى الطرف الآخر أن يفهم ما يقصده بتلك الكلمات القليلة بل ويجب سريعاً.
يستمع لأمه وعيونه مثبته بغضب عليها وهى لم يرمش لها جفن.. بل تضع المربى على الخبز وتقضم باسنانها باستمتاع شديد رغم حديث امه التى قالت :ممكن تلات ايام.. انت عارف خالتك صفاء بتحب جو البيت هنا اوى هى وهديل.
لازالت تكمل طعامها وهى تبتسم لجدتها.. كأنه غير موجود.. كأن الجميع غير موجود.. الا يوجد على تلك المائدة غير جدتها تنظر لها وتتفاعل معها.
أين مليكه التى عهدها تختلق معه اى حوار وتصب كل اهتمامها عليه هو فقط حتى نظرات العيون.
وهناك على طرف الطاوله فرد وحيد يتابع كل شئ بفرحه كبيرة.. وهى الجده الفت.. تنظر لمليكه تبتسم وكانها تدعم ماتفعله... هى الوحيدة التي تلاحظ غضب عامر مهما حاول كبته.
مازال ينظر لها بغضب ينتظر اى نظره او التفاته... لكنها لم تفعل كأنه هواء.
لم يعد يحتمل أكثر تحدث بغضب فجأة افزع البعض وجعلهم ينظرون له باستغراب :مليكه... خلصى فطارك وحصلينى على المكتب.
هم يغادر بثقة وثبات ولكنه توقف على صوتها الناعم :مش هينفع يا ابيه انا اتاخرت ولازم اخرج دلوقتي. خليها بعدين.
استدار لها بغضب وألفت تبتسم بشماته وانتشاء.
عامر :نعم؟ انا اما اقول تيجى ورايا يبقى تيجى ورايا.. وكمان تعالى هنا... رايحه فين وقولتلى لمين انك خارجة وهتروحى فين ومع مين وراجعه امتى.
تدخلت ناهد :فى ايه بس ياحبيبي ماتهدى ايه كل الأسئلة دى. ماتسيب البت تخرج وتفك.
عامر :لو سمحتى يا امى ماتدخليش.
عاود النظر لها يقول :ماتردى.
مليكه بهدوء :انا قولت لتيتا انى خارجه.. صح يا تيتا.
اماءت الفت برأسها تبتسم بشماته عليه.
عامر:لااااا.. ده أنا لازم افهم فى ايه.. أقل من دقيقة وتكونى قدامى في المكتب. سامعه.
هدر بالاخير بغضب افزعها رغم اى شئ وشتت ثباتها.
أخذت نفس عميق تهدأ روعها تستعد للقادم وهى تضع زيتونة كبيرة فى فمها تنظر لالفت التى تتابعها بحماس وسعادة.
وقفت تعدل من ثيابها وتعيد فرد خصلات شعرها خلفها بكبر.. مالت على جدتها تقبل رأسها قائله :مالك مبسوطه بزيادة كده النهاردة.
اتسعت ابتسامة الفت اكثر واكثر فقالت مليكه :والله شكلك فاهمة كل حاجه ومدكنه.
اماءت لها الجده سريعاً بحماس توافقها الرأي فاتسعت أعين مليكه :انا قولت كده بردو ياتيتا يا سوسا انتى.
لكزتها الفت توبخها فى حين صدح صوته بغضب يستعجلها:ملييييييكه.
نظرت لالفت بابتسامه وقالت :هااااى.. استعنا على الشقا بالله.. قوينا على الشر يارب.
ضحكت الفت وهى ذهبت بهدوء وثبات له.
دقات على مكتبه تبعها صوته الغاضب :ادخلى.
دلفت بهدوء فقال :اقفلى الباب وتعالى.
نفذت الأمر بهدوء وثبات واتجهت لتقف مقابل مكتبة.
عامر :انا عايز افهم حالا فى ايه؟
كتلة برود و غرور متحركة.. يسأل وكأنه لم يفعل شئ... كأنه لم يكسر قلبها وخاطرها من اسبوعين.. كأنه لم يحرج طبيعتها ويرفضها.. ولم يكن رفض عادى.. إنها رفض مهين.. مخزى.. تتألم كلما تذكرت ضحكاته التى فشل في كبتها.. ومغادرته فى نفس الدقيقة مع تلك الشقراء.
وبعد كل هذا يغضب لأنها تحولت ولو قليلاً... كم هو انانى.. يريد أن يرفضها وتظل تهتم كالسابق.
ردت بثقة :عايز تفهم ايه.. هو ايه اللي محتاج شرح مثلا وانا اشرحلك.
توترت نظراته... تلك الصغيرة تضعه بخانة إليك... ماذا يقول الان.. هل يخبرها انه غاضب من زوال اهتمامها ولهفتها عليه... ام لأنها أصبحت لا تأخذ أوامرها منه.
لأول مرة يضعه شخص بهذا الموقف.. ان يقف عاجز عن الرد.. وقد فعلتها مليكه.. اصغر فرد يتعامل معه فى حياته كلها.
تحدث بعد مده يحاول الثبات :ازاى تتاخرى امبارح برا كل ده.. وماتقوليش إنك خارجه.
مليكه :اولا انا قولت لحضرتك.. انى قولت لفادى وانا.. قاطعها بغضب :وانتى بقيتى بتاخدى إذنك من فادى خلاص؟
قلبت عينيها بملل مصطنع تقول :على فكره حضرتك قولتلى كده امبارح بردوا وانا قولتلك انه خطيبى وهو الى المفروض اخد الاذن منه مش حد تانى.
ينظر لها بغضب... منذ متى هذا الكلام.
تحدث هو:ومن امتى الكلام ده.
مليكة :اعتبره من النهاردة او امبارح وات إيفر يعنى وبعد إذنك بقا عشان مستعجله ولازم امشى.
عامر :انا لسه ماخلصتش كلامى.
مليكه :ممكن نكمله لما ارجع.. لازم اخرج دلوقتي.
عامر بغضب :مالك بقيتى متسربعه كده وعايزه تخلصى كلام معايا وتجرى فى ايه.
اعادت فرد خصلاتها البنيه خلف ظهرها بدلال وكبر تقول وهى تهم للمغادرة :ماعلش مستعجله.. نكمل كلامنا بالليل.. باى يا ابيه.
عامر :ماشى.. ماشى يا مليكه اما اشوف فى ايه.
قالها وهو يتحجج بالأساس.. ماصدق أن وجد حجه تجعله يفتح معها حديث بالمساء بعد ذلك التجاهل الذى أصبح يواجهه منها وهو غير معتاد على ذلك.
مر اليوم سريعا على الجميع وها هو يجلس بغرفته ينتظر أن تأتى وتكمل حديثها الذى قطعته في الصباح... يعلم لقد عادت منذ ساعة.
وكما تعود ويعلم.. ستأتي الان تفتح معه الحديث..بكل غورو وثبات ظل يجلس على مقعده بهدوء داخل مكتبه ينتظر أن تأتى إليه وهو سيتصنع الانشغال بالطبع.
مرت 15 دقيقة اخرى ولم تأتى.. تفاقم غضبه من تجاهلها له وخرج من مكتبه سريعا يصعد الدرج.
كانت تجلس بغرفتها تضع طلاء الأظافر على يديها وهى تغنى بدلال وخبث:انا مش مبيناله انا ناوياله على ايه.. ساكته ومستحلفاله ومش قايله له ساكته ليه.. خليه يشوف بعنيه.. ايه اللي ناويه عليه هخليه يخاف من خياله لما اغيب يوم عن عنيه.. كتر خيرى انى امنته واستحملته يا قلبى زمان ييجى عليا واعديهاو يسوق فيها معايا كما... قطع غناها وهى تراه يفتح باب غرفتها بغضب.
ابتسمت داخليا كانت تعلم أن ذلك سيحدث ولكن ليس بهذه السرعة ابدا.
ادعت الغضب تقول :ازاى حضرتك تدخل اوضتى كده من غير ما تخبط.. مايصحش كده ابدا.. عيب.
لم يعير حديثها اهتمام وقال:انتى قاعدة تغنى وتحطى بتاع على ضوافرك وسيبانى اقعد استنى كل ده.
استدارت تكتم ضحكاتها المتشفيه تقول :ماسموش بتاع اسمه مونيكير... وبعدين حضرتك مستنينى ليه... هو فى حاجة؟ (كان في حاجة اشاء الله 😅)
عامر :نعم؟ انا مش قولتلك هنكمل كلامنا باليل.. ماهو ساعدتك كنتى مستعجله اوى الصبح.
مليكه:انا مش فاهمه بجد ايه اللي هنتكلم فيه.. حضرتك بصراحة مدى الموضوع اكبر من حجمه الطبيعي.. خلاص خرجت وجيت. اخدت الاذن من فادى ماحصلش حاجة لكل ده الموضوع بسيط... وبعدين حضرتك راجل كبير ومسؤل عندك مسؤليات واهتمامات أكبر بكتير من انك تقعد تدقق مليكه الصغيرة راحت فين وجت منين.. كان الله في العون والله... اهدى وكبر دماغك كده صحتك... هتركز فى ايه ولا ايه.
من هذه؟ سوال يردده الان... اين مليكه التى كان هو شغلها الشاغل.. الآن تطلب هى منه الا يعيرها اهتمام.. تضعه بين المطرقه والسندان تحرجه.. كأنها تقول له لا حجه لديك كى تهتم.
نظر لها بعند وكبر وقال:ماشى.. انا جيت بس أحذرك هديل جايه بكرا ومش عايز بقا شغل العبط ولعب العيال والمشاكل والمناكفه بتاعت زمان دى سامعه؟
رغم كل شئ كانت داخلها غيره مشتلعه ولكنها انتبهت على حديثه.. يحدثها بكل غرور يخبرها بمنتهى العنجهيه الا تفعل أفعال الغيره هذه لايريد مشاكاسات.
ابتلعت غصه مؤلمه بحلقها وقالت :لا ماتقلقش.. ممكن بعد اذنك بس عشان راجعه تعبانه ومحتاجه انام.
هز راسه بمعنى نعم؟
مليكة :ايه عايزه انام.. اتفضل
ردد بزهول :اتفضل؟!
مليكه:اه اتفضل هو انا بشتمك؟ بقولك اتفضل عشان عايزه انام.
قبض على أصابعه يده بغيظ وقال:هتفضل ماشى.
خرج من عندها بغضب ولكنه رغماً عنه اصبح ينتظر قدوم هديل بفارغ الصبر.
فى الصباح.
تقدمت السيده صفاء تدخل من بهو القصر يرحب بها الجميع.. ومعها فتاه ذات جمال هادى وجه خمرى مستدير وعيون سوداء. ترتدى دريس سماوى باكتاف حول الذراعين وحذاء أرضى بسيط.
كانت خجولة وجميله حقا. تجلس تبتسم وتتحدث مع الجميع.
جاء عامر فغمرته صفاء بقبلات واحضان ترحب به ترحيب شديد :اهلا اهلا ياحبيبي وحشتنى.
عامر :اهلا بيكى منورانا.. اهلا ياهديل ازيك.
ابتسمت برقه:الحمدلله ازيك انت يا عامر.
اجابها وعيونه على الدرج ينتظر تلك اللحظة منذ الأمس :الحمد لله تمام.
صفاء :والله انتو وحشتونا اووى.. وخصوصاً انت يا عامر.. اههههه..ده حتى هديل هى الى أصرت وقالتى لازم نروح نزور خالتو وعامر.. مش كده يا هديل اهههه.
اغمضت هديل عينها بحرج وقد سئمت أفعال امها وتلك المواقف التى تصر على وضعها بها... هى يوما لم تسعى لأى شئ مما تخطط له والدتها ولكنها ذات شخصية ضعيفه ومهزوزه جدا.
اما عامر فتهلل وجهه يبتسم بثقه وخبث يستعد لتلك المعارك والمناوشات التى ستحدث الان بين مليكه وهديل كالعادة.
يستمع لصوت خطواتها على الدرج.. وهو يراها ترتدى بنطال من الجينز ضيق به بعض الخدوش.. وفوقه تيشرت عليه رسمه شبابيه... جمعت شعرها قطتين.. ترتدى نظاره مدوره من الزجاج الشفاف.. يبدو أنها ستخرج اليوم بلوك جديد أو فعلت ذلك لتبرز جمالها امامه وأمام هديل... لكنها وللحق جميله جدا اليوم وبتلك الهيئة يجب أن يعترف فعلاً بذلك.
لكنه مازال يبتسم بثقة ينتظر وكله فرحه القادم.
ولكن تلاشت ابتسامته وتحل معالم الصدمة وجهه وهو يراها تتقدم منهم بهدوء ووداعه مرحبه :طنط صفاء ازى حضرتك... ازيك يا هديل... ايه الجمال ده.. احلوينا اوى.
احتدت علامات وجهه بغضب لم يكن يتوقع أن يغضب يوم من تصالحهم هكذا.. ما الذى يحدث هنا؟........
•تابع الفصل التالي "رواية انصاف القدر" اضغط على اسم الرواية