رواية بنت الاكابرالفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم ندا الشرقاوي
بعد مرور شهر، كان الوضع مستقرًا، وتمت تجهيزات زفاف يونس وقمر، ولم يتبقَّ سوى القليل الذي لا يُذكر. كما علموا أن سما، زوجة أحمد، تحمل طفلًا في أحشائها. عائلة المُحمدي ستزداد فردًا جديدًا. أما ليليان، فقد سافرت إلى فرنسا لاستكمال دراستها بعد إلحاح شديد منها لإقناع قمر بالسفر، رغم رفض قمر في البداية خوفًا عليها من بلاد الغرب. لكن في النهاية وافقت وغادرت ليليان منذ أيام.
في مكتب معتز، كان يستعيد ما حدث.
“عودة إلى الماضي”
جاء اتصال من ليليان، شقيقة قمر، ليجيب معتز سريعًا خشية أن يكون قد أصابهم مكروه.
• ألو، ليليان! حصل حاجة؟
أجابته ليليان سريعًا:
• لا خالص يا ميزو، بس كنت عاوزة منك طلب. ينفع؟
قال معتز باهتمام:
• آمري، خير؟
هتفت ليليان بتردد وقلق:
• عاوزاك تفاتح قمر في حاجة… يعني تفاتحها إني عاوزة أسافر أكمل تعليمي بره.
هب معتز واقفًا من مقعده، متفاجئًا:
• إيييييه؟! عيدي تاني كده؟
أعادت ليليان بتوتر:
• عاوزة أسافر أكمل تعليمي بره.
أخذ معتز نفسًا عميقًا وجلس مجددًا، ثم رد بحكمة ووقار:
• تمام يا ليليان. حاجة تانية؟ عندي شغل دلوقتي.
بدأت ليليان تشكره بحب أخوي قبل أن يُغلق معتز الخط.
ظل معتز يفكر: كيف يقنع قمر؟ هل ستوافق؟ وكيف للفتاة أن تطرح فكرة كهذه؟ هل ستتأقلم في بلاد الغرب؟ وكيف ستتصرف لو تعرض لها أحد؟
نهض معتز وأغلق سترته، ثم توجه مباشرة إلى مكتب قمر. دق الباب ودخل.
كانت قمر تراجع الأوراق أمامها بدقة. رفعت عينيها لتراه وقالت باندهاش:
• غريبة! مش معادك.
خلع سترته ووضعها على المقعد أمامها وجلس، قائلاً:
• في موضوع مهم. ليليان لسه قايلاهولي، فقلت أجي أفاتحك فيه.
نظرت إليه باهتمام وسألته:
• خير يا معتز، موضوع إيه؟ واشمعنا مكلمنيش أنا على طول؟
تلعثم معتز قليلاً، لكنه شجع نفسه وقال:
• ليليان… ليليان عاوزة تسافر تكمل دراستها بره.
عقدت قمر حاجبيها بتعجب، ثم قالت:
• دراستها بره؟ اشمعنا؟
رد معتز:
• معرفش. هي كلمتني وقالتلي الموضوع ده، وأنا جيت أبلغك وخلاص.
أجابت قمر بهدوء يسبق العاصفة:
• تمام يا معتز. روح كمل شغلك، وأنا أشوف الموضوع ده لما أروح.
هز معتز رأسه وغادر المكتب.
في مكتب معتز لاحقًا
فاق معتز من شروده على صوت طرق الباب. دخلت سما قائلة:
• معتز، أنا همشي علشان تعبانة شوية. بلغ أحمد لما ييجي؛ تلفونه مقفول.
قال معتز بحنو:
• تعالي اقعدي الأول استريحي، وبعدين إحنا قلنا بلاش شغل لحد ما الباشا ينور.
ردت سما وهي تضع يدها على مقدمة بطنها:
• لا يا معتز، أنا حابة أكون وسطكم. لو قعدت في البلد، مش هشوفكم غير فين وفين. ولو قلتلي أقعد هنا في الشقة، برضه مش هشوفكم غير متأخر. أنت عارف أحمد مشغول جدًا اليومين دول. خليني هنا جمبكم.
قال معتز بحب أخوي:
• تمام يا سما، براحتك. روحي وعلى مهلك، وإن شاء الله خير.
في منزل قمر وليليان
قالت قمر بغضب وهي تجادل شقيقتها:
• يعني فجأة تقرري تسافري، وكمان لوحدك من غير أخوكي؟!
وقفت ليليان بعناد، عاقدة يديها أمام صدرها:
• أنا عاوزة أسافر يا قمر. وبعدين أنتِ اللي قلتي كده قبل كده، ازاي ترجعي في كلامك؟
ردت قمر بحزم:
• ليليان، اعقلي كلامك. من إمتى قمر بترجع في كلامها؟ أنا فعلاً قلت كده، بس لما تتمي الـ18، مش الـ15 يا آنسة!
جلست ليليان وقد تبدلت ملامحها من الغضب إلى الهدوء، محاولة التفاوض:
• يا قمر…
قاطعتها قمر بنبرة صارمة:
• ليليان، الكلام ده مش هيمشي معايا. أنا هوافق، لكن مش غصب. علشان ما تقوليش إني برفض ومقيدة حريتك. مع إن الفترة دي أكتر وقت محتاجة فيه أهلك حواليكي. بس لو سافرتي، مش هترجعي غير لما تخلصي الكلية. ده قرار نهائي. هحجزلك على الطيارة بعد بُكرة. تكوني جهزتي حاجاتك، وأنا خلصت إجراءات الدراسة بره.
خرجت قمر دون أن تنتظر رد ليليان.
في الحاضر
كانت قمر تستعيد هذا النقاش، حين قطع أفكارها صوت يونس الذي كان يجلس أمامها قائلاً:
• وبعدين في حكاية السرحان دي يا قمر؟
قالت وهي تعبث بالقلم بين أصابعها:
• معرفش يا يونس. أول مرة أحس إني بندم على قرار في حياتي.
وقف يونس من مكانه، واتجه إليها. مد يده لتأخذها بين يديها، ثم جذبها نحو الأريكة ليضمها إلى صدره.
تنهدت قمر بعمق، وكأنها كانت بحاجة لهذه الحضنة.
قال يونس وهو يتلاعب بخصلات شعرها بلطف:
• ليه يا قمر؟ خلينا نبص للجانب الإيجابي. هتتعلم كويس، ودا أهم حاجة. وهتعيش حياة كويسة. دول الغرب مش وحشين.
رفعت قمر رأسها عن صدره وقالت بحزم:
• لا، وحشين يا يونس. لما تكون طفلة مكملتش الـ15 وتقعد لوحدها. حتى لو أنا مأمنة لها الحياة هناك. أنا سايبة حرس، يا يونس، مش أهلي. ولو حد دفع أكتر للحرس، يبقى خلاص.
وضع يونس إصبعه أسفل ذقنها ليرفع وجهها إليه، ثم طبع قبلة رقيقة على جبينها وقال برفق:
• حبيبتي، متقلقيش. وبعدين، أنتِ كنتِ شديدة جدًا في الكلام معاها. حتى ما وصلتيهاش للمطار.
أجابته قمر بصوت مثقل بالألم:
• لو كنت روحت، كنت رجعت بيها يا يونس. أنا مقدرش على بُعدهم. أنا لما صدقت بقى عندي بيت وعزوة.
هتف يونس:
• يا حبيبي، عارف والله. معلش، خليها يمكن تزهق من القعدة لوحدها وتطلب إنها ترجع.
ردت قمر بإصرار:
• ماعتقدش.
في منزل عائلة الرواي
كانت مريم جالسة على الفراش، تفكر في كيفية تدمير حياة قمر لتحصل على يونس. هل تستأجر رجالاً لضرب قمر ضربًا مبرحًا حتى الموت؟* حمقاء، كأنها لا تعرف مع من تتعامل. أم تقوم بفضحها في البلد بصور مفبركة؟
كانت الأفكار السوداء تتزاحم في رأسها، تبحث عن أي وسيلة تُنهي بها هذه العلاقة للأبد وتسلب من قمر لقب “قمر المُحمدي”.
قطع شرودها صوت طرق على الباب، وتبعه صوت والدتها التي دخلت قائلة بصوت صعيدي:
• وه! قاعدة شايطة زي اللي مايت لها عزيز! مالك كده ليه؟
هتفت مريم بغضب، وقد تلفت أعصابها:
• هطجي، يا ما، هطجي! شايفة صورهم إزاي؟! أنا اللي المفروض مكان قمر، مش هي! مش من صغرنا والبت مكتوب لها ولد عمها؟
تمتمت والدتها بحزم:
• بصي يا بتي، الموضوع ده تشيليه من دماغك خالص. إنتِ بتتكلمي عن قمر ويونس! الله في سماه، لو انطبقت السما على الأرض، يد يونس متبعدش عن يد قمر. وكفاية يا بتي عاد!
ردت مريم بانفعال مكبوت:
• حاضر يا ما، حاضر. همليني لحالي أروح أستحمى وأريح جسمي.
خرجت والدتها وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة، بينما مريم بقيت تغلي من الداخل، تفكر في خطوتها القادمة.
في القاهرة
كانت سما ترتدي منامة حريرية رقيقة تُبرز منحنياتها وتفاصيل جسدها برقة ،وضعت يدها على بطنها ،وبدأت تُحادث طفلها بحب:
•الله،يعني إنت هتيجي كده وتلعب معايا،وتقولي يا مامي ،ويبقا عندي عيلة حلوه كده .
تحركت بخفة إلى الصالون لتأخذ وسادة ،وضعتها على بطنها الصغيرة ،ثم ضحكت بمرح قائلة:
-الله !هيبقى شكلي قمر وبطني كبيرة كده وماشية زي الكورة….. يا سلام
رن هاتفها فجأة ،نظرت إلى الشاشة ،لتجد المتصل زوجها أحمد .أجابت سريعًا وبلهفة:
-وحشتني…. وحشتني خالص !
قهقة أحمد بخبث مُحب قائلًا:
-الله الله …شكل الغزاله رايقه النهاردة
ردت سما بمزاح
-جدًا جدًا وعملالك شويه أكل أحسن من بتاع طنط أنوار كمان …بس ماتقولهاش !
ضحك أحمد على حديثها ومرحها العفوي، فهو يعشقها حد الجنون،ثم قال:
-حاضر ياستي أنا داخل على البيت أهو
رن جرس المنزل ،قاطعته سما باندهاش وهى تقول :
-إيه دا؟! أنت على الباب مش تقول ياعم !
وركضت إلى الباب بسرعة لتفتحه ،ولم تنتبه لحديث أحمد عبر الهاتف ،وهو يقول بقلق :
-سما !أنا لسه مجتش، يابنتي….سما !سماااا
“لم يسمع سوى صوت صراخ سما المُفاجئ “
يتبع…
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية بنت الاكابر ) اسم الرواية