رواية جوازة ابريل الفصل السابع عشر 17 - بقلم نورهان محسن

الصفحة الرئيسية

   

رواية جوازة ابريل الفصل السابع عشر 17 - بقلم نورهان محسن

     

الفصل السابع عشر (سعادة غامضة)
          
                
زفرت إبريل بقوة ، وهي تبعد يد سلمى عنها بلطف ، ثم استقامت من مكانها ، لتتقدم خطوتين إلى الأمام قبل أن ترد بنبرة عنيدة عاصية لا تتناسب مع نبرة الخضوع التي تطمح إليها سلمي الآن بعد كل هذا الحنان والمودة البالغة منها : مفيش غير الرد دا علي اللي حصل .. انا ايه يجبرني اتجوز واحد كداب ومتجوز وعنده عيال كمان؟



حدقت سلمى في ظهر الأخرى باستياء وانزعاج بعد أن أخرجتها عن الثبات العاطفي بعنادها المستفز لتقول بنبرة باردة ممزوجة بكراهية مختبئة بداخلها : خلينا واقعيين يا ابريل .. ليه محسساني ان دا جديد عليكي .. ما الدنيا فيها كتير بيعملو كدا واقربهم امك يا ابريل



تسمرت أبريل في مكانها فور أن سمعت أذنيها تلك العبارة ، وساد الصمت أرجاء الغرفة لعدة لحظات قبل أن تستدير نحو لتواجهها ، وهي ترمش بعينها بسرعة ، وسألتها بهدوء ، مستفسرة ببطء ، على عكس شعور الغضب المتضارب الذي نمى في ذهنها : يعني ايه .. تقصدي ايه حضرتك بالكلام دا؟



زاغت عيناها بنظرات توتر ممزوجة بالاضطراب ، ثم ردت بنبرة مرتبكة ، وتهز كتفها في إشارة إلى اللامبالاة : ماقصدش حاجة .. بس الست امك كمان كانت عارفة ان باباكي متجوزني ومع كدا اتجوزته وخلفتك منه



دققت ابريل النظر بها بتعبير عابس ، وأجابت باعتراض مصدوم ، وتلوح بيديها في الهواء : دا دخله بيا ايه !! دي حاجة متخصنيش .. ولا مطلوب مني اقبل اللي امي قبلته واعمل زيها مهما كانت الاسباب



وبخت سلمى نفسها داخليًا على تسرعها في التحدث وثم نهضت من مجلسها ، وسارت نحوها بهدوء وهي تفرك يديها معاً ، وقررت أن تغير مسار الحديث ، مغمغمة بصوت ناعم لين يخفي غضبها المكبوت : اسمعيني يا ابريل يا حبيبتي .. انا عارفة مصطفي كويس .. صدقيني هو بيحبك انتي .. خلي دماغك كبيرة .. ماتخليش بسبب حقد وشر الزفتة اللي جتلك هنا دي تخربلك فرحتك .. هي غايتها توصلك لحالتك دي .. بعد ماكنتو مبسوطين مع بعض وفرحكم قريب



رددت أبريل بنبرة عبرت عن عدم اقتناعها ، ورفضها لهذا الحديث : وانا مش هبني سعادتي وحياتي علي طلال غيري يا طنط سلمي .. ولا عمري هتجوز بالطريقة دي .. احنا لسه علي البر ياخد حاجته ويروح لحاله



أحاطت سلمي ذراعي إبريل بكفيها بحنو ، تخاطبها بأرق نبرة هادئة تمتلكها في ذلك الوقت ، مع العلم أن أعصابها كانت على وشك الإنفلات أمام تشبث الأخرى بموقفها : يا حبيبتي افهميني .. دي وحدة مش وش كسوف وقصدها توقع مابينكم .. اهدي كدا واستني لما يرجع مصطفي من السفر واتفاهمو مع بعض



رفعت أبريل كتفيها معًا ، وتراجعت خطوة إلى الوراء ، وهي تزفر بضيق شديد ، سألت مستنكرة بنفاذ صبر : حضرتك بتقنعيني بإيه!! انا مش هاجي علي نفسي عشان اي مخلوق .. مش هعمل حاجة مش مقتنعة بيها .. ولا عمري هكون زوجة تانية .. وخلاص انا فسخت خطوبتي منه و دا قرار نهائي وادي دبلته..




        
          
                
أنهت جملتها بغضب ، تزامنا مع محاولة سحب الخاتم من اصبعها ، فامسكت سلمى بيدها حتى توقفت عما كانت تنوي فعله ، قائلة بصوت حاد منفعل لم تستطيع السيطرة عليه : استني يا ابريل .. هو لعب عيال ولا فاكرة نفسك مالكيش كبير .. ليكي اب يكلمه ويتفاهم معاه .. ماتتصرفيش من دماغك ليكي اهل وهما يتكلموا ويحلوا الحكاية .. بس ماينفعش تعملي كدا وخطيبك مسافر دي مش اصول ابدا



سألتها ابريل بنبرة عكست مدى حنقها ، ونظراتها تقطر انزعاجا ونفوراً : وهي الاصول انه يكون متجوز و تخبو كلكم عليا..!! ليه انا اقدره واعمله حساب وهو كداب وغشا..ش



قاطعتها سلمى بصوت غاضب مستهجن ، وهي تشير بيدها فى تحذير : احترمي نفسك يا ابريل .. ماتنسيش للي بتكلمي عنه دا يبقي قريبي وانسان محترم جدا .. انتي بنفسك تشهدي انك ماشوفتيش منه الا كل حاجة حلوة .. وابوكي مديلو كلمة مش هتيجي انتي وتلحسيها



ضيقت ابريل عينيها ، تستجمع في ذهنها الرد المناسب وحالما وجدته ، أجابت بنبرة قوية ممزوجة بالرفض : وانا مش صغيرة حضرتك .. ولا هتجوز واحد مابقتش بثق فيه ومش عايزاه بعد كدبو عليا .. لمجرد انه كان بيعرف يمثل كويس وعرف يخدعني وانتو ساعدتو علي كدا.. 



تلاشى صوتها فجأة ، وتحركت عيناها إلى أعلى اليسار ، دليل على أنها تتذكر شيئاً من الماضي يتعلق بالواقع الذي هى فيه ، ثم تابعت مستفسرة بنبرة ذات مغزي : الا اذا حضرتك كنتي عايزة تخليني اعيش اللي عشته امي لما بابا اتجوزها عليكي زمان



اتسعت عيناها بصدمة ، ثم ما لبث أم نظرت إليها بعينين تنبضان حدة ، هاتفة بنبرة غاضبة : لا اظاهر كدا اني كنت غلطانة لما كنت مفكرة ان جدك وجدتك ربوكي كويس .. مش معني اني بعاملك زي بنتي انك تتعدي حدودك في كلامك معايا بالطريقة دي



عقدت أبريل يديها تحت صدرها بتعبير جامد لم يظهر عليها تأثير بأي كلمة قالتها ، وتحدثت بمزيج من القوة والحزم بصوت هادئ : عشان جدي وستي ربوني كويس .. انا هتكفي بس بفسخ خطوبتي منه ومش هفضحه واخليه لبانة في بوق الكل بتصرفه الحقير دا معايا مع اني قادرة دلوقتي اعمل منه ترند .. 



أضافت أبريل بنظرة متحدية ، وذقن مرفوع : اما انتو يااللي المفروض اهلي واكتر ناس المفروض تخافوا عليا وعلي مستقبلي مش بإيديكو تراهنو علي حياتي مع واحد بدأ معرفته بيا بكذبة .. انا هسكت عن اللي انتو عملتو في حقي .. بس عشان استضفتوني هنا طول الاربع سنين اللي فاتو .. كتر الف خيركم



قالت ابريل جملتها الأخيرة بابتسامة ساخرة من زاوية فمها ، لتزفر سلمي الهواء بقوة ، وأجابت بأعصاب متوترة : اسمعي يا ابريل واضح انك مش هتستوعبي اي كلام هقوله .. مش هنعرف نكلم وانتي في الحالة دي .. ف انا هسيبك دلوقتي تستريحي .. انتي محتاجة تهدي اعصابك عشان تعرفي تفكيري صح




        
          
                
في نهاية كلماتها ، استدارت لتذهب إلى الطاولة المجاورة للسرير والتقطت هاتف أبريل ، وقبل أن تخطو خطوتين نحو الباب، وصلها صوت أبريل المتسائل احتجاجًا : ليه واخدة الموبايل .. هو انا صغيرة عشان تعملي معايا كدا



التفتت إليها سلمى بابتسامة صفراء ، لتقول بنبرة جعلتها هادئة : لا مش صغيرة بالعكس انتي ست العاقلين يا حبيبتي .. بس وقت الزعل وارد ان يطلع كلام ممكن يدمر الدنيا .. ووجود التليفون معاكي ممكن يخليكي تتسرعي وتكلمي مصطفي فكري الاول كويس عشان تعرفي تاخدي القرار السليم



غادرت الغرفة بعد أن أنهت كلامها تحت نظرات أبريل المستاءة ، وهي تزفر فى غضباً جامحًا وتلعن غبائها. 



كيف كانت تتوقع الحب والاحتواء والدعم من هؤلاء المنافقين ، وجميعهم لا يحملون في قلوبهم ذرة من الحب أو الرحمة تجاهها ، بل القسوة والبرود تستوطن أعينهم ، متحسرة علي الثقة التي منحتهم إياها ، وحصدت في المقابل النفاق والغدر ، قتلوها عمداً بخنجر الخداع. 



التقطت ابريل أنفاسها بصعوبة بالغة بسبب التوتر العصبي الشديد الذي تعانيه ، وضعت يدها تمسد صدرها كأنها تحارب من أجل الحصول على الهواء ، ثم بقلة حيلة حينما فشلت فى تهدئة نوبتها ذهبت مباشرة إلى الطاولة ، وأمسكت بجهاز الاستنشاق ، لتضعه بين شفتيها قبل أن تضخه في فمها مرتين ببطء ، ودموعها تنساب من زاويتين عيناها ، ثم انهارت على السرير خلفها تنام على ظهرها في محاولة لإرتخاء أعصابها المضطربة ، وهى تستحضر صورة جدتها فى مخيلتها.



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



في مساء نفس اليوم ، قرابة الساعة السابعة مساءً 



كانت ريهام في متجر الملابس الخاص بها ، مع صديقتها المقربة التي كانت تجلس بجانبها على الأريكة الطويلة ، ونظرت إليها مستنكرة هدوء ريهام واللامبالاة التي تتحدث بها ، ثم حثتها على اكمال حديثها باهتمام : وبعدين!!



رفعت ريهام كوب القهوة الداكنة التي تحب شربها بكثرة ، واحتست القليل منها بتأنى ، ثم تابعت سردها لما حدث في مقابلتها مع رزان بنبرة لا مبالية مليئة بالشماتة : ولا حاجة .. لما سمعت الريكورد بصوت باسم وهو بيقول فيه .. ان خطوبته منها مؤقتة عشان يسكت عنه الاشاعات اللي كل يوم والتاني طالعة عليه .. ولما يبطلوا كلام عنه وينسوه شوية هيسيبها .. وشها اتقلب وعيطت من الصدمة ماكنتش مصدقة انه بيلعب بيها وبيستغلها 



نظرت إليها ريهام في نهاية جملتها ، وعيناها تلمعان ببريق شيطاني ، وأخذت رشفة أخرى بتلذذ ، وهي تعدل خصلات شعرها فوق كتفها قبل أن تكمل حديثها بتريث : بس لما اقنعتها ان فرصتها الوحيدة عشان تنتقم منه هي انها تنجح من غير مساعدته .. وتوافق علي السفر وان دا عرض العمر بنسبالها هي مش هتخسر حاجة لو جربت .. ساعتها نسيت باسم و مابطلتش اسئلة اسم الشركة والعقد والبنود والاجر واسم البراند اللي هتعمل اعلانات عنه كأنها ماصدقت




        
          
                
اتسعت عيون صديقتها مذهولة من مكرها الشيطاني ، معقبة بعدم تصديق وهي تلوح بيدها في الهواء نحو رأسها : يخربيت دماغك ايه الجبروت دا!! انا مستغربة من جراءتك دي كلها .. افرضي كانت بتاخدك علي قد عقلك وراحت تقوله .. ايه انتي مش خايفة من رد فعله لو عرف انك مخترقة تليفونه وبتتجسسي علي كل رسايل الواتس بتاعه!!؟



رفعت ريهام كتفيها باستخفاف دون أن تنظر إليها ، وهمهمت بصوت مشوب بالثقة والغطرسة المفرطة : يعني هيعمل ايه ؟! وايوه انا متأكدة من انها مش هتقول حاجة .. ماتنسيش زي ماقولتي انا راكبة تليفونه واي حاجة بتوصله بيجيلي بيها اشعار .. وعلي ما يعرف هتكون هي باي باي طارت علي باريس



تطلعت إليها بابتسامة واسعة في الجملة الأخيرة المليئة بالدهاء الأنثوي ، بينما زمت الأخرى شفتيها بنظرة مستاءة من تفاخر ريهام وتباهيها بتصرفاتها المجنونة.



تنهدت ريهام بغير اهتمام لنظرات صديقتها ، حيث قامت بلف خصلة من شعرها حول إصبعها فى تفكر ، ثم تابعت مقوسة شفتيها : انا ماكلفنيش غير تذكرة الطيارة وحجز الاوتيل .. 



اتسعت ابتسامة ريهام فجأة ، عندما التفتت إليها بجسدها كله على الأريكة ، وهتفت بنبرة ماكرة مليئة بالحماس : دا انا عملت فيها حتت مقلب .. حجزتلها في اوتيل شيك جدا لمدة نص يوم كفاية جدا عليها .. علي ما ترجع اكون عملت اللي انا عايزاه



هزت صديقتها رأسها غير مصدقة شر وخبث أفعالها ، فهى على تعرف أنها متهورة وجنون أفكارها خطير ، لكنها تشعر الآن أنها تجاوزت الحد الطبيعي فى الهوس بالأشياء ، لذا ردت عليها بصدمة : بجد ماطلعتيش سهلة يا ريهام والله انتي يتخاف منك دماغك سماوية طحن



حدجتها ريهام بحاحب مرفوع ، ثم هتفت بصوت منزعج : يعني كنتي عايزاني استني وافضل حاطة ايدي علي خدي واتفرج عليه لحد ما ينفذ اللي في دماغه وممكن يحبها بجد او فعلا يوصل الموضوع لجواز حقيقي



ارتشفت صديقتها من كأس العصير ، وتلفظت بنبرة متلاعبة ضاحكة : يبقي المقلب من نصيبك انتي لو هي غيرت رأيها وماسفرتش



تبادلت ريهام معها نفس النظرات الماكرة ، وهي ترفع إحدى حاجبيها بتخابث ، مخاطبة إياها بثقة كبيرة من نجاح خطتها التي رسمتها بدقة وقامت بتنفيذها بمهارة فائقة : لا هتسافر واحتمال كبير اوي يطلب ايدي في الحفلة كمان بعد ما يفهم اني انا بس اللي بحبه ومتمسكة بيه



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



في نفس الوقت



داخل حديقة فيلا صلاح الشندويلي



كانت هالة ولميس جالستين تراقبان من بعيد تجهيزات العمال في الحديقة ، وتتحدثان في مواضيع مختلفة وهم يتفحصون مجلات الموضة ، حتى قاطعهم صوت رنين هاتف هالة ، فأخذته من فوق الطاولة ، وتفقدته شاردة الذهن وهى تنظر إلى الشاشة بتردد ، ثم قالت لميس بهدوء : طالما قررتي تكملي يبقي الهروب مش هينفع كتير ردي عليه وشوفيه هيقول ايه!!




        
          
                
اكتفت هالة بإيماءة خافتة ، فابتسمت لها لميس ابتسامة مشجعة قبل أن تقوم من مقعدها ، وتتجه نحو المطبخ ، لتترك لها بعض الحرية في الحديث.



اخذت هالة نفسا عميقا ، واستقبلت المكالمة ، ووضعت الهاتف على اذنها ، وقبل أن تتمكن من الكلام ، سبقها صوت ياسر وهو يسأل بسرعة وبلهفة : كنتي فين !! فضلت اكلمك طول اليوم ومابترديش ولا بتفتحي الواتس



تمددت ابتسامة من زاوية فمها ساخرة داخلياً من هذا الاهتمام غير المتوقع منه ، أم أنها هي التي لم تسعد بتعبيره عن اهتمامه بها؟



تجاهلت هالة أفكارها ، وانحنت إلى الأمام ، وأمسكت بالمجلة ، وفتحتها لتتصفح صفحاتها دون اهتمام حقيقي بما تراه ، ثم أجابته بلا مبالاة : فضلت نايمة معظم اليوم .. انت عارف بكرا هيبقي يوم طويل ولما صحيت انشغلت شوية



اتاها صوت ياسر الهامس ممازحاً : طيب .. لو كنتي مشغولة بتفكري فيا هسامحك .. بس لو كانت حاجة تانية شغلاكي فانا زعلان منك



فسر ياسر عدم ردها على أنه خجل منه وتوتر من يوم الغد المزدحم بالأحداث ، ثم همس ببحة ذكورية جذابة : افهم من سكوتك دا انك كنتي بتفكري فيا



رمت هالة المجلة بجوارها بإهمال ، وأسبلت عيناها بالأرض قبل أن تجيبه ببرود ، تفاجأ به ياسر وهي تلعب بطرف حذائها : لا مشغولة بحاجات تانية



بلّل ياسر شفتيه الجافتين ، وتمتم بنبرة أجش مغازلة : وحشتيني علي فكرة .. كنت محتاج اسمع صوتك .. هي ايه الدوشة دي؟!



عضت هالة على شفتيها ، لتمنع نفسها من الابتسام والتأثر بكلماته الرقيقة ، لقد أصبحت تخاف من اللحظات السعيدة معه حتى لا يصدمها فيما بعد ، لذلك تجاهلت رسائله والرد عليه طوال اليوم على أمل أن تستعيد توازن قلبها من جديد أمامه وتضع حداً لنفسها بعدم انخراطها فى شيئاً يحرق أعصابها ، ثم ردت على سؤاله الأخير بنبرة هادئة : العمال هنا بيوضبو الجنينة



استغرق ياسر ثوانٍ قليلة يأخذ نفسا عميقا ، ثم عاد ليسألها بمكر رجولي : طب ايه ماوحشتكيش ولا ايه؟!



ابتلعت لعابها بصعوبة عندما ظهر في أفق أفكارها هاجس بعيد عن جوهر حديثهما ، جعلها تشعر وكأنها على وشك الاختناق بسبب ذلك الشعور الذي اجتاحها فجأة عندما تخيلته يتحدث معها وتلك المرأة اللئيمة بجانبه ، كما هي العادة في الآونة الأخيرة ، فخرجت كلماتها غير مترابطة من عمق شرودها : لا .. وحشتني .. انت لسه في العيادة



لم تمنع سؤالها الفضولي من طرحه جهراً ، إذ أرادت أن تعرف هل هي معه أم لا ، وكان قلبها يخفق بترقب ، تنتظر الإجابة منه التي جاءت منه غير قاطعة بالنسبة لها : لا خلصت .. بكلمك وانا بركن وطالع علي البيت




        
          
                
صمتت هالة لثوان معدودة تفرك فروة رأسها ، ثم واصلت بنبرة بدت عادية ظاهرياً ، لكن كان يغلفها الشك الذي أصبح يهسهس لها رغما عنها : حمدلله علي السلامة .. ويارا اخبارها ايه!! فينها كدا؟!



صمت ياسر برهة ، لتتنفس هالة خلالها الصعداء ، لعدم وجودها معه ، ثم أجابها ببساطة : والله ما انا عارف انشغلت طول اليوم ما بين المستشفي والعيادة والتفكير فيكي و نسيت اكلمها ولا هي كلمتني



أضاف بسؤال مليء بالحيرة : هي مابتكلمكيش ولا ايه؟



عادت هالة بظهرها على ظهر المقعد تريح جسدها عليه ، وقالت باختصار : لا



جعد ياسر حاجبيه بغرابة ، حيث أن يارا أخبرته أنها تتصل بها باستمرار ، لكنه تجاهل التفكير في هذا الأمر الآن وتمتم بعذر : جايز مشغولة عشان الخطوبة بكرا ولا حاجة



لم يعجبها تبريره لأفعال تلك اللئيمة ، لكنها تغاضت عن الرد ، ومررت أطراف أصابعها على خصلات شعرها الذي نفثته الريح متلاعبة به ، بينما تعقب بنفس النبرة المقتضبة : ممكن



أتاها صوته العميق من جديد ، دون أن تتلاشى الابتسامة التي ملأت نبرة صوته : تصدقي قلقان اقفل معاكي وتختفي تاني ماعرفش اطولك غير بكرا في الحفلة



أجابته هالة بصوتها الرقيق ، ضاحكة بلطف لأول مرة منذ بداية المكالمة : لا مش للدرجادي



شعر ياسر بسعادة غريبة ، عندما استمع إلى صوت ضحكتها وواصل الحديث بصوت متحمس : خلاص هطلع البيت اخد شاور واكل حاجة خفيفة وهكلمك ماتبعديش عن التليفون



استنشقت كمية من الهواء ، واتسعت البسمة على شفتيها بارتياح ، وهي تومئ برأسها كأنه رآها ، ووافقت بنعومة : حاضر باي



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



بعد مرور حوالي ساعة



فى المنصورة



داخل منزل احمد



تقف نادية في المطبخ أمام الموقد مرتدية طقم بيجامة صيفي رياضي مصنوع من القطن مكون من تي شيرت أحمر شاحب وبنطلون أبيض منقوش عليهم حروف إنجليزية صغيرة ملتصقان بجسدها الأنوثي ، بينما تقوم بإعداد الطعام دون أن تدرك من الذي تسلل من خلفها بخطوات صامتة قبل أن يضربها براحة يده على أردافها البارزة بشكل خفيف وسريع ، جعلها تشهق من الفزع ، وهي تتأوه بألم طفيف : اي .. ايه دا!!



استدارت نادية على صوت ضحكته المتسلية ، وهي تضع يدها على قلبها الذي كان ينبض بعنف ، وحدقت به مغتاظة قبل أن تضربه بقبضتها في منتصف صدره برفق ، قائلة بعتاب أنثوي : اخس عليك يا احمد فزعتني .. كنت هتخلي الزيت يطرطش عليا واتحرق




        
          
                
طبع احمد قبلة سريعة على جانب شفتيها، وهو يلف ذراعه حول خصرها ، وهمس بصوت ذكوري أجش بجانب أذنها : ان شاء الله عدوينك يا روح احمد



ابتسمت نادية ، وهي تعض على شفتها السفلية ، وتغمض عينيها للحظات ، متأثرة بصوته الحنون الذي دغدغ مشاعر الأنوثة بداخلها بشكل احترافي ، فعاجلها بضربة أخرى على مؤخرتها بضحكة خبيثة ، بعد أن أبعد يدها من عليها ، لتئن هى بدلال ، أشعره بنوع من المتعة ، بينما عادت تضع يدها على مكان الصفعة ، وتدلكها برفق ، لتتمتم بصوت متذمر : بطل بقي ايدك بتلسع



أنهت نادية تذمرها الغير مجدي معه الممزوج بالإثارة التي استهدفت أنوثتها من مداعباته لها ، قبل أن تسدد ضربة أخرى على صدره ، ليرد عليها ضاحكا بعبث : ما انتي بتزغديني وحدة بوحدة



هزت نادية رأسها بقلة حيلة مع ضحكة خافتة قبل أن تستدير ، وتحدق في القدر ، وهي تخفض حرارة الوقود علي الطعام.



لف احمد ذراعيه حولها ، وطوقها وأسند ذقنه على كتفها بعد أن حرك خصلات شعرها إلى جانب واحد ، وتمتم بصوت رجولى شهواني ، وأرسل الرعشات اللذيذة في جسدها ، عندما ضربت أنفاسه الساخنة أذنها ، وجانب رقبتها التى يمرر شفتيه الخشنة عليها برقة : وحشتيني يا ندوي .. وحشتيني اوي



رفعت نادية رأسها ، وأرجعت رأسها إلى الخلف قليلًا تسندها على أعلى صدره ، وتمتمت بابتسامة حلوة : وانت كمان يا حبيبي .. بس ايه سر اللهفة دي كلها؟!



أنهت نادية جملتها بإستفهام مشوب بالإستغراب من تغير مزاجه منذ يومين على غير المعتاد معها ، حيث أصبح حنوناً وضحوكاً ، وتصرفاته تنضح بالعبثية الرائعة التي كان لها أثر هائل على أوتار قلبها الهائم به ، بينما احمد هبط على خدها بشفتيه ، وقبلها مع كل كلمة قالها بإغراء حارق يملأه الشغف ، وهو يغمرها بين يديه أكثر ، كأنه يريد أن يدخلها بين ضلوعه : ايه!! هو غلط ان مراتي .. العسل دي .. السكر دي ..الملبن دي .. توحشني واجي ملهوف من برا .. عايز اخدها في حضني ووو



ترك احمد بقية جملته معلقة في الهواء بمكر دون أن يكمل ، وباغتها بالضربة الثالثة بمشاكسة ، فتأوهت بضحكة عالية مغمورة بالغنج ، مستمتعةً بذلك الألم ، لكنها أعربت عن انزعاجها على أية حال : وبعدين فيك بتضرب جامد



شاركها احمد الضحك ، خافضاً يده ، وقام بتدليك مكان الضربات بلطف ، وسوداوتاه تنظران إلى عينيها البنية بجرأة ، مقربًا رأسه من وجهها ، وهمس بجانب شفتيها ، يليه قبلات صغيرة متفرقة بين خدها وذقنها ورقبتها ، فأذابتها أنفاسه الحارقة : خلاص .. حقك .. عليا .. بموت .. فيكي



اتسعت ابتسامتها على شفتيها شيئًا فشيئًا ، واكتفت بإطلاق تنهيدة عميقة مسترخية ، فتابع أحمد بسرعة ، وهو يكاد يختنق من حرارة المطبخ حولهم : بقولك ايه .. سيبي اللي بتعمليه دا ويلا روحي البسي .. ولبسي زينب عشان هنخرج نتمشي شوية واقعدكو في الجنينة اللي جنب البيت .. وقبل ما نروح هنعدي نشتري عشوة حلوة كدا .. ونرجع ناكلها مع بعض



رفعت نادية عينيها نحوه ببطء ، وهي تستدير بين ذراعيه ، وتضع راحتيها على صدره ، وعقبت بإنشداه : لا كدا لازم ارقيك لا تتحسد مني .. ايه الدلع دا كله!! اكيد وراها سبب مش كدا؟



تجاهل احمد الرد المباشر على سؤالها ، رافعًا كتفيه بعدم اكتراث مزيف ، عكس حال قلبه الذي يرقص بين ضلوعه بسعادة غامضة.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

google-playkhamsatmostaqltradent