رواية و بالعشق اهتدي الفصل الرابع والثلاثون 34 - بقلم ندى محمود توفيق

الصفحة الرئيسية

 رواية و بالعشق اهتدي الفصل الرابع والثلاثون 34 - بقلم ندى محمود توفيق 

(( وبالعشق اهتدى ))
_ميثاق الحرب والغفران ج2_
_ الفصل الخامس والثلاثون _

اغلق باب السيارة وانتصب في جلسته وقبل أن يلتفت لها ليفهم سبب صراخها كانت الرصاصة قد استقرت بظهره من الخلف، فتشنج جسده فور شعوره بذلك الجسم الصلب الذي اخترق عظمه وبدأ الألم يحتل موقعه على صفحة وجهه حتى فقد قدرته على الوقوف فخر على الأرض جالسًا على ركبتيه وهو يحاول التقاط انفاسه، بينما آسيا فتعالت صراختها وهرولت راكضة إلى زوجها وابنها الصغير يبكي بين ذراعيها بسبب صوت صراخها وصوت إطلاق النيران.
جثت أمامه على الأرض تسنده بذراع والذراع الآخر تحمل به ابنها وتهتف له باكية وبهلع عندما رأته لا يستطيع التنفس بطبيعية:
_عمران خد نفس براحة
هرولوا الجيران إليه عندما سمعوا صوت السلاح وحتى من في منزل الصاوي خرجوا وكان أول من يركض تجاه عمران هو بشار وإخلاص خلفه وسط صراخها المصحوب بكلمة واحدة " ولــدي "، ساعده بشار مع أحد شباب جيرانهم على الوقوف واجلسوه في مقعد السيارة الخلفي وهو يتأوه عاليًا، أعطت آسيا  "سيلم " لإخلاص وركبت بجوار زوجها في الخلف وكل من إخلاص وبشار الذي يقود السيارة بالأمام.
كان عمران ممد في المقعد ونصف جسده يليقه على زوجته ورأسه فوق صدرها، أما هي فكانت تنظر له وتبكي فقط بنشيج عالي، فرمقها بعينان لا يقوي على فتحهم جيدًا من فرط الألم وابتسم لها بحب ثم أمسك بكف يده وهمس لها بصوت ضعيف بالكاد سمعته هي:
_أنا كويس متخافيش
مال ثغرها بابتسامة ممتلئة بالحزن والقلق ثم رفعت كفه الممسك بكفها وقبّلت ظاهره بعمق ثم انتقلت لجبهته وأخذت توزع القبلات عليها وعلى رأسه وهي تبكي وتهمس له بصوت منخفض:
_أوعاك تهملنا أنا مقدرش اعيش من غيرك
لم يجيبها واغلق عيناه يصارع الألم ويلتقط أنفاسه بصعوبة فقد فقد الكثير من الدماء ومازال يفقد، فزعت آسيا وانتفضت في جلستها عندما اغلق عيناه ثم رفعت رأسها لبشار وصاحت باكية بخوف:
_بشار عمران قفل عينه، سرع ابوس يدك 
التفت بشار برأسه للخلف في قلق بينما آسيا فراحت تضرب على وجهه برفق شديد صائحة وسط بكائها المرتفع:
_عمران فتح عينك ابوس يدك خليكي معايا.. عمرااان 
ظهر الاضطراب على وجه بشار وإخلاص اخذت تبكي وتصيح منتديات على ابنها متأملة أن يفتح عينيه ثم صاحت على بشار:
_سرع يابشار بسرعة
هتف بشار بارتباك وخوف شديد:
_آسيا اتطمني على نبضه
مدت يدها المرتجفة والملطخة بدمائه لكن قبل أن تضعها فوق بشرته خرج صوته المعالم والضعيف وهو يقول:
_أنا صاحي أنت بس سرع
 أطلقوا ثلاثتهم زفيرًا حارًا ببعض الارتياح وانطلق بشار بالسيارة بسرعة يشق بها الطرقات حتى وصل أخيرًا إلى المستشفى.
                                    ***
بعد مرور ساعة تقريبًا منذ دخوله غرفة العمليات، الجميع كان في حالة انهيار عصبي بسبب الخوف والقلق، كانت إخلاص تجوب البهو إيابًا وذهابًا وتبكي وهي تضرب على قدميها هاتفة بحقد:
_كان مستخبيلك فين ده بس ياولدي.. منه لله اللي عمل فيك إكده اشوف فيه يوم يارب
رفعت آسيا نظرها لإخلاص فور سماعها دعائها على من فعل هكذا بابنها وتذكرت وجوه الشابين وهيئتهم رغم أنهم كانوا ملثمين لكن أن رأتهم ستتعرف عليهم جيدًا، غلت الدماء في عروقها وأظلمت عيناها وفجأة وصلوا الشباب الذين يعملون مع عمران ليطمئنوا عليه ومن ضمنهم كان شابًا تعرفه آسيا جيدًا فلمعت عيناها بوميض الشر والانتقام ثم التفتت برأسها إلى بشار فرأته جالسًا ويحدث في الفراغ أمامه بشرود وحزن، استغلت الفرصة واستقامت واقفة وهي تحمل ابنها النائم بحضنها ثم اقتربت من الشباب وأشارت بعيناها الثاقبة لذلك الشاب أن يلحق بها فهز رأسه بالموافقة ولحق بها فورًا دون أن يلاحظه أحد.
وقفت آسيا في إحدى الزوايا بعيدًا عن أنظار الجميع ووصل إليها ذلك الشباب في غصون لحظات ووقف أمامها يسألها بجدية وتأدب:
_اؤمري ياست آسيا؟ 
ابتسمت له بود وقالت:
_ميؤمرش عليك ظالم ياصالح.. كنت عايزاك في خدمة تخص اللي حصل للمعلم بتاعك
رد عليها بكل حماس ولهجة تحمل الاحترام والحب:
_انا رقبتي سدادة للمعلم هو بس يقوم بالسلامة يارب
رددت آسيا بتمني " يارب " ثم رمقت الشاب بنظرة شيطانية وقالت بغل:
_اللي عملوا إكده في المعلم من رچالة صابر، عايزاك تقلب الدنيا عليهم وتچيبهم وانا عارفة أنك هتعرف تچيبهم عشان إكده كلمتك أنت
ابتسم بمكر وهتف بالموافقة:
_نچيبهم لو كانوا تحت الأرض، أنتي بس رسيني يعني شوفتي شكلهم أو المكنة اللي كانوا راكبينها
هزت آسيا رأسها بالرفض وقالت بتنهيدة حارة:
_لا كانوا حاطين شيلان على وشهم والمكنة كانت من غير نمر
التزم الصمت لثواني ثم قال بتفكير وعين تحمل ألف معنى:
_طيب اوصفيلي المكنة وأنا أعرف اچيبها كيف
بدأت تصف له شكل الدراجة النارية ولونها فلمعت عيناها بوميض خبيث ثم قال لها مبتسمًا:
_فل قوي إكده
آسيا بثبات وقوة تليق بها:
_بس اتحرك من دلوك احسن يفلتوا من يدك هما تلاقيهم لساتهم مبعدوش كتير عن المنطقة يعني هتعرف تجيبهم بسهولة
هز رأسه بالموافقة وقال في صلابة:
_حاضر وأول ما الاقيهم هبلغك
اماءت له بالإيجاب ثم ابتعدت عنه وعادت مجددًا إليهم لتجلس على مقعدها وعيناها عالقة على باب غرفة العمليات تنتظر خروج الطبيب، كال انتظارهم لساعة أخرى واصبحوا ساعتين حتى خرج الطبيب أخيرًا وخلفه خرج الممرضين وعمران وهو محمول على نقال المرضي وغائب عن الوعي، هرولت آسيا بتلهف إليه فور رؤيته فقدت الرؤية أمامها ولم ترى أحدًا سواه، وقفت بجواره وتطلعت إليه بعينان غارقة بالدموع ثم انحنت عليه وطبعت قبلتها المحبة على رأسه ثم طلبت منها الممرضة الابتعاد لكي يأخذوه إلى غرفته ويضعون في فراشه وتحت الأجهزة التي تراقب حالته الصحية، نظرت آسيا إلى الممرضة وسألتها بحزن:
_طيب أنا هقدر ادخله في الأوضة واقعد چاره
ردت بالإيجاب في لطف:
_أن شاء الله بس الأول الدكاترة تتطمن على حالته بعد العملية وتعمله فحص شامل
ابتسمت آسيا بفرحة واماءت لها بالموافقة ثم ابتعدت عن طريقهم ليأخذوه إلى غرفته الخاصة ثم التفتت للخلف فرأت بشار يتحدث مع الطبيب وسمعته يقول بقلة حيلة:
_احنا عملنا اللي علينا والحمدلله العملية كانت كويسة وهو حالته مستقرة وكويس بس للأسف الأصابة كانت في مكان حساس في الضهر وممكن لقدر الله تسبب الشلل
اتسعت عيني بشار بصدمة وقال له في عدم استيعاب:
_يعني إيه يادكتور هو إكده مش هيقدر يمشي تاني 
هز الطبيب رأسه بالنفي فورًا وقال ببصيص من الأمل:
_لا طبعًا منقدرش نقول كدا الكلام ده نحدده أن شاء الله لما يفوق وقتها هنطمن على حالته ونعرف العملية نجحت ولا لا، أن شاء الله يكون كويس متقلقوش
فور انصراف الطبيب اخذت إخلاص تبكي بنحيب شديد وصوت علي مرددة اسم ابنها من بقهر وتقول لبشار:
_أنا عايزة حق ولدي من اللي عملوا فيه إكده، ولدي مش هيقف تاني على رچله
اقترب منها بشار وقال بحزم:
_اهدي يامرت عمي مش هيقف تاني إيه بلاش تفولي على ولدك الدكتور بيقول لما يفوق هيطمنوا وان شاء الله ميبقاش فيه حاچة
 أما آسيا فكانت تقف متصنمة بأرضها تحدق بهم في صدمة وعدم استيعاب لما سمعته للتو بأذنها، ما بين صوت الطبيب في أذنها وصوتها الداخلي صراع.. يصرخ ذلك الصوت ويرفض تصديق هذا الكلام ويصرّ بأنه سيعود لها بكامل صحته، جلست على أقرب مقعد ونظرت لابنها الذي فتح عيناه مؤخرًا وهمست له بصوت مبحوح:
_أبوك هيبقى زي الفل وهيرچعلنا ياسليم، أنا عارفاه زين مش بيستسلم 
                                       ***
بمكان آخر داخل منزل بلال الصاوي......
كان نائم في فراشه عاري الصدر ويرتدي بنطال أبيض قطني، تململ في نومته عندما ازعجته آشعة الشمس التي تضرب عينيه ثم فتح جزء من عيناه وهو يتأفف ويقول بضيق يوجه حديثه إلى حور:
_فاتحة الشباك ده ليه؟! 
لم يجد رد منها ففتح عيناه كاملة وراح يتلفت في الغرفة بحثاً عنها لم يجدها معه، ضيق عيناه باستغراب ثم رفع يده يمسح على وجهه ويفرك عيناه من أثر النوم واعتدل جالسًا لينهض من الفراش ويتجه إلى الحمام ليغسل وجهه ثم خرج بعد خمس دقائق تقريبًا وغادر الغرفة ظنًا منه أنه سيجدها بالمطبخ لكنه سمع صوت التلفاز بالصالة، فرفع حاجبه مندهشًا واتجه إليها في خطواته المتريثة ثم وقف خلفها وألقي نظره على شاشة التلفاز التي تعرض فيلمًا كوميديًا وهي تشاهده ثم نظر لها مبتسمًا بخبث ومال عليها من الخلف بعدما استند بكفيه على ظهر الأريكة من الجانبين وقال لها فجأة بصوت خشن:
_في واحدة تسيب چوزها نايم ليلة الصباحية وتقعد تتفرچ على التلفزيون!! 
أطلقت صرخة مفزوعة ممتزجة بنفضتها من مكانها والتفاتها إليه ثم هتفت له بانزعاج:
_إيه يابلال حرام عليكي خضتني! 
رفع حاجبه ثم التف حول الأريكة ليجلس بجوارها ويسألها بحزم مزيف:
_المفروض تصحيني يا إما تفضلي نايمة چاري!
اشاحت بوجهها بعيدًا عنه وثبتته على التلفاز ثم قالت في خجل شديد وابتسامة مثيرة:
_لا الصراحة أنا مقدرتش اصحيك مكسوفة منك أصلًا
تلاشى ذلك الحزم المزيف وحل محله الابتسامة اللعوب وهو يرفع حاجبه له ثم اقترب منها حتى التصق بها وهمس لها في جرأة:
_ليه ده أنا كنت مؤدب امبارح حتى لما اااا.......
كتمت على فمه بكفها بسرعة وتلونت وجنتيها باللون الاحمر من شدة استحيائها وتوسلته:
_ابوس ايدك متقولش حاجة تاني كفاية اللي سمعته امبارح
قهقه عاليًا بتلذذ ثم غمز لها بخبث يسألها:
_سمعتي إيه فكريني عشان أنا مش فاكر
مالت بوجهها للجهة الأخرى وهي تبتسم بخجل وتقول مغلوبة منه:
_وبعدين بقى.. أنا هقوم احضر الفطار احسن عشان نفطر 
قبض على ذراعها واجلسها بجواره عنوة ثم جذبها إليه وهو يلف ذراعه حول خصرها وظهرها بإحكام ويقول باستمتاع:
_فطار إيه دلوك مش وقته أنا في قدامي قطعة بسبوبة مغرية مقدرش اهملها 
مالت برأسها للخلف عندما وجدته يميل عليها فرأته يرمقها بغيظ وحدة عندما ابتعدت وانطلقت منها الضحكات الأنثوية فلانت تعبابيره المنزعجة فورًا على أثر ضحكاتها وانقض عليها وسط ضحكهم يعيشون لحظاتهم الرومانسية، وبجوارهم هاتف بلال يستمر في الرنين دون توقف وهو يتجاهله لكن حور ابعدته عنها وقالت له بجدية:
_شوف مين يابلال ليكون في حاجة مهمة
ابتعد عنها وهو يتأفف بنفاذ صبر ثم اعتدل جالسًا والتقط هاتفه يجيب على بشار بغيظ:
_هو محدش قالك أني عريس في ليلة صباحيته ولا إيه يا ابن العم 
رد عليه بشار بصوت صلب وعابس:
_أخوك في المستشفى
اتسعت عين بلال بصدمة وهتف بعدم استيعاب:
_مستشفى!! .. حُصل إيه؟! 
بشار  بصوت غليظ:
_حد كان مستقصده وعاوز يأذيه وأجر شوية عيال **** ضربوا عليه نار.. هو طلع من العمليات دلوقتي وكويس الحمدلله ولما تاچي هبقى افهمك الباقي
وثب بلال واقفًا بقلق وقال بصوته الرجولي:
_طيب انا چاي دلوك مسافة السكة وأكون عندكم
انهي معه الاتصال واندفع لداخل غرفته مسرعًا لكي يرتدي ملابسه ويذهب يطمئن على أخيه، هرولت خلفه حور تسأله بخوف:
_في إيه يابلال مين في المستشفى؟ 
رد عليها بإيجاز وهو يشرع في ارتداء ملابسه:
_عمران في حد ضرب عليه نار 
شهقت بهلع ووضعت كفها على فمها من أثر الصدمة ثم جلست على الفراش وراقبته وهو يرتدي ملابسه حتى انتهي وقبل أن يغادر الغرفة قالت له باهتمام:
_اتصل وطمني يابلال متنساش 
هز رأسه له بالموافقة وهو في سيره للخارج دون أن ينظر لها من فرط تعجله وتلهفه عليه أخيه...
                                     ***
داخل منزل خليل صفوان.....
كان " علي " في طريقه لباب المنزل بعد نزوله من الدرج ينوي الذهاب للعمل لكنه توقف أثناء مروره بجوار المطبخ وسمع صوت غزل وهي تتحدث بالهاتف، رفع حاجبه وحاول سماع حديثها فقاده فضوله للاقتراب من المطبخ اكثر ليتمكن من سماعها بوضوح أكثر، حتى وقف خلف الباب بضبط متواريًا عن انظارها وأخذ يستمع إلى حديثها الذي كان مع إحدى صديقاتها وكانت تتحدث معها بالعربية وتقول بطريقتها الناعمة في الحديث وهي تتنهد بقلة حيلة وضيق:
_اوكي يا لين انا فاهمة اللي أنتي بتقوليه بس الموضوع صعب عليا أنا عمري ما اتوقعت أني اوافق على حاجة زي كدا، الموضوع ده بيقولوا عليه إيه في مصر ؟!!... أه جواز صالونات
توقفت عن الكلام وانقطع صوتها للثواني حتى عادت تتحدث مجددًا تجيب على صديقتها التي يبدو أنها سألتها سؤال مثير واصابت الهدف بذلك السؤال:
_تمام أنا مش هكدب عليكي واقولك اني مش حاسة بـ any feelings ناحيته بل بالعكس أنا بدأت أحس بمشاعر غريبة ورغم اني دايما بصده بس بفرح بوجوده جمبي، لكن رغم كل ده still أنا قلقانة وخايفة اخد الخطوة دي واندم وتكون مشاعري دي زائفة وملهاش أي معني وتروح بعدين واحنا منعرفش نتفق مع بعض بعد marriage
كان يستمع لتلك الكلمات من الخارج وابتسامته تشق وجهه إلى أذنيه من فرط السعادة، وقلبه يرفرف فرحًا وأصبحت تعابيره مشرقة وتهللت اساريره، ثم انتظر حتى انتهت من مكالمتها مع صديقتها وتقدم بخطواته المتريثة من خلفها مزينًا وجهه بابتسامة خبيثة، حتى وقف بجوارها مباشرة وهي تقف تقطع الخيار على الرخام فمد يده والتقط قطعة خيار صغيرة والقاها في فمه باستمتاع ثم همس لها وهو يغمز بنظرة مريبة:
_كنتي بتكلمي مين ياغندورة؟ 
رغم أن ظهوره المفاجئ افزعها قليلًا لكنها تصنعت الثبات أمامه وافادت النظر في عينيه المربكة وقالت ببرود:
_عايز تعرف ليه؟! 
مد أنامله لطبق الخيار يلتقط آخر قطعة قطعتها للتو والقاها في فمه وهو يجيب بمتعة ونظرة مفعمة بالحماس والرغبة:
_فضول.. حابب اعرف كنت بتكلمي مين مش يمكن تكوني كنتي بتچيبي في سيرتي وأنا معرفش
طالعته لثواني بنظرات مرتبكة وهي تفكر هل سمع حديثها؟، ثم نظرت لصحن الخيار وانزعجت من أكله له فقالت بضيق وتوتر ملحوظ:
_وأنا اجيب سيرتك ليه أنا كنت بكلم صحبتي، أي اللي يخلينا نتكلم عنك!!!
رفع حاجبه وهو يلاحظة اضطرابها الشديد منه وعلى ثغره ابتسامته الماكرة ثم أجاب بتصنع البراءة:
_يعني مثلا مخدتيش رأيها في چوزانا!
تسارعت نبضات قلبها وأصبحت شبه متأكدة أنه سمع حديثها فقالت له بغيظ تحاول الفرار من محاصرته لها واسألته المتكررة:
_وبعدين يا "علي " بقى ابعد عني، ثم أن إيه جوازنا دي هو أنا وافقت مثلا
اقترب منها أكثر ثم رفع أنامله لشعرها يعبث في خصلاتها كعادته بكل حنو وهو يطالعها بلوعة ويقول بصوت رجولي أصابها في الصميم:
_هتوافقي لأني مش هسيبك ياحبيبتي هتچوزك يعني هتچوزك
ارتخت عضلات جسدها وغرقت بنظرته الساحرة  فأصبحت كالمغيبة وهي تتأمله حتى لمساته الدافئة لشعرها زادت من استسلامها له، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن حيث دخلت إنصاف المطبخ فجأة وفور رؤيتها لهم وهم بهذا الوضع العاطفي تسمرت بأرضها ورمقتهم بعين متسعة، أما غزل التي انتبهت لزوجة عمها انتفضت مبتعدة عنه بسرعة بفزع وراحت تدفن رأسها أرضًا من الخجل، ضيق " علي " عينيه بتعجب والتفت خلفه ليري أمه وهي تقف عاقدة ذراعيها أسفل صدرها وترمقهم بحدة، اعتدل في وقفته وتنحنح بإحراج بسيط وهو يبتسم ويقول محاولًا تبرير الوضع الذي رأتهم فيه:
_متبصليش إكده ياست الكل أنا كنت بس بكلمها وبقترح عليها تلبس الحچاب عشان مش عاچبني تفضل إكده بشعرها.. صُح ولا لا؟ 
وجه سؤال الأخير لغزل وهو ينظر لها بجدية لكي توافقه الكلام حتى ينقذوا نفسهم لكنها اغتاظت من ذكره أمره الحجاب وتفكيره في محاولته لفرضه عليها فقالت تنفي ما قاله:
_لا محصلش ياطنط هو كان اااا....
حدقها " علي " مغتاظًا وبتوعد ثم قطع كلامها في منتصف ونظر لأمه يقول بنفاذ صبر وغضب:
_أه محصلش وبصراحة إكده لو موافقتش أنها تتچوزني محدش يلومني بعدين عشان أنا خلاص تعبت، اتكلمي عاد معاها واقنعيها بأي طريقة قبل ما اكتب عليها غصب عنها
قم القي نظرة أخيرة على غزل يتوعد لها بنظرة نارية فتصنعت أمامه الثبات وهي بالواقع ترغب بالضحك الشديد بعد كلماته الأخيرة، ومشاعره اختلطت ما بين الصدمة والخجل، أما إنصاف فكانت مازالت في ذهولها بالأخص بعد ما قاله للتو، راقبوه هم الأثنين وهو يندفع لخارج المطبخ ويتركهم بمفردهم....
                                      ***
 على الجانب الآخر في المنزل خرجت خلود من غرفتها بخطوات مترددة ومتوترة وهي في طريقها لغرفة جدها، منذ الحادثة الأخير وتأكدها من أن مروان تخلي عنها دون أن يمنحها فرصة للدفاع عن نفسها حتى أو يكلف نفسه عناة سماعها، اختار الطريق الأفضل وهو الهروب من مواجهة الواقع وتركها وغادر.
ربما الحب ليس مقدر لها وربما قد حُكم عليها بالسجن داخل وحدتها للأبد، أو ربما هي لا تستحق الحب، وأنها أصدرت مرسوم عذابها بنفسها  عندما ارتكبت ذلك الخطأ في الماضي...
رغم الألم الذي يجتاح صدرها كلما تتذكر حبها له وتخليه عنها بكل سهولة، إلا أن ذلك يمنحها القوة والإصرار على مواصلة حياتها وتحقيق ذاتها دون الحاجة لأي أحد وبالأخص الرجال.
وصلت إلى غرفة الجد حمزة ووقفت أمام الباب للحظات طويلة تأخذ أنفاسها وتطلقها في زفيرًا متهملًا، ثم رفعت كفها أخيرًا وطرقت على الباب ثلاث طرقات خفيفة متتالية حتى سمعت صوته يسمح للطارق بالدخول ففتحت الباب ببطء ونظرت له فوجدته جالسًا على مقعده الوثير وبيده مسبحته ورمقها بنظرة صارمة عندما رآها فأجفلت رأسها هي أرضًا ودخلت على استحياء وخوف منه ووقفت بجوار الباب تمامًا دون حركة حتى سمعت صوته الغليظ يأمرها:
_تعالي اقعدي واقفلي الباب واقفة عندك إكده ليه!
أغلقت الباب كما أمرها وتقدمت نحوه ثم جلست على الأريكة المجاورة لمقعده ونظرت في الأرض بقلق ويديها تفركم ببعضهم ليقول حمزة لها بقسوة:
_إيه هتقعدي ساكتة من غير نفس إكده، إيه اللي چايبك!
لمعت عين خلود بالعبرات ثم رفعت رأسها والقت نظرة سريعة على جدها بعيناها الغارقة بالدموع ويملأها الندم، وللحظة كانت تجلس على الأرض أسفل قدميه وتلتقط كفه تقبله وتردد وسط بكائها وصوتها المبحوح:
_حقك عليا ياچدي أنا غلطت وندمانة سامحني، انا تبت لربنا والله ومش عاوز بس غير أنك تسامحني أنت و " علي "
طالعها حمزة مطولًا وهي تقبل يده ودموعها تنهمر بغزارة على وجنتيها وبكائها يزداد من شدة ندمها وحزنها، أطلق تنهيدة حارة  ثم جذب كفه من قبضتها ببطء وقال لها في قوة:
_حطيتي راس ناسك وعيلتك في الطين عشان و***** ميستهلش حاچة ومحدش فينا بقى عنده ثقة فيكي ودلوك بتقولي سامحوني
رفعت رأسها له ونظرت إليه بانكسار تترجاه وتقول:
_انت بتقولي دايمًا يابتي، وبتك غلطت ياچدي وندمت وعرفت غلطها ومن إهنه ورايح مش هتطلع عن طوعكم تاني واصل، مش حد مبيغلطش
حدقها حمزة بحدة وهتف:
_وغلط عن غلط يفرق، سامحناكي في اللي عملتيه في بت عمك لكن عملتك كانت أكبر 
قالت بصوت مبحوح وعين تلمع بوميض الأمل:
_حتى آسيا سامحتني لما حست أني صُح ندمت، أنت بس قولي عاوزني اعمل إيه وأنا من يدك دي يدك دي ليدك دي أنت و" علي " واللي هتقولولي عليه هنفذه وادوني فرصة اثبتلكم أني ندمت صُح، واقولك على حاچة تاني كمان من إهنه ورايح مش هخبي عليك أي حاچة ياچدي أقل حاچة تحصل معايا هتكون أنت أول من يعرف
طالت نظراته في عينها النادمة والغارقة بالدموع فلان قلبه لها قليلًا لكنه أيضًا أجابها بحزم:
_طيب روحي ياخلود دلوك ونبقى نشوف بعدين هتبقي عند كلامك صح وهتنفذي اللي عاوزينه ومش هتخبي عننا حاچة ولا لا
لمعت عيناها بوميض الفرح بعدما استشعرت من كلامه أنها نجحت في الحصول على رضاه وبدأ قلبه يلين وسيسامحها، فانشق وجهها بابتسامة واسعة وهبت واقفة فورًا ثم انحنت على رأسه تقبلها وتقول:
_متقلقش مش هخيب ثقتكم فيا تاني واصل ياچدي
رمقها بطرف عينه في ابتسامة جانبيه تكاد لا ترى لكنها لاحظتها فطالعته بسعادة ثم استأذنت منه وغادرت الغرفة وهي في قمة سعادتها، فقد أتمت أول مهمة وتبقت لها المهمة الأصعب وهي إرضاء " علي " .
                                       ***
داخل المستشفى تحديدًا بالغرفة التي خصصها له الطبيب ليمكث فيها فترة علاجه إلى حين خروجه من المستشفى، كانت آسيا تجلس بجوار فراشه تمامًا تتأمله بعينان حزينة وتحتضن كفه بين يديها، وعلى أحد المقاعد البعيدة نسبيًا عن فراشه كانت تجلس إخلاص أيضًا وهم الاثنين في انتظاره استيقاظه.
لمعت عين آسيا بلهفة عندما رأته بدأ بفتح عينيه ببطء واصابعه تحركت فنظرت له بترقب وفرحة وكانت هي أول من تلتقطها عيناه حيث ابتسم لها بتعب وهمس:
_غزال!
تلألأت عيناها بالعبرات وهبت واقفة ثم ارتمت عليه تعانقه بقوة وهي تبكي وتقول له:
_الحمدلله أنك قومت بالسلامة أنا كنت هعمل إيه من غيرك ياعمران أنا وسليم
رفع يده ببطء ومسح على ظهرها بحنو وهو مبتسم فلا يستطيع التحدث كثيرًا، أما إخلاص فكانت تقف بجواره رأسه وهي تضحك بفرحة وعينان لامعة وفور ابتعاد آسيا عنه مالت هي عليه وضمته وقبلت رأسه هاتفة:
_حمدلله على سلامتك ياولدي، ربنا ردك لينا سالم الحمدلله 
أجاب أمه بخفوت ولطف:
_الحمدلله ياما أنا زين متقلقيش عليا
ثم نظر لآسيا وسألها باهتمام:
_سليم وين؟ 
_ مع أمي في بيتنا 
ظهر القلق على محياه وقال بضيق وحزم بسيط:
_وليه متخلهوش چارنا إهنه!! 
مسحت آسيا على شعره بحنو بعدما فهمت سبب قلقه وانفعاله وقالت له بهدوء تام:
_متقلقش ياحبيبي البيت هناك مليان وچدي وعلي قاعدين وأمي بتراعيله مفيش حد يقدر يقرب من بيتنا، وأنا مش هينفع أخليه معايا في المستشفى إهنه أخاف عليه احسن يتعب
رتبت إخلاص على كتف ابنها بدفء وهمست له مبتسمة:
_اطمن ولدك زي الفل وفي أمان اهدي أنت بس عشان تتحسن بسرعة وتطلع من إهنه 
أطلق تمهيدة حارة بحنق بعد كلامهم الذي امتص غضبه قليلًا وهدأ من روعه، بتلك اللحظة دخل الطبيب لكي يجري فحصه عليه وفور رؤيته له قال مبتسمًا:
_حمدلله على السلامة طالما فوقت بالسرعة دي تبقى زي الفل أكيد
اكتفى عمران بابتسامته الصافية بينما الطبيب فاقترب وبدأ يجري فحصه عليه ونظرات كل من آسيا وإخلاص مرتعدة، فمزالت كلمات الطبيب حول احتمالية حصول شلل تتردد في أذانهم، انتبهت آسيا على صوت الطبيب وهو يطلب من عمران أن يحرك قدميه وعندما فعل سأله:
_هاا إيه الأخبار مش حاسس بأي صعوبة وأنت بتحركها
هز عمران رأسه بالنفي وهو لا يفهم سبب اسألته الغريبة، فاقترب الطبيب وكشف عن قدمه وطلب منه أن يحركها أمامه مجددًا ليراقب بعينيه، ثم اطلق تنهيدة وابتسامته الواسعة احتلت وجهه ثم نظر لكل من إخلاص وآسيا يرسل لهم إشارات بعيناه ليطمئنهم ويقول:
_الحمدلله كدا أنت زي الفل بس هتفضل الليلة دي في المستشفى لغاية ما تتحسن شوية وبكرا الصبح ان شاء الله اقدر ترجع البيت
ردت وخلاص بفرحة غامرة بعدما أخذهم البشرى من الطبيب  وقالت:
_كتر ألف خيرك يادكتور متشكرين
ارسل لهم الطبيب ابتسامة عذبة ثم غادر الغرفة وتركهم، فكان عمران يراقب تعابير وجه زوجته وأمه في بداية دخول الطبيب وأثناء خروجه كيف تحولت مئة وثمانون درجة، مما أكد له أن هناك أمر في وضعه الصحي ويخفوه عنه، خرج صوته الرجولي الغليظ وهو يسألهم:
_الدكتور كان بيسألني الأسألة دي ليه، هو شاكك في حاچة ولا إيه؟!
همت آسيا بأن تجيبه وهي مبتسمة تنوي الكذب عليه لكنه رمقها بنظرة مخيفة أثبت لها أنه لا يريد الكذب فأخذت نفسًا عميقًا وقالت مجبرة:
_كان شاكك أن الرصاصة تكون أثرت على المشي عندك بس الحمدلله مفيش حاچة وقال قصادك أنك زي الفل
هز رأسه بتفهم والتزم الصمت دون أن يجيب بأي كلمة بينما آسيا فجلست على المقعد بجواره مجددًا ومالت برأسها على كتفه وهي تبتسم وتمسك بيده، أما إخلاص فتركتهم بعدما قالت أنها ستذهب لتخبر كل من بلال وبشار أنه استيقظ.
                                    ***
بتمام الساعة التاسعة مساءًا داخل منزل مريم.....
استقامت من فراشها بعدما سمعت صوت رنين هاتفها الموضوع فوق طاولة المكياچ الخاصة بها، التقطت الهاتف ونظرت في شاشته فقرأت اسم بشار، لاحت على ثغرها ابتسامة مغرمة لكن سرعان ما رسمت الجدية على تعابيره واظهرتها في نبرة صوتها وهي تجيبه:
_أيوة
بشار بصوت رجولي هادئ لكنه يحمل من الجدية ما يكفي لجعلها تصدق ما يقوله:
_أنا واقف تحت عمارتكم ومش همشي من إهنه غير لما نتكلم 
فغرت شفتيها بصدمة واسرعت إلى الشرفة تنظر منها الأسفل فرأت بالفعل يقف بسيارته أمام بوابة البناية وينظر للأعلى إليها وهو يتحدث معها فقالت له بعدم استيعاب:
_أنت بتعمل إيه هنا يابشار إيه الجنان ده، بعدين إيه نتكلم دي مش فاهمة!
بشار بكل بساطة:
_يعني انزلي عشان نتكلم عشر دقائق بظبط وبعدين اطلعي تاني
مريم برفض قاطع:
_نعم لا طبعًا انزل إيه، قول اللي عايز تقوله في التلفون 
بشار برفض وجدية تامة:
_اللي عاوز أقوله مينفعش في التلفون يامريم ومينفعش يتأخر لأنه ضروري، لو سمحتي انزلي خلينا نتكلم
أطلقت زفيرًا حارًا بنفاذ صبر وقالت له:
_انزل ازاي اقولهم إيه يعني في البيت؟!!
ابتسم بشار بكل بساطة وقال بنبرة محبة:
_هي دي مشكلتك يعني خلاص اطلعلك أنا وأهو العشر دقايق تبقى عشرين وبالنسبالي احلى 
 هتفت بسرعة في رفض وارتباك:
_لا لا لا متطلعش أنا هقول لماما وانزلك بس عشر دقايق بظبط اوكي
بشار بمرح وغرام:
_ اوكي ياحبيبتي
أنهت معه الاتصال وهي تتنهد بقلة حيلة ثم ارتدت ملابسها وتجهزت وخرجت لتخبر أمها وتأخذ أذنها لعشر دقائق فقط وعندما سمحت لها، أطلقت تمهيدا حارة بارتياح وسعادة وبسرعة غادرت المنزل ونزلت له، فوجدته يجلس بمقعده في السيارة ففهمت أن يريد التحدث معها داخل السيارة ليكونوا في وضع مريح أكثر، اقتربت من السيارة وفتحت باب المقعد المقابل له وجلست بجواره ثم أغلقت الباب وقالت مغلوبة:
_هااا إيه بقى الموضوع الضروري ده اللي مينفعش يتأخر
تمنعها بحب وإعجاب مطولًا ثم رسم العبوس والأسف على ملامحه قبل أن يقول:
_تعرفي أن أنا كنت في المستشفى وچاي من هناك!
اتسعت عيناها بصدمة وهتفت في فزع ولهفة عليه وهي تتفحص بنظرها جسده:
_مستشفى إيه أنت كويس إيه اللي حصل؟!
ضحك بحب بعدما رأي لهفتها عليه وقال:
_أنا كويس بس كنت مع واد عمي عمران 
عندما رأت ضحكته اغتاظت بشدة وقالت له:
_أنت قاصد تشوف قلقي عليكي بقى ما تقول من الأول أنه ابن عمك
زم شفتيه بحزن متصنع وقال:
_أنا حاليًا كويس بس لو فضلتي بتعذبيني إكده كتير قلبي مش هيستحمل وهقعد مكان عمران في المستشفى
رمقته بغضب وقالت في ضيق:
_إيه الكلام اللي بتقوله ده يابشار بعد الشر
مال عليها بوجهه مبتسمًا بنظرة عاشقة وتحمل من المكر ما يناسب الوضع:
_إيه خايفة عليا قوي إكده ومتقدريش على بعدي
أطلقت زفيرًا بنفاذ صبر وهي تبتسم بخجل ثم قالت له بصرامة مزيفة:
_ممكن تقول عايزني في إيه طيب ولا امشي
هتف دون تردد أو تفكير ومرواغة:
_عاوز اقولك أني عاوز اتچوزك واكلم أبوكي عشان نحدد الفرح
اطالت النظر في وجهه دون أن تجيبه، لا تعرف سكوتها كان خجل أم دهشة أم ماذا، لكن في تلك اللحظة انعقد لسانها وظلت تحدق بها ساكنة تحاول إيجاد الكلمات لتجيب عليه، حتى حاربت توترها وخجلها وقالت بالرفض البسيط:
_لا تحدد فرح إيه، بعدين أنت نسيت أني قولتلك هديك فرصة لغاية ما أتأكد من حبك ليا هو أنت لحقت تثبتلي حاجة 
مال عليها وهتف برجاء ولوعة:
_حرام عليكي يامريم كل ده ولساتك متأكدتيش من حبي ليكي، أنا تعبت ومعدتش قادر استحمل بعدك عاوزك تبقي چاري وحلالي ومرتي.. كفاية لغاية إكده ابوس يدك
سكت للحظات يراقب تعابير وجهها التي بدا عليها أنها لانت وستوافق بعد ما قاله، فتابع مازحًا وهو يضحك:
_ ولو على الأثبات ياست البنات هكتبلك وصلات أمانة عليا عشان لو عملت أي حاچة ضايقتك بعد الچواز ولا حسيتي أني مستحقش الفرصة اللي ادتهاني تنتقمي مني وتحبسيني بالوصلات، إيه رأيك في الفكرة دي؟ 
هزت رأسها بالموافقة وهي تريد فكرته وسط ضحكها:
_حلوة الفكرة دي
بشار بعين تلمع بالفرحة والأمل:
_افهم من إكده أنك موافقة خلاص ونتوكل على الله 
مريم بتردد وابتسامة متدللة:
_لا اديني فرصة افكر وارد عليك
دس يده في جيب بنطاله وأخرج خاتم خطبتهم الذي اعطته له يوم قررت الانفصال عنه والتقط يدها وراح يلبسها إياه وهو يقول بلهفة:
_لا مفيش تفكير أنا هكلم الحچ الليلة وبكرا نبقى نتفق على كل حاچة
نظرت للخاتم الذي يزين إصبعها وهي تبتسم بخجل فسمعته يهمس بصوت دافيء ومغرم:
_قولتلك هلبسهولك بنفسي تاني وأهو نفذت وعدي
طالعته بعين ممتلئة بمشاعر العشق والفرحة ومن فرط خجلها فتحت باب السيارة تنوي المغادرة فورًا لكنه أوقفها بعبارته اللئيمة:
_رايحة وين حتى اجبري خاطر چوزك المستقبلي بكلمة حلوة
رمقته بطرف عينها مبتسمة بدلع وقالت في ثقة:
_أنت قولت بنفسك جوزي المستقبلي، لما تبقى جوزي رسمي أن شاء الله وقتها ابقى أجبر بخاطرك
رفع حاجبه مندهشًا من ردها الذي نال إعجابه وهو يضحك ثم راقبها بنظراته وتدخل البناية مجددًا ويهمس:
_وماله حقك تتدلعي عليا
                                       ***
عودة للمستشفى... كانت آسيا تقف خارج الغرفة مع بلال الذي يتحدث ويخبرها بأنه يبحث عن الذي أطلق النيران على أخيه فقالت له بخفوت:
_أنا عارفة مكانهم
ضيق بلال عيناه بدهشة وقال:
_عارفة مكانهم كيف؟ 
ازدردت آسيا ريقها بتوتر بسيط من ردة فعله وقالت في هدوء:
_اتكلمت مع صالح اللي شغال مع عمران الصبح وقولتله يدور عليهم ووصفتله الموتسيكل اللي كانوا راكبينه وهو كلمني من حوالي ساعة وقالي أنهم مسكوهم وحاطينهم في مخزن السمك
تبدلت تعابير بلال للغضب من أفعال زوجة أخيه وقال لها بعصبية:
_أنتي روحتي تتكلمي مع صالح يا آسيا ده واد صايع ومشيه مش تمام وحتى عمران مش بيشغله معاه دايمًا وكان هيقطع عيشه واصل في مرة من المرات 
آسيا بثبات بعدما عقدت ذراعيها أسفل صدرها:
_مهو أنا عشان إكده بذات طلبت منه هو بالأخص عشان متأكدة أن هو اللي يعرف يچيبهم لو نزلوا سابع أرض عشان هو شبههم والشباب اللي إكده بيعرفوا بعض زين
مسح بلال على وجهه وهو يصر على أسنانه مغتاظًا منها وهتف منفعلًا:
_وأنتي إيه دخلك يا آسيا، عارفة لو عمران عرف هيعمل إيه أذا كان أنا ودمي غلي من اللي عملتيه أمال هو هيعمل إيه فيكي 
هتفت آسيا بعدم مبالاة وقوة تليق بها:
_يعمل اللي يعمله كنت عاوزني اسكت يعني واسيب اللي عملوا فيه إكده ينفدوا بعملتهم، لو كنا صبرنا أو اتأخرنا كانوا العيال دول هيطلعوا من المنطقة ومش هنعرف نتلم عليهم تاني بسهولة، بعدين متقلقش أنا بنفسي هقول لعمران دلوك واحكيله كل حاچة 
بلال بحدة:
_زين عشان لو مكنتيش قولتيله أنتي كنت أنا هقوله، خشي كلميه وأنا هروح المخزن اشوف الـ**** اللي مأجرهم صابر 
أجابته آسيا برزانة:
_خليها الصبح يابلال هما مش هيهربوا الشباب مأمنين عليهم زين وأنت روح لعروستك سايبها من الصبح وحدها وأنتوا في أول يوم چواز
مسح على وجهه وهو يتأفف بخنق يجيبها:
_عندك حق، بس ملكيش صالح بحاچة تاني يا آسيا ومتتكلميش مع أي حد أنا هكلم صالح ده وأتابع معاه وافهم منه اللي حُصل
هزت رأسها بالموافقة له مبتسمة بينما هو فاستدار واتجه إلى خارج المستشفى وهي اتجهت إلى غرفة عمران حيث يوجد كل من فريال وجلال بالداخل معه.
كانت فريال جالسة على الفراش بجوار أخيها ويتبادلون أطراف الحديث بمرح بينهم وعندما دخلت آسيا استقرت العيون عليها وسألها عمران بتعجب:
_كنتي وين؟ 
ابتسمت وأجابت بهدوء تام:
_كنت مع بلال برا بكلمه وبقوله يمشي لعروسته سايبها من الصبح وحدها
هتفت فريال ضاحكة:
_ايوة هما حظهم قليل كل شوية كان فرحهم يتأجل ولما اتجوزوا حصل اللي حصل مع عمران ده في ليلة صباحيته
نظر جلال لشقيقته وقال غامزًا لها بفرحة تظهر في عينيه بوضوح:
_شكلك إكده لساتك متعرفيش بخبر حمل فريال
نقلت آسيا نظرها بينهم باندهاش فوجدت الكل مبتسم ويبدو أن الجميع لديه علم معادا هي، شقت ابتسامتها الواسعة طريقها لثغرها واقتربت من فريال تعانقها بحب وتهنئها:
_الف مبرووك ياحبيبتي الحمدلله ربنا عوضكم وربنا يتمم الحمل على خير يا أم معاذ 
هتفت فريال بابتسامة دافئة ومرح:
_اللهم امين وعقبال ما تفرحونا كدا أنتوا كمان بالتاني وتخاوا سليم
كان اول ما يجيب عمران بابتسامة عريضة وتمنى شديد:
_امييين قريب ان شاء الله ياحبيبة أخوكي 
رمقته آسيا بعين متسعة وهي تبتسم بخجل من تلمحيه الصريح أمام أخيها وشقيقته بأنه ينوي ويريد الطفل الثاني.
انحنت فريال على رأسها أخيها وثباته بحب وهي تقول له في حنو:
_احنا هنمشي ياعمران عاوز حاچة منينا ياخويا
التقطت عمران كفها وقبل ظاهره بحب هاتفًا:
_لا ياست أخوكي عاوز سلامتك خدي بالك من روحك
فريال مبتسمة:
_حاضر وأنت كمان متهملش في العلاج والوكل عشان تخف بسرعة وتقف على رچلك
هز رأسه لها بالموافقة ثم استقامت واقفة وودعت آسيا أخيها بهتاف أخوي دافيء وراح جلال يودع عمران بالأخير قبل رحيلهم.
كانوا في طريقهم لخارج المستشفى ثم استقلوا بالسيارة فقالت فريال بضيق:
_أنا محبتش اقول قصاد آسيا بس أنا خايفة على أخويا ياچلال معقول يحاولوا يأذوه تاني
جلال بجدية وهو يهز رأسه بالنفي ليطمئنها:
_لا ميقدروش يقربوله تاني متقلقيش والعيال اللي عملت إكده هنچيبهم ساهلة
تنهدت الصعداء بقلق على أخيها لكن فجأة شعرت بألم شديد يجتاح رحمها فوضعت كفها على بطنها ومالت للأمام قليلًا وتأوهت بألم، فسألها جلال بقلق واهتمام:
_مالك يافريال؟ 
فريال بألم يظهر في نبرة صوتها الضعيفة:
_معرفش ألم شديد قوي في بطني آاااه
                                     ***
داخل غرفة عمران....
فرد عمران ذراعه على الفراش وافسح المجال لآسيا وترك لها مسافة تناسبها وهو يدعوها للانضمام إليه وتدخل في حضنه هاتفًا بهيام:
_تعالي ياغزالي
رمقته باندهاش وقالت في خجل:
_آچي إيه ياعمران احنا في المستشفى ممكن أي حد يدخل
غمز لها بخبث وقال:
_محدش هيدخل دلوك ولو حد من الممرضين دخل بيخبط الأول
اطالت النظر في عيناها التي تدعوها بإصرار فلم تستطع رفض الطلب وانضمت إليه في الفراش ودخلت في حضنه لتضع رأسها فوق صدره وتلف ذراعها حول خصره وهو يلف ذراعه حول ظهرها، مال عليها وطبع قبلات متتالية على شعرها بشوق وغرام ثم قال بنبرة لعوب:
_بس إيه رأيك في اللي قالته فريال أنا من رأي نستعچل ونچيب التاني عشان يكبر مع أخوه
آسيا ساخرة منه بضحك:
_أه وماله الكلام سهل يامعلم.. هو احنا لحقت أخد نفسي ده ولدك لسا مكملش شهرين حتى
غمز لها وقال بجرأة مبتسمًا:
_والفعل ساهل برضوا ياغزالة
لكزته في صدره بخفة وهي تضحك بخجل من تلمحياته الوقحة، ثم سكنت بين ذراعيه لدقائق معدودة قبل أن تأخذ نفسًا طويلًا وتقرر أن تبدأ في حديثها الذي سيغير ذلك الوضع الرومانسي تمامًا، حيث قالت له باضطراب يظهر في نبرة صوتها بوضوح:
_عمران أنا وعدتك أني مش هخبي عنك أي حاچة تاني واصل، عشان إكده أنا بنفسي هحكيلك

........... نهاية الفصل ..........

  •تابع الفصل التالي "رواية و بالعشق اهتدي" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent