رواية صرخات انثى الفصل الثامن و الاربعون 48 - بقلم ايه محمد رفعت
(إهداء الفصل للقارئات الغاليات "حياة المهدي"،"فاطمة..توتا السفروتة"،"أسماء سمير" ، شكرًا جزيلًا على دعمكم المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنكم..بحبكم في الله...قراءة ممتعة 💙)
صعق من الحالة المذرية التي أصبحت عليها، وجهها مكدوم بقوةٍ وكأن زوجها كان بعركةٍ ذكورية مع رجلٍ يجابهه بنفس قوته الرجولية، إن كان البادي من وجهها أمامه هكذا ماذا عن جسدها؟!
منحها نظرة ساخطة وهي تحاول الاعتدال بين ذراعي والدته التي تحاول أن تساندها لغرفة آيوب فنطق ساخرًا:
_بقى ده الراجل اللي اختارتيه وفضلتيه على أخويا!!
رفعت خديجة عينيها الباكية إليه، ورددت بألمٍ نساء كبت داخل أعتى قلوبهن ليتمسد بقلبها هي:
_ظلمت يونس لما حطيته في مقارنة مع أشباه الرجال يا آيوب!!
جحظت عينيه صدمة من جملتها التي شملت معنى مبطن جعله مرتعب حول شكوكه فيما يتعلق بها، تراجع للخلف وهو يتمنى أن لا يكون المفهوم الذي تسلل إليه صحيحًا، فاستدعى صوته الهادر يسألها:
_تقصدي أيه؟!!!
صرخت به رقية بانفعال:
_إنت لسه هتتكلم.. اجري هات الدكتور بسرعة مش شايف حالة البنت!
مالت خديجة على يد رقية ورددت بصوتٍ هامس وهي تشير على ابنها الذي يقف جوار باب المنزل ببكاءٍ:
_ابني يا حاجة رقية... ابني أمانة في رقبتك إنتِ والشيخ مهران.
ومالت على ذراعيها فصرخت رقية بفزعٍ بآيوب:
_هات الدكتور بسرعه يا آيـــــــــوب.
******
امتعضت ملامحه رويدًا رويدًا وهو يتأمل من يجلس قبالته ببرودٍ يستفز كل خلية داخله، ألقى عُمران قلمه الأنيق على سطح المكتب باهمالٍ متسائلًا ببرودٍ يحاول التمسك به:
_خير يا نعمان باشا.. أيه اللي حدفك علينا؟ ولا رجلك خدت على المطرح!
رفع قدمه فوق الأخرى بتعالٍ وأشعل غليونه الثمين يسحب أنفاسه ويطلقها بوجه ذلك المحتقن ويجيبه:
_دي مقابلة تقابل بيها خالك! صحيح ما إنت ابن فريدة أكيد مفتقد لتربية راجل يعلمك إزاي تحترم الأكبر منك.
احتجز وحشه الوقح داخله، فقد سئم أن يكون سليط اللسان وبعدها يتمزق ندمًا وعتابًا لما باح به، فقال بهدوءٍ وأسنانه تعتصر شفتيه:
_معلش بقى ما أنا زي ما إنت عارف يتيم الأب .
وبألمٍ احتشد بنبرته الثابتة قال:
_مكسبتش فيا ثواب وربتني إنت ليه يا خال؟
تلاشت ابتسامته المنتصرة ليحتضر شبحه الغاضب، فتغاضى عن سخريته وقال:
_أنا جيتلك بنفسي عشان أبلغك إني هكون معاك في مشروع المول التجاري اللي إنت داخله.. أصلي ميخلصنيش إسمك يتهز لما يتعرف إنك داخل مع اللي إسمه جمال ده!
وتابع بعنجهيةٍ:
_الولد ده شكله غبي ومبيفهمش أنا سبق وحذرته وقولتلك ينسحب لكنه مُصر يكمل...تمسكه بالمشروع خلاني أصدق احساسي إنه مستغبيك ولفف عليك عشان مصلحته وإنت زي الأهبل سايبله اللجام وهو ساحبك بشطارة.
احتدت رماديته بغضبٍ قاتل، فضم شفتيه معًا يكبت لفظه النابي الذي كاد بالتحرر من عرين سبابه، فتحلى بجموده وقال مستنكرًا:
_هو بردو اللي مصاحبني مصلحة!
أخفض ساقيه وصاح بعصبيةٍ:
_قصدك أيه يابن فريدة؟ بقى دي أخرتها بدل ما تشكرني إني خايف عليك وجريت جري أحذرك منه!!
لم يهتز به شعرة لعصبية الاخير وأجابه بنفس هدوئه:
_أنا ممنون جدًا لنصيحتك الغالية دي وعشان أنا أهبل وبريالة هسلمه أغلب المشاريع اللي أنا داخلها.
وبخبثٍ محترف قال:
_مهو مينفعش واحد عبيط يمسك مشاريع بالضخامة والأهمية دي لوحده لازم حد ذكي وملوع يسانده.
أصابه بسهامٍ واحدًا تلو الأخر، لدرجة جعلته يشعر وكأنه سيشتعل من فرط النيران، فصرخ بعصبية محتقنة:
_طب إسمع بقى يابن فريدة.. أنا عملت بأصلي وجتلك أطلب منك ندخل شركة في المشروع والظاهر إني كنت غلطان لما فكرت أجيلك بالادب والاخلاق فاستحمل بقى الاسلوب الرخيص اللي هلعب بيه معاك.. أوعدك أن في ظرف أسبوع المشروع ده هيكون تابع لشركاتي.
اتشح ببسمةٍ ثابتة أربكت من أمامه، وقال بثقةٍ ورزانة:
_عيب يا نعمان تهددني في مكتبي.. ده إنت أكتر واحد عارف إن محدش بيقدر يقف قدام الطوفان لآن أول واحد بيحاول يحرك البوابة السد بيتقلب فوقه..
ونهض عن مقعده المحتفظ بجاكيت بذلته واتجه جالسًا قبالته على المقعد الذي يفصل بينهما طاولة قصيرة، ثم ردد بنظرات مشتعلة:
_من كام يوم رفضت اتعامل مع العملا اللي سحبوا عروضهم من شركاتك لمجرد انسحابي من إدارة الشركة الأم.. كان ممكن أقبل بالعروض دي وأنا متأكد إنك بعدها كان هيتخرب بيتك بس أنا معملتش كده.. مش عشان القرابة ولا لإني خايف من رد فعلك العبيط زي ما أنت متخيل!
رمش نعمان بتوترٍ وخاصة حينما استطرد بصوتٍ قوي، واثق، ويده تشير على مقعد مكتبه المهيب:
_عشان أنا لما بقعد على الكرسي ده بتنافس بنزاهة وشرف... وموصلتش لكرسي مجلس الادارة من فراغ يا نعمان... أنا كنت في أولى جامعة وبنزل مع العمال أنفذ المشاريع بنفسي، أنا متقن أوي لحركاتك وبقولك لو هنقضيها تهديدات يبقى متزعلش من رد الفعل.
نهض عن المقعد يغلق زر جاكيته البني على بطنه السمين، وهدر بانفعالٍ:
_كده.. ماشي يا عُمران والله العظيم لاندمك على وقاحتك وغرورك ده.
وتابع بنبرةٍ زلزلت الأخير وحشدت جنونه:
_صحيح مايا حامل! مبروك عليك بس خليك حذر آآ...
_نعمــــــــــــــــــان!!!
ابتلع باقي جملته حينما واجه زئير أسدًا مخيفًا مازال يلتف حول ساقه أغلال تمنعه من إلتهام لحمه حيًا:
_أقسملك بالله يوم ما تفكر تلمح مراتي بطرف عينك بس أو أي مخلوق من عيلتي همد صوابعي في عينك أصفيها..
وألقى المقعد من أمامه بجنون يراه لأول مرة لدرجة جعلته يتراجع للخلف بخوفٍ:
_إنت أيــــــه يا أخي شيطان!! ليه مصمم تخرج أسوء ما فيا!! يلعن أبو الفلوس والثروة والمنصب اللي تخليك و**** بالشكل ده!!
فور سماع فاطمة لصوت صراخ عُمران هرعت لباب المكتب الفاصل بينهما، فوجدته يقف قبالة خاله يحاول تنظيم أنفاسه المسموعة بأنحاء المكتب، يحاول التشبث بجموده ولو للحظات يخرج بها ما كبت داخله، فقال بصوتٍ مرتعش رغم صلابته:
_إنت ينقصك أيه عن أحمد الغرباوي؟ هو عمي وإنت خالي، يعني المفروض إنت اللي تكون قريب لينا عنه.
وأشار لرأسه بألمٍ:
_العقل بيقول إن اللي يطمع فينا هو عمي.. لإن الثروة دي اغلبها راجع لأخوه وبالرغم من كده عمره ما طمع ولا حقد علينا... دايمًا كان جنبنا.
وتابع وقد لمعت دمعة خائنة بمُقلتيه:
_صحيح أنا تعبت كتير لحد ما كبرت اسمي رغم آني متعداش ال٢٥ سنة بس اللي آنت متعرفوش إن اللي ساعدني وأخدني لاول الطريق كان عمي، كان بيساعدني بدون ما أعرف، أنا لسه بس من كام شهر عارف الحقيقة... اكتشفت إن هو اللي كان بيرشح اسم شركتي وبيدعمني بدون ما أعرف، هو شد ايدي لاول الطريق وإنت عايز تقضي عليا وواقف بتهددني بمراتي اللي هي بنت أختك يعني لحمك ودمك.. وبتهددني بردو بابني اللي المفروض يكون في مقام حفيدك!!!!!
تحجر حلقه بمرارةٍ وخاصة حينما استطرد عُمران بوجعٍ:
_طول عمري بستغرب ليه بتكرهنا أوي كده، مسبتش حاجة الا وفكرت فيها! أنا زمان وأنا طفل كنت بفرح أوي اول ما بلاقيك داخل وبتحضنا حتى وأنا واثق إني أول ما هبص ورايا هشوف فريدة هانم.. وعارف إنك بتأخد اللقطة قدامها عشان تبينلها انك حنين على اليتامى والجدير إنها تسلمك ادارة شركات "سالم الغرباوي" ، وبالرغم من إنها منخدعتش وراك الا أنك مستسلمتش ولسه بتحارب لحد اللحظة دي.
وتنهد بضيقٍ وهو يسأله بسخريةٍ:
_مجاش الأوان إنك تستسلم بقى؟!
وأشار بيده إليه:
_أنا بس عندي عتاب أخير ليك.. إنت كل خلفتك بنات ليه مفكرتش تكسبني لصفك وأكونلك الولد اللي اتحرمت منه؟
رمش بعينيه بصدمة، فتابع عُمران بضحكة صاخبة:
_أووه آسف أنا وقح وتقريبًا أكتر شخص إنت بتكرهه في حياتك طب وعلي يا خالي؟
رفع عينيه إليه فاستكمل عُمران بألمٍ:
_علي راجل ومحترم وطول عمره بيعاملك كويس برغم افعالك ليه محاولتش تكسبه هو لصفك؟ ليه كارهنا أوي كده.
وصرخ به يخرج ما كبت بداخله منذ أن كان طفلٍ لا يتعدى عمره التاسعة:
_قولي أيه اللي يخلي شخص يحقد على طفلين أيتام!! أيه اللي يخلي شخص يكره أطفال لمجرد إن باباهم سابلهم ورث وثروة كبيرة! أيه اللي يخليك تكون أعمى عن فريدة هانم اللي كانت بطولها ووراها تلات أولاد.. ليه محاولتش تكون ليها الأمان والسند... ليه محاولتش تخدها في حضنك وتقولها متخافيش عيالك عيالي ومالك مالي...
وابتسم رغم انهمار دمعاته:
_بس إنت معملتش غير بالمقولة الاخيرة المال!!! بالرغم من إنك بتمتلك ثروة كبيرة إلا إنك أفقر خلق الله.. وفي يوم هتكون ذليل ووقتها مش هتلاقي حد جنبك..
وضم يديه معًا له يخبره برجاء مؤلم:
_من فضلك متحاولش تظهر في حياتي تاني... أرجوك ابعد عننا وعني أنا بالذات عشان أنا مبقدرش أسيطر على لساني ولا أفعالي.. فمش هسكتلك.. بسببك أنا بقيت بكره نفسي في كل مرة بحاول أكون على مستوى وقاحتك!
وأشار لباب مكتبه بعنفٍ:
_اخرج ومتورنيش وشك تاني... وخليك على ثقة إن عُمران الغرباوي مش صيده سهلة عشان تدخل مكتبه وتهدده بأهله.. خاف مني عشان أنا أبشع مخلوق وقت غضبه... خاف وإبعد يا نعمان والا أوعدك هخليك تحصل الأشراف من أجداد عيلة الغرباوي ووقتها مش هترحم عليك ثانية واحدة!!!
غادر من أمامه بخطواتٍ ثقيلة، وكأنه تلاقى لوح خرصاني فوق رأسه، فما أن أغلق الباب من خلفه حتى انحنى عُمران يلقي بذراعيه ما وُضع فوق مكتبه، لا يهمه حاسوبه، هاتفه، لوحات مشروعه، أوراقه الهامة، لقد تخلت عنه ثقته وقيادته، هو بالنهاية شخصًا عاديًا.
جلس باهمالٍ على مقعد مكتبه، يحاول موازنة أنفاسه، بداخله هاجس يحسه على أن يدمره وليريه ماذا سيتمكن من فعله أمام نفوذه؟ وأخرًا يعاتبه بصلة القرابة التي لم يتخذها ذلك الآرعن ضمن حساباته!
التقطت آذن عُمران صوت شهقات خافتة تسرى من نهاية الغرفة، رفع رماديته فتفاجئ بفاطمة تقف على أعتاب باب مكتبها الجانبي، الذعر والقلق يحتلان ملامح وجهها بتمكنٍ.
لعق شفتيه بارتباكٍ من حالتها الغامضة، خشى أن تؤثر فيها حالته الهائجة، صوته الصاخب، دفعه للأغراض، بالنهاية مازالت غير متزنة نفسيًا، تنحنح عُمران وهو ينهض عن مقعده يلملم الاغراض الساقطة بحرجٍ:
_فاطيما.. إنتِ هنا من أمته؟
فجأته حينما اقتربت منه تساعده بحمل الأغراض، وتعيد تنسقيها على مكتبه بهدوءٍ غريب اتبعته حتى بمغادرتها لمكتبه.
ألقى بثقل جسده المسكين على مقعد مكتبه الرئيسي، يضم مقدمة أنفه بعصبيةٍ من ظهوره بتلك الحالة أمامها، لقد وعد أخيه بأن يراعي حالتها النفسية والآن لا يعلم حتى ماذا أصابها؟ فقد غادرت صامتة ولم تنطق بحرف يطمئنه بأنها على ما يرام.
مرر يده على جبينه بتعبٍ، فداعبت أنفه رائحة القهوة التي يحتاج لها وبشدةٍ في ذلك الوقت، أشاح يده ليتفاجئ بفاطمة تضع الكوب أمامه وتجلس على أحد المقعدين المقابلين له.
تناول عُمران الكوب وتناوله جرعة واحدة، وكأنه يرتشف دواء مسكن لوجعه القطعي، وما أن وضع الكوب للطبق حتى ردد ببسمة هادئة:
_شكرًا... كنت محتاجلها اوي القهوة دي في وقتها بالظبط!
واستند بجسده العلوي على المكتب يستحضر كلماته المشتتة:
_فاطيما انا آسف على اللي حصل من شوية آآ..
قاطعته حينما قالت بابتسامةٍ هادئة:
_أنا اللي بعتذرلك على دخولي المفاجئ.. أنا سمعتك بتزعق فجيت عشان أشوفك وبصراحة اتصدمت من اللي سمعته..
وبتوترٍ قالت:
_تسمحلي أقولك حاجة.
اعتدل بجلسته بجدية:
_أكيد يا فاطمة اتكلمي.
سحبت نفسًا طويلًا جعله يشعر بصعوبة ما ستلفظه بالنسبة لها، فقالت وهي تفرك أصابعها بطريقةٍ لفتت نظره:
_لما حصل معايا اللي حصلي ده وقتها كنت مهزومة وحاسة إني شبه الأموات.
انهمرت دمعة ساخنة على وجنتها ترافق قولها:
_حسيت إن مبقاش فارق معايا شيء.. حتى نجاتي من المكان نفسه مكنش فارق معايا.. بس أكتر شيء علم معايا بطلوعي من المكان ده كانت حاجة واحدة.
بحذرٍ تساءل رغم عدم رغبته بفتح حديثًا قد يتعبها:
_حاجة أيه؟
رفعت عينيها إليه تخبره بصوتٍ مهزوم:
_الغُلب والاستسلام... كنت مغلوبة على أمري ومستسلمة تمامًا إني هخرج من المكان ده لدرجة إني حسيتهم كائنات مخيفة صعب حد يقدر يتغلب عليهم، مبقتش أفكر ولا أتأمل في حد لإن أكتر إنسان كنت متأملة فيه بسببي أتأذى وإتحمل اللي أسوء من الموت علشاني..كل ده ضعفني وخلاني أثق إن مفيش حد يقدر يهزمهم لحد ما إتبددت الفكرة دي كليًا لما شوفت بعيوني ناس أقوى منهم بيقضوا عليهم بمنتهى السهولة، وكانوا بيقعوا واحد ورا التاني قدام رجالة ظابط من المخابرات إسمه رحيم زيدان..
وتنهدت وهي تستكمل:
_ساعتها استوقفني خلاصة لحياتنا...خوفي الكبير منهم خلاني أشوفهم شياطين صعب حد يقدر عليهم وببساطة جيه الأقوى منهم وهزموهم بمنتهى السهولة...عشان كده خليك واثق إن مهما كان تجبر وظلم اللي قدامك هيجي اللي هيتجبر ويدوس عليه... ده القانون والعدل اللي أكد عليه ربنا سبحانه وتعالى.
وبثقةٍ قالت:
_أنا واثقة إن هيجي اليوم اللي يجيلك فيه مزلول وهيفتكر كل اللي قاله وعمله.. يمكن يبنلك ندمه ويعتذر ويمكن يكون مغرور بس الأكيد إنه القلم اللي هيفوقه هيفضل فكره طول حياته..
وابتسمت وهي تستطرد:
_عايزة كمان أقولك بطل تقول عن نفسك إنك وحش.. لإن مفيش إنسان سيء هيشوف الوحش اللي جواه... علي زمان قالي الشخص القوي هو اللي ميتهربش من الذكريات المؤلمة اللي جواه وبيحاول يتهرب منها.. الشخص القوي بيواجه نقاط ضعفه بكل قوته.. وانا من وقت ما عرفتك شايفاك واقف صامد ومعترف إنك كنت غلط وشايف الوحش جواك وعندك القوة تواجه اللي أخطئ في حقك وتقوله إنت غلط.. فإنت مش شخص سييء أبدًا.
أسبل بدهشةٍ من سماعها، فاجلي صوته الراحل عن حنجرته وردد بصدمة:
_هو أنا ليه حاسس إن علي أخويا اللي قاعد قدامي!
رددت بعنجهيةٍ ساخرة:
_من عاشر القوم بقى!
تفردت ابتسامته وتحولت لضحكة مسموعه، ونهض يشير لها:
_طب يلا نرجع القصر يا مدام علي الغرباوي!
رفعت ساعة يدها إليها، وبدهشةٍ قالت:
_بس لسه ساعتين على المعاد الرسمي!
ارتدى جاكيته والتقط مفاتيح سيارته قائلًا بمرحٍ:
_أخوكي المدير وجوزك شريك وليكي نسبة محتاجة واسطة أكتر من كده أيه عشان تخلعي بدري!!
هزت رأسها باقتناعٍ وعادت إليه بحقيبتها، فهبطوا الدرج واتجه لسيارته، وكعادته فتح لها الباب الخلفي فاستقرب به وهي تشكره بامتنانٍ.
زوجها... أحمد... عُمران.. رجال المنزل بأكملهم يحترمون ظرفها الخاص، فلم يضايقها أحدًا منهما يومًا وهو ما ساعد علي كطبيبٍ بإعادة جزء من ثقتها.. الأحترام والتفهم من رجال عائلته والحب والاحتواء من زوجة أخيه وشقيقته ووالدته.
********
استجابت للطبيب الذي يجاهد لاستعادتها الوعي، تشعر بألم بذراعها فتفحصته فوجدت الآبر الطبية ينغرس به، ويدها الأخرى يتشبث بها صغيرها ودموعه تهبط دون أي صوتًا وكأنه اعتاد احتباس بكائه.
استمعت للطبيب يخبر الشيخ مهران بضيقٍ بدى لها:
_المفروض متسكتوش على اللي حصلها ده يا عم الشيخ مهران.. لازم تقدموا بلاغ فيه دي مش أول مرة أجي وأعالجها... لو ناويين تعملولها أنا هظبطلكم التقرير ومن دلوقتي.
أخفض الشيخ عينيه ومال برأسه تجاه فراشها وقال:
_القرار بايدها هي يا دكتور.. أنا مقدرش أغصبها على شيء دي حياتها وهي حرة فيها.
تهاوت دمعاتها العاجزة بانهيارٍ، تتذكر الثلاث مرات التي أتت بهم لمنزل الشيخ مهران حينما اشتدت بها الآلآم وفاقت حد تحملها فأتى نفس الطبيب يعالجها، واستغرقت بمرتها الأولى قبالة الشهر لا تفارق الفراش ومرتها الثانية استغرقت خمسون يومًا، واليوم لا تعلم بعدما انكسر أضلاعها كم ستستغرق تلك المرة!
كان آيوب يقف أمام باب الغرفة يستمع بدهشة للطبيب، بينما خديجة مازالت شاردة بابنها، لقد نطقها صريحة بأنه سيقتل صغيرها، ابنها الذي ضحت بنفسها لأجل حمايته فإن كانت عودتها إليه ستشكل خطرًا عليه فما سيرغمها على العودة للجحيم.
خرجت من صمتها هادرة بقوة تعجب بها الجميع:
_جهز التقارير يا دكتور... هنقدم البلاغ والمرادي مش هتنازل عن حقي أبدًا!
دعمها الطبيب لشفقته الشديدة عليها:
_ده الصح يا بنتي.. ده بني آدم همجي مكانه في السجون.
وإتجه ليغادر مرددًا:
_أستأذن انا يا شيخ مهران.
أشار له الشيخ واتبعه للخارج، فحدج ابنه بنظرة مندهشة من تسمره محله تاركًا والده يصطحب الطبيب للأسفل دون أن يطالبه بالبقاء والهبوط برفقة الطبيب هو، كان أمره غامضًا للشيخ مهران ولكنه تخلف عنه واتبع الطبيب للاسفل ليقصد احدى الصيداليات لاحضار الدواء.
استغل آيوب مغادرة أبيه ونادى والدته يخبرها بحدة:
_ادخلي يا حاجة قوليلها تلبس النقاب عشان عايز أتكلم معاها كلمتين.
جففت يدها بالمنشفة وقالت بحزنٍ:
_مالك بيها يا آيوب سبها في حالها يا ابني... بكفايا اللي جوزها عامله فيها.
شدد بحزمٍ تعهده رقية لاول مرة:
_ماما من فضلك ادخلي نبهيها إني داخل والا مش هتبع الاصول وهدخلها حالًا.
هزت رأسها باستسلامٍ وولجت تخبرها، ثم خرجت تخبره:
_قولتلها.. بس بالله عليك يا آيوب ما تزعلها البت غلبانه ومش حمل أي وجع.. أنا هروح اكمل طبيخ وانت مطولش جوه عشان ميصحش.. مش عايزين مشاكل مع أبوك.
اكتفى بتحريك رأسه لها، وطرق باب الغرفة فما أن استمع لآذنها حتى ولج قاصدًا فتح الباب على مصراعيه وإلتقط مقعد ووقربه من باب الغرفة ليكون هناك مسافة كبيرة بينهما.
طالعته خديجة من خلف نقابها، تنتظر ما سيقول بفضولٍ، انزاحت نظرات آيوب عن الأرض وتعلقت بالصغير، تجعد جبينه بشكلٍ ملحوظ وهو يدرس تفاصيل ملامحه بشكلٍ جعلها تضمه لصدره بخوفٍ، فابتسم ساخرًا وقد تأكدت شكوكه:
_شكله اوي على فكرة.
برقت بعينيها صدمة، ومع ذلك حافظت على ثبات نبرتها:
_شكل مين؟
أخفض وجهه للاسفل، ويديه تفركان بعضهما بقوةٍ، وردد بصوتٍ جهوري مخيف:
_يا رب الشكوك اللي في دماغي متكنش صح.. لآنها لو صح وخرج يونس من السجن هيقتلك؟
وبشكلٍ صريح صاح:
_ابن مين الولد ده يا خديجـه؟
انهمرت دموعها تباعًا وصوت بكائها جعل مُقلتيه تتسع بجنونٍ، فنهض عن مقعده يصيح بعصبية:
_انتِ أيه يا شيخة!! معندكيش قلب!! اتخليتي عن الانسان الوحيد اللي حبك وقدملك كل شيء بدون مقابل... صدقتي عنه اللي اتقال وبعدتي عنه لمجرد انه اتحبس وانتي متأكدة إنه اتحبس ظلم.. طعنتيه في نص قلبه وجاية دلوقتي بتكملي عليه!!!
وتابع بغضب كالجحيم قتل داخله طيبته وقلبه الناصع:
_بأي حق تنسبي ابنه لراجل غيره؟!!! بأي حق!!!!!
_الولد مكتوب بإسمه يا آيوب وأنا معايا شهادة الميلاد الأصلية يا ابني!
قالها الشيخ مهران المستند على باب الغرفة بعكازه، وبين يده يحمل حقيبة الأدوية، خطى لداخل الغرفة يضعه على الكومود البني واستقام قبالة ابنه المصدوم يخبره بقلة حيلة:
_اسمع يا ابني كلنا.. خديجة دفعت التمن وأغلى من اللي دفعه يونس.. الفرق بينهم إن ابني راجل وقادر يتحمل اللي بيجراله ده لو كان عايش واللي قدامك دي ست عاجزة تدافع عن نفسها... بلاش تيجي عليها يا آيوب كفايا اللي شافته واللي شايفاه يا ابني.
ازدادت صدماته بشكلٍ جعل وقفته مهزوزة، فوزع نظراته بينهما وهي يحاول ايجاد سؤاله المناسب:
_آآ... إنت بتقول أيه يا بابا؟
بثباتٍ وعمق قال:
_الحقيقة يا ابني اللي عرفتها بعد طلاق خديجة من أخوك، معتز خطف خديجة وطلع بيها عند دكتور شمال كان هيسقطها وهددها إنها لو متابعتش اجراءات الخلع هتخسر اللي في بطنها، حاولت تهرب أكتر من مرة ومعرفتش وبالنهاية استسلمت وقررت تحافظ على اللي في بطنها، ولما كسبت القضية نفذت اللي طلبه منها وقالت للكل إنها متقدرش ترتبط بواحد رد سجون، وطبعًت كانت صدمة ليا ولينا كلنا.
وتابع وهو يجلس على المقعد بتعبٍ:
_طلعتلها الشقة فوق ملقتهاش، اختفت وأمها نفسها مكنتش تعرف ليها طريق لحد ما في يوم جالي اتصال من ممرضة طلبتني أروح المستشفى لإن في حالة بتولد وعايزة تشوفني، روحت واتصدمت لما لقيتها خديجة، حكتلي على كل حاجة وأنا عاجز ومش عارف اساعدها ازاي... قالتلي انه هيتجوزها بمجرد ما تولد وهيسجل الولد باسمه وهي رافضة تسجله غير باسم يونس عشان كده ساعدتها وخدعناه بشهادة مزورة لكن الاصلية معايا انا... فارس ابن يونس يا آيوب.
واستدار الشيخ يقابلها بنظرة أبوية دافئة:
_ولو على اخلاصها ليونس فالاجابة باينة قدام عنيك.
استطاع أخيرًا الخروج عن صمته كاسرًا حواجز صدماته المتتالية، فلعق شفتيه الجافة واجلى صوته:
_وهي ليه تضحي من الأساس، وحضرتك ليه سكت كل الفترة دي!! سايب ابننا للحقير ده يربيه ليه مش هنقدر نأكله!!
أجابته خديجة تلك المرة:
_لا يا آيوب أنا كنت بحمي ابني منه ومن تهديداته، لو عرف بإن فارس اتسجل باسم يونس وإن الشيخ مهران يعرف الحكاية هيأذي ابني.
صرخ بانفعال جعل بشرته تحتقن بحمرةٍ مخيفة:
_ليه مفيش رجالة تقفله!!
واستدار لابيه يعاتبه بعصبية:
_ليه معرفتنيش كل ده؟ ليه سكت وقبلت إن الكلب ده يدوس علينا بجزمته!!
استقام بوقفته يطرق عصاه بغضب:
_لاني معنديش استعداد اخسر ابني التاني! يا ابني احنا مهمناش تهديداته ولا كان في دماغنا وبالنهاية عمل أيه؟ ضيع يونس ولحد اللحظة دي مش عارفين هو عايش ولا ميت!
خرت قواه وتساقطت دموعه رغمًا عنه وهو يكمل:
_أنا اللي قدرت أعمله إني وقفت الخطيئة اللي كان هيعملها وسجلت الولد بإسم يونس، كنت هواجهه ومش فارق معايا يقتلني ولا يحبسني زي ما حبس ابني الكبير بس خوفي كله كان عليك وعلى حفيدي..
يا ابني الشر لما بيجري في عروق البني آدم بيخليه أعمى، لا أنا ولا انت نقدر نوقفه عن شره، ربنا موجود وقادر يخلصنا منه.
لم يتقبل آيوب سماع ما قال، فصرخ بنفس نبرته المحتدة:
_أبقى لبسني طرحة وقعدني جنبك عشان تبطل تخاف عليا يا شيخ مهران!
واستطرد بوعيدٍ مخيف:
_أقسم بالله العلي العظيم لأوريه يعني أيه يتشطر على واحدة ست، هاخد حق ابن عمي وهكسره وفي الحارة وقدام الكل!
أسرع للخروج فتمسك ابيه بيده وهو يتوسل إليه بخوفٍ:
_عشان خاطري بلاش يا آيوب.. انا وأمك مبقاش لينا غيرك.. مش كفايا إنه أخد عين من عيوني عايزه ياخد اللي متبقالي!
قالها وانهمرت دمعاته على خديه فتمزق قلب آيوب، ضمه إليه وهو يحاول تهدئة ذاته أولًا فبداخله يستشيط غضبًا.
هدأت نيرانه تدريجيًا وهو يلمح الصغير الذي غفى على الوسادة جوار خديجة المرهقة.
ترك ابيه واتجه للفراش يحمل الصغير بين يديه ويضمه لصدره بقوةٍ، يطبع قبلات متفرقة على وجهه بعينيه الغائرة بالدموع.
قلبه يخفق بقوة ويعلمه بأنه بالفعل يحمل قطعة من أخيه، ملامحه تشربت من يونس وارتوت من صفائه.
تابعته خديجة ودموعها لا تتوقف على خدها، أعاده للفراش وطرح من فوقه الغطاء ثم أخفض رأسه للأرض ووجه حديثًا صارمًا لها:
_من النهاردة إنتي وفارس مسؤولين مني أنا.. بكره الصبح هأخدك لمحامي زميل ليا هنرفع القضية.
وبعينٍ تفيض بالانتقام:
_هيعيد الزمن نفسه والمرادي هو اللي هيتخلع.
اتسعت ابتسامة خديجة ورددت بصعوبة بالحديث:
_هفضل عمري كله مديونة ليك لو خلصتني منه يا آيوب..
هز رأسه بوعد قاطع لها، ثم رفع عينيه لوالده يخبره بايجازٍ:
_أنا هأخد مفاتيح شقة يونس وهقعد فيها عشان خديجة تاخد راحتها.
ربت على كتفه بحنان:
_ماشي يا حبيبي.
تركهما وغادر للأعلى بوجعٍ يختزل روحه، ولكنه سيتجه بطريقٍ مضمونًا للانتقام لا ينكس وعده لأبيه.
********
توقفت سيارة الأجرة أمام القصر، فهبطت زينب على استحياءٍ، واتبعها سيف الذي منحها ابتسامة هادئة:
_حمدلله على السلامة.
اكتفت بهزة رأسها، وضع يده بجيب سرواله بيأسٍ، وتنهد وهو يخبرها:
_بقالي ساعتين بحاول أقنعك إني بحبك وجاهز أكون معاكي لأخر الطريق وبردو لسه ساكتة... وبعدين يا زينب أخرة عنادك ده أيه؟
كادت بالحديث فأوقفها قائلًا:
_زينب أنا مقيد مش عارف أقربلك ولا أتكلم معاكِ بشكل اوضح... علاقتنا مينفعش تكون معلقة بالشكل ده.. انا وأنا بستأذن من دكتور علي كنت محروج ومش عارف أقوله أيه؟ وسبب قبوله إنه بيدينا الفرصة اللي بياخدها أي عريس بيقعد مع عروسته قبل قراية الفاتحه بعد كده مش هقدر... إنتي مصممة ليه تصعبيها عليا.
أحنت رأسها أرضًا تخفي دموعها، فلم ييأس وتابع بحديثه عساها تقتنع:
_أنا واثق إن في جواكِ مشاعر ليا.
وابتسم بمكرٍ وعينيه تتعلق على ما يخصه:
_والا مكنتيش احتفظتي بالخاتم بتاعي حولين رقبتك.
أخفت بيدها طوقها سريعًا فاستند على السيارة يتابع بتسلية:
_مفيش داعي أنا لمحته من أول ما شوفتك يا دكتورة.
حاولت الفرار من أمامه فلحقها وهي يهددها بتهورٍ:
_لو موقفتيش مكانك همسك دراعك حالًا ومش هيهمني.
توقفت محلها واستدارت له تزفر بيأسٍ، فغمز بمشاكسة:
_شكلك عايزاني أقلد حركات الأفلام الفاكسانه وماله نعملها حتى وأنا متكسر كده.
وانحنى قبالتها على ركبتيه يردد ببسمة ساحرة:
_دكتورة زينب تقبلي تكوني زوجة لدكتور وسيم، وجذاب، وآنيق، ودمه شربات، وبيحبك جدًا والله، ومبيتمناش غيرك..موافقة أكون في قلبك بدل خاتمي اللي محتفظة بيه ده.
مازالت تحتفظ بصمتها، بالرغم من فرحتها التي تهمس لها بالموافقة، فاتاها قوله المرح:
_زينب ردي بسرعة رجلي مبقتش شايلاني.. راعي أني لسه مش بصحتي.
تخلت عن صمتها أخيرًا قائلة بحزنٍ:
_مش هقبل إني أكون السبب في أذيتك يا سيف أرجوك افهمني.
انتصب بوقفته بوجومٍ تامًا، وبحزمٍ أردف:
_هو إنتي ليه مصرة تكوني جبانه يا زينب... ليه عايزة تثبتيله إن اللي بيعمله بيأثر فيكي وجايب نتيجة.
واستطرد بجمودٍ:
_عمومًا الكلام مبقاش له لزمة.. أنا عملت كل اللي أقدر عليه عشان مخسركيش بس الظاهر إن أنا بس اللي بحاول.
وتركها وإتجه للسيارة التي بانتظاره، فتح بابها وكاد بالولوج ولكنها أسرعت بالحديث:
_هتجيب دكتور يوسف وتيجي تقابل علي أمته؟
استدار لها بابتسامة أربكتها وخاصة حينما قال:
_حالًا لو تحبي.
هزت رأسها نافية:
_ لما علي يرجع من السفر تقدر تيجي وتحدد معاد كتب الكتاب.
وهرولت سريعًا للداخل تاركة الابتسامة ترفرف على وجهه العاشق، فصعد للسيارة وسعادة العالم تلتف من حوله.
*******
طرق باب غرفتها وهو يناديها، وحينما لم يستمع رد فتح الباب وولج يكرر ندائه بقلق:
_شمـس!!
انزوى حاجبيه بدهشة حينما وجدها تجلس بمنتصف الفراش محاطة بوشاح طويلًا يخفي وجهها وجسدها بأكمله، اتجه آدهم وجلس جوارها، يحمل طرف الوشاح الأسود الشبيه بالملحفة:
_ده أيه يا شمس؟
وتساءل بصدمة مضحكة:
_هو إنتي انتقبتي أمته؟!
سحبت طرف الوشاح من يده وأجابته بارتباكٍ:
_من النهاردة إن شاء الله.
رمش بصدمة مما يستمع إليه، فمسك على شاربه مردفًا باستهزاءٍ ويده تحاول الوصول لطرف الوشاح ليخلصها منه:
_بعيدًا عن إن ده مش النقاب فأنا جوزك يا حبيبتي يعني يحل ليا أشوف وشك!
فشل بالعثور على أوله أو أخره فردد بدهشة:
_أيه ده!! شمس اطلعي من الخيمة دي حالًا.
قالت وهي تبعد يديه:
_لأ أنا مرتاحة كده.
تطلع لها بشكٍ:
_مرتاحة إزاي... في أيه يا شمس فهميني مالك؟!
هزت رأسها يمينًا ويسارًا وهيئتها كالاشباح:
_أنا كويسة.. اطلع وسبني في خيمتي مرتاحة فيها أنا!!!
زفر بنفاذ صبر، وبهدوء زائف قال:
_أوكي يا روحي زي ما تحبي.. ممكن تقومي بقى تغيري الملحفة دي وتستعدي عشان هخرجك.. أنا بره من الصبح ولسه راجع عايز أعوضك عن اليوم اللي طار ده.
أجابته من أسفل الوشاح:
_خد الأذن الأول وبعدها هخرجلك من الخيمة.
صاح منفعلًا:
_أخد الأذن من مين.. أنا جوزك يا شمس!
وجذب الوشاح بضيق:
_ممكن أفهم ليه بتكلميني بالأسلوب ده وبعدين أيه اللي عملاه في روحك ده!!
وضيق عينيه بتخمينٍ:
_عُمران مش كده!!
هزت رأسها بقوةٍ، وتابعت باصرار:
_عايزني أتكلم معاك إبعتله رسالة، عايزني أخرج من الخيمة تبعتله مزد كول.. عايزني أخرج معاك رن عليه صوت وصورة..
ردد ساخرًا:
_طب ولو عايز أخد حضن أضغط على أنهي زرار!!
قالت بخوفٍ:
_هو سابلي إرسال بالطلب ده..
_اللي هو؟!
_سايبلك رقم الحنوتي تبع عيلتنا هنا!
انطلقت ضحكاته الرجولية الجذابة بعدم تصديق لما يحدث أمامه، فأمرها بصعوبة بالحديث:
_شمس اطلعي أحسنلك بدل ما أحبسك إنتِ وعُمران اللي فارد ريشه ده!
بارتباكٍ قالت:
_مش هينفع صدقني... اتصل بيه ولما يقولي إطلعي هطلع متجبليش الكلام وحياة بابا مصطفى عندك.
توسعت حدقتيه بصدمة، فسحب هاتفه بغيظٍ ومرر زر الاتصال بعمران الذي استقبل مكالمته بفتح فيديو مباشر يجيبه:
_سيادة الرائد اللي نسى أصحابه وباع... عامل أيه يا حبيبي؟
ضيق عينيه بسخرية:
_حبيبك!! تصدق أنا لو مش ظابط كنت اتخدعت بوشك البريء ده.. حظك بقى!
تساءل ببراءة مصطنعة:
_ليه كده يابو نسب أيه اللي حصل لكل ده؟!
سحب الهاتف من عليه وسلطه على شمس وهو يصرخ بها:
_ممكن تفهمني أيه ده؟!!!
صعق عُمران وتلاشى صوته كفراشة عابرة، فسأله بصدمة:
_ده أيه ده يا آدهم.
رفع حاجبه باستنكارٍ:
_هتهزر!
أتاه صوتًا أخر يعرفه جيدًا:
_ده أنا يا موري!
تلقن مختصر ما يحدث، فصاح بصدمة:
_أيه اللي مهبباه في روحك ده.. أنا قولتلك ربيه مش شيعيه!!!!
اتاهم صوتًا رابعًا يدلف من الغرفة مناديًا:
_عمر... شمس ليه مخرجتش من الآآآآ...
ابتلع مصطفى باقي كلماته وهو يراقب الفراش برعبٍ، فأشار باصبعه لمن يجاوره وردد بتلعثم:
_قولتلك إني بسمع أصوات غريبة من أوضة أمك مصدقتنيش... أديها حضرت وهتطين عيشتي على القديم والجديد.
ونهض عن كرسيه بصعوبة جعلته يسقط أرضًا، ليستكمل طريقه زاحفًا وهو يصرخ دون توقف:
_شبــــــــــح زُبيدة حضر!!! ..... عفريـــــــت!!!!!
..............
•تابع الفصل التالي "رواية صرخات انثى" اضغط على اسم الرواية