رواية ذكريات مجهولة الفصل الاول 1 - بقلم قوت القلوب

الصفحة الرئيسية

  رواية ذكريات مجهولة كاملة عبر بقلم قوت القلوب مدونة دليل الرواياات

 رواية ذكريات مجهولة الفصل الاول 1

يتُ أنى كُنت أعيش بدون ذكرىٰ ..
ليتُ أنى أُولد مِن جديد ..
ليتُ أنى أبدأُ أيامى بصفحهٍ بيضاء لم تُلوث بخطوط ..
فأُعيد بها ذكرياتى و أحلامي …
سأرسُمها حينها بعبير الفرحه سأُبنيها بركيزةٍ من فولاذ ..
لن أتخلى عن بهجتى… فقط لو جائتنى الفرصه ..
 
فاليومُ أنا حبيسه ذكرى داخل قضبانها الحديديه…
أحاطتنى بسورً منيعٌ من الذكريات…
أيامى تمر وساعاتى تمر … وأبقى وحدى فى ذكريات مجهولة….

فـ للذِكريات قُوة تُحفْر فِى القُلوب..
مَنّ قَالَ إنّ المَاضِى يُنسَىٰ …

فَالذِكرى تَبقى ويَبقى آثارها ..
فنظُنُ عبَثاً أنها قَد مُحِيَت مِن ذَاكِرتنَا….

لكِن يَمُرُ العُمر والأيّام …نُقابِل وجُوه ونُفارِق وجُوه ..وكلٍ يَبقىٰ له أثرهُ فِى النُفُوسْ…


ليَمُر الزَمَان وتَدق أجراسَ الودَاع لنَمضِى تاركِين خَلفَنا لحظَات جَمِيله و وأخرى حَزِيِنه تَبقى فَقْط كَذكْرى تُنقَش عَلى سُطُور النِسْيان ..

لتَبقىٰ فِى القُلوب« ذِكْريَات مَجْهُولة…»

يتطاير فى السماء تلفحه رياح الشتاء الباردة ليلتف لعدة مرات ليقع هاويًا على الأرض محدثًا صوت إرتطام مزعج لم ينتبه له أحد فقد خلت الطرق من زائريها بهذا الوقت فمازال الجو معتم قبيل الفجر بقليل …

لينقشع السواد وتظهر الخيوط البيضاء لتقطع سواد السماء معلنة ميلاد يوم جديد …

بدأ المارة يتحركون مجيئه وذهابًا دون الإكتراث لذلك الشئ الملقى بإهمال إلى جانب الطريق ….

ومع سطوع أشعة الشمس الذهبية التى داعبتها نسمات الصباح لتعم الكون بدفئها إنتشر الجميع فى دوامة صباحية كل متجه لوجهته ….
فهذا يتجه نحو عمله وهذا لقضاء مصلحته ….


كذلك هؤلاء الأطفال الأبرياء بملامحهم البسيطه الملائكية يرتدون ملابسهم الموحدة كـ زي خاص بالمدرسة يحملون فوق ظهورهم حقائب ممتلئة ، يسيرون ببطء متجهين إلى المدرسة بنشاط وحيوية ….

أخذ هؤلاء الأطفال بالإلتفات يمينًا ويسارًا خوفًا من السيارات المتسارعة التى تحيط بهم ….

ليتقدم أحد الأطفال منحنيًا بجسده الصغير نحو هذا الشئ الملقى على الأرض ليلتقطه ….

وفى سرعة كبيرة إلتف أصدقائه من حوله متسائلين بفضول ….
” إيه دة ؟!! إنت لقيت إيه يا (براء) ؟!!”

” وريني كدة عايز أشوف ؟!؟”

لـ يلكز أحدهم صديقه بكتفه متشدقًا برقبته ليستطيع النظر لما وجده صديقه …
” وسع بس يا (سيف) …خليني أشوف (براء) لقى إيه … !!!”

سيف: إستنى يا (علي) … أنا جيت الأول …

براء بغرور: خلاص خلاص … أنا إللى لقيته … دة كتاب قديم … وأنا إللى لقيته …

علي: هاته يا (براء) … شكله عاجبني …

براء بإصرار: لأ …… أنا إللى لقيته يعنى بتاعى …

سيف بغضب طفولى: إشمعنى بقى … ولا بتاعك ولا بتاعه … أنا عايز الكتاب دة …

براء: أنا الكبير وحعرف اقرأ فيه … أنتوا مش حتعرفوا …

علي بحده : قلت لك هات الكتاب دة …

براء بتحدى : لأ ..

بدأت مشاجرة بين الصغار ليتهاوشوا فيما بينهم ، و يزداد صياحهم وصراخهم بصوت عالٍ …

لحقت بهم إحدى الفتيات الصغيرات من زميلاتهم بالمدرسة قائله …
أسيل: فيه إيه … بتتعاركوا ليه … ؟!!

براء: عاوز ياخد منى كتابي يا (أسيل) …

علي : دة مش كتابه على فكرة … دة كان واقع فى الأرض يعنى مش بتاع حد … وأنا كنت حرجعه لصاحبه ….

أسيل: وهو فين صاحبه دة … إنت تعرفه …؟!!

على : كنت حدور عليه …

براء: كداب … إنت عاوز تاخده ليك أصلاً ….

أسيل : حقول للمس عليكم على فكرة …

تركتهم (أسيل) وركضت بإتجاه المعلمة التى كانت لاتزال تقف أمام بوابة المدرسة القريبة منهم لتبلغها بما حدث ولِمّا تشاجر (علي) و(براء) و(سيف)….

إقتربت منهم المعلمة لتبتسم نحو الأطفال وطلبت منهم بحزم الدخول إلى المدرسة …


المعلمه: بلاش تزعلوا بعض … هاتوا الكتاب دة وإدخلوا كلكم جوه المدرسة يلا ….

لينصاع جميع التلاميذ لما أمرت به المعلمه …..

نظر الأطفال بعضهم لبعض بغضب ليتوجهوا إلى فناء المدرسة كالعادة للقيام ببعض التمارين الصباحية لترافقهم المعلمة بعد ذلك إلى فصلهم …

دلفت المعلمة لاحقه بالتلاميذ إلى فصلهم لتضع أدواتها فوق سطح المكتب واضعه معهم (الكتاب) الذى وجدوه الأطفال خارج المدرسه …..

شعرت المعلمة بالتساؤلات تعلو وجوه الأطفال فى حيرة فأى منهم سيحصل على هذا الكتاب ….
المعلمه: قولولي بقى …. بتاع مين الكتاب دة …؟؟!!

ليرد براء مسرعًا: بتاعي أنا ….

علي : لأ يا مس … مش بتاعه … هو لاقاه واقع على الأرض بره المدرسة …

هنا فطنت المعلمة أنها يجب أن تتحلى بالذكاء حتى لا تسبب فتنة أو ضيق بين هؤلاء الأطفال … كذلك يبدو أنه دفتر قديم لا قيمة له …

ففكرت على الفور بتحفيز هؤلاء الأطفال بإستخدام هذا الدفتر أو كما يطلقون عليه “الكتاب”….

المعلمه: طيب واضح كدة إننا مش عارفين مين صاحبه … وأكيد هو قديم وصاحبه مش محتاجه … إيه رأيكم نعمل مسابقة جميلة فى الفصل وإللى حيجاوب على كل الأسئلة يفوز بالكتاب دة …

همهم التلاميذ بالموافقة ليتحفزوا جميعًا للإجابة بتميز على أسئلة المعلمة التى تطرحها عليهم السؤال يلى الآخر بمهارة …

وبعد إنتهاء المعلمة من مسابقتها مع التلاميذ لم يفز أى من الأولاد بالكتاب بل فازت به الطفلة “سمر”


(“سمر” فتاة جميله صغيرة ذات ملامح طفولية بريئه لكنها تتمتع بذكاء يفوق سنها كذلك شقاوة محببة يعشقها كل المحيطين بها ….)

أعلنت المعلمة فوز (سمر) بالمسابقة لتمد يدها ملوحة بهذا الدفتر مطالبة (سمر) بالتقدم لنيل جائزتها ….

تقدمت (سمر) لتمسك بالدفتر بيديها الصغيرتين وهى تشعر بسعادة بالغة لفوزها العظيم اليوم …

عادت (سمر) إلى مقعدها مبتسمة بسعادة لتضع الدفتر القديم بحقيبتها وسط زهوها بإنتصارها على الجميع لتجلس بهدوء مستكملة اليوم الدراسي بصورة عادية ….

________________________________________

أوقف سيارة أجرة ليجلس بالمقعد المجاور للسائق بألفة وكأنه يعرف السائق حق المعرفة …

لكنه فى الحقيقة يرى هذا السائق لأول مرة بحياته لكن هذه هى طبيعته الإجتماعية ….

“هشام …. (هشام) شاب فى الثامنة والعشرون قمحى البشرة ذو شعر بني ناعم كثيف يلتف بعشوائية محببة …. ذو أنف مدبب وسيم الطلعة ذو لحية صغيرة نابته والتى زادت من وسامته وأكسبته مظهر أنيق … خاصة مع ارتدائه نظارته الشمسيه و قميص صوفى أسود يعتليه جاكيت قصير بدون أكمام ووشاح صوفي ممزوج بين الأحمر القاني والأخضر الزيتي مع الأسود مما أعطاه مظهر مميز وملفت …”

وضع حقيبته الجلدية فوق ساقيه وهو يتحدث بأريحية مع السائق فى حديث طويل عن أوضاع الناس وقلة حيلتهم …
فما كان من (هشام) سوى أن يبدأ فقط الحوار ليستطرد السائق فى سرد معاناته هو وغيره من المطحونين فى دوامة الحياة …

ليستمتع (هشام) بهذا الحوار الذى يديره كلما إستقل سيارة من سيارات الأجرة خلال تنقله من مكان لآخر ….

وسط هذا الحديث الذى لا ينقطع ، إختلس (هشام) النظر إلى ساعته بنظرة خاطفة فمازال أمامه بعض الوقت لوصوله إلى البيت الكبير …

لكنه فى داخله لا يشعر بأى إشتياق إطلاقًا للذهاب إليه على الرغم من غيابه لما يزيد عن ستة أشهر منذ آخر زيارة له لهذا البيت وساكنيه ….

_________________________________________

بإحدى المستشفيات …

جلست فى صمت ودمعه حفظت مكانها على وجهها .. تلك الدموع التى تساقطت فى طريق محفوظ محفور بعينيها الذابلتين منذ أمد بعيد …

كم تشعر بالوحدة …كم تمنت الموت … وكيف تحب وجودها فى هذا العالم الذى لم يشعر بوجودها يومًا … كيف …..؟؟؟؟

سؤال طالما تردد صداه فى رأسها …كيف تحب الدنيا التى لم تحبها ؟؟؟

كيف تعيش بالدنيا فى هذه الوحدة القاتلة ….؟؟؟

مسحت دمعتها بأطراف أصابعها لتبتعد عن جلستها أمام النافذة متعتها الوحيدة بهذا البرد القارس …

جلست على طرف الفراش قابعه بصمت لتتمدد بعدها محاوله النوم هاربة من واقعها البائس ….

________________________________________

تركيا ….
إسطنبول ….

يجب أن تسترخى قليلاً فبعد عمل شاق لأيام طويلة ، ها هو أخيرًا يوم تستطيع أن ترتاح به وتستنشق هذا الهواء العليل ذو النسمات الباردة ….

“(أميمه) ….(أميمه) …. هو إحنا جايين هنا عشان تنامى ….؟!!”


( أميمه … شابة فى أواخر العشرينيات تتمتع بإطلالة ساحرة ذات عيون بنية واسعة وشعر بنفس لون عينيها وأنف دقيق وابتسامة هادئة … هدوئها المميز أعطى لها غموض جذاب لتحيط بها هالة للتساؤل دومًا عن شابة مثلها لكن صمتها كإجابة عن تساؤلات الجميع زاد من هالة الغموض حولها لتجذب الإنتباه من كل المحيطين بها)

أميمه: أيوة …. جايه أنام عندك مانع يا (سيلا) ..؟!!

(سيلا …. فتاة تركية من أصل عربي بيضاء البشرة ذات عيون خضراء تصبغ شعرها القصير بلون أحمر نارى مزعج جدًا خاصة لـ(أميمه) لكنها لن تتدخل فذلك من حرية (سيلا) الشخصية …. تعمل كمساعدة لـ(أميمه) وصديقة مقربة لها منذ خمس سنوات مدة معرفتها بـ(أميمه) ….لطالما كانت الفتاة المخلصة وصديقة يعتمد عليها وقت الشدة على الرغم من أن مظهرها يوحى بالنقيض …. فيظهر عليها التمرد واللامبالاة ….)

سيلا: لأ …. أنا عايزة أخرج من مود الشغل …. عايزة أرتاح وأتكلم كلام البنات …. مش عايزة أنام أو أقعد ساكته ….

أميمه: أنا عاوزة كدة … متوجعيش دماغي … مش حيبقى فى الشركة وهنا كمان …..

سيلا: أنا إللى الحق عليا أنى جيت معاكِ ….

أميمه: قومي روَّحي …

سيلا: لو فاكرة أنى جايه لك لوحدك تبقى غلطانة ….

وأشارت (سيلا) بعيناها بإتجاه طفل صغير أخذ يلعب بسعادة مع إحدى السيدات …..

إستكملت (سيلا) حديثها مردفه ..

سيلا: أنا جايه عشان حبيبى “مينو” ولا أنتِ فاكرة إنك لوحدك إللى بتحبيه …

إبتسمت (أميمه) فهى تعلم بصدق محبة (سيلا) لولدها “يامن” ذو الأربع سنوات …

أميمه: طيب طالما بتحبيه كدة ما تشوفيلي حل …. (ماندى) حتسافر كمان يومين إجازة وحتقعد شهر فى بلدهم … ومش لاقيه حد يساعدني مع (مينو) وأنتِ عارفة ضغط الشغل إللى عندنا ….

سيلا: طب ما أجى أقعد معاكِ الشهر دة إيه رأيك …؟!!

اميمه بإندهاش: حقيقي …. ممكن تسيبي والدتك وتيجى تقعدى معايا ؟!!

سيلا: وليه لأ …. إنتى عارفه هى بتحبك إنتِ و(مينو) قد إيه ….

اميمه: يا ريت يا (سيلا) … لأنى بجد مش لاقيه حل ….

سيلا: أول ما (ماندى) تسافر حتلاقيني فوق دماغك …. ولو حبيتي أجيب ماما كمان معايا ….

اميمه ضاحكه: لأ … كدة حتعبكم أوى أوى ….

سيلا: لا متخافيش … هى كمان بتحب (مينو) جداً كأنه حفيدها بالضبط …

اميمه: بجد …. تبقوا عملتوا فيا معروف جامد فى الشهر دة …. وكمان البيت واسع وحنرتاح فيه كلنا ….


سيلا: إتفقنا يا مديرتي الحلوة … من بكرة حنبقى عندك …

ضحكت (أميمه) وهى توارى ضيقتها فما تعيش به لم يكن حُلمها قط …..

_________________________________________

المدرسة …
إنتهى اليوم الدراسى ليخرج التلاميذ من المدرسة بعضهم يسير على الأقدام كما جائوا … وبعضهم يستقل سيارة أحد والديه ….. والبقيه تستقل الحافلة الخاصة بالمدرسة …..

وصلت (سمر) إلى الحافلة لتجلس بمقعدها التى تتخذه كل يوم إستعدادًا لعودتها إلى البيت …….

_________________________________________

هشام..
فى الطريق …
بعد قطع طريق طويل وسط هذا الزحام المرورى الشديد ، توقفت سيارة الأجرة أمام بوابة كبيرة للبيت الذى على الرغم من بهائه و رقية إلا أنه يبعث فى نفسه الضيق …

لكن (هشام) مضطر للمجئ إلى هنا ….

تقدم بخطوات متثاقلة نحو الممر المؤدى إلى داخل هذا البيت الكبير …

فتح الباب بحرص وهدوء لكنه لم يستمع لأى صوت بالداخل فيبدو أنهم جميعًا خارج المنزل الآن ….

تنهد (هشام) ليطلق زفيرًا ينم عن الراحة … فآخر ما كان يود رؤيته أن يكون أحدهم موجود بالبيت ….
هشام : كويس أوى مفيش حد هنا … أخد إللى كنت عايزة بسرعة وألحق أمشى قبل ما يرجعوا …..

رفع (هشام) وشاحه الصوفي المميز إلى الأعلى وهو يعدل من وضع حقيبته على كتفه صاعدًا الدرج إلى الدور العلوى متجهًا إلى غرفته القديمة …..

________________________________________

الصغيره سمر …
بعد مرور بعض الوقت وصلت الحافلة لبيت (سمر) ترجلت منه الصغيرة بثقة متوجهة نحو البوابة الكبيرة التى وجدتها مفتوحة على غير العادة …

تقدمت إلى داخل البيت لترى من هذا الذى وصل إلى البيت قبلها وقام بفتح البوابة … فعاده الجميع يصلون بعد مجيئها ..

________________________________________

المستشفى ….
جلست تتناول الحساء الذى وضعته لها الممرضة منذ قليل فهى لا تستطيع تناول أكثر من ذلك لحالتها الصحية المتدهورة ….

بعد عناء طويل تمكنت من تناول ربع طبقها وهذا يعتبر إنجاز كبير فى حالتها الصحية …

تلك الحالة الفريدة التى سببت لها ألما وضيقًا فوق ضيق وحدتها ، بالإضافة إلى ذلك الهم الثقيل الذى أثقل كاهلها دون التوصل لمعرفة من أين ستستطيع سداد تكاليف العلاج بهذه المستشفى ، وكأنه لا يكفيها همومها ، فليأتى علاجها وتكاليفه هم إضافى يضاف إلى ما عندها من هموم …

___________________________________________

فى البيت الكبير ….
تقدمت (سمر) بخطواتها الشقية المرحة تبحث بين أرجاء البيت عمن قد وصل قبلها …

صعدت السلم المؤدى إلى الغرف بالدور العلوي وهى تتلفت ناظرة نحوهم لإكتشاف من وصل قبلها ، سمعت صوتًا بغرفة أخيها الحبيب (هشام) الذى طال غيابه ولا تعرف عنه شيئًا منذ فترة طويلة …

تقدمت نحو الغرفة ناظرة بعيناها الصغيرتان لتقفز بفرحة فور رؤيتها له ….

سمر : (هشـــــااااااااام) ….

إلتفت (هشام) إليها ليجد ملاكه الصغير يقف بالباب ، إتسعت إبتسامتة الساحرة ليلقى بالحقيبة المعلقة بكتفه فوق الفراش …

فاتحًا ذراعاه بقوة إشارة لهذه الصغيرة لتندفع بقوة نحو (هشام) ملقية نفسها بين ذراعيه محتضنًا إياها فكم إشتاق إليها …. وهى فقط ….

سعادة غامرة تجلت على محيا تلك الصغيرة فكم إشتاقت له وإفتقدت وجوده بالفعل ….

هشام: وحشتيني أوى أوى أوى ….. عاملة إيه يا (سمور) …؟!!

سمر : إنت كنت فين يا (هشام) …. إنت وحشتني أوى …

هشام: كان عندي شغل كتير أوى أوى حبيبتي ..

سمر بحزن طفولى: طيب أقعد معانا … عايزاك تقعد معايا يا (هشام) …. مش عايزاك تمشي ….

هشام : طيب والشغل … أسيب الشغل يعنى …؟!!

سمر: ماليش دعوة …. محدش هنا بيحبني زى ما إنت بتحبني وعايزاك تبقى عايش معايا هنا على طول ….

هشام: بجد مينفعش يا (سمور) …. إنتِ عارفة أن أنا صحفي … وشغلي لازم أسافر كتير …. و …

قاطعته (سمر) قائله بذكاء يفوق عمرها الصغير …
سمر: حقول لبابا وماما ميعملوش حاجة معاك ولا يزعلوك خالص ….

توتر (هشام) من ملاحظة (سمر) أن علاقة (هشام) بهم غير طبيعية ويشوبها العراقيل والمشكلات …..
هشام مستفسرًا : قصدك إيه يا (سمر) ….؟!!

سمر: أنا فاهمه كويس خناقاتكوا على طول وإن بابا وماما بيزعلوك …. أنا مبقتش صغيرة … أنا عارفة إن هو دة إللى مخليك بتسافر ومش عايز تقعد معانا …

إبتسم (هشام) لفطنة أخته الصغيرة التى تشبهه كثيرًا ….
هشام : ولو …. مينفعش تتكلمي فى حاجات زى دى …. إنتِ لسه صغيرة …. تمام …

نكست (سمر) رأسها بحزن : حاضر ….

هشام: أنا جيت أخد الملفات والورق بتاعي دة وماشى على طول …. متقوليش لحد إنى جيت يا (سمور) …. ماشى حبيبتي …..

أومأت (سمر) رأسها بحزن لتضع وجهها بالأرض لتخرج من غرفة (هشام) بصمت ….

جلس (هشام) على طرف الفراش حزينًا لما آل إليه الوضع ببعده عن أهله …

هشام فى نفسه: ربنا يسامحكم على إللى بتعملوه معايا ……

نهض واقفًا مرة أخرى ليجمع بقيه الأوراق التى جاء من أجلها حتى يرحل قبل عودتهم من الخارج …..

وضع جميع أوراقه والإسطوانات التى كان يريدها بحقيبته الكبيرة وإستعد للرحيل مرة أخرى من هذا البيت قبل أن يلاحظه أحد …..

فوجئ (هشام) بـ(سمر) واقفه أمامه بعيونها البريئة الممتلئة بالحزن تترجاه ليبقى ….
سمر : عشان خاطرى خليك يا (هشام) ….

هشام أطبق شفتيه بأسى : (سمر) … حبيبتي .. أوعدك إننا فى يوم من الأيام حنرجع نعيش سوا مع بعض … بس دلوقتِ صعب أوى ….

سمر : وأنا حستناك …..

ربت (هشام) على رأس (سمر) بحنان ليقبلها قبل توجهه نحو باب الغرفة منصرفًا بسرعة حين نادته (سمر) قائله ….
سمر : (هشااام) …..

إلتفت إليها (هشام) بعيون تملؤها الحزن لهذه الصغيرة التى تفطر قلبه بتركها بهذه الصورة ….
سمر : خد ده …. هدية منى ليك …

ومدت (سمر) بالدفتر القديم الذى حصلت عليه كجائزة بالمدرسه نحو (هشام) ليمسكه بتعجب وإندهاش من شكله القديم المهترئ ….
هشام: إيه دة …؟!!

سمر: دة كتاب أخدته هدية فى المدرسة النهاردة … خده إنت يا (هشام) …

أبتسم (هشام) على براءة (سمر) ليمد يده بجيب الجاكيت مخرجًا هاتفًا محمولاً ليقدمه لـ(سمر) قائلاً ….
هشام: هاتي الكتاب وخدى التليفون دة هدية منى عشان أعرف أتصل بيكِ وأطمن عليكِ …..

سمر بفرحة : تليفون … ليا أنا !!!!! أنا حخبيه عشان محدش يعرف انه معايا ….

رفعت قدميها لتقف على أطراف أصابعها محاولة الوصول لـ(هشام) لتُقّبله على وجنته فإنحنى لها (هشام) حتى تصل إليه ثم إبتسم (هشام) لأخته الصغيرة ومد يده وأخذ الكتاب ووضعه بحقيبته وقّبل رأسها بحنان خارجًا من باب الغرفة ……

فوجئ (هشام) عندما هبط درجات السلم بـ (هايدى) تدلف من الباب بغرورها المعتاد …..

لحظة لم يكن يريدها (هشام) مطلقًا ، ود لو أن مجيئه كان فى الخفاء و رحيله أيضًا بالخفاء لكن الحظ لم يكن حليفه …

(هايدى ….كانت “هايدى” تختلف تمامًا عن (هشام) فكانت تميل إلى القصر بعيون ناعسه تهتم بالمظاهر جدًا … فتاة فى العشرين من عمرها ذات بشرة بيضاء باهتة أخفت عيوبها بالكثير من مساحيق التجميل حتى تكاد لا تدرك ملامحها الحقيقيه من كثرتها .. )

تفاجئت (هايدى) برؤيتها لـ(هشام) بعد هذا الغياب الطويل …..

هايدى : أهلاً …. أهلاً ….. أخيرًا شُفناك …؟؟؟؟

هشام : أنا مش فاضي للتريقة بتاعتك يا (هايدى) ….بعد إذنك …..

أزاح (هشام) (هايدى) عن طريقه بمد كف يد منحيًا إياها بعيدًا عن طريقه متوجهًا إلى الخارج ….

هايدى بسخرية : متستعجلش أوى كدة …. بابا وماما بره على فكرة ….

أغمض (هشام) عيناه بحسرة فقد فشل فيما حاول الهروب منه بلقائهم الآن الذى يدرك تمامًا ما سوف يحدث مجددًا ….

إلتفت اليها (هشام) بملل …
هشام : والمطلوب ….؟؟؟؟

هايدى: ولا حاجة …. بقولك بس ….

تركته (هايدى) لتصعد إلى غرفتها مباشرة فهى لن تزعج نفسها بمشاجرة والديها مع (هشام) الآن ….

تقدم (هشام) نحو الباب ليفتحه فقد نفذ السهم وباتت مقابلته معهم أمر محتوم …..

نظر (هشام) نحو والده وزوجة أبيه يقفان أمامه فى إستعداد للدخول ليقفا لبرهة فى مقابلة (هشام) ..

( “معروف “والد (هشام) تاجر متمرس مشهور يعرفه الكثيرون فهو يعمل فى مجال التجارة محققًا ربح مادي كبير من هذا العمل حيث أقام بإنشاء شركة ضخمة تدر عليه ربح مادى عالٍ جدًا … لكن على الرغم من ثرائه الا أنه كان قاسى جدًا على (هشام) إبنه من زوجته الأولى والتى تزوج بعد وفاتها مباشرة من (جيهان) سيدة المجتمع المعروفة برقيها وسمعة عائلتها المعروفة …. كانت (هايدى) إبنة (جيهان) الوحيدة ومدللتها الصغيرة التى حازت على إهتمام كبير من (معروف) ليصل بدلالها إلى قلب وإرضاء (جيهان) … ليرزقا فيما بعد بـ(سمر) أختا لكل من (هشام) و(هايدى) )

نظر (معروف) إلى (هشام) بإستهزاء ….
معروف : شرفت أخيرًا …… خير …. إيه إللى جابك …..؟!!

هشام : كنت باخد ورق مهم وماشى على طول ….

معروف: إنت فاكرني مغفل ومش عارف أنت جيت هنا ليه … لا … أنا عارف كويس … أنت جاي تاخد فلوس ….

هشام : فلوس …!!!! لأ طبعًا …. ولا عايز منكم فلوس ولا عايز منكم حاجة …. أنا ماشي …

(جيهان) “زوجة والد هشام”: أنت فاكر إننا هُبل ولا إيه ؟؟ .. قول أخدت إيه من البيت وإحنا مش هنا …؟!!

هشام بحده : قلت لكم مجرد ورق بس .. ولا عايز ولا حعوز منكم حاجه أبدًا ….

جيهان : فتشه يا (معروف) ….

توجه نحوها (هشام) بنظرات غاضبة تعلو ملامحه الصدمة ….

هشام : إيه ….؟!! …



google-playkhamsatmostaqltradent