رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل الخامس و العشرون 25 - بقلم فاطيما يوسف
كالعاده مش هوصيكم عايزه تفاعل على الفصل وعايزه رايكم لان ريفيوهاتكم بتعجبني قوي وبجد في ناس جميله بتكتب ريفيوهات من قلبها عميقه قوي بتدخل قلبي علشان هي خارجه من قلوبكم يا حبايبي مش عايزه اوصيكم تفاعل علشان خاطر الروايه تفضل ماشيه في مستوى نجاحها والحمد لله كل يوم بتثبتوا لي اكتر من اليوم اللي قبله اني ما ندمتش على اني عملت الجروب ده ونزلتها عليه رغم ان هو صغير ودلوقتي اسيبكم مع البارت قراءة ممتعة حبيباتي 🥰 🥰
التحاليل اهه أستاذ مجدي للأسف عقيم من صغره ونوع العقم اللي عنده مابيتعالجش ابدا ، وعرضت التحاليل على كذا دكتور مسالك بولية ودكاترة كبيرة وكلياتهم أكدوا لي نفس الكلام ، متزعليش حبيبتي.
ما إن استمع كلاهما إلى كلمة عقيم حتى رددا في صوت واحد من أثر الصدمة وهما ينظران لبعضهم نظرات منصـ.ـعقة من اثر الكلمة التى وقعت على مسامعهم :
_ عقيييييييم !
فسرت اندهاشهم أنه صـ.ـدمة حزنهم من ذاك الخبر ، وظلت تنظر إليهم وإلى وجوههم التى تلونت بالسواد وكأن لسانهم التُقم من شدة صـ.ـدمتهم بأنه عقيم ، ثم أكملت لهم بأسى على حالهم :
_ في ايه ياجماعة ! وحدوا الله اكده مش اول واحد ولا آخر واحد ربنا يقدر له العقم ، اكيد ربنا بيقـ.ـطع من اهنه ويوصل من اهنه ، والدنيا منتهَتش يعني .
كانت تحدثهم وهم على حالة الذهول ينظرون لبعضهم نظرات غريبة وكأن النـ.ـيران تخرج من عينيهم ، ظلا على وضعهم هكذا حتى هبطت دمـ.ـوع تلك المها على وجنتيها ، دموع صامتة ، دموع تخرج من اعماق جـ.ـسدها وليست من عينيها فقط ، دموع خشية من القادم ، وفجأة أغشى عليها ووقعت أرضاً فلم تستطيع التحمل أكثر من ذلك ، مجرد دقائق مرت عليهم جعلتهم في عالم أخر ، مجرد لحظات فتـ.ـكت بأحشائهم ودمـ.ـرت خلايا عقولهم ، دخلت عالم الهروب الذي يجعلها تنسى مُـ.ـر القادم ، عالم تود ان تسكنه كي تنسى حياتها المؤلمة ، حياتها الماضية التى يصحبها القهـ.ـر والقادمة يبدوا أنها ستكن سنوات العجاف لها ،
انتـ.ـفضت الطبيبة من مكانها أما هو لم ينتبه لما حدث لها هو في عالم آخر ، أيعقل أن الطفلان أبنائه ! أيعقل أنهما ولدا من رحم الخطيئة ! لا ياربي لاتجعل عقابك لنا بتلك الدرجة ، ماذنب هؤلاء البريئين ان يُدنَسوا في وحل الخطيئة ؟
ماذا عنهم وعني إن رأيتهم أمامي وهم أبنائي ؟
ماذا عن حياتهم القادمة أتكن هـ.ـلاكا لهم !
يالله كم صعب جزائك لنا الذي شـ.ـق قلوبنا !
حاولت الطبيبة إفاقتها وبعد دقيقة استجابت لها ثم فتحت عيناها وجدت تلك الطبيبة في وجهها وتذكرت كلمتها "عقيم " فصـ.ـرخت تلك المها صـ.ـرخة دوت الغرفة بأكملها بين يداي تلك الطبيبة التى انفـ.ـطر قلبها لها وتبدل صـ.ـراخها لشهقات متتالية تدمي لها القلوب ،
يالله من ذاك الوجـ.ـع الذي يحاوطك تلك المها !
أوجـ.ـاع لها معاني عدة ، وجـ.ـع الحرمان ثم وجـ.ـع الخطيـ.ـئة ثم وجـ.ـع الفقـ.ـدان من الآن ،
كفاك زماني ألم تحن بعد وتمنحنِ الأمانِ ،
كم عظيم ابتلاؤك ربي شـ.ـق صدري ، هزم روحي ودُفـ.ـنت راحتي ،
يالله ارحم ضعفي وقلة حيلتي وخذني عندك أخذ عزيز مقتدر فأنت أحنُّ على عبدتك من قلوب البشر .
ثم هدئتها الطبيبة:
_ بسسس ياماما اهدى ، متعمليش في حالك اكده إنتِ ليكي الحرية لو مهتقدريش تتحمَلي ظروف عجزه ، وظروف عقمه اطلقي وهو مش من حقه يزعل إنتي من حقك توبقى أم ومحدش يقدر يلومك أبداً ،
وأكملت وهي تحاول تهدئها أكثر ولكنها كلما تحدثت الطبيبة كلما شهقت أكثر من ذي قبل وكأنها تضع سائلاً شديد الاشـ.ـتعال على جسـ.ـدها فتشعر بأن الدمـ.ـوع التي تهبط من عينيها دمـ.ـوع من نـ.ـار ،
بعد مرور أكثر من ساعة في مكتب الطبيبة من انهيار تلك المها وأفاق عامر ورجع إلى رشده أخيراً طلب من الطبيبة :
_ ممكن ياداكتورة متجبيش سيرة لأخوي كفاية اللي هو فيه ، ولا لأي مخلوق خالص ؟
هزت الطبيبة رأسها بتفهم ثم رددت :
_ طبعاً طبعاً يافندم ،
وأكملت وهي تناول مها منديلا ورقيا:
_ خلاص بقى امسحي دموعك والله العظيم قطـ.ـعتي قلبي عليكي ، وربك رب قلوب ولا يكلف نفسا إلا وسعها .
خرجا كلتاهما من عند الطبيبة ثم ارتدت نظارتها الشمسية وقالت له باختصار :
_ هسبقك على الشقة بتاعتي تاجي ورايا طوالي .
حرك رأسه بموافقة فهو أيضاً يريد التحدث معها فداخله منـ.ـهار الآن ،
بعد مرور نصف ساعة وصلت مها إلى شقتها ودلفت إلى المكان تنتظره ،
فور دلوفها عيناها نظرت الى صورتها هي وابنائها تلقائيا وهي تنغمر بالدموع التي لم تنقـ.ـطع منذ ان علمت من الطبيبة تلك المعلومة الممـ.ـيتة ، وصارت تحدث حالها :
_هي مره واحده فقط اذنبت فيها وتركت نفسي للشيطان الذي اغواني دمـ.ـرتني ،
وياليت الدمـ.ـار لحقني وحدي ففلذات أكبادي نالهم من وحل خطيـ.ـئتي ،
وعند ذكر أولادها انهارت مرة أخرى وصارت تبكي فهم عزيزا عيناها ، قُرَّاتِ روحها ،
ثم رجعت بذاكرتها الى ذاك اليوم المشؤوم سنوات وسنوات ،
#فلاش_باك
تجلس على التخت وهي تشد تلك الملائة على جسدها وهو يجلس على نفس التخت يعطيه ظهرها وهو عاري الصدر لايستر جسده إلا ذاك السروال الصغير ،
تبـ.ـكي بغزارة على مافعلاه الآن من جـ.ـريمة كبرى بل هي كبيرة من الكبائر التى تهتز لها السبع سماوات، كان ينفث دخان سيجارته بشراهة فاعتدل بجلسته واقترب منها وكاد أن يخلل أصابعه بين خصلات شعرها إلا أنها أبعدت يداه بحدة :
_ بعِّد عني متلمسنيش خالص ، أني مطيقاش لمستك ولا طايقة أبص في وشك ، ولا حتى طايقة ريحة نفَسك .
تنهد بضيق من كلامها وبكاؤها ومن الموقف ككل ومما حدث ثم تحدث :
_ طب ممكن تهدى شوي ، اللي حوصل حوصل خلاص يابت الناس والشيطان غواني وغواكي و لا كان بيدي ولا يدك .
جذبت ذاك القميص وهي على وضعها ارتدته بحدة ثم قامت من على التخت وأتت بتلك العبائة وخبئت جسدها بالكامل وكأنها تستر الخطيئة التى ارتكبتها ولم تستر جسـ.ـدها الذي دهسته الآن في وحل الحرام ثم وقفت على الباب وأشارت بيدها :
_ اتفضل اطلع برة معيزاش أشوف وشك تاني ياعامر لحد ما امـ.ـوت .
انتصب واقفا وذهب تجاهها ثم نظر إليها قائلاً وهو يبتلع أنفاسه بصعوبة ومشاعر الاحتياج لها ولمتعته التي رآها بين يداها منذ قليل ضـ.ـربت بجـ.ـسده وطالبته أن يقترب مرة ثانية والشيطان بدأ يزينها أمام عيناه حورية من حوريات الجنة وحقا أنها كالحور في جمالها وبهائها ورقتها ،
طالت نظرته بها وهي تقف متسمرة أمامه وتفهم معنى نظراته فاحتقرت حالها بشدة ،
ثم جذبها فجأة إلى أحضانه وتحدث بصوت باكي جعلها اهتزت فلأول مرة تجرب ضعف الرجال ولأول مرة تجرب إحساس أن يحتاجها رجل ، وكأن تلك هي المرة الأولى التي تشعر بأحاسيس موجودة عند كل امرأة ولم تجربها مع زوجها يوما ما ،
ثم همس بجانب أذنها بصوت خشن أثر دموعه :
_ حقك عليا يامها ، غصب عني ضعفت واستسلمت للشيطان وخليتك خاينة واني خنت اخوي ابن أمي وأبوي ،
ثم أخرجها من أحضانه ودفن يداه بين رقبتها وأسند جبهته بجبهتها قائلاً :
_ اللي احنا عميلناه دلوك غصب عننا يامها بس اني خلاص بعد ما جربت حضنك وحبك ، بعد ماشفت منك وحسيت اللي عمري ماهحسه مع ست غيرك مش هقدر أبَعد تاني .
حركت وجهها بين يداه وهي تغمض عيناها وتود أن تبعده عن أحضانها ولكن كل خلية بجسدها هي الأخرى وشهوة القرب من رجل كانت أقوى من أي فرائض وقوانين والصح والخطأ ، كانت تتمسح بوجهها بين يداه كالقط الوديع ، حركتها تلك جعلته اقترب منها مقبلاً إياها من رقبتها وهامسا بجانب أذنها :
_ اني عايزك دلوك في حضني ، مقادرش .
خدرها تماماً وجعل أعصابها مفككة من قربه ثم بدأ بتقبيلها بعنف وكأنهما في معركة وإن ابتعدا الآن سيخسران ، انجذبت له وتاهت معه مرة أخرى ومع صوت ارتطام عبائتها أرضا فاقت تلك المها وأبعدته عنها بحدة وهي تحتضن جسدها العاري:
_ اطلع بررررررررررة ،
ثم جذبت ملابسه وألقتها في وجهه وهي تردد بأمر لاذع لانقاش فيه :
_ اطلع بررررررررررة دلوك ومعايزاش ألمح طيفك تاني .
قالت تلك الكلمات وخرجت من أمامه ودلفت إلى الحمام وفتحت صنبور المياه ووقفت أسفله تبكي بغزارة وكأن دموعها تسابق المياه النازلة من الصنبور من كثرتها،
تقف اسفل المياه تجذبها على جميع جسدها تمحو بها أثر الخطيئة وظلت على وضعها هكذا اكثر من ساعة أما هو في الخارج ارتدى ملابسه وخرج من الغرفة ولكن تعثرت قدماه في تلك العباءة الملقاة أرضاً فوجد نفسه جذبها بين أحضانه يشتم رائحتها وكل ذلك وهو في غفلة لم يدري لها بال ووجد حاله يأخذ تلك العباءة معه ويخرج من الشقة وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة في تلك العلاقة الحميمية المحرمة التي حدثت بينهم ولم تتكرر ،
ومرت الأيام ومنعت مها نفسها تماما عنه حتى مر أسبوعين كاملين لم يراهم فيها ولكنه كان يحاول الاتصال عليها والمجيء اليها وهي كانت تصده بشدة وفي إحدى المرات أصر عليها ان يتحدث معها وإن حاولت الإفلات منه سيفعل ما لا يحمد عقباه فاضطرت ان توافق على أن تتحدث معه ،
وقف أمامها ينظر إليها بوحشة شعرت بها فتحدثت على الفور ناهرة إياه:
_ اياك تبصلي البصة داي تاني علشان ما هضعفش يا عامر ومهعملش الخطيئة داي تاني واصل ،
ودلوك تقول لي انت عايز ايه بالظبط عشان مش هسمح ان احنا نقعد مع بعض تاني ؟
اخذ نفسا عميقا ثم تحدث بندم مثلها :
_اني عارف كل كلمة بتقوليها وعارف ان اللي احنا عميلناه ذنب كَبير وعلشان اكده جاي أودعك واقول لك اني خلاص هسافَر وهسيب البلد بحالها لاني ما ينفعش ابقى موجود فيها وكنت حابب اشوفك قبل ما امشي عشان اودعك يمكن تكون داي اخر مرة نشوف بعض فيها ومهرجعش تاني .
شعرت بنغزة شديدة في قلبها ولكن قوت حالها وشجعته عليه قراره :
_عين العقل اللي انت عميلته وذنبي اللي ارتكبته في حق ربنا وفي حق نفسي هتوب عليه عمري كلياته وهطلب من ربنا يسامحني وانت كماني لازم تلجأ لربنا عشان يغفر لنا الذنب الكبير دي ، مع السلامة يا عامر .
ثم تركها وغادر وفي نفس اليوم ترك قنا بأكملها وهاجر الى الخارج ،
بعد يومين من سفر عامر دلفت مها إلى غرفتها وجدت مجدي يبتلع أحد الاقراص فاقتربت منه وعلى حين غرة جذبت ذاك الدواء وقرأت محتواه واذا بها تنصدم قائلة له :
_ايه الحاجات اللي انت بتاخدها داي يا مجدي انت ناقص ضعف مش كفاية انك ما بتعاملنيش زي خلق الله ليه اكده ،
ثم اكملت وهي تلكزه في كتفه ببطئ :
_ الحاجات داي بتعمل ضعف اكتر صدقني ،
ليه ما تروحش تتعالج عند دكتور وتوبقى طبيعي زي اي راجل ومرته، بقى لي كَتير بتحايل عليك كفايه بقى يا مجدي حرام كفاية انت وصلتني معاك لطريق ما كنتش حابه امشي فيه ارجوك ارحمني ارجوك .
انهت كلماتها ثم دخلت في نوبه بكاء شديدة ولكنه كعادته لم يتأثر ببكائها وبعد قليل بدات تلك الاقراص اثرها على جسده فاقترب منها واخذها معه الى عالمه ولكن عالم مجدي ليس كأي عالم ، عالم فاتر ، بارد ، سريع ، ليس به أي شعور ولا إحساس ، ولم يراعي فيه أن بين يداه أنثى محتاجة ،
وكرر تلك العلاقة بعد سفر أخيه ثلاث مرات ،وبعدها اكتشفت مها حملها ولم يأتي ببالها أن يكون من عامر ابدا ،
ولكن مرة واحدة عصت فيها الله وضعفت كان ثمارها ذاك التوأم وزوجها عقيم ،
وبعد سفره حاول محادثتها كثيرا وكثيرا وحاول جذبها إليه ولكن تمنعت ورفضت خاصة أنها كانت حامل وبعد أن وضعت توأمها بسنة استطاع عامر بإلحاحه أن يجعلها تنجذب إليه مرة أخرى وتتحدث معه ولكن كانت تلك المحادثات لفترات بعيدة نظرا لأنها كانت تلوم حالها ولكن حدثته كثيرا .
#عودة_من_الباك
فاقت مها من شرودها على صوت الباب يعلن عن وصول عامر فقامت وفتحت له الباب وأذنت له بالدخول ،
جلس كلتاهما على الأريكة وكل منهم يضع يديه نصب عينيه ثم تحدث مفـ.ـجرا رأيه :
_ العيال هيطلعوا ولادي هعمل لهم تحاليل ولو ثبت انهم ولادي مش هسيبهم اعملي حسابك على اكده .
انتفضت من مكانها كمن لدغها عقرب ثم وقفت قباله هادرة به برفض قاطع:
_ دي في احلامك يا عامر ومن المستحيل يحصل اني ادمـ.ـر ولادي اللي تعبت في تربيتهم علشان خاطر حضرتك اللي جاي تفتكرهم دلوك انهم ولادك،
أني اللي تعبت فيهم واني اللي من حقي أقرر مصيرهم انت غلطت زمان لما جرجرتني وراك للغلط فتحمل النتيجة لحالك .
انتصب واقفا هو الآخر وهزها من كتفها بعـ.ـنف ولم يعجبه كلامها :
_ كيف الكلام دي ؟!
عايزاني اعرِف انهم ولادي وافوتهم ينكتبوا على اسم حد تاني !
عايزاني اشوفهم وهما حتة مني قدامي واعاملهم كاني عمهم وهما ولادي !
ايه القساوة داي اللي طالعة منيكي ؟
جزت على اسنانها بغضب ونظرت اليه بعينين محمرتين من شدة غضبهما وأفلتت كتفها من بين يديه هاتفة بتصميم :
_ الله الوكيل يا عامر لو ما رجعت مكان ما كنت لهـ.ـهد المعبد على دماغك ودماغي،
وأني بحذرك العيال ولادي متقرِبش منيهم ، مليكش صالح بيهم،
وبعدين دول مكتوبين على اسم اخوك اللي انت خنتَه واستحليت عرضه وشرفه ،
انت اكده بتضيع مستقبل العيال وهتفضحنا يا عامر هتفضحنا والعيال اللي انت عايز تكتبهم باسمك هيتدمروا وهيكرهوك وهيكرهوني وهيكرهوا نفسهم ،
واسترسلت نهرها له وهي تربع ساعديها وتنظر له داخل عيناه بقوة منبهة إياه :
_من الافضل يا عامر انك تبَعِد عنينا وتسيبنا نعيش في ستر ربنا وكفاية انك شايفهم مرتاحين وكويسين ده احسن حل لينا كلياتنا ،
ولو انت خايف عليهم صوح واحساس الأبوة نقح عليك وحسيت بيه دلوك بعد عنيهم ومتفضحش باب الستر اللي حاوطنا كل السنين داي .
نفخ بضيق وحالته انقلبت إلى الأسوء بشدة ثم ركل تلك المنضدة بغضب عارم وصل إليه من نهرها وبعيناي التمعت دمعاً ورأتها مها مرة أخرى أردف بتمنع:
_ إزاي اعملها داي ! ولادي يكونوا قدامي وأني عارف انهم ولادي ومخدهمش في حضني !
ازاي ينكتبوا على اسم غير اسمي وهم ولادي ؟
ازاي اسيبهم وابعِد عنيهم وانتِ عارفة اني مش جامد ولا بارد ولا احساسي صلب زي مجدي اللي سبحان الله كان بيتعامل معاهم معاملة غير معاملة الأب وكان ربنا مزرعهاش في قلبه عشان هم مش ولاده ،
واني مجرد ما كنت بشوفهم وبقعد معاهم وبحضنهم مكنتش ببقى عايز اسيبهم ودلوك بعد ما عرفت انهم ولادي عايزاني افوتهم ازاي يا مها ازاي ؟
قررت أن تهدأ من نبرتها الغاضبة كي تستطيع التأثير عليه ثم تحدثت بتعقل وبنبرة أكثر هوادة :
_ فرضاً مشيت ورا كلامك زين وزيدان الاتنين كبروا وبقوا عارفين إن مجدي أبوهم وولادي اذكيا هتبقى صورتنا في نظرهم ايه لما يكبرو ويعرفو !
_ إنتي تطلقي منيه وناخدهم ونسافر ومنرجعش اهنه تاني يامها ، مجدي نشوف له واحدة غلبانة ترضى بظروفه وتتحملها واني وانتِ ناخد ولادنا ونفر بيهم من اهنه ويتربوا بين اب وأم أسوياء .
_قصدك يتربوا بين أب وأم خاينين وحرامية .
_ حرامية كيف يعني ؟
_ أه حرامية سرقنا لحظات من الزمن مش من حقنا زمان ولا ترضي ربنا ومن ورا اكده هم جم للدنيا ، تصور ساعتها هيفتكروا ايه ؟
_ هما لسه صغيرين ومش هيفتكرو مجدي اصلا ، واحنا هنبعد عن الدنيا كلياتها هيفتكروا كيف يعني وهما لسه أطفال .
_ اني هقول لك ياعامر إذا كنت أنت عايز تنسيهم فرب العباد شايف ومطلع على عملتنا السودا ومش هيخليهم ينسوا ، رب العباد هيحطلنا اني وانت في كل خطوة ندامة بدل السلامة علشان سيبنا اخوك العاجز واحنا خاينينه وسبناه في عز ضعفه .
_ دلوك حنيتي ليه ! مش دي اللي مرر أيامك وخلاكي عايشة ولا إحساس ولا شعور ، عايشة ميتة بالحيا !
_ انت مالك اني مسامحة علشان خاطر ولادي ومهما عيمل فيا مجدي مش هياجي ذرة من جزاء الخيانة ياعامر ،
قول لي انت بقى هو عيمل فيك ايه علشان تغدر بيه اكده وتخونه في أهل بيته ، ودلوك عايز ترميه وتخطـ.ـف مرته وولاده ؟
_ هما ولادي اني مش ولاده هو ، وبعدين هتفضلي تلوميني على غلطة عميلتها وياي من سنين غصب عني .
_ الغلطة داي نتج عنيها طفلين ملهمش ذنب في عمايل الكبار ، بعِد ياعامر وصدقني دي الحل الوحيد علشان مستقبل العيال ميدمرش .
بنفس التصميم اللاإرادي أجابها:
_ مهقدرش افوت حتة مني ، دول ولادي ياشيخة ولادي حرام عليكي.
رأت ذاك التصميم وان اولادها على مشارف التدمير فركعت ارضا وتوسلت اليه وقبلته من قدميه وهي تتذلل له ببكاء مرير :
_ ارجوك ياعامر ولادي مهقدرش أكسـ.ـرهم ولو انت خايف عليهم صوح سيبهم لي وأني أوعدك هتشوفهم حاجة تانية ، وانت مسيرك هتتجوز وهتجيب غيرهم أما أني له .
انفطر قلبه لبكائها وهبط لمستواها وأدمع مثلها قائلاً من بين دموعه :
_ اني دلوك شفت عقاب ربنا ليا ولادي هيتربوا بعيد عن حضني وهيتسموا باسم راجل غيري ،
وأكمل ببكاء هو الآخر تنشـ.ـق له القلوب :
_ آااااااااااه من انتقامك مني ياااااااارب ، وضعت حبهم في قلبي وخلتني أتعلق بيهم ولما عرفت اني أبوهم علقتني بيهم زيادة وفي نفس الوقت مهطلهمش ابداااا ، حكمتك يااااارب.
وظلا كلتاهما يبكيان على وضعهم المرير في مشهد يحـ.ـبس الأنفاس من شدة هلعهم ، ولكن مهلا أيها العامر وتلك المها فتلك بداية نبض الوجـ.ـع الحقيقي وليس نهايته ،
وبعد مدة أخذت وقتاً طويلاً في التفكير تحدث عامر بقراره السليم كي يريحها :
_ خلاص يامها أني هسافر من مكان ماجيت بس لما ارن عليكي فيديو علشان اشوفهم واطمن عليهم تفتحي ومتعانديش ، وخلي بالك اني أبوهم زي مانتي امهم راعي مشاعري اللي اتعلقت بيهم ،
وأكمل وهو يسألها خوفا عليهم :
_ بس هتقدري علي رعايتهم ورعاية مجدي وظروفه لوحدك يامها ولا هتقصري فيهم ؟
تنهدت بارتياح أخيراً ثم أجابته وهي تنظر إلى السماء:
_ اني مش لوحدي اني معاي ربنا اللي أقوى من الكل ، اني دلوك بقيت إنسانة جديدة ، بقيت بصلي وبدعي ربنا كَتييييييير يغفر لي ذنبي الكبير ، وبقيم الليل ، بقيت بستعين على ضعفي بقربي من ربنا ، بقيت الوم نفسي كتييير وشلتها من وضع المظلوم وحطتها في وضع الظالم ، بقيت بدعي ربنا يرزقني النفس اللوامة ويبعدني عن النفس الأمارة ،
ثم تبدلت معالم وجهها الحزين الي آخر مبتسم :
_ بقيت بقرب من ربنا وصدقني ياعامر لذة القرب من ربنا ليها طعم تاني خالص ، بقيت بحمده على الضراء قبل السراء ، بقيت راضية وخلعت قناع القنوط اللي أني عشت فيه سنين واقتنعت بقضاؤه ليا .
وبعد مناقشات كثيرة بينهم انتهيا على سفر عامر واستطاعت مها إقناعه وهذا هو الرأي السليم ، فستر الله مازال محاوطا إياهم ولأجل الأولاد سيتحملا الظروف القاسية التى وضعوا فيها .
*********************
في مكتب ماهر الريان شعُر ماهر بالأرق فرفع سماعة الهاتف كي يطلب من رحمة أن تجعل الساعي يجلب له فنجانا من القهوة ولكن لم يأتيه ردا فنظر في ساعته فعلم أن ذاك الوقت هو وقت راحتهم مابين الفترتين في مكتبه فأرسل إليها رسالة عبر الواتساب:
_ إنتي فين يارحمة دلوك ؟
كانت تجلس في مطعم بجانب المكتب تشرب قهوتها وتفكر في حياتها مع ذاك الماهر الذي أتعب قلبها بشدة ، مر على علاقتهم ببعضهم شهورا عدة وهو متخبط وهي تتحمل ، هو تائه وهي دليله ، هو موجوع وهي دوائه ،
جلست تحدث حالها :
_ ماذا بك يا رجل أحلامي لمَ لمْ تطمئن قلبي وتعترف بغرامي ،
ألم يدق قلبك شوقا ! ألم تذق عيناك نوما وتأتي الي متمنياً أحضاني ،
تع حبيبي وانسي الماضي الأليم وأعدك اني سأسحبك الي عالمي ، سأسحبك الي الأمان ،
فاقت من شرودها على صوت رسالته فقرأتها ثم أرسلت إليه :
_ في المطعم اللي جنب المكتب بشرب قهوة في حاجة ؟
قرأ رسالتها ثم حمل مفاتيحه وغادر المكتب وأرسل إليها :
_ خليكي عندك اني جاي لك دلوك هشرب قهوة معاكي حاسس بصداع .
استسلمت رسالته فتحولت بذاك الكرسي وأعطت وجهها إلى النافذة واستندت على الكرسي برأسها تتأمل المارة في الشوارع وهي تسبح بخيالها داخل أعماق ذاك الماهر الذي أتعبها ولكن ذاك القابع بين أضلعها هو من يسوقها إليه بلا هوادة ،
وصل ماهر إلى مكان تواجدها وجدها مغمضة العينين سارحة في ملكوتها ،
كان التوقيت حينئذ وقت غروب الشمس ، وهيئتها مع غروب الشمس أهلكت قلب ذلك الماهر ، فعندما تنسحب الشّمس إلى مخدعها وراء الغيوم، تترك أذيالها الحمراء الذهبيّة اللامعة تُزين جهة الغرب من السماء، لتشكل بذلك مشهداً سَحَر البشريّة منذ الأزل وحتى يومنا هذا، ويُحرك مشهد الغروب الكثير من القلوب ، فترى الناس يتأملون غروب الشّمس، ويتذكرون الهاجر أو المُحبّ القريب، إلا أنّ وقت الغروب يُحرك أحياناً إحساس الألم والفراق، تماماً كفراق النور الذي تمنحه الشّمس لوجه الأرض كاملاً ليعمّ الظلام بعدها، لكنّه ظلام أكثر هدوءاً، وفيه القمر الجميل، والنجوم المُضيئة ، وكانت تلك الرحمة نجمة من تلك النجمات المضيئة ولكن لها بهاها وسحرها فاق جمال جميع النجوم ،
لقد أسرت قلب ذاك المتبلد المكابر ، لقد ضـ.ـربت بقوانين الكبرياء لديه بديناميت مشاعرها القوية وشخصيتها الشرسة وفجـ.ـرت بركان الجمود لديه فنطق الحجر أخيراً بعدما شعر بدقات قلبه العنيدة والتي من كثرتها جعلته سيتركه ويقفز بين يداها ويعترف هو بدلاً من أن ينطقها ذاك اللسان الأخرس المعاند فجلس على الكرسي الذي بجانبها بخطوات هادئة لم تشعر بها تلك الرحمة واستراح بجسده وسند رأسه على ذاك الكرسي وجلس مثلما هي جالسة مغمض العينين ثم خرجت الكلمات من لسانه أخيراً :
_ خلاص يارحمة جت لك لحد عِندك وقلبي مقادرش يستناني أتعافى من الماضي ، جت لك علشان أقول لك اني بحبك ومش قادر خلاص سلمت لك ونجحتي تخلي قلب ماهر اللي اتفقل سنين يتفتح تاني بعشقك .
مازالت على نفس جلستها مغمضة العينان وظنت أنها في حلم جميييل ، ظنت أن نطقه ليس حقيقي وأنها تاهت في ملكوت خيالها الواسع ملكوت ماهر الريان الذي أهلك قلب رحمة المهدي ، فذاك الرجل الأربعيني إلا سنوات قليلة أوقع قلب تلك الأميرة الصغيرة ، فحقا من يرى رحمة يظنها أميرة في وجهها الأبيض وعيناها الواسعتين ذو اللون الأخضر وشفاها المرسومتين الصغيرتين ، وشعرها المغطى بالحجاب ذو اللون الذهبي ويصل إلى منتصف ظهرها ،
ثم تحدث لسانها ناطقاً دون تصديق :
_ حلم جميييل حلمت بيه كَتيير انك تاجي لحدي وتعترف بحبي ، ودلوك سمعتها منك بقلبي وخايفة أفتح عيني ألاقيني بحلم ياماهر .
توجع قلبه لأجل تعبها ولكنه ليس بيداه فهو كان في محنة وابتلاء طالت لياليه وأيامه ثم أكمل مؤكدا لها :
_ لا يارحمة فتحي عيونك هتلاقيني جارك وجاي حداكي لجل ماعترف لك اني خلاص مقادرش على الصبر وانتي واخداني بشقاوتك ومكرك على الحامي ومش مدياني فرصة أتعافى من الماضي .
_ يعني بجد انت قاعد جاري دلوك واني لو فتحت عيوني هشوف شفايفك وهي بتنطقها ومش هطلع بحلم .
_ فتحي ماخلاص القلب اتسند عليكي وطالما اعترف يوبقى مهيقدرش يتحمل بعاد أكتر من اكده.
فتحت عيناها روايدا روايدا ونظرت جانبها وجدته يجلس مسترخيا نفس جلستها ، فوجهت أنظارها إليه مكملة بوله وهي تستغل سحر اللحظة وأحضرت شخصية رحمة العاشقة الآن وتركت الماكرة فليس ذاك وقتها ولا مكانها وطلبت منه :
_ طب افتح عيونك وقولها لي وانت باصص جوة عيوني ياماهر علشان قلبي يصدق .
تنهد بأنفاس طويلة ثم فتح عيناه ونظر جانباً تجاهها وعيناه سكنت عيناها وتحدث بصوت أجش :
_ يعني مش حساها دلوك يارحمة ولازمن أنطُقها تاني ؟
بعينيها المثبتة داخل عيناه هتفت برجاء لقلبه :
_ ما اني حساها من زمان ياماهر بس حقي دلوك اسمعها مرة واتنين وعشرة ،
حقي اشوف شفايفك وهي بتنطُق بحبك يارحمة ، وهي بتعترف بعشق رحمة ، متحرمنيش منيها اللحظة داي يا معـ.ـذب قلبي معاك .
_ ومن فينا متعـ.ـذبش ومتوجعش بس غصب عني اتأخرت عليكي فيها ، كنت مستني أجي حدك واني متعافي تماما .
_ اتعافى بيا ومعاي ياماهر وصدقني مهتلقيش في حبك ليا غربة هتلاقيني وطنك كله بجنوده اللي هتحاوطك وقت تعبك ووقت تيهتك .
_ مكنتش عايز أتعبك معاي ولا أشيلك حمل همي التَقيل بس إنتي طلعتي جسم صغير لكن عقل كبير يوزن بلاد بحالها ، طلعتي قدها وقدود وأثبت لي إن القوة الحقيقية هي حد وجود حد بيحبنا بجد من كل قلبه جنبنا.
_ ياه ياماهر أخيراً عرفت إن الفرار من الحب أكبر دمـ.ـار للقلب ، تعبت قلبي معاك يابن الريان .
_ معلش حقك علي ياحبيبي ومن النهاردة هتشوفي ماهر تاني خالص .
_ الله كلمة حبيبي نزلت على قلبي غسلته ورطبته وخلته انتعش وفتح أبوابه للدنيا من جَديد .
_ طب ايه بقي آجي للحاج سلطان وأطلبك منيه خلاص مقدرش أصبر اكتر من اكده ؟
حركت رأسها برفض قاطع أذهله ثم قالت بتصميم :
_ لا يا ماهر ، لما تقولها وانت باصص جوة عيوني ساعتها هقول لك هات المأءون مش بس تعالى للحج سلطان .
تنهد بتعب من تلك المشاغبة الصغيرة ثم اعترف بها بعشق وهو يستجمع شتاته المتفرق من نظرة عيناي تلك المشاغبة :
_ بحبك .
كانت كلمة واحدة نطقها من فاهه ولكنها بمثابة معجم بأكمله ، كانت أعذوبة وترنيمتها عزفت على أوتار قلبها ، كانت كلمة ولكن بألف كلمة تحي قلوباً تمنت سماعها كثيراً ،
كانت كلمة صدى سمعها في أذنها جعل عيناها التمعت بدمع الفرحة ،
وأخيراً قالها ماهر ، قال لها أحبك رحمتي ، قالها وذاك القلب لم ينفض عن دقاته بعد ، قالها وتعلق القلب والعقل والجسد والكل ،
ثم نظرت له بعمق ونطقت شفاها بتمرد جعله يبتسم ويفتخر بها في نفس ذاك الوقت :
_ اني بقي مهقولهاش دلوك ياماهر ، مهقولهاش إلا لما أبقى في بيتك حلالك ووقتها ساعتها هتحس بلذتها علشان دي هيوبقى وقتها ،
وأكملت بابتسامة زينت وجهها الجميل وهي تبسط يداها أمامه :
_ اهلا بيك في حياة رحمة المهدي ، هاخد لك معاد مع بابا وهخلي عمران اخوي يبلغك بيه .
*******************
في المشفى حيث تجلس سكون وصديقتها فريدة جلستهم المعتادة وبيدهم قهوتهم التي اعتادوا عليها ذاك الطقس اليومي الذي لم ينفكوا عنه أبدا فسألتها فريدة :
_ بردك متقوليش ليه كنتي الأسبوع اللي فات ادخل عليكي المكتب ألاقيكي بتبكي ومفلوقة من العياط ياسكون ، هو أني مش صاحبتك وطول عمري شايلة سرك وكاتمة أسرارك ؟
ارتشفت سكون قهوتها وما إن استمعت إلى سؤالها حتى نطقت وهي تمط شفاها بضيق :
_ يادي السؤال اللي دوشتيني بيه يافريدة ، قلت لك ميت مرة يا أم مخ تَخين إنتي زعلانة على فراق مكة أختي .
نفخت فريدة بغيظ منها وأردفت باستنكار:
_ مختومة على قفاي أني علشان أصدق الهبل اللي هتقوليه دي عاد .
نظرت لها سكون بزهق منها وبأمر لايقبل النقاش:
_ ممكن منتكلَمش في الموضوع دي يافريدة ، يمكن ياستي حاجة خاصة حوصلت بيني وبين جوزي ومحباش أتكلَم فيها ولا أتحدت في خصوصياتنا حتى مع امي اللي خلفَتني ،
وأكملت سكون وهي تذكرها بما اتفقا عليه فهي لم تريد أن تفشي سر البيت التي تعيش أوسطهم وحتى أنها لم تحكي لوالدتها عما حدث حتى لا تعبئ النفوس حقدا من بعضها:
_ هتاجي وياي عند خالتي أم أيمن ولا هتهمليني أروح لوحدي عاد ؟
لكزتها فريدة بغيظ في كتفها ثم قالت بتوعد :
_ ماشي ياسكون هياجيكي يوم ومش هرضي فضولك اللي أني اكتر واحدة حفظاه ،
ثم حملت حقيبتها وأكملت آمرة إياها:
_ يالا هروح وياكي اني كماني اتوحشتها قووي من ساعة مارحنا نعزمها على فرحك آخر مرة واني مشفتهاش ، بس تعالي ندخِل الكوبيات داي المكتب ونمشي .
ابتسمت لها سكون وفعلت ما أملته عليها وبعد دقائق قليلة خرجتا من المشفى وركبتا سيارة فريدة ثم أرسلت سكون رسالة إلى عمران تخبره بأنها تحركت هي وفريدة الي تلك السيدة فهي قد استئذنت منه في الذهاب إليها ليلة أمس ،
وصلتا الى منزل أم أيمن التي رأتهم من بعيد وهي تجلس مع جارتها المقربة إليها أمام منزلها ، فرحت بشدة عندما رأتهم وتقدمت عليهن بابتسامة فرحة للغاية ،
واحتضنت كلتاهما بسعادة ثم أدخلتهم منزلها المرتب النظيف ورحبت بهن كثيراً وقدمت لهن واجب الضيافة ،
وبعد انتهاء السلام والاطمئنان على حالهن نظرت إلى سكون وتحدثت:
_ بالك ياداكتورة سكون كنتي على بالي من يومين اكده ساعة المغربية ومش عارفة ليه قلبي كان واكلني عليكي ، قمت بعد ماصليت المغرب قعدت كتير أدعي لك يابتي ربنا يحميكي ويراضيكي ويرضي عنيكي ويبَعد عنك الأذى والمؤذيين علشان انتي بت حلال وأصيلة والعيبة متطلعش منيكي واصل ،
طمنيني عنك يابتي ؟
تذكرت رحمة منذ يومان وفي ذاك التوقيت التي ذكرته بالذات كانت بالفعل تشعر بالضيق وحينها جلست هي وعمران جلسة الذكر التي آراحتها ويبدو أن أحدهم كان يدعو لها في ذاك التوقيت مما أراح الله صدرها عندئذ ولم تكن إلا تلك السيدة البشوشة ثم أخبرتها :
_ والله ياخالة في الوقت داي بالذات كنت مضايقة قووي وحاسة ان الدنيا كانت في عيني قد خرم الإبرة لكن يظهر إن دعاوكي الطيبة ليا استجاب لها ربنا وريح قلبي ، ربنا ما يحرمني من دعواتك ولا قلبك الطيب .
هنا تحدثت فريدة وهي تصطنع الحزن :
_ وأني ياخالة أم أيمن مليش نصيب في دعواتك داي ولا هي سكون بس ، إنتي اصلا بتحبيها اكتر مني مع اني بجيكي زييها بالظبط بس هقول ايه بقي المحبة مبتتشحتش عاد .
ابتسمت تلك المسنة لها ثم ربتت على ظهرها بحنو وطيبت خاطرها:
_ له يابتي كيف دي عاد ! الله الوكيل بدعي لك انتي كماني هو أني عندي أغلي منيكم ،
واسترسلت بنبرة حزينة جعلتهم ضاقوا لأجلها:
_ انتو بتسألوا علي اكتر من مرت ولدي اللي مهتعبرنيش خالص ، بس يالا أهي ديون وهتترد وكل واحد منينا هينوبه جزاته إذا كان طيب ولا شين .
قامتا كلتاهن وأخذاها بين أحضانهن وهم يهدهدوها بحنان ورددت فريدة :
_ خلاص بقي متنكديش على روحك وسيبك من بوز الاخص داي ، والله ماتعرِف قيمتك اللي ياجي ويحط عليها البعيدة ، وبعدين ماحنا بنجيلك اني وسكون كل اسبوع هو إحنا ممكفينش واصل .
تشبست بأحضانهم كالطفل الصغير الذي يخشى فراق أمه وهدات من حزنها وجلسوا يتسامرون بمحبة ، فكل اسبوع تأتيان لزيارتها والاطمئنان عليها كي تدخلان السرور إلى قلبها ، فمبدا الصديقتان من سار بين الناس جابرا للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر وقد حدث بالفعل فقد نالت سكون من دعوات تلك المسنة واستجاب لها رب السماء وكأن أبوابه كانت مفتوحة في ذاك الوقت وكأنها ساعة استجابة ،
( ملحوظه: أم أيمن اللي كانت معانا في البارت الاول فاكرينها هي دي وسكون من وقتها وهي بتودها من نوع جبر الخواطر لأنها تعتبر وحيدة )
وبعد أن انتهت جلستهم ودعاها وعادا إلى المشفى وظلت هي تدعوا لهم من قلبها دعوات صادقة.
******************
في منزل سلطان ليلاً وبالتحديد في شقة عمران كانت رحمة جالسة معهم وبعد حديث طويل دار بينهم أخبرت رحمة عمران بطلب ماهر وطلبت منه أن يأخذ موعد له مع أبيها فوعدها وقلبه سعيد لأجلها :
_ والله فرحت لك من قلبي يابت أبوي ربنا يكمل لك على خير يارب ، هتكلم ويا الحج سلطان وهاخد لك معاد منيه هو أني عندي أغلي منيكي .
كانت سكون في ذاك الوقت تشعر بالحزن الشديد داخلها فنتيجة التحاليل التي أجرتها لنفسها منذ أسبوعاً ظهرت ووجدت فيها ما جعلها تنهار كليا ولكنها دارت حزنها ببراعة أمامهم ثم لاحظ شرودها كلتاهما فسألتها رحمة :
_ مالك ياسكون سرحانة في ايه عاد ومقلتليش مبروك يعني ومش داخلة معانا في الحوار .
تحمحمت سكون بتوتر ثم رسمت البسمة بصعوبة على وجهها وباركت لها :
_ ألف مبروك ياحبيبتي ربنا يجعله عريس الهنا والسعادة يارب .
وأثناء حديثهما استمعت رحمة الي رسالة أتتها عبر الهاتف وإذا بها والدتها تطلب منها أن تأتيها فوراً إلى غرفتها ، فاستئذنتهم وتركتهم ونزلت اليها ،
دلفت رحمة إلى والدتها وسألتها بقلق :
_ مالك يا ماما في حاجة ولا ايه ؟
جذبتها زينب من يدها ثم تحدثت بمقدمة لحديثها فهي لاتعرف من اين تبدأ حديثها كي تطلب منها ماتريد :
_ تعالى بس اقعدي جاري اهنه ومتوغوشيش أني زينة الحمد لله.
اندهشت رحمة من والدتها ثم جلست قائلة :
_ اديني قعدت اهه ، ها مالك يازينب انطقي ؟
توترت زينب قليلا ولكن استدعت الشجاعة وطلبت منها :
_ أممم.. شوفي بقي يابت يارحمة ياقمرة إنتِ اني عايزة اكده أغير من طريقة لبسي ، عايزاكي تجبي لي هدوم جديدة بيتي وخروج ، عايزة كمان أظبط وشي اكده وتعلميني احط السخام دي اللي اسمه ميكب ، وكماني عايزة روايح حلوة اكده من الغالية اللي تفوح في البيت كلياته،
ثم نظرت إليها وأكملت وعيناها تلتمعان بلمعة المكر والدهاء :
_ اني عايزة أحس أني ست جديدة اللي يشوفني ميعرفنيش ، ويفتكروني عيلة صغيرة اني عايزة ألعلط اكده يابت.
ضحكت رحمة ضحكات عالية متتالية على والدتها وما حكته الآن ، فلكزتها زينب على فخذها بقوة آلامتها وجعلتها توجعت:
_ بتضحكي علي يابت إنتِ ، تصدقي بالله اني غلطانة إني جيت لك انتي يابوز الاخص ، اني هروح لمرت ولدي البت الرقيقة داي وهطلب منيها ومعايزاش منك حاجة ، أهي هتوبقى أحن علي منك ياأم نضارة قعر كوباية إنتِ يابتاعت المحاكم .
هدأت من ضحكاتها ثم قالت من بينهن :
_ حقك علي ياست الكل ، اهدي بس اكده ،
وأكملت وهي تغمز لها بشقاوة :
_ هو القمر الشوق رماه لأبو السلاطين وهيشحن نظام شوق ولا تدوق ولا ايه .
زاغت نظرات عينيها بحرج من تلك الابنة الماكرة وقالت بتوتر :
_ امممم ... له يابت دماغك متروحش لبعيد اني خلاص زهدت الرجالة بوكي كرهني فيه وفي صنف الرجالة كلياتهم ، كل الحكاية إني هملت في نفسي كَتييير وعايزة اهتم بيها شوي ، ها هتساعديني ولا اشوف غيرك .
رفعت حاجبيها بمكر وأردفت بتأكيد:
_ هو دي سؤال ياحاجة دي اني بتك رحمة الوحيدة اللي هتخليكي تنوري في الضلمة ،
وأكملت بوجه مبتسم ببلهاء :
_ أصلك متعرفيش اني أحب أمور الكيد قووووي وخاصة بتاعت الست للراجل ،
ثم سألتها بنفس البلهاء :
_ إلا قولي لي يازوبة هو أني طلعة كيادة لمين بالظبط ؟
لكزتها زينب مرة أخرى على كتفها وهدرت بها :
_ أه ياللي تنشكي يابت بطني ، تقصدي ايه بكلامك دي يابت إنتِ ؟
أجابتها بغمزة :
_ اصل من يومين اكده لما كنا قاعدين شفت الحاج وهو داخل عنديكي وبيتسحب بس على مين دي أني رحوم ، وسألت حالي وقتها هو جاي حداكي وحديه ولا الهوى رماه ،
وأكملت بضحكة ساخرة مجيبة حالها:
_ اني دلوك عرفت الإجابة ، إن هوا زينب رماه ولما لقيته خارج الشر هيطق من عنيه عرفت ان الهوا لطشه جامد وادي له لسعة برد محترمة .
قامت زينب من مكانها وأمسكت نعلها وصوبته في وجه تلك المشاغبة ثم هدرت بها :
_ أنتِ يابت إنتِ دماغك داي ايه هو مفيش حد اهنه بيفلت من تحت عنيكي ! جايبة الجمدان دي كله منين يابت بطني.
_ الله يازوبة هما مش بيقولوا بردك اقلب القدرة على فمها تطلع البت لأمها يعني مهجبهوش من برة أني .
_ الله يكون في عونه اللي هياخدك يابتي حكم انتِ قوية ومفترية وربنا مايحكمك على ظالم ، امشي يابت من قدامي دلوك معايزاش منك حاجة واصل .
_ مين دي اللي هتمشي ! الله الوكيل ماحد هيطلع الطلعة داي غيري يازوبة ، دي أني هخليكي ولا مارلين مونرو هخليكي ملكة جمال ودلال قنا بس اسمعي كلامي واديني فرصتي حكم أني أحب لعب الكبار دي قووووي .
استفزتها بكلامها فقذفت نعلها في وجهها فطارت رحمة من أمامها ورددت هي :
_ يالا يابت امشي من قدامي معايزاش أشوف خلقتك داي تاني ياجزمة أنتِ ، غوري تك شكة في معاميعك .
أما في شقة عمران نظر إلي سكون متسائلاً بنبرة قلقة :
_ مالك ياسكون فيكي ايه ، إنتي بقى لك اسبوع من قبل فرح أختك وحالتك صعبة ومتغيرة اكده ؟
تهربت سكون من عيناه ثم اصطنعت الهدوء وأجابته وهي تقوم من أمامه :
_ له مفيش حاجة ياعمران متهيألك أني زينة الحمد لله .
قالت كلماتها بتهرب وتحركت من أمامه فأمسكها من يدها متسائلا إياها:
_ على فين رايحه اكده وفايتاني ؟
أجابته وهي تنظر بعيدا عن مرمى عيناه حتى لايلمح لمعتهم بالدمع :
_ هدخل الحمام وهرجع لك طوالي .
ثم تركته ودخلت إلى الحمام وأغلقت الباب خلفها ثم أخرجت الهاتف من جيبها وأرسلت رسالة إلى صديقتها فريدة وهي منهارة:
_ الحقيني يافريدة نتيجة التحاليل طلعت واني مهخلفش عمري ، ولا هكون أم ابدا.
أرسلت إليها فريدة رسالة تهدئها :
_ اهدي ياسكون دي انتي داكتورة نسا ومفيش حاجة بعيدة على ربنا وعارفة كويس إن ربنا خلق الدوا لكل مرة ومش علشان أجهضتي الجنين مرة هتفضلي اكده.
امتلئت عيناها بالدموع ثم أجابتها :
_ بس مش في حالتي داي يافريدة أني الرحم بتاعي بطانته طلعت ضعيفة وعندي ورم ليفي بيسبب تشوهات للجنين وبيخليه ينزل في أسابيعه الأولى ،ومن الواضح اني حملت من ليلة دخلتي ويدوب كمل شهر واضطريت أنزله لما عملت السونار وعرفت إنه مشوه وكل دي وعمران ميعرِفش حاجة ،
وأكملت كتابة رسائلها وعيناها انتفخت من شدة الدموع :
_ عمران كل يوم يقول لي نفسي أبقى أب وكل يوم أمه وأبوه يتمنوا حفيد لابنهم الوحيد وبيقولوهالي في وشي وأني طريق علاجي طويل ويمكن ياخد سنين ويمكن أتعالج ويمكن لا .
هدأتها فريدة مرسلة لها :
_ اهدي ياسكون ومتفكريش في أي حاجة دلوك وسيبي ربك يدبر لك الأمور هو أحسن مننا كلياتنا .
تنهدت بوجع عميق تأجج في جسدها وهي على مشارف فقدان عمرانها والأدهى انه سيكن بيدها هي لابيد غيرها ، فهي لن تظلمه معها ولن تحرمه من احساس الأبوة ،
أما في الخارج شعر عمران بالقلق عليها فهي تأخرت في الحمام كثيراً ، طرق الباب مرة عليها ثم ردد وهو يحاول فتحه :
_ سكون إنتِ بقى لك كَتييير في الحمام فيكِ حاجة ياحبيبي ؟
مسحت دموعها على الفور ثم أجابته بصوت ادعت فيه نبرة الهدوء :
_ له ياعمران اني زينة بس حسيت بخنقة قلت هاخد شاور ، متقلقش علي .
شعر بالحزن في نبرة صوتها ولكن هي حاولت كتمانه فطلب منها :
_ طب قافلة على حالك ليه ياقلب عمران ، طب افتحي الباب خليني أطمن عليكِ .
اصطنعت الضحك بداخل الحمام وحاولت استدعاء الثبات النفسي ثم أجابته بنبرة دعابية مصطنعة كي تجعله يرحل عنها :
_ هههههه هبلة اني علشان أفتح لك الباب ونعمل ليلة النهاردة ، انسى ياحبيبي أني عِندي شغل الصبح بدري وكمان نبطشية يعني لو فضلت واقف اكده للصبح مفتحاش .
كانت في ذاك الوقت فاتحة صنبور المياه وبالفعل قررت أن تأخذ شاورا يريح جسدها المشـ.ـتعل من نيـ.ـرانه ،
أما هو ضحك على مشاغبتها بنفس الدعابة :
_ بقى اكده بترفصي النعمة ياسكون ، وبتتدلعي على عمرانك ؟
طب لعلمك بقى آني قاعد مستنيكي أهه علشان اشوف هربانك مني دي هيخلص ميتي ويانا يانتي الليلة .
وبالفعل جلس على التخت وفتح شاشة التلفاز يلهي حاله بها وانتظر خروجها من الحمام ،
أما هي علمت من صوت التلفاز أنه مازال بالخارج مستيقظاً في انتظارها ،
فأنهت الشاور وارتدت ذاك الرداء الخاص بحمامها ووضعت تلك الفوطة على شعرها كي تجففه ثم خرجت إليه ،
ما إن رأي خروجها حتى انتفض من على التخت ووقف أمامها وسحبها من إحدى يديها برفق قائلاً وهو يغمز لها بطريقة أذابتها:
_ نعيما ياحبيبي ، ايه الحلاوة والجمال والريحة الحلوة داي هتجنني عمران والله بشقاوتك داي ياسكوني .
اصطنعت الثبات فربما تكن آخر ليلة اليوم تقضيها في حضن عمرانها فهي فكرت كثيرا ولن تجعله ينتظر أعواماً بجانبها واحتمال الشفاء منعدم ولن تحرمه أن يكون أباً ثم ابتسمت له بحب عندما رأت الرغبة في عينيه:
_ طب بالراحة على سكونك متاخدهاش على الحامي اكده مش كدك هي ياعمران ولا كد حروبك داي .
اقترب منها أكثر وجذبها إلي أحضانه حتى ارتطمت بعظام صدره ثم همس لها بنبرة مبحوحة رجولية:
_ والله عمران اللي مش كد دلالك ولا جمالك اللي بيحطفه يابت قلبي ، شكل مايكون ربنا وضع الحلا والجمال فيكِ انتِ بس ياحبيبي.
شعرت بأنه دخل الآن عالم السكون وعمران ، عالم الروح التى تنجذب لخليلها باشتهاء ورغبة فدفعته برقة في صدره وهي تردد بدلال:
_ طب اصبر بس هسرح شعري وأغير هدومي وبعدين نتكلَم .
ثبت يداه على صدرها ثم شاغبها مرددا برغبة اغتالت أوصاله الآن في حضرتها :
_ لاااا ممنوش فايدة الكلام دي ، تعالى عايزك في حوار تاني وبعدين اعملي مابدالك .
أنهى كلمته وجذبها إلى عالمه برفق وعشق رجل لامرأته وذابت هي بين يداه ودخلت عالم العمران ونسيت كل شئ فلربما تكن أخر ليلة ستقضيها بين أحضان عمران فلتستغلها وتنسى روحها بين يداه ، أما هو كان يشعر بأنها اليوم تائهة معه في عالمه ورغبتها به غلبت كل الأيام والليالي ، وشوقها فاق الحدود فجعلته ثائراً بها مطالباً للمزيد فهو رجلاً عاشق لتلك المرأة عشقا فاق الحدود وتخطى مراحل الجنون الآن .
•تابع الفصل التالي "رواية من نبض الوجع عشت غرامي" اضغط على اسم الرواية