رواية من نبض الوجع عشت غرامي (ج2) الفصل الثالث 3 - بقلم فاطيما يوسف
في مكتب ماهر البنان حيث يجلس في مكتبه يستشيط غضبا من تمرد تلك العنيدة فهو لم يتعافى بعد من مرضه وجسـ.ـده مازال واهناً ،
منذ البارحة وهو يهاتفها ولم تجيبه وفي كل مرة تغلق الهاتف بوجهه فتزيده غضبا من عنادها وتيبس رأسها والأدهى من ذلك أنها قد بلكته من جميع الاتجاهات مما جعله يدور حول نفسه بغـ.ـضب عارم من فعلتها الشنعاء وهو يتوعد لها من الويلات مالم يخطر على بالها ظل على حالته تلك منتظراً مجيئها الى المكتب فهو فكر كثيرا لايريد الذهاب الى منزلها كي لايعلوا صوتهما والأمر يتفاقم إلى تدخل أيا من أهلها بينهم ووقتها ستحمل النفوس من أي كلمة لم تعجب الطرفين وظل ينتظرها في المكتب وقد وصل الغـ.ـضب ذروته حتى مر أكثر من ساعتين على ميعاد مجيئها المكتب ولم تأتي بعد ولقد نفذ الصبر من صبره فقرر أن يذهب إليها في منزلهم وليكن مايكن وتتحمل عقباه وحدها ،
حمل مفاتيحه وهاتفه وكاد أن يخرج من مكتبه ولكنه وجدها تدلف إليه بوجه متهجم وملامح تدل على أن العواصف ستحدث بينهم لامحالة ،
نظر إليها نظرة مطولة تحوى كثيراً من المعاني التي فهمتها بتنقلاتها بجدارة ومن يملك دهاء رحمة المهدي غيرها ؟
ولكنه يعرف أن الأمر برمته صعباً عليها فحاول تهدئة أعصابه الثائرة داخله فقد كان يغـ.ـلي كالبركان ثم أشار إليها أن تدلف الي المكتب بصمت تام ومن ثمَّ عاتبها بهدوء ماقبل العاصفة:
_ عايز أسأل سؤال وأتمنى إجابته متكونش زي اللي في بالي ،
وأكمل متسائلاً إياها وهو ينظر داخل عيناها بنبرة هادئة كهدنة محارب قبل أن يشد أجزاء سلاحه :
_ انتِ عملتِ لي بلوك من على الواتساب والفيس أو تقريبا من كل الأماكن ؟
بنبرة أشبه للجمود قد هيأت لها نفسها بصعوبة بالغة فهي أخذت موقفاً مع نفسها وأعدتها للصمود أمامه ولن تضعف أو تستكين لأمر قلبها اللعين الذي يشتاقه حد الجنون ولكن كرامة الأنثى داخلها وكبرياؤها غلب عاطفة اشتياقها ،
تجاهلت سؤاله وكأنه لم يُقال أو يسَل شيئاً ثم مدت يدها بالورقة التى بحوزتها قائلة بشموخ ورأس مرفوع لأعلى :
_ اتفضل يامتر ورقة استقالتي واعتبرني مش موجودة وسط فريقك من النهاردة.
انفعل ذاك الجامد المتصلب بطريقة لم توصف بعد ثم أخذ منها الورقة بأصابع متهجمة ومن ثمَّ رماها من نافذة المكتب ثم جذبها من يدها بعـ.ـنف واتجه ناحية الغرفة التى أعدتها هي بنفسها لاستراحته وأغلق الباب خلفه تحت تزمتها الشديد فحقا لقد أثارت حنقه ولأول مرة يتعامل أحدهم معه بذاك التجاهل ثم أقسم أمامها وهو يجز على أسنانه بغـ.ـضب شديد:
_ أقسم بالله لو كان مخلوق غيرك اتجرأ وعيمل وياي اكده لكان زمانَه ورا الشمس دلوك .
أفلتت يداها من يده عنوة واصطنعت عدم الخوف أمامه مع أن داخلها يرجف رعـ.ـبا وهلعاً من منظره الغاضب ولكنها تمالكت حالها بثبات تدربت عليه جيداً قبل أن تجئ إليه الآن وهي على ثقة تامة بأن مقابلتهم تلك لن تمر مرور الكرام وهي تهتف بنفس نبرته الغاضبة من جذبه لها بتلك الدرجة المهينة وسحبه لها إلى تلك الغرفة عنوة عنها :
_ انت إزاي تتجرأ وتجرني وراك بالطريقة داي وكاني عبدة وانت سيدها ؟!
وأكملت بنفس قسمه وهي تجابهه غضبه عيناً بعينٍ وسناًّ بسنٍّ وهي تشير بأصبعها تجاه الباب الذي أوصده بإحكام :
_ وقسماً بالله ويَمين على يمينك يا ماهر لو مافتحت الباب وسبتني أخرج لهتشوف من كيد الحريم ما لا يخطر لك على بال .
هنا امتنعت عقارب الساعة عن الدوران إجلالاً لما نتج من تحدي العناد أمام جيوش غضبه الذي أوصلته له تلك المسكينة التي سترى من الويلات على يد ذاك الماهر وهو يهتف بفحيح :
_ كانك عقلك فوت ولسانك فلت منيكي ومهتعرفيش ان المرة متحلفش على جوزها يابت الناس !
واللي خلق الخلق لو ماظبطيش لسانك واتعدلتي وانتِ بتتحدتي ويا جوزك لاهكون مكسِـ.ـر لك دماغك داي ومش بس اكده هتشوفي اللي عمرك ماشفتيه في حياتك يابنت سلطان .
دب القلق في صدرها مع تنهيدة حارة خرجت من ثغرها ولكنها تمالكت حالها سريعاً كي لايستشف ذاك الداهي خوفها البائن ثم هدرت به :
_ وه ! هو خدوهم بالصوت قبل مايغلبوكم ولا إيه يامتر ؟
واسترسلت بقوة واهية كي تجعله يشعر بجُلِّ خطأه فيما ارتكبه معها :
_ أني حرة أعمل إللي علي كيفي ومحدش له حكم علي غير أبويا .
ضـ.ـرب الحائط بقبضته الفولاذية وقد رُفع ضغطه الآن بفضل عنادها ولتتحمل عواقب زهقه منها وغلظة مايتفوه به لسانه :
_ حرة مين ياهانم فوقي لنفسك أني جوزك لو انتِ نسيتي ؟
رفعت جفونها ببطء ثم نطقت بنبرة حادة وتفوهت بما جعله نفث نـ.ـارا وصلها لهيبها ولكن تلك الحمقاء أكملت :
_ كاتب كتابي بس ومليكش علي حقوق ولا أوامر وإذا كانت حتة الورقة داي هتخليك تعاملني كأني عبدة يوبقى نفضها سيرة ويادار مادخلك شر وروح دلل وهنن الست شمس بتاعتك .
بمجرد أن تفوهت هرائها ذاك اندفع إليها ليشن حروب أفعالها فوق رأسها بكبرياء رجل عاشق لامرأة متمردة وكادت أن تكمل هزلها ولكن نظراته الحادة أرغمتها أن تبتلع ماعلق في حلقها من كلمات وتتراجع للخلف ،
فتتقدم خطواته بقدر تراجعها ويغـ.ـرس خنـ.ـجر سؤاله في صدرها بهسيس وعيناي محمرتان من شدة غضبها :
_ عايزة تتطلقي يارحمة ؟!
ثم قبض علي معصمها بقوة وعنفها بصوته المملؤ بالجبروت:
_ طب الكلمة داي لو لسانك نطقها تاني لهتشوفي النجوم في عز الضهر على يدي ، وهتشوفي الجحـ.ـيم على الارض علشان توبقى تمسكي لسانك قدامي قبل ماترطي هبل على الفاضي .
دارت حوله في المكان بجـ.ـسد ينتفض رفضاً لطريقته وبنفس نبرته المملؤة بالحبروت هاتفته :
_ والله أني مبتتهددش ومتخلقش اللي يوطي راس رحمة المهدي ومش هي اللي ترضى بالخنوع والذل وان كان على قلبي اللي هيعشقك هشق ضلوعي وأفرمه بيدي وأعيش بجسم من غير قلب ولا إن حد أيا كان مين يفرض سيطرته وهيلمانه عليا .
حاول تهدئة حاله من ثورة غضبه فمهما كان لابد أن يراعي غيرتها والآن لابد أن يفهمها الوضع بأكمله كي يجعلها تهدأ ثم ضم شفتاه وكأنه بتلك الحركة يحاول كبح جماح ثورانه وأمسكها من يدها عنوة ولكنها لم تستطيع الإفلات من قبضة يده وجذبها ناحية التخت وأجلسها غصبا عنها ليقول بنبرة تبدو أكثر هدوءاً :
_ ممكن بقى تبطلي هري وعصبية وكلام أهبل لاهيودي ولا يجيب ،
ممكن بردو دلوك تعرفيني سبب ضيقتك وثورتك وكلامك اللي عمالة تبخيه في وشي زي السم دي .
_ ياه كانك معارفش وبتتهمني بالجنون واني هقول اي كلام وخلاص … جملة تهكمية نطقتها رحمة بنبرة ساخرة نظراً لتساؤله الأحمق من وجهة نظرها ثم عقبت بما ينهى ذاك الحوار :
_ تمام هعمل بأصلى المرة داي ، غراب البين اللي جت لك داي تقـ.ـطع قدامها كل الطرق وتغور في داهية تاخدها بعيد عننا وبعدها بقى نتفاهم ونشوف إزاي جت لك وسمحت لنفسك تقعد وياها وحديكم في البيت بدون رضاي والله اعلم لو مكنتش موجودة وقتها يمكن مكنتش عرفت بمجيها عنديك .
_هخاف اني اياك منك يابرنسيسة زمانك .. نطقها ماهر بسخرية مماثلة ثم تابع بنبرة حادة وحاسمة :
_ للمرة المليون بقولك اظبطي لسانك معاي يارحمة واعرفي انك ببتكلَمي ويا جوزك ،
واسترسل حديثه وهو يحاول أن يهدأ من نبرته الغاضبة الي أخرى لينة وهو يمسح بيده على خصلات شعره الأسود :
_ باختصار هي في أزمة شديدة وقبل ماتتهميها بالكذب أني اتوكدت من كل كلمة قالتها ولجأت لي كمحامي أولا وكبيناتنا عشرة قديمة ثانيا فخليكي عاقلة يارحمة ،
ثم اقترب منها وهو يحتضن وجنتيها بكفاي يديه ويحاول التأثير بقربه منها على مشاعرها واستغلال محبتها لها وعشقها له :
_ واعرفي إن لو قدامي الف ست في الدنيا ومقفول علي معاهم باب واحد وكلهم رايدني وقتها هكسِر البيبان وهاجي حدك بين ايديكي علشان مشايفش فيهم كلهم ضفرك ياحبيبتي .
لقد صـ.ـدمها الآن بقراره ذاك فقد كان يشعر بأنها فقدت السيطرة على حالها في اقترابه واشتاقته ولكن ذاك الماهر لم يفهمها جيداً ويدرس شخصيتها العنيدة التي لاتقبل أبدا أن تدلف احداهن إلى حياته ومن بالتحديد انها أخت زوجته المتوفاة يالك من رجل متجبر ايها الماهر !
أحست بالمهانة الآن لأول مرة من تصميمه في الوقوف بجانبها ثم انسدلت دموع عينيها وشعر بسخونتهما عندما هبطت على يديه معلنة على أنه جرح كبرياؤها وأنه الآن على مشارف خسارتها فهو في موقف يُحسَد عليه الآن إما أن يُلقى بتلك اليتيمة في غيابات الجُبِّ ويخسر رجولته أمام نفسه ،
شعر بأنه يحـ.ـترق الآن وأنه داخل دوامة ضيقة بل في نظره أضيق من خرم الإبرة بذاته ،
ثم جفف دموعها بأصابع يديه القويتين بحنان رجل عاشق ورفع عيناها المغشية بالدموع وجعلها تقابل عينيه وهمس لها بنبرة راجية :
_ صدقيني يارحمة دموعك بيقـ.ـطعو في قلبي كانهم سيـ.ـوف بس والله العظيم غصب عني مقدرش مكونش راجل مقدرش أشوفني بني آدم يقدر يساعد بني أدم شريد قدامه واحتمال في وقت حياته تتعرض للخطر وفي يدي مساعدته ومساعدهوش ،
وأكمل بنفس نبرته الراجية وهو يسحبها داخل أحضانه:
_ خلي عقلك كبير واعتبريها ملهاش وجود .
فقدت الأمل بشتى الطرق في إقناعه والآن لأول مرة هُزمت رحمة المهدي بل والأدهى في معركتها هي ،
يالكِ نفسي من شعور الخذلان الذي حاوطكِ من حبيبك الأولِ ،
جعلني أدمع ، أتوه ، أتمنى المـ.ـوت ولا أن أراك ترمش فقط لامرأة غيري ،
قل لي حبيبي الأولِ أضايقتك غيرتي المحقة بها ! أأرهقك عشقي وروحي المتعلقة بروحك كي تجعلني أتندمُ ،
لاا ماهري فصغيرتك على الحب كما لقبتها كهلت الآن وأصبحت ترى الفراق متقدمُ ،
#كلمات_رحمة_المهدي
#بقلمي_فاطيما_يوسف
#بغرامها_متيم
ثم همست بجانب أذنيه بنفس كلمتها وهي الآن يرواضها عقلها أنها امرأة مهزومة خائبة :
_ طلقني ياماهر .
تشبس بأحضانها كالطفل الصغير في أحضان أمه وخائف من أن تتركه وحده وهو يهمس بنبرة صوت أجش من فرط مشاعره التي تبعثرت في اقترابها :
_ لو السما انطبقت على الأرض معملهاش يا بابا انسى انك توبقى لحد غير ماهر .
تنهدت بأنفاس ساخنة طويلة شعر بدفئها في تجويف عنقه ثم على حين غرة واجه عيناها مقبلاً إياهم برغبة وكأنه بتلك الحركة يثبت ملكيتها له فانسدلت الدموع وبللت شفتاه هو الآخر فلم يشعر بالاشمئزاز وابتلع دموعها وكأنها أنهار من العسل المصفى مما جعلها تتأثر بحركته تلك ويرتعش جسـ.ـدها رغبة به ،
وهي تتحسر داخلها من خيانة قلبها لها وانسياقه وراء غرامه المتيم بذاك الحبيب ولكن وعت لحالها وهي تُبعِده عنها برفق نظراً لأعصابها المفككة من اقترابه ثم حملت حقيبتها وخرجت من الغرفة بل من المكتب بأكمله وهي تنوي الفراق لامحالة فهو قد فضل تلك الشمس ووجودها عليها وهي لم ولن تستكين .
********************
في المشفى حيث خرج ذاك الطبيب من غرفة مكتبه الخاص وهو يرتدي البالطو الأبيض رافعا رأسه لأعلى ويزين وجهه نظارته الطبية التى أعطته وسامة زادت على وسامته فقد كانت الساعة السادسة صباحاً فذاك موعد مروره على المرضى ناهيك عن رائحته التى عبئت المكان بأكمله ،
كان يتمشي في الرواق المؤدى إلى غرف الفحص التى يمكث بها المرضى ومن يراه يظنه أحد عارضي الأزياء من طوله الفاره ومشيته المتزنة فرأته الممرضتان الواقفتان بذاك الممر بعيناي متصنمة على واثق الخطى ذاك ثم غمزت إحداهن في أذن الأخرى وعيناهن تتآكله دون حياء:
_ ياشتات الشتات يابت شايفة اللي أني شيفاه دي ولا نجوم السيما يخربيت جمال أمه .
أومأت الأخرى لها وهي تسير على نهجها الأهوج :
_ ياخراشي يابت أول مرة اشوف راجل بنضارة وبالطو أبيض قممر اكده ، دي اكيد وارد بلاد برة ولا ايه حدفه الصعيد دي ؟
أكملت الأخرى وهي تحرك شفاها الغليظة بطريقة لاتليق بممرضة :
_ يوووه ولا ريحته حلوة قوووي تهبل دي المفروض يتحط في باترينة مش يمشي على الارض اكده يابووي .
رأتهم تلك الممرضة وسمعت حديثهم المثير للاشمئزاز وهدرت بهن :
_ بذمتك منك ليها مش مختشين من حديتكم دي اللي لايرضي رب ولا عبد !
الله الوكيل لو ماتلميتي منك ليها لهكون مبلغة الريسة باللي هتقوله واخلي عيشتكم مقدنلة اتحشمي يابت منك ليها ،
ثم عبرت من جانبهم وهي ترمقهم بنظرة استيائية وهي تهتف بحنق:
_ كاتكم الهم بنات اخر زمن تجيب العار لأهلها .
فور أن تحركت من أمامهم كتمو أفواههم فقد تلونت وجنتاهم بحمرة الخوف فتلك السيدة لاتخشى في الحق لومة لائم ولو أبلغت رئيستهم سوف ينالون من بطشها مالا يقدرون عليه ،
أما ذاك الفارس قد استمع إلى بعض هرائهم وشعر بالاشمئزاز من أن هؤلاء من ضمن النسوة ،
دلف الى غرفة الفحص وكانت فريدة موجودة بنفس التوقيت في نفس العنبر فتهجم وجهها على الفور ما إن رأته أمامها ثم أنهت فحص المريض الذي بيدها ودلفت إلى الشرفة الموجودة في الغرفة ويبدو عليها الاشمئزاز الشديد منه وهي تنظر إليه عن قصد نظرة استيائية جعلته اندهش من نظرتها وتهجمها عليه بتلك الدرجة وما زاده اندهاشا هو مغادرتها العنبر في وجوده ،
نفض عن باله مافعلته ثم بدأ بالكشف على المرضى بحرفية تامة فكان يبتسم للصغار ويربت على ظهر الكبار بحنو لم يسبق لطبيب من قبل ،
كانت تتابعه من خلف الزجاج بملامح متعجبة وعيناي مسهمتان على مايفعله ذاك المعتوه من وجهة نظرها ،
جميع من في العنبر احبوه بشدة وأصبحت الدعوات ترافقه منهم جميعاً مما جعلها تجلس في الشرفة تحدث حالها ويكاد يضـ.ـربها الجنون من شخصية ذاك الطبيب الغير مفهومة بل والمعقدة من وجهة نظرها ،
أما هو فور أن أنهى جميع الفحوصات دلف الى الشرفة بملامح هادئة ووجه يبدو عليه الطيبة ثم ألقى السلام بوقار :
_ السلام عليكم ورحمة الله .
لم تجيبه على سلامه فاندهش ثم تحدث ملاما لها بذوق جعلها تصنمت مكانها :
_ رد السلام فرض يادكتورة ، ممكن اعرف ليه أول ما دخلت بصيت لي بصة مش لطيفة وسبتي الكشوفات اللي في ايدك هو انا صدر مني شيء زعلك تقريبا انا اول مرة اشوفك وكمان دخلت دلوقتي برمي تحية الإسلام ما ردتيش عليا هو انا شكلي في حاجه معصباكي ؟
فتحت فاهها على وسعه من كلام ذاك المجنون ثم هتفت باستنكار:
_ والله ! انت شكلك اتجنيت واني معرفاش ،
هو انت هتستعبطني اياك ولا بتقول في بالك داي صعيدية وهبلة هاكل بعقلها حلاوة .
ضم حاجبيه باندهاش من طريقتها ثم سألها مرة أخرى كي يفهم منها لم كل ذاك العداء وهو لأول مرة يراها :
_ هو حضرتك بتتكلمي بجد ، أنا مش فاهم حاجة أنا أول يوم ليا هنا في المستشفى ومعرفش انتِ تقصدي ايه بالظبط ، فلو أمكن حضرتك يادكتورة تفهميني بطريقة راقية أنا صدر مني ايه بالظبط ؟
مازالت على ذهولها من ذاك الشخص أيعقل أنه مصاب بالزهايمر وهو في ريعان شبابه أم ماذا به ؟
تلك التخيلات التى جالت ببالها جعلتها شعرت بالفزع من ذاك الكائن ثم على الفور قررت ترك الشرفة له ولكنه لحقها قبل أن تخرج وأمسكها من ذراعها برفق فاستدارت بجسدها كي تصفعه لأجل ملامستها مرة أخرى فتقابلت عيناها بعينيه وتسمرا كلاهما ثم هتف هو الآخر وهو يشعر بجسده يهتز داخله متأثراً بعينيها السوداويتان مما جعله وقع أسيرا بها في التو فعينيها بهما لمعة وقوة لم يرهما في امرأة قط ، لقد استفزته بطريقتها وبتجاهلها له وطريقتها العنيفة ثم سألها مرة أخرى وهو يتعمق النظر في مقلتيها مما جعل جسدها يشعر برجفة :
_ هو إنتِ سايباني وماشية من غير ماتعرفيني أنا عملت لك ايه وليه الفزع اللي شايفه في عيونك ده مني ، وليه الطريقة العنـ.ـيفة في التعامل دي ، أنا من حقي اسأل يادكتورة ومن حقي تجاوبيني اظن احنا بقينا زمايل ؟
الى هنا ولم تستطيع التحكم بحالها وعلى الفور نزعت يدها من يد ذاك المتحرش وواجهته بما فعله معها والآن ينكره عن قصد فرددت بنبرة تهكمية :
_ طب لو نفترض انك نسيت شكلي من ليلة وضحاها ، نسيت بردو لسانك اللي بهدلني ويدك اللي اتمدت علي ؟!
اتسعت عيناه بذهول من كلامها وحتما كاد أن يصيبه الجنون ، أيعقل أنه مد يده على تلك الملاك ! أيعقل أنه عنـ.ـفها بلسانه !
متى حدث ؟ وكيف فعلها ؟
ثم شعر فجأة بأن الكون يدور حوله وعيناه زائغتين ودوار شديد امتلك رأسه ثم دلك جبينه من شدة الدوار وكأن ماقالته الآن يتجسد أمام عيناه في مشهد عرضه عليه عقله الباطن وذاك تفسيره ومن الأدهى أن عقله أكمل المشهد ورأها أمامه بشعرها الأحمر النـ.ـاري وهي ملقاه أرضاً ،
أما هي دقات قلبها بدأت تقرع داخلها من ذاك الإنسان وأفعاله التي تشيب الرؤوس في عز شبابها وهي ترى علامات وجهه المتغيرة وتدليكه لجبهته وبرغم حالته تلك لم يرِقُّ قلبها لأجل ضياعه الآن أمامها إلا انها أكملت بتهكم :
_ اه دي الظاهر اكده انك من إياهم اللي بيعملوا العملة ويلفوا ويدوروا علشان جُرم اللي عملوه ، اصل مش معقولة تكون نسيت اللي حصل من امبارح للنهاردة ،
وأكملت وهي تنظر داخل عيناه قاصدة جرحه لما فعله بها دون أن تبالي بحالة التيهة والتشتت التي رأتهم في عينيه :
_ إلا إذا كنت مختل عقليا بقى بس ساعتها محتاج انك تتنقل مستشفي الامراض النفسية والعصبية تتعالج فيها يادكتور.
أفرغت مافي قبعتها من غلٍّ هي محقة به مع ذاك المتعجرف الذي فعل بها مالا يغتفر ثم تحركت من أمامه ولكن أمسكها مرة أخرى من ذراعها قائلاً لها معتذرا عما بدر منه بكل صدق ظهر بينا من عينيه وبنبرة تقطر براءة أذهلتها هي الأخرى :
_ أنا بجد بعتذر لك جداً يادكتورة لو صدر مني اي حاجة ضايقتك وانا مستعد لأي ترضية علشان اهانتك دي اللي أنا شخصياً مقبلهاش .
اتسعت مقلتيها بذهول من اعتذاره وكاد عقلها ان يصاب بالجنون اليوم من مفاجآت ذاك الفارس ولكنها على الفور استغلت الفرصة وتحدثت بقامة وشموخ أنثى صعيدية بنبرة ساخرة وهي تختـ.ـطف ذراعها من يده :
_ هما يفضحوهم في حارة ويصالحوهم في خندق !
وأكملت وهي تنظر داخل عيناه بقوة وهي تربع ساعديها أمام صدرها:
_ انت أهنتني قدام زَميل يوبقى لازم تعتذر لي قدامه ده اولا ،
ثانياً تعتذر لزميلنا بردوا لانك أهنته هو كمان في مكتبه بعلو صوتك وتهديدك ليه اللي لايليق بدكتور اصلا بتصرفك اللي حوصل منك وبعديها هشوف هقبل اعتذارك ولا له .
حرك رأسه للأمام بموافقة ثم تحدث وهو يشير بيده تجاه الباب بنبرة تقطر خجلا وندما مما فعله جعلته يقف الآن أمامها بوجه شاحب من شدة خجله مما فعله معهم وعقله يكاد ينـ.ـفجر من عدم تصديقه ما أجرمه :
_ تمام طالما غلطت يبقى لازم وواجب اعتذز لأن الاعتذار من شيم الكرام ، وأنا مقبلش اني أطلع انسان متغطرس وقليل الذوق .
لقد زارها الاندهاش اليوم مالم تراها في عمرها بالأكمل ، لقد رأت في عينيه الندم حقا وبات داخلها يتسائل عن شخصه وتركيبته كيف تكون ،
لاحظ شرودها وصمتها وزادت عليهم نظرتها له ثم سئلها بنبرة تصاحبها الدعابة :
_ هو أنا شكلي عجبك قووي كدة يا آنسة وواقفة متنحالي ؟
أنهى دعابته وهو يبتسم لها ابتسامة رائعة ، راقية ، جذبتها إليه ، جعلت داخلها ينتفض من طريقته المرتقية للذوق العالي ومن يرى حوارهم ذاك يتهمها هي بالكبر والغرور ويصفونه بالتواضع والأخلاق ،
ثم تحمحمت وهي تتحرك من أمامه :
_أممم ، اتفضل معايا على مكتب الدكتور هاني .
تحرك كي يسبقها بخطواته فهو لا يصح ان يمشي ورائها كي لايخجلها فراق لها فعلته تلك ،
ثم أشارت إليه بأن تلك غرفة زميلهم تحت ذهولها وكأنه لم يدلفها أمس وكل ذلك جعلها تبني أفكاراً في عقلها حتى وصلت إلى نقطة معينة ولكنها ظلت مستمرة معه كي تجمع نقاط افكارها في بؤرة واحدة وتبدأ حينها كشف بداية الخيط كي تفسر حالته تلك ،
دق على الباب بكل احترام فأذن لهم الطبيب بالدخول ثم دلف هو وفريدة وراء بعضهم مما جعله اندهش هو الآخر من ذاك المشهد الذي لم يصدقه عقله ثم أذن لهم بالجلوس على المقاعد فبدأ فارس بالاعتذار بنبرة نادمة :
_ أنا جاي اعتذر للدكتورة ،
لم يعرف اسمها فسألها عنه فأعلمته إياه ثم أكمل اعتذاره بصدر رحب:
ـــ عن أي سوء فهم حصل مني بدون قصد قدام حضرتك يا دكتور علشان قالت لي انك كنت موجود وقتها ومره تانيه يا دكتورة فريدة انا اسف جدا على اللي حصل مني وعلى التصرف الهمجي اللي اكيد كان من غير قصد مني ،
ثم نظر الى الطبيب وأكمل اعتذاره :
_ انا بعتذر لك انت كمان يا دكتور على اي تصرف سيء حصل مني واوعدك ان شاء الله مش هتتكرر وهنبقى زملاء .
نظر كلتاهما إلى بعضهم نظرة تحوى الكثير من المعاني وبالطبع قد انتقلا من رحلة الذهول إلى مرحلة دقت فيها قلوبهم رعـ.ـباً منها ومن الأفضل قبول اعتذاره ومحاولة تجنبه والابتعاد عنه ثم تحدث الدكتور هاني أولاً بنظرة بشوشة مرسومة جيداً :
_ وأنا قبلت اعتذارك يادكتور وأهلا بيك في بلدنا نورتنا .
ابتسم ذاك الفارس نفس الابتسامة التى أسرت تلك الفريدة منذ قليل مما جعله يتراجع عن قراره في الخوف منه فابتسامته تجعل وجهه برئ كما الملائكة وتجعل من أمامه يتأثر به بل ويحبذ جلسته والنقاش معه كثيرا ،
أما فريدة قامت من مكانها وهي تعدل ذاك البالطو الأبيض الذي بدت به كملاكاً يحلق في سماء الدنيا وهي تبتسم ابتسامتها المشرقة له فقد رُدَّت لها كرامتها عن جدارة وبالرغم من أنها بادلته صفعته بصفعة مماثلة إلا أنها شعرت بالانتصار الآن فالاعتذار لها ومعرفته بخطأه ومجيئه معها للدكتور هاني جعلها قبلت الهدنة :
_ وانت مش أكرم من الصعايدة يادكتور ولا كأن حاجة حوصلت ونورت المستشفى عندينا ،
ثم استئذنت منهم برقي :
_ عن اذنكم عِندي حالات لازم أشوفها .
بدت ابتسامتها المشرقة كشمس سطعت بعد العتمة أضائت الكون بأكمله في عيناي ذاك الفارس الذي نظر إلى وجهها الذي أصبح محببا لقلبه بتلك الغمازات التى توسطت وجنتيها جعلت القابع بين أضلعه يخفق ولهاً بذاك الجمال الطبيعي وذاك الشموخ والكبرياء لكرامتها ، فقد رأى في عينيها الشجاعة التى لم تهب السلطة والنفوذ الذي ذكرته له أنه هـ.ـددهم بها ،
فكانت مع كل خطوة تخطوها في الابتعاد عن الغرفة كأنها تسحب أنفاسه معها فتعلقت عيناه بها ومع كل خطوة يشعر بعضلات قلبه تنقبض وتنبسط في آن واحد ،
وبعد خروجها من المكان بدأ يشعر بالاختـ.ـناق وكأن أحدهم يسحب رئتيه من صدره ،
في موقف غريب ، عجيب ، مهيب ، من تلك النظرات غير مفهومة المعنى ،
ثم قام هو الآخر وهو يمد يده للدكتور هاني مرددا ببشاشة :
_ يسعدني ويشرفني إننا نكون أصحاب يادكتور ،
وأكمل بمداعبة وقد أشرق وجهه هو الآخر ابتسامة عذبة تأثر بها هاني :
_ صدق المثل اللي كنت بسمعه من ماما زمان ما محبة إلا بعد عداوة .
بادله هاني مصافحته بابتسامة تنم عن قلبه الأبيض النقي :
_ الشرف لينا ياباشا ، نورت مكتبي.
شكره بامتنان لحسن استقباله ومعاملته التى تدل على شهامته في قبول الإعتذار بصدر رحب ثم غادر الغرفة وخرج على الفور ذاهبا إلى نفس ذاك العنبر لعله يلقاها ثانية هناك ،
و بالفعل ذهب إلى العنبر وجدها تباشر الكشف على المرضى بعملية جادة فبدأ هو الآخر عمله حتى وصل إلى الحالة التى بجانب حالتها فوجد المريضة تسألها :
_ يادكتورة انا عاملة العملية من امبارح الصبح ممكن أعرِف انتم حاجزيني ليه لحد دلوك؟
وأكملت المريضة تساؤلها وبدا القلق على معالمها جلياً وهي تنظر إلى ذاك المحلول المعلق :
_ هي العملية بتاعتي منجحتش ؟
اجابتها فريدة بابتسامة بشوش كي تجعلها تطمئن :
_ لااا ازاي بقى داي نجحت مية في المية بس علشان رئيس القسم حدانا اهنه مبيخرجش أي حالة إلا لما يطمَن عليها انها عدت مرحلة الخطر .
أما هو أمسك ورقة الفحص الخاصة بها وقرأها بعناية وفريدة لم تأخذ بالها منه ثم تحدث مستئذنا :
_ بعد اذنك يادكتورة حابب أوضح لها أكتر .
حركت فريدة رأسها بكل أريحية فهي من النوع صافي القلب وطالما اعتذر منها كأن شيئا لم يكن ،
أما هو نظر إلى المريضة شارحاً بالتفصيل:
_ شوفي يا آنسة الدكتور في عملية الزايدة والمرارة بالذات لازم يتأكد بعد العملية وتقفيل المنظار ان كل حاجة في مكانها الصحيح خاصه ان ممكن الأجهزه اللي بيشتغل بيها ما تبقاش معقمة كويس بتعمل مشاكل خاصة مع صغار السن فممكن من المشاكل دي يحصل حوارات لا غنى عنها بالنسبه للست فلازم يعدي على عمليتك 24 ساعه تكوني متواجدة هنا معانا نتأكد ان كل حاجه سليمة مية في المية وده طبعا لمصلحتك فمتتعجليش .
ابتسمت له تلك الفتاة بحالمية رأتها فريدة ولكنها أشفقت على الفتيات ذو العقل المراهق مثلها أما هو رأى نظرتها للفتاة وللعجب أنها لم تعير نظراتها أدنى اهتمام فشعر بالغيظ قليلاً ،
ثم أكملا كلاهما عمله وكل منهم يدعى الانشغال ويحاول جهداً أن لاينظر للآخر .
*********************
في منزل سلطان كان يجلس في بهو المنزل في الحديقة الخاصة به هو وزينب ويبدو على وجهه الوجوم من تصفيق زينب التى تهلل بفرحة وهي تعد أوراق الكوتشينة الرابحة معها أكثر منه :
_ مش خبرتك قبل سابق يا سلطان انك مهتقدرش تكسبني المرة داي ،
ثم أكملت بنفس الشموخ المصطنع :
_ علشان تعرِف بس إن زينب مش شوية وتلعب بورق الكوشتينة لعب اكده .
زمزم سلطان بغيظ منها فهو في موقف الخاسر والرجل الخاسر من زوجته في وجهة نظره يغـ.ـلي من داخله ثم هتف وهو ينفث دخان الشيشة التى أمامه وهو يحاول كبت غيـ.ـطه منها :
_ متعشيش الدور قووي اكده يا زينب أني اللي هلعب وياكي تسالي اكده ومش عامل للعب أهمية مش في دماغي عاد .
ضحكت ضحكة عالية تعني في جوهرها الشماتة من كلامه ثم مطت شفتيها للأمام بطريقة جعلته اغتاظ منها وهتفت وهي تجمع الأوراق وبدأت بتفنيطها :
_ والله أي واحد مغلوب وخصوصي لما تكون اللي غالباه مرته لازم يقول زيك اكده ، بس متتكسفش ياخوي ويالا نلعبوا دور تاني .
أشاح بيديه في الهواء مرددا بلا مبالاة بعد غيظها له :
_ له مليش نَفس للعب دلوك .
_ وه ! هتنسحب علشان اتغلبت يا أبو السلاطين .. جملة استفزازية نطقتها زينب بكيد ثم عقبت عليها كي تثير غيظه أكثر :
_ لعلمك بقي المسحوب مغلوب واني اكده اللي هكون غالباك النهاردة.
نفث دخان التبغ الذي يتجرعه وهو يردد بهدوء كي لا تهنئ بشماتتها :
_ عادي هو إنتِ غلبتيني بالسيف ولا ايه دي لعب عيال وأني اتنازَلت ولعبتك علشان متقوليش انت مهمل وياي والحوارات الهبلة داي بتاعت حريم اليومين دول.
رفعت حاجبها وقد اغتاظت بشدة من كلامه وكادت أن ترد إلا أن كلاهما استمعا الى صوت يدلف عليهم كالزعابيب جعلهم هلعوا منها ولم تكن إلا رحمة التى قـ.ـذفت حقيبتها بهوجاء :
_ أنى عايزة أطلق مرايداش اني الجوازة داي ؟
انتفض سلطان كمن لـ.ـدغه عقرب من خرافات ابنته التى تفوهت بها وقـ.ـذفتها كالقـ.ـنبلة في وجههم مما جعله غضـ.ـب غضـ.ـباً لم تراه تلك الرحمة من قبل وهو يركل تلك الشيشة بقدمه مما جعل النـ.ـيران عبرت بجانبها فأُصيبت بالهلع من رد فعل والدها التى لم تتكن تتوقعه بتلك الدرجة وفي لمح البصر وقف أمامها ممسكا بكتفها هادرا بها وهو يهزها بعـ.ـنف :
_ حرق اللي جابك يابت المركوب انتِ ،
طلاق ايه دي اللي هتتطلقيه يابت زينب ؟!
دي انتِ جايك أيام هتشوفي فيها الويل على يدي يابت زينب .
لكزته زينب في كتفه هادرة به :
_ جرى ايه يا سلطان هي دلوك يابت زينب ، يابت زينب ،
وأكملت وهي تجز على أسنانها بغضب من نعته لرحمة بها وكأنها لاتُنعت إلا في البلايا وهي تؤكد له بنبرة ساخرة :
_ كانك مواعيش إنها اسميها رحمة سلطان ياخوي !
اتسعت مقلتاي ذاك السلطان من عقل زينب الفارغ كما سمعت أذناه الآن ثم وجه أنظاره إليها هاتفاً بتهكم وهو يضـ.ـرب كفا بكف:
_ زينب عدي يومك دي انتِ كماني مواعيش بت الجزم داي هتخربِط كيف في حديتها .
رأت زينب أن علامات الشر تتطاير من عينيه فرمشت بأهدابها ثم تراجعت للخلف قليلاً عندما رأت بروز عضلاته غضـ.ـباً من خرافات رحمة ثم حركت رأسها للأمام موافقة على ما قاله ثم خطت بأقدامها تجاه ابنتها وهدرت بها :
_ انتِ يازفتة هتطلعي بلاوي من بوقك !
وبتستعبطي وهتخليني اديكي باللي في رجلي دلوك ومهخليش فيكي حتة سليمة ،
واسترسلت حديثها وهي تسألها بنبرة يصحبها التهكم :
_ والكونتيسة الهانم عايزة تتطلق ليه ؟
دي انتِ لسه بقالك شهر مكتوب كتابك وعايزة تتطلقي يا أم دماغ ضارب انتِ وكماني فرحك باقي لَه أيام ! عايزة سيرتك توبقى لبانة على لسان اللي يسوى واللي ميسواش لجل عقلك المفوت دي ؟
أما سلطان حذرها بنبرة حادة وحاسمة:
أما سلطان حذرها بنبرة حادة وحاسمة:
_ الله الوكيل يابت إنتي لو الكلمة داي نطقتيها تاني لهـ.ـدفنك حية مكانك ، سيبك عاد من دلع البنتة الماسخ دي اصلك شردتي ودماغك لسعت وهبت منيكي ولو عايزاني أفوقك وأعقلك كرريها تاني اكده وأني هقـ.ـطع لسانك دي .
كانت تقف ترتعش أمام أبيها من شدة غضبه الذي لم تراه منذ كثير ولأول مرة يتعامل معها بذاك العـ.ـنف ثم تمتمت بنبرة أكثر هدوءا أمام أبيها :
_ يا بابا أني من حقي وقت ما أحس إني مش مرتاحة أبعد ودي حق عطهولي الشرع والقانون مبطلبش أني حاجة شينة لاسمح الله .
_ لساتك هتخربطي في الحديت يابت ؟.. جملة استفهامية مغلفة بالاستنكار نطقها سلطان ثم عقبت عليها زينب :
_ يوبقى حقك لما الجدع يكون فيه حاجة تعيبه لاسمح الله لكن دي اسم الله عليه راجل وشهم وابن ناس والعيبة مهتطلعش منيه واصل يابت بطني ،
ثم تابعت حديثها بنبرة تأكيدية حاسمة:
_ أني واثقة انك انتِ اللي هتشيبي شعر الجدع دي من قوتك وجموديتك وراسك الناشفة داي .
هدر سلطان بها هو الآخر:
_ الراس الناشفة والجمودية داي هكـ.ـسرها لها وأربيها من أول وجديد ،
واسترسل حديثه بنبرة جادة وهو يسألها :
_ عميلك ايه بقي علشان تُنقمي عليه اكده احكي لي حكاويكي اللي شبه سحنتك حكم أنى عارف حكاوي بنتة اليومين دول ؟
ثم نظر إلى زينب قاصداً إياها هي الأخرى بتلقيحه :
ـ ماهو التلفونات والنت والمخروب السوشال دي هياجي من وراه ايه غير إنه فتح عينيكم من العرى والفضايح اللي هتشوفوها .
رفعت زينب حاجبها بغيظ ولكنها فضلت الصمت الآن فهو في عز غضبه لن يرى أمامه أما رحمة اهتز داخلها خوفاً من تساؤل أبيها ولم تعلم بما تجيبه فصمتت قليلاً فزمزم أبيها بغيظ من صمتها ثم تمتمت بنبرة خافتة وهي تومئ رأسها للأسفل وتفوهت بكلمة واحدة فقط :
_ طلع خاين .
_خاين كيف قفشتيه مع واحدة اياك يابت سلطان ؟.. نطقتها زينب بنبرة استفهامية كائدة وهي تنظر إلى سلطان كأنها تردها له فلفح جلبابه بغضب من زوج الاثنتين الواقفتين أمامه وجعلاه ضاق ذرعاً ،
فأجابتها رحمة وهي تحرك رأسها بنفي :
_ له ماهر ميعملش اكده واصل .
اندهش كلتاهما ثم سألها سلطان وقد امتلأ الكيل زهقا منها :
_ أمال إيه يابت ماتُنطقي وتخلصينا .
فركت يديها بتوتر ولم تعرف بما تجيبهم فلو قصت عليهم السبب الذي تريد الطلاق من أجله حتما سيقـ.ـذفها أبيها بتلك العصاة التي بيده ولكنهم لم يستطيعوا الشعور بالنيـ.ـران التي تنـ.ـهش داخلها غِيرَة على رُجلِها من تلك الأنثى الدخيلة عليهم وحتما سيرونه شهما بفعلته تلك فتحدثت بكلمات واهية كي تقنعهم بها فقط :
_ يابوي معدتش مرتاحة وحاسة اني اتسرعت في قرار الجواز مني ومن حقي اي وقت اني ما اقدرش اكمل ما اكمَلش مكبِرين الموضوع ليه عاد .
نفخ سلطان بضيق من هرائها ثم اقترب منها وهو يشير بسبابته تحذيرا لها بنبرة لا تقبل النقاش ابدا :
_ طب شوفي بقى لو ما سبتكيش من الدلع والحوارات الفارغة بتاعه البنات اليومين دول لاني اللي هروح للجدع بنفسي وهقول له البت داي جامدة وقوية وعايزك توبقى حمش وياها ،
يا اما هتقولي سبب يصدقه عقل ،
يعني مد يده عليكِ ؟
شتمك ؟
قفشتيه مع واحدة في وضع لا سمح الله ؟
لكن غير اكده وهتقولي لي ما مرتاحاش وحديتك الماسخ دي الله الوكيل لو سمعت الكلام ده منيكي تاني لهـ.ـدفنك بيدي حية يا بت زينب وأخر كلام ما عندناش بنتة تطلق وهي مكتوب كتابها والخلق يجيبه سيرتها عمال على بطال ولاخر مره بحذرك يا رحمة تسيبك من الجمودية اللي فيكي داي وتحمدي ربنا إنه رزقك براجل حلال وولد ناس .
حركت زينب راسها بموافقه وهي تمط شفتها للامام واكملت على حديثه وهي تلكزها في كتفها :
_ دي كفاية انه هياخدك ، عارفة يعني ايه هياخدك ؟ يعني هياخد بلوة الله يعينه الجدع والله .
تركها كلتاهما بعد ان عـ.ـنفوها بشدة على ما تفوهت به فدقت اقدامها في الأرض غـ.ـضباً من فشلها في محاولة وقوف والديها بجانبها وتخليصها من ذاك الخائن من وجهة نظرها ولم يتبقى لديه سوى عمران كي يقف جانبها ويقوم بتطليقها فهي رأسها يابس ولن تتراجع فقد خذلها وفضَّل عليها تلك الشمس وفضَّل أن يقف بجانبها مقابل أن تتشتت علاقتهم وهذا ما لا يقبله عقلها ولا قلبها ولم ولن تستسلم مهما طال الوقت ،
ثم صعدت الى غرفتها وخلعت ملابسها وامسكت هاتفها وقررت ان تدون على صفحتها تلك الكلمات التي بالتأكيد ستجعله يجن فتلك الرحمة لن يستطيع احد الوصول الى عقلها مهما كان ماهرا فهي تعلم انه حين يرى تلك الكلمات حتما سيود فتكها حتى يتخلص من تيبس راسها الذي اوجع قلبه فدونت على صفحتها :
”الشخص الذي كنتُ أخشى عليهِ ألم شَوكة
سمعتُ صليل سَيفهُ يتدفق إلى قلبي ”
ثم ألقت الهاتف ودلفت الى الحمام كي تنعم بحمام دافئ يجعل داخلها الثائر يهدأ قليلاً.
*******************
تجلس على مكتبها وكل تركيزها على الأوراق التي بيدها وتحاول إعادة ترتيبها بنظام اعتادت عليه فهي دوماً تحبذ النظام وتعشقه ، أما هو دلف بطلته المرحة وقدميه تسابق الريح بخطواتها كي يراها وينعم قلبه برؤية ملامحها وتتشبع عيناه بكتلة الجمال والنور الذي يشع من وجهها ، فقد عشق ملامحها ، رقتها ، هدوئها ، حتى حزنها البائن على معالم وجهها عشقه هو الآخر وأصبح يتمنى لو كان جزءًا من ماضيها فيكن لها نصل الشفاء من الألم ، يكن لها صدرا حنونا ترمي هموم الدنيا بداخله ولا يزهق أبداً ،
شملها بنظرة هائمة من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها بردائها الأحمر ونظارتها ذو السلاسل المتصلة بأذنها أعطتها بهاءا من الأناقة لايليق إلا بها ،أما هي لم تشعر بوجوده نظراً لانهماكها في العمل بتركيز شديد فهي قد وجدت في العمل ملاذاً حقيقياً لم تجده في اي شئ حولها ،
أما هو نطق لسانه وهو ينظر لها بوله :
_لقد وجدته أخيراً .
رفعت أنظارها إليه وهي تردد باندهاش :
_ هو ايه ده يافندم اللي وجدته في حاجة ضايعة منك ؟
أجابها بعبث وهو ينظر إلى السقف وملامح وجهه تدل على مشاغبتها :
_ المصباح الذي أنار حياتي .
رفعت حاجبها هاتفة بنبرة استنكارية وهي فهمت معنى نظراته :
_ والله يافندم!
وأكملت بنفس مشاغبته :
طب حاسب لايزغلل عنيك من كتر نوره
اقترب منها وأسند بكلتا يديه أمامها قائلاً بثقة:
_ متقلقيش علي عيوني دول يدوبوا الحجر ويخلوه يلين وخليكي شاهدة علي كلامي بس .
توترت من اقترابه وحصاره لها فمنذ أن وطئت قدماها ذاك المكتب من أول لحظة وهي ترى نظراته الغريبة لها وكأنه يعرفها منذ أعوام وأن تلك المقابلة ليست الثانية بينهما ،
بين الحين والآخر تلمحه بطرف عينها منتبها بتركيزه معها مما أشعرها بالغرابة تجاهه من عدم فهم تلك النظرات ،
استمعت إلى كلماته الأخيرة ثم رددت بنفس طريقته العابثة بسبب عدم فهم مغزى كلماته:
_ هو في ايه يامتر عاد ! حاسة إن عينيك مشيفاش غير مصباح واحد مع إن الدنيا مليانة مصابيح بالكوم ، وكلهم بالألوان دلوك متعرِفش تختار ايه ولا ايه.
انتصب بوقفته وأجابها وعيناه تدور بالمكان ولسانه يتحدث بثقة اختـ.ـرقت حصونها :
_ له أصل عيني مبتحبش أي ألوان اكده وخلاص له ، فيه مصابيح بتنور لوحدها اكده ويا سلام بقى لو النور قطع تلاقي ضوء الشمس خلاهم نوروا تاني .
نظرت إلى الأوراق التي أمامها وبدأت بسرد المواعيد المحددة له في ذاك اليوم كي تهرب من الحوار بتلك الطريقة معه فهي ليس لديها أي استعداد لمجاراته :
_ حضرتك عنديك معاد مع مدير شركة المواد الغذائية الساعة اتنين ، وبعدها معاد البشمهندس جمال ، تحب أزود مواعيد النهاردة ولا أستكفى بإكده ؟
رأى تهربها من الحوار معه فاحترم ذلك فهو يحبذ التعامل بهدوء دون تسرع فهو قد مر بتجربتين مريرتين له ولكن خسارة تلك المها بالنسبة له لم يتحملها فهو قد حلم بلقاها من مجرد صورة فقط رآها ، وما إن رآها وسمع صوتها وطريقتها الرقيقة وتجسدت أمامه صوتاً وصورة حقيقة وقع قلبه في سحر عينيها ، ثم تحمحم قائلاً وهو ينظر إلى ساعته :
_ أمممم… له كفاية اكده علشان عندي معاد برة النهاردة وعندي كمان مرافعة مهمة بكرة إن شاء الله وعايز أراجع القضية كويس جداً ،
وأكمل بجدية وهو يحمل حقيبته ويدلف إلى مكتبه :
_ ابعتي لي القهوة بتاعتي وياريت تكون سادة من غير سكر خالص لأني عايز أبطله خالص وبالتحديد مع القهوة .
حركت رأسها بموافقة ثم تحرك من أمامها ودلف إلى مكتبه أما هي طلبت له القهوة كما يريدها ثم رجعت إلى عملها مرة أخرى تتابعه بجدية ونشاط ونسيت كل الحوار الذي حدث بينهم الآن فقد فهمت ماذا تفعل بكل سهولة ولم تشعر بصعوبة العمل معهم كما ان “منة الله” تتعامل معها وكأنهم يعرفون بعضهن منذ سنوات وليس بضعه أيام فشعرت مها بأنها اخذت على الجو بسرعة من مجرد يومين فقط .
اما هو فور ان تركها دلف الى المكتب وهو يلتقط انفاسه من شعوره بالاكتفاء بإحساس القرب اللذيذ منها وهو يتحدث معها مجرد كلمات فقط جعلته تمام فور دخوله المكتب :
_ ايه ياشيخة واخدة الجمال اللي في الدنيا كله لحالك اكده كَتير علي والله .
ثم هدأ من مشاعره الثائرة داخله وبدأ الإندماج في جو العمل كي يتناسى وجودها قليلا ، وبعد مرور عشرة دقائق دلفت اليه بالقهوة التي طلبها وهي تقدمها له بكل هدوء مصاحب للإحترام :
_ اتفضل يا فندم قهوتك ، في اي طلب تطلبه تاني أجيبه ؟
اخذه منها ثم قربه من أنفه وبدأ باستنشاقه أمامها ثم ردد عابسا مما أخجلها :
_ تعرفي مختلفة خالص عن كل مرة وكانها معمولة مخصوص عشان تكيف الدماغ ما عرفش اشمعنا المرة دي بالذات .
اندهشت من طريقة حديثه ثم سألته وهي لم تفهم مغزى كلامه :
_ مش عارفه حاسة ان طريقة كلامك اكترها ألغاز ممكن افهم معنى كلامك يا متر ؟
ابتسم لعدم فهمها ثم ارتشف من قهوته بتلذذ واجابها وهو يشير باصابعه على فنجان القهوة الذي وضعه امامه :
_ ما انتِ ركزي كويس معايا ومع كلامي وانتِ هتفهمي مقصدي اني بتكلم عن القهوة .
رفعت حاجبها لذاك الماكر والتي بدات للتو فهمه ثم حركت راسها للامام وهتفت بطاعة كي لا تدخل في حوارات لا تستطيع مجابهته بها الآن :
_ تمام يا فندم هاخد بالي بعد اكده ، عن إذنك.
ابتسم لها بملامح هادئة ثم اذن لها وبدا بارتشاف قهوته بتلذذ لشعوره ان تلك اليدين الناعمتين لمستها فقط ،
ولكن ماذا بك ايها الجاسر ؟
اهدا يا رجل واعطِ لقلبك فرصة التأني ولا تتعجل فتلك المها وما وراءها لن يسرك ابدا .
********************
فى هدوء الليل والسكون الذى نأوى اليه كل ليلة، يتجمع ما بنا من أحزان وآلام موجعة، وصرخات دموع وذكريات مؤلمة، نتمنى أن نتناسى تلك الأحزان ونبحر سويًا الى عالم الحب والطمأنينة، فقد سئمت قلوبنا عذاب اليأس والاستسلام ، فالليل هو قلب وروح، ودمعة ،
فالليل مرآة تقلّب فيها ناظريك لعلك تجد نفسك على صفحتها كما خلقك الله، إنساناً ضعيفاً محتاجاً إليه ،
يجلس ذاك الفارس في شرفته وهو يستند على كرسيه الهزاز وبيده ذاك الحساء من النبيذ الذي يتجرعه كل ليلة وباليد الأخرى هاتفه يشاهد ذاك المقطع وهو يتغنى بصفيره وكأنه يعزف على أطلاله باستمتاع لم يسبق له من قبل ومن يسمعه ويراه بهيئته المستمتعة تلك يظن أنه عاشق أو رجل هادئ ،
ثم أرسل مقطع الفيديو الى تلك البائسة التى أوقعها القدر في طريقه مدوناً أسفله :
_ شوفي نفسك وانتِ بين ايديا ، مثيرة ، جذابة ، جمالك فتاك يابنت اللذين ،
بقولك ايه ماتيجي عندي دلوقتي وأنا أطيرك من السعادة وأوصلك لنجوم السما والقمر وأحسسك أجمل إحساس عمرك ماهتحسيه غير معايا ، مجرد ما شفايفي تلمس شفايفك بس هخليكي تدوبي ، بصراحة أموت أنا وأعيد السنة معاكي ياجامدة بالقووي بصراحة كان طعمك شهي أممممم .
أنهى تدوين رسالته وأرسلها لها وفور وصولها استلمتها على الفور وقرأت المحتوى قبل أن يتحمل الفيديو فاحمرت وجنتاها خجلاً من كلام ذاك الوقح الذي أرسل لها ولم تعرفه فذاك الرقم المسجل برقم خاص لم تعرفه وفور ان تحمل الفيديو فتحته على الفور وشهقت شهقة عالية وهي تضع يدها على فمها تكتمها من هول ما رأت وقد ضـ.ـرب الهلع بجسدها ضـ.ـربا وكأن أحدهم رماها من أعلى قمم الجبال الى أسفل قمم الأراضيين .
يتبع….
- •تابع الفصل التالي "رواية من نبض الوجع عشت غرامي" اضغط على اسم الرواية