رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل التاسع عشر 19 - بقلم فاطيما يوسف
وبدأ بنشر المقطع الأول ودون كلمات أعلى الفيديو :
_ حبيبة النجم آدم المنسي الذي خبئها عن الجميع الفتاة الصعيدية ذات العيون الزرقاء تابعوا الفيديو .
لم يلبس ذاك الفيديو أكثر من نصف ساعة حتى انتشر على المواقع والصفحات كانتشار الهشيم في النــ.ـار والتعليقات السلبية والإيجابية على ذاك الفيديو لاتبشر بالخير ،
وهو فقط مقطعاً واحداً من ضمن المقاطع ،
في منزل سلطان المهدي كانت سكون تجلس في حديقة المنزل فهرولت رحمة إليها قائلة وهي تلتقط انفاسها بصعوبة:
_ سكون ، الحقي شفت ايه ؟
انخلع قلب سكون من نبرتها وهيئتها فسألتها بهلع :
_ وه يارحمة حوصل إيه على مهلك اكده ؟
وضعت رحمة يدها على صدرها تهدئ من ضربات قلبها اثر جريها وناولتها الهاتف :
_ شوفي الفيديو ده اكده ، مش داي مكة أختك ؟
تعمقت سكون في الفيديو وصعقت ملامحها وباتت يداها ترتعش من الصدمة فتلك مكة أختها وهي تقف مع هذا الآدم في ذاك المكان وحدهم يتناولون أطراف الحديث ويبدوا من نظرة عيناها انها تعرفه جيدا وهو الآخر يعرفها ومن طريقة الشد والجذب بينهما يبدوا ان الموضوع بينهم كان عميقاً والصدمة في آخر الفيديو أنها وقعت على الأرض مغشياً عليها ووقف الفيديو عند تلك اللقطة ،
عادت مشاهدة الفيديو مراراً وتكراراً وفي كل مرة تهتف بهلع :
_ يامرك يامكة ، يامرك ياخيتي ، وقعتي في الفخ اللي بيقع فيه مبيعاودش بسهولة ،
هدأتها رحمة وهي تربت على ظهرها:
_ اهدي ياسكون اهدي متعمليش في حالك اكده ، وبعدين في الفيديو ملمسهاش داي كله كلام في كلام.
ضربت سكون على فخذها مرددة بنواح:
_ أهدى كيف وازاي يارحمة مشايفاش المعلق على الفيديو بيتكلم عنيها إزاي ، ولا كاتب ايه على الفيديو من فوق ، لااا وكاتب اسمها كمان ومن أنهي قرية في قنا ، يافضيحتك ياخيتي يافضيحتك في اللي ملكيش ذنب فيه ، لااا وفي أخر الفيديو كمان لما وقعت أغمى عليها والظاهر اكده إن كل حاجة متصورة ولسه ياما في الجراب يحاوي.
ثم أمسكت هاتفها واتصلت بعمران وحينما أجابه طلبت منه بصوت متقطع من أثر البكاء :
_ الحقني ياعمران الحقني تعالى شوف المصيبة اللي وقعت على راسنا .
انخلع قلب عمران من هلعها وهدئها :
_ اهدى ياحبيبي أني على البوابة وداخل أهه .
أغلق الهاتف وجرى في خطواته وهرول إليها وما إن وصل اختطفها في أحضانه وهو يهدئها قائلا :
_ اهدى ياحبيبي حوصول ايه بس للبكا داي كلياته ؟
خرجت من أحضانه ووجهت الهاتف أمامه :
_ شوف حوصول إيه ، أختى المسكينة اتفضحت وأمي مش بعيد يجرى لها حاجة وهي مظلومة ومعملتش حاجة .
اندهش عمران مما رآه وسأل مستنكراً:
_ الله ومن ميتا ومكة بتقف مع راجل لحالها في مكان وحديهم داي عمرها ماعيملتها اياك ؟
ضربت سكون على فخذها مكملة نحيبها:
_ معرفاش ، معرفاش ياعمران كيف ده حوصل ولا ميتا ولا ايه الظروف اللي حطيتها في موقف زي ده ،
واسترسلت وهي تجذبه من يداه :
_ وديني هناك بالعَجل عايزة أشوف أختي وأطمن عليها دي الفيديو عدى النص مليون مشاهدة في ساعة ، ياعالم شافَته ولا له ، وياعالم أمي ممكن تعمل فيها ايه .
حمل عمران مفاتيحه ثم استئذنتها رحمة :
_ معلش ياسكون هاجي وياكي عايزة أطمَن عليها وأبقى جارها في اللي حوصل ده ينفع ولا هبقى اكده حشرية .
نظر إليها عمران بحدة هاتفا:
_ وهو وقته الحديت دي ! تعالى اخلصي يالا ويانا .
كانت تلك الوجد تقف على أعتاب المنزل تسمع وتشاهد كل مادار بينهم وهي تربع ساعديها أمام صدرها المنتفخ سعادة لما استمعت إليه ،
فرصة ذهبية قُدمت إليها على طبق من ذهب كي تضمها ضمن خطتها التى تعدها لسكون الآن فعمران سهلاً بالنسبة لها ،
عاد سلطان من أرضه وجدها تقف مسهمة العينين كما هي ولم تنتبه لوجوده فنادى عليها :
_ وجد مالك واقفة متنحة اكده ليه على الباب ؟
عادت إلى رشدها ومطت شفتيها بامتعاض :
_ شفت اللى حوصل ياحاج ،يختييي حاجة ولا على البال ولا على الخاطر ؟
انتبه بجميع حواسه معها متسائلا :
_ حوصل إيه يابت انطُقي تك خابط سيبتي مفاصلي ؟
على نفس حركات وجهها الساخرة أجابته :
_ بصراحه اكده ما كانش ليك حق يا حاج تناسب من بيت مفيهش راجل وكلياته حريم .
اقترب منها بغـ.ـضب وأمسكها من ذراعها هادرا بها بحدة :
_ بتخربطي في الحديت عاد يامرة إنتي ! كيف يطلع من خشمك الكلام الواعر داي يابت إنتي ، مواعياش بتتحدتي عن مين انتي !
حاولت رسم الوجـ.ـع على معالمها والفكاك من يداه ثم فهمته ماسمعته منذ قليل ولكن بطريقتها البشعة :
_ هو أني اللي بقول الست مكة أخت الدكتورة سكون نزل لها فيديوهات على المخروب اللي اسميه الفيسبوك وكماني مع مين ،
واسترسلت حكواها وهي تمط شفتاها حركتها المعتادة :
_ مع المغني اللي اسميه آدم ياحاج ، والكلام اللي مكتوب فوق الفيديو ياخراشي فضايح ياحاج فضايح .
حتى اسمها مكتوب في الفيديو واسم الكفر وكل شئ يخصها ،
تسمر ذاك السلطان في وقفته وهو لايكاد يصدق ماقالته تلك الوجد للتو ثم سألها باستنكار وهو يهزها من كتفها :
_ اوعي تكوني بتخرِفي في حديتك دي يابت لاحسن ورب العرش أفلقك نصين بعصاي وأرميكي لكلاب السكك يتسلوا بيكي .
نزعت يداه برفق من يداها وتحدثت وهي تبخ سـ.ـمها في آذانه :
_ اصبر بس اكده ، أها شوف بنفسك ياحاج هو أني هخوض في سيرة الولايا وهألف كلام من حالي اياك ، اسمع بودنك واتوكد.
رأى مابيداه مرارا وتكرارا وبهتت ملامحه ،
وجدت معالمه انقلبت فتفوهت :
_ علشان تِعرف بس ياحاج اني مبفتريش على حد ، إحنا اتفضحنا وسط الخلايق من جوازة ولدك الشينة داي وسيرتنا هتُبقى على كل لسان في البلد كلياتها من اهل مرت ولدك .
استمعت زينب إلى كلماتها الأخيرة ففورا اندلعت ثورة الغـ.ـضب في رأسها وبحركة لم تحسب حسبانها خلعت نعلها من قدمها وألبسته في وجهها بعنف ومن حظها أنه أصاب الهدف وكادت أن تطير عيناها من شدة الضربة وكل ذلك وسلطان يشاهد الفيديو مراراً وتكراراً ولم يدري ماذا حدث إلا حينما استمع إلي عويل تلك الوجد وهي تمسك عيناها :
_ أاااه ،ااااه ياعينك اللي طارَت ياوجد ، أاااه منك لله يابعيدة ، حرام عليكي.
لم تحسب زينب لوجود سلطان حسبانا وخلعت نعلها الآخر وأطاحته بوجهها ثانية ولم يلحق سلطان ان يمنعها حتى لبس في وجنتها وعيناها الأخرى مرة ثانية ومن حظها الأعسر أن ذاك النعل من النوع المتين الذي يشبه قطع السيراميك جعل الدـ.ـمـ.ـاء تسيل من وجنتيها وكأنها غـ.ـرزت بسكـ.ـين نصل ، فهدر بها سلطان :
_ جرى لك إيه زينب ممعتبراش لوجودي قيمة إياك وتُضـ.ـربيها قدامي كمان ، ده انتي فجرتي عاد .
نظرت اليهم وجد بنصف عين وهلل داخلها فرحا لما قاله سلطان وبالرغم من ألمها ودـ.ـماؤها التى تسيل على وجهها إلا أن قلبها المريض فرح بتلك الإهانة لزينب التى هدرت بسلطان ولم يهمها شئ :
_ أني بردو اللي فجرت يا سلطان ولا اللي إنت لميتها من الشوارع اللي بتجيب سيرة مرتي الدكتورة سكون ستها وتاج راسها على لسانها العفش !
وتابعت بتأكيد لما قالته ولم تعير لنظرات سلطان النـ.ـارية أدنى اعتبار وقد أقدمت على تلك الوجد وقبضت على رأسها من الخلف بيد من حديد وتهزها بعنف :
_ الله الوكيل يافاجر إنتي ياللي داخلة البيت ده علشان تفرقي بيناتنا وتقيديه نـ.ـار لو مالميتي لسانك وقعدتي اهنه كيف الجزمة القديمة لاهندمك على شبابك يافاجر إنتي .
تشعب الغـ.ـضب في رأس سلطان وتكاثر بلا رادع من زينب التى لم تغيره أدنى اهتمام وفي لحظة غـ.ـضب بسبب عناد زينب لكزها على كتفها لكزة شديدة من حدتها جعلها رجعت للخلف :
_ شيلي يدك ياولية عنيها واعملي احترام لجوزك ولا انتي كبرتي وخرفتي ، هي واقفة مكانها متحركتش وانتي اللي عاملة زي الطور الهايج ومفهماش حاجة ، اظبطي حالك وانتي واقفة قدام راجلك ولا انتي بقيتي بايعة ومش هامك.
انصـ.ـعقت زينب من حركته ومن إهانته لها وانه ضـ.ـربها أمام ضرتها والتى من نفس سن بناتها ونعتها بأبشع الألفاظ ولكن لم تطأطأ رأسها وتخاف كالنعام لااااا ولم تسمح له بإذلالها :
_ أني راجلي مـ.ـات بالنسبة لي يوم ماتجوَز عليا عيلة متسواش من دور بناتي ، ومن النهاردة ملكش حكم عليا ياسلطان وياتطلقني بالذوق يا إما وأيمان الله لاهقتـ.ـلها وأقتـ.ـلك ونفضها سيرة .
كان واقفا بعيناى تنطق شـ.ـرا يريد الانقضاض على تلك الزينب وأن يكــ.ـسر لها رأسها المتيبس فهي أنقصت من رجولته وجعلته لايسوى أمام زوجته الأخرى وان تركها واهانتها ستفعل الأخرى مثلها وتضيع هيبته أوسطهم فاقترب منها وأمسكها من ذراعها وتناه خلفها وبنبرة صوت شديدة كالفحيح هدر بها :
_ وعهد الله وأيمان على أيمانك يازينب لو مالميتي حالك وقـ.ـصيتي لسانك واحترمتي جوزك أبو عيالك لاأكون دافـ.ـنك بيدي داي حية ياقليلة الحيا إنتي.
هنا امتنعت عقارب الساعة عن الدوران إجلالاً لما نتج من تحدي عنادها وتييس رأسها أمام جيوش الغـ.ـضب ونزعت يداها من يداه بقوة لم تعرف من أين أتتها وهتفت بتصميم :
_ والله صحيح ياناس اللي اختشوا مـ.ـاتوا طب قابل بقى ياأبو عمران ،
وفي رمشة عين جذبت حجارة ثقيلة من الأرض ورمتها بقوة فائقة قاصدة رأس تلك الوجد بحركة مفاجئة منها لم يتوقعوها من زينب الطيبة الخلوقة ، حاول تفادي ذاك الحجر قبل أن يصل إليها مع تفادي وجد فلبس الحجر في كتفها ولم يطل رأسها وزينب تهذى بهستيرية من جرح روحها :
_ يالا جنت على نفسها طالما ممصدقش عاد ياسلطان ،
وعندما لم يصيب رميها هدفه حتى دارت بعينها في المكان تجلب آخراً فسبقها سلطان وأمسكها من يدها وبحركة مباغتة صفـ.ـعها على وجهها صفـ.ـعة دوت في المكان بأكمله جعلتها تنظر له بصدمة من شدتها لم تنطق وكأن لسانها ابتُـ.ـلع مما فعله سلطان الذي يردد بصوت عالي:
_ بوكي قال لي زمان لما جيت خطبتك لو كسـ.ـرت لك كلمة في يوم من الايام أو علت صوتها عليك اكســ.ـر رقبتها وهاتها لي وأني أكمَل عليها ، وانتي النهاردة يازينب صدمتيني فيكي صدمة عمري يابت الأصول ياللي عشتي عمرك كلياته بت ناس والعيبة مبتطلعش منيكي واصل بس النهاردِة كانك شردتي شوي فقلت أربيكي يمكن تعاودي لعقلك يازينب .
أما وجد كانت تصـ.ـرخ من ألم كتفها ولم تلقى بالا بخناقتهم وارتمت أرضاً من الوجـ.ـع :
_ أااااه الحقني ياحاج كتفي اتخلع ، أااااه ، .
وزينب وضعت يدها على وجنتها تحسس مكان ضـ.ـربته بصدمة جعلت داخلها ينكـ.ـوي قهــ.ـرا من ذاك السلطان ، ثم نظرت له نظرات حـ.ـارقة وتركته ولكن قبل أن تدلف هتفت :
_ هدفعك تمن القلم ده غالي قوووي سلطان ،
ثم هبطت لوجد وحذرتها بفحيح وهي تتالم أرضا:
_ المرة دي خـ.ـزقت لك عينيك وكسـ.ـرت ضلعك المرة الجاية هدبــ.ـحك وهقدمك وليمة لأهل الكفر يتسلوا بيكي لو فكرتي بس تجيبي سيرة ولدي ومرته على لسانك يافاجر إنتي .
ثم لكزتها بقدمها ودلفت إلى المنزل قاصدة غرفتها ومن ثم قامت بجمع ملابسها في حقيبتها وانتوت المغادرة من ذاك المنزل قبل أن يعود عمران وستذهب إلى منزل أبيها المغلق وارثها منه ولن تعود إلى ذلك المنزل قبل أن يطلق سلطان وجد وتثأر لكرامتها التى هدرت بعد كل ذلك العمر والعشرة الطيبة التي عاشتها معه ،
أما في الأسفل حمل سلطان وجد بين ذراعيه فهو مازال رجلا في الخمسين فهو يبلغ من العمر أربعة وخمسون عاماً وما زال جسده قوياً وبنيانه عضُداً وذهب بها إلى المشفى ،
رأتهم من النافذة قد غادروا المكان فنظرت حولها في أرجاء الغرفة التى عاشت بها مايقرب من خمس وثلاثين عاماً ،
وقفت أمام صورة سلطان تنظر لها والوجـ.ـع يضـ.ـرب في جسدها أشد من وجـ.ـع الأسواط حقيقة ، تذكرت كم كانت له زوجة مطيعة وكم كانت أما رائعة لأولادها على مدار السنين ،
لقد جـ.ـرحها جـ.ـرحاً عميقاً ولم يكتفي بل وزاد ضغط على جُـ.ـرحها وهو متألم ومُدمِل ولم تأخذه بها رأفة ، تذكرت كم من المرات أتى إليها ضعيفا مهموماً فأراحته !
كم من المرات أصابه الإعياء الشديد فسهرت لأجله الليالي وأمرضته !
ولكن تلك الحياة مابين رمشة عين وانتباهتها يغير الله من حال الى حال ، ولكن هي عازمة على المغادرة من ذاك المنزل ولم تستسلم لوجود تلك الوجد ضرة لها وأن تكون رأسها برأس تلك الشيطان فهي تحملت كي يمر فرح ولدها بسلام وضحت بالليالي التى انكـ.ـوت بها من نـ.ـار الغيرة والكسـ.ـرة ،
خرجت من المنزل وصعدت سيارتها التي لاتخرج بها إلا في أشد ظروفها وانطلقت بقلب موجوع إلى منزل أبيها والذي تدخله لأول مرة غاضبة من زوجها منذ أن تزوجته على مدار كل تلك السنوات خرجت وعيناها متعلقة بالمكان ويداها تحسس على وجنتها التى صفـ.ـعت عليها وهي تهتف لحالها بوجـ.ـع :
_ مع السلامة ياشقى العمر وسهر الليالي ، مع السلامة ياوسطي اللي اتقسم وأنا ببنيك طوبة طوبة للغريبة ، مع السلامة وأني خارجـة منيك مكسـ.ـورة ومتهانة ومضــ.ـروبة .
ألقت كلماتها وهي تنظر إلى المنزل بحـ.ـزن وتحركت بالسيارة وهي تعلم أن القادم لايبشر بالخير على الجميع وأن عمران لن يصمت على ضـ.ـرب أمه واهانتها ولكن ليكن مايكن فهي لن تصمت على الخطأ مرة أخرى.
************************
في مكتب جاسر المهدي تحدث إلى منة وهو يتعجلها :
_ يالا يامنة جهزتي ولا ايه مش عايزين نتأخر .
أنهت منة جمع أشيائها وارتدت نظارتها الشمسية ثم خطت ببطئ دون أن تستند على العصاة فهي قد حفظت المكتب ومداخله ومخارجه ووقت أن تحتاج إلى العصى ستخرجها من حقيبتها ، ثم قالت :
_ طيب هطلب أوبر هيجي لي محتاجة أعرف المكان بالظبط ؟
اتسعت عيناها باندهاش وأردف مستنكراً:
_ طب وتطلبي أوبر ليه يامنة اركبي معاي العربية ، وبعدين ده مشوار شغل يعني توصيلك للمكان من اختصاص المكتب .
حركت رأسها برفض قاطع وهتفت بإيضاح :
_ معلش يامتر أنا حالتي خاصة ومش حابة أعتمد على حد وأشغله بيا وبظروفي ، أني هدبر حالي بحالي كالمعتاد .
حرك الآخر رأسه برفض قائلا بتمنع:
_ وه ميبقاش راسك يابس يامنة ! يالا علشان منتأخرش على الناس اللي عازمانا على الغدا .
وافقت منة الذهاب معه وهي على مضض ثم عرض عليها متحمحما :
_ أمممم .. تحبي أساعدك ولا حاجة ؟
بطريقة لطيفة رفضت بابتسامة أنارت وجهها:
_ شكراً يامتر وتسلم لذوقك الجمييييل .
تركها تخرج من المكتب على راحتها ثم خرج ورائها حتى وقف أمام الأسانسير فتحدث آمرا إياها بطريقة لاتقبل النقاش :
_ استنى إنتي بقى هطلبه واهدي ياماما شوية مش ماشية إنتي مع كيس جوافة.
كان قاصداً ادخال الدعابة على قلبها فهو ارتاح في التعامل معها ويشعر دائماً أنه في قمة الراحة النفسية حينما يحادثها ،
صعدا الأسانسير وبعد أقل من دقيقة خرجوا منه ثم أدلى لها الاتجاهات التى ستمشي فيها بكل هدوء دون أن يلفت الأنظار إليهم أو يشعر المارة بأنها كفيفة ،
وصل إلى السيارة ثم فتح لها الباب في المقعد الأمامي وصعد هو الآخر ثم وضعت السماعة الخارجية أذنها وفتحت هاتفها وبدأت التعامل معه بمهارة وكأنها تراه ، أراد أن يتحدث معها ويدخل إلى عالمها الغريب عنه فسألها :
_ بس انتي ماشاء الله عليكي بتتعاملي مع الفيسبوك واي موقع بحرفية ؟
لم تسمعه وهو يتحدث لأنها كانت تضع السماعات الخارجية في أذنها فشعر بالإحباط من محاولة جذب انتباهها ، فظل ينادى عليها كي تستمع نداؤه :
_ يامنة ، يامنووون ، يابنتي ..
لم تستجيب لنداؤه فاضطر أن يخلع إحدي السماعات من أذنها بطريقة لطيفة جعلتها انتبهت فخلعت الأخرى وسألته :
_ في حاجة يا أستاذ جاسر ؟
مط شفتيه بامتعاض:
_ حاجة مين يامنة ، ده أني بقالي نص ساعة بكلَمك وانتي ولا انتي اهنه ، للدرجة دي الفيسبوك شاغلك ؟
ابتسمت بهدوء يليق بها ثم أجابته :
_ له بس متعوَدة عليه مش أكتر بيضيع لي وقت فراغي ويعتبر هو صديقي .
قوس فمه بانزعاج وتحدث مستنكراً:
_ ليه اكده الموبايل كتر استعماله خطير وبيسبب ذبذبات للمخ مش كويسة خالص ، حاولي تلهي وقت فراغك في قراءة كتاب ، أذكار ، قرآن ، والفيسبوك ده يبقى جزء بسيط جداً من يومك ، وممكن كمان تخرجي مع صحباتك ، أحسن بكَتيير من الفيسبوك ده .
شعر داخلها بالراحة والسكينة من نبرة صوته الرجولية التى أشعرتها بوجود الجنس الآخر في حياتها ، فهي تتفقد تلك العلاقة من ذاك النوع فهي قد عملت في مؤسستين قبل ذلك وما جعلها تتركهم هي الضوضاء الصاخبة والتنمر الذي تعرضت له ولكن من جاسر تشعر بقمة الهدوء وذاك الشعور نابع من ذوقه في التعامل معها ، حقا العلاقة بينهم إلى حد ما تشعرها بالرطوبة التى تدخل على قلبها تنعشه ،
فتحدثت برقة معتادة عليها في الأخذ والرد :
_ اصل اني من صغري ملياش أصحاب أمي كانت بتخاف علي قوووي ومكَنَتش تسيبني ألعب مع حد لأني ظروفي خاصة فاتعودت عليها هي صاحبتي ووقت ما اكون لحالي ألهي نفسي في اي حاجة.
أحس بأنه يشفق عليها وعلى حرمانها من نور الحياة ، فالعين ترينا من يحبنا ومن يكرههنا ، بها نستشف ونفهم نظرات الآخرين لنا ،
ود أن يتعمق داخلها وانتابه الفضول أن يسألها كيف تعيش يومها ، كيف تقضي حاجتها بنفسها وهي في ظروفها تلك ،
أما هي أحست من صمته أنه يريد أن يسأل كثيراً ويستفسر عن يومها كيف تقضيه ولكنه خجِل أن يسألها ، وهي الآن لديها طاقة حرمان من الحوار تريد أن تفقدها كي تشعر بمدى كينونتها وأنها كائن حي طبيعي يريد أن يشارك الآخرين يومهم العادي ، فسهلتها عليه قائلة :
_ حساك عايز تسألني أسئلة كَتيرة بس خايف لازعل أو اتهمك انك بتتدخل في خصوصياتي ، بس احب اطمنك يامتر أني من النوع اللي عقليته عدت مستوي الحساسية أو إنه يزعل من أي تنمر ، شكل ماتقول اكده اكتسبت تناحة أخيراً هههه .
كان ينظر إلى معالم وجهها المستدير والمستنير من كمية البراءة التى تحيطه ، تعمق لأول مرة في النظر لامرأة دون أن يخجل أو يشعر بأن الطرف الآخر على علم بنظراته ، حتى رحمة ابنة عمه كان لايتعمق النظر في ملامحها كي لا يثير انتباهها ، ولكنه نهر حاله عن النظرة الحرام أو أنه استغل خصوصيتها واستباح لعيناه التعمق في ملامحها ونظر أمامه قائلاً :
_ طيب ياستي قولي لي مين بيختار لك لبسك الجميل اللي ذوقه راقي جداً ده ؟
احتضنت كتفيها وهي تتحسس ملابسها بسعادة كبيرة نظراً لإطرائه عليها فلأول مرة يُعجب أحدهم بملابسها غير أبيها وأمها ،
فأجابته بصدر رحب وخيالها يدور بعالمها الوردي التي بنته لنفسها داخله :
_ طبعاً ماما هي كل حاجة حلوة في شكلي وفي أسلوبي وفي طريقتي وفي حياتي كلها ، بس في اللبس ساعات بتخيل موديل معين في بالي وبوصفه لماما فبتعجب باختياري اللي أني أصلا جايباه من عقلي الباطن ههههه ،
أما الألوان فمن لون بشرتي ومن خلال دراستي للألوان عرفت ايه اكتر الألوان اللي تناسبني وتليق علي ،
واسترسلت حديثها وهي تنظر حالها:
_ حاسة إني اتكلَمت كَتيير وصدعتك صح ؟
لم يشعر بالصداع ولا الاستياء من كلامها بل بالعكس أراد المزيد من عالمها المختلف فأجابها بنفي :
_ وه كيف تقولي الحديت ده يامنة ! والله كل كلامك جمييل ومريح وهادي ، يابخت مامتك وباباكي بوجود حد جميل زيكي وسطيهم ، إنتي النور اللي بينور عتمتك وعتمتهم بقلبك الطيب وروحك الحلوة .
شعرت بخفقان قلبها داخلها من ثنائه عليها ، ولأول مرة داخلها يجرب شعور الأنثى التي يعجب أحدهم بطريقتها ، لأول مرة أحدهم يُثنى على حديثها غير أبيها وأمها فجاسر بطريقته وكلامه وحديثه بل وكله مختلفا عن عالمها المنطوي ، فأخذت نفسا عميقا وسألته هي الأخرى كي تخرج من عالمها وتدخل عالماً جديداً عليها :
_ طيب انت مين بيختار لك لبسك وبترتاح اكتر في الكاجوال ولا الكلاسيك ، وبتحب الصيف ولا الشتا ؟
سعد داخله هو الآخر فلأول مرة يسأله احدا عن مايحب وما يكره فهو يتيم الأب والأم وليس له أخوة ، حتى ابنة عمه والتي كانت صديقته الصدوق وحبييته يوماً ما لم تسأله ذاك النوع من الأسئلة :
_ شوفي ياستي اني برتاح في الكاجوال اكتر طبعا زي باقي الشباب لكن لو فيه مناسبة ولا حاجة بضطر ألبس الكلاسيك ، ثانياً بقى أنا كائن صيفي نهاري جداً جدا يعني بعشق الحرية في اللبس بمعنى أصح أني من أتباع شرطي وفانلة وكاب ههههه .
ضحكت بشدة على طريقته الدعابية في الرد ثم قالت :
_ في داي بالذات مختلفين ، اني بعشق الشتا بهدوئه ومطره وبرودته ، بعشق ليله ،
وأكملت حديثها ونبرتها تبدلت من النقيض للنقيض ، تبدلت من التفاؤل إلى اليأس الذي تحياه :
_ يمكن لأن عتمة ليله يشبه عتمتي اللي أني عايشة فيها ، أو يمكن الأمطار والبرد بتشبه برود العواطف والمشاعر اللي أني بجبر نفسي أعيشها كل يوم ،
أو يمكن بردو علشان نهاره بإزعاجه بيخلص بسرعة وياجي الليل بضلامه اللي يشبه ضلامي ، حاجات كَتييير بتخليني احب الشتا لأنه بيشبهني كتييير .
حزن داخله لأجلها فبعد أن جعلها تضحك وتحكي عن تفاصيلها البسيطة وتنسى همومها وأنها بشر كأي بشر لن ينقصها شئ دخلت عالمها مرة ثانية واختفت بسمتها وتبدلت ، وكأن شمس النهار اختفت وتبلدت الغيوم مكانها في عز النهار ،
وجدا أنهما قد وصلا إلى المطعم المقصود فتحمحم قائلا:
_ طب احنا وصلنا المطعم جهزي حالك يالا وأني هساعدك ندخل جوة .
ابتسمت برقة وطلبت منه :
_ لاااااا مفيش داعي للمساعدة بحب أعتمد على نفسي جداً بس مطلوب منك توصف لي مدخل المكان واتجاهاته واني هفهم بالعجل وهدخل وياك بهدوء .
كان داخله فرحا بالتحدي الذي تحيط حالها به ، فرحاً بأنها تشعر من أمامها انها طبيعية لن ينقصها شئ ، فشرح لها مدخل المطعم والاتجاهات وهي هبطت من السيارة وتحركت جانبه واتبعت تعليماته بحرفية أذهلته حتى وصلا إلى المنضدة المتواجد عليها المعزومين وطلبت منه أن تجلس في ركن جانبي من المنضدة ،
جلسا في المكان وجلس بجانبها وظلت عيناه مثبتة عليها وعلى تفاصيلها رغما عنه فقد لمس فيها قلبه الحنان والاحتواء الذي حرم منهم ، وحدثتها عيناه :
_ مذهلة انتي ايتها الفتاة ، وكل شئ فيكي يناديني أن أقتحم داخلك وأبحث عن أشيائك وأقرأ عواطفك ،
أريد أن أبحر داخل شعورك في كل موقف ،
رائعة أنتي في عزتك بنفسك فغيرك لو كانت مكانك لتشبست بأي موقف واصطنعت الخوف ومالت من نظرة وكلمة ورمت سهام الإعجاب ولكنك مختلفة .
******************
في منزل ماجدة تجلس مها وسكون بجانب مكة تحاولان تهدئتها من نوبة البكاء والعويل التى نصبتها حول حالها ، فمنذ أن شاهدت مقطع الفيديو وهي تندب :
_ يافضيحتك وسط الخلايق يامكة ، يافضيحتك ، يارب استرني يااااارب ، حسبي الله في اللي عيمل فيا اكده وفضحني بالكذب ، حسبي الله ، ياااااااااارب انتقم منه يارب .
هدئتها مها وهي تأخذها بين أحضانها:
_ اهدي ياخيتي ، بس ياحبيبتي انتي مظلومة ومعملتيش الكلام الماسخ اللي هيقولوه في الفيديو ده ، وبعدين الناس اهنه عارفين مين مكة وعارفين أدبها وأخلاقها وأنها ملهاش في الطريق الواعر ده ، وانك مش من البنتة اللي ماشيين على حل شعرهم ،
وسكون هي الأخرى تهدئها :
_ متكبريش الموضوع يامكة الفيديو مش جايبك عريانة لاسمح الله ولا بتعملي حاجة غلط وحتى المسافات بينكم فيها مراعية للأخلاق هدي حالك ياخيتي .
ضـ.ـربت مكة على فخذها وبنفس طريقتها رددت :
_ نفسي اصدق وارتاح ياسكون بس اللي منزل الفيديو كاتب إن فيه مقاطع تانية بتبين إن إزاي الفنان بيحب مرته وبيخاف عليها ، وأكيد مصورني وهو بيشلني وكان متابعنا وفضل مركز ويانا لحد ما شافه وهو داخل بيا المستشفي والناس معرفاش حاجة ، ومعرفاش اني كان مغمى علي ولا عميلت عملية ،
ثم نظرت إلى السماء وهتفت بقلب منفطر :
_ ياااااااااارب احميني منهم ياااااااااارب ، اني مظلومة ياااااااااارب ومهتحملش الفضيحة.
استمعوا جميعهن إلى شهقات رحمة وهي تمسك الهاتف وتنظر إليه باندهاش ، فتلقائيا قمن من مكانهن عدا مكة فهي توقعت ماذا تشاهد ، ونظرن إلى شاشة الهاتف وبالفعل وجدن ماحكته مكة بالمثل وصارت أعينهن متسعة ،
أما في الخارج كان عمران بجانب ماجدة يهدئها من هولها على ابنتها ويحاول ايجاد حل معها إلى أن عرض عليها أن تهاتف هند اخت آدم كي يصلا إلى حل في تلك المعضلة ولكنها لم تجيبها فظلت على عويلها وهي تردد :
_ بتي اتفضحت غدر ، بتي مستقبلها ضاع ، الناس مهيسبوناش في حالنا ، آااااااه يابتي ياحبيبتي ، يارتني ماسبتك تدخلي الكلية داي ، يارتني ماسبتك تشتغلي ولا تروحي يمين ولا شمال ، يارتني خبيتك جوة حضني يابت قلبي ياللي طول عمرك عاملة زي الملاك ،
آااااااه قلبي قايد نـ.ـار ياناس مهتنطفيش ، آااااااه يابتي .
كل ذلك وهي تبكي وتشهق على ابنتها وصغيرتها ، تبكي على نظرات الناس لها وهي أم لثلاث بنات بدون أب معها يسندها ولا ابن يقف يدافع عنهن ، الخوف يضـ.ـرب برأسها وجسدها صبا صبا من كلام الناس وحديثهم الواعر في عرض وشرف صغيرتها ،
وأكملت نحيبها:
_ أااااه يابتي ولا أب يسندنا ولا أخ يقف يسد عين الشمس ويخرص لسان الخلق ، مليش غيرك يااااارب تقف جاري وتبعد الأذى عن بناتي .
احتضنها عمران وقبلها من رأسها ناهرا إياها:
_ وه ياخالة ماجدة ! كيف تقولي الكلام ده واني جارك اهه زي ابنك وأكتر كماني !
طيب وعهد الله اللي هيجيب سيرة بتنا لهطخه بالنـ.ـار وملهش دية عندي واصل.
ضـ.ـربت على فخذها الأخرى وهي تهتف بعويل :
_ هتخرص مين ولا مين ياولدي ، هتسكت كام لسان دلوك ولا كمان ساعة ولا النهاردة ولا بكرة ، ده شرف البنتة عامل كيف عود الكبريت لو اتـ.ـولع مرة بترمي بعد اكده والناس تدوس عليه برجليها والسخام المحمول داي بقى في كل البيوت وفي ايدين الصغير قبل الكبير ، أااااااه يابتي على اللي هيجري لك من عمك وخوالك وعلى اللي هيعملوه فيا ، دول مش بعيد يدفـ.ـنوها حية .
ظلت على عويلها ونحيبها وعمران يحاول تهدئتها والأمر أصبح فوق التحمل والمنزل الهادئ الجميل بيت العز المملوء بالحب والسلام أصبح بعيدا عنه الأمان وافتقد حصن الراحة في ذاك الزمان وبات أصحابه يبكون
دـ.ـما بدلاً من الدموع .
أما في منزل آدم كان يجلس هو ومدير أعماله الذي كان مستشاط من الغضب ويهدر به :
_ قلت لك قبل كدة ميت مرة خلي بالك من نفسك ومن تصرفاتك ومتتهورش يا آدم ،
آدي أخرتها اشاعات بنت ستين .... ملهاش اي تلاتين لازمة وانت داخل على تصوير اول مسلسل ليك ، اللي حصل ده في التوقيت ده بالذات غلط وهيودينا في داهية وانت ولا على بالك ، أنا تعبت من اللامبالاة بتاعتك دي يا آدم .
ظل راشد غضبان بشدة من تلك المقاطع ويُسمع آدم من الكلام أبغضه وأفحشه ،
أما آدم كان في عالم آخر وهو حبيبته التى فضحت على يداه ، حبه الأول صاحبة الرداء الأسود الذي لم يرى في أخلاقها امرأة قط قد أُذيت بسببه ، يالك من وقت عجيب أتيت لنا بمصائب في أهم لحظات الرخاء بيننا ،
كانت ستميل أخيراً ، كانت ستنطق محبتها لي النابعة من قلبها ، كانت ستضحك لي الأيام بعد عـ.ـذاب شهور قضيتهم معذب ساهر وكلي أمل لقاها ، ولكن ماذا أنا بفاعل الآن فهي لن تسامحني على ذنب لم أرتكبه ؟
امن الممكن أن أفقدها بعد كل تلك الليالي الساهرة !
أمن العدل أن تُنهى قصتنا وأظل احلم بعيناها بسبب تلك الشائعات السافرة ،
رأى راشد أنه في عالم آخر ولم يستجيب للحديث معه فأرسل لهند شقيقته رسالة كي تأتي إليهم على الفور وأجابته بأنها بالفعل آتية إليهم ، وظل راشد يتآكل غضبا وغيظا حتى اتت هند ،
ألقت السلام عليهم وعلى الفور جذبت أخيها الذي بهت وجهه من شدة الحزن إلى أحضانها بحنان كحنان الأم :
_ اهدى ياحبيبي وروق بالك وأعصابك واعرف إن رب الخير لايأتي إلا بالخير .
تنهد بثقل وألم نفسي شديد وهو في أحضان شقيقته وردد :
_ خير ! وهيجي الخير منين ، ده بدل ماكانت بعيدة عني أمتار بقت بعيدة عني أميال وأميال .
ربتت على ظهره بحنو وطمئنته :
_ مين قال كدة المسافات مبقاش اسهل منها في الوصول للطرق ، الزمن والتقدم سهلوا علينا كل صعب بس انت انوي الخير وقول يارب .
أخذ نفسا عميقا ثم زفره بهدوء وهتف بنبرة متعبة مستكينة :
_ شفتي اللي حصل لأخوكي ، مش كفاية أنها بتهرب مني من بقالها شهور وتعبت وعافرت علشان أوصل لها وأول ماقربت أوصل خلاص جت الحاجة اللي نهت البداية والنهاية واختصرت الطريق كله وختمت بالفراق .
ابتسمت له وهي مازالت تهدهده بين أحضانها :
_ مين قال كدة بس ، مش يمكن اللي حصل خير ليكم وربنا أراد أنه يجمعكم على بعض ، اصل ربنا ده جميل يا آدم مش بيأذي عباده أبدا وخليك واثق إن كرمه عليك من وسع أوووي .
استطاعت هند جذب انتباهه فخرج من أحضانها ونظر في عيناها متسائلاً بتيهة :
_ خير لينا إزاي ومنين ! إنتي تقصدي ايه بالظبط ؟
أمسكت يداه واحتضنتهم بين يداها وفهمته ماتقصد :
_ شوف ياحبيبي ركز معايا في كل كلمة هقولها لك وهو ده الصح اللي لازم يتعمل ،
إحنا هنروح لأهل مكة ونطلب ايديها منهم وطبعاً هما فاهمين اللي حصل كويس وان دي كلها إشاعات واللي روجها قاصد من وراها يلم متابعين وفلوس ، بس البنت صعيدية وعايشة في الصعيد وزمانهم دلوقتي حالتهم مايعلم بيها إلا ربنا ، فهنعمل ايه بقى نطلب ايديها للجواز وتكتب كتابك عليها علطول بدون مانستنى يوم واحد وتطلع تعمل بث مباشر وهي جمبك انكم متجوزين ومكتوب كتابكم من بقالكم شهر وهي تعبت وانت ودتها المستشفى بحكم أن إنت جوزها وعملت عملية الزايدة ، وانك مش هتسيب اللي عمل الفيديوهات دي واقتحم خصوصيتك انت ومراتك وبكدة يبقي ردينا للبنت سمعتها وسط ناسها وأهلها اللي طبعاً هيأكدوا كلامنا وهيقولوا أننا كتبنا الكتاب في فندق كبيير في مصر وده علشان انت نجم ومشهور وليك روتين مينفعش تتخطاه ، والمشكلة تتحل بكل هدوء .
كان جسده ينبض بشدة وعروق يداه ورقبته كانت بارزة من شدة عصبيته ولكن انتباهه معها في حلها التي سردته جعل وجهه يتصبب عرقا رغم برودة الجو من النيـ.ـران المؤججة في صدره ، ودقات قلبه ثائرة داخله وكأنها تتصارع كالثيران وأقسمت على أن تشـ.ـق ضلوعه ، وكل انش في وجهه يتفاعل معها ونطق لسانه بحيرة وكأن زمانه لم يقرر جبر قلبه إلى الآن :
_ وهي هتوافق على كدة دي دماغها أنشف من الحجر ياهند ؟
حركت رأسها للأمام بموافقة :
_ هي دلوقتي معندهاش قرار الاختيار هي مجبرة توافق علشان تنقذ سمعتها وأهلها اكيد هيغصبوا عليها .
نطق بحزن شديد :
_ بس أنا مش عايزها مغصوبة ياهند ، انا عايزها توافق عليا بكل إرادتها ، عايزها راضية وفرحانة وسعيدة بيا ، عايزها محتجاني كآدم شريك عمرها مش كآدم جوزها اللي اتجوزها علشان ينقذها من الفضيحة ولا انا كدة هرتاح ولا هي هترتاح ياهند .
رفضت طريقة فهمه للأمور ونظره لها بتلك السطحية :
_ مش عايزين ننكر انها حبتك لا دي عشقتك فلما تتجوزها وتبقوا في بيت واحد قلبها هيجيبها لحدك وصدقني بحبة محاولات بسيطة منك هتلين معاك ، أه هتتعب شوية معاها بس في الآخر هي ست والأنثى اللي جواها هتجبرها تعيش حياة طبيعية مع جوزها اللي بتعشقه وبتعشقها .
وأخيراً تبسم ضاحكاً ذاك الآدم وجذب شقيقته إلي أحضانه شاكراً إياها بامتنان :
_ إنتي ازاي جميلة كدة وعقلك كبييير أوووي وقدرتي تخليني أبقى طاير في السما من السعادة ياهند ؟
ربتت على ظهره بحنو وأجابته:
_ كأنك نسيت اني انا اللي مربياك يادومة ونسيت ان انا وانت ملناش غير بعض ، وان انت ابني واخويا وصحبي وحبيبي ، ازاي عايزني اشوفك بالحالة دي ومبذلش قصارى جهدي اني احل مشاكلك وأقف جنبك ، ده انت ابن عمري يا آدم .
أدمعت عيناي ذاك الآدم وخرج من أحضانها وقبلها من يدها بحب أخوي لم يوجد كثيراً في أيامنا تلك وهتف :
_ ربنا يخليكي ليا وميحرمنيش من وجودك جمبي ولا من حنانك وطيبة قلبك ياحبيبتي ،
ثم سألها بحيرة :
_ طيب المفروض الخطوة اللي أخدها دلوقتي ايه ؟
نصحته بما يفعل الآن :
_ دلوقتي أول حاجة تعملها انك تكلمها وتطمنها انك مش هتسيبها وانك مستعد لأي ترضية تخليها مرتاحة ، فأنا هسيبك دلوقتي وهطلع أخد شاور وأغير هدومي وتجهز نفسك علشان نسافر وترجع معايا ياللي مشحططني وراك انت.
قالت اخر كلماتها بطريقة دعابية ثم صعدت إلى الأعلى وأمسكت هاتفها واتصلت بماجدة وفورا أتاها الرد:
_ ينفع اللي حوصل لبتي من ورا أخوكي ! ليه قرب منيها ، ليه وقف معاها من الاساس ؟!
أخذت نفسا عميقا تستدعي به الهدوء كي تستطيع امتصاص غضبها ثم أردفت :
_ ممكن تهدي بس ياست ماجدة وكل مشكلة وليها ألف حل ، والله آدم أخويا مظلوم زيها بالظبط وملهوش يد في اللي حصل ، واحنا كلها ساعات بالكتيير أوووي هنكون عندكم ونصلح الأمور وكل حاجة هتبقى تمام .
على نفس انفعالها وغضـ.ـبها الجم قالت :
_ هو بعد الفضيحة اللي حوصلت لبتي وسمعتها اللي بقت شينة وهتُبقى لبانة في بق الخلايق يجيبو في سيرتها وتقولي لي حل !
حل ايه يابتي اللي هتقوليه في المصيـ.ـبة اللي نزلت على راسنا دمرتنا داي ؟
ضمت هند شفتاها باختنـ.ـاق لما وصلا إليه هؤلاء الطيبين ثم هدأت من توترها وطمئنتها :
_ ربك جابر المنكسرين يا ست ماجدة ومتقلقيش هو أنا بردو اللي هعرفك قد إيه ربنا مبيرضاش بالظلم لعباده الصالحين ، ومكة زينة البنات بحالهم ويمين الله لا هتنام مجبورة النهاردة وراسها مرفوعة في السما زي ماهي واللي عمل كدة لاهجيبه متكتف تحت رجليها تعمل فيه مابدالها بس نحل المشكلة الاول ونعدي بمكة بر الأمان وكل شيء سهل بعد كدة .
كانت تتحدث بثقة نزلت على قلب تلك الماجدة كالبرد والسلام الذي نزل على الظمآن في يوم شديد الحرارة ثم هتفت برجاء :
_ كلامك جمييل ومريح يابتي يارب يجعل اللي بتقوليه صوح وتُصدقي وعدك والموضوع يتلم على خير كيف مابتقولي .
أنهت مكالمتها فسألها عمران بقلق:
_ ها يا أمي قالت لك ايه داي ؟
بعيناى يكسوها الحزن أجابته:
_ قالت لي إنها كلها ساعات هتكون اهنه هي وأخوها والموضوع هيتحل وهيتلم من غير اي أذى لبتي ،
واسترسلت حديثها وهي تسأله بتيهة من شدة خوفها على ابنتها :
_ هو الموضوع صوح ممكن يتلم ياولدي والفضيحة ممكن تتدارى والناس لسانتهم تخرص عن سيرة بتي ؟
ربت عمران على ظهرها بحنو وطمئنها :
_ وه أمال إيه ياأم سكون ! خلي عندك ثقة في اللي خلقنا وزي ماتعقدت هيفكها وكله هيُبقى زين بس انتي اهدي وادخلي خدي بتك في حضنك علشان خوالها التنين وعمها زمانهم على وصول تقدري تقابليهم وهما شايفينك ضمة بتك لحضنك وميقسوش عليها وترتاحي هبابة علشان تستعدي للي جاي .
في غرفة مكة ظل آدم يهاتفها مرارا وتكرارا الى أن صممت سكون ورحمة ان تجيبه فهما في مركب الغرق سواسية ولابد أن يتحدان كي ينجوا ويصلا إلى بر الأمان ، وكما أن احتمال الغرق سيكن من نصيبها هي الأكثر ،
فأجابته لأول مرة بحدة وصوت عال:
_ انت عايز مني ايه مكفاكش اللي حوصل لي بسبك ؟!
مكفاكش الفضيحة اللي جرت لي وبقت على الملأ بسبب جريك وراي اللي منعتك عنيه بدل المرة ألف لحد ماضيعت ، منك لله ، مش مسامحاك .
انهت كلماتها وانفطرت بكاءً مريرا جعله انتفض من مكانه وود ان يطير على جناح الريح ويكن أمامها الآن ويختـ.ـطفها إلى أحضانه كي يبثها الأمان وأنه بجانبها ولن يتركها ، ثم هتف راجيا إياها:
_ لا يامكة متعمليش في نفسك كدة والله لا هنحل المشكلة وهندم اللي عمل ويانا كدة وهسجنه ، بس أرجوكي متعيطيش دموعك غاليين أووي ياحتة من قلبي .
انتفضت بذعر من مكانها كمن لدغها عقرب عندما سمعت كلماته وهدرت به :
_ متتكلمش معاي بالطريقة داي تاني ، اني كرهتك يا آدم كرهتك ، وبقيت بتمنى المـ.ـوت وان حياتي تنتهى دلوك بسببك ، من يوم ما دخلت حياتي واني اتدمـ.ـرت ولا بقيت عارفة انام ولا اعيش كيف الخلق وفي النهاية ختمت بفضيحة على الملأ ، اني ضيعت وانتهيت وانت السبب ياآدم حرام عليك ؟
وظلت تشهق في الهاتف ببكاء مرير قطـ.ـع نياط قلبه وجعله في موقف لا يحسد عليه الآن ، خلل أصابعه بين خصيلات شعره ونفخ بضيق من حالتها المدمـ.ـرة ولكن طمئنها قائلاً:
_ والله ماليا يد في اللي حصل أنا اتخدعت زيي زيك بالظبط ، انا جاي لك حالا يامكة وهنتجوز ياحبيبتي وهطلع قدام العالم كله وأقول لهم انك مراتي ومش بس كدة ده إنتي حبيبتي واللي هينزل فيديوهات عننا تاني هسجنه ، مش عايزك تقلقي .
ضحكت مكة بهستيرية من بين شهقاتها مما جعله يرتعب من تغيرها المفاجئ ثم تفوهت بعناد:
_ نجوم السما أقرب لك مني يا آدم ، ومش بعيد تكون انت اللي عميلته الحوار كلياته من الاساس لجل ماتوصل للي انت عايزه ،
أني للمرة المليون برفضك وبقول لك لااااا بعلو صوتي مهنولكش اللي في بالك واللي إنت فضحتني بسببه .
كلماتها نزلت كالصـ.ـاعقة المدمـ.ـرة على قلبه أهلـ.ـكته فأغلق الهاتف في وجهها .
•تابع الفصل التالي "رواية من نبض الوجع عشت غرامي" اضغط على اسم الرواية