رواية كسرة وضمة وسكون الفصل السادس 6 - بقلم رحاب ابراهيم
وبالمنزل القديم للشقيقتان ..
فغرت شهد فاها من الذهول عندما أخبرتها رقة بعرض الزواج الحلم هذا، ثم على حين غرة نهضت شهد وظلت تطلق الزراغيد من فمها بسعادة شديدة .. وضعت رقة يدها على أذنيها وقالت بإنزعاج :
_ بطلي اللي انتي بتعمليه ده !!
توقفت شهد وهي تسحب رقة من مقعدها وتهزها بضحكة عالية وفرحة :
_ أبطل إيه بس ده أنا هفضل أزغرد لحد ما الم المنطقة بحالها عليا، .. يابت أشهد شاهين بنفسه اتقدملك وعايز يتجوزك أنتي واعية للي بتقوليه ؟! … ومش عايزاني أزغرد ؟! طب لوووولي..
وظلت شهد تزغرد بطريقة متواصلة لمدة ١٥ دقيقة ووضعت رقة يدها على اذنيها مرة أخرى ولكن تلك المرة كان يتخلل إنزعاجها ابتسامة اقتحمت روحها وقلبها وشفتيها.. ثم ضمتها شهد وقالت بمحبة شديدة وسعادة :
_ الفرحة مش سيعاني يا حبيبتي .. مش بس عشان هتتجوزي ، عشان هتتجوزي واحد أنا متأكدة إنك هتكوني مبسوطة أوي معاه .. ومش هنكر إن الواحد ده بالذات بقا هو أشهد شاهين .. ده حلم كل البنات، وأنتي في خمس دقايق مقابلة سرقتي عقله وقلبه يا رقوقة البرقوقة، ده أنتي طلعتي أنثى خطرة يابت !.
أنزلت رقة يديها المرتجفتان بابتسامة مرتبكة، ثم قالت ببعض القلق والتعجب الذي كسا وجهها وعينيها فجأة :
_ بس يعني .. ده لسه شايفني من كام ساعة .. لحق يحبني وكمان يقرر يتجوزني ؟؟ مش غريبة دي !.
اجلستها شهد ثم ضمت يديها المرتجفتان برقة وقالت :
_ اللي زي أشهد شاهين ده عارف هو عايز إيه، معندوش وقت يضيعه في التفكير والتردد .. وقدامه بدل البنت مليون ، ليه ما أختارش واحدة فيهم واتجوز من زمان ؟! .. وبعدين مجية أخوه وحوار الأنابيب اللي عمله ده يقول أنه سأل علينا وعرف عنك كل حاجة .. وبعدين مجيته ليكي المصنع مش مكفياكي؟!، ده أنا لحد دلوقتي كل ما أفتكر أشهق من الخضة !.
تورد خدي رقة بالحمرة وابتسمت بحياء، فتابعت شهد بابتسامة حنونة مُحبة:
_ أنتي تستاهلي يا رقة وربنا عوضك .. كفاية اللي عملتيه معايا، أنتي أم مش بس أخت وصاحبة.
أخذتها رقة بين ذراعيها بضمة رقيقة، ثم ابتعدت فجأة وقالت لشهد بقلق :
_ طب لو وافقت .. أنتي هتعملي إيه ؟ وجامعتك و…
قاطعتها شهد بحدة وقالت :
_ متكمليش .. أنا عايزة أفرح بيكي ومش هتنازل عن الفرحة دي .. وبعدين اللي فاضلي سنة واحدة وهتعدي وهعرف أمشي أموري … أختك الاولى على دفعتها أصلًا ..
ضحك الشقيقتان ثم قالت شهد بخبث :
_ وبعدين مش يمكن يعني .. نبقى سلايف في بيت واحد ؟ .. أنا بقول يمكن مش أكيد !.
نظرت لها رقة بنظرة ضيقة مبتسمة حتى ضحكت شهد وقالت بخبث :
_ خطف قلبي بتاع الأنابيب، هو صحيح كان هيدشدش نفوخي بمفتاح الانبوبة وأنا بعترت كرامته حتة بعتورة .. بس وربنا ما هعتقه.
دهشت رقة وسألتها :
_ هتعملي إيه يا مجنونة ؟!
اجابت شهد وهي تنهض وتبدأ وصلة رقص مثل عادتها :
_ هفضل أحلم بيه لحد ما يتقدملي .. هجننه وأخليه يمشي يكلم نفسه، ده أنا أحلامي دي سرها باتع.
ضحكت رقة على شقيقتها وظلت تنظر لها بمحبة والسعادة تحلق بقلبها .. ثم توقفت شهد وسألتها بحيرة :
_ بت .. انتوا لما كنتوا برا المصنع وبتتكلموا، محطش الچاكت بتاعه على كتفك ليه لما ترقرقت من عينيكِ الدموع ؟ ..
أجابت رقة بسخرية :
_ الدنيا حر !
لم تقتنع شهد بإجابتها ثم عادت للرقص، وبعد دقيقتان تذكرت شيء فذهبت لشقيقتها وسألتها سريعا :
_ حضرتي اللبس اللي هتلبسيه لما تقابليه تاني .. أنتي لازم تستعدي!.
انكمش حاجبي رقة وقالت بتوتر :
_ لأ .. هو أنا لحقت!… وبعدين مش من باب التقل يعني استنى شوية وبعدين أرد عليه؟!.
اغتاظت منها شهد وقالت :
_ يا ستي أتقلي ما قولناش حاجة .. بس على الأقل أبقي مستعدة.
فكرت رقة بشيء وابتسمت بحماس وقالت لشقيقتها :
_ ما تقلقيش، روحي نامي وأرتاحي وبكرا ربنا هيدبرها .
اطمئنت شهد لإجابتها وظلت ترقص لدقائق ثم قالت مبتسمة ابتسامة واسعة :
_ أهو دلوقتي لما أقول في الجامعة أن أشهد شاهين يبقى خطيب أختي محدش هيقدر يكدبني .. بحبيكي يا رقوقة.
وظلت تحدث نفسها وتضحك وهي تدخل غرفتها وبعد ذلك استغرقت شهد بالنوم .. بينما توضأت رقة وصلّت صلاة العشاء قبل أن يضيع الوقت، ثم ظلت تدعو ربها كثيرًا مثلما تفعل كل فرض .. وبعد ذلك دخلت غرفتها الصغيرة وتوجهت نحو خزانتها وأخرجت من لفافة بيضاء عدة أقمشة راقية كانت قد أبتاعتها بالسنوات الماضية لتفصيل فساتين سهرة بيدها مثلما كانت تحلم دائمًا .. فقالت مبتسمة بعدما سمّت باسم الله وتوجهت لآلة الخياطة القديمة:
_ جه أوانهم يتفصلوا ..
تذكرت عدة تصاميم كانت قد رأتها سابقاً ووقع أختيارها على تصميم اعتقدت إنه سيلائمها، بدأت بحماس شديد، واستغرق منها الأمر ليلةً كاملة حتى انتهت من ثلاثة فساتين .. كان الأمر يبدو وهميًا وهي تتثاءب بالصباح الباكر وعينيها على الفساتين الثلاث المّعدين تمامًا للإرتداء … ابتسمت بكسل وقالت تتجاهل الفوضى التي أحدثتها حول ماكينة الخياطة :
_ هنام شوية وأصحى أنضف وأبقى اقيسهم بعدين ..
وهنا فتحت شهد باب غرفتها وهي تمط ذراعيها بكسل، وحملقت فجأة وهي ترى الفساتين الثلاث وهم على الأريكة كأن عصا سندريلا اوجدتهم في الحال .. قالت بعينان متسعة من الدهشة والإعجاب :
_ الفساتين دي بتاعة مين ؟!
ابتسمت رقة بإرهاق وقالت وهي تقترب لها وتجيب بثقة :
_ بتوعي .. دول الأقمشة اللي كنت بشتريهم وبخزنهم لأي مناسبة .. عملت حسابك معايا، ولسه هعمل التلاتة الباقيين النهاردة بإذن الله.
شهقت شهد بذهول وقالت وهي ترفع أحد الفساتين أمام عينيها :
_ مش معقول تكوني بتفصلي بالحلاوة دي ؟! .. روحي قيسيهم قدامي دلوقتي .. بسرعــــة قبل ما اروح الجامعة
اعترضت رقة وقالت بإرهاق :
_ مش وقته .. عايزة أنام شوية قبل ما اروح الشغل ، لما ترجعي هبقى أقيسهم قدامك والله.
صممت شهد على رأيها، وذهبت رقة وأنصاعت للأمر رغم وجهها المتعب الشاحب من قلة النوم ، وأرتدت فستان قطني من الأعلى ويتدرج للأسفل بالستان الناعم من درجات القرمزي الداكن الذي يشبه اللون الأحمر القاتم .. وخرجت لشقيقتها بالصالة الضيقة ، اتسعت عينان شهد وهي تدور حول شقيقتها التي أكتسا وجهها بالحياء والابتسامة وقالت :
_ أنتي خارجة من مسلسل حريم السلطان دلوقتي .. إيه يابت القمر ده ؟ .. التصميم لايق عليكي ويجنن واللون أصلًا رهيب .. ولا اجدعها مصمم يعمله.
تبدل إرهاق رقة لفرحة حقيقية وحماس ، وذهبت لإرتداء الفستان الأسود المخلل بالأحمر الغجري الأسباني في تصميمه .. صفرت شهد بدهشة وهتفت :
_ واااو .. ده بقا نينجا أوي .. بس ده خليه لمقابلة بينكم بعد الخطوبة .. مش من أول مقابلة كده، أصلي حاسة تصميمة مثير شوية مع أنه طويل ومحتشم ..
أما الفستان الثالث باللون الأرجواني جعل شهد في حالة أنبهار تامة بتصميمه الذي يشبه القفطان المغربي بعض الشيء وقالت :
_ يا ده يا الأول .. الأتنين يهبلوا بجد .. أنتي عاجبك إيه فيهم؟
نظرت رقة للفستان القرمزي الاول بابتسامة وقالت :
_ هختار الأولاني .. حبيته عليا أكتر .. وأنتي هتختاري إيه ؟
ابتسمت شهد وقالت بمحبة :
_ أنا عندي لبس كتير أوي .. أنتي مكنتيش مخلياني محتاجة حاجة يا روقة.. عمومًا هحضر نفسي عشان اروح الجامعة ونكمل لما أرجع، وأنتي خليكي النهاردة في البيت ما تروحيش الشغل ..
تعجبت رقة وسألتها :
_ ليه أغيب ؟
ضحكت شهد وهي تستعد لدخول المرحاض وقالت :
_ يابنتي نامي شوية أنتي سهرانة طول الليل .. وبعدين ما تقلقيش .. بعد اللي حصل امبارح كله في المصنع هيضربلك تعظيم سلام، أنسي اللي فات، ده أحنا هنبدأ صفحة جديدة مع كوكب الأرض ..
وتابع شهد ضحكاتها ودندنتها وهي تأخذ دشا سريع وتستعد للذهاب للجامعة.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبمنزل آل شاهين …
أعدت مائدة الإفطار بالصباح الباكر، وقد أهتمت بتحضيرها كلًا من نيرمين وشقيقتها هدير، وساعدت سميحة شقيقتها الكبرى مشيرة على النهوض من فراشها والتوجه للفطور الجماعي .. وجلست مشيرة على مقعد أمام الطاولة وهي تشعر بتعب شديد في عظامها إثر الحركة وقالت بإستياء :
_ يا ريتني ما سمعت كلامك ونزلت يا سميحة .. مش قادرة أخد نفسي ..
قالت سميحة بنظرة حادة لشقيقتها :
_ لأ لازم تسمعي كلامي .. أنزلي واقعدي وسط ولادك وشوفيهم بيعملوا إيه .. مش تسبيلهم السايب في السايب كده ! ..
قطبت مشيرة جبينها وقالت بحدة :
_ مالهم ولادي يا سميحة ؟! .. زي الفل وأي أم تتمنى ولادها يبقوا زي ولادي .. ربيتهم احسن تربية واحسن تعليم .. واحد مهندس ورجل أعمال والتاني ضابط قد الدنيا .. سايب إيه اللي بتتكلمي عليه بقا ؟!.
نظرت هدير لأمها بغيظ حتى عدلت سميحة حديثها وقالت :
_ يا حبيبتي مش اقصد اللي فهمتيه .. أقصد يعني أن ولادك ما شاء الله العين عليهم كتير، لازم تبقي واخدة بالك منهم لحسن بنت كده ولا كده توقع واحد فيهم وتاخد اللي وراه واللي قدامه .. أنتي ماشوفتيش نهال عملت إيه في أشهد زمان وهما مخطوبين ؟!
فكرت مشيرة بقلق لثوان ، ثم قالت بدفاع عن أبنها :
_ وكان إيه النتيجة يعني ؟ .. أهي دلوقتي بتجري وراه تاني وهتموت وترجعله ..
لوت سميحة جانب شفتيها بسخرية ثم قالت :
_ ما هي سابته زمان عشان مكنش غني .. لكن لما بقا غني بقت هتتجنن وترجعله، أكتر البنات دلوقتي ما يفرقوش عن نهال، إلا بقا لو بنات ولاد أصول وعيلة وأنتي واثقة فيهم ..
ونظرت سميحة لأبنتيها وكأنها تشير بالحديث عليهن، فقالت مشيرة وقد فهمت مرماها :
_ والله يا سميحة كان نفسي أن أخد بناتك لولادي الأتنين .. بس أتفاجئت أنهم مرتبطين ببنات تانية ومتفقين على الجواز كمان، مقدرتش أتكلم ..
استعر الغيظ والحقد بقلب سميحة وأبنتيها التي فشلت كل مساعهن للوصول لتلك العائلة .. بينما نظرت هدير كانت مزيج من الحقد والسخرية مما تسمعه من خالتها مشيرة .. فقالت مبتسمة بمكر :
_ ولا تزعلي نفسك يا خالتو .. أحنا برضه بناتك وهنفضل كده على طول ..
وبتلك اللحظة ظهر أشهد وهو ينزل على السلم الرخامي ناظرًا في ساعة معصمه متجاهلًا مائدة الإفطار بأكملها، فهتفت أمه ليأت ويشاركهن الطعام فأجاب بعجالة وهو يتوجه للخارج :
_ معلش يا أمي عندي مواعيد بدري مهمة .. هفطر في الشغل، افطروا أنتوا.
ودون أن ينتظر جواب خرج من المنزل دون أن يعير خالته وأبنتيها حتى نظرة .. فضغطت هدير على أسنانها بغيظ ونهضت قائلة بعصبية :
_ نفسي اتسدت .. بعد أذنكم.
ولحقتها شقيقتها نيرمين، بينما قالت سميحة بعصبية :
_ هما ولادك مالهم يا مشيرة ؟! .. واحد مقالش حتى صباح الخير والتاني محدش شاف وشه من امبارح وكأنه مش طايقنا !! … لو أنا وبناتي تقال عليكم كده هاخدهم وأمشي دلوقتي ..
وأجهشت سميحة ببكاء مزيف لتأثر على شقيقتها الكبرى، فقالت مشيرة بإعتذار شديد :
_ أزاي تقولي كده بس يا سميحة ده بيتك أنتي وبناتك .. هما كده على طول والله .. أشهد في شغله طول الوقت مش بشوفه الا بليل … وحازم أنتي عارفة نظام شغله .. والله ساعات مابشوفه بالأيام .. أومال أنا كنت بزن عليهم يتجوزوا ليه ؟! .. نفسي البيت ده يتملي بعيالهم ومحسش أني لوحدي ..
مسحت سميحة عينيها من الدموع وقالت وهي تربت على يد شقيقتها قائلة بنظرة ماكرة :
_ أنتي مش لوحدك يا حبيبتي .. أنا والبنات هنقعد معاكي لحد ما تزهقي مننا وتقولينا أمشوا .. والله شيماء بنتي الكبيرة لولا إنها مسافرة مع جوزها لكنت جبتها معايا بعيالها.
قالت مشيرة بابتسامة :
_ والله وحشتني هي والقرود ولادها .. عموما تتعوض ، ولا هي مش هتيجي في فرح أشهد وحازم ؟
ضيقت سميحة عينيها بغيظ وقالت :
_ أنتوا خلاص قررتوا تعملوا فرحهم في يوم واحد ؟!
اكدت مشيرة قائلة :
_ أيوة طبعا .. هو مكنش قرارهم هما، هو قراري أنا بصراحة .. طول عمري نفسي أشوفهم في الكوشة مع بعض .. ربنا ييسر الحال ومش هنطول الخطوبة، شهر أو شهرين بالكتير ويتجوزوا، أصل إيه اللي هيخلينا نستنى أكتر من كده !.
نظرت سميحة للمنزل الكبير حولها بحقد شديد وقالت بتمتمة :
_ آه صحيح .. هتستنوا ليه ، ما انتوا محدش بقا قدكم وبتلعبوا بالملايين لعب أنتي وولادك ! .. الله يرحم أيام زمان !.
ولم تنتبه لها مشيرة التي قالت بعد ذلك :
_ أندهي على البنات يجوا يفطروا معانا ..
ابتسمت لها سميحة بموافقة ونهضت حتى توجهت لأبنتيها بالغرفة العلوية ..
وبالغرفة العلوية دخلت وعلى وجهها الغضب قائلة :
_ العز ده كله هيجوا بنتين ما نعرفش من أنهي داهية ويلهفوه .. إلا ما في واحدة منكم عرفت تميل دماغ واحد فيهم بلا خيبة !.
قالت نيرمين بغيظ :
_ ماهما مابقوش حلوين كده في عنيكي غير لما بقوا أغنيا !! .. قبل كده لما كنت زمان معجبة بحازم اتريقتي عليا !
ردت أمها بعصبية وقالت :
_ ده أيام الفقر يا حبيبة أمك .. ما أنا مكنتش هعيشك في الفقر طول عمرك … لكن دلوقتي أنتي شايفة العز اللي متمرمغين فيه ؟! .. أختي اللي طول عمرها شقيانة وبتشحت هدومي بقيت أنا بالنسبالها دلوقتي متسولة وفقيرة ! ..
قالت هدير بنظرة تحدي :
_ ما تزعليش نفسك .. يمكن الجوازة دي ما تتمش أصلًا، محدش عارف بكرا فيه إيه !.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبشركة أشهد شاهين ..
أنتهى الأجتماع الصباحي الهام لفريق أحد المشاريع الضخمة .. وجلس أشهد بمفرده بعد ذلك بمكتبه الخاص مفكرًا شاردًا ببعض الضيق، ولسان حاله يكرر هذا السؤال، كيف ورط نفسه تلك الورطة مع هذه الفتاة؟!.
تنفس بعمق وقال بإنزعاج :
_ بدل ما كنت بهرب من جوازة واحدة، بقيت بفكر أهرب من أتنين !! … أزاي ورط نفسي الورطة دي مع بنت لسه عارفها من ساعات !! .. تهور وغباء !.
تنفس بحدة مرةً أخرى ولكن كان ينتابه شيئًا غامض كلما تذكر نظرة تلك الفتاة البريئة كليًا، نظرة عينيها النقية التي تشبه نظرة قطة حديثة الولادة تستوقفه للحظات، تجعله يتسائل هل هي بتلك البراءة الظاهرة، أم أن هناك وجهًا حقيقي خلف هذا القناع البريء يحمل مكرًا ومعكرًا بالأنانية والخداع؟ .. مثلها مثل الكثيرات !..
رفع كوب قهوته لشفتيه بعصبية وهو يفكر كيف ومتى الوقت المناسب الذي سينسحب فيه من تلك المسرحية الهزلية ..!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
استيقظت رقة على صوت دقات متتالية على باب الشقة، ونظرت لساعة المنبه ووجدتها الثانية بعد الظهر، نهضت من فراشها وذهبت لتفتح الباب وقالت قبل أن تفتحه :
_ مين اللي بيخبط ؟!
أجابتها جارتها أم بسنت :
_ أنا ام بسنت يا رقة أفتحي.
فتحت رقة الباب وقالت وهي تتثاءب :
_ ادخلي على ما اغسل وشي وأجيلك ..
ودخلت أم بسنت وجلست منتظرة ، حتى أتت رقة وهي تجفف وجهها المبتل بالماء ، فقالت السيدة بعتاب :
_ دي رابع مرة أخبط عليكي ومحدش يرد ! .. والواد حموكشة أبني ماشافكيش نازلة الشغل النهاردة خالص ..
ابتسمت رقة وقالت وهي تجلس بجانبها :
_كنت رايحة في النوم، أنا غيبت النهاردة، فضلت سهرانة طول الليل على المكنة أخيط.
انتبهت أم بسنت للمعة الواضحة بعينان رقة وقالت بمكر :
_ عينيكي بتلمع يا رقوق .. يبقى صوت الزغاريد بتاع امبارح ده كان جاي من عندكم ؟
ابتسعت ابتسانة رقة ببعض الحياء وأجابتها :
_ آه .. دي شهد كانت بتزغرط ..
واستفهمت السيدة منها وأخبرتها رقة بكل شيء مثل عادتها، فنهضت أم بسنت وظلت تطلق الزراغيد من فمها بحماس وسعادة ، وحاولت رقة منعها، لكن هتفت بها أم بسنت بضحكة وقالت :
_ يا ألف نهار أبيض .. بقا تقوليلي الخبر ده ومش عايزاني أزغرط والله لفرق شربات على الشارع خلينا نفرح بقا ونبل الشربات..
شهقت رقة وحاولت أن تمنعها قائلة :
_ طب اصبري شوية ده أنا لسه مردتش عليه حتى !!
قالت أم بسنت بابتسامة واسعة :
_ هو أنا هستناكي تردي .. ياختي هرد أنا بدالك لو مكسوفة، المهم أفرح بيكي في بيت العدل .. ده مش هيبقى بيت عدل دي هتبقى فيلا العدل يا مسعدة .. والله ودعوتي اتحققت يا برقوقة
ابتسمت رقة وهى ترى فرحة جارتها الصادقة، وبالفعل نشرت أم بسنت الخبر وهي توزع أكواب الشربات وتزغرد بسعادة … وهنا فعليًا أصبحت رقة رسميًا أمام جميع سكان المنطقة الشعبية خطيبة المقاول الشهير ورجل الأعمال المهندس أشهد شاهين …!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أجاب أشهد على إتصال شقيقه حازم المتكرر وقال :
_ معاك يا حازم .. في إيه ؟!
رد حازم بصوت ضاحك :
_ أبسط يا عم … المنطقة اللي عايشة فيها خطيبتك المزيفة كلها مقلوبة شربات وزراغيد بسببك .. محدش مابقاش عارف أنك اتقدمتلها وخطبتها .. سيرتك بقت على كل لسان يا كبير ..
اغتاظ أشهد وقال بعد ذلك بسخرية :
_ مالحقتش حتى تفكر !! .. ماصدقت !.
رد عليه حازم بتعجب:
_ وأنت كنت متخيل إنها هترفضك !! ..
رد أشهد بجدية :
_ عموما ده شيء ما يزعلنيش ، كده كده كان الكل هيعرف ، المهم أني عايز أنهي الموضوع وأخليها تقابل أمي والعقارب اللي معاها عشان نخلص بقا .. أنا مليت من الحوار ده !!.
فكر حازم بشيء وقال :
_ عموما أنا عندهم في المنطقة، هوصلهم خبر إنك جايلهم، بس هقولهم أمتى ؟
رد أشهد بدون تفكير:
_ النهاردة ، قولهم إني هكون عندهم النهاردة بعد الشغل ..
وافق حازم وقال بمكر :
_ أجي معاك ؟
قال أشهد بجدية :
_ لو عايز تعالى .. خلينا نخلص.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
قفلت رقة باب الشقة بقلب يرتجف وابتسامة مرتبكة على شفتيها بعدما أخبرها الصبي الصغير ” حموكشة” بما أخبره به الضابط حازم .. ونظرت للمنزل ببعض التيهة وهمت بتنظيفه رغم نظافته .. حتى نقرت جارتها أم بسنت على الباب مرةً أخرى ، وفتحت لها رقة بعجالة وقالت :
_ تعالي ادخلي بسرعة ..
اطلقت أم بسنت زغرودة عالية وقالت بسعاد :
_ يا الف نهار مبروك .. الواد حموكشة أبني قالي على الخبر .. بس أنتي بتعملي إيه ؟
قالت رقة وهي تنظف الآرائك وتنفضها :
_ بنضف البيت ..
قالت أم بسنت بإعتراض :
_ البيت زي الفل أهو مافيهوش غلطة .. روحي أنتي جهزي نفسك وأنا هنضف بدالك طالما ده هيريحك ..
قالت رقة بقلق :
_ أجهز نفسي أعمل إيه يعني ؟ ..
اغتاظت منها أم بسنت وكادت أن تجيب، حتى دخلت شهد وبيدها كتبها الدراسية وهي تركض هاتفة :
_ الكلام اللي بيقوله حموكشة صح يا رقوق واشهد جاي النهاردة؟
أومأت رقة رأسها بالإيجاب، فهتفت شهد ضاحكة :
_ ده ينور خطيب أختي ..
ضحكت أم بسنت وقالت لشهد :
_ أختك مش عارفة تجهز نفسها ؟ .. ينفع هتقابله كده ؟!
ابتسمت شهد وقالت بخبث :
_ سيبيهالي .. ده انتوا جايين في منطقتي بقا، تعاليلي ..
وهربت منها رقة وهي تضحك داخل غرفتها، بينما دخلت شهد وأغلقت الباب حتى لا تهرب رقة من وضع اللمسات التجميلية التي لا تحبها يوما.
وهمت أم بسنت أن ترتب وتنظف المنزل وهي تضحك على كلمات شهد المازحة ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبالمساء …
وصلت سيارة أشهد عند تلك المنطقة العشوائية .. وأجرى إتصال أخير على شقيقه حازم ، وأجاب الآخر بأسف :
_ معلش يا أشهد مش هقدر أحضر بسبب الشغل ..
تقبل أشهد أعتذاره ودخل سيارته مرةً أخرى وأمر السائق أن يذهب للمكان الذي أخبره به حازم ..
وبمنزل الشقيقتان ..
وقفت رقة مبتسمة بإشراق أمام المرآة بالفستان القرمزي بعدما انتهت شهد من تجهيزها منذ نصف ساعة تقريبًا .. ثم دخلت عليها أم بسنت قائلة بتعجب :
_ هي شهد راحت تجيب شوية حلويات واتأخرت ليه كده ؟
نظرت لها رقة وبدا القلق على وجهها وقالت :
_ أيوة انا بدأت اقلق .. دي بقالها أكتر من نص ساعة برا رغم أن المحل على قمة الشارع ! ..
نظرت لها أم بسنت وقالت بابتسامة :
_ بس انتي طالعة قمر يا برقوقة .. ربنا يسعد قلبك يابنتي.
ابتسمت رقة وهي تضمها بمحبة، ثم انتظرت شقيقتها عدة دقائق وبدا يتصاعد بقلبها القلق فقالت :
_ هروح أشوفها بسرعة وأجي ..
قالت أم بسنت بإعتراض :
_ أفرضي خطيبك وصل اقوله إيه ؟
طمئنتها رقةةوقالت :
_ هروح أشوفها على أول الشارع وجاية بسرعة ، يمكن تكون واقفة مع بنت من الجيران زي عادتها ..
ولم تنتظر رقة إجابة جارتها، بل أسرعت للخارج ، ونزلت أولى خطوات السلم المظلم بسبب عدم توفر الإضاءة فيه، ولكنها اعتادت عليه وحفظته .. وانتبهت لخطوات تصعد فظنت إنها شقيقتها فقالت بعتاب :
_ كده أتأخرتي يا شهد !!
ولم تكن تتخيل أن تلك الخطوات اصبحت قريبة منها إلا عندما وقعت على صدره بتعثر، ورفع أشهد كشاف هاتفه الذي كان يحاول إضاءته فور ظهورها … وشهقت رقة وتجمدت عندما اكتشفت إنه هو !! .. وتعلقت عينيه بعينيها الدافئة وخطفه وجهها المزين برقة وحرفية لتصبح تلك الساحرة الصغيرة .. ابتسم دون أن يشعر عندما نطقت اسمه بطريقة يعترف أنها تروقه وتثيره وهمس بإبتسامة لعينيها :
_ ما اتأخرتش!!
ابتسمت رقة وتوردت خديها وهي تبتعد عنه بحياء شديد، بينما تنقلت نظرة أشهد بإعجاب شديد على ردائها الخلاب ذو اللون القرمزي الذي أشعل تورد خديها .. جعله يشعر أنه الأمير التي هربت حبيبته ليلتقيا من أحد العصور الوسطى !.
وما بات يعرف ما بتلك الفتاة يجعله يرق بقربها، ويتردد عندما يبتعد عنها! .. وهي أبسط مخلوقة قد وقعت عينيه عليها!
ودخلت شهد بتلك اللحظة وهي تدندن وتحمل علب حلوى لذيذة، وعندما وقعت عينيها على الواقفان متسمران وينظران لبعضهما في شرود بهذا المشهد الشاعري قالت بدهشة :
_ آلّاه ؟!… على السلم !!
استفاقت رقة من تيهتها وركضت على السلم واكتسى وجهها بحمرة الحياء .. وراقبها أشهد بابتسامة ظلت على وجهه وتعمقت اكثر عندما شاهدها مليًا عندما جلس بصالة شقتهم المتواضعة .. وبدأ الحديث موضحاً بعض الأمور عن حياته .. وأنتظر موافقتها، فأطلقت أم بسنت زغرودة عالية وقالت :
_ موافقة طبعا يا أشهد بيه الف مبروك..
وأغتاظت شهد من جارتهما، بينما نظرت رقة له بابتسامة وتهربت من عينيه بحياء شديد ، ثم قال أشهد بجدية :
_ وبكرا تجهزوا نفسكم عشان هاخدكم وتقابلوا أمي عندنا في البيت .. هي تعبانة شوية مش بتقدر تتحرك كتير، بس حابة تشوفك أنتي وأختك ..
ارتبكت رقة ونظرت لشقيقتها في حيرة، فقالت شهد بثقة :
_ تمام .. حتى نتعرف عليكم أكتر.
ونظر أشهد لرقة سريعاً ثم قال :
_ العربية بالسواق هتكون هنا بعد الظهر ، هياخدكم على البيت، وأنا هخلص اجتماع مهم في الشركة وأحصلكم، عشان هنتغدا كلنا مع بعض بإذن الله ..
وكان قد أدخل السائق علب هدايا وحلوى عديدة .. وانتظرت رقة أن يطلب مجالستها لبعض الوقت بمفردهما ليتحدثا بحرية أكثر ، ولكنه لم يفعل ونهض مغادرًا دون نظرة منه لها حتى!.. وذلك التحول أربكها وأقلقها .. رغم السعادة التي كادت أن تخرج لها جناحين منذ دقائق .. !
وقالت لها شهد بعدما غادر أشهد :
_ مالك وشك اتقلب ليه كده ؟
ولم تعرف كيف تفسر لشقيقتها فقالت :
_ أنا شايفة إننا أتسرعنا في الرد عليه ! .. وكمان بالنسبة للمقابلة ..
قاطعتها شهد بإبتسامة:
_ حبيبتي هو اللي مستعجل وجه هنا مخصوص عشان يعرف يتقدملك رسمي ويسمع ردك .. وبخصوص المقابلة فمتقلقيش ، هناخد أم بسنت وحموكشة معانا .. دي الأصول ، وبعدين نتعرف عليهم أكتر ، أومال هتتجوزيه عمياني كده من غير ما نتعرف على أهله ؟
اطمئنت رقة لحديث شقيقتها وانتظرت مقابلة الغد ..
وقبل الفجر كانت قد أعدت فستان آخر .. أخذ هذاء الرداء ليلة كاملة لتجهيزه .. ولكن عندما أرتدته صباحا أمام شقيقتها قفزت شهد وقالت :
_ ده بقا يهوس … هتلبسيه النهاردة يا روقة ، أحلى حاجة فيه أنه مش سواريه ومناسب لأي مناسبة .. بس لون الموف ده بطل عليكي ..
نظرت رقة للفستان المخملي الناعم بهذا اللون الرقيق وقالت برضا :
_ زي ما تخيلته بالضبط .. كده فاضل قماشتين، هتسلى فيهم الأيام الجاية ..
قالت شهد بحماس :
_ والله لو بإيدي لأفتحلك مشروع وتبقي مصممة أزياء قد الدنيا ، ده أنتي بتصممي وبتفصلي بنفسك ! .
ونظرت رقة للهدايا وقالت بتعجب:
_ هو أشترالي فساتين ليه ؟
قالت شهد وهي تخفي أنزعاجها من تلك اللافتة:
_ مش خطيبته يابنتي ! .. أومال عايزاه يجيبلك ايه ؟ .. بطاطس وطماطم !
وبعد وقت الظهيرة أتى السائق منتظرًا الفتيات .. بينما انتهت رقة من زينتها وحجابها الأبيض الحريري على ذلك الرداء وقالت لها شهد بمحبة :
_ قمر … وأحلى والله.
وقبل أن تغرق رقة بالحياء مثل عادتها أخذت شقيقتها وجارتها والصبي وهبطوا درجات السلم حتى السيارة المنتظرة بالشارع الضيق ومحط أنظار جميع سكان المنطقة.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبمنزل آل شاهين ..
أتت احدى الخدم وأخبرت سيدتها التي أنتظرتهم بغرفة الصالون قائلة :
_ وصلوا يا ستي وصلوا ..
قالت مشيرة للخادمة :
_ روحي قولي لسميحة والبنات حالًا خليهم يجوا يسلموا عليهم.
وذهبت الخادمة سريعا للطابق العلوي، بينما ادخلت خادمة أخرى رقة ومن معها لغرفة الصالون .. حيث تجلس مشيرة على أريكة وثيرة ناعمة .. وعندما دخلت رقة ومن معها تسمروا للحظات من فخامة المنزل ، بينما رقة تسحبت عينيها للسيدة الجالسة وتنظر لهم في صمت وتمعن !
ابتسمت لها رقة وشعرت بحدسها أنها والدته، فتوجهت لها بعفوية ولحقتها شهد .. وصافحتها رقة بمودة وقبلّتها من خدها، وفعلت مثلها شهد والجارة أم بسنت .. فقالت مشيرة عندما جلسوا أمامها :
_ معلش مقدرتش أقوم وأسلم عليكم .. بس مين بقا رقة فيكم ؟
أجابت رقة بإبتسامة :
_ أنا رقة ..
فحصتها مشيرة من رأسها لأخمص قدميها ببطء ، ثم قالت دون أدنى تعبير بوجهها:
_ آه .. أزيك يا بنتي ..
توترت رقة ونظرت لشقيقتها بقلق، حتى ابتسمت شهد وقالت لمشيرة :
_ أهلًا بحضرتك يا طنط ..
وابتلعت رقة غصة بحلقها تكورت من الاستقبال الجاف لتلك السيدة التي يبدو أنها لم تعجبها … حتى ظهرت سميحة وأبنتيها بمظهر مبالغ فيه وكأنهن ذاهبن لحفلة عرس !
صافحت هدير رقة وشقيقتها شهد بعدائية غير مفهومة لكلايهما .. وجلس سميحة وأبنتيها بعد ذلك بجانب مشيرة .. حتى قالت سميحة بنظرة ساخرة لرقة :
_ أنتي بقا العروسة !
اغتاظت شهد من السخرية الواضحة بصوت المرأة وعيناها وقالت بحدة:
_ آه هي العروسة ..
ابتسمت سميحة ابتسامة ساخرة لبناتها وقالت بعد ذلك :
_ آه .. كنت بسأل بس، عايزة أشوف أختيار أشهد أبن أختي عامل أزاي .. ! عيني عليه!.
ابتلعت رقة ريقها بتوتر بينما أحمر وجه شهد من الغيظ، فتدخلت أم بسنت وقالت لسميحة بثقة ونظرة قوية فهمتها سميحة في الحال :
_ ما تقلقيش يا حبيبتي .. مكنش هيلاقي أحلى وأجمل من بنتنا ..
رمتها سميحة بنظرة غاضبة وفهمت رميتها ولم تجيب ، فقالت هدير لرقة بكراهية واضحة :
_ وأنتي بقا في كلية إيه يا رقة ؟ … ولا أنتي شكلك محو أمية؟
ضحكت ضحكة سمجة مثل شقيقتها نيرمين التي شاركتها بالمزاح،
فجف ريق رقة وضغطت شهد على أسنانها من فرط الغيظ حتى قالت أم بسنت من جديد لهدير :
_ وهو الجواز بقا بالكليات يا حبيبتي .. ما ياما بنات في كليات ومالهمش لازمة !
همست شهد لجارتها قائلة :
_ لاحظي إن كلامك جارح يا ولية !
كتمت أم بسنت ضحكتها ، فسأل الصبي حموكشة هدير قائلًا :
_ أنتي في كلية ايه يا طنط ؟
اخفت شهد ابتسامتها عندما لاحظت غيظ هدير التي ردت بعصبية :
_ طنط !! .. ايه طنط دي يا ولد ؟!
تأسف الصبي قائلًا :
_ أصل شكلك كبير فحسبك طنط .. هقولك يا خالتي.
ضحكت شهد هذه المرة وهي تنظر لأم بسنت التي تحكمت بضحكتها وقالت لهدير :
_ معلش يا حبيبتي ده عيل صغير و اللي في قلبه على لسانه.
أحمر وجه هدير من الغيظ ونهضت مغادرة، فقالت سميحة بعصبية لشقيقتها مشيرة :
_ أنا هقوم يا مشيرة لأحسن اتهزأ أنا كمان !
وغادرت سميحة وأبنتيها بينما نظرت مشيرة للفتاتان بتمعن ثم قالت :
_ أنتي معاكي شهادات إيه يابنتي ؟
توترت رقة مرة أخرى حتى تدخلت شهد وقالت بصدق :
_ أختي مكملتش تعليمها يا طنط مشيرة .. سابت المدرسة وهي في أولى ثانوي ، رغم أنها كانت متفوقة وطالعة الأولى كمان .. لكن سابتها لظروف حصلت لينا .. ظرف وفاة أبويا وأمي لو حابة تعرفي ..
نظرت مشيرة لرقة بدقة وقالت لها بتعجب :
_ أنتي مش بتردي ليه يا رقة .. أختك ماينفعش ترد عنك طول الوقت !.
انتقدتها السيدة بقوة ، فقالت رقة بتوتر :
_ مكنتش هضيف أكتر من اللي قالته .. وهي دي الحقيقة ..
قالت أم بسنت لتلطيف الأجواء :
_ أنتي عارفة يا أم أشهد أن البنات في الوقت ده بيكونوا متوترين ومكسوفين .. بس بعدين مش هتبطلوا كلام مع بعض، ده أنتي هتحبيها أوي ، دي رقة دي زي القطة المغمضة والله ..
لم تقتنع مشيرة بما سمعته وقالت بجفاء:
_ المهم أبني يكون مبسوط ..
وأتت احدى الخدم مع بعض المشروبات والحلوى، فقالت لها مشيرة :
_ قولي لنيرمين تجيلي دلوقتي ..
انصرفت الخادمة وذهبت لتخبر نيرمين ، فأتت الي مشيرة بعد قليل بنظرات محتقرة لرقة وشقيقتها وقالت لخالتها :
_ نعم يا طنط محتاجة حاجة ؟
قالت لها مشيرة :
_ خدي رقة وفرجيها على البيت ، بما أنها هتعيش معانا هنا لازم تشوف كل ركن وتقول رأيها .. وبالمرة نضيع الوقت على ما أشهد وحازم يوصلوا ..
لم ترتاح رقة لتلك الفتاة نيرمين، فقالت بغيظ وهي تحدث رقة :
_ تعالي ..
ارتبكت رقة منها ونهضت وهي تضع كوب مشروبها، فقالت مشيرة :
_ خدي كوباية العصير أشربيها وأنتي بتتفرجي .. أنتي ضيفتنا ..
واطاعتها رقة بتوتر ونهضت مبتعدة عن نيرمين، بينما ظلت نظرة شهد تتبع خطوات شقيقتها بقلق ..
وأخذتها نيرمين للطابق الثاني وهي تزفر بغضب قائلة بعصبية :
_ مش عارفة يعني هوريكي الاوض ليه ؟! …
لمحتها كبيرة الخدم واقتربت لهما قائلة بنظرة قوية لنيرمين :
_ تعالي يا بنتي معايا هوريكي أنا المكان كله ..
نظرت نيرمين باستفزاز وصاحت بها :
_ هو أنا يعني مش مالية عينك يا ست أنتي ؟! ..
قالت السيدة بهدوء :
_ بخفف عنك .. عشان ما تزهقيش !
أشارت نيرمين للسيدة بعجرفة وصوتٍ عال وهي تلوح بيديها في عصبية مفرطة، فاصطدمت يديها بكوب المشروب بيد رقة ووقع ما بداخله على فستانها المخملي … ففغرت رقة فاها بذهول عندما نظرت لردائها الذي فسد من قبل حتى أن يراها أشهد .. ابتسمت نيرمين برضا واخفت ذلك سريعا وهي تقول بأسف مزيف:
_ معلش مكنش قصدي !! .
نظرت لها المرأة بحدة، ثم فتحت أحدى الغرف وقالت لرقة بلطف واعتذار :
_ معلش يابنتي … تعالي ادخلي الأوضة دي على ما أنضف فستانك واجففه بسرعة ..
غادرت نيرمين برضا تام عن ما حدث، ودخلت رقة الغرفة وانتظرت حتى أتت كبيرة الخدم وبيدها فستان حريري أبيض بدون أكمام :
_ البسي ده وماتخرجيش من الأوضة دي على ما أجيلك .. ده كنت شرياه لبنتي تلبسه في البيت، بس شكله كده هيبقى من نصيبك بقا ..
قالت لها رقة بقلق :
_ طب قولي لشهد أختي تجيلي ارجوكي ..
وافقت السيدة وذهبت لتنظف الرداء ، فأغلقت رقة الباب وارتدت الفستان الأبيض الذي لا يعد مناسبا للظهور خارج غرف النوم !
وظلت لدقائق كثيرة منتظرة شقيقتها وتلك المرأة أن تحضر أحداهما .. وبدأ يتصاعد بقلبها القلق ، ففتحت الباب قليلًا وطلت برأسها خارجه لتراقب الممر ، ولكن شهقت عندما وجدت أشهد يسير بالممر متوجها لأحدى الغرف .. وأضيقت عينيه بدهشة عندما رأى رأس سوداء وهي تتسحب للداخل سريعا وتغلق الباب ..!
وهذه الغرفة خصيصا كانت غرفتة القديمة قبل أن ينتقل لغرفة أخرى أكبر حجمًا.. ولا يسمح لأحد بإستخدامها بسبب بعض أغراضه المتروكة بها، أذن من تجرأ وفتحها؟!
نظرت رقة حولها بخوف وقلق وهي ترتدي ذلك الرداء المكشوف … وشهقت عندما انتبهت لدق على باب الغرفة، ثم تحرك مقبض الباب قبل أن يُفتح الباب على مصراعيه …
يتبع…
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية كسرة وضمة وسكون) اسم الرواية