رواية كسرة وضمة وسكون الفصل الثاني 2 - بقلم رحاب ابراهيم
خرج “أشهد” من حمام غرفته وهو يجفف شعره الاسود الطويل لبعد اذنيه بالمنشفة، ثم بدأ يستعد ويرتدي حلّة أنيقة مناسبة للسهرة المسائية لعقد أحدى الصفقات التجارية الكبرى .. وحينها ارتفع رنين هاتفه بأتصال من رقم مجهول، نظر للهاتف بعدم اكتراث، وتكرر الرنين مرارًا بعدم يأس المتصل، حتى أجاب أشهد ولم يتفاجئ كثيرًا عندما سمع صوتها الناعم المألوف وهي تهمس ببطء مقصود وتقول بعتاب:
_ كنت مستنياك في اليخت يا أشهد .. ومجتش!.
زفر أشهد بنفاد صبر وقال :
_ ومش هاجي .. ومش عارف كام مرة هقولك تشيليني من دماغك؟! وكام مرة هفكرك إنك ست متجوزة ومايصحش اللي بتعمليه!.
سيطرت نهال على غضبها في الرد وابتلعت ريقها بعصبية ثم قالت:
_ أظاهر إنك أنت اللي نسيت إني كنت حبيبتك في يوم من الأيام، أنا عارفة إنك لسه بتحبني بس زعلان مني عشان اتجوزت وسيبتك .. بس أنا ما سيبتكش صدقني .. فاروق هو اللي ..
قاطعها أشهد بهدوئه المستفز المعتاد قائلًا:
_ ماتهمنيش تفاصيل جوازك .. ولآخر مرة هحذرك تبعدي عني، وشوية الصحفيين اللي مأجراهم ومخلياهم يهاجموني في الجرايد ويشوهوا سمعتي أنا بسهولة ممكن أوديهم في داهية وأنتي قبلهم .. بس لحسن حظك إني مش فاضيلكم ومش فاضي للتفاهات دي، استغلي الفرصة واحترمي نفسك واحترمي الراجل اللي أنتي على ذمته وأنسيني أحسنلك.
وأنهى أشهد الإتصال بعدم اهتمام وعاد للمرآة ليتأكد من هندامه ورباط عنقه الأنيق.
بينما نظرت نهال للهاتف بذهول بعدما أغلق الأتصال بمنتهى الأحتقار لها، ثم دفعته بغضب هستيري وشربت ما في كأسها دفعة واحدة بمرارة .. ثم قالت بحقد شديد والدموع تتساقط من عينيها بغزارة :
_ أنا اللي كنت غبية وجريت ورا الفلوس واتجوزت راجل عجوز مالوش أي لازمة في حياتي !.
ابتلعت ريقها المر وعينيها مليئة بالحقد والشر والدموع الوقحة قائلة :
_ لا يا أشهد مش هنساك ولا هسيبك في حالك .. أنت كنت ليا وهتفضل ليا لوحدي حتى لو غصب عنك.
وبدأت بدفع وتكسير بحالة غضب هستيرية كل ما تطاله يدها بالغرفة المكسوة بأفخم قطع الأثاث الحديث، حتى جرحت يدها وبدأت بالصراخ وكأنها رأت شبحاً مخيف، وفتح الباب وظهر بعض الخدم ويبدو أنهم قد اعتادوا على تصرفها هذا منذ فترة .. فلم يبدو عليهم الصدمة أو المفاجأة، فقط حاولوا تهدأتها وأبعادها عن شظايا الزجاج المتكسرة الجارحة ويضمدون جرحها .. وقالت أحدى الخادمات :
_ سيدي فاروق بيه عايزك يا ست هانم
رفعت نهال رأسها بغضب بكتل الشعر الكثيفة وبعض الخصلات الملتصقة بوجهها بسبب حبات العرق وقالت بهتاف :
_ مش عايزة أشوف وشه .. مش عايزة أشوف حد.
قالت الخادمة وهي حائرة تتعاطف مع أي منهما :
_ يا ست نهال أنتي عارفة أنه تعبان ومش هيقدر يجيلك هنا، أنتي بقالك أسبوع رافضة تروحيله وتشوفيه وانتي بينك وبينه خطوتين!.. معلش روحيله عشان حالته النفسية بتسوء وهو مش مستحمل أصلًا.
صرخت نهال في الجميع قائلة:
_ وأنا حالتي النفسية مالهاش أي اعتبار كده ؟! … اروح اعمله إيه ؟ .. ده جابلي اكتئاب بحزنه على نفسه وصحته اللي راحت ! .. ده على أساس أنه مفكر نفسه كان لسه شاب يعني !! … ده قد جدي .. معرفش عقلي كان فين لما وافقت على واحد أكبر مني بـ ٤٠ سنة ! ..
جلست نهال على مقعد وبكت بقهر وحرقة قائلة :
_ كل ده عشان شوية فلوس ! .. ملعون ابو الفلوس اللي خلتني اضيع شبابي وفرحتي مع راجل زي ده ونسيت أني من حقي أعيش وأفرح زي أي بنت في سني ! .. أنا كرهت الفلوس والمصانع والشركات والعربيات والفلل .. أنا أبيع ده كله بس يرجع بيا الزمن ٧ سنين بس ..
تفوهت نهال بتلك الكلمات ولم تضع اعتبارا أنها تتحدث أمام الخدم، لم تعد تعير الأمر اهتمامًا على الإطلاق، فهي قد كرهت كل شيء بذلك القصر الذي تراه كالسجن ولم يعد يهمها الهمهمات والأقاويل عنها.
شعرت بثقل شديد يملأ قلبها، فنهضت والتقطت مفاتيح سيارتها وخرجت بخطوات سريعة، ولكن وهي تركض نزولا على درجات السلم الرخامي قطع مرورها شابا طويلا أخذ الكثير من ملامح والده الغليظة، ونظر لها بنظرة ثعبانية لطالما احتقرتها وقال بمكر :
_ كنت طالعلك يا مرات أبويا.
تنفست نهال بعمق وهي تبتلع سيل من الشتائم كانت على أطراف لسانها ثم قالت :
_ لما تعوز تكلمني ابعتلي حد من الخدم يقولي ..مش تطلعلي !
ظهرت السخرية على وجه كريم وقال :
_ أصل مكنتش عايز حد يسمع الكلام اللي هقولهولك .. بخصوص الإشاعات واليخت وأ – ش. … ما يكونش الصحافة تقصد أشهد شاهين ؟ .. ولا يمكن حد تاني !.
رمته نهال بنظرة متحدية غاضبة وقالت :
_ مايهمنيش .. وما تجبش سيرة أشهد على لسانك تاني .. وإلا أنت عارف ممكن أخلي ابوك يعمل فيك إيه.
ولإنه يعرف مدى تأثيرها على والده الذي يجعله يصدقها مهما قالت وفعلت، ابتسم وقال :
_ حاضر .. بس مش عارف أنتي بتكرهيني ليه، مع إننا ممكن نبقى صحاب حلوين أوي .. ولا إيه؟
نفخت نهال بنفاد صبر واشمئزاز قائلة :
_ شكرًا .. مش محتاجة أصحاب.
نظر لها نظرة خبيثة وقال :
_ زي ما تحبي .. اللي يهمني راحتك.
رمته نهال بنظرة كراهية واحتقار، ثم تابعت نزولها وخرجت من هذا السجن بأكمله .. وعندما جلست بسيارتها نظرت بسوداوية للقصر الكبير وقالت بعذاب :
_ أنا اللي رميت نفسي في الجحيم ده وبدفع التمن .. بس مش هفضل كده على طول، وأشهد لازم يرجعلي بأي طريقة.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وباليوم التالي في الصباح الباكر ..
استيقظت “رقة” مثل عادتها وتوضأت وصلت صلاة الضحى، ثم أعدت فطورًا سريعا لشقيقتها شهد وايقظتها برفق هامسة :
_ أصحي يا شهد بقا .. أنا جهزتلك الفطار أهو عشان متتأخريش عن أول محاضرة .. يابت أصحي.
وابتسمت عندما وجدتها شقيقتها التوأم شهد تفتح عينيها بكسل وتتثاءب ، ثم اعتدلت شهد وابتسمت بحالمية وقالت :
_ يخربيت ده حلم .. آآآآه لو يتحقق !!
ضحكت رقة وهي تعد ساندويتشا سريع وتلفه بورقة جرائد وتضع في حقيبتها ثم قالت بسخرية :
_ يا ترى حلمتي بإيه تاني ؟ .. اكيد بالفرح !
ورغم سخرية رقة ، إلا أن هذا ما حدث بالفعل وأجابت شهد بثقة وهي تنهض من الفراش ببطء :
_ كنا نجنن أنا وأنتي بالأبيض يا رقوقة البرقوقة..
ضحكت رقة مرة أخرى وقالت :
_ أول مرة أشوف حد بيألف أحلام على مزاجه ..!
ردت شهد بسخرية :
_ وهفضل أحلم احلام على مزاجي .. هو لا هيبقى واقع ولا حتى خيال !! ..
تركتها رقة وقالت قبل أن تغادر للعمل :
_ افطري قبل ما تمشي ومصروفك تحت المخدة يا سندريلا ما تنسيش ..
وضحكت رقة وهي تغلق الباب وتغادر ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وفي كلية الهندسة بجامعة القاهرة ..
لاحظت نور شرود صديقتها شهد والابتسامة البلهاء المرتسمة على وجهها وهما جالستان على أحد المقاعد بقاعة ضخمة للمحاضرات، نغزتها بذراعها هامسة :
_ ما تبطلي سرحان وتقوليلي في إيه ؟
اتسعت ابتسامة شهد وقالت :
_ هي حاجة تافهة .. بس بسطاني ومغيرة مزاجي للأحسن.
تحمست نور لتعرف الأمر وقالت :
_ طب ما تبسطيني معاكي !.
روت لها شهد الأمر وهي تضحك بسخرية، ولم تلاحظ أن الثلاثي المغرور يجلسن خلفها واستمعن للأمر .. فقالت أحداهن بعجرفة وتدعى نيللي :
_ أنتوا هتصدقوها !! … بقا دي أختها هتتخطب لأشهد شاهين المقاول المشهور ! … دي اكيد كدبة إبريل !.
وردت عليها أحدى أفراد الثلاثي وتدعى رباب :
_ بس هي هتكدب ليه يا نيللي ؟! ..
قالت الثالثة ” كرما ” بحقد وهي تنظر لشهد:
_ البت دي اصلًا شايفة نفسها معرفش على إيه ؟ ..
وانتبهت شهد أخيرًا لحديثهن، ودهشت عندما اعتقدن أن الأمر حقيقيا ولم ينتبهن لبداية الحديث عندما قالت أنه مجرد حلم !! .. وانتبهت شهد أيضا لما لقول نيللي وهي تتحدث :
_ بطلوا هبل وعبط .. أشهد شاهين هيبص للجرابيع دول ؟!
وغلت الدماء بعروق شهد واستدارت لها قائلة بشراسة :
_ ومايبصش ليه يا حربوءة منك ليها .. ما تلمي نفسك يابت أنتي وهي !.
وضعت نيللي يدها على فمها ثم قالت بأشمئزاز :
_ الفاظك بيئة زيك ! ..
حاولت نور منع شهد من تهورها ولكنها فشلت، فقد نهضت شهد وقفزت عليهم وبدأت تصفعهن وتكيل لهن الضربات بغيظ فصرخن عاليًا بمحاولة بائسة للفكاك من براثن تلك الشرسة .. وحينما دخل مُعيد المادة الدراسية حولهن للتحقيق ومجلس التأديب بسبب ما حدث داخل القاعة الدراسية ..
ووقفن الأربع فتيات للتحقيق بتلك الواقعة .. حتى قالت نيللي وهي تبك وتستغيث :
_ أنا مكلمتهاش والله … هي اللي لقيتها هجمت علينا وضربتنا وعورتنا ..
واكملت كرما قائلة بدموع كاذبة :
_ والله يا فندم ما عملنالها أي حاجة .. ده احنا حتى كنا لسه هنباركلها عشان أختها اتخطبت للمهندس أشهد شاهين صاحب شركات شاهين جروب .. معرفش هي عملت كده ليه.
وارتبكت شهد مما يحدث ، وخصيصا عندما سألها أحد أفراد التحقيق عن الأمر كليًا .. حاولت أن تراوغ ولكنها لم تفلت عندما أوقعتها بالفخ الفتاة المسماه بـ رباب قائلة :
_ أحنا سمعناها وهي بتقول كده والله العظيم وكنا لسه هنباركلها ، لقيناها هجمت علينا والباقي حضرتك عارفه ..
وسألها الرجل قائلا بجدية ووقار :
_ ده حصل فعلًا يا أنسة شهد ؟
ابتلعت شهد ريقها بتوتر ، المطلوب منها الآن إيما أن تكذب الأمر وتقول أنه مجرد حلم وتتحمل كم السخرية والتنمر الذي ستتلقاهما من زملائها عقب خروجها من هنا .. أو تؤكد الخبر ، وفكرت قليلًا ووجدت أن لا احد سيتحمل العناء ويتواصل مع أشهد شاهين خصيصا ليعرف صحة الخبر فقالت :
_ أيوة يا فندم .. لأنهم شتموني أنا وأختي وقالوا علينا جرابيع ! .. فيها إيه يعني لو أشهد شاهين خطب أختي ! .. ايه الصدمة في كده ؟!
رد عليها الرجل بلطف وقال :
_ لو ده فعلا حصل وهما قالولك كده هيتعاقبوا .. اتفضلوا دلوقتي وأنا هعرف بطريقتي مين الصادق فيكم ومين الكداب .. بس اللي هتأكد من كدبه فيكم يتحمل اللي هيحصله، لإني مش هسمح للي حصل ده يحصل تاني داخل الجامعة ..
وكان حديث الرجل مهذبًا عادلًا، إلا أن شهد تعترف لنفسها أنها بالفعل كذبت خوفا من التنمر ، وقد أوقعتها الصدف بتلك الكذبة، فلو كان الفتيات انتبهوا لبداية الحديث وعلموا أن الأمر مجرد حلم فما وجدت منهن سوى التنمر المباشر والسخرية وأنتهى الأمر .. أما الآن فهي بورطة كبيرة لا تعرف كيف ستخرج منها !
واسرعت نور لصديقتها حينما وجدتها تغادر وسألتها بقلق :
_ عملتي إيه يا شهد ؟
روت لها شهد ما حدث فطمأنتها نور وقالت :
_ الموضوع هيعدي وهيتنسي ما تقلقيش، هو يعني مين اللي هيهتم يروح يسأل أشهد ده هو خطب أختك ولا لأ ؟! … شهر ولا حاجة وأبقي قولي الحقيقة أو حتى أن الخطوبة اتفسخت.
قالت شهد بضيق شديد :
_ مابحبش أكدب يا نور .. بس التلات عقارب دول لو عرفوا أن ده كان حلم بحكيه مش هخلص منهم تريقة .. هيكرهوني أجي الجامعة .. أنا مش عارفة حاطني في دماغهم ليه ؟!
واستها نور قائلة :
_ من ساعة ما رفضتي تغششي نيللي وشالت المادة وهي مش طيقاكي … بس صدقيني الموضوع هيعدي ومحدش هيركز ..
تمنت شهد أن يحدث ذلك وتنهدت ببعض القلق ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وفي أحد المصانع الخاصة بطباعة الأقمشة والمفروشات ..
وقفت رقة أمام طاولة مستطيلة ممتدة من بداية الطابق الثاني للمصنع حتى آخره، وبعدما رتبت الأقمشة على الطاولة لتجهيزها للطباعة اليدوية أتى إليها رئيس العمال وهتف بالجميع قائلا :
_ خفوا ايديكم شوية صاحب الطلبية جاي بعد ساعتين يستلمها.
اسرعت رقة مع زملائها من الفتيات والشباب لأتمام الأمر في أقصر وقت ممكن، وعند مرور رئيس العمال على الجزء المطبوع من تلك الطلبية وجد خمس عينات من القماش المطلوب طباعته ملطش بالألوان ومثقوب ، فصاح بالقاعة بصوته المزعج قائلًا :
_ مين اللي بوظ العينات دي ؟!! هو أحنا في كل طلبية تخرجولي كام حتة بايظين وتسمعوني من الناس كلام يحرق الدم ؟! ..
لم يرد أحد من العمال، رغم أن رقة كانت تعرف الفاعل ولكنها لم تحب أن تتسبب في أذى أي شخص .. وظل رئيس العمال يصيح بصوته العالي، والذي كان يصيب رقة بالارتجاف والرعشة الواضحة والتوتر الشديد .. فتسحبت احدى الفتيات الجدد وهمست للرجل قائلة بخبث :
_ البت رقة اللي فسدتهم .. كانت بتصلح الرتوش اللي طبعتها بمسدس الكهربا وخرمتهم ..
نظر الرجل بغيظ لرقة، ثم توجه لها وظل يكيل لها الشتائم ويصرخ بوجهها بعنف، وحاولت أن تخرج صوتها وهي تبك وترتجف ولكن دون جدوى ، وحينما غادر رئيس العمال وهو لا زال يتمتم بالسباب جلست رقة بأحدى الزوايا وانكمشت على نفسها وظلت تبك وترتجف بعنف وتشهق .. ولأن الجميع اعتاد على مظهرها هكذا لم يعيرها أحدًا أي اهتمام أو عطف.
وبعد دقائق كثيرة كان لابد أن تنهض وتعود لمواصلة عملها، وإلا ستنال المزيد من التعنيف.
وبعد ساعات عادت للمنزل بعينان متورمة من البكاء، بينما وجدت شهد ممددة على الفراش متظاهرة بالنوم حتى لا تلاحظ شقيقتها مدى التوتر والقلق عليها ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وباليوم التالي ..
ذهبت شهد للجامعة كالمعتاد .. وقد تحسنت حالتها النفسية حتى أنها قد سخرت من نفسها لمدى تضخيم الأمر بالأمس، ولكنها فوجئت بعدد من الطالبات قد أتين إليها للمباركات والتهنئة .. وتسمرت شهد عندما قالت أحدهن بعفوية :
_ على فكرة الباشمهندس أشهد شاهين ليه ندوة مهمة الاسبوع الجاي .. بما أنه أصلا خريج كلية الهندسة وكان الأول كمان .. وبقا في ظرف كام سنة رجل أعمال مشهور وناجح ومشاريعه مكسرة الدنيا.. فده مثال وقدوة للطلبة اللي زينا .. خصوصا أنه بنى نفسه بنفسه ..
فغرت شهد فاها من الذهول ، إذا كان الأمر هكذا فقد انتهت كليًا ، كادت أن يختل توازنها وتسقط على الأرض ولكنها توازنت قليلًا ثم قالت:
_ بعد أذنكم يا جماعة .. حاسة أن عندي هبوط !
ركضت احدى الطالبات نحو شهد وأشارت لها بصفحات احدى الجرائد قائلة :
_ الحقي يا شهد .. خبر خطوبة أختك اتنشر في الجرايد كمان .. أنا دلوقتي بس صدقت أنك صادقة !
وعانقتها الفتاة بفرحة وحماس ، بينما تخشب جسد شهد وانتبهت لنظرة نيللى الساخرة من بعيد ، وادركت أنها خلف هذا الأمر ، بما أن نيللي من عائلة ثرية ولديها معارف كثر ..
وهمست نيللي لصديقتها رباب قائلة بسخرية :
_ لبستها في الحيط وحطيتها قدام الأمر الواقع … أما نشوفها بقا هي كدابة ولا لأ .. أصل لو كدابة يبقى هي كده نولتني اللي في دماغي.
وضحك كلا من رباب وكرما على ما قالته نيللي ومكيدتها لشهد .. بينما شهد اسرعت للخروج من الجامعة وكأنها هاربة من جريمة .. !
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبعد عدة أيام..
تنفس أشهد بعمق وتفكير وهو بمكتبه بالشركة ويقرأ كالعادة الاكاذيب والإشاعات عنه، ولكن تلك المرة بطريقة مختلفة.
فقد وجدت نهال طريقة مختلفة تماما لتشويه سمعته، حتى تلقى اتصال هاتفي من شقيقه حازم الذي قال بمجرد أن أجاب أشهد:
_ أنت لقيت البنات اللي هيقوموا بالمهمة ولا إيه؟ … أصل الخبر اللي منشور عنك..
قاطعه أشهد بهدوء:
_ لسه ما لقيتهمش.. والخبر ده ماليش علاقة بيه، رغم أنه هيخدمني الفترة الجاية ..
تعجب حازم وقال:
_ فكرت إنك انت اللي وراه! … عجيبة؟!
مش معقول نهال تبقى بالغباء اللي يخليها تنشر الشيء وعكسه!! ..
رد أشهد قائلًا بسخرية:
_ أي كان مين اللي وراه، فهو في مصلحتي من جميع الجهات.
قال حازم بحسم:
_ حتى لو في مصلحتك.. أنا المرادي بالذات مش هسيب اللي بينشر عنك الاشاعات دي وهعرف مين اللي وراه..
قرأ أشهد بعض الجمل بالخبر وقال:
_ هو عموما مكتوب أن خطيبتي اللي أنا معرفهاش تبقى أخت طالبة بكلية الهندسة .. وبما أن عندي ندوة هناك فسيبلي الموضوع هعرف مصدره وحقيقته..
قال حازم بحدة:
_أعرفلي بس مين الطالبة دي وسيب الباقي عليا.
وانتهت المكالمة وتجاهل أشهد الأمر وعاد يواصل عمله.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وظلت شهد ماكثة بالمنزل ورفضت الذهاب للجامعة بالايام التالية .. ويوما بعد يوم الخوف يكبر بقلبها من كشف الحقيقة التي من البداية لم تكن كذبة بل سوء فهم!
ولاحظت رقة اعتكاف شقيقتها بالمنزل وندرة حديثهما على غير العادة، فسألتها مرارًا وتكرارًا ولم تخرج بشيء سوى الصمت .. حتى بعد مرور أسبوع صممت رقة وقالت لشقيقتها بعدما عادت من عملها بالمصنع ووجدت شهد شاحبة الوجه كأنها مريضة:
_ لا يا شهد .. أنتي متغبيش من الجامعة الا لحاجة كبيرة وخطيرة .. أنتي بقالك اسبوع مابتروحيش !! .. ده أنتي لما كان يفوتك محاضرة بتبقي مش على بعضك ومتنرفزة ! .. في ايه قوليلي وطمنيني !
اعتدلت شهد وجلست على الأريكة وعينيها مليئة بالخوف حتى قالت شقيقتها رقة مرة أخرى بقلق:
_ أنتي مخبية عني حاجة! .. في إيه خوفتيني؟
ارتعشت شفتي شهد وهي تعترف لشقيقتها بالكذبة الغير مقصودة التي تحولت لكارثة، وقالت بتوتر في ختام حديثها:
_ الندوة بكرة، واكيد لما يوصل الجامعة هيعرف، أنا مرعوبة وخايفة اتكشف.. هتبقى مصيبة لو اتعرفت الحقيقة!.
شعرت رقة بأنها تكاد أن تفقد وعيها من فرط الخوف وقالت:
_ أنتي ودتينا في داهية، هو أحنا قد أشهد شاهين وأخوه؟! .. ده أخوه يبقى الضابط اللي قبض على شوقي وعصابته وعامل رعب للمنطقة بحالها .. هنعمل إيه دلوقتي ونروح فين؟!.
نظرت شهد لشقيقتها بخوف شديد ولم تستطع التفوه بالمزيد، ولاحظت رقة أن شقيقتها شهد لأول مرة يبدو عليها القلق والخوف لهذا الحد .. وفكرت رقة بشيء كان يجسد الرعب الحقيقي بالنسبة لها.. ولكن أن استطاعت مقابلته والتحدث معه قبل أن يصل غدًا بالجامعة، سيكن ذلك أفضل بكثير من أن يكتشف الأمر بنفسه وفضح الكذبة أمام الجميع.
انتظرت رقة حتى خلدت شقيقتها شهد للنوم مرة اخرى، وتسحبت من المنزل بعبائتها السوداء البسيطة، وتوجهت نحو العنوان التي تذكرته بصعوبة عندما أخبرتها به جارتها الطيبة’أم بسنت” في أحدى المرات التيكانت تنحدث فيها ام بسنت عن عائلة هذا الضابط الجديد وثرائهم.
وفي الطريق كادت رقة أن تسمع دقات قلبها من الخوف، خصيصا كلما تذكرت الوصف المخيف التي وصفته جارتها لهذا الرجل وهيئته.
الساعة الٱن قد دقت الثامنة مساءًا .. فربما كان بعمله الٱن.!
على كل حال لابد أن تتحدث معه اليوم .. ليس هناك المزيد من الوقت كي تؤجل تلك المقابلة.
وعند مبنى شركته الضخم خرجت من السيارة الأجرة وتوجهت مباشرةً للحارس كي تسأله.
فأشار لها الرجل نحو سيارة فارهة على بعد مترات قليلة منهما وقال:
_ الحقيه قبل ما يمشي.. لسه طالع من دقيقة وركب عربيته.
استدارت رقة للسيارة ونظرت اليها لبرهة، وركضت نحوها، ثم وقفت ولمست زجاج الباب الخلفي الذي لا يظهر ما بالداخل واطرقت عليه وعينيها تتوسل الاستغاثة.
ولكن……
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية كسرة وضمة وسكون) اسم الرواية