Ads by Google X

رواية ديجور الهوى الفصل الحادي و العشرن 21 - بقلم فاطمة طه

الصفحة الرئيسية

   


 رواية ديجور الهوى الفصل الحادي و العشرن 21  -   بقلم فاطمة طه

أنتِ مشاعرك عبارة عن عواصف رعدية مُستمرة برقٌ ورعد و مطرٌ غزير، أنتِ مثل حالات الطقس لا يمكن التنبُّؤ بِها تارةً تكوني مُشمشة ودافئة، وتارة باردةً وغير أبهة لشيء.
#مقتبسة
– إنّك تقف في قلبي مثل قطع الزجاج رغم معرفتي بأنك تؤلم روحي إلا أني أخبئك هناك.
– دوستويفسكي 📚
كتمان الشوق حزن أخر ، فأنا مشتاق لك حد التعب، وأكابر حتى لو اني من الشوق ميت.
#مقتبسة
-‏هي الأشواق مركبُنا وهذا القَلب قدْ أبحَرْ .
#مقتبسة
__________
في مكتب “عادل”.
كان يجلس هلال برفقة شريف، بعدما صرح شريف بما يريده من هلال أخذه على المكتب المتواجد في الفيلا الذي يقطن بها والده، حتى لا يسمعهما أحد..
وبمجرد دخولهما تحدث هلال بانفعال لا يصدق طلب صديقه والعلاقة العجيبة التي تجمعه بتلك الراقصة:
-أنتَ اتجننت صح؟! يا اما بتهزر، ولو بتهزر هيبقى هزار سخيف.
تحدث شريف بنبرة جامدة:
-دي خدمة إنسانية.
جلس هلال على المقعد الذي يقابل مقعد شريف متمتمًا في جنون:
– هو أيه اللي خدمة انسانية متنرفزنيش، شريف اللي بابا عمله زمان علشانك، مش هكرره تاني، ساعتها بابا عمل كده علشان أنتَ صاحبي وعلشان اتعاطف معاك وشافك صاحب حق رغم أننا اتحايلنا عليك تسلم نفسك وأحنا هنشوف ليك أهين حكم بس أنتَ اللي رفضت علشان أختك.
أبتلع هلال ريقه ثم أردف بنبرة منزعجة:
– لكن أنا مش هكرر ده تاني ويوم ما اعملها تاني أعملها لرقاصة معرفش أصلا هي وراها ايه؟! اعرفها منين أنا علشان اعمل ليها حاجة زي دي؟! ولا نعرف ليها أصل، أنا محامي مش مزور يعني مش علشان عملناها مرة يبقى سهل نعملها كل مرة…
نظر له شريف بسخرية…
هل سيكون خلفها أكثر مما كان خلفه هو؟!!…
فهو أرتكب جريمة قتل ما الذي من الممكن أن يكون أقوى من ذلك؟!.
وازعجه ذكر بأنها راقصة..
بات الأمر معروفًا للغالبية بسبب المقطع الذي أصبح متداول لها، وهلال يعلم من قبل ذلك حينما أخبره بما يؤرقه..
يا ليته لم يفعل..
تمتم شريف في نبرة هادئة موضحًا الأمر:
-طيب خلاص اهدى بلاش حوار البطاقة ده انا هشوف حد تاني يعمله ليها بس شوف حوار امها على الاقل هي كانت متجوزة مين وأي معلومات تقدر تجيبها عنها هبعتلك صورة البطاقة بتاعتها والرقم القومي على الواتس.
تحدث هلال بنبرة عادية محاولا أن يكف عن غضبه فهو من الأساس لا يقبل بعلاقة صديقه بتلك الراقصة مهما كانت دوافعها وأسبابها، تلك المرأة خطر عليه:
-ماشي حوار أمها ده سهل ابعتلي بس البطاقة وأنا هتصرف وخلال كام يوم وهقولك الدنيا فيها ايه، بس أكتر من كدا مش هعمل، وياريت متحاولش تتورط مع الست دي أكتر من كده يا شريف يمكن كل دي حكايات من دماغها وده مش حقيقة الله أعلم وراها ايه وأنتَ مش ناقص.
هتف شريف بنبرة يائسة من حياته ومن قلبه البائس الذي وقع في حب راقصة:
-هتعمل ايه يعني لو اتورطت معاها؟! محسسني اني انا اللي مفيش مني اتنين وحياتي بيضاء وهي هتكون النقطة السوداء اللي في حياتي، وبعدين أنا متأكد انها مش تكدب عليا..
-متأكد منين؟!!! أنتَ بتحكم عليها بقلبك لكن المنطق بيقول لازم تبعد عنها وفورًا.
قال شريف بنبرة متهكمة خافتة ظن أن هلال لم يسمعها:
-ياريتها سهلة.
لوى هلال فمه في تهكم ولم يعقب بل كانت نظراته كافية، فقال شريف بنبرة حاول أن يصدقها عقله لكم قلبه يعلم أنه لن يتخل:
-متقلقش مفيش حاجة بيني وبينها عمومًا، هي طلبت مني خدمة مش أكتر، أنا اكيد مش هيكون ليا علاقة مهما كان شكلها مع شمس وهقطع معاها بعد الحوار ده.
لم يصدقه فهل هناك شخص سيطلب من أحد طلب هكذا إلا لو كان يشكل شيء هام في حياته؟!!..
ويحتل مكانه ليست بالقليلة في قلبه…
_____________
لليوم الثاني على التوالي ذهبت فيه فردوس إلى صالة الألعاب الرياضية بعد أن أخبرتها إيمان بأنها عليها ألا تتوقف أبدًا، فلو جلست اليوم واستسلمت إلى تعب جسدها وبعدها في اليوم الذي يليه فعلت الأمر نفسه، في كل مرة ستشعر بنفس الألم في عضلاتها، عليها على الأقل أن تستمر لمدة أسبوع يوميًا وبالرغم من أن هذا هو اليوم التالي ومازال الألم تشعر به إلا أنه تناقص بشكل ملحوظ عن اليوم السابق، وشعرت بالألفة تجاة النساء هناك، بل توسعت علاقتها وبدأت في تبادل الأرقام معهم، والحديث معهم، فالذهاب إلى هذا المكان رُبما في بعض الأحيان يعالج نفسيتك بالتعرف على بيئة جديدة وأشخاص جديدة………
وها هي في نهاية اليوم عادت إلى المنزل وتناولت طعامها، والتزمت الجلوس في غرفتها فهي لا تشعر بالراحة منذ عودة أفنان على أي حال ولا تجد سبب لهذا الشعور تحاول تفسيره رُبما لأنه بات هناك رجل غريب في المنزل مثلا؟! لا تعلم حقًا المشكلة أين؟!..
أخذت حمام دافئ وأخذت تقوم بتعطير الغرفة حتى تشعر برونق مختلف وقامت بفتح الشرفة وتزامنًا مع تلك الحركات سمعت صوت طرقات خافتة على الباب……
فأذنت للطارق لتجد أمامها دعاء تلج إلى الغرفة وهي تشعر بالضجر الشديد ورُبما الضيق لأن ابنتها في تلك الأيام تجلس مع طليقها، طليقها الذي يفسد نظام الفتاة دومًا لأنه نظامه مختلف عنها وعن والدتها…
هتفت دعاء بنبرة منزعجة:
-لقيتك مطنشاني بقالك يومين، فقولت أجي، مهوا كل من راح الجيم وشاله حديدتين هينسى صحابه.
ضحكت فردوس ثم غمغمت وهي تشير لها:
-خشي يا دعاء وحشتيني والله كنت بفكر أعدي عليكي، عاملة ايه؟! ايه اخبارك وايه اخبار الحمل؟!.
جلست دعاء على الفراش واستندت بظهرها عليه وكذلك فعلت فردوس جلست أمامها:
-الحمدلله يا فردوس كله بخير، المهم أنتِ عاملة ايه في الجيم؟!.
قالت فردوس بثرثرة وهي تحاول أختصار الامر لها فهي بالفعل اشتاقت للحديث مع دعاء:
-مقتولة في الجيم يا دعاء، ده كله بيتحرك وبيتنطنط ومحسوبتك بتنزل مبتطلعش ببقى عايزة حد يقومني، مع ان ما شاء الله في ناس اتخن كتير مني بس حركتهم خفيفة، بس يعني هو الموضوع معتمد على اللياقة والكوتش قالتلي ان مع الوقت هحس بتحسن وان ده طبيعي في الأول.
أردفت دعاء بنبرة باهتة ليست دعاء التي تعرفها:
-كويس.
سألتها فردوس بشكٍ:
-مالك يا دعاء؟! في حاجة مزعلاكي؟!.
تمتمت دعاء بقهر وهي تقص لفردوس ما لا تستطيع أن تخبر بكر به:
-يعني اللي يتخفي اسمه واخد البت بقاله كام يوم ومش عارفة اكلمها براحتي، وكمان هو وامه بيفضلوا يملوا البت من ناحيتي، وامي وقعت بلسانها قدام امه وتقريبا عرفت اني حامل وانا خايفة يقولوا للبت كلام وكده يسخنوها عليا، او يخلوها تغير وبعدين هما عايزين يشيلوا البت من ناحيتي.
أبتلعت ريقها ثم أسترسلت حديثها:
-خصوصًا أن بقالهم فترة عمالين يحاولوا ياخدوا البت تعيش معاهم وتسيب البيت عند امي وده شيء مش هستحمله ولا هقبل بيه، وانا مش عايزة بنتي تبعد عني على الاقل عند امي نص الاسبوع بتبقى هنا معايا ونص الاسبوع مع امي ويشوفها واكلمها وقت ما اعوز.
أردفت فردوس محاولة بث الطمأنينة بها:
-متقعديش تنكدي على نفسك، ان شاء الله هتطلع دي مجرد اوهام ويكونوا عقلوا واكيد مش من مصلحتهم يشيلوا البت منك ومش من مصلحتهم أنها تقعد معاهم مش هيعرفوا اصلا ياخدوا بالهم منها.
هزت دعاء رأسها بضيقٍ وهي تغمغم:
-ايوة بس العند وحش.
تمتمت فردوس بتفاؤل لا تشعر به في حياتها ولكنها مجبرة على استخدامه من أجل دعاء:
-ان شاء الله خير وبعدين اول ما ترجع ياستي أنتِ اتكلمي معاها وفهميها وأنا شايفة أنها متعلقة بيكي وببكر أكتر من ابوها ففكي بقا.
هتفت دعاء في تمني:
-يارب يا فردوس تطلع دي مجرد تخيلات من دماغي.
ثم نظرت على ملابس فردوس قائلة بنبرة ساخرة وهي تقوم بتغيير الموضوع في ثواني معدودة:
-هو أنتِ كل لبسك كده يا فردوس؟!.
نظرت فردوس على ملابسها بشكٍ وأردفت باستفهام:
-مش فاهمة ماله لبسي؟!.
تمتمت دعاء بضيقٍ واختناق:
-مقفل زيادة عن اللزوم، قافلة مياة ونور على الراجل اللي ما شوفتك مرة بالغلط لما بجيلك الاوضة لابسة حاجة كده ولا كده، حاجة كت، هوت شورت، ياستي شورت بس، اي حاجة.
نظرت لها فردوس بريبة لا تفهم حقًا متى تلك المرأة تتحدث بجدية ومتى لا؟!!…
فهي تغير المواضيع بسهولة ويسر عكسها هي تمامًا…
نهضت دعاء قائلة بنبرة ساخرة وهي تتوجه صوب الخزانة، لم تترك لها فرصة أن تستوعب كلماتها السابقة:
-مهوا اكيد في حاجات تانية وأنا اللي ظلماكي، بقولك ايه تزعلي لو فتحت الدولاب مع اني عايزة مصحلتك…..
في الواقع هي تنزعج حينما يقوم شخصًا ما بالتطفل على ملابسها أو أي شيء يخصها ولكنها دعاء لذلك قامت بهز رأسها بالنفي بمعنى أنها لن تنزعج…
ففتحت دعاء على الفور الخزانة لم تهتم بالجزء الموضوع فيه الملابس الخاصة بالخروج ولكنها نظرت على الملابس المنزلية لم تجد أي شيء قد يلمح بأن تلك غرفة أمرأة متزوجة، جميع الملابس محتشمة بشكل مبالغ فيه حسب رؤيتها..
مما جعل دعاء تغلق الخزانة بسرعة وكأنها رأت وحشًا قائلة بعدم تصديق:
-فردوس ده دولابك بجد ولا دولاب واحدة بتحضر دراسات عليا ومشافتش جواز؟!.
تمتمت فردوس بخجل طفيف:
-اكيد مدام دي اوضتي يبقى ده دولابي…
شهقت دعاء بهلع وهي تغمغم:
-لو ده دولابك بجد تبقى كارثة، كارثة، فين ياست أنتِ الحاجات اللي ممنوعة من العرض وللكبار فقط، والحاجات لسن العشرين لفيما فوق، طب ياستي فهمنا العلاقة دلوقتي ما بينكم، بس فين حاجتكم لما كنتي عروسة؟! اكيد مولعتيش فيها مثلا.
عقدت فردوس ساعديها وهي تجيبها ولا تدري حتى متى بدأت في الانطلاق والحديث مع دعاء بتلك الحرية:
-كل اللبس وكل حاجة كنت جيباها قبل ما اتجوز، بعد شهور من جوازي اديتها لبنت على قد حالها لسه هتتجوز حسيت أفيد بيه حد أحسن، وحتى اللبس ده كله يعتبر جيبته بعدها، محبتش أي حاجة قديمة منهم تفضل موجودة لأني مكنتش عايزة اشوف اي حاجة اتخيلت نفسي بيها وفرحت بيها وانا بجيبها.
أي قصة مؤلمة تسمعها من فردوس…
كلما ظنت دعاء بأنها وصلت إلى أعماقها يتبين لها بأن الأكثر لم تعرفه بعد…..
لا تظن بأن هناك أمرأة من الممكن ان تفعل هذا بالأشياء التي قامت بشرائها من أجل ان تكن بهيئة عروس جميلة في عين زوجها قد تتخلى عنها بسهولة إلا إذا ذُبحت..
هتفت دعاء بحيرة:
-هو أنتِ للدرجاتي كنتي قاطعة الأمل أنك تكملي مع كمال؟!..
هزت فردوس رأسها بصراحة مطلقة وهي تقول:
-ايوة كنت قاطعة أي امل، بالذات لما قالي أنه لو عايزة اطلق هيطلقني، ساعتها رفضت وأنا بقنع نفسي اني هعرف شريف فين، عملت كل المحاولات اتواصلت مع ناس كتير من غير ما كمال يعرف، وساعات كان بيعرف بعدها وبندب خناقة، عملت حاجات كتير اوي وكان دايما النتيجة اللي بعرفها أن شريف فص ملح وداب ملهوش أي أثر.
أبتسمت بألم وهي تسترسل حديثها:
-كنت بسكت نفسي اني هلاقي شريف ووقتها هطلق من كمال صدقيني أنا نفسي مكنتش اظن اني هفضل على ذمته الوقت ده كله، بس ولا لقيت شريف ولا اطلقت، ولا عارفة ابعد عن كمال ولا عارفة حتى أقرب منه، حياة الناس كلها بتمشي إلا أنا مش عارفة لا أرجع خطوة ولا عارفة أكمل.
-بتحبيه؟!.
هزت فردوس رأسها وهي تمسح دمعة هبطت من عيناها:
-اه ومحبتش راجل غيره، ومعتقدش العمر فيه وقت علشان اعرف احب حد غير كمال هو دخل وقفل المفتاح عليه ومش عارفة اخرجه من جوايا.
سألتها دعاء بحيرة:
-الحب ده ميستاهلش تحاولي؟!.
تمتمت فردوس بصدقٍ:
-يستاهل أعمل أي حاجة علشانه، واديله عمري، تصدقي كمال قال اني انانية، رغم ان جزء مني رغم جناني وغيرتي اللي مش مستحملة انه يكون مع واحدة غيري إلا أن في حتة جوايا نفسي انه ينبسط يمكن واحدة غيري تقدر تديله اللي معرفتش اديهوله.
أبتلعت ريقها واخرجت الكلمات منها ولا تعلم كيف:
يمكن تجيبله الولد او البنت هو طول عمره نفسه أنه يخلف ويكون أب رغم ان دي أكتر حاجة هتوجعني….
قالت دعاء بانفعال ملحوظ وكأنها طرف ثالث في تلك العلاقة:
-ما تجبيه أنتِ ولا أنتِ اتشليتي؟!!.
ثم أردفت دعاء بنبرة ذات معنى:
-خليكي كده والتانية هتلاقيه بتسويه على الجانبين وبتعمله اللي ميتعملش وأنتِ قاعدة بتبكي على الاطلال، وبعدين يعني متزعليش مني ما تعيشي مع جوزك وانسي اللي حصل مش هو اللي قتل اخوكي، اخوه اللي عمل كده وكفايا انه متعاقب، الهروب والخوف من المصير ده اسوء من الإعدام هتلاقيه بيموت كل يوم.
تمتمت فردوس بصدقٍ واختناق:
-اخويا حسن مكنش يستحق الموت يا دعاء، مكنش يستحق يموت ده كان ابويا وكل حاجة ليا، اخر حاجة ليا في الدنيا اللي بتسند عليه، مش لاقية سبب يخلي شريف كان يتخانق معاه ويقتله حتى لو عن طريق الخطأ.
قالت دعاء بنبرة حكيمة:
-فردوس شريف معرفش يشوف امه وهي في المستشفى تعبانة وكان لقدر الله ممكن يحصلها حاجة ساعتها، شريف الله اعلم هو فين، هو ميت مكان ما هو موجود.
هتفت فردوس بنبرة مختنقة والعبرات تهبط من ملقتيها:
-دعاء الله يخليكي بطلي كلام في الموضوع ده.
تمتنت دعاء بتفهم قائلة بنبرة مرحة:
-طيب، خلاص خلينا نبطل كلام في السواد ده، خلينا نفكر نملى الدولاب ده حاجات كده من اللي تشرح القلب وتبين الامكانيات..
تشعر فردوس باشتعال وجنتيها وبالتأكيد قد أحمر لونهما رغم أنها لم ترى هيئتها في المرأة ولكنها تجد دومًا دعاء أمرأة جريئة لا تدري هل هذا لأنها قد تزوجت مرتين؟! أم أن تلك شخصيتها المرحة الانثوية حتى دون تلك التجارب، لا تعلم السبب الحقيقي ولكنها مختلفة عنها….
غمغمت فردوس بنبرة مكتومة:
-ملهوش لزوم كمال بينام في المكتب ومش هيقعد هنا.
غمزت لها دعاء بلؤمٍ وهي تتحدث:
-يعني دي المشكلة بس؟!.
هزت فردوس رأسها نافية مغمغمة:
-اكيد لا، حتى لو جيبت اللي بتقولي عليهم دول، أنا مش هعرف ألبس كده قصاده، وهتبقى دعوة صريحة مني لحاجة أنا لسه مش حاسة اني مستعدة ليها أو هكون مرتاحة لو حصلت.
تمتمت دعاء بمكرٍ:
-مش مستعدة ايه يابت طب عيني في عينك كده؟!.
قالت فردوس باستنكار:
-دعاء لمي نفسك.
تمتمت دعاء بطريقة حاولت جعلها لبقة أكثر:
-خلاص أنتِ مش مستعدة دي فهمناها عندك حق، بس خلينا نقول اغراء برئ يابت يا بريئة، خليه كده مش قاعدة لا حامي ولا على بارد اسمعي بنصيحتي شوقي شوية، الست الصح هي اللي بنظرة واحدة تخلي جوزها مش على بعضه.
غمغمت فردوس بارتباك:
-والله يا دعاء أنتِ واضح أن دماغك لسعت وده غلطي اني بسمع كلامك، أنا وكمال علاقتنا أبعد حتى من النقط اللي أنتِ بتتكلمي فيها….
هتفت دعاء بجدية زائفة وهي تنظر لها:
-وماله أحنا نقربها، ونقرب كل حاجة بعيدة، خليه مشتاق يعني مش لازم ياستي حاجة من اللي في بالك، المهم متبقيش باردة يعني، اطلبي منه يجي ينام هنا لما يجي في الأيام بتاعته حسسيه أنك مهتمة مش بتمني عليه، وهو بيحبك هيلين معاكي ولما يبدأ ينام هنا هندخله في المصيدة.
صاحت فردوس باستنكار:
-هو فأر يا دعاء أنتِ والله لاسعة وهربانة منك خالص.
وضعت دعاء يدها على كتف فردوس قائلة بجدية:
-يابت أنا بديكي عصارة خبراتي اللي محدش هيقولك عليها، جننيه بيكي لاعبيه شوية، هو مش هيغصبك ياختي لو كان بيعرف يغصب كان عملها من زمان ومكنش ده حالكم، بس مفيش مانع من حبة نار وبنزين في الموضوع…
ثم أسترسلت حديثها بخبثٍ:
-ولا أنتِ عايزة بقا البت تستفرد بيه، وتجننه وواحدة واحدة تلاقي نفسك مركونة خالص على الرقف، مهوا القلب برضو مهما كان بيحب ممكن يحب الدلع ونفسه تتفتح للي بتعرف تناغش وتتكلم وتعمل.
صاحت فردوس بنفاذ صبر:
-أنتِ عايزة ايه يا دعاء؟! علشان خلاص على تكة وهتشليني.
تمتمت دعاء بإصرار رهيب فهي لن تترك تلك العلاقة وهذا الحب أن يكن مصيره الدمار:
-عايزة سلامتك وموبايلك نعمل اوردر محترم كده الأول هدوم تفتح نفس الراجل أنه يجي الأوضة، لولا الحمل كنت نزلت معاكي ولفيت..
هتفت فردوس باستنكار:
-استحالة اعمل كده…
قاطعتها دعاء بسخرية:
-أنتِ فقرية خلاص نطلب وبلاش تلبسي علقيهم وحطيهم في الدولاب اهو العبي على العقل الباطن وخلاص يتخيلك بيهم أي استفادة.
تمتمت فردوس بجدية وهي تنظر لها بريبة:
-أنتِ عارفة؟! أنا هرجع اخلي علاقتي بيكي سطحية تاني علشان أنتِ خطر على دماغي.
أخذت دعاء تندندن بمرح وهي تهز أكتافها:
-خطر، أنا أنا خطر، ياللي سيرتي تعباك قلبك اسود بلاك، اسمي مسمع غصب عنك واسأل هنا وهناك…..
_____________
تجلس شمس في غرفتها بعد أن أغلقت الباب عليها وهي تتصل بثائر..
المرة الخمسون التي تتصل فيها به وأخيرًا أجاب عليها بنبرة فاترة:
“خير يا شمس؟! ايه مش راحمة نفسك، بتتصلي ليه كل ده؟! مدام مردتش من مرة يبقى مش عايز أرد مثلا”
غمغمت شمس بضيقٍ وغيظٍ:
-هو أيه اللي مش راحمة نفسي؟! أنتَ من امبارح معبرتنيش ولا قولت أي حاجة، ولا عرفتني عملت ايه في موضوعي؟!.
جاءها صوته الحانق والغاضب:
“هو أنتِ فاكرة أن اللي أنتِ عاوزاه له رد في ساعتها؟!! واني تاني يوم هسلمك البطاقة في ايدك والمعلومات اللي أنتِ عايزاها؟! أنتِ بتستعبطي ولا شكلك كده؟!”.
تمتمت شمس بانفعال وهي تحاول أن تخفض صوتها قدر المُستطاع:
-ايوة عارفة أنها مش حاجة هتتعمل في يوم وليلة بس برضو تعرفني كلمته ولا مكلمتهوش ولا ايه الدنيا، أنا حياتي على كف عفريت يا ثائر.
سمعت صوته يستغفر ربه حتى يهدأ من أجل ألا يقوم بقول أبشع الأشياء الذي يود قولها، لأنه ببساطة لا يريد أن تظل هناك علاقة بينهم..
في الوقت نفسه لا يريد الابتعاد عنها، ويرغب في مساعدتها…
هو لا يعلم ما الذي يريده…
“مكلمتهوش يا شمس، لسه مقولتش حاجة، عنده ظروف ومش بيجي المكتب أصلا، اتهدي بقا واوعدك لما اعرف أي معلومة هبعتلك رسالة”.
عقبت شمس بعفوية فهي تشتاق له فحتى صوته سوف تحرم منه؟! لن تقبل هذا أبدًا :
-هو أيه اللي تبعتلي رسالة؟! ولسانك بيعمل ايه القطة كلته ولا ناوي تتخرس؟!..
خرجت سبة من بين شفتيه وهو يصرخ باسمها مما جعلها تعقب بخوف وضيقٍ من طريقتها:
-خلاص اسفة حقك عليا، أنا متعصبة شوية الفترة دي وعلى أعصابي مضغوطة من ساعة ما الفيديو انتشر.
على الأغلب هي بدلًا من أن تعتذر؛ قامت بإشعاله دون أن تدري….
تحدث بقسوة وغضب فهو يحترق منذ رؤيته للمقطع بعد عودته من عند هلال ظهر المقطع أمام عينه:
“اقفلي يا شمس الله يرضى عليكي، وبعدين الفيديو اللي ضايقك، والقرف اللي أنتِ فيه من سنين مزعلكيش؟!! فرقت يشوفك ناس كتير من ان شوية صغيرين يشوفوكي؟!! ما الناس متعودة تتفرج على لحمك من زمان، مضايقة ليه المرة دي”.
صاحت شمس والدموع تنهمر من عيناها:
-ثائر بلاش أنتَ تقولها حتى لو كل الناس قالتها…
أتاها صوته وهو يقاطعها بجنون:
“فرقت ايه؟! انا ولا الناس؟! ما هي دي الحقيقة”.
تمتمت شمس من بين دموعها:
-فرقت اني بحبك، واني معاك بس بحس اني كويسة.
“وأنا كمان حبيتك يا شمس، حبيت شمس الكويسة اللي كنت راسمها في خيالي، بس مبقاش ينفع، أنا محبتش غيرك يا شمس في عمري كله، للأسف دي الحقيقة اللي أنا متأكد منها، بس مش هتعمل حاجة ولا ليها أي لازمة أحنا وصلنا لحارة سد ملهاش مخرج لازم كل واحد يرجع في طريقه”.
الدموع تنهمر من عيناها وهي تسمعه يقول:
“أنا بساعدك بس من باب أنك صعبانة عليا ويمكن ده الموضوع اللي موقف توبتك زي ما بتقولي أو يمكن بتمثلي عليا، وفي النهاية دي حاجة تخصك، سلام”.
أغلق المكالمة دون أن يسمع ردها…
هو بالفعل لم يحب أمرأة كما أحبها..
لم يرغب في وصل أمراة كما رغب بها…
لكنها ليست الإنسانة المناسبة، ورُبما لأن الآن هو أدرك خطورة ما كان يفعله حينما يقوم بخداع أمرأة والزواج منها بهاوية مختلفة، لا يرغب في فعل ذلك مرة أخرى مع أي أمرأة..
ورُبما السبب الحقيقي لتراجعه هو أنه شعر بأن النهاية تقترب منه…
بعد أن وضعت شمس الهاتف على الفراش وأخذت تحاول تجفيف دموعها بمنديل ورقي سمعت صوت دقات على الباب مما جعلها تزفر بضيقٍ…
-مين؟!.
“أنا عبدة، ادخل”
-اتنيل ادخل.
ولج عبدة إلى الغرفة وظل واقفًا عند الباب وهو يقول ببشاشة:
-ايه يا فنانة، مش هنجهز بقا علشان الفرح اللي أحنا رايحينه ده.
لم يهتم لدموعها التي تلطخ وجهها ووجنتيها وكان يتعامل وكأنه لا يرى شيء.
عقبت شمي برفض:
-مش رايحة في حتة مليش مزاج مقريفة.
تغيرت ملامح عبدة إلى أخرى غاضبة وهو يقول:
-هو أيه اللي ملكيش مزاج ومقريفة؟! هو أنتِ مدرسة فلسفة، ولافاكرة أننا بنلعب، ده أنتِ قابضة مني الفلوس، ومينفعش منروحش، ده أحنا واخدين الفلوس كلها ومطلوبة بالاسم، عموما لسه بدري تهدي وتجهزي نفسك.
تمتمت شمس باختناق:
-يعني أنتَ مش سامع اللي بقوله؟! قولتلك مش هنزل.
أرد عبده ببرود:
– لا هتنزلي يا شمس ومتزعلنيش منك خلينا حبايب مع بعض، وبعدين الفرح ده ساعة زمن وهنرجع، وبعدين أنتِ ناسية أن أنا اللي هقولك حقيقة ابوكي؟.
صاحت شمس بنبرة منفعلة:
-أنتَ بتماطل يا عبدة، لو كنت عارف حاجة كنت قولت وشكلك بتشتغلني وهتطلع امي اللي صح وفعلا اللي قالته ليا هو الحقيقة.
تمتم عبدة بثقة ويخاطبها بما يقلب كيانها:
-والله ما في كلام صح غير كلامي ابوكي عايش وحي يرزق وكان متجوز امك وطلقها علشان تبقي عارفة ورماها في الشارع وهي حامل فيكي، تحبي تسمعي تاني علشان ترقصي في الفرح رقصة الأحزان ولا كفايا كده وتتلمي علشان احكيلك بالتفصيل الممل كل حاجة واشتري من عبدة ومتبعيش؛ أنا اللي عايز مصلحتك أكتر من أي حد….
_____________
تركت ابنها يلعب مع ابناء الخالة شيماء التي أصبحت تأتي بهم كل يوم تقريبًا بناءًا على طلب الحاج توفيق وأفنان حينما لاحظ الجميع تكيفه معهم..
ذهبت أفنان إلى الحديقة حيث يقف كمال وما أن وصلت له تمتمت بنبرة هادئة:
– أيه يا كمال واقف هنا ليه ما تدخل؟!.
لا يرغب في رؤية فردوس ليس لأنه لا يحب رؤيتها ولكنه لا يرغب في أني يظل هو الراغب يجب أن يكون هو المرغوب فيه ولو لمرة واحدة…
تمتم كمال بهدوء:
-عادي علشان عايز أتكلم معاكِ بعيد عن اللي في البيت حتى محدش يعرف اني جاي.
توترت أفنان وهي تقول، فهي جاءت بعد اتصاله:
-في أيه يا كمال قلقتني؟!…
تحدث كمال بجدية ولهجة لا تقبل النقاش فهو لن يتحمل سخافات شريف أكثر من ذلك ولأنه يقلق عليه بالرغم من الحماقة الذي افتعلها مجددًا وهو هذا الطفل الذي لم يخبره أحد عنه:
-طلعي الرقم اللي بتكلمي اخوكي من عليه، علشان شغل العيال اللي بيعمله ده شوية موبايله مقفول وشوية مبيردش ده مش هيخيل عليا.
تمتمت أفنان بارتباك:
-هو مش بيرد عليا أنا كمان وفعلا موبايله مقفول علطول.
خرجت ضحكة متهكمة من كمال ثم غمغم:
-لا أنا مش مختوم على قفايا يا أفنان أنا عارف أنه لو مكلمش الدنيا كلها واختفى أنتِ الوحيدة اللي هيكلمها ويطمنها عليه، فاطلعي بالرقم اللي بيرد من عليه، واياكِ تعرفيه اني اخدته منك، طلعي موبايلك.
أخرجت أفنان هاتفها من جيبها وأخذت تخرج الرقم الخاص بشقيقها يبدو أنه ليس من مصلحتها محاولة إنكار تواصلها مع شريف، ولأنها لا تتفق معه في رغبته من الهروب فليواجه فهي تعلم أن كمال يود معاتبته والاطمئنان عليه في الوقت ذاته….
وبالفعل أخرجت الرقم وأخذ كمال ينقله على هاتفه بهدوء ثم وضع الهاتف في جيبه بعد أن قام بتسجيل الرقم متحدثًا بجدية..
-اتكلمتي أنتِ وداغر في أي حاجة؟!.
هزت أفنان رأسها نافية وهي تقول:
-داغر مش بيتكلم معايا في أي حاجة رغم أنه بقاله يومين او تلاتة مش بيقعد اليوم كله برا زي الاول بس يعني برضو مش بيتكلم معايا في حاجة، وأنا مش عاجبني الوضع ده وعايزة أطلق يا كمال.
ابتلعت ريقها ثم أسترسلت حديثها بخزى:
– أنا عارفة أننا غلطنا لما خبينا موضوع فهد بس صدقني أحنا مكنش قصدنا الموضوع يوصل لهنا، انا حقيقي مش عارفة المفروض اعتذر ليكم كلكم ازاي على أي حاجة اتسببت ليكم فيها بس أنا مش عارفة أعمل ايه، مش عارفة المفروض امحي ذنوبي ازاي وابطل أعمل حاجات تضايقكم وتعكنن عليكم عيشتكم……
رغب في أن يضمها في أحضانه ولكنه مازال غاضبًا بالرغم من هدوئه فرفع يده ومسح دموعها بأنامله بحنان قائلا بنبرة تبدو جافة لمن يسمعها ولكن خلفها جبال من المشاعر:
-ملهوش لازمة العياط ده يا أفنان…
تنهد ثم غمغم بنبرة عملية محاولا تغيير الموضوع وكأنه لم يتحدث مع داغر في شيء:
-لازم تتكلمي معاه وتعتذري منه، مش سهل على راجل اللي عملتوه في حقه أنتم سجلتوا الواد باسمه ببجاحتكم من غير ما تعرفوا حد حاجة فلازم تقدري موقفه، ولازم تعرفي هو ناوي علي أيه.
قالت أفنان بعفوية وهي تنظر له بتردد:
-معتقدش في حلول تانية تنفع في حالتنا غير الطلاق يا كمال.
-برضو لازم تتكلموا وتعرفيه رغبتك، واتكلمي مع جدك وعرفيه هو كمان.
تمتمت أفنان بخجل وتوتر:
-كل ما أكلم جدك يقعد يقولي أنا مش عايزكم تطلقوا وأنا مش عارف ايه والكلام ده.
قال كمال بنبرة عملية:
-يبقى الحل تتكلمي مع داغر نفسه، تعرفي هو في ايه في دماغه، وأنتِ كمان تقوليله أنتِ عايزة أيه وزي ما قولتلك اعتذري..
غمغمت أفنان بسخرية من حالها:
-داغر مش بيدي ليا فرصة اتنفس مش اعتذر ولا معتذرش.
تمتم كمال بتهكم:
-الصدمة اللي خدها بسببكم مش سهلة، كويس أنه مرتكبش جناية فيكم.
قالت أفنان بصدقٍ وهي تعقد ساعديها:
-معاك حق.
ثم سألته بتلقائية:
-كمال هو أنتَ مش عايز تطلع علشان فردوس؟!.
هل يظهر على وجهه كالمراهق مشاعره؟!..
لم يفهم ماهية السؤال..
-ايه علاقة فردوس يعني؟!.
هتفت أفنان بمشاعر غريبة:
-يعني بصراحة أنا مش بفهم علاقتكم ولا فاهمة أنتَ ازاي صابر السنين دي كلها؛ وازاي هي ساكتة برضو وقاعدة السنين دي كلها رغم انها متعرفش السبب الحقيقي اللي خلى شريف يعمل كده، وكمان أنتَ اتجوزت عليها..
أجابها كمال ببساطة:
-علشان بحبها وبتحبني، أنا ساعات مش بفهم أنا متحمل فردوس ازاي، ساعات بقول ازاي قادر ابص في وشها، بس يمكن الفرق اللي ما بيني وبينها اني عمري ما اخدتها بذنب حد، عمري ما حبيت اعاقبها بذنب ملهاش يد فيه، على عكس اللي بتعمله معايا.
أبتلع ريقه وتحدث بعفوية فهو كمال شقيقها الذي لا يخجل أبدًا من التعبير عن مشاعره أمام الجميع:
-ساعات انا نفسي مش بفهم علاقتنا ايه ولا ايه اللي مخلينا متحملين ده كله، بس كل اللي فاهمه اني بحبها واني عمري ما هاخدها بذنب حد، واني هفضل اتقى ربنا فيها مهما الدنيا خدتنا لأي طريق….
أنهى حديثه وربت على كتفها بحنان لم تشعر به من قبل تحديدًا منذ تلك الحادثة:
-متعاقبيش نفسك ولا تعاقبي غيرك، اللي حصل حصل يا أفنان فكري في مستقبلك وبس، ويلا اطلعي أنا أساسًا ماشي…..
بعد تلك الكلمات غادر المنزل بأكمله، لا تدري لما تمنت لو لمدة ثواني أن يحبها رجل كما يحب كمال فردوس، حبهما أسطوري ومعجزة بالنسبة لها…
لا تظن بأن لديها الفرصة لعيش قصة حب أسطورية، فحينما حاولت أن تفكر في تلك الأفكار المراهقة كسرها الحب، وكسر أجنحتها ودمرت حياة أشقائها ودمرت نفسها…..
__________
“في اليوم التالي”.
استيقظ داغر من نومته بإرهاق وهو نائم على تلك الأريكة التي لا تجعل جسده يشعر بالراحة على الإطلاق…
كحال قلبه المعقد…
نظر ناحية الفراش بأعين شبة ناعسة ليجدها نائمة وتعطيه ظهرها تقريبًا، بالتأكيد طفلها في أحضانها كالعادة فهو لا يرى جيدًا..
ولكنه نظر ناحية الشرفة ليجدها مفتوحة تقريبًا فنهض من مكانه حتى يغلقها فهى تبعث إضاءة تزعجه في الغرفة ليجد الصغير جالس في الشرفة يقوم باللعب على الهاتف الخاص به…
تمتم داغر حتى يجلب انتباهه:
-أيه اللي مصحيك بدري كده؟! وقاعد هنا ليه؟!.
انتبه فهد لكلماته، ليصيبه توتر بالغ وهو يجيبه وينهض من فوق المقعد مقررًا أن يدخل إلى الغرفة حيث تتواجد والدته:
-صحيت وقولت أقعد هنا علشان الصوت بتاع الموبايل ميضايقش ماما وعلشان متصحهاش بسببي هي مش بتنام كويس من ساعة ما جينا هنا.
أمسكه داغر من يديه برفق مانعًا أياه من الرحيل بعد تحركه ببضعة خطوات، فهو يلاحظ دائمًا أنه يتهرب منه أو ينام عند رؤيته وتلك الحركة كررها أكثر من مرة في الأيام التي بات يتواجد فيها في المنزل…
كلاهما يهرب من الآخر…
لذلك تحدث بهدوء وهو ينخفض إلى مستواه:
-أنتَ ليه كل ما بتشوفني بتمشي؟!
قال فهد بخوف حقيقي:
-لا أبدًا أنا مش بعمل كده.
تحدث داغر بهدوء لم يصل له منذ عودته إلى مصر تقريبًا:
-لا بتعمل كده أنتَ مش عايز تكلمني؟.
هز الصغير رأسه بإيجاب في براءة رهيبة..
فتمتم داغر بلطفٍ وهو يمرر أصابعه بحنان بالغ على وجه الصغير بحنان لا يعرف كيف ظهر منه، هو لا يستوعب ما يفعله، وحتى لما يتحدث معه:
-طب مش عايز تكلمني ليه؟!.
قال فهد بتوضيح وبجسارة يحسد عليها وكأنه لم يكن الطفل الذي منذ دقائق كان يخشى الحديث معه:
-علشان أنتَ مكنتش بتسأل عليا ولا بتكلمني، وعلشان أنتَ اتخانقت مع خالو وضربته وأنا بخاف منك وماما من ساعة ما أنتَ جيت وهي زعلانة ومضايقة أنا حاسس بيها كل ما بنام وبتقلب بلاقيها صاحية.
يغضبه بشكل كبير لا يتخيله بسبب كلماته تلك ولكن بالرغم من ذلك تمتم داغر محاولا قول أي شيء قد يُجدي نفعًا:
-أنا كنت مشغول وبعدين اديني نزلت علشان أشوفك.
استوعب ما قاله هل حقا هو يتفوه بتلك الكلمات ويخلق كذبة من أجله؟!.
أبتلع ريقه وأسترسل حديثه وهو يمسك كف يد الصغير ويضع عليه قُبلة لا يعلم كيف فعل هذا:
-وبعدين اللي حصل بيني وبين خالك ده حاجات كبار مش هتفهمها والمفروض متدخلش فيها، وماما علشان غيرت المكان مش عارفة تنام زي الأول..
رمقه فهد بنظرة هادئة وبريئة يبدو أن انزعاجه منه قد تلاشى في ثواني واقتنع بكلماته حتى ولو يفهم بعضها……
ترك داغر قُبلة على رأس الصغير ثم غمغم:
-متزعلش مني وأي حاجة عايز تقولها ليا متخافش ماشي؟!
هز الصغير رأسه بإيجاب وهو يبتسم له وأردف بجراءة:
-أنا عايز أكلم خالو ممكن تخليني أكلمه؟!.
عقب داغر بانزعاج:
-لما أفنان تصحى خليها تتصل بيه.
-وأنتَ مش عايز تكلمه ليا ليه؟!.
أردف داغر بهدوء:
-علشان رقمه مش معايا، وبعدين أحنا اتفقنا متجيبش سيرته في البيت ده وأوعى تلغبط قصاد أي حد بالكلام.
تمتم فهد بضيقٍ شديد وهو يعقد ساعديه:
-مش بتكلم قصاد حد بس هو واحشني اوي، وماما مش بتخليني أكلمه علطول وقت ما أحب.
هتف داغر بنبرة هادئة وحانية:
-اطلب منها تكلمهولك لما تصحى وانا بعد كده هاخد رقمه منها وهخليك تكلمه وقت ما تحب، بس الكلام ده سر ما بينا.
-ماشي.
قال داغر بهدوء:
-يلا خش نام جنب أفنان علشان لسه بدري اوي، نام شوية وبعدين اصحوا مع بعض.
سأله فهد بنبرة فضولية:
-يعني أنتَ هتنام أنتَ كمان ولا هتمشي زي ما بتعمل؟!.
تمتم داغر بخفوت:
-همشي علشان ورايا حاجة اعملها…
قاطعه الصغير بانزعاج بدأ يحتله:
-يعني مش هتتغدى معانا؟!.
-أنتَ عايز أيه؟!.
تصنع الصغير التفكير ثم أردف مقترحًا:
-يعني تعالى هنا بيعملوا أكل حلو احسن من بتاع ماما بس يعني هي بتحاول وبتتحسن، متقولش بقا اني قولتلك.
ابتسم داغر وداعب خصلاته الناعمة التي تشبهها، يبدو أن تلك المدللة لم تكف عن دلالها حتى الآن في الأعمال المنزلية…..
-مش هقول بس ادخل نام يلا.
-ماشي.
بعد أن غادر الصغير أعتدل داغر وجلس على المقعد لا يصدق حقًا هذا الحوار الغريب من نوعه..
ولا يدري كيف تحدث معه بتلك الطريقة بل حاول أن يحسن العلاقة معه، لما يفعل هذا؟!..
جزء منه سعيد..
وجزء غاضب جدًا….
___________
في منزل كمال وداليا..
كان كمال يجلس على الفراش بإرهاق، فهو استيقظ الآن وعليه أن يذهب إلى العمل..
جاءت داليا من الخارج وهي تضع منشفة فوق رأسها تجفف بها خصلاتها وترتدي منامة انثوية من الستان من اللون الأخضر القاتم تناسب بشرتها البيضاء، ذات حملات رفيعة ويصل طولها إلى قبل قدمها وترتدي فوقها مئزر بنفس اللون، على أي حال ملابسها تناسب أمراة في الأسابيع الأولى من زواجها..
فهي استيقظت مُبكرًا قبل أن يستيقظ هو فقررت أن تتحدث معه بما تريد ولأنه اليوم تقريبًا سوف يذهب إلى منزله الأخر ولن تراه إلا بعد أيام…
ابتسمت بالرغم من شروده وجلست أمامه على الفراش لينتبه لها وتحدثت بنعومة:
-كمال.
رفع رأسهثم أغلق الهاتف مبتسمًا في وجهها بملامح شبه ناعسة وصوت به بقية نوم:
-أيه يا داليا؟!.
تمتمت داليا بتردد:
-حابة أتكلم معاك شوية، لو رايق لو مش رايق ممكن نأجل الكلام لبعدين؟!.
أردف كمال بنبرة هادئة رغم شعوره بأنه لن يسمع شيء يعجبه فلأول مرة يرى داليا تتحدث بتلك الطريقة:
-اتفضلي يا داليا قولي اللي أنتِ عايزاه.
هتفت داليا بنبرة حاولت جعلها عادية:
-يعني حابة أنا وأنتَ نروح لدكتور أو دكتورة.
ضيق كمال عيناه وهو يسألها بعدم فهم:
-ليه مش فاهم؟!.
حاولت داليا التوضيح أكثر فهي شعرت بأنها اقتنعت بحديث زوجة أخيها ولكنها لم ترغب في فعل ذلك من دون معرفته فلو هذا سيحدث فليحدث بالطريقة الصحيحة وبالاتفاق معه…
-يعني دكتورة نساء نعمل تحاليل وكل حاجة، واشوف الوسيلة المناسبة لمنع الحمل، يعني انا حاسة المفروض نأجل الخلفة كام شهر بس…..
تمتم كمال بدهشة مقاطعًا حديثها:
-أنتِ بتقولي أيه؟!




google-playkhamsatmostaqltradent