رواية براثن اليزيد الفصل التاسع 9
اللهم إني أستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين.
اللهم اشف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم. اللهم أنزل السكينة عليهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم مؤيدا ونصيرا وقائدا وظهيرا. سبحانك إنك على كل شيء قدير؛ فاكتب الفرج من عندك والطف بعبادك المؤمنين.
____________________
"تقترب من النيران في كل مرة وكأنها مياة عذبة جارية
ليست نيران تلتهم كل ما مر أمامها"
دلف يزيد بها إلى الداخل ثم ألقاها بقسوة على الكثير من التبن الموضوع على الأرضية لتخرج من بين شفتيها صرخة على أثر وقعتها التي سببت إليها الألم
اقترب منها متحدثًا بعصبية وغضب بعدما حاول بشتى الطرق لارضائها وهي لا ترضى:
-أنتِ اتجننتي ولا ايه؟ فكراني ايه علشان تعملي كل ده؟
نظرت إليه بخوف وهلع تحاول مداراته فكل مرة يكن بهذه الحالة يحدث ما لا يحمد عقباه ولكن هذه المرة هي من فعلت عمدًا لتتحمل النتيجة إذًا..
ابتلعت ما بحلقها بتوتر محاولة استجماع شجاعتها لتقوم بالرد عليه بدون خوف من مظهره ولا غضبه، صاحت بصوتٍ عالٍ نسبيًا وهي تقول بحدة:
-وأنتَ كنت فاكرني ايه لما عملت اللي عملته؟
ابتعد للخلف بحركات هوجاء ثم تقدم منها مرة أخرى وهو يسب بداخله على غبائها وكبريائها الذي لا يرضى، أجابها قائلًا بنفاذ صبر:
-ما قولنا كنت متزفت متعصب واعتذرت مليون مرة بقالي أكتر من أسبوعين بحاول ارضيكي وافهمك إنه غلط مش هيتكرر وأنتِ أبدًا زي ما تكوني صدقتي
أدلت له تعابير وجهها عن تهكمها الصريح، ضيقت ما بين حاجبيها قائلة بهدوء مستفز متسائلة:
-والله؟ يعني كل مرة هتعمل حاجه هتقولي كنت متعصب صح؟
تنفس بعمق شديد واقترب منها متكئًا على قدمه اليمنى ثم سائلها بصراحةٍ ووضوح:
-من الآخر أنتِ عايزه ايه؟
أجابتها لم تكن متوقعة، فقد انتظر لتجيب على سؤاله ليصلح ما أفسده ولكن تلك الإجابة ليس لها مُصلح:
-ايه اللي بين عيلتي وعيلتك يا يزيد؟ ليه بتكرهونا أوي كده ايه اللي حصل لكل ده
تريثت قليلًا ثم قالت مرة أخرى بحدة وجدية شديدة:
-غير موت زاهر ابن عمك!
ابتعد إلى الخلف مولي ظهره إليها متهربًا من الإجابة على سؤالها الغير مرغوب به الآن لتقف على قدميها متقدمه منه ثم سألته مرة أخرى لتجعله يجيب عليها ولكنه احتار في الإجابة، نظر إليها بعد أن غير وقفته وتحدث بجدية قائلًا:
-هو ده فعلًا السبب الوحيد.. موت زاهر هو اللي عمل كده وأنا وأنتِ اتجوزنا علشان الكره والاشتباكات اللي كانت هتحصل تقف عند حدها ولا نسيتي سبب الجوازه دي
نظرت إلى عينيه بألم يغزو قلبها وأجابته ببرود بعد أن وضعت يدها أمام صدرها:
-لأ منستش بس أنا شايفه إن الكره ده زي ماهو ومفيش أي حاجه اتغيرت بدليل اللي حصل جوه من شويه
استغرب حديثها الذي قالته بهدوء شديد فعقد ما بين حاجبيه سائلًا إياها عن ما حدث دون علمه:
-ايه اللي حصل؟
ابتسمت بسخرية لاذعة واستدارت توليه ظهرها وتذكرت ما تحدثوا به عن عائلتها لتقول بتهكم صريح:
-مع إنك المفروض تكون عارف.. بس هقولك أصل وأنا قاعدة جوه مع العيلة الكريمة بتاعتك قالوا عن أهلي حرامية وإن البلد كلها زمان عرفت أنهم ناس حرامية وقال ايه هما بيستروا عليهم علشان حرام الفضيحة، طبعًا غير اللي والدتك بتعمله فيا كل مرة بس أنا محبتش اصغرك وأرد عليها مع أن كان هيبقالي الحق في ده
أبتعد قليلًا متجهًا ناحية "ليل" الذي وقف بجواره، تغاضى عن تهكمها وطريقة حديثها فقد كان همه الأكبر ماذا يفعل؟ هل يفعل كما كان الاتفاق بين أهله وأحبته؟ أما يستجيب إلى معذبة ويترك كل شيء يذهب إلى الجحيم سوى صاحبة العيون الملونة بألوان زاهية؟ ودون دراية وجد نفسه يتحدث قائلًا وهو يتجه ناحيتها:
-طب ايه رأيك لو بعدنا عن كل ده؟ اللي كنتي عايزاه أنا كده كده كنت راجع القاهرة ما كل حياتي هناك زي ما قولتلك بس هنستنى شويه... مش كتير... وهنرجع سوا
يشتتها بحديثه لقد ترك سؤالها وذهب إلى مكان آخر حتى لا يُجيب أو ربما هو يبحث عن حل الإِبتعاد عن هذه الأسئلة وإجاباتها، وضع يده على كتفيها وجعلها تستدير إليه ثم تحدث مرة أخرى بهدوء:
-سيبك من عيلتي وعيلتك وكل حاجه حصلت.. أنتِ طلبتي أننا نبعد وأنا بلبي طلبك أهو علشان نبدأ سوا وتغفريلي اللي حصل أوعدك إنه مش هيتكرر تاني.. واديني شويه من ثقتك ما أنا زي جوزك بردو
ابتسمت على دعابته السخيفة، ولكنها فكرت سريعًا في عرضه وجدته مغري حقًا، ستحاول معه في زواجها، ستتواجد بالقرب منه كما تريد، ستبتعد عن عائلته، وكل ذلك سيعمل على إنجاح علاقتهم سويًا:
-موافقة بس زي ما أنا هثق فيك أنتَ كمان لازم تثق فيا
اقترب منها أكثر بعد أن وضع يده على خصرها وهتف أمام شفتيها قائلًا بصوت أجش:
-من ساعة اللي حصل وأنا بثق فيكي أكتر من نفسي... خلاص اتعلمت الدرس
أبعدته بيدها ثم حاولت الفرار من قربه المهلك لجميع حواسها وحاجتها في أن تنعم بدفء جسده عند احتضانها ولكنه قبض على معصم يدها عندما وجدها تفر هاربة من أمامه فتحدث قائلًا:
-رايحه فين؟
تعلثمت في إجابتها وهي تحاول أن تسحب يدها من بين يده قائلة بخفوت وصوت هادئ متردد:
-هتمشى.. قصدي هنام الوقت، الوقت أتأخر
ابتسم باتساع فقد كان تأثيره عليها ظاهر وبشدة في كل مرة يراه بوضوح بينما يجعله فخور بنفسه وبرجولته الطاغية عليها، جذبها لتتقدم منه ثم وضع يده خلف خصرها مرة أخرى وهو يعبث معها واليد الأخرى يعدل بها خصلات شعرها واضعًا إياهم خلف أذنها متحدثًا بجانب أذنها بخفوت وصوتٍ جعل القشعريرة تسير في أنحاء جسدها:
-مش وعدتك أن كل حاجه هتحصل بينا هتكون زي اللي حصلت على ضهر ليل.. ولا أنتِ كنتي واخده حباية جراءة ساعتها؟
دارت عينيها في جميع اتجاهات الإسطبل لتختفي عن عينيه الذي صبها عليها، حالها كان مشتت للغاية لا تستطيع حتى التنفس براحة من قربه الشديد منها ونظراته الماكرة الخبيثة التي تجردها من ملابسها بينما هي في شرودها التقط شفتيها في قبلة رقيقة ودودة حاول قدر الإمكان أن يبث بها إعجابه الشديد بها وإرادته بقربها منه، شهقت بفزع فقد فعلها دون دراية منها وهي داخل شرودها في تفاصيله وما يفعله بها..
تركها وهو يلهث بعنف مقتربًا منها متحدثًا أمام شفتيها بلين وصوت خافض يحمل الكثير من المشاعر الجياشة:
-مروة أنا بحاول والله العظيم ومش عايزك تبعدي، أنا عايزك
أجابته بخفوت وضعف بعد أن استمعت كلماته التي أصابتها داخل قلبها باللين لتوافقه على كلماته:
-أنا كمان مش عايزه أبعد عنك
لم يتدارك نفسه بعد الإستماع إلى تلك الكلمات فقد وجد نفسه يقبلها مرة أخرى بنهم وشوق وكأنه كان غريق في بحر زُرقتها وهي التي انتشلته بشفتيها وردية اللون لتكن أكسيد الحياة من بعد اختناق دام بطول مدة زواجهم، دس يده في خصلاتها خلف رأسها يقرب وجهها منه ليأخذ القدر الكافي الذي يجعله يتنفس من بعده ويده الأخرى تدفعها إلى الخلف لتستقر بظهرها مستندة إلى الحائط وهو أمامها يكمل ما بدأه بعدما وجدها تستجيب له بضراوة واضعه يدها خلف عنقه تقربه منها كما يفعل لترفع راية الاستسلام لقلبه وحضوره الطاغي عليها.
___________________
لم تكن تدري أنه بهذه البساطة، والحب، والاهتمام، في تلك الأيام التي مرت عليهم سويًا منذ أن تعاهد كل منهم على النجاح في هذه العلاقة تعرفت عليه حقًا من كل جانب، لقد كان بسيط، يدلف القلب دون أن يستأذن صاحبه، ابتسامته تجعل عقلها وروحها يتوقفون عن العمل، مناداته لها بـ "مروتي" تجعل قلبها يدق بعنف لسعادته، لم تكن تعلم أنه هكذا ولو أتى أحد يقص عليها أن هذه طباعة لقالت عنه مجنون فهي منذ أن عرفته رأت عناده وتكبره وذلك الغرور والعنجهية التي يحملها داخل ثنايا روحه، ولكن ليس عليك الحكم على شخص دون التقرب منه فهو الآن بالنسبة لها يعني الكثير والكثير..
نظر إليها "يزيد" وجدها تنظر إليه دون خجل فعلم أنها شارده، نظر إليها هو الآخر بشغف يضغط على قلبه، نظر إلى وجهها وملامحه الملائكيه، ابتسم باتساع حين تذكر تذمرها بالأمس عندما حاول العبث معها بيده على جسدها، هي بالنسبة له الآن الحياة وكأن عند غيابها يغيب الأكسجين الذي يتنفسه، لا يستطيع الابتعاد عنها، ويحارب قلبه بذات الوقت خوفًا من عشقها وكأنه لم يفعل بعد..
أتت"يسرى" مُبتسمة ثم جلست بجانب "مروة" وهتفت قائلة بحماس:
-ايه ده بقى أنا كده هتعود على قعدتكم دي كل يوم
ابتسم يزيد بهدوء مُجيبًا إياها وهو ينظر إلى "مروة" بنصف عين ويرى خصلاتها ذهبية اللون تطاير مع الهواء:
-ياستي اتعودي وهو أنا يعني هقعد مع حد أغلى من مراتي... وأختي
نظرت إليه الأخرى بخجل من حديثه أمام شقيقته بينما "يسرى" صفقت بيدها عاليًا قائلة بحماس وفرحة:
-أيوه بقى ياست مروة، كل يوم قاعدة رومانسية في الجنينة وأنا اجي ابوظها، لأ وكمان كلام حلو ورومانسي لأ أنا احسدكم بقى
لكزتها مروة بيدها في ذراعها قائلة بحدة بينما الخجل ينبصق من كامل وجهها بسبب احمراره:
-بطلي رخامة
ابتسمت "يسرى" ثم قالت بجدية وهي تعتدل في جلستها بجانب "مروة" المقابلة ليزيد:
-معلش هبوظ القاعدة شويه بس لحد ما الاوردر يوصل
سألتها مروة بهدوء وهي تنظر إليها باهتمام:
-طلبتي الحاجات اللي اخترناها امبارح؟
اومأت الأخرى بالايجاب فتابعت مروة بجدية وحماس شديد مبتسمة:
-الـ t-shirt الأحمر جميل أوي على فكرة
انتبه "يزيد" إلى ما قالته فسألها باستنكار مضيقًا ما بين حاجبيه بشدة واستغراب:
-أحمر!... مفيش لون غير الأحمر؟!..
اعتدلت مروة ناظرة إليه ثم أجابته باستغراب وتساءل:
-وماله الأحمر دا لون زاهي وحلو
استمعت مروة إلى ضحكات "يسرى" الساخرة من كلماتها ثم أجابتها هي بعد أن توقفت عن الضحك قائلة بجدية:
-يزيد يا مروة يطيق العمى ولا يطيق اللون الأحمر معقوله متعرفيش؟..
نظرت إليه مرة أخرى باستغراب ودهشة فهي لم تكن تعلم بهذا الشيء فأجابتها قائلة بتساءل:
-لأ مكنتش أعرف.. بس ايه السبب
نظر يزيد إلى "يسرى" بغضب وحدة قائلًا بصوت غاضب:
-بوقك ده ايه.. مش بيتبل فيه فوله أبدًا
ابتسمت "يسرى" باتساع ثم نظرت إلى مروة متجاهلة "يزيد" الذي كان يموت غيظًا منها فلم يكن يريد أن تعلم زوجته بهذه القصة التافهة:
-يزيد وهو صغير شاف عجلة بتندبح وأول ما شاف الدم قعد يعيط ومن يومها وهو كارهه اللون ده زي العمى
رفعت مروة نظرها إلى من بعد أن استمعت إلى تلك الكلمات رأته يكاد ينفجر من الغيظ فعلمت أنه لم يكن يريدها تعلم فعملت على اغاظته وتحدثت بسخرية وهي تضحك بصخب:
-ده بجد؟ يزيد الراجحي مش بيحب اللون الأحمر علشان شاف دم... مش قادرة أصدق
نظر إليها بغيظ ثم تقدم للإمام في مقعده وتحدث بسخرية هو الآخر قائلًا بتشفي بينما ينظر إلى زرقة البحر داخل عينيها:
-على الأقل كنت صغير الدور والباقي على الكبيرة العاقلة اللي بتخاف من الحصان اللي بيركبه أقل عيل
ضيقت عينيها ناظرة إليه بغيظ شديد وهو يبتسم باتساع بينما تحدثت "يسرى" قائلة بذهول:
-بتخافي من ايه؟ ده أحسن حاجه هي ركوب الخيل
اندفعت قائلة بحدة وعصبية من سخريته عليها وعلى خوفها قائلة:
-آه الخيل مش أبو لهب اللي عند أخوكي
نظر إليها بحدة وعصبية قائلًا بنفاذ صبر بسبب عدم تقبلها لـ "ليل" حتى بعد أن اقتربت منه أكثر من مرة:
-مروة!..
وقفت على قدميها بعد أن وضعت خصلاتها خلف أذنها وتحدثت قائلة بهدوء سائلة إياهم:
-هعمل قهوة تحبوا اعملكوا معايا
اومأ إليها "يزيد" وفعلت "يسرى" المثل لتتقدم "مروة" إلى داخل المنزل لصنع القهوة لثلاثتهم..
________________
جلست على مكتبها داخل الصيدلية الخاصة بها وتجلس مقابلة إليها صديقتها التي كانت تحاول التخفيف عنها قليلًا:
-أنا بجد مش عارفه أقولك ايه.. بس أنا شايفه إنك تنسيه خلاص
ابتسمت بسخرية جلية وواضحة قبل أن تقول بحزن خالص ونظرة خائبة:
-أنساه! أنساه إزاي يا نهى؟ ده كل عمري.. كل لحظة من حياتي كنت بحبه هو وهو ولا هنا
اشفقت الأخرى على حالها فقد كان صعب للغاية عليها وعلى من تُحب ومن يُحب هو:
-قولتلك قبل كده يا ميار عرفيه إنك بتحبيه ماهي عمرها ما هتكون ليه أبدًا
أجابتها والدموع تقف خلف جفنيها سائلة إياها هل يحق لها الفرار؟:
-عمرها ما هتكون ليه بس بردو بيحبها.. وعمره ما شافني غير ميار، ميار وبس
تحيرت صديقتها منها ومن كلماتها، سألتها قائلة باستغراب:
-أنا مش فهماكي أنتِ ولا عايزه تنسيه ولا عايزه تعرفيه اومال ايه بقى؟.. هتفضلي كده بتتعذبي وخلاص
أجابتها وهي تزيل دمعة لاذت بالفرار من بين حفنيها:
-اقوله ايه تعالى اتجوزني أنا بحبك وأنا عارفه أنه بيحبها من وهو صغير؟.. تعرفي هي كمان كانت معجبة بيه لولا اللي حصل... أنا تفكيري غبي ومش عارفه اعمل ايه يا نهى خايفة يشوف واحده تانية غيري وأنا زي ما أنا قاعدة مستنياه يلمحني ولو حتى من بعيد
منذ سنوات وسنوات وهي تعشقه وهو يعشق أخرى والأخرى قد ذهبت لغيره، لم تستطيع التحدث أو البوح بمشاعرها ناحيته أبدًا فقد كان ذلك أصعب من التواجد بين نيران مشتعلة.. أتقول له أعشقك وهي تعلم أنه يعشق شقيقتها؟!.. هي ليست دنيئة إلى هذه الدرجة..
___________________
قبل ذلك دلفت مروة إلى المطبخ لصنع القهوة لثلاثتهم وقد وجدت بغيضة حياتها ومحطمة النفوس بالداخل، دلفت ولم تنظر إليها وصبت كامل تركيزها على ما تفعله لتخرج بسلام فهي لا تريد الدخول معها بأي جدال، فقد علمت كيف تفكر وتعلم أيضًا أنها لا تحبها بتاتًا ودائمًا تختلق الكلمات المسمومة لتلقيها على مسامعها..
وضعت القهوة على النار ثم وقفت بجانبها تنتظر حتى تنضج، أتت "إيمان" ووقفت جوارها متصنعة الانشغال وهي تدندن كلمات بذيئة لم تكن موجهة إلا لـ "مروة"، وحاولت هي قدر الإمكان ألا ترد عليها وتأخذ القهوة وترحل ولكن ظلت "إيمان" على وضعها إلى أن وقفت أمامها تقول بسخرية واستهزاء:
-إلا قوليلي يا مرمر ماتعرفيش نجيب منين شوية أدب واحترام نرميهم على عيلة طوبار؟
لقد فقدت كل هدوءها، العد من الواحد إلى العشرة لن يفيدها بعد الأن، فقد كانت غاضبة بشدة من هذه المرأة البغيضة وودت لو اقتلعت خصلاتها من تحت حجابها:
-من نفس المكان اللي هنجيب منه لعيلتك إن شاء الله
اعتدلت الأخرى في وقفتها ثم قالت مبتسمة باستغراب وتساءل:
-الله الله ده القطة طلع ليها لسان أهو بترد بيه
ابتسمت "مروة" بسخرية لاذعة استشعرتها "إيمان" بوضوح بعد أن وضعت يدها تربت على كتفها قائلة:
-القطة عندها لسان وسنان وضوافر وبتعرف تاكل وتخربش انتوا بس اللي فكرتوها سهلة لما اتعاملت معاكم باحترام بس لو عايزاني أتعامل معاكي بغيره أنا تحت أمرك
اغتاظت من ردها عليها الذي اشعرها بالإهانة فقد كانت تتحدث بتهكم وسخرية، أجابتها قائلة بحدة وعصبية:
-ما تتكلمي عدل يا بت عيلة طوبار أنتِ هتنسي أصلك
سارت ضحكات "مروة" تعبي المكان حتى أن الأخرى قد ذُهلت من ردة فعلها ولكن لم تكن طويلًا حيث اجابتها مروة قائلة:
-على الأقل عندي أصل.. الدور والباقي بقى على.... ولا بلاش
أغمضت "إيمان" عينيها ببرود وفتحتها مروة أخرى قائلة بجدية متسائلة باستغراب:
-حتى لو معنديش مش أحسن من شوية حرامية سيرتهم كانت على كل لسان في البلد وطلعوا نصابين
تريثت ثم أكملت قائلة بحزن تصنعته بسخرية:
-صح ما أنتِ مكنتيش هنا تلاقيكي كنتي في عزا الست الوالدة اللي يرحمها
صاحت "مروة" بصوتٍ عالٍ غاضبة من تهكمها وطريقة حديثها عن والدتها وعائلتها قائلة بحدة وعصبية:
-قولت قبل كده محدش يجيب سيرة أمي وإلا قسمًا بالله مش هيحصل كويس
ابتسمت الأخرى وسألتها وهي تعتدل في وقفتها أمامها واضعة يدها في خصرها:
-هتعملي ايه يابت الحرامية والنصابين؟
أجابتها مروة بغضب شديد وحدة قائلة:
-النصابين والحرامية دول يبقوا عيلتك لأنك واحدة حقيرة مستحيل تكوني طالعة من بيت سوي أو محترم
لم تعطها "إيمان" الرد بالكلمات كما كانت تفعل منذ قليل بل أمسكت القهوة الساخنة الذي كانت قد فارت منذ لحظات وسكبتها بمنتهى البساطة على فخذها وهي تنظر إليها بتشفي وحقد دفين داخل عينيها، بينما صرخت "مروة" عاليًا فقد كانت القهوة ساخنة للغاية وشعرت أن فخذها يُسلخ بسبب سخونة القهوة عليه..
تجمعت الدموع بعينيها وهي لا تطيق الألم الحاد ذلك.. رفعت عينيها إليها وجدتها تنظر إليها بتشفي ثم صاحت قائلة بهدوء وبرود:
-ده علشان قليتي ادبك عليا أما الجاي علشان تتأدبي المرة الجاية
رفعت يدها عاليًا في الهواء تنوي صفعها ووضعت مروة يدها على وجهها عندما علمت نواياها ولكن لم يحدث شيء، أنزلت يدها ونظرت إليها لترى "يزيد" يقبض على يدها بشدة وتكاد يدها تنكسر، ينظر إليها بغضب جلي وهي في قمة الضعف والجبن...
تقدمت منها "يسرى" تنظر إليها باستغراب ووجدت بنطالها البيتي عليه أثار قهوة فسألتها قائلة باستغراب:
-ايه ده مالك؟
أجابتها وهي تتمسك بيدها بشدة مغمضة عينيها من شدة الألم قائلة بخفوت:
-القهوة وقعت عليا
استمع "يزيد" إليها فترك الأخرى وتقدم منها متلهفًا، أمسك بيدها وأجلسها على مقعد في المطبخ سائلًا إياها بقلق واضح:
-أكيد بتوجعك، كانت سخنة؟ وريني كده
حاول أن يرفع طرف بنطالها للأعلى ولكنها وضعت يدها على يده متمسكة بها هاتفه بأسمه بضعف ثم قالت:
-أنا كويسه هطلع احطلها حاجه
سألها ناظرًا إليها باستغراب:
-وقعت عليكي إزاي؟
نظرت إلى "إيمان" مطولًا وودت لو قالت له أنها هي من سكبتها عليها، عادت النظر إلى عينيه مرة أخرى وأجابته قائلة:
-وقعت غصب عني
أتت "يسرى" سريعًا بعد أن تركتهم وانحنت أمام مروة قائلة لها بقلق:
-وريني كده خليني احطلك عليها المرهم ده
وقف على قدميه وعاد بنظره إلى زوجة أخيه التي كانت على وشك صفع زوجته، تقدم منها ونظر إليها بنظرة الصقر خاصته ثم سألها قائلًا بجدية:
-رفعتي ايدك عليها ليه
أجابته وهي تكذب حتى لا تأتي بالتوبيخ لنفسها أو تعطي فرصةٍ لأحد بالتعديل عليها فقالت بحدة وكأنها المجني عليها:
-علشان مراتك مش متربية ولا محترمة ومحتاجة تتأدب من جديد...
لم يجعلها تكمل وصلة توبيخها لزوجته حيث صرخ بها بعنف وغضب بعدما أمسك معصمها يضغط عليه بحدة شديدة جعلتها تتألم:
-أخرسي.. هو أنا يعني مش عارفك يا إيمان هانم ولا عارف مراتي، قسمًا بالله لو ما كنتي مرات أخويا لكان هيبقالي تصرف تاني خالص معاكي، بس أنا لسه عامله إحترام
نظرت إليه وإلى تلك التي خلفه تنظر إليها بضعف والأخرى تضع لها ذلك الكريم ليعالج ما سببته هي، ثم جذبت يدها منه بألم وتركته وخرجت من المطبخ عازمة أمرها على تخريب الأمر على الجميع ليس هي فقط
عاد "يزيد" بنظره إلى "مروة" التي نظرت إليه بضعف وقد كان الألم يظهر على وجهها أخفض بصره على قدميها الذي عالجتها "يسرى" ليرى معظم ساقها الأبيض فقد سكبت القهوة على فخذها، وقفت مروة سريعًا بخجل ثم عدلت بنطالها البيتي ونظر هو إليها بضيق من تصرفها ثم تقدم منها أخذًا يدها قائلًا بهدوء:
-تعالي ارتاحي فوق شوية واحكيلي اللي حصل
صعد بها إلى الأعلى حيث غرفتهم، ولج معها إلى الداخل وجعلها تجلس على الفراش بهدوء ومن ثم جلس جوارها ناظرًا إليها بهدوء شديد عاقدًا يديه مع بعضهم البعض أمامه، هتف متسائلًا باستغراب:
-ايه اللي حصل؟، احكيلي
نظرت إليه هي الأخرى وشعرت أن الألم يزول شيء فـ شيء، تحدثت بهدوء وهي تعتدل ساردة إليه ما دار بينها وبين "إيمان" داخل المطبخ..
نظر هو إليها بشك بعد أن انتهت من حديثها، تريث قليلًا ثم سألها باستغراب:
-القهوة وقعت عليكي إزاي؟
ترددت في الحديث فقد قالت له من قبل أنها من سكبتها وهو يعاود السؤال مرة أخرى بشك، أجابته بتردد قائلة:
-قولتلك وقعت غصب عني
وقف على قدميه ثم هتف بحنق وضيق من تصرفها مع "إيمان" فهو قد نبه عليها من قبل ألا تجيب أحد يريد مضايقتها ولكنها لم تفعل كما قال ضاربة بكلامه عرض الحائط:
-هو أنا مش قولتلك مترديش على حد منهم مسمعتيش الكلام ليه
نظرت إليه بذهول فقد كان يقول حديث غير معقول هي تصمت منذ أن أتت ولم يتغير شيء، تحدث معهم بألا يزعجونها ولم يتغير شيء، وعندما ردت عليهم أيضًا لم يتغير شيء، أجابته بحدة قائلة:
-أنتَ بتقول ايه؟ عايزني أسكت لحد امتى دي تقريبًا مفكرة إني خدامة عندها.. لأ والله الخدامين حتى مش بيتعاملوا كده، مش فاهمه ليه الكل كارهه عيلتي وأنتَ مش بتقولي حاجه أنا بجد تعبت من العيشه دي
زفر بضيق شديد وهو يعلم أن معها كامل الحق في حديثها، تقدم منها وجلس مرة أخرى جوارها على الفراش واضعًا يده خلف ظهرها يربت عليه بحنان ثم تحدث قائلًا بهدوء:
-معلش أنا آسف.. أنتِ معاكي حق، يلا قومي غيري هدومك والبسي حاجه مفتوحه بدل البنطلون علشان تحطي مرهم تاني
نظرت إليه باستغراب بل بـ اندهاش كيف يتحدث بهذه البساطة وهذا الهدوء، يغير مجرى الحديث حتى لا تسأله عن شيء لا يريد الإجابة عنه!.. نعم إنه دائمًا يفعل هكذا..
وقفت على قدميها بهدوء متقدمة ناحية الدولاب لتأخذ ما يناسبها من الملابس ثم توجهت إلى المرحاض بنفس ذلك الهدوء وهي تنظر إلى عينيه مستغربه من تحوله بينما هو يعلم ما تفكر به ويعلم أن هناك أسئلة برأسها تريد الإجابة عليها ولكن هو لن يستطيع فعلها لن يجازف بأي شيء ولو كان صغيرًا فهو مشتت الفكر ولا يدري ما الذي سيفعله بعد انتهاء تلك الهدنة التي أخذوها سويًا..
________________
حية وتلتف حول عنقك بالمحبة!، لتأتي بخلاصك بين يديها وكأنك المذنب للوثوق بها..
دلف "فاروق" غرفته بعد منتصف الليل ليريح جسده قليلًا من كم المتاعب الذي تلاحقه في عمله، ولكن لم يكن يحذر أبدًا فوجد "إيمان" تجلس على الأريكة بالغرفة تسيل دموعها من عينيها بكثرة فكر في لحظات عن سبب ذلك الوضع الذي هي فيه ولم يجد سبب فهو يعلم أن الجميع لا يخالفها في شيء ووالدته تحبها إذًا ما الأمر؟..
تقدم منها وجلس جوارها ناظرًا إليها باستغراب ثم هتف متسائلًا بصوت مُرهق قلق:
-مالك يا إيمان في ايه؟
وكأنها كانت القشة الذي قسمت ظهر البعير، انفجرت في وجهة وهي تزيل دموعها المزيفة قائلة بجدية وتهكم:
-مالي؟ مالي ايه وأنا مش عارفه أعيش في البيت ده
زفر بحنق وضيق ثم تقدم منها في جلسته والتقط كف يدها بين يديه وحاول التحدث بهدوء قائلًا:
-ايه اللي حصل بس ما أنتِ عايشه فيه من زمان
أجابته بسخرية جلية وبصوتٍ عالٍ وهي تجذب يدها منه واقفة على قدميها تواجهه بحدة:
-اديك قولتها زمان مش دلوقتي ما خلاص البيت بقى بتاع بت طوبار
زفر مرة أخرى بضيق أكبر من ذي قبل فقد كان لا يريد شيء إلا بعض الراحة:
-ما تقولي ايه اللي حصل يا إيمان ياباي.. عملتلك ايه يعني
جلست جواره ونظرتها الخبيثة تلتمع في عينيها تظهر لمن يريد معرفة الحقيقة حقًا ولكن هو لم يكن كذلك فلو كان يريد المعرفة لعلم بغير ذلك كثير من الأشياء المخفية، تحدثت وهي تارة تصيح وتارة أخرى تبكي لتجعله يتعاطف معها تشكي له من أخيه وزوجته وكأنها الملاك البريء في كل شيء..
وقف على قدميه ينظر إليها بشك جلي ثم تحدث سائلًا إياها بقلق بالغ:
-يزيد عمل كل ده معاكي.. ومراته الغلطانه كمان!
وقفت أمامه تظهر ضعفها وقلة حيلتها لتأخذه لصفها ويحدث ما يحدث بينه وبين أخيه:
-يقولي اخرسي يا إيمان هانم هو أنا يعني مش عارف عمايلك! ومسكني كده ليه هو أنا كنت ايه يعني دا أنا اللي شايله البيت ده من زمان أوي حتى أختك وقفت مع مراته بقى أنا حرباية بيقولي يا حرباية يا فاروق... أنتَ لازم تجبلي حقي زي هو ما عمل مع مراته الغلطانه كمان
وقف ينظر إليها ويستمع إلى كلماتها الخبيثة المليئة بالكره لهم، وهي بدورها أخذت تلقي على أذنه كلمات قاسية وعنيفة تجعله لو كان يريد الصلح لـ أراد الخراب للمنزل بأكمله، مدعية قلة حيلتها وضعفها أمام أخيه وعليه هو أن يجلب حقها منه ومن زوجته..
________________
"يُتبع"
مفاجأة مش كده؟😂😂 ده علشان أنا بحبكم بس.. رأيكم في الأحداث ❤️❤️
•تابع الفصل التالي "رواية براثن اليزيد" اضغط على اسم الرواية