رواية الحب اولا الفصل الثاني و الثلاثون 32 - بقلم دهب عطية

الصفحة الرئيسية

  رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية الحب اولا الفصل الثاني و الثلاثون 32

اخرجت ذراعها من خلال نافذة السيارة جوارها فضرب كفها حفنة من الهواء القوي متدفقة بقوة فبدأت تحرك اصابعها معها بانسيابية وكانها تلعب على الجيتار بخفة ضاربة الاوتار دون قيود…
والسعادة تعرف الطريق الى قلبها…..
رائع الحب أليس كذلك؟!…
كل مافي الحب رائع ممزوج بالنعيم والهنا
خصوصًا ان تجد بعد عناء وغربة نصفك الآخر
ملاذك الأبدي…
ازدردت ريقها بحياء وهي تحاول إلا تنظر اليه في
خلال تلك الرحلة القصيرة فهو الان يقودها بسيارته
من الصباح الباكر متجهين الى أحد المناطق الساحلية البعيدة في أحد الفنادق الفاخرة….
ادخلت ذراعها بهدوء ووضعت كفيها في حجرها
والحياء اضفى على وجهها الاحمر المتورد
مزال جسدها يحيا برجفة أمس عندما….
اغمضت عيناها مشيحة بوجهها المتخضب الى النافذة المجاورة حتى لا ينكشف امرها….
منذ الصباح وهي تفكر في كل ما حدث بينهما أمس
كل شيءٍ كان عبارة عن قبلاتٍ دافئة.. لمساتٍ جريئة
همساتٍ محمومة….وهمهمات خشنة مُثارة……
وهي هي كانت عبارة عن طالبة مهذبة تسمع وترى
وتنفذ بحرصٍ شديد خوفًا من ان تفسد الأمر أو
تفشل في المسايرة…
لكنه في لحظة اثار مشاعرها بخبرة رجولية فرض بها نفسه عليها وكانه اتكا على زر سري في جسدها فجر مشاعرها واشعلها رغم الحياء فبقت حينها اكثر تجاوبٍ وليونه…..وحب…..
أحبت هذا رغم غرابة كل شيءٍ، أحبت هذا القرب
لانها معه…. مع من دق قلبها له رغم العقد المحاط بها….
حانت منها نظرة عليه نظرة مختلفة سرحت عينيها
الفيروزية به وسيم زوجها يحمل جاذبية مهلكة
لقلبها رجلا عبارة عن شعلة من المشاعر
فيضان من الحب..
مهذب في الحديث…ولبق في معاملة الإناث..
ناجح وطموح في عمله…..يبر والده….. ويحبها بشدة…
ماذا تريدين اكثر من هذا هل تطمعين في شيءٍ
اخر ؟!!…..
هزت راسها بنفي والرضا يعلو وجهها المتوهج
بحمرة الحياء….فـقدرها كان أفضل مما تمنت
فالحقيقة هي لم تتوقع إلا الاسواء وفي لحظة يأس جبر الله بخاطرها وربت على قلبها بهذا الحب..وتلك العائلة الصغيرة أضحت اليوم فردًا مهم بينهم……
وسط صخب الأفكار وجدت سليم يمسك يدها ويرفعها عن حجرها الى فمه وطبع قبله عليها
ناظرًا اليها بعينين تنطقان عشقًا…..
“عصفورتي سرحانه في إيه…..”
قالت بجذل….. “بفكر فيك…..”
سالها بحاجب مراوغ….. “وانا جمبك ؟!!.”
اكدت ببسمة متوهجة….. “تصور !!….”
سالها سليم بنظرة شغوفة….
“مبسوطه ياكيان ؟!…..”
تسارع نبض قلبها وهي تجاوب
بخجلا… “أيوا…..وانت؟….”
تنهد تنهيدة عميقة سعيدة واصابعه تضرب
بخفة على عجلة القيادة بمزاج عال….
“طاير من الفرحة….مش مصدق ان احنا بقينا مع
بعض……وبقيتي مراتي…..”
سالته بملامح متعجبة….
“كان مستحيل لدرجادي ؟!…”
مط شفتيه معاتبًا…
“انتي اللي خلتيه مستحيل….”
سالته بحيرة…. “إزاي….”
هز راسه وكأنه يبعد فكرة الحديث في
الأمر مستهجنًا….
“مش هنتكلم في فترة الخطوبة….”
ضاقت عيناها بشقاوة
حلوة…
“دا انت شايل ومعبي بقا…..”
أكد سليم بوعيد وقح…..
“أوي بس كله هيطلع عليكي….الاسبوعين
الجايين دول…..”
لعقت كيان شفتيها بحرج وهي
تسأله بهدوء..
“هنقضي اسبوعين بس ؟!!…”
اجابها سليم بأسف….
“كان بودي يكونوا أكتر بس انتي عارفه الشغل
وبابا كمان مش حابب يفضل لوحده كل ده
بقلق عليه..”
قالت كيان بهدوء….
“انا اصلا شيفاهم كتير….اسبوع كفاية….”
رفض سليم بنظرة شقية….
“أسبوعين ياعصفورة…هخطفك اسبوعين…نبعد
فيهم عن كل الناس ونبقا مع بعض…”
بنظرة مطيعة قالت…
“اللي تشوفه ياسولي…..سرانغي…”
هز رأسه بعدم رضا….
“نفسي في مرة تقوليلي بحبك زي الناس…..”
ضحكت برقة ثم قالت… “بحبك ياسولي….”
“وانا بموت فيكي…..”قالها وهو يأسرها بنظرة
عاطفية مشتعلة بالكثير من المعاني…
اشاح بوجهه عنها وهو يقول بندم…
“خسارة اننا نزلنا الصبح بدري كان المفروض نتاخر
شوية…..”
زمت كيان شفتيها بحسرة كذلك…
“انت اللي صحيت مستعجل….دا انا حتى والله ملحقتش أفطر….”
انعقد حاجبا سليم مستنكرًا….
“فطار إيه ؟!!…..ما احنا يامه فطرنا…في حاجات أهم
من الفطار…..”
قالت بجدية…. “مفيش حاجة اهم من الفطار…..”
اوقفها بنظرة وقحة….
“لا عندك الحاجة دي عندي هتبقا اهم من
الفطار….”
لمحت المعنى الخفي في حديثه فقالت
بحياء…. “اه ياقليل الادب…..”
زم سليم شفتيه ببراءة….
“فين قلة الادب دي… دا انا حتى مؤدب خالص
من ساعة امبارح…..”
قالت بتبرم…. “ياريت تفضل كده….”
غمز لها بخبث قبل ان يركز اكثر على
القيادة… “موعدكيش ياعصفورة….”
وصلا معًا الى الفندق الفخم الذي سيقضيا به أجازة
شهر العسل….والذي كان يحتوي على خدمة مميزة
وشكلا وهيئة مرموقة لا يدخله الى صفوة المجتمع
الذي زوجها واحدًا منهم…….
دخلا معًا الى الجناح الخاص بهما والذي لا يقل فخامة واناقة عن المكان….شرفة تطل مباشرة
على البحر في مظهرًا طبيعي وخلاب سلب
عيناها وقلبها…..
فوقفت لبرهة في الشرفة تفتح ذراعيها مستقبلة الهواء الرطب الممزوج برائحة البحر المالح بينما كان
سليم عند الباب يدفع الإكرامية للعامل الذي أوصل الحقائب…..
شعرت بذراعيه الصلبتين تحتوي خصرها وذقنه يرتاح على كفتها بعد ان طبع قبلة حانية عليه…
تنهدت كيان برقة وهي تغمض عيناها وتريح ظهرها
على صدره العريض متمايلة معه بخفة وكانهما يرقصا مع الهواء وصوت الامواج البعيدة موسيقاهم الحالمة…..
“بـحـبـك ياكـيـان…..”
خفق قلبها بشدة وجسدها في تمايل رقيق هائم..
بينما شفتيها همست بعذوبة….
“وانـا أكـتـر يـاحـبـيـبـي……”
سالها وعيناه تنظر الى امتداد البحر عن
بعد….. “عجبك المكان…..”
قالت بسعادة…. “اوي أوي ياسـلـيـم…..”ثم بعد
لحظة صمت تساءلت….
“انت جيت هنا قبل كده ؟!….”
اكد بهزة بسيطة…. “مرة مع ناس صحابي…..”
“كان فيهم بنات ؟!….” تساءلت بعد ان هاجمها
شعورٍ مقيت…
رد سليم بصراحة اقرب الى الفخر….
“في الاول لا…. بس بعد كده بقا فيه…..”
استدارت اليه في انتفاضة مستهجنة…
“لا أفهم إزاي يعني….”
رد باختصار بريء….
“يعني جينا لوحدنا وصاحبنا هنا….”
رفعت حاجبها قليلا جافلة….
“اي الصراحة دي…..وجيبني هنا ليه عشان تفتكر
نزواتك..”
قال سليم بصوتٍ متأني وعيناه تجوبان على ملامحها الجميلة التي أضفى عليها الغيرة..
“جايبك هنا عشان انا حبيت المكان ولانه بعيد عن
اي حد ممكن يزعجنا… ثانيا انا نسيت فعلا اي حاجة قبلك مسافة ما قبلتك وحبيتك… فبلاش تقلبيها نكد
هتعلميني الكدب عليكي كده ياعصفورة…. تعالي…”
سحبها الى داخل الغرفة فتاففت كيان
بتغنج….
“ابعد عني ياسليم…. انا زعلانه منك…”
نزع عنها سترة الطاقم الكلاكسيكي التي
ترتديه….قائلا بعبث….
“ومالوا ياقلب سليم اصالحك حالًا…..”
اتكات على شفتيها تمنع ضحكةٍ خائنة…
وهي تمتنع بضجر….
“لا مش عايزة أبعد كده….”
فتح ازرار قميصها باصابع عابثة بينما يده
الاخرى تحتجز خصرها بقوة…قائلا بلهفة…
“سرانغي يامجنونة…فكي بقا…عايزين نبدأ
شهر العسل…”
ضحكت بحياء وهي تجد نفسها مرفوعه بين ذراعيه
بعد ان تخلص من قميصها والقاه ارضًا…..وضعها على
الفراش وهو معها… أبحر في جسدها بروح قبطان
وهي معه غارقة في بحر الهوى…..
…………………………………………………..
في مسبح خاص مغلق عليهما كان يسبح في الماء
برشاقة مستمتع بتدفق المياة من حوله بينما عيناه
بين الحين والاخر ترمقها من خلال جلوسها بالقرب
منه على أحد المقاعد تستلقي باسترخاء واضعه
النضارة فوق عيناها والسماعات في اذنيها تسمع أحد
الأغاني الكورية المفضلة مدندنه معها بهمساتٍ ناعمة
ابتسم سليم بخبث وهو يقترب من موقعها ثم بضربة
بسيطه على سطح الماء نثر قطرات الماء بعنف عليها…
شهقة كيان وهي تنزع النظارة والسماعات
كذلك ناظرة اليه بتوبيخ….
“اي دا ياسليم….مش تحاسب بلتني….”
رد وهو يفرد ذراعيه على سطح الماء بسطوة
جذابة….
“ماهو دا المطلوب….هتفضلي قعده عندك انزلي يلا…..”
احمرت وجنتيها وهي تهز راسها برفض ناظرة الى المئزر الصوف الطويل التي ترتديه.. والذي يخفي
ثوب السباحة الازرق الفاتح القريب من لون مياة المسبح…
“هو إيه اللي لا…. هو احنا نزلين عشان تقعدي تتفرجي عليا…. اقلعي البرنص دا ياعصفورة
ويلا……”
نظرت حولها بحرج…. فنظر سليم معها متعجبًا من هذا التردد الواضح على محياها فهو اختار مسبح
مغلق حتى تكون على راحتها اكثر معه…..
اقنعها سليم قائلا بجدية…
“يلا ياعصفورة… بلاش تبوظي اليوم… محدش يقدر
يدخل هنا غير بأمر مني… انا منبه على ده…”
نظرت اليه بتفكير فقال سليم مسترسلا…
“وبعدين احنا لحد دلوقتي مفطرناش مش ناويه
تفطري ولا إيه…..”
اشار سليم على سلة ملونة كبيرة على شكل قلب
أبيض مزينة بزهور تطفو على سطح الماء جانبًا منتظرة ….. تحوي فطار شهيًا معه بعض العصائر المنعشة والفاكهة الطازجة…
عاد سليم اليها بعيناه منتظرًا….فعضت على باطن شفتيها ناهضة من مكانها وهي تفك رباط المئزر
بحياء شديد…
لماذا يفترسها الحياء الان بعد ما حدث بينهما أمس
واليوم صباحًا…الأمر فقط انها لم تعتاد بعد على هذا
التقارب…..
تأملها سليم بنظرة متأنية فكانت تكشف عن جسدها
بحياء جميل يعشقه بها…..
سافرت عيناه على منحنيات جسدها الفاتن بشوق
لا ينضب…ومشاعر مضطرمة بالعواطف….بلع ريقه وهو يرى جسدها الابيض الناعم أمامه كالقشدة الصباحية تنادي الجائع يلتف في ثوب سباحة
أزرق عبارة عن قطعتين صغيرتين رقيقتين…..
ثقل تنفسه وهو غير قادر على ابعاد عيناه عن مفاتنها
المكتنزة وقوامها المغوي….وشعرها البندقي الناعم
انساب على كتفها بعد ان نزعت مشبك الأسنان
الحاد التي كانت تحجزة داخله…..
اقترب سليم منها ومد يده لها مساعدة على النزول
بخفة….
ففعلت وهي بين يده نزلت المسبح والماء البارد يعانق جسدها بينما يده تعانق كفها بامتلاك…
إبتسمت وهي تمسح على سطح الماء بكفها
قائلة بعفوية…
“الماية حلوة أوي يـاسليم…”
احتوى سليم خصرها العاري
قائلا…..
“انا بقول كده برضو….”
اغمضت عيناها وهي تستقبل قبلة على كتفها العاري
ثم جيدها صعودًا الى وجنتها و…..
قضم شفتيها الشهية برقة اذبت مفاصل قدمها فاحاطت عنقه بكتفها مستكينة في احضانه….
أطلق سراح شفتيها بعد ان احتاجا للهواء معًا
فضمها سليم الى احضانه بانفاس متحشرجة
وهي ترتاح على كتفه مبتسمة بلوعة الحب..
اخرجها من احضانه وهو يشير الى السلة
البيضاء…..
اومات براسها مبتسمة…..ثم بدأ يفطرا بداخل
المسبح بشاعرية مفرطة مستمتعين بالاجواء
المميزة في هذا المكان….
قالت كيان ضاحكة بسعادة..
“مش مصدقة اني بفطر هنا….”
بعض ان دهن قطعة من الخبز بالزبدة اعطاها
لها باهتمام وهو يسالها بتعجب…
“وليه بقا….مستغربة…..”
نظرت كيان الى صدره العاري ولثوب السباحة التي ترتديه ثم لسلة الفطور امامهما وللمكان الفخم والمميز بخصوصية لا يحظى بها الكثير…..
“كل حاجة بعشها غريبة بس جميلة…..”
اعطاها سليم شريحة من التفاح وهو يقول
بنبرة شغوفة….
“انتي أجمل حاجة فيها ياكيان…..افرحي ياعصفورتي
على قد ما تقدري افرحي انا جايبك لحد هنا عشان
ننبسط سوا ونعوض كل اللي فاتنا….”
ارجعت خصلة من شعرها المبلل خلف اذنها قائلة باستحياء عذب…”بحبك ياسـلـيـم….”
اعطاها قطعة من الخبز مدهونة
بالعسل…
“وانا بموت فيكي ياقـلـب سـلـيـم….”
وضعتها في فمها وهي تقول على
مضض….
“كفاية بقا انا كده هبقا شبه الدرفيل….”
رد دون اهتمام…
“مش مهم كلي لحد ما تشبعي…”
سالته بنظرة لئيمه…
“مش هتضايق لو تخنت ؟!…”
هز راسه بنظرة وقحة على
صدرها….
“بالعكس دي هتبقا متعة تانيه….”
ادعت كيان الحنق..
“بطل قلة ادب….وسفالة.. ”
كرر الكلمة بهمهمات مستمتعة….
“سفالة ؟!…الله الكلمة دي فتحت نفسي على حاجات
كتير اوي……”
اقترب منها بعبث فابتعدت مزمجرة تكبح
ضحكتها…. “سليم اتلم…..”
أصر سليم وهو يلحق بها بشقاوة….
“تعالي بس هقولك حاجة في ودنك….”
هزت راسها وهي تسبح بعيدًا عنه…..”لا…..”
سبح سليم خلفها وهو يشاكسها….
“هتروحي مني فين…..دا متر في متر……”
ضحكت وهي تفلت منه بخفة وهو خلفها مصمم
على الحاق بها حتى امسكها في نهاية المطاف وعاقبها عقاب يروق لقلبها العاشق له حتى
النخاع…….
وبعد فترة من السباحة معًا واللهو والمشاكسات اللطيفة المتبادلة بينهما صعدا الى غرفتهما
للنوم الساعات المتبقية من النهار…..
….
وضعت فرشاة الزينة على سطح الطاولة ثم نهضت عن مقعدها متأملة نفسها عبر المرآة…..
خرج سليم من الحمام بكامل اناقته مرتدي طاقم
شبابي أنيق يليق بالمكان الذي سيذهبا إليه..وقد
صفف شعره الاسود الغزير للخلف وشذب لحيته
مسك زجاجة العطر ورش منها القليل وعيناه
تسري على جسدها منتشيًا…
فقد تانقت هي أيضًا في (جمبسوت)بُني اللون مغطى بالترتر الامع والذي يليق بسهرة اليوم…
ترفع شعرها البندقي للأعلى على شكل ذيل
حصان يتدلى خلف عنقها بنعومة….واضعه
على وجهها زينة رقيقة متقنة وكانها خطت
إياها بريشة سحرية….
أطلق سليم صفيرة إعجاب وهو يغلق زجاجة العطر… بينما ضحكت كيان وهي تلتف حول نفسها قائلة بغرور..
“اي رأيك في اللوك ده…..”
انتظرت تعلقيه على أحر من الجمر بروح متوهجة
لتجده يخبرها بعد لحظة تأني كان يلتهمهما خلالهما
بعيناه الثاقبة….
“مُزة….”
اخيرًا علق بكلمةٍ لم يجد سواها في قاموس
الغزل ؟!!… ولم تصدق حتى الان انه ينطقها للمرة الثانية بتلك الاريحية و النظرة الوقحة….
اتكأت على اسنانها فرغم غرابة الكلمة منه هو تحديدًا الى انها بها سحرًا غريب يرضي انوثتها…ويسعدها…..
الغزل السوقي من فم استاذها شيءٍ آخر !!..
معه تحب كل شيءٍ غريب وغير متوقع….وماذا بعد
يارجل ؟!!!….
حركت كتفيها باستياء وهي تقول
بخفوت…
“شكرًا…..مقولتليش بقا هنروح فين….قولتلي اننا
هنسهر النهارده في مكان حلو بس مقولتش فين
بظبط….”
رد سليم مختصرًا وهو يضع زجاجة
العطر….
“سمعت ان في حفلة هتتعمل على
الشط فقولت نحضر وننبسط شوية….”
تهللت اساريرها بتساؤل….
“بجد ؟!!…حفلة….متعرفش مين هيغني….”
هز راسه بنفي….
“مركزتش اوي بس في كذا مغني معروفين هيحضروا…معظم اغنيهم كلاسيك رايقة….”
قالت باستحسان مبتسمة….
“احسن برضو انا بحب الاغاني الهادية بعيد عن الطبل والزمر…..”
نظر لها سليم بعيني نمر وهو يرفع حاجبه
مكذبًا…
قالت كيان بعد ان حلت شفرة تلك النظرة…
“بلاش البصة دي ياسليم…عبد الباسط حمودة
دا في حته لوحده راجل رايق كده واللي بيسمعوا ناس رايقة زيه…. بتحب تسلطن…..”
عقب سليم بنظرة
فاترة…
“ماشي ياجميل يارايق…..”
قالت كيان وهي تنظر الى نفسها في المرآة
مجددًا….
“صحيح انا لحد دلوقتي مسالتكش انت بتحب
تسمع لمين…..”
رد بايجاز وعيناه لا تحيد
عنها….
“كوكب الشرق ام كلثوم……”
زمت كيان شفتيها ممتعضة…
“ياساتر….مش بحبها خالص….”
رفع سليم حاجبيه قليلا متشدقًا بذهول…
“كده المستشار يزعل وانا قبليه….انتي جربتي تسمعي ليها حاجة ؟!… ”
أكدت وهي تعود بعيناها إليه….
“طبعا حاولت بس محبتهاش….اغانيها طويلة أوي
ولي بتعيدوا بتزيده….”
ثم اتسعت عيناها متاففة باستهجان…
“ربع طولت بالها وشغفها في شغلها وهي واقفة تغني
بالخمس ساعات والفرقة وراها….”
لم يحبذ الجدال في هذا الأمر فاختصر
الحديث قائلا بابتسامة متزنة….
“حاولي تسمعي ليها تاني اديها فرصة….اكيد هتعجبك…”
هزت كيان راسها بانصياع قائلة بتفكير…
“تمام ممكن اسمع لها تاني عشان خاطرك انت
وعمو بس….”
اخرج سليم الهاتف من جيب بنطالة
قائلا بتذكر…..
“فكرتيني عايز اكلمه افكره بحباية الضغط…..”
اقتربت منه وهي تساله
بقلق…
“هو عمو عنده الضغط…..”
اجابها وهو يرفع عيناه عليها…
“اه من كام سنة كده بقا بيتعالج منه….”
وقفت كيان بجواره ثم قالت بتأثر….
“ربنا يشفيه….طب رن عليه يلا قبل ما ننزل عشان
انا كمان عايزة اكلمه واطمن عليه… ”
وضع سليم الهاتف على اذنه وانتظر لبرهة…..
وعندما فتح الخط قال بلهفة الابن…
“ايوا ياسيادة المستشار….وحشتني…وحشتني
اوي يابابا….”
اتى صوت المستشار عبر سماعة
الهاتف بوقار…..
(لو وحشتك تعالى اي اللي مقعدك عندك….)
ضحكت كيان دون صوت بعد ان طلبت منه
فتح مكبر الصوت لتطمئن معه وقد سمعت تعليق
والده عليه….
ادعى سليم الجدية….
“اوي اوي من بكرة هتلاقيني عندك….”
تافف والده بمزاح…..
(انت بتتحجج بيا ولا اي ياولد….خليك مكانك انا ماصدقت خلصت منكوا انتوا الإتنين….)
اندفع صوت كيان متذمرة بعتاب….
“كده ياعمو….بتجمعني معاه برضو….”
ضحك المستشار فور سماع صوتها ثم
قال بملاطفة….
(اهلا اهلا بعصفورتنا الصغيرة….انا اقدر برضو
اجمعك معاه دا انتي في حته لوحدك….)
غمز لها سليم ضاحكًا فرفعت كيان راسها بزهو..
ثم حدثت والده باهتمام….
“عامل اي ياعمو….اي أخبارك…..”
رد المستشار عليها بمحبة….
(الحمدلله يابنتي…انتي اللي عامله إيه…اوعي
يكون سليم مزعلك…..)
قالت كيان بحياء….
“لا ياعمو الحمدلله احنا كويسين اوي….”
تنهد المستشار بمودة….
(يارب دايما يابنتي يديم عليكم الرضا والسعادة..)
انبثق صوت سليم من بينهما
باهتمام….
“خدت حباية الضغط يابابا….”
رد والده بهدوء حاني….
(ايوا ياحبيبي اطمن اتغديت من بدري وخدت علاجي وهدخل انام كمان شوية…..متشغلش بالك انت بس بيا وركز مع مراتك وانبسطوا….)
اخذ سليم منها الهاتف قائلا باهتمام…
“ومالوا يابابا لما برضو اطمن عليك انا ليا مين
غيرك…..”
رد والده بمودة….(ليك مراتك وحياتك….)
قال سليم بحزم…… “وانت قبل اي حاجة….”
ظهرت البسمة مع صوت والده المتفهم…..
(عارف ياسليم من غير ما تقول….بس برضو اليومين
دول بتوعكم حاولوا تنبسطوا وتفرحوا بشبابكم..)
“اكيد بنعمل كده اطمن…في حفظ الله ياسيادة
المستشار….هكلمك الصبح.. “أغلق سليم الهاتف
بعد السلام….
ثم تنهد بارتياح وهو ينظر الى كيان التي قالت بعينين ترقرق بهما الدمع بتأثر وبراءة….
“بحب علاقتكم أوي….وبحب باباك جدا….ربنا
يحفظه ليك…”
وضع الهاتف في جيبه ثم مد يداه محتوي خصرها
بحب وهو يأسر عينيها الجميلة طابع قبلة دافئة
على وجنتها..
“ويخليكي ليا..انتي كمان بقيتي فرد مهم في العيلة
دي…انتي الست الوحيدة اللي هتدخل البيت ده بعد
امي…وهيبقا ليها كل الصلاحيات..اوعديني ياكيان..”
قراءة نظرة عيناه لها والوعد الذي يطالب به…
فبللت شفتيها ثم قالت وهي بين يداه مسالمة له
وللحياة الجديدة التي انساقت خلفها….
“أوعدك اني هحاول أسعدك واكون نعمة الزوجة ليك
واكون بارة باباك…..”
ابتسم سليم بارتياح وهو يتحسس خصرها قائلا كذلك بصوتٍ حاني… حاسم…
“وانا اوعدك بسعادة ياعصفورتي وان حياتي وقلبي هيفضلوا ملك ايديكي لاخر يوم في عمري….”
انكمشت ملامحها بعدم رضا….
“بعد الشر عليك… متقلبهاش دراما بقا….”
ثم اخرجت هاتفها من حقيبتها الصغيرة
الامعة وهي تقول بجذل….
“يلا نتصور سوا…. صورة حلوة بمناسبة اننا مطقمين…”
وقفت بين ذراعيه بدلال تلتقط صورةٍ تذكارية
لهما وهما يبتسما معًا كان ينظر اليها بحب بينما
هي تلتقط الصورة وعيناها على عدسة التصوير
وتم التقاط الصورة على هذا النحو،صورة جميلة
متشبعة بعفوية الحب والكمال بينهما….
..
وسط الاضاءة الخافته الشاعرية و الموسيقى الكلاسيكية المنبعثة من أعلى المسرح الغنائي
وصوت المطرب الذي يغني باحساسٍ يهدي
العشاق بلاغة التعبير عن الحب بابسط الكلمات
واعمقها اثرٍ على القلوب….
كان يعانق خصرها من الخلف وترتاح هي على صدره
العريض متمايلة معه على كلمات الاغنية في وقفة
مشتعلة بالعشق….
همس بجوار اذنها بصوتٍ اجش وهو يضمها
الى صدره أكثر…
“بـعـشـقـك ياكـيـان…..”
“وانا كمان ياحبيبي….” قالتها برقة وهي تغمض عيناها محلقة في سماء الحب بين يداه….
انها تعيش أجمل أيام عمرها في احضانه انها سعيدة
سعيدة جدًا وتريد ان تصرخ بها باعلى صوتها….
“اي ده سليم معقول ؟!!….”
فتحت عيناها مصعوقة وهي تهبط باقصى سرعة
على أرض الواقع ، ارضًا شديدة الصلابة والقسوة..
فتحت عيناها وهي تنظر الى تلك المرأه الشبه عارية
بثوب قصير جدًا لم يترك للمخيلة فرصة…..
تنحنح سليم وهو يعتدل في وقفته قليلا دون
ان يبعدها عن احضانه…..
“هاي يا روما…..اي الأخبار…..”
قالت تلك المرأة العارية بصوتٍ ناعم جدًا
مستفز لأبعد درجة….
“هاي ياسـلـيـم…..انا تمام بقالي يامه مشوفتكش..”
رد سليم بحرج…
“مشاغل بقا ما انتي عارفه….”
“اه واضح…..”القت نظرة ذات مغزى على كيان
التي بدورها اظلمت ملامحها وهي تشع لها نظرة عدائية..
فقالت روما بلؤم…
“هي ايتن ليه مش معاك…..”
احتقن وجه كيان بينما ارتفع حاجب سليم
وهو يركز بنظرة عليها قائلا بخشونة….
“هو انتي متعرفيش اننا سبنا بعض…انتم
المفروض صحاب أوي ؟!!.”
ادعت الدهشة ببراعة قائلة..
“لا معرفش انا كنت في أمريكا عند دادي ولسه
راجعه من كام يوم….معقول سبتوا بعض دا انتوا
كنتوا كابل هايل…..خسارة…..”
امتقع وجه سليم وهو ينظر الى كيان
الصامته المستمعة لهما…..فاشار عليها
بفخر قائلا…..
“كُنا….احب أعرفك كيان مراتي….”
فغرت شفتيها بدهشة…… “بسرعة دي…..”
اظلمت عينا سليم بينما اتكأت كيان على اسنانها
تكبح جنونها….فتداركت روما الخطأ وقالت
بترحيب فاتر….
“اوه سوري تشرفنا….كيان…..”
دون سلام ردت كيان بجمود…”اهلا… ”
اغتصبت روما الابتسامة وهي تقول
بتودد…..
“واضح انكم بتقضوا الهاني مون هنا…”
رد سليم بإيجاز…… “بظبط…..”
لمعة عينا روما بخبث فقالت بصوتٍ ناعم جدًا
كان نشاز على الأذان….
“خلاص بقا يبقا اعزمكم على عيد ميلادي هو
كمان يومين …”
القى سليم رفضًا قاطعًا….
“مش هينفع يا روما خليها مرة تانيه…..”
قالت روما بتعجب…
“ليه بس كده ياسليم…. حاول تيجي صدقني هتنبسط اوي والاجواء هتعجبك….”
رفض بتصميم…. “روما الـ….”
قاطعته روما بدهاء…..
“أكيد رافض عشان ايتن هتكون موجودة….بس انا مش شايفه فيها مشكلة انتوا مش أول اتنين يسيبوا
بعض بعد قصة الحب الكبيرة اللي كانت بينكم….”
ثم استرسلت وهي تنظر الى كيان المستكينة
بجوار زوجها بصمتٍ مهذب…..
“على فكرة يامدام انا اعرف ناس بعد الانفصال
بيبقوا اعز صحاب…..”
قالت كيان بابتسامة باردة…..
“والله….طب كويس منك نستفيد واضح
انهم كتير في حياتك….”
احتقن وجه روما بتساؤل….. “مين هما ؟!!….”
قالت كيان بنظرة سامة….
“الناس اللي بينفصلوا هيكونوا مين يعني….”
انهى سليم الحوار المحتد بينهن قائلا….
“ان شاء الله ياروما هنشوف ظروفنا ونقولك…”
هزت روما راسها بخيلاء….
“اوك هبعتلك العنوان على البرايفت…دا اذا حبيت
تيجي….باي….”
ثم نظرت الى كيان وقالت بنظرة
تقليل….
“فرصة سعيدة….. كيان…..”
ردت كيان بنظرة اشد استخفاف
وسخرية
“انا اسعد……روما….”
عندما ابتعدت عنهما وبعيدًا عن ضجيج الحفل
رفعت الهاتف على اذنها قائلة بنبرة تشفي….
“ايتن مش هتصدقي قابلت مين هنا….”
تلونت ابتسامتها بخبثٍ مضيفة…
” لا لا طبعًا الموضوع مش هينفع في التلفون….
لازم تيجي…وعشان احمسك أكتر…..الموضوع
يخص سليم الجندي حبيبك….”
اغلقت الهاتف والابتسامة تتسع بتسلية…
مغمغمة بنشوة…..
“وأخيرًا لقينا حاجة تسلينا بدل الملل ده….”
……………………………………………………………..
وضعت يدها على بطنها وبدأت تتحسسها برفق
وهي تشعر بتشنجات اسفل يدها ووجع مستمر
في ظهرها غير الغثيان الذي لا يفارقها….
اغمضت عيناها باعياء منذ ان بدات تظهر أعراض
الحمل وهي تعاني باستمرار….
“على راي ماما….. العيل مش بيجي بساهل…”
قالتها وهي تريح راسها على ظهر الاريكة وعيناها
معلقة على شاشة التلفاز بملل….
حتى سمعت بعد لحظات رنة مفاتيح زوجها يليها
دخوله بخطوات رغم ثباتها الى انها تحوي لهفة
يستشعرها قلبها ولا تكذبها اذنيها….
“عامله اي يادودا النهاردة….”
ابتسمت داليدا وهي ترفع عيناها اليه قائلة
بجزع…
“زي ما انت شايف ياسلطن…مش قادرة اتحرك..”
أقترب منها جالسًا بجوارها على حافة الاريكة
ثم مسك كفها بحنو قائلا….
“انا مش بسالك اتحركتي ولا لا انا بسألك.. حاسه
بوجع زي امبارح….”
هزت راسها بنفي قائلة بهدوء….
“لا بقيت احسن الحقن دي ريحتني شوية….”
تنهد سلطان بارتياح ناظرًا اليها بعطف….
“طب كويس وزي ما الدكتورة قالتلك بلاش تتحركي
كتير الشهر ده…”
زمت داليدا شفتيها بتبرم…
“بس انا مش بحب قعدت العواجيز دي…”
هز رأسه بوجوم قائلا….
“عارف بتموتي في العغرته استحملي عشان خاطر
اللي في بطنك….”
ابتسمت بحنين وهي تمسح على
بطنها…
“اه ياسلطان… امتى اولد بقا عشان أرتاح….”
رفع حاجبه بشك….”تفتكري ياداليدا؟!!..”
أكدت عليه بسعادة…..
“طبعا الحمل متعب أوي….لكن لما يبقا قدام
عنيا رعايته هتبقا سهله….”
مالى سلطان عليها وطبع قبلة حانية على وجنتها قائلا بحب جارف….
“يمكن..انا اكره يعني.. ربنا يقومك بسلامة ونعدي المرحلة دي على خير….انا ببقا في الورشه بين
نارين مش عارف اركز في شغلي من القلق
عليكي.. ”
انعقد حاجباها متعجبة بحيرة…..
“مش عارفه انت ليه قلقان ما أميرة وجنة بنتها
بيعدوا عليا يقعدوا معايا كل يوم ومامتك
كمان طول النهار معايا أطمن….”
طبع سلطان قبلة ثانية في داخل كف يدها
قائلا بمناغشة….
“لو مقلقتش عليكي انتي هقلق على مين يادودا..
دا انتي طلعتي غالية عليا اوي يابت….”
احمرت وجنتاها خجلا وسالته بدلال..
“الحمل بس هو اللي خلاني غالية عندك ؟!!.”
نظر الى وجهها الجميل وعيناها الشقيتين
المغويتين بالحسن…..ثم اخبرها بعذوبة
الحب….
“انتي عارفة انك غالية عندي من قبل كده بس
غلاوتك زادت بعد مابقيت حامل في ابننا…”
اتسعت البسمة على شفتيها حتى شملت وجهها
فقالت برضا تام وهي تقرص خده..
“بحبك ياسلطن…. بحبك يابو مليكة….”
ابعد يدها منزعجًا من تلك الحركة السخيفة
والدلع الاكثر سخافة….والذي للعجب يعشقه من
بين شفتيها الشهية ؟!!..
عقب بعدم رضا….
“مليكة ؟!… طب ما ممكن يبقا محمد….”
زمت داليدا شفتيها وهي تمسح على بطنها مجددًا وكانها تشارك طفلها جزءًا من الحديث بتلك الحركة
البسيطة التي تشع لطف الامومة……
“مش عارفه ماما بتقولي ان الحمل محليني يبقا
اكيد حامل في بنت…. أصلي لو حامل في ولد هبقا
وحشة….”
عقب سلطان بتجهم.. “اي الكلام الغريبة ده….”
هزت داليدا راسها بنفي موضحة….
“مش غريب ولا حاجة دي حاجة شبه السونار
كده وبتطلع صح مية في المية… وبعدين تعالى
هنا وشك قلب ليه لما قولت مليكة… انت
منهم ولا إيه….”
سالها بخبث…. “هما مين ؟!!….”
ضاقت عيناها باتهام…
“اللي بيحبوا خلفت الولاد أكتر….”
اجاب بهدوء…
“كل اللي يرزقنا بيه ربنا رضا….”
سالته داليدا عن كثب…
“ايوا مقولناش حاجة بس انت نفسك في إيه…”
رد سلطان مختصرًا….
“انا طماع عايز الاتنين الولاد والبنات….”
رمقته داليدا بسأم فتدارك سلطان الوضع وهو
يحتوي كتفها بذراعه قائلا….
“بس طبعا لو جت بنت مش هزعل دي هتبقا حبيبة
ابوها….”
على وجهها تعبير الغيرة فقالت بتذمر…
“ولما هي من الاول كده هتبقا حبيبة أبوها..انا هبقا
اي بقا يا سلطان….”
“قلب وروح وعقل أبوها….”قطف قبلة حارة
من بين شفتيها السخية….
فابتسمت داليدا برضا تام وهي تساله
بحنان..
“مش جعان ياسلطان….”
اجابها وهو يبعد ذراعه عنها…
“ميت من الجوع….انتي كلتي؟…”
اجابته بنظرة مليئة بالحب….
“اه كلت مع أختك وخدت علاجي….أميرة عملت لنا الغدا النهاردة وكلنا سوا وشلنالك منه….هقوم اسخنلك..”
اوقفها سلطان بأمر خشن….
“خليكي انا هدخل اسخن لنفسي…بس هتاكلي معايا
عشان تفتحي نفسي على الأكل….”
قالت بخفوت….
“طب روح انت غير هدومك وانا هسخنلك…”
اصر على الرفض وهو ينهض من مكانه
قائلا بحزم…
“لا ياحبيبتي انا هغير هدومي وبعدين اسخن وناكل
سوا خليكي مكانك وارتاحي….”
بعد لحظات كانا يأكلا على طاولة صغيرة
امام شاشة التلفاز….كان يأكل القليل ويطعمها
أكثر بنفس الاهتمام والحب الذي ازداد عن
المعتاد معه اثناء فترة حملها والتعب الملازم
لها…..
شعرت داليدا بان معدتها اوشكت على الانفجار
من كثرت الطعام…فتاوهت برفضًا تمتنع….
“كفاية بقا ياسلطان انا شبعت والله….”
“انتي لحقتي كلتي..”مد يده لها بمعلقة ارز
أخرى اخذتها على مضض…..
“كفاية بالله عليك عشان مرجعش….”
اوما سلطان براسه بايجاز….وبدا ياكل بصمت
بملامح متجهمة…فسالته داليدا بعد الملاحظة
“مالك ياسلطان شكلك مضايق في حاجه حصلت..”
اخبرها على مضض…. “هدى بنت عمتك….”
شحب وجه داليدا فجأة وهي تساله
بارتياع…. “مالها…”
اجاب بقنوط…. “جالها عريس ورفضته…”
ازدردت ريقها بخوف مستفسرة…..
“واي المشكلة ممكن ميكونش مناسب ليها…هو
مين.. ”
رد بملامح جافية…..
“حسني…ابن الست فتحية….”
فغرت داليدا شفتيها بصدمة لوهلة
ثم سألته….
“اي ده هو رجع من الكويت….”
اجابها سلطان وهو يرتشف القليل
من الماء….
“رجع وبيدور على عروسة….عشان يتجوزها ويسافروا….”
قالت داليدا بعفوية….
“يعني اللي هيتجوزها هتسافر معاه….طب وليه
رفضت….”
أوغر صدر سلطان بالغيظ من خسارة
فرصة زواج كـتلك…..
“مش عارف مع ان حسني ده جدع ومفهوش غلطة…وامه رشحتها ليه وهو وافق أول ماشاف صورتها….”
اختنقت الكلمات في حلق داليدا وهي الان
تدرك السبب الرئيسي لرفض ابنة عمتها لفرصة
ذهبية كـتلك….
تحيا نفس الوهم التي عاشته هي سابقًا تسد اذانها
وتغمض عيناها عن طيب خاطر فقط ليرضا
عنها الحقير……
الذي هو الان في عيناها فارسها الشجاع كما
كانت تتوهم هي بهذا سابقًا…..
سألت سلطان بعد لحظة صمت ثقيلة
على صدرها…..
“طب وعمتك عملت إيه لما هدى رفضت…”
تنهد سلطان مختصر الوضع….
“هتعمل إيه….حاولت تغصب عليها بس هدى استنجدت بيا وبعمامك فمحدش رضي بجوازها
غصب…..”
ثم على وجه سلطان تعبير غريب مخيف…
“اللي مستغربه ليه هدى رفضت مع انها من فترة قصيرة كانت مستعده توافق باول عريس يدق
على بابها…..”
هزت داليدا راسها مؤكده دون مواربة….
“وده كان أول عريس فعلا يدق على بابها…يمكن
هي شايفه حاجة احنا مش شيفنها ربنا يسترها….”
رمقها سلطان بأستغراب…..
“ليه بتقولي ربنا يسترها…انتي تعرفي حاجة ومخبياها عني….”
اختلج قلبها فجأه بفزع وتشنجة معدتها أكثر جراء
السؤال والنظرة الحادة في عيناه فقالت بثبات انفعاليّ تستحق جائزة ذهبية عليه…..
“هكون عارفه اي يعني…هو انت شايف سرها معايا
او عمرنا كنا صحاب حتى…..”
طال بهما الصمت والنظرات المتبادلة حتى هز راسه مقتنع بحديثها ثم نهض من مكانه يحمل صنية الطعام قائلا بهدوء….
“انا هروح اعملي شاي… وهصبلك كوبايه عصير….”
قالت داليدا بامتناع وهي على وشك التقيؤ
في اي لحظة…..
“لا ياسلطان مش قادرة بالله عليك…”
اردف سلطان بملاطفة….
“بطلي دلع يادودا…اهو تشربيها معايا واحنا بنتفرج
على الشاشة…وبالمرة تحكيلي عن الحلقة اللي فاتتني في المسلسل….”
ابتعد امام عيناها الحزينة فقالت داليدا بسخرية
في محاولة منها للتخلص من تلك المشاعرة
السوداوية المخيفة….
“على أساس انك بتحبه يعني…دا انت بتقعد معايا تتفرج عليه جبر خواطر….”
عاد من المطبخ وبين يده كاس من العصير
الطازج….ثم استأنف بمداعبة….
“حصل…بس بعد كده شدني….وبعدين القعده
معاكي قدام التلفزيون حاجة تانية…..”
اسبل عيناه وابتسم بسخرية متعجبًا من حالة والى اي مدى وصل به العشق…..
سالته داليدا بفضول….
“اي اللي ورا الإبتسامة دي اي افتكرت إيه ؟!..”
رفع عيناه عليها والابتسامة مزالت متعلقة على
محياه…..
“افتكرت نفسي لم كنت بستغرب ابويا ليه بيحب يتابع فيلم أو مسلسل مع امي…دلوقتي عرفت…”
قالت داليدا بروح متوهجة…..
“المشاركة حلوة…حتى لو بابسط الحاجات…عشان
كده انا قررت بما انك بتحب الكورة الماتش الجاي هقعد اتفرج معاك واشجع الفريق المنافس….”
رفع سلطان حاجبه بصدمة متشدقًا
باستهجان….
“دي كده مش مشاركة دي حرقة دم….”
ضحكت داليدا وهي ترفع كوب العصير الى فمها بينما هو عاد الى المطبخ لاعداد الشاي…
وعندما اختفى عن مرمى ابصارها اعادت الكوب
مكانه وانحنت بانهزام مرعوبة من القادم….
…………………………………………………………..
شعرت بمداعبة لطيفة فوق بشرة خدها يليها قبلة صغيرة فوق جبينها وهمسة خشنة حانية تدللها
باسمًا منفرد رائع يعزز انوثتها مع كل خطوة تخطوها معه…
“ست الحُسن والجمال….”
لانت شفتيها في ابتسامة صغيرة شديدة الرقي
وبدات ترمش بجفنيها باهداب كثيفة جميلةٍ….
فظهرت عسليتاها والتي بدت كشمسان متوهجتان في صيفٍ حار…..
سحبت نفسًا طويلا ثم قالت بهمسًا والبسمة تزين
ثغرها الشهي…..
“صباح الخير ياعـاصـم…..”
ابتسم لعيناها البديعة في الطلة وعند النظر والى اسمه من بين شفتيها يُنطق بصفوٍ ودلال ليس
كمثله أحد…..
مالى على شفتيها وقطف قبلة صباحية حلوة المذاق
وهو يرد تحية الصباح كما اعتادت منه…
“صباح الشهد….”
اعتدلت في جلستها غير مصدقة انها أمس كانت
تحضر حفل زفاف شقيقيها وانتهت الامسية بين
احضانه وهو يغرقها في موجة ثائرة من الحب والغزل..
تحدث عاصم بمشاكسة….
“اي الكسل دا كله… احنا سهرنا اوي كده إمبارح…”
عضت على باطن وجنتها وهي ترفع حاجبها له
فغمز لها قائلا بمناكفة….
“كله منك….كل مرة بنسهر فيها لوش الصبح بيبقا بسبب رغيك اللي بيقلب بحاجات تانية…”
فلتة منها شهقة صغيرة
مصدومة…
“انا رغاية ياعاصم ؟!!….”
اكد بهزة من راسه….. “جدًا….”
رفعت حاجبٍ متجهمًا…. “طب وحضرتك…”
مط شفتيه يجيب بجدية….
“لازم اخد وادي معاكي…. السوق علمنا كده…”
ازداد إرتفاع حاجبها….. “جبر خواطر يعني؟!!…”
اكد باستفزاز….. “بظبط….”
أوغر صدرها بالغيظ فقالت بسطوة….
“طالما انا رغاية والموضوع جبر خواطر… من اليلادي
هتنام على الكنبة….او على الأرض…”
تراجع عاصم قائلا بابتزاز عاطفي….
“اهون عليكي ياست الحُسن…انام ازاي بعيد عن حضنك…”
اختلج قلبها بين اضلعها بتأثر الى انها
قالت بجمود….
“عادي هتعرف على فكرة….”
رد بصوتٍ أجش عميق زلزل كيانها….
“مقدرش… خلاص اتعودت عليه….وطني ده….”
نست ان تاخذ انفاسها وهي
تسأله…
“حضني هو وطنك ؟!!…”
سحب كفها ورفع اياه لمستوى شفتيه ثم طبع
القبل عليه وهو يخبرها بعاطفة جياشة…
“كلك على بعضك وطن…وطن عاصم الصاوي..وطني
وعوضي من الدنيا… انتي ياست الحُسن….”
ارتجفت الابتسامة على شفتيها وهي
تناديه بصوتٍ متهدج… “عـاصـم…..”
طبع قبلة اخرى على باطن كفها…
“عيون عاصم…..”
قالت بضعف انثوي….
“الكلام الحلو ده على الصبح خطر على قلبي..”
طبع قبلة اخرى على باطن كفها قبل ان يترك
سراحها مؤقتًا…. “ناجله لـحد بليل….”
ثم نهض من مكانه يتابع ارتدى ملابسة مضيف اللمسات الأخيرة كارتداء السترة والعطر….
تاملت شهد الهيئة الانيقة المرتبة والنظافة الواضحة
عليه انه يلمع من كثرة اهتمامه بأقل التفاصيل خصوصًا نظافته الشخصية !!….
الأمر أقرب للهوس….
“انت نازل الشغل ؟!…”
القت السؤال وهي ترفع ساقيها للاعلى بملامح منبسطه وهي تشاهد بعسليتاها العاشقتان العرض
الأقرب الى قلبها
تأنقه المعتاد كل صباح وكأنه ذاهب لمؤاتمر صحفي
وسيكون تحت الأضواء لحظة بلحظة……
رد عاصم بهدوء….
“اه بعد ما نخلص مشورنا….”
انعقد حاجباها باستفهام….. “مشورنا ؟!…”
وضع عاصم زجاجة العطر واستدار اليها
قائلا….
“انتي ناسية ولا إيه مش قولتي معاد الدكتورة النهاردة…”
اتسعت عينا شهد بدهشة…
“ايوا صح…..كُنت ناسية….”
ابتسم عاصم وهو يأمرها بلطف…..
“يعني كسلانة وناسية كمان كده كتير…يلا ادخلي
خدي شور كده واجهزي..وانا هستناكي تحت نفطر معاهم ونمشي و بالمرة أطمن على الحاجة نصرة وشوفها خدت علاجها ولا لا على ما تنزلي….”
خرج من الغرفة بخطى هادئة تشع رجولة ووقار..
واخيرًا هيئة انيقة ونظيفة كما اعتادت رؤيته…
ابتسمت شهد بسعادة وهي تبعد الغطاء عنها
بقوة مندفعة الى الحمام بخطى سريعة متراقصة
على اوتار السعادة
عندما دلف عاصم الى غرفة الطعام وراى الحاضرين تسمر مكانه مصعوقًا لوهلة بعد ان راى الهام بصحبة رُفيدة شقيقتها يجتمعا مجددًا في هذا المنزل وعلى
سفرة طعام واحده بعد كل هذه المدة التي
مضت بعد طلاقهما…
كان على راس السفرة الجدة نصرة وعلى الجهة اليسرى يجلس يزن وجواره امه وخالته رفيدة…. والجهة اليمنى فارغة فلم يحضر عمه منذ البارحة
فيبدو انه يتهرب من مواجهة ابنه بعد ان زفة الهام له خبر الزواج….
بعد ان ذابت الصدمة عنه اقترب من الجميع بهدوء
ملقي السلام وهو يقترب من الجدة طابع قبلة
حانية فوق رأسها….
“عاملة اي ياحبيبتي دلوقتي…خدتي علاجك.. ”
ردت نصرة بمحبة وهي تربت على كفه..
“الحمدلله ياعاصم خدته وبقيت احسن….”
انبسطت ملامح عاصم بارتياح ثم حانت منه
نظرة على رفيدة ومن باب الذوق رحب بها
بفتور….
“أزيك يارفيدة….عاملة إيه….”
بنظرة حزينة يشوبها حسرة ضياعه
قالت…
“الحمدلله ياعاصم….انت عامل ايه…..”
رد وهو يتخذ أول مقعد في الجهة
اليمنى.. “الحمدلله….”
قالت الهام بصوتٍ متداعٍ حزين….
“كويس انك جيتي يارافي….كنت محتاجة اقعد معاكي أوي….”
“وانا كمان يالومي…”قالتها رفيدة ثم نظرت
الى يزن بمحبة….
“ويزن حبيبي وحشني….”
رد يزن بإبتسامة مناغشة…
“وانتي كمان ياروفي هنقضي اليوم سوا أكيد….”
اكدت رفيدة بضحكة فاتنة…. “اكيد يايزون…..”
ثم رفعت عيناها على عاصم الذي يأكل بهدوء
متجاهل النظر اليهما….فقالت بحرج حتى
تلفت انتباهه لها بعد ان تأنقت على نحوٍ مبالغ
كما أمرتها اختها…..
“اتمنى مكنش ازعجتك بزيارتي دي ياعاصم…”
رفع عاصم عيناه عليها ثم اجاب بخشونة…
“ليه بتقولي كده….احنا في الاول وفي الاخر عيلة..
ومرحب بيكي في اي وقت….”
سالته رفيدة بلؤم…
“ويترى مراتك رايها من رأيك….”
اجاب بنبرة مثخنة جادة….
“شهد بنت أصول…وتفهم في الاصول كويس أوي…”
تدخلت نصرة في الحديث مؤكدة بنفسٍ
راضية….
“فعلا والله شهد دي زي البلسم….كفاية ادبها واحترامها للكل…..ربنا يصلح حالها ويسعدها….”
احتقن وجه رفيدة بغضب وهي تنظر الى اختها
التي كان حالها لا يقل عنها غضبًا وكرهًا كلما ذكر
اسم هذه المخلوقة…..
بينما قلب ابنها يرفرف بين ضلوعه بسعادة عند ذكرها وعيناه تبرق بهوس يتخطى الحدود..
سمع عاصم طرقات حذاء تقترب….فرفع عيناه عند باب الغرفة منتظر…..
فظهرت شهد امامه متوهجة الجمال كنجمة متلالأة متأنقة بطاقم شبابي عبارة عن بنطال جينز وكنزة صيفية رقيقة من اللون الأخضر الفاتح تترك شعرها حرًا خلف ظهرها…وتضع زينة بسيطة تشرق وجهها
وتزيده بهاءًا…..
ورغم البساطه بها الى ان جمالها يضوي متخطي الحدود في عيناه الغارقة في حبها…
ازدرد ريقه عندما تقدمت منه وقد انكمشت ملامحها
باستهجان بعد رؤيتها للضيفة الغير متوقعة والتي
تتشارك معهم وجبة الفطور بمنتهى السلاسة
والحرية وكانها معتادة على فعلها….
تبادلت إلهام النظرات الخبيثة مع اختها التي ابتسمت بسخرية وهي ترمق شهد بازدراء وحقد…..
“صباح الخير….”
قالتها شهد وهي تدور حول سفرة الإفطار ثم جلست في مكانها جوار زوجها بصمتٍ تام وملامح
جامدة المعاني….
ردت نصرة بابتسامة صافية…بينما رد يزن تحية
الصباح وهو يرمقها بشوقًا مستتر وباهتمام
واضح….
“صباح النور…. يازهرة سراية الملوك…”
ضاقت عينا عاصم وهو ينظر الى يزن ثم الى شهد التي تبادلت معه النظرة بحنق ومزال صدرها متقد كبركان ثائر يوشك على الانفجار في اي وقت منذ ان رأت رفيدة تشاركهم وجبة الإفطار….
عقب عاصم وهو ينظر الى
يزن….
“زهرة سراية الملوك ؟!!….”
اكد يزن بهزة بسيطة مجيبًا….
“اي رايك لايق عليها الاسم مش كده….”
احتد صوت عاصم قليلا وهو يقول بغيرة منه
لاول مرة تنشب في صدره بعد اخر شجار
حدث بينهم….
“ومين اداك الحق انك تناديها باسم تاني غير إسمها حتى لو على سبيل الهزار…..”
عقب يزن باستفزاز…
“واي المشكله يعني…. انت غيران ؟!….”
امتقع وجه شهد بخوفًا…بينما قال
عاصم بحدة….
“الحكاية مش غيره قد ماهو احترام….”
سخر يزن باستنكار…
“وانا كده قللت من احترامها….”
هتف عاصم بنفاذ صبر…
“انا احب التعامل مع مراتي يكون بحدود عن كده…انت مش صغير عشان افهمك حاجه زي دي….”
تدخلت نصرة بتردد…
“محصلش حاجة ياعـاصـم….”
اوقفها يزن بصوتٍ ازداد انفعالا ملحوظ…
“استني ياتيته…بس انا مش شايف شهد مضايقة..”
“ملكش دعوة بـشهد….”صاح بها عاصم وهو في ذروة غضبه…..
اشتدت نظرات الهام بالكره نحو شهد التي كانت تتابع الحديث بصمت ووجهًا شاحب….
ساله يزن بصفاقة
وجه…
“يعني بتكلم بلسانها ؟!!…”
اكد عاصم بنظرة مرعبة…. “اه عندك مانع !!…”
أسبل يزن عيناه بغضب مكتفي بالصمت…
بينما قالت نصرة بتعب متعجبة من انقلاب حال الجميع في هذا البيت….
“لا حول ولا قوة إلا بالله….في اي بس ياعاصم….مالك يابني….هترجعه تشده مع بعض
تاني مش كده ياولاد دا اكيد عين وصبتكم….دا
انتوا عمركم ما كنتوا كده….”
غمغمت الهام بمقت…
“منه لله اللي كان السبب في خراب البيت ده…”
شعرت شهد بانسحاب الهواء من امامها فالأول مرة
تكون الهام على حق !!….
ان شعور الذنب يذبحها الان بسكين بارد…
بينما سالتها نصرة بضجر…
“تقصدي مين بكلامك دا يالهام…..”
تجاهلتها الهام عمدًا وهي تنظر الى اختها قائلة
بمكر….
“مالك ياروفيدة مش بتفطري ليه…هو انتي
محتاجة عزومة دا انتي في بيتك….”
جزت شهد على اسنانها وهي تشيع نظرة نارية
الى الهام التي ابتسمت بتشفي…مؤكده بنظرة
خبيثة بان وجودها مؤقت وسيعود كل شيءٍ
كما كان قبل ظهورها….
فقالت الهام بعد حرب ضارية بالنظرات….
“صحيح ياشـهـد دخلتي كده من غير حتى ما
تسلمي انتي مش شايفه رفيدة ولا إيه…..”
قالت شهد بابتسامة منفعلة…
“لا مش واخده بالي منها….أهلا….”
رفعت الهام حاجبها بصدمة..
“اهلا ؟!!….دا واضح ان وجودها مضايقك…..”
قالت نصرة بملاطفة….
“بلاش الكلام ده… رفيدة مرحب بيها في اي
وقت….دا زي بيتها بظبط… ”
تنهدت رفيدة بارتياح وهي تنظر الى الجدة
بامتنان..
“ربنا يخليكي ليا ياماما…..طول عمري بشوفك
عيلتي التانية…..”
قالت نصرة بمجاملة…
“ربنا يسعدك يابنتي ويعوضك….”
اسبلت رفيدة جفنيها بحزن قائلة…
“مفيش عوض بعد اللي راح ياماما انا حياتي
وقفت خلاص…..”
سعل عاصم فجأه رغم انه لم يضع لقمة في فمه
لكن يبدو ان حديثها كان بمثابة غصة تخنقه…
مدت له شهد كوب من الماء بملامح محتقنه
بالغضب والغيرة….”ماية…”
اخذها عاصم منها دون النظر اليها وكانه
يخشاها ؟!!…
كان يسخر سابقًا من الرجال الذين يخشوا زوجاتهم
في بعض المواقف ، متعجبًا من سلطة النساء على الرجال بعد الزواج لكن الان علم السبب وبات
حليف لهم ؟!!..
“انتوا النهاردة رايحين للدكتورة ياشـهد…”
سالتها الجدة نصرة باهتمام فاجابتها شهد
بهدوء…..
“ايوا ياماما نصرة هنروح عشان نعرف نوع
الجنين ونطمن….”
تركت شهد الطعام ورجعت بظهرها للخلف بتعب
فاستدرا عاصم بكليته إليها بقلق….
“مالك ياحبيبتي…..”
قالت شهد بتعب….
“مش عارفه نفسي مسدوده ليه….”
“ليه بس انتي مكلتيش حاجة…. “ثم قرب عاصم
من فمها لقمة صغيرة قائلا بحنان….
“خدي دي مني….”
قالت شهد بامتناع….
“لا ياحبيبي مش قادرة…. بجد شبعت…”
ألح عليها بنبرة حنونة…
“دي بس يـاشـهـد عشان خاطري….”
اخذتها من بين يده وهي تشيع نظرة مستفزة
الى الهام وشقيقتها….
واللتان كانا يحترقا على صفيح ساخن بينما نهض
يزن من مكانه فجأه مغادرًا دون استأذن مما جعل ملامح عاصم جافية مظلمة بشك !!..
………………………………….
“ممكن افهم انتي مضايقه كدا ليه….”
سالها عاصم بجزع وهم بداخل المرأب يستقلا احد سياراته الفارهة….

اشاحت شهد بوجهها الى النافذة
المجاورة بتبرم..
“لا وكمان بتسأل ؟!!…”
اثارت حفيظته فهدر بانفعال…
“واحده جايه تشوف اختها عايزاني اطردها…”
قالت بغصة مختنقة…..
“انا مقولتش تطردها بس على الاقل كنت عارفني
انها هنا….كنا خارجنا فطرنا برا…مش لازم نقعد
معاهم…ونفطر كمان….”
رد عاصم بقلة صبر….
“مكنتش اعرف انها هنا انا اتفجات زيك…”
ثم رمقها بعينين تقدحان شررًا….
“وبعدين انا عايز افهم انتي ليه مش حاطه حدود
بينك وبين يزن في الكلام…..واخد عليكي اوي
كده ليه أفهم !! ”
سالته شهد بملامح مشدوهة…
“انت بتشك فيا ولا إيه ياعـاصم….”
احتد صوته عليها…
“ردي على قد السؤال ياشـهـد….”
صاحت بكبرياء… “دا مش سؤال دا اتهام….”
هتف عاصم بقسوة….
“انا لو شاكك فيكي او بتهمك مش هسيبك على ذمتي دقيقة واحدة…”
انتفض قلبها بين اضلعها بوجع…ونظرت اليه
بصدمة معقبة….”لدرجادي ؟!!…”
لم تجد الى صمت كئيب لفهما معًا في موجة باردة
ومزالت عيناه معلقه عليها بحدة وانفاسه خشنة هادره….
فقالت شهد بشجن وعتاب….
“انا عارفه حدودي كويس اوي وبذات مع ابن عمك
ومش معقول هتحاسبني على تصرفاته….”
قال عاصم بخشونة…
“انا مش بحاسبك انا بسألك….”
صاحت بنشيج…. “قصدك بتتهمني….”
“وليه متسمهاش اني غيران عليكي….”نظر لها بملامح جامدة لا تلين وصاح وهو يمسك يدها
بقوة مؤلمة…..
“انا بغير ياشـهـد….بغير عليكي…”
تسارع نبض قلبها بعذاب وقالت بصوتٍ
مرتجف…
“من حقك تغير ياعـاصـم…بس ليه تشك فيا…”
ترك يدها بحنق بالغ…..
“برضو مصممة اني بتهمك وبشك فيكي….”
ودون النظر اليها قال ساخرًا….
“انتي كمان لسه متهماني اني عارف ان رفيدة هنا
وخبيت عليكي….”
ثم زفر عندما لم يجد منها ردًا فأمرها
بصلابة..”اربطي الحزام…”
رفضت بعناد أهوج…. “مش عايزة…..”
مالى عاصم عليها يربط حزام الأمان لها بقوة ثم
نظر الى عيناها بضيق عند هذا القرب..
“فكي التكشيرة دي الزعل غلط على اللي في
بطنك…”
لوت شفتيها مستهجنة….
“كويس انك صريح وكل خوفك على اللي في بطني…..”
هتف عاصم بغلاظة….
“مفيش فايدة فيكي…..شاطرة اوي في قلب الطربيزة……”
نظرت اليه بعسليتان عاصفتان بالغضب….
“هو انت ليه مصمم اني برضو غلطانه…انا مليش دعوه بتصرفات ابن عمك الغريب ده…”
“الموضوع اتقفل لحد هنا يـا شـهـد…”ثم ادار محرك السيارة ملقي الخبر على نحوٍ مفاجئ….
“انا مشيت المهندسة اللي ماسكة تشطيب الشقة وعينت مكانها مهندس جديد بعمالة جديدة وكلها اسبوعين ونستلم الشقة مفروشة…..”
نظرت اليه شهد بصدمة….فقال عاصم بنبرة
حاسمة…..
“خلينا نخلص من الصداع ده….ونبعد عن البيت
بمشاكلة….انا زهقت.. ”
التزمت شهد الصمت بجمود بعد هذا التعليق
وبعد تفكير وجدت بان هذا أسلم حل بعد كل ماعاشته في هذا البيت من حقائق مفجعة
وصدمات قاسية كانت كسياط تجلدها بلا
رحمة…
ربما عليها المغادرة من هذا المكان حتى تخلص
حالها من وخزة الضمير وتنسى رغبة الانتقام التي
لم تجني من خلفها إلا الأوجاع ….
ستمضي في حياتها دون الالتفات للخلف لن تغفر
لكنها ستمضي برفقة من تحب فـعاصم والطفل يستحقا هذا….
………………………………………………….
جزت رفيدة على اسنانها ووجهها أربد غضبًا بينما عينيها اشتعلت كالجمر وهي تهتف بضغينة
وكرهٍ….
“شوفتي وهي بتدلع عليه….شغل حواري بلدي..
مش عارفه عجباه على إيه…”
جلست الهام على حافة الفراش وهي تنفث دخان سجارتها بغيظٍ شديد….
“يامه قولتلك بلاش تضيعي عاصم من ايدك امسكي
فيه بايدك واسنانك….دا احنا ما صدقنا انك لفتي
انتباهه واتجوزك….”
ازداد انفعالها بازدراء….
“اديكي شايفه بنت كريمة حطاه في جيبها
الصغير….”
رمقتها رفيدة بشك…
“انتي تعرفي امها ولا إيه ؟!!…”
“معرفة قديمة….”ثم استرسلت بصوتٍ مثخن
حاد…….
“مش ده المهم دلوقتي… يارفيدة المهم ان انا عايزاكي علطول تبقي هنا تيجي وتروحي عليا..
وتاخدي بالك من شكلك اكتر من كده..”
رمقت رفيدة هيئتها ثم عادت بعيناها لاختها
تزم شفتيها مع نبرة حاقدة متعالية….
“اعمل إيه اكتر من كده يا إلهام… انتي مش شايفاها
كانت نازله معاه عاملة إزاي….لبسها لوكل خالص دي
مش بتلبس براندات… أوه بيئة أوي….”
لمعة عينا الهام بفكرة وهي تنفث في سجارتها بشراهة….
“دي نقطة في صالحنا… انتي لازم تكوني احسن منها
في الحته دي دا غير اني عيزاكي تحاولي تقربي من عاصم أكتر من كده…حاولي تفتحيه في شغل بينكم انك مثلا هتبقي وجه اعلاني لبراند معروف وانك وقت التصوير هتستخدمي اكسسورات من الالماظ الحر بتصميم معين….وهتطلبي منه ان هو اللي يعملهولك…بما انها شغلته…..”
مطت رفيدة شفتيها…..
“هي فكرة حلوة بس انا مجاليش عرض زي ده…افرضي شك فيا….”
عيل صبر الهام فقالت بحدة…
“وايه اللي هيخلي يشك هو هيعملك الطقم وخلاص
مش هيسأل….”
قالت الاخرى بتململ….
“وهجيب فلوس منين بقا للمجوهرات اللي هطلبها
منه….”
تاففت الهام قائلة بتهكم…..
“ملكيش دعوة انا هدفع….اعتبريهم هديه مني ليكي
المهم تجيبي رجله من تاني….انا عايزة اخلص من
الحيه دي باي طريقة….”
اومات رفيدة براسها باستحسان…
“هحاول ياالهام….مع اني حاسه انه مبقاش زي
الأول وانه بيحبها….”
هتفت الهام بانكار….
“مش بيحبها دي نزوة…انتي الاصل يارافي هو بيحبك انتي….بس زي مابيقوله كده… السكينة سرقاه.. ”
اسبلت رفيدة عيناها بحزن شاعرة بحرقة قوية
في صدرها متجرعة معها مرارة الخسارة والغيرة
في ان واحد…..
“لا يالهام انتي مشوفتيش نظرة عنيه ليها ولا خوفه
عليها دا مكنش كدا معايا….”
قالت الهام بمكابرة….
“بكرة يبقا كده معاكي واكتر كمان لما تخرج من حياته وميبقاش فاضل ليه غيرك….”
سالتها رفيدة بلوعة….
“طب واللي في بطنها يالهام دا كلها كام شهر
وابنهم يبقا في حضنهم…. ”
جزت الهام على اسنانها بوعيد أسود…
وعندما وجدت رفيدة اختها صامته شاردة بملامح منفعلة تشي بالكثير غيرت مجرى الحديث بسؤال قلق…
“صحيح يا الهام هو في مشكلة بين عاصم
ويزن…انا أول مرة اشوفهم كده مع بعض…”
هتفت الهام من بين اسنانها بغضب سافر…
“كله منها دخلت البيت وقلبت حياتنا…بس انا
مش هرتاح غير لم اطردها منه…بس قبلها
هجيب مناخيرها الأرض….”
……………………………………………………..
رغم ربكة المشاعر وتخبط الهرمونات وتغيرات الجسد يبقى أفضل شعور للمرأة (الامومة) والتي
تزدهر في فترة الحمل يومًا بعد يوم وكلما اقترب
معاد إلقاء الأول تزداد لهفة قلبها وتشع عيناها
بالحب والحنين لهذا الضيف الفضولي….
ترتاح الان على سرير الفحص تنظر للسقف بينما يدوي من حولهما صوت نبضات الجنين السريعة
الخافتة اشبه بصوت قطرات الماء…انها تسمعها باستمرار اثناء فترة المتابعة مع الطبيبة…..
لكن عاصم يسمعها لأول مرة…فبدا مرتبك قليلا رغم
الهدوء والوقار المشعان منه….لكنه مرتبك صامت
متأثر….
يمسح على لحيته الكثيفة وهو ينظر لها قليلا ثم للشاشة المعتمة والتي يرى من خلالها جنين يسبح بشقاوة…
شملت الابتسامة وجهه بعد لحظات من الصمت وبوادر السعادة تعرف طريقها الى عيناه ثم صدره
الذي أشرق من جديد بشمسٍ دافئة متلهفة لرؤية
هذا الشقي الصغير….
قالت الطبيبة ببهجة وهي تحرك الجهاز برفق على بطن شهد التي كانت شاردة قليلا في شاشة السونار
“مبروك ياشـهد….بنوته زي القمر….”
فغرت شهد شفتيها في ابتسامة جميلة وهي تنظر
الى الشاشة عن كثب….
“بجد بنت….”
اكدت الطبيبة بتودد….
“ايوا بنوته زي القمر طالعه لمامتها….”
نظرت شهد لعاصم تأخذ أول انطباع على هذا الخبر
الذي اسعدها بشدة فهي كانت تتمنى ان تكون أول
فرحتها ابنة صغيرة جميلة تكن حنونة وجميلة
القلب كوالدها…..
رأت عيناه تزداد لمعان وهو ينحني عليها مقبل جبينها ثم خدها هامسًا بسعادة وعيناه النافذة
بحب وحنان العالم تحتويها بقوة تصهر اعصاب
عظامها في تلك اللحظة….
“مبروك علينا شـهـد الصغيرة…..”
قالت الطبيبة بفضول وهي تعطي المنديل
الورقية لها….
“ناوين تسموها شهد ؟!….”
تخضبة وجنتاها بخجلا وهي تمسح السائل اللزج
عن بطنها فساعدها عاصم برفق وهو يسحب منديلا
ورقي اخر….ثم هندم ملابسها بيده وجعلها تجلس
على حافة السرير وانحنى امامها مساعدها على
ارتدى حذاؤها الرياضي….
ازداد حرج شهد بعد نظرة الطبيبة المتفحصة لهما
خلف نظارتها الطبية…نظرة تشع فضول وانبهار بعد رؤية هذا المشهد النادر و القريب من القلب..
قالت الطبيبة بلؤم….
“واضح انك بتحبها أوي….عشان كده هتسميها
شهد…..”
تقدم عاصم من مكتب الطبيبة ويده تحتوي
كف زوجته…..ثم قال بعاطفة جارفة وهو ينظر
الى زوجته الغارقة الان في خجلها….
“يارب بس تطلع نسخة تانيه من امها..ساعتها الفرحة هتبقا فرحتين..”
عضت شهد على باطن شفتيها وهي تتكأ على
يده كي يصمت ولا يزيد حرجها أكثر بهذا الكلام المعسول ففلتت ضحكة خشنة من عاصم كبحها
وهو يستمع الى الطبيبة التي قالت بود….
“ربنا يكملها على خير….عمتا ياشـهـد…شهد الصغننه
كويسة أوي الحمدلله و وزنها وحجمها مظبوط…بس
هكتبلك على شوية فيتامينات هتحتاجيهم الفترة
الجاية….. ”
خرجا معًا من عيادة الطبيبة والسعادة داخلهما لا توصف بكلمات كانت أكبر وأعمق من اي تعبير….
كان يقود السيارة وهي بجواره تنظر الى النافذة بنفس الإبتسامة الجميلة التي خرجت بها من عيادة
الطبيبة بينما يدها الرقيقة تمسد على بطنها بحنان هامسة بشفتيها بعدة كلمات خافته سرية لا يسمعها سواها هي والصغيرة شـهـد…سيدة الحُسن الصغيرة والتي ستقلب كيانه عما قريب…..
“بتقوللها إيه….”
سالها عاصم بفضول مشاكسًا بعيناه الحانية…
زمت شهد شفتيها بدلال
قائلة…”ملكش دعوة….”
قطب حاجباه مستفسرًا…. “انتي لسه زعلانه ؟!…”
اشاحت بوجهها للناحية الأخرى بحركة أنثوية جميلة
متدلله..
جعلت عاصم يبتسم وهو يمسك كفها برفق بين يده ثم رفعه الى مستوى شفتيه وطبع القبلات المتفرقة بتأني عليه يلثم اصابعها بالقبل الحارة وكانه يرسمها بشفتاه هامسًا في غمرة العشق….
“بحبك ياشـهـد…..بغير عليكي ياحبيبتي قدري ده
وهحاولي تستحمليني وانا متعصب وبلاش تجادليني
وقتها….”
ذابت مفاصل يدها المسالمة بين يده بل ذابت عيناها
وقلبها وهي تنظر اليه بضعف الحب….كادت ان تنطق
بجنون انها مغرمة به تعشقه بشدة….تهواه بقوة… بل بجنون…
لكن لسانها شل وعقلها استعصى أوامر قلبها الخاضع بأسمه…
فنكست راسها ارضًا بملامح حزينة وتركت قلبها يسقط بقسوة في رقعة مظلمة باردة متجرع
الخذلان منها للمرة التي تعجز عن عدها……
“لدرجادي انا مزعلك…”
استفسر عاصم وهو يوزع نظرة عليها ثم على الطريق الممتد امامه ومزال كفها بين قبضة
يده بتملك….
هزت راسها بنفي ومزالت نظراتها ضائعة مشتته
بين مشاعرها والمنطق…..
“انا مش زعلانه منك ياعاصم…يمكن في الأول بس
مسافة ما دخلنا عند الدكتورة وخرجنا….وانا صفيت
من ناحيتك ونسيت كل حاجة….”
نظر لها بطرف عيناه مناغشًا….
“بجد….طب كنتي بتقولي اي لشهد الصغيرة إيه…”
قالت مبتسمة وهي تمسد بطنها بيدها
الحرة….
“بقولها انها محظوظة انك باباها…”
عقب عاصم بعينين شغوفتين….
“هي محظوظه اكتر ان انتي أمها….وانا محظوظ بيكم انتوا الإتنين…..”
خفق قلبها متجاوب مع حبيب القلب وكلامه
المعسول…لذا قالت باستسلام….
“محدش يقدر يغلبك بالكلام يامعلم عاصم…”
عقب عاصم….
“تقدري تغلبيني بكلمة واحده….”
انعقد جبينها بعدم فهم…. “اي هي ؟!..”
القى عاصم نظرة عابرة عليها ثم عاد بتركيزة
الى الطريق دون تعقيب……
فاسبلت شهد عيناها بعجز….
أرحم قلبي أرجوك انا أحاول ياحبيبي اقسم
لك أحاول ان اتعافى بك ولأجلك….
ألا تكفي كلمة (حبيبي..)لتثبت لك حبي…
انعقد حاجباها عابسة وهي تهز راسها بنفي…
لا تكفي صدقًا لا تكفي انا لا اتفانى في عشقي له…
ولا ابذل مجهود يذكر في اظهار حبي…
بينما هو… انا أتنفس من خلاله عشقًا…احيا بين ذراعيه… اتذوق حلاوة الدنيا مع كل ذرة اهتمام
يغرقني بها….
انا مقيدة….ولا أعرف كيف احل وثاقي واتحرر
من براثن الماضي…..لكني أعشقك…أعشقك
وبشدة….
توقف عاصم امام أحد المتاجر الفاخرة والتي لها واجهة زجاجية رائعة تعرض على المجسمات الصغيرة ملابس مخصصة للأطفال من عمر
المواليد….
خرجت شهد من السيارة وهي تنظر الى واجهة المحل بتعجب….وقلبها يخفق بسعادة…
“انت ليه جايبنا هنا….”
“هنجيب حاجة لشهد…..الصغيرة….”قالها بابتسامه حنونه وهو يمد يده لها كي تقترب منه ففعلت والسعادة تتوهج في عسليتاها الجميلة…..
عندما دخلا المتجر بدا يبحثا عن كل ما يخص المواليد حتى وجد قسم خاص بهما….
جلبا لها اشياء كثيرة وتشاركا في الرأي اثناء
رحلة بحثهما عن ملابس قطنية مريحة وعن ألوان تلائم (سيدة الحُسن الصغيرة) حتى الالعاب احضروها لها وقد اختارتها شهد بحرصًا شديد
كلها محشو بالفراء الناعم حتى لا تتأذى الصغيرة فيما بعد…..
بعد ان دفع عاصم لهم فاتورة المشتريات وأمرهم
باحضارها الى العنوان الذي املاه عليهم..
كان ينوي المغادرة مع زوجته التي استمتعت جدًا
في هذا المكان وقد انبسطت ملامحها اكثر بالسعادة والرضا بعد ان ابتاعت كل ما اعجبها هنا….
لفت انتباه عاصم قبل الخروج ثوبٍ زهري
صغير مطبع بالورد الابيض الرقيق معه قبعة
انيقة تماثلة…كان معلق في احد الزوايا بعيدًا
عن الأنظار…وكانه ينفرد بحالة دون ان يعلق
مع قطعةٍ أخرى كالباقية…..
شرد قليلا متخيل صغيرته بهذا الثوب الزهري
ترتديه مع تلك القبعة الانيقة جالسة في احضانه
امام البحر على الصخور تشاركه هوايته المفضلة الصيد….ومن بعدها ركوب الخيل….
فهو يريد ابنته متقنة للفروسية بروح شجاعة
تكون جميلة كأمها قوية وشجاعة كأبيها
واجدادها…
اقترب عاصم من الثوب ولمسه بيده فنظرت اليه
شهد قليلا ثم قالت….
“خلاص ياعاصم….احنا جبنالها حاجات كتير اوي
واصلا بعد شهرين بظبط هيتركنوا وهنجبلها تاني..”
أردف وهو ينظر الى الثوب بحنين
غريب…
“هنجيب ده كمان عشان عجبني….”
“شكله حلو فعلا….”
قالتها شهد وهي تنظر الى الثوب عن بعد خطوات
مقتنعة اخيرًا باناقته المنفردة عن الباقية….متخيلة هي ايضًا طفلتها جالسة به على رمال الشاطئ…
……………………………………………..
دخلت شهد الى البيت بعد ان اوصلها عاصم واكمل
طريقة الى شارع الصاوي لمتابعة عمله….
دلفت شهد الى الصالون بعد ان اخبرتها الخادمة ان
اخيها ينتظرها هناك منذ فترة وجيزة…..
عندما رأته شهد هكذا تسمرت مكانها بقلق وهي
ترى حالته مزدرية مشعث الشعر بعينين حمراون كالدماء ملابسه مجعده غير مهندمة ويبدو انه قضى اليوم في الشارع يتنقل هنا وهناك…
“في إيه ياحمزة مالك….”
سالها حمزة بنظرة عاجزة تحوي غضب
أسود…”قمر عندك؟….”
هزت راسها بنفي مستفسرة بحيرة…
“اي اللي هيجيب قمر هنا يوم الصباحية..خير اي اللي حصل بينكم ؟!!…”
أردف حمزة بتوسل وهو ينظر الى اخته
مستشف الصدق على وجهها الجافل منذ
رؤيته…
“بالله عليكي ياشهد قوليلي الحقيقة هي مش عندك..متصلتش حتى بيكي….”
قالت شهد وهي تجلس بتعب ناظرة اليه
بصدمة….
“والله ما عندي ولا أعرف عنها حاجة…اخر مرة
كانت إمبارح وهي لبسه فستان الفرح وقعده
جمبك في العربية…اي اللي حصل فهمني…”
نظر امامه بوجوم…..
“عِرفت كل حاجة….وسابت البيت النهاردة
ومشيت.. ”
اتسعت عينا شهد بصدمة وهي تضع يدها
على صدرها….
“مشيت إزاي ؟!!…هو انت صارحتها بالحقيقة زي
ما قولتلك…”
قال حمزة بنبرة ميته….
“لأ عرفت يوم الحنه بعد ما كتبت عليها…سمعتني
انا والمحامي وابوكي واحنا بنتفق….”
رفعت شهد حاجبيها بدهشة
مؤنبة….
“طب وليه مقولتلهاش الحقيقية….”
هتف حمزة بنزق وعيناه تزداد ظلمة….
“قولتلها…. بس هي مش مصدقة….شيفاني لسه بكدب وانها تمثليه جديدة بلعبها عليها….”
زفرت شهد بعصبية وهي تنهض من مكانها
قائلة بتقريع….
“انت اللي عملت في نفسك كده ياحمزة…من ساعة
ماحكتلي وانا قولتلك قولها… وعرضت عليك احكلها
انا الموضوع وبالطريقة كنت هعرفها انك بتحبها وان
الاتفاق كان حجة عشان تتجوزها…”
ثم استدارت الى اخيها لتجده جالسًا مكانه بعجز
وكل عصب به ينتفض بغضب….فخففت من
حدتها قائلة بقنوط….
“اللي خوفنا منه حصل…طب انت روحت القاهرة
يمكن تكون في شقتها….”
اجابها حمزة بصعوبة وعقله انحسر في أفكار
سوداء….
“روحت ولسه راجع من هناك.. وبلغت البواب أول ما يلمحها يديني خبر وديته مبلغ كويس…يمكن ترجع
شقتها….ويبلغني… ”
رفعت شهد الهاتف على اذنها ولم تلبث إلا ثواني
وانزلت الهاتف بتافف…..
“تلفونها مقفول…”
“من ساعة ما مشيت وهي قفلاه….” اردف حمزة
بقلق بعد الأفكار التي تداهم عقله بعذاب من وقت
اختفائها….
“من الصبح وهي قفلاه….مش عارف اعمل إيه…
خايف يكون جرالها حاجة….”
مسح على وجهه وشعره بعنف….
بينما حاولت شهد بث الطمأنينة له….
“هيكون جرالها إيه خير ان شاء الله… يمكن عند
حد من قرايبها ولا صحابها اللي في القاهرة…”
استأنف حمزة بملامح جافية….
“ملهاش حد..إحنا صحابها وقرايبها..ملهاش حد..”
ثم رفع راسه كرصاصة طائشة الى اخته قائلا
بلهفة……”تفتكري عند مرات سلطان ؟!..”
تحلت شهد بالصمت تفكر وهي تنظر اليه ثم بعد لحظتين هزت راسها بحذق….
“معتقدش انها تروحلها….لان سلطان صاحبك واكيد لو عنده معلومة زي دي هيعرفك….”
اخرج حمزة الهاتف متسرع…. “اتصل بيه…اسأله…”
منعته شهد بصوتٍ حازم…
“بلاش تهور ياحمزة….. النهاردة صباحيتكم اي
سؤال كده ولا كده لصاحبك او لمراته هيخلي
وضعكم انتوا الإتنين زي الزفت….أصبر…يمكن
تفتح تلفونها….كمان شوية او بكرة… ”
انتفض حمزة من مكانه فجأة والغضب
يدور حوله بجنون…
“بكرة ؟!!…اسيب مراتي تبات برا البيت إزاي…
إزاي وانا معرفش عنها حاجة ولا هي فين
ولا عند مين… إزاي ياشهد….”
ربتت شهد على كتفه تقول بصوتٍ مرتجف
بالقلق…..
“أهدى ياحمزة….أكيد هتظهر هتروح فين يعني…
هعملك حاجه تشربها..انت وشك اصفر وعنيك
حمرة زي الدم….”
“مش عايز انا ماشي…”تخطاها حمزة دون سلام
مندفع للخارج بغضب…مسكت شهد ذراعه توقفه
بقلق….
“رايح فين وانت كده….”
نزع ذراعه بعنف من يدها وهو يهدر بملامح
وحشية مظلمة…..
“هروح ادور عليها تاني….بس اقسم بالله لو عطرت
فيها مش هرحمها…..”
وقع قلب شهد برعب وهي تلحق خطواته
المندفعة للخارج….
“ياحمزة أصبر…طب اهدى طيب…نفكر…..”
وقفت امام باب البيت المفتوح فقد تخطى حمزة البوابة الكبيرة ومنها الى سيارته القديمة التي
قادها بسرعة مختفي من أمامها….
تنهدت شهد باسى وهي تغمغم بقهر….
“ليه بس كده ياقمر…ليه تكسري قلبه..دا والله بيحبك..”
ثم رفعت الهاتف مجددًا على اذنها متلقية
بعدها نفس الجواب المزعج (الهاتف مغلق..)
سالت عسليتاها بالدمع مزمجرة بعدها
بضيق…
“ردي أبوس إيدك….اخويا هيتجنن…”
………………………………………………………….
دلف الى الشقة ليلا بخطوات ثقيلة منهكة يجر اذيال الخيبة بعد ساعات طويلة ومضنية من البحث عنها
في الشوارع وفي اقسام الشرطة والمستشفيات…
كان يجول المدينة بجنون ساعات طويلة عقله يعمل
في عدة إتجاهات بينما قلبه محجوز بين قبضة فولاذية من القلق….الخوف….
الخوف عليها لا يوازي اي شعور اختبره يومًا قبلها…
وكانها هاجرت ومعها قلبه….تركته ومعها جزءًا مهم
في حاجة إليه….
سرقت مفتاح قلبه ولاذت بالفرار جبنًا او ربما
انتقامًا منه…
مزال يسأل نفسه كيف هان عليها….انه ظن ان حبها
سيشفع لهُ عندها ويكن منيع للبعد ؟!!…
اعتمد على حبها بغباء كمن أسند ظهره على الهواء
فوقع ارضًا بقسوة وأضحك الجميع عليه….
القى جسده على الاريكة بأرهاق وهو يشعر بان
عظام ساقه تكاد تتمزق الانسجة بها من كثرت
اللف والدوران هنا وهناك…..
انهُ متعب جدًا والصداع يتفاقم براسه بشدة قارب
للانفجار…..رفع راسه للاعلى على السقف بعينين حمراء كالدم من شدة التعب وعدم النوم لثلاثة
أيام من يوم الحنة وهو لم يذق طعم النوم…..
حرمت عليه النوم كما حرمت عليه الراحة والسعادة معها…..ان رآها سيدق عنقها في أقرب لوح خشب
ليرى بعدها كيف ستهرب منه مجددًا !!..
صدح الهاتف بجواره فالتقط اياه دون النظر الى الشاشة عالم بانها (شهد) فانها لا تكف عن الإتصال
به من وقت خروجه من عندها وكالعادة ليس
هناك جديد في جوابه عليها.. يبحث عن زوجته
دون جدوى…وكأنها فص ملح وذاب…..
(اخيرا رديت عليا…. وحشتني ياحمزة… انا تعبانه
اوي من غيرك…..)
لم تكن اخته بل كان صوتٍ اخر…. صوتٍ عاش معه
سنواتٍ عديدة… صوتٍ كان أنيس ايامه ورفيق احلامة….صوتٍ كان ترياق الحياة له والان أصبح
مرض مميت يفتش عنه في الارجاء….
زم شفتيه وهو يحاول تمالك اعصابه التي اوشكت
على الانفجار….
“عايزة إيه يانجلاء…. احنا مش خلاص فضناها…”
هتفت نجلاء بصوتٍ باكِ عبر سماعة الهاتف…..
(سامح طلقني ياحمزة…. طلقني بعد ما اكتشفت خيانته ليا…. دا طلع متجوز وعنده ولد…الواطي
مرضاش يطلقني غير لما اتنازل عن كل حاجة
كتبهالي بأسمي…. فعملت كده عشان اخلص
منه…. والحمدلله اطلقت….)
وهج صدر حمزة بالغضب وعادت بحديثها تنبش
في الجراح القديمة بمنتهى الغباء…
اجاب حمزة بملامح باردة….. “ها وبعدين…”
هتفت نجلاء بنحيب….
(ايه هو اللي بعدين ياحمزة بقولك اطلقت منه.. وعايزة ارجعلك….)
التوى ثغره بسخرية…. “ببساطه كده…”
قالت نجلاء بوهن وهي تتجرع الندم بعد الزهد
فيه….
(بلاش تقسى عليا ياحمزة انا عارفة اني غلط… بس
اقسم بالله انا ما حبيت حد غيرك… انا وفقت من ضغط امي عليا…. وانت عارف ظروفك وقتها
كانت عاملة إزاي….)
حاول تمالك اعصابه وهو يردف بسخط…
“ودلوقتي ظروفي بقت احسن… فبقيتي عيزانا نرجع….طب ازاي وانا متجوز عندك استعداد نبقا
مع بعض كده…. ”
قالت نجلاء بصوتٍ متداعٍ…..
(انا موافقة على إي حاجة ياحمزة…طالما هنرجع..)
قال بعينين مظلمة وملامح
مشمئزة…
“حتى لو من غير جواز ؟!!… ”
قالت نجلاء بثقة….
(مصيرك تتجوزني انت مش بتحبها ياحمزة…انت بتحبني انا…..)
اندفع الغضب داخله دفعة واحده….
“وانتي قدرتي الحب ده…. انتي بعتيني للي دفع
أكتر زي الكلبة جريتي وراه….”
قالت نجلاء بنشيج….
(كان غصب عني امي اللي عملت كده فيا… انتي ليه
مش قادر تعذرني…. والله غصب عني انا لسه بحبك
والله لسه بحبك ياحمزة….)
ضحك حمزة بسخرية مريرة….
“دا عشان هو طلع متجوز بس افتكرتي انك
بتحبيني لكن لو كان زي ماهو بنفس الصورة الحلوة اللي رسمهالك كنتي هتلعني حمزة واللي جبوه…”
جز على اسنانه وهو يقول بنفاذ صبر…
“اسمعي انا استكفيت من زلك وشفيت غليلي منك
والمكالمة دي بردت ناري…. وردت جزء كبير من اللي
عملتيه فيا انتي وأمك….”
ثم هدر بصوتٍ مهيب زلزل المكان من
حوله……
“ورحمة امي يانجلاء لو لقيت رقمك ده على
تلفوني تاني برسالة ولا برنة هجرسك هخلي
فضحتك انتي واللي جبِتك بجلاجل…العمارة كلها هتتفرج على فضايحكم وبدل ماتبقي مطلقة
بس هتبقي مطلقة و*************…..”
اغلق الهاتف في وجهها وهو يضع رقمها على الحظر
ويمسح الرسائل التي كانت ترسلها بتذلل وقهر اليه بين الحين والاخر….
إرجع شعره للخلف بعنف يكاد يقتلعه من جذوره
بينما يأخذ انفاسه العالية الغاضبة بصعوبة يكاد يمزق ازرار قميصة…. وشفتاه لا تتوقف عن قذف السباب البذيء عليها فاخيرًا وجد منفث للغضب المتقد بصدره….
جاشت مراجله أكثر وهو يجد بعد نصف ساعة من تلك الجلسة المضنية الشاشة تنير باتصال جديد
تلك المرة نظر الى الشاشة بوجه مكفهر…
فسقطت فجأة كل الاقنعة عن وجهه وهو يجد الهاتف
ينير باسمها..فتح الخط سريعًا وهو يصيح بلهفة
“قمر انتي فين…. انتي كويسة…”
سمع نحنحة رقيقة يليها صوتها الحزين المعذب
وهي تخبره بمنتهى البرود الذي لم يستشعر
به في بعدها….
(انا اتصلت بيك عشان اعرفك اني كويسة واني
كل اللي عايزة منك دلوقتي ورقة طلاقي…)
صاح بعنف وهو يفقد زمام صبره….
“انـتـي فـيـن بظبط… انتي في شقة القاهرة ؟!..”
اردفت قمر بعناد….
(لا…. وملكش دعوة انا فين… طلقني…)
كور حمزة كف يده وضرب ذراع الاريكة بعنف هادرًا…..
“يعني إيه مليش دعوة…وايه طلقني دي… دا انا لو طولتك هعلقك في نجف الشقة كله.. اعتر فيكي بس…. وساعتها ورحمة امي ما هرحمك يا قمر…
انطقي يابت انتي فين….”
هتفت قمر بضجر بالغ…..
(بت ؟!!…طب والله انا غلطانه اني رنيت عليك وعبرتك…حيوان وهمجي هنتظر منك إيه اكتر
من كده…)
اتسعت عينا حمزة بصدمة…
“انـا حـيـوان ياقـمـر….”
قالت هازئة ببرود….
(وبنسبة لهمجي ملفتش انتباهك لاي حاجة…)
عيل صبره فزمجر بعنف….
“اخـرسـي… انتي فين بظبط….”
مطت الكلمات بعناد….
“مش هقولك غير لما تطلقني….”
ضيق حمزة عيناع مستفسرًا…
“واطلقك إزاي كده….عايزة تطلقي غيابي مثلا….”
خفق قلبها بوجع فقالت بضعف مرتبكة…
(معنى كلامك انك موافق انك تطلقني ؟!!…)
اوما حمزة براسه بملامح مربدة…..
“موافق بس نتقابل…..عشان نطلع على مكتب المأذون علطول….”
لم يجد إلا الصمت ردًا فسالها
بتريث….”ها فكرتي ؟!!….”
ازدردت ريقها وهي تقول بتخوف….
(وانا ايش ضمني انك بتكلم بجد…ما ممكن يكون
كمين…..)
“ماهو كمين فعلا يروح امك….”صاح بها بانفعال
ولم يتمالك اعصابة ازاء استفزازها المتواصل
معه…
جحظت عينا قمر بهلع وهي تسمع نشيج انفاسه العالية يزداد حدة وخطورة….فلفح اذنها نبرة حمزة
المتوعدة لها….
“والله لو ما قولتي انتي فين ياقمر بذوق….هجيبك وساعتها هطلع عليكي كل اللي عملتيه فيا….”
قالت قمر بصيحة مستنكرة….
(حلو قلب الطربيزه ده وكاني مليش حق عندك…)
اردف حمزة بقرف قانطًا…
“لو كنتي صاحبة حق مكنتيش هربتي..وبطريقة
الهبلة دي….”
لم يجد إلا صمتٍ حزين من الناحية الأخرى
فقال حمزة بقلة صبر….
” ارجعي ياقـمـر.. اسمعي الكلام ارجعي او قوليلي انتي فين وانا هاجي اخدك…..”
قالت قمر بمكابرة مصرة….
(مش هرجع ياحمزة غير لما تطلقني…)
مسح حمزة على وجهه وهو يومأ براسه
باستسلام….
“كده تمام هفكر في كلامك…بس خلي تلفونك
مفتوح.. ساعة بظبط وهرد عليكي بأه او لأ….”
قالت قمر بصدمة حزينة…
(ساعة ؟!!….مش شايف ان ساعة شوية على
قرار زي ده…..)
تافف حمزة بملامح مظلمة…..
“مش عارف ياقمر….بس كلامك هزني حاسس
ان عندك حق…..الطلاق أسلم حل بينا….”
رفع حاجبه بخبث عندما لم يجد منها ردًا
فسألها….
“ساكته ليه…انتي غيرتي رايك ولا إيه..”
(لا انا لسه عايزة أطلق….)قالتها بسرعة اصابة معها صميم قلبه بكدمة قاسية…..
فهز راسه بملامح جافية متألمة….
“تمام….ساعة بظبط وهديكي الاوكية….”
أغلق الخط معها واجرى اتصال سريع بأحد
الاصدقاء القدامى له…
عندما فتح الخط ابتسم حمزة وهو يصيح
بحفاوة…..
“صاحبي وحبيبي….هكر اسكندرية….وحشني….”
استمع للطرف الاخرى فتبادل معه الكلمات
بضحكة شقية زائفة خرجت من بين ضغوط
وتراكمات ثقيلة…
“حبيبي لا الشقاوة خفت…هبقا اعدي عليك..ونقعد
مع بعض زي زمان….كلهم وحشوني والله نتلم تاني
إحنا ورانا إيه…..”
” اسمعني بالله عليك عايزك في خدمة كده…
هبعتلك رقم عايز أعرف مكانه فين بظبط..”
لمعة عيناه بالمكر وهو يرد على الطرف
الآخر….
“لا اطمن التلفون مفتوح….بس انجز قبل ما
يتقفل….تمام هستناك…حبيبي هو ده العشم…”
أغلق الهاتف وهو يأخذ انفاسه هذه المرة بارتياح
فأصبح بينه وبينها دقائق معدوده ويعرف اين
هي تحديدًا…
تمتم حمزة بوعيد وعينيه ضارية تبرق
بالخطر….
“بتلعبي بنار يابنت عمتي….بس على مين
هجيبك والحساب يجمع…”
وبعد ان اخترق صديقه هاتفها علم مكانها بضبط
وقد املى عليه العنوان والذي هو فندق صغير
معروف في المدينة…..
أوقف السيارة أسفل أحد المباني ثم خرج منها وهو
يرفع عسليتاه القاتمة على العقار والتي اتضح انه فندق بسيط يستقبل الزوار يوميًا موفر لهم غرف
للنوم بمقابل مادي زهيد….
وقف عند الاستقبال الرديء والمظلم وابصر بعيناه هذه المرأة السمينة التي تنام على المقعد رافعه
راسها للسقف.. تطلق من حلقها صوت شخير عالٍ….
زفر حمزة بعصبية وهو يضرب على سطح الطاولة
بلا رحمة…فانتفضت المرأة كالغريق….
“إيه….إيه….مين…فين.. ”
ابتسم حمزة لها ببراءة لا تناسب مافعله منذ
دقيقة…”صباح الخير…..”
قالت السيدة السمينة بضجر….
“مفيش أوض فاضية…..شوف مكان تاني….”
تحدث حمزة بهدوء….
“بس انا مش عايز أوض انا عايز اطلع فوق…”
هللت السيدة بذراعيها بتهكم…
“تطلع فوق فين هي وكالة من غير بواب….”
قال حمزة بصبرٍ…..
“لا مش وكالة بس في حد فوق يخصني…”
نظرت للدفتر أمامها بعينين ناعستين….
“اسمه إيه ده….”
صحح حمزة يرمق الدفتر….
“قصدك إسمها…قمر سلامة….شوفي اسمها عندك كده..”
هزت السيدة راسه تتفحص الأسماء وبعد لحظات
قالت بخشونة….
“اه دي في اوضة رقم ١٣…جت هنا تقريبا العصر….”
هز حمزة راسه بامتنان….
“تمام شكرًا….. كملي نومك بقا….”
جفلت السيدة لوهلة وهي تراه ينوي صعود
درج السلم…فلحقت به بغضب….
“استنى عندك ياجدع انت هتطلع لها بصفتك إيه
بظبط….”
توقف مكانه ودون الاستدارة
أجاب… “جوزها….”
التوى ثغر السيدة بسخرية….
“قديمة….عندك ورقة تثبت انك جوزها…”
التفت اليها حمزة متمسك بزمام الصبر…..
“لسه مجبناش قسيمة الجواز…أصل عقبال عندك احنا متجوزين مبقلناش يومين….”
انعقد حاجبي السيدة بريبة….
“متجوزين وهي بايته لوحدها في أوضة هنا ؟!!.
انت زعلتها ولا إيه… ”
انهت الجملة الاخيرة بنظرة مقروءة المعاني
فعدل حمزة ياقة قميصه متنحنح بحرج…..
“اي البصة دي لا دا انا راجل أوي….الحكاية ومافيها….”
صمت فجأه ثم أردف بغلاظة….
“هو حضرتك حشره نفسك ليه بين واحد ومراته…”
تراجعت السيدة للخلف خطوة قائلة بصرامة
الناظرة….
“هحشر نفسي بينكم ليه انا معرفكوش أصلا…دي اجراءات لبد منها….انت هنا في مكان محترم
ولازم تحترمه….”
تافف حمزة وهو يخرج مبلغ مالي من جيبه مقترب
منها على عجلة….
“بقولك إيه خدي دول….وكملي نوم…انا كده كدا هطلع اجبها وننزل علطول….. ”
ثم ابتعد أمام عيناها المصدومة والأوراق المالية محتجزة بين قبضة يدها……
رفع الهاتف على اذنه وهو يصعد على السلالم فاتى
صوتها الحزين المتحشرج وكانها كانت تبكي طوال
تلك الساعة بعد ان اخبرها بالموافقة على طلب الطلاق….
(ايوا ياحمزة….)
قال دون مقدمات…..
“مش ناويه برضو تقولي انتي فين….”
قالت قمر بانفعال مبالغ فيه….
(انت مش قولت انك هطلقني…ولا انت بتلعب بيا…)
رد باستهانة…
“بصراحة بلعب بيكي….”
صاحت بضيق مفتعل….
(تصدق اني استاهل ضرب الجذم….)
اكد بأسلوب فظ بارد…..
“و زيدي عليهم كمان… اني لما اشوفك هرنك علقة
بنت حرام…”
تمردت بصيحة قوية…..(والله ما تقدر…..)
رفع حاجبه….
“ولو عملتها هتعملي إيه….”
صمتت تفكر بعقلا عاجز للحظات حتى قالت
بحماقة… (هصوت….)
ابتسم حمزة بعصبية قائلا بأمر غليظ….
“ياحلووة…طب يلا افتحي الباب عشان نصوت عليكي كلنا….”
تحشرجت الأحرف في حلقها من هول
الصدمة….(با…..باب إيه….)
قوس حمزة شفتيه امام باب غرفتها بملل…
“أيوا بدانا نتلجلج ونخاف ونكش…هيكون باب الحمام يعني باب اوضة النوم اللي قعده فيها
رقم ١٣ اللي في فندق *****….”
من خلف الباب المغلق راته من العين السحرية فضربت على خدها بفزع هاتفه…
(انت هنا بجد ؟!…)
لا يعرف ان كان هذا سؤال ام تعريف..لذا جاوبها
بقلة صبر….
“قدام الباب….افتحي…..”
هتفت بعناد……(لا….)
على وجهه تعبير مظلم غريب معقبًا على
رفضها باستهجان…..
“والله؟!!.طب زودي على نفسك أكتر…. كله متخزنلك…”
ثم استرسل على الهاتف بوعيد خطر….
“اسمعي هعد لحد تلاته لو الباب ده متفتحش بذوق
هكسره فوق دماغك ولا هيهمني…انتي عرفاني….”
على صوت تنفسها بخوف أثناء قولها
برجاء…
(حمزة لو سمحت خليك انسان متحضر…)
توحش صوته بغضب مكتوم….
“لا دا انا همجي وحيوان…افتحي يابت انا على
اخري منك….واحد…..”
ضربت قمر على خدها بينما ازداد خفقان قلبها
رعبًا…فقالت بتهديد أهوج….
(على فكرة لو حاولت تكسر الباب انا….انا هنط من
الشباك….)
هلل حمزة قائلا بتشجيع أسود…..
“عين العقل….نطي خلي رقبتك تكسر واخلص
منك…إتنين….تلاتـ”
فتحت الباب فجأة وابصرها حمزة بعيناه المحترقة بالغضب والغيرة ترتدي منامة بسيطة محتشمة وتطلق شعرها الأسود الطويل حرًا بخصلاته المتراقصة خلف ظهرها..وجهها شاحب وعيناها شديدتا الاحمرار من كثرة البكاء بينما الارهاق والتعب يظهر بصورة أوضح أسفل عيناها على
شكل هالات سوداء داكنة…
تبادل النظر للحظات كانت كالدهر بنسبة لهما..
نظرات مشحونة غاضبة..يشوبها الخذلان..
والشوق..
أردف حمزة بملامح مظلمة جافية…
“ادخلي غيري هدومك…وهاتي شنطتك ويلا….”
اوشكت على الاعتراض بتمرد لكن نظرة قاتمة مخيفة من عسليتاه الجمت لسانها فأومات براسها مذعنة وهي تدلف الى داخل الغرفة تاركة الباب مفتوح…..
تسمر حمزة مكانه يراقبها بعينين مستعرتين بالغضب
محاول بقدر المستطاع ضبط اعصابه….فهو لا يضمن
نفسه ان دلف خلفها واغلق الباب ماذا سيحدث….
حاول لجم غضبه بكل قوته وهو يكور يده جواره كاظم انفجاره عليها مؤقتا الى ان تخطو شقتهما وحينها الوضع سيختلف….وللحديث بقية……
…………………………………………………………
وقفت الهام في منتصف الغرفة تلف جسدها
بمئزر حريري طويل تاركه شعرها الاشقر مشعث بجنون من حولها…بدا جسدها ينتفض بغضب بينما عيناها تقدحان شررًا أسود وهي ترمق مسعد الذي يقف امامها وابنهما بينهما يقف بجمود كالصنم لم يحدد بعد سيكون ضد من في ساحة المعركة…
ساد الصمت للحظات كانت كالدهر حرب النظرات
المتبادلة هي القائمة بينهما حتى قطع يزن الصمت
سائلا بغضب مكتوم….
“انت فعلا اتجوزت يابابا ؟!…”
أومأ مسعد براسه بملامح واجمة…
“أيوا…. اتجوزت….. اي المانع….”
انفعل يزن صائحا بنزق..
“هو ايه اي المانع بعد السنين دي كلها تتجوز
على ماما…”
اشاح مسعد بوجهه قائلا بجزع…
“انت لسه صغير يا يزن ومش عارف حاجة…”
انتفخت عروق يزن اكثر وصورتها تداعب
خياله….
“انا مش صغير انا كبرت….وكلها كام سنة وابقى الدكتور يزن…. يزن مسعد الصاوي….”
ثم خفف حدته وهو يرمق والده بسخط مشيرًا
على أمه…
“حضرتك مفكرتش فيا او فيها..تتجوز على ماما وفي السن ده… ومين جيهان الكيلاني اللي تعتبر من دور عيالك مش شايف انك صغرت نفسك اوي وصغرتنا كلنا بالجوازة دي….”
“أخرس…ومن امتى كانت بالسن…” تقدم منه مسعد
خطوة واحده وكاد ان يصفعه الى انه تمالك نفسه في اخر لحظة وهو يقول بضجر….
“وطالما بقا مش صغير… يبقا لازم تعرف ان الحياة بيني وبين امك بقت مستحيلة…. انا استحملتها السنين دي كلها عشانك… وعشان خوفت اخسرك لو طلقتها… خصوصا انك ابني الوحيد… خوفت تقسي
قلبك عليا وتبعدك عني… فرضيت بالامر الواقع….”
اظلمت ملامح الهام وعيناها وهي تنظر الى
مسعد باحتقار…..
فتابع مسعد بانفاسا هادرة….
“بس خلاص انا تعبت….ومبقتش قادر استحمل
انا راجل وليا طلباتي ومش لاقي راحه مع أمك
ومن حقي أدور عليها برا… خصوصا اني صبرت
العمر دا كله….”
“انا كمان صبرت عليك كتير… ومبقتش قادرة استحملك….”قالتها الهام بابتسامة سمجة
صفراء وهو تضيف ناظرة اليه ثم لابنها الذي
يتابع العرض بكسرة نفس شاعرًا بصدع يزداد
اتساع داخله….
“انت بترسم على ابنك انك الزوج الوفي المخلص
اللي استحمل كل ده عشان خاطر ابنه لا عمره خان ولا بص برا… مش كده يامسعد….”
شعر مسعد بالحرج والريبة وهو ينظر
اليها بصمت….
فاضافت الهام بحسرة وكراهية….
“بس لا انت كداب وخاين… وانا كنت عارفه بخيانتك
ليا طول السنين دي كلها بس كنت بصبر نفسي عشان خاطر ابنك….مش انت اللي صبرت يا مسعد… لا انا…
انا اللي صبرت واستحملت كتير… كتير أوي…”
نزلت دموعها وهي تنحني على أقرب مقعد
تدعي الهزيمة والظلم…..
فسالها مسعد ببرود مزدري….
“واي اللي سكتك السنين دي كلها يا الهام…”
قالت بنشيج…..
“لانها عمرها ما وصلت للجواز….”
التوى فم مسعد باحتقار علني….
“شايف يا يزن… الزوجة العظيمة والام المثالية
اللي استحملت ده كله عشانك وبتشوه صورتي قدامك دلوقتي هي للاسف كانت بتعمل دا كله
عشان نفسها وعشان الفلوس…..”
تابع مسعد باستهجان…..
“سكتي السنين دي كلها يا الهام بس لما وصلت للجواز وواحده تانيه هتشاركك مش فيا في مالي
وقفتي واتكلمتي….”
رفعت الهام وجهها اليه بصفاقة….
“عشان دا حقي…. حقي بعد السنين دي كلها..”
هدر مسعد فجأة على نحوٍ مفاجئ…..
“وحقي انا فين… مش كل حاجة الفلوس…انا محتاج
اكتر من الفلوس…محتاج زوجة وابن… محتاج ناس
تكون بتحبني عشاني انا..مش عشان الفلوس…
عمركم حسستوني بده…انتي او إبنك….”
ثم اشار الى ابنه هذه المرة باتهام علني ويبدو
ان الحرب القائمة منذ البداية لم تكن دفاع بل
ضد بها الجميع يشهر سلاحه المميت في وجه
الآخر دون ذرة تردد ، فقد سقطت الاقنعه الان
وأصبحت الحقيقة المؤلمة واقع ملموس
بينهم ؟!…
“يزن مش زعلان عشانك او عشاني… يزن خايف اجبله أخ يشاركه في كل ده….مش كده يا يزن ؟!! ”
هتفت الهام بنظرة
متشفية….
“مش هتجيب يا مسعد….”
“معناها ايه النظرة دي يا إلهام….”انعقد حاجبا مسعد
بارتياب منها ثم رفع اصبع التحذير قائلا بوعيد….
“انا بحذرك يالهام…چيهان عندي خط أحمر…إياكي تحاولي تأذيها….”
ثم نظر الى ابنه قائلا بتحذير…
“وانت يا يزن يا تعقل وتخرج الهبل ده من
دماغك…يأما… ”
ساله يزن ببرود…”ياما إيه ؟!!!…”
هدر مسعد بنفاذ صبر….
“هحرمك من كل حاجة على حيات عيني…”
صرخت الهام بجنون….
“انت اتجننت يا مسعد….”
نظر اليها مسعد بملامح صخرية…..
“دا اللي عندي…ولو انتي كمان عايزة تتطلقي فانا مستعد وحقوقك كلها هتاخديها وبزيادة…”
هدرت بقوة…..
“انا مش هطلق يامسعد…ومش هقبل بالخسارة..”
رد مسعد بصوتٍ قاسٍ مزدري….
“يبقا هيفضل الوضع زي ماهو…. اللي فرق بس
انكم دلوقتي بقيتوا عارفين كل حاجة…”
ثم خرج من الغرفة وسادت هدنة الحرب من
حولهما سكون ما بعد الانفجار…..
هذا الهدوء المعذب الذي يتجرع مرارته الخصم
الخاسر وهما كذلك لذا هتفت الهام بعنف….
“شايف أبوك….باعنا… باعنا واشتراها…عشان تبقا
تصدقني…. ”
لم يرد يزن عليها بل اندفع كالثور الهائج الغاضب
خارج الغرفة بل من البيت بأكمله ثم استقل السيارة وقادها بسرعة قصوى مبتعدًا عن هذا المكان بكل
من فيه…..
صرخت الهام بقوة وهي تهشم كل ما تتلقاه يدها
ارضًا بجنون لاعنه الجميع بأقذع الكلمات النابية
واولهم زوجها الخائن الذي يصر الان على جعلها اللاشي في حياته…
انحنت ارضًا وهي تأخذ انفاسها بصعوبة متذكرة
هذا اليوم جيدًا اليوم الذي اتخذت به قرارًا مصيري
صائب…قرار جعلها حتى الان متوجة في هذا البيت
رغم انف الجميع…..ورغم كل ما تتعرض اليه مزالت
تمتلك الورقة الرابحة……يزن…….
……………………………..
(انت بتقول ايه يا فواز….مسعد مش
بيخلف إزاي…..)
قالتها الهام بملامح مشدوهة تلك الشابة الجميلة
التي وقع في حبها أثرى واوسم رجلا وتزوجها
في فترة قصيرة محارب عائلته والجميع لأجلها
وكاي زوجه في وضعها الحساس حاولت البحث
عن أقرب وسيلة للحفاظ على مكانتها في قلب
زوجها وعائلته وهو طفل يحمل اسم العائلة
ويكن الوريث لهم……
لم تحملها قدماها من قوة الصدمة التي ضربتها كالصاعقة الكبرى فجلست على المقعد المقابل
لمكتب الطبيب والذي كان صديق قديم لعائلتها
ويعرفها جيدًا…
(يعني ايه مفيش أمل انه يخلف يافواز….)
مط الطبيب شفتيه بأسى موضحًا ابعاد
الحالة…
(للأسف يالهام مفيش امل ولو واحد في المية…
هو عاجز حاليا عن الخلفه….لكن انتي الفحوصات
بتقول انك سليمة ميه في المية وتقدري تخلفي
في اي وقت…..)
هبطت دموعها وهو يتقول….
(مسعد مش لازم يعرف حاجة زي دي يافواز…
اوعى تقوله….)
أراح الطبيب يداه على سطح المكتب
سائلا…..(ولو سألني…..)
قالت وهي تمسح دموعها بعنف…
(قوله ان احنا الاتنين تمام مفيناش حاجة…بس
لسه ربنا مأذنش….)
تنهد فواز بقنوط….
(انا من رايي تصرحية يالهام بالحقيقة هتخبي عليه
لحد إمتى….)
لاح في صوتها الخوف وعدم الأمان….
(لو عرف هيعرف اهله ومش بعيد يسلطوه عليا عشان يطلقوني منه مانت عارف….مفيش حد فيهم
موافق عليا….بذات ابوه صابر الصاوي ممكن بكلمة
واحده يرميني برا البيت… وانا لازم اخلف يافواز
باي طريقة لازم اجبلهم ولد… ويبقا ليا مكان في
البيت ده وسطهم….)
ضاقت عينا فواز…
(والعمل يا الهام بتفكري في إيه….)
سالته بتشتت….
(مفيش اي طريقة اجيب بيها الولد….)
زم شفتيه بخبث…..(تتبني مثلا….)
هزت راسها برفض مستجدية…
(مينفعش اتبنى…انا عايزة أحمل باي طريقة بس
من غير ما اعمل حاجه حرام….)
زجرها فواز بنفاذ صبر…..
(ودي اعملها إزاي… الفحوصات اللي قدامي بتأكد
ان جوزك عنده عقم ومستحيل يخلف ولو بعد
مية سنة….الا ان حصلت معجزة….)
طلبت العون بضياع….
(مفيش اي طريقة يافواز…. انت اللي دكتور وانت اللي فاهم في المجال ده اكتر مني….)
صمت فواز قليلا يفكر وهو ينظر الى عيناها
الباكية ونظرت الضياع بهم….
(مفيش غير حل واحد….)
قالت الهام بسرعة…
(الحقني بيه يافواز انا في عرضك….)
مالى عليها بصوتٍ خافت….
(احنا نعملك عملية حقن مجهري ونقنع مسعد بيها
ان العملية دي الحل الوحيد للخلفه….)
سالته بوجل…..(وبعدين…..)
رد بهدوء وايجاز…..
(هحلها انا يا الهام…بعينة تانيه لواحد تاني لا يعرفك ولا تعرفيه….)
اتسعت عيناها شاعره بالورطة تلوح في
الأفق….(مين ده ؟!!..)
اجابها بعملية…
(واحد شغال معايا…. دي شغلته…)
ازداد اتساع عيناها بشكلا
مريع…(شغلته ؟!!….)
اوما فواز مبتسمًا بسماجة….
(أمال انتي فاكره نفسك انتي لوحدك اللي عايزة
تخلفي بالطريقة دي…)
على تنفس الهام بقلق وحل الصمت للحظات…فعقب
فواز بغرابة….
(متردده ليه دا انتي اللي عرضتي عليا الموضوع..)
سالته الهام بطرف عيناها وعقلها في دهاليز
القصة يتلوى كالطير المذبوح بالالم….
(مش متردده بس انت متأكد ان اللي شغال معاك
ده مش هيعرف عني حاجة….)
اردف فواز ببساطه…
(هو ميهموش انتي مين المهم الفلوس…)
اندفع لسانها قبل عقلها …
(انا هدفع اللي تتطلبه المهم أحمل يافواز….باي
طريقة….)
كانت لحظة جنون قادتها الى هنا اجرت العملية بعد أشهر وحملت بين احشاؤها بذرة رجلا لا تعرفه ولا
يعرفها وكل ما جمعهما هو المال فقط…
ولم تتوقع ان يموت السر بعد عشر سنوات
مع الطبيب الذي أجرى لها العملية ويبقى
السر في حوزتها هي فقط ولا يعلم عنه
أحد سواها….
google-playkhamsatmostaqltradent