رواية الحب اولا الفصل الواحد و الثلاثون 31 - بقلم دهب عطية

الصفحة الرئيسية

  رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية الحب اولا الفصل الواحد و الثلاثون 31

 وقفت إلهام بكل جبروت أمام كلاهما توزع النظرات
عليهما بقسوة واحتقار ثم اشارت بسبابتها بعينين
نارية غاضبة….
“اي اللي جابك هنا يامسعد بتعمل ايه في شقة…”
بترت الجملة وهي تنظر الى جيهان بكراهية وعداء نظرة أمرأه غدر بها للتو على يد اقرب الناس !!…
“صاحبتي…بتخوني معاها يامسعد ؟!… ”
لم يكن سؤال بل كان واقع خطت اياه بيدها فاجابتها
جيهان بصيحة مستنكرة…..
“عندك بيخونك دا إيه…..انا مراته ياحبيبتي وليا فيه
زي ماليكي بظبط….اتكلم يامسعودي ساكت ليه…”
رفعت الهام حاجبها بشرٍ هاتفه بضراوة…
“مسعودك ؟!…ما تكلم ياسبع البرمبة اتجوزتها…”
صاح مسعد يوقفها بأمر….
“احترمي نفسك يالهام واتكلمي عدل… ايوا اتجوزتها…..”
لم تهتز في وقفتها بل قالت بسخرية
لاذعة…”عرفي؟!….”
ردت عليها ضرتها تكيدها وهي تهز خصرها
بغيظ..
“عرفي مين ياماما انتي شيفاني واحده من اياهم
وقعه وعايزة اي راجل وسلام حتى لو هيتجوزها
في سر من ورا أهلها….. انا چيهان الكيلاني اسمي
لوحده يوزنك ويفيض….قال عرفي قال اتكلم
يامسعد ياما والله مـ..”
اوقفها مسعد بنظرة صارمة ثم عاد الى إلهام قائلا
بحزم… “مراتي يا الهام… على سنة الله ورسوله
مراتي…”
اشارت الهام على نفسها وهي تذرف دمعة
مقهورة…
“مراتك….طب وانا….انا يامسعد مراتك ام إبنك الوحيد..”
قالت جيهان بميوعه…
“مش هيبقا وحيد هيبقا ليه اخوات باذن الله
قولي آمين….”
جراء هذه الجملة شحب وجه الهام فجأه بخوف وأرتاع قلبها بين اضلعها !..
سالها مسعد باعصاب باردة….
“انتي عرفتي منين يا إلهام….”
هدرت الهام بحسرة….
“هو ده كل اللي همك عرفت منين….ليه عملت فيا كده بتجوز عليا بعد السنين دي كلها…”
سحب مسعد قميصه من على الاريكة ثم بدا
يرتديه وهو يقول بنفاذ صبر….
“مش هنحل مشاكلنا هنا تعالي معايا…”
عندما مسك يدها نزعتها منه بقسوة قائلة
بشراسة…
“سبني مش هنزل من هنا غير لما تكون رامي
عليها يمين الطلاق….”
هتفت جيهان باستنكار شديد مهين….
“انتي بتقولي إيه… انتي جرا لمخك حاجة….. انتي عيزاه يطلقني انا عشان خاطر عيونك انتي…. روحي
ياحبيبتي بصي لنفسك في المراية…. وهتعرفي
كويس هو ليه اتجوزني عليكي واختارني انا…”
لم تعرها الهام اهتمام بل نظرت لزوجها بقوة جبارة
تأمره بعنف…
“طلقها يامسعد… طلقها وانا هسامحك وهنسى اللي فات ومش هعرف يزن حاجة طلقها وبلاش تكسب
عدوتي انا وابنك الوحيد طلقها….”
وكانها تشهر السلاح الرادع في وجهه ألا وهو ابنه الوحيد !…
رفض مسعد بنظرة قاتمة…..
“مش هيحصل يالهام…انا بحبها وعايز اكمل اللي باقي من عمري معاها…. وبعدين الشرع محلل
أربعة… وانا هعدل مابينكم….. انا مش أول
واحد اعمل كده….”
هدرت الهام بنظرة متقدة غضبًا….
“انت بتحلم لو مفكر اني ممكن اوافق أكون مع
نص راجل….كنت قبلت بيها زمان….”
ثم استرسلت بتهديد صريح…..
“وطالما اختارتها تبقا خسرتني انا وابنك….”
لفهما الصمت لبرهة حينها قصف صوت مسعد
حازمًا صارمًا….
“لو عايزة تطلقي يا الهام انا موافق…. بس طلعي يزن
من الحسابات دي لانه هيفضل ابني من صلبي وشايل اسمي ليوم الدين….”
وكأنها تلقت الصفعة الاقوى والاشد قسوة على الاطلاق فسالت دموعها وهي تشير على نفسها بكبرياء مهشم…..
“لدرجادي؟!… رفضت تطلقها بس وفقت تطلقني
عادي من غير حتى ما اطلبها ؟!..”
رد مسعد بجمود…
“هي موافقه على الوضع ومعندهاش مشكلة
تفضل مراتي بس انتي…..”
هتفت الهام بجنون…
“هطلقها يامسعد ودلوقتي حالا…”
اربد وجه مسعد وانتفخت اوداجه وهو يوقفها
بصرامة….
“انا مسعد الصاوي يا الهام مش عيل صغير شبط في لعبة فهتأمريه يسبها دلوقتي… دي مراتي بمزاجك او
غصب عنك هتفضل مراتي…”
قالت الهام بضجر محتد….
“يبقا أشهد اهلك على الموضوع ونشوف بقا
رأيهم إيه…..”
ابتسم مسعد مستهينًا معقبًا…
“ريحي نفسك كلهم عارفين….”
فغرت شفتيها بصدمة مؤلمة…. “مين؟!….”
هز راسه بتشفي…
“كلهم عارفين معادا انتي ويزن….”
سالته والارض تميد بها….
“يعني امك وعاصم عارفين كل حاجة؟!..”
أكد بمشاعر متبلدة…..
“عاصم وعمي يونس كانوا معايا ساعة كتب الكتاب
وشهده على العقد كمان…..”
وقعت الهام على أقرب مقعد جوارها ثم وضعت يدها
على راسها منحنية بانهزام امام برودة وجبروت
زوجها التي ظنت يومًا انه اضعف من ان يواجهها بمثل تلك البسالة والحقارة….
فقال مسعد بقسوة….
“ارضي بالأمر الواقع يالهام وبلاش تخربي البيت
على الأقل عشان خاطر يزن اللي استحملت
حاجات كتير منك عشانه…..”
قالت الهام وهي تبكي دون النظر إليه….
“اي السواد دا كله….لدرجة دي مفيش حاجة تشفع
ليا عندك….اذيتك في إيه عشان تأذيني….”
تاففت جيهان بينهما وهي تنظر لهما بانزعاج
شديد….
“اي الدراما دي…انا هدخل اوضتي لحد ما تخلصوا
أوف….”
قال مسعد بصوت مصقلا بالوجع…
“ولسه بتسألي انتي خليتيني مسواش في عين
نفسي حاجه من كتر كلامك وحقدك على الكل
وطول الوقت بتخططي وبتتآمري عشان الفلوس
قرفت وتعبت مش لاقي راحه في بيتي ولا معاكي..”
“وانتي عارفه ان لولا يزن مكناش كملنا لحد
دلوقتي…..”
اومات براسها فتلك هي الحقيقة الملموسة بينهما لولا يزن ما وصلت الى هنا….ولولا تخطيط وجوده
سابقًا ما كانت هنا ؟!…
استأنف مسعد مبررًا…..
“انا دورت على راحتي برا من قريب مش من بعيد
وده يثبتلك اني كنت صابر عليكي للآخر بس انتي
زي ما انتي مش بتتغيري يا إلهام….”
استفز حديثه كل عصب داخلها فنهضت من
مكانها بتشنج بعد ان رأت ان حتى الدموع لم
تأثر عليه !….
فقالت من بين اسنانها بعنف شديد…
“ويترى حفظت الكلمتين دول امتى..بترمي اللوم
عليا في الاخر ان انا الست المهملة اللي وصلت جوزها انه يخونها مع صاحبتها ويتجوز عليها…
اسمع يامسعد لو مطلقتش الزفته دي هـ..”
جاشت مراجله فقاطعها مسعد بشدة…
“طلاق مش هطلق جوازي من چيهان وضع
مفروغ منه… بس لو انتي بقا مش عاحبك الوضع
ده يلا ننزل دلوقتي على اقرب مأذون اطلقك….”
…………………………………………………………
دلفت الى البيت الكبير وهي تجر اذيال الخيبة بعد ان علمت انها تحارب على ارضًا خاسرة..لم يبقى من الزخيرة إلا ابنها الوحيد وان فرطت به لاي سبب من الأسباب ستكون العواقب وخيمة…..
راتهما جميعًا مجتمعين في صالون البيت الجدة نصرة وعاصم وابنها يتسامرا في شيءٍ ما….
دخلت عليهم بهجوم حاد تصيح بعنفوان….
“كنتوا عارفين واستغفلتوني كلكم…كنتوا عارفين
بجوازه ودريته عليه….صحيح ماهو منكم لكن انا
مين ولا اسوى حاجة عندكم….”
وزعت النظرات عليهما وهي تبكي….
“حسبي الله ونعم الوكيل فيكم…. حسبي الله
ونعم الوكيل…..”
وقف يزن فجأه سائلا
بقلق…
“في إيه ياماما….مالك… ”
صاحت الهام بقهر….
“في ان ابوك اتجوز عليا يايزن…أبوك اتجوز.. ”
جحظت عينا يزن فجاه…. “إيه…أتجوز.. ”
قالت الهام بمكر تشعل النيران في صدر
ابنها….
“ومش بس كده دا لما خيرته بيني انا وانت وبينها
اختارها هي….وعرض عليا انه يطلقني لو مش عاجبني الوضع الجديد…. ”
“بابا عمل كده…” شعر يزن وكانه في دوامه من الصدمة…
فعقبت نصرة بعدم رضا….
“دا كلام يتقال بتشيلي النفوس من بعضها يا
إلهام….”
اشتعلت عينا الهام بكرهٍ فقالت بهجوم ليس
له رادع…..
“ايوا اعملي نفسك ملاك بريء بينا وبتهدي النفوس
وانتي طبخاها مع ابنك مش بعيد تكوني انتي اللي مشجعاه مانا عرفاكي عمرك ما حبتيني…”
انتصب عاصم وافقًا يسكتها بصوتٍ غاضب
مهيب…..”اخرسي يا إلهام…..”
اقترب منه يزن والشرار يتطاير من عيناه…
“مين دي اللي تخرس… اياك تكلم مع أمي كده…”
صاحت نصرة وهي تضع يدها على صدرها
بصدمة….
“يزن انت اتجننت دا ابن عمك اخوك الكبير…”
تشدق يزن بتمرد وهو امام عاصم وجها
لوجه…
“انا مليش أخوات وكل واحد بعد كده يلزم
حدوده…”
اثار حفيظة عاصم أكثر فصاح عليه….
“مين دا اللي يلزم حدوده…. انت جرا لمخك حاجة
انت بتكلم كدا ليه يالا انت هتكبر عليا ولا إيه فوق
يا يزن….”
مسكه عاصم من ياقة قميصة فنزع يزن يده قائلا بجحود….
“انا فايق كويس…. وعارف انا بقول إيه… ابويا اتجوز على امي وكلكم عارفين بده وساكتين.. هتقوله امتى
لما يجيب عيل من التانية ويشاركني في مالي…”
رفعت نصرة وجهها بصدمة تنظر لحفيدها…بينما
تشدق عاصم بعد ان سحب نفسًا خشن..
“مالك؟!…. وانت من امتى بتفكر كده… وبعدين دا مال ابوك وهو حُر فيه يعمل اللي هو عاوزة طالما
مش حرمك من حاجة يبقا ملكش تفتح بؤك وتعترض….”
سخر يزن بصفاقة وجهٍ….
“هتفضل تمثل الدور المثالي لحد امتى متعبتش
من الدور ده…اصله مش لايق عليك… ”
اشتعل صدر عاصم بعنف كأتون حارق فلم يسيطر
على اعصابه النافرة بل رفع قبضة يده بسرعة
وسدد له لكمه أسفل فكه بقوة اوقعت الشاب
ارضًا…..
صاحت الجدة برفض متألمة قبل ان تفقد الوعي
على مقعدها…. “عاااااصم…..”
اتجه اليها الإثنين معًا بقلق….بينما ابتسمت إلهام بضغينة وهي ترى الوضع يتأزم بين الجميع…
بعد لحظات خرج الطبيب من غرفة الجدة فاتجه اليه عاصم وخلفه يزن…..
“خير يادكتور طمنى….”
رد الطبيب بعملية مطمئنًا….
“الضغط علي عندها شوية انا ادتها حقنه تنزله
ارجوكم ابعدوها عن اي ضعوطات…عشان
ميحصلش مضاعفات عن كده…. ”
شكره عاصم بملامح مقتضبة…. ثم خرج الطبيب
برفقة الخادمة للخارج……بينما دخلا الاحفاد الى الجدة…..
مالى عاصم وقبل راسها ويدها قائلا
بحنو….
“الف سلامه عليكي ياحبيبتي….”
“الله يسلمك ياعاصم….”قالتها نصرة بوهن وهي
تنظر الى حفيدها الأصغر الذي لم يقترب ولو
بخطوة واحده نحوها…
لكنه قال من باب الواجب
والذوق…
“الف سلامه عليكي ياتيته….”
امتقع وجه نصرة بحزن وقالت…
“طالما قولت تيته تبقا زعلان مني… انا مقصدش اجرح أمك او اقهرها بشكل ده… بس ده كان اختيار
ابوك….”
اشاح يزن وجهه عنها فاسترسلت نصرة
مكملة….
“يعلم ربنا ان انا وعاصم حاولنا نوقفه عن اللي في دماغه لكن مفيش فايدة…. صمم يتجوز… وهو مش صغير يابني عشان نمنعه…ابوك عمل اللي يريحه
وانت كمان مش صغير يا يزن وعارف كويس مشاكله مع امك عامله إزاي….. مكنوش مرتاحين لكنه كمل عشان خاطرك محبش يبعدك عن امك او يبعد عنك..
كنت السبب الوحيد اللي خلاهم يكملوا….”
ثم تنهدت مضيفة بوهن..
“بس كل واحد وليه طاقة وهو جاب آخره.. انا مش ببررله…. بس هي دي الحقيقه يايزن وانت عارفها من غير ما اقولهالك….”
لم تجد منه الا الصمت التام فظنت انه الصمت
الذي ياتي بعد الندم فقالت برفق…..
“أعتذر لعاصم يايزن…. دا أبوك هو اللي رباك
معقول بدل ما اشوفكم سند وضهر لبعض القيكم
بتحاربه بعض….”
بلع عاصم ريقه بألم كمن يبتلع شفرة حادة…وهو
ينظر الى يزن بخيبة أمل…..
“يزن مبقاش زي الاول ياحاجة كل مادى بيبعد عني من قبل حتى حوار أبوه…فيه حاجه مغيراه من ناحيتي…..”
زوجتك هي من قلبت الموازين…وجعلتني أراك خصم
لابد من كسره حتى افوز بها ؟!…
اقترب منه يزن مبادر بالصلح والاعتذار….
“حصل خير حقك عليا…الخبر نرفزني شوية…
بس بعد كده ابقى خف إيدك علينا شوية…”
ابتسم يزن دون مرح وهو يتحسس فكه
المتورم…
فلم تلين ملامح عاصم بل قال بخشونة
يحذره….
“تستحقها يايزن..انا مش صغير عشان تهلفت بالكلام معايا كده…عيب دا انا اول من علمك الكلام فا يوم ما حسك يطلع يطلع عليا انا…مش اخلاق عيلة الصاوي…يابن مسعد الصاوي….”
قالها عاصم بتقريع صارم جعل يزن يشيح بوجهه عنه محاول السيطرة على اعصابه قدر المستطاع…..
هتفت نصرة بعتاب…
“خلاص ياعاصم حصل خير….”
هز عاصم راسه بملامح مقتضبة…
“عشان خاطرك ياحاجة بس هسامحه….”
اكتفى يزن بابتسامة مزيفة المعاني ثم استأذن
قائلًا…
“عن اذنكم….هروح اشوف ماما واطمن عليها…”
بعد ان أغلق يزن الباب خلفه…قالت نصرة بوجع….
“حساه بقا نسخة من الهام مكنش كده….اي اللي
قلب حالة بشكل ده….”
زم عاصم شفتاه بحيرة مثلها…
“العلم عند الله….ادعيله بالهداية….”
دعت الجدة بوهن… “ربنا يهديه وينور بصيرته…..”
جلس عاصم جوارها على حافة الفراش قائلا بمناغشة….
“روقي كده مش عايزين الضغط يعلى تاني…عندنا
فرح بليل ولا انتي مش ناويه تحضري… ”
قالت نصرة ببسمة واهية…..
“لا ازاي أكيد هحضر عشان خاطر شهد…كلمتها ؟…”
“اه بكلمها علطول…..”أكد عاصم وعيناه تلمع كنجوم في سماها عند لفظ إسمها…
قالت الجدة بمحبة….
“لما بتغيب البيت بيضلم من غيرها….”
ربت عاصم على كفها قائلا…
“انهارده هتروح معانا ان شاء الله….ارتاحي انتي
يا حبيبتي……”
……………………………………………………………..
في قلب فندق فخم وفي أحد الغرف….
انهت الفتاة المسؤولة عن تزين قمر اللمسات
الأخيرة على وجهها فقالت بإبتسامة واسعة…
“اي رأيك كده ياعروسة….”
نظرت قمر الى هيئتها كعروس بثوب الزفاف
الابيض والزينة الرقيقة وتاج العروس البراق
فوق قصة شعرها الرائعة…..
ثوب الزفاف التي ابتاعته منذ شهرين بقلبٍ ابله
متيم في حب مخادع…..محتال…..
كيف كانت بتلك السذاجة معه، كيف سمحت له بتلاعب بها بهذا الشكل المثير للشفقة ؟!….
” الميكب يجنن عليكي ياقمر… ماشاء الله
ياحبيبتي….. ”
قالتها شهد وهي تجلس بالقرب من أختها التي تجلس في المقعد المجاور وامامها العاملة المسئولة عن وضع الزينة لها والتي اوشكت على الانتهاء….
هتفت كيان بعد نظرة خاطفة
عليها..
“فعلا حلو أوي أحلى عروسة….”
اكتفت قمر بإبتسامة باهته لهن وهي تعود ببنيتاها
الشاجنة الى صورتها المنعكسة في المرآة والحزن
الذي اطال ملامحها ولم تقدر ألوان الزينة على إخفاء
آثره…..
أصبحت مجبرة على المتابعة في تلك المسرحيّة
الساخرة….. على الأقل اليوم فقط ؟!!…
اقتربت منها شهد وجلست بالقرب منها مربته على كفها وهي تسالها باهتمام…..
“مالك ياقمر في إيه….”
قالت قمر بمرارة….
“هيكون مالي يعني…. مانا كويسة أهوه….”
خرج العاملتان بعد ان طلبت منهن كيان..بينما
استرسلت شهد باهتمام….
“مش كويسة خالص… من الصبح وانتي متغيرة
وطول الوقت ساكته وسرحانه… وشكلك مش مبسوطه… دا كأن الفرحة انكسرت في عنيكي
فجأه….. هو حمزة زعلك….”
هزت قمر راسها بنفي….
“مفيش حاجه الأيام اللي فاتت مكنتش بعرف
انام كويس بس….”
قالت كيان بوقاحة….. “ولا هتنامي النهاردة….”
اتسعت عينا شهد بصدمة وهي تنظر الى اختها
معقبة…..
“وانا اللي كنت ناوية اديكي نصايح ليلة الدخلة..”
قالت كيان بغمزة عابثة…..
“داليدا نورتني الحمدلله….. صاحبة جدعة… مش اختي اللي لما سالتها قالتلي….. الحمدلله….”
ضحكت شهد بحياء…بينما اردفت كيان
وهي تنظر الى قمر……
“تحبي احكيلك ياقمر…..وانورك….”
رفضت قمر بملامح واجمه….
“لا انا تمام…. احتفظي بالمعلومات دي لنفسك…”
صدح هاتف شهد فرفعت الهاتف على اذنها وبعد
دقيقة قالت وهي تغلق الخط بملامح منبسطه…
“العرسان طالعين…”
خفق قلب قمر واغمضت عيناها بقوة محاولة السيطرة على نفسها قدر المستطاع امام من
خدعها وجعل منها اضحوكة…..
بينما ابتسمت كيان بسعادة وهي ترفع راسها للاعلى
تتأمل جمالها عبر المرآة في ثوب الزفاف الراقي والذي به تشعر انها عروس هاربة من فيلم قديم يعرض بالابيض والاسود… من شدة رقي اطلالتها الملائكية وحشمة التصميم المميز عليها… وقد اختارت بذكاءًا معه تسريحة شعر تلائم وجهها
وبساطة الثوب مع تاج ملكي فخم فوق رأسها.. والزينة على وجهها كانت متقنة ومناسبة
لها بشدة زادتها بهاءًا….
نهضا العروسان بعد ان طرق على الباب بهدوء
ودلف حمزة أولا بكامل اناقته ببذلة رائعة تبرز
جسده الصلب وجزعه المنحوت وقامة طوله
الرائعة.. مصفف شعره الناعم للخلف باناقة
ومشذب اللحية كان وسيم بشدة….وسامة تفوز
على غضبها الذي تبخر للثواني فقط عند طلته
عليها ثم عاد واشتعل أكثر بنار ثائرة بالكراهية….
تسمر حمزة مكانه يتأمل هيئتها كعروس والتي
سلبت عيناه وقلبه فور رؤيتها…
ترتدي ثوب زفاف أبيض يلمع بشدة وكانه مقتبسًا
من ضوء القمر ، يفصل خصرها المنحوت ثم ينزل
باتساع تنورة كبيرة تبتلع الباقي منها….ترفع شعرها
للأعلى في تسريحة عصرية وتضع تاج مرصع بم
يشبه الالماس شكلا ولمعةٍ……وبطبع زينتها تحتاج
للألف قصيدة غزل مع عيناها الكحيلة المزينة لكنه
لم يجيد إلا تعليق واحد عند رؤيتها ، تعليق خرج
من بين شغاف قلبه الى لسانه مباشرةً…
“يسلم من سماكي قمر…”
أبتسما شقيقتاه بسعادة معًا ونظرا لوجه قمر حتى يرصدا ردة فعلها الخجولة…..
لكنهما تفاجئا بها صامته بملامح متجمدة ونظرة
غريبة تشيع من عيناها نحوه…
تبادل حمزة معها النظر بصمت قاسٍ دون ان تحيد عيناه عنها ولف كلاهما شعور المؤلم ، معهُ تأكد
حمزة الآن بانها سمعت بكل شيءٍ دار أمس….
ورغم الجدية الشديدة على محياها الأقرب للجمود
لم يقلل هذا من جمالها وجمال اللحظة في عيناه..
لذا قرر ان يجاريها في لعبة الصمت والجمود تلك
وسيكون مـتماثلا أمامها في دور الأعمى حتى تخرج عن صمتها وتواجه الحقيقة كما تعود منها…..
بارك حمزة لشقيقته الصغرى وقبل راسها بعد
ان راها بثوب الأبيض الذي كانت به اشبه باميرة خرجت للتو من حكاية خيالية….
ابتسمت كيان بمحبة وهي تبادلة العناق مباركة
له ايضًا مع تمني حياة زوجية سعيدة….
ثم اقترب حمزة منها وعلى مراى من إبصار شقيقتاه
مالى عليها طابع قبلة على جبينها شديدة الحرارة والحب تلقتها قمر برفضًا شديد ظهر مع انعقاد
جبينها وانغلاق عيناها كمن يضغط على نفسه
حتى ينتهي الأمر…..
شعر حمزة بنغزة مؤلمة في صدره بعد ان ترجم
تلك الحركات النافرة منها…..
ابتعد عنها وهو يتنحنح بخشونة هامسًا باقتضاب
امام شقيقتيه…..
“مبروك ياقمر…..”
ردت برسمية شديدة وهي تمتنع عن
النظر إليه…”الله يبارك فيك….”
مد مرفقه المثني لها بصمتٍ فنظرت قمر اليه
للحظات بنظرة باهته باردة…..فبات الحلم المنتظر كابوس بشع ترفض الاستسلام له…..
بدت بوارد القلق على وجه حمزة وشعر انها ستنفجر
الان في وجهه رافضة النزول معه…..
لكن في اللحظة التالية امتدت اصابعها الطويلة تعانق مرفقه بصمتٍ خنيق…..
جعله يقترب من باب الخروج بخطوات ثابته هادئة
وداخله يتمنى ان يمر الأمر الليلة مرور الكرام وعندما
يصل لشقتهما سيحل كل شيء وينهي سوء التفاهم
بينهما……
نظرت كيان لاختها الكبرى وقالت بريبة…
“في حاجة غريبة بتحصل بينهم…مش حاسة
بكدة؟….”
قالت شهد بتريث….
“ربنا يستر….يمكن خلاف بسيط ومصيرهم يتصالحوا…..”ثم استرسلت وهي تقرص وجنة
اختها بمحبة…”المهم انتي اي الحلاوة دي…..”
ضحكت كيان بسعادة…..
“عيونك اللي حلوة ياشوشو…..”
“ملناش احنا في الكلام الحلو ده ولا إيه….”
لفظ الكلمة بشقاوة من دلف من باب الغرفة
للتو وعطرة النافذ دل عليه كالعادة قبل ان
تسقي عينيها الفيروزية من طلته الجذابة….
هتفت كيان بخجلا…”سـلـيـم….”
ارتوى قلبها وعينيها من رؤية حبيبها وهو يرتدي حلة العرس الفخمة المتانق بها بصورة خطفت انفاسها الهادرة مختلج النبض بين ضلوعها….كان مهندم الشكل… حلو الطلة… وسيم الهيئة…….
ابتسم سليم وهو يقترب منها بنظرة تشي بمشاعر
عنيفة تستوطن قلبه الان فور رؤيتها بثوب زفاف
امه…والذي اصبح على جسدها شيءٍ اخر مختلف وكأن تمردها الواضح في شخصيتها طبع على
الثوب فجأه !…
كانت جميلة عصفورة تسر العين ببراءة ملامحها وشقاوة عينيها بثوب زفاف جعلها أمرأه جميلة
اتت للتو من زمنًا بعيد…زمنًا يعشق تفاصيله
الراقيه….كما يعشق صخبها هي…..
تسريحة مميزة وتاج ملكي وزينة وجهًا مليحة
تسر العين كعيناها الفيروزية عند النظر اليها..
استأذنت شهد بحرج منهما وخرجت تنتظر في الخارج بعد ان باركت لهما بمحبة…..
بينما وقف سليم امام كيان وعيناه تاسرها
بحب قائلا….
“مبروك ياعصفورة…..واخيرا بقيتي المدام….”
ابتسمت كيان بخجلا فمنذ ساعة تقريبًا كانت تمضي
على قسيمة الزواج بيد ترتجف بسعادة…..
انتظرت كيان على استحياء قبلة منه تطبع على جبينها كما ترى في المواقف المشابهة لهذا.. لكنها
لم تجد الى عناق عناق متلهف دافئ حاني اغرقها
به…..
فتشبثت هي بدورها بذراعيه ولسعة الدموع تحرق
مقلتاها فجأة فاغمضت عيناها متنهدة وسكن جسدها
في احضانه باشتياق و….ارتياح…..
اخرجها سليم من احضانه وطبع بلهفة قبلتين على وجنتاها ثم الثلاثة على شفتيها فزمجرت كيان برفض فصاح سليم عليها بخشونة محتد…
“اعقلي انا لسه كاتب الكتاب…دا الحبر لسه
مرحش…”
رفع كف يده امام عيناها فرفعت هي كذلك اصبعها ليرى اثار الحبر عليه فاحاط خصرها بيده قائلا بشقاوة…..
“امال اي بقا فكي كده….خلاص بقيتي حرم سليم
الجندي رسمي….”
اسبلت كيان جفنيها بحياء قائلة….
“طب احنا هنفضل واقفين كده….يلا ننزل معاهم..”
مد سليم مرفقه لها فتأبطت اياه بخجلا والسعادة
تلمع من أعينهما بالحب….
…………………………………………
هبطت على السلالم برفق خلف العرائس بثوب رائع
رقيق من اللون العسلي بأكمام طويلة واسعة تتدلى اطرافها ملامسة الأرض بفخامة كسلطانة فاتنة، كـملكة جميلة… شعرها مرفوع للأعلى باناقة ويتدلى منه خصلتين على الوجنتين…تضع لمسات بسيطه من الزينة جعلت لوجهها اشراقة مختلفة في عيناه العاشقة…
كانت بين الجميع نجمة تضوي تخطف الأنظار بطلتها
الساحرة…..
خفق قلبه ولسانه يقولها سرًا كلما رأى
جمالها منير كنجم ساطع…..
“ما شاء الله….سبحان من صورك وجملك في
عيني يا ست الحُسن.. ”
لم يقو على ازاحة عيناه العاشقتين عن عيناها الجميلتين المبتسمتين والتي تلاقت به اخيرًا بعد
صبرٍ عظيم منه….
توسعت ابتسامتها في مداعبةٍ جميلة له وهي ترفع
حاجباها معًا في حركة سريعة متفاجئة بظهورة
أمامها فرد لها الإبتسامة باخرى أعمق وبلهفة
نداها دون همسًا ان ترحم فؤاده وتقترب… فإنه
والله أشتاق لها وبشدة…..
اقتربت كيان بهيئة العروس الجميلة من المستشار الذي اخذها في احضانه بمحبة مبارك لها وعيناه
تلمع بدموع الفرح….
بينما استقبال والدها كان بارد رغم انه اخذها
بين ذراعيه كي يحفظ ماء وجهه امام الجميع إلا
انها لم تشعر بشيء مشاعرها كانت باردة متبلدة كـ
كـحضن والدها تمامًا…..
جلست كيان جوار سليم على المقعد المخصص لهما
بقلب نفس القاعة الفخمة التي اقامت اختها عرسها بها سابقًا…
كذلك جلس حمزة وقمر في الجانب الآخر بملامح
هادئة فاترة رغم ان عينا حمزة مزالت تبرق بسعادة
فقد تزوج ممن مالى قلبه لها بعد الانتكاسات الكبرى الذي عاشها في السابق…..
ترجمة قمر لمعة عيناه السعيدة بالربح بعد المكاسب
التي نالها من خلف دور العاشق الولهان في علاقة حب مضحكة بطلتها اغبى مخلوقة على وجه الأرض
لدرجة انها الان ترفع القبعة له بقلبٍ مجروح ونظرةٍ مشمئزة…
فرغم كل هذا ترك لها المحتال أيام جميلة بطعم الصدأ !..
“مالك ياقمر ساكته ليه….”
مزال مستمر في اتقان الدور…نظرت اليه بملامح
صخرية جامدة وعينين باردتين….
“هقول إيه….”
سالها وهو يزدرد ريقه…
“سكوتك ورا حاجه…. مش مطمن….”
افترت شفتيها في ابتسامه مزدرية….
“وليه قلقان اوي كده….مع انك وصلت لكل اللي خطط ليه من الأول….”
ارتاع قلب حمزة بقوة بينما استفسر بثبات
انفعاليّ…. “اللي هو؟!….”
اتجه اليهما سلطان وداليدا متانقين معًا على أكمل
وجه يليق بمناسبة رائعة كتلك…..
“الف مبروك ياصاحبي…”قالها سلطان وهو يتنحى
به جانبًا…..
تبدلا العناق والتهنئة بخشونة…ثم قال حمزة
بخفوت وهو يفصل العناق….
“الله يبارك فيك ياسلطان….دا كلام جاي اخر
واحد القاعة دا احنا متفقين تبقا هنا من الصبح…”
اعتذر سلطان بنفس الهمس وعيناه على داليدا
التي يبدو عليها التعب والارهاق من اعراض
الحمل……
“المدام تعبت الصبح وروحت بيها للدكتورة….”
ساله حمزة باهتمام….. “خير مالها…..”
ربت عليه سلطان قائلا بغمزة عابثة..
“اعراض الحمل قلبه بترجيع ودوخه…بكرة تجرب..”
نظر حمزة الى قمر بصمت غريب…..
بينما كانت قمر منشغلة في الحديث مع
داليدا…..
“جايه متاخر ليه ياداليدا دا كيان هتاكلك….”
ابتسمت داليدا بجهد….
“لسه مهزأني وانا ببارك لها…بس اعمل إيه الحمل
متعب اوي انا لولا غلاوتكم عندي مكنتش خرجت
من البيت والله….”
ثم تابعت بتنهيدة ثقيلة…
“جاي معايا باكتئاب وترجيع ودوخه وحاجة زفت
وكل شوية عند الدكتورة…”
قالت قمر بعطف…..
“معلش استحملي ربنا يكملك على خير….”
ابتسامة داليدا بمحبة….
“شكلك حلو اوي بالفستان…بصراحة انتوا الإتنين
زي القمر اللهم بارك… ربنا يحميكم من العين….”
ابتعدت داليدا عنهما وزوجها يتبعها كظلها يده
تحيط كتفها باهتمام شديد….
اهتمام من نوع اخر كأب يرعى ابنته قبل ان تكون
زوجته الحبيبة…وأميرته المدللة…
فتح حمزة مجالا للحديث
قائلا….
“شكلكم بقيتوا صحاب…..”
قالت دون النظر اليه…. “اه تقريبا…”
تنحنح بخشونة وهو يتابع….
“بس جدعة وطيبة داليدا كيان بتعزها أوي…”
اكتفت بهزة مقتضبة….. “اه فعلا بتعزها…..”
عيل صبره فمن بين اسنانه
أردف….. “انتي بتردي بالقطرة كده ليه….”
قالت ببرود…”لساني وجعني….”
تمساك بزمام الصبر قائلا برفق…
“مالك ياقمر….هو دا الفرح اللي بقلنا شهور بنحلم
بيه…..”
عقبت بلهجة تقطر ندمًا وقهر….
“انا الوحيدة اللي حلمت…اما انت كنت بتخطط ازاي
تسرق احلامي وتبعها وتاخد تمنها…..”
جفلت ملامحه بشدة فظل يحدق بها للحظات كانت كالدهر في عيناه حتى لفظ إسمها….
“قـمـر…..”
مزالت تمتنع عن النظر الى عيناه فأمام عسليتاه
انهزامها الحقيقي….فقالت بقوة جبارة….
“مش هنتكلم هنا…مش هنتكلم هنا ياحمزة….”
…………………………………………..
اقتربت منه بخطى هادئة وظهرًا منتصب بكبرياء يليق بسيدة الحُسن والجمال… تلاقت عيناه
العاشقة بعسليتاها المبتسمتين بالدلال ..
سحب نفسًا خشنًا بعد ان مالت على الجدة
نصرة تاخذها بالاحضان قائلة بحفاوة….
“فرحت اوي انك جيتي ياماما… نورتي المكان والله…”
قالت نصرة بابتسامة مجهدة….
“جيت عشان خاطرك والله… مع اني مكنتش
ناويه اجي..”
انعقد حاجبا شهد مستفسرة…..
“ليه كده بس….. خير….”
قالت نصرة برفق….
“تعبت شوية الصبح والضغط علي عليا…بس الحمدلله بقيت احسن….”
على تعبير الحزن وجه شهد فتاوهت بتأثر
وهي تربت على كتف الجدة بحنان…
“لا الف سلامه عليكي… لو كنت اعرف والله كنت قولت لعاصم يخليكي مرتاحة ولا إنك تتعبي نفسك وتيجي المشاور دا كله….”
قالت الجدة بمحبة نابعة من قلبها…
“انا بقيت احسن الحمدلله.. وبعدين مش هاجي لاغلى منكم يعني…. مبروك لاخواتك….”
ردت شهد مبتسمة….. “الله يبارك فيكي ياماما…..”
ثم جلست بينهما بالقرب من عاصم ومالت عليه
قائلة بعتاب….
“لما كلمتك الصبح مقولتش ليه انها تعبانه…..حرام تيجي وهي كده…باين عليها التعب…..”
رمقها بطرف عيناه قائلا بصوت أجش….
“هي اللي صممت تيجي…خافت على زعلك…المشكلة فيكي انتي ياست الحُسن…ليكي تأثير جبار على كل اللي بيحبوكي..”
خفق قلبها بلوعة وعيناها مأسورتين بعيناه….فمسك عاصم يدها ومرر ابهامه بحركة دائرية مداعبة على ظهر كفها هامسًا بحرارة….”وحشتيني يـا شـهـد….”
ابتسمت شهد قائلة بلوعة الشوق…. “وانت كمان….”
لوى شفتيه مؤنبًا اياها بتهكم….
“مش باين اليومين اللي غبتيهم عني مرفعتيش سماعة التلفون من نفسك تطمني عليا…”
قالت شهد بحرج شديد وعيناها تعرف موطنها….
“صدقني كنت مشغولة ليل ونهار….تقريبا انا منمتش ساعتين على بعض في الايام اللي فاتت دي كلها..
غصب عني والله ياعاصم…..”
تحسس كفها برقة باعث ذبذبات حميمية في
جسدها المتعطش له….
هل بسبب الوحم الذي يجعلها تشتهي قرب زوجها منها كلما سنحت الفرصة بذلك… ام انه مفعول الشوق الفتاك في جسدها الظمأن للهوى….
“النهارده هتنامي وترتاحي في حضني…”
همس بها عاصم فاغمضت عيناها لثانية واحده ثم فتحت اهدابها اليه تقابل عينيه القادرتين على
ارباكها بنظرة جادة نافذة……
لعقت شفتيها قائلة بحياء….
“اكيد ياحبيبي….انا محتاجه انام أوي….”
بالقرب من اذنها همس بعواطف
جياشة…. “وانا محتاج حضنك أوي….”
ضحكت دون صوت….فنظر عاصم لها قليلا ثم انزلقت عيناه على بطنها البارزة قليلا من هذا الثوب الرائع….بروز شهي يدل على بذرة حبهما التي تكبر يومًا بعد يوم بين احشاؤها…..
“اي اخبار ابننا…”
وضعت يدها على بطنها بتلقائية الأم….قائلة
ببسمة عذبة…..
“الحمدلله كويس…..أعمل حسابك هنروح للدكتورة سوا الكشف الجاي عشان هتعرفنا نوع الجنين….”
اشاح عاصم بوجهه عنها قائلا….
“يامسهل….ابقي عرفيني قبلها بس….”
نظرت شهد لجانب وجهه بقلق…ثم سالته
بعد لحظات…..
“مالك ياعاصم في حاجة مضايقك…..”
هز راسه بنفي وهو يعود اليها يحتويها بنظرة
حانية رغم الحزن الساكن في حدقتاه….
“ولا حاجة ياحبيبتي انا كويس….”
رفعت حاجبها بتسلط…
“معقول هتخبي عليا…باين في نظرت عينك….”
سالها بهدوء….. “واي هو بقا اللي باين في عيني….”
قالت بحنق بالغ…
” انك مضايق في حاجة حصلت مضايقك…..”
زفر عاصم يخبرها بالقرب من مسامعها وسط
ضجيج القاعة المكتظة….
“ولا حاجة شديت مع يزن شوية….ومديت ايدي عليه…”
خفق قلبها بهلع على سيرة هذا الشاب الذي لم ترتاح له يومًا ربما بسبب الشبه الواضح والكبير بينه وبين
عدوتها…..او لان نظراته الجريئة عليها تضايقها
والهراء الذي تفوه به قبل رحيلها من البيت زاد
نفورها نحوه….
سالته بعد لحظة صمت….”بسبب ايه؟!….”
تنهد عاصم بصدر ضاق بالحزن وخيبة
الأمل…..
“موضوع يطول شرحة….هبقا احكيلك بعدين….”
“انت بتحبه اوي كده ياعاصم….”لم تتوقع ان تنطق بسؤال قفز في عقلها فجأه…..
أكد عاصم بما لا يقبل الشك….
“طبعا ياشهد….. دا ابني اللي مربية…..”
اطرقت براسها غارقة في دوامة من الحزن والذنب
فهذا الابن الصغير يشكل خطر في علاقتهما…
“شامم ريحة غيره….”
قالها عاصم بمرح طفيف…..فجارته في الكذبة مؤكدة
“تصور وصل احساسي معاك اني اغير عليك من ابن
عمك…..”
عقب بجملة تخجلها وتضحكها في نفس
الوقت… “يسلملي الغيور….”
انتشر الوهج في وجنتاها فضحكت بعدها
هامسة بوله…. “عااصم…..”
ابتسم عاصم لعيناها قائلا بعينين تفضيان
عشقًا….
“مين يقدر يوصل لمكانك في قلبي ياشـهـد
مشاعري وقلبي معاكي في حته تانيه……”
رفع كفها وطبع قبلتين حانيتين عليه فخفق قلبها
بسرعة وسرى الدفء في أوردتها….بينما عيناها
مأسورتين به الان……وربما للأبد……
…………………………………………………
تافف حمزة وهو يرى ان الصمت بينهما يزداد قتامة وبرود وسط الفرح والصخب المقام حولهما….
فنظر لها ليجد انها على وضعها منذ اكثر من ساعتين صامته هادئة وان لانت شفتيها بابتسامة تكون مغتصبة جافة أمام عدسات التصوير….
“احنا هنفضل كدا يعني ولا إيه… فهميني…
عايز افهم….”
جزت على اسنانها قائلة….. “نعم… عايز إيه….”
بصوتٍ هادئ سالها…..
“هتفضلي قلبه بوزك كده… في يوم زي ده؟!…”
قالت بتمرد….. “والله اذا كان عاجبك….”
رد بسرعة….. “مش عاجبني…”
قالت باستنكار بارد…. “بسيطه اشرب من البحر….”
عض على باطن شفتيه بوعيد…
“بقااا كده ياقمر….”
أكدت بكبرياء دون النظر لعيناه…..”هو كده…..”
زمجر حمزة ناهضًا عن مقعده….
“تمام…. انا مش هنكد على نفسي ولو القعده عجباكي خليكي مكانك….”
رفعت عيناها اليه بحيرة…. “انت رايح فين….”
رد باسلوب بارد يماثلها…..
“رايح انبسط مع صحابي اللي جايين يجملوني ويفرحوا معايا…..”
وامام عينيها الذاهلتين الحزينتين رأته يدلف بين كومة من الشباب يصيح معاهم بفرح وقد أعطاه احد اصدقاؤه عصا غليظة كي يرقص بها وهم من حوله يهللو بسعادة مع الأغنية التي بدأت للتو…..
(انت جاي منين ياعم انت جاي من اي حته..نفسي
احطك جوا قلبي نفس ابوسك حته حته…..)
ثم نظر الى قمر وبدا يحرك عصاه بخفة امام عيناها
الحانقة…..وتابع وهو يغني مع الأغنية يخصها
بكلماتها شديدة الغزل والوقاحة…..
(العيون والنعمة طلقه انت زيك عمري مالقى من الشفايف نفسي ادوق انت كلك تفحايه حتى روح بص في مراية باختصار انا كلي شوق ياسيد الناس… يا واخد قلبي ومسيطر على القلب وكمان على الراس… ما تهدى ياواد وحن ياواد يامدلع عشقت خلاص ياسيد الناس انا هولع..ياسيد الناس…..)
كان يغني بيده وعيناه وأشار على قلبه بشقاوة اكثر من مرة لكنها بعناد لم تتجاوب معه بل اصرت على صمتها البارد متمسكه بكبرياؤها المطعون !…
رغم ان بنيتاها الجميلة تلمع بشدة عند النظر إليه وشفتاها تلين في ابتسامة تكاد لا تدركها العين…
ورغم هذا كلما تسرب شعور الدفء اليها تضع على
قلبها ومشاعرها أمامه لوح جليد….
فالدفء هو حبها له والحب يعني ندم تتجرع مرارته الان ببطئ شديد…..والسعادة التي يطلبها منها تحولت داخلها لكومةٍ من الرماد……
انتبهت الى شابة جميلة بثوب أزرق قصير ترقص بالقرب من حمزة المنشغل بين اصدقاؤه يغني ويرقص معهم بعصاه…..
تلاقت عيناها بعينا حمزة الذي خلع السترة فورًا وكورها بين يده ثم رفعها على مرمى عيناه…..
اغمضت قمر عيناها بصدمة وظنت لوهلة بانه سيلقي السترة في وجهها امام الجميع لكنه أعطاها الى صديقة في اللحظة التالية وهو يضحك…ضحكة مستفزة اختلج معها قلبها…..
فعادت عيناها تشتعل بالغيرة من تلك الفتاة التي تكاد تلتصق به في تمايلها بين الشباب…وخزة قوية اصابت قلبها المجروح… وخزة اشبه بنخر في العظام مما جعلها تنهض بهيئة العروس وتقترب منه جاذبة الأنظار لها…..
عندما راها حمزة اقترب منها تارك الشباب خلفه مع بعضٍ من الفتيات اللواتي انضما للرقص بعد ان نالت الأغنية إعجابهن…..
رقص حمزة امامها بالعصا وهو يغازلها بعسليتاه
البراقة في منتصف ساحة الرقص……..
(الخدود…. الخدود تفاح مقشر على الشفايف والشفايف أحلى واطعم من الكريز القوام
….القوام والشعر لاسمر فوق كتافك…)
مسك خصله من شعرها واستنشقها بشوق فنزعتها قمر بضيق مرتديه قناع الجمود…
فـوقوفها أمامه هكذا لم يكن إلا فرض سيطرة أنثوية
عليه ليس إلا……
زم حمزة شفتاه وهو يمسك يدها بتسلط….والاغنية
مستمرة…..
(ماتهدى ياواد وحن ياواد يامدلع عشقت خلاص
دا انا هولع…ياسيد الناس…..)
حاصر خصرها بعصاه وهو يميل عليها هامسًا
بكلمات الأغنية……
(انت جاي منين ياعم انت جاي من اي حته…نفسي احطك جوا قلبي نفسي ابوسك حته حته…العيون والنعمة طلقه انت زيك عمري مالقى باختصار انا كلي شوق….)
اغمضت عيناها على كتفه وسالت دمعتين حارتين على وجنتيها…..
…………………………………………………
مسك سلطان يد زوجته سائلا
بقلق…. “حاسه بتعب دلوقتي….”
افترقت شفتيها في ابتسامة
حانية….
“يعني شوية…. اطمن انا كويسه…”
قال بوعيد وهو ينظر الى بطنها….
“لم يجي ابن الكلب ده…. هيطلع كل ده عليه….”
شهقة داليدا بدلال قائلة……
“اخص عليك ياسلطن دا انا مستنياه بفارغ الصبر…”
ثم وضعت يدها على بطنها وتحسستها بمشاعر الامومة التي تتمكن منها يومًا بعد يوم…..
“انا كل يوم بيعدي عليا… بتعلق بيه أكتر… من غير
ما اشوفه بحبه أوي….”
زم سلطان شفتيه بغيرة….
“وناويه تسميه إيه اللي هيشاركني في حبك ده..”
برقة عينا داليدا بعد لحظة تفكير…
“اي رأيك في محمد….”
ابتسم سلطان باستحسان وعقب بمشاكسة….
“يعني بقيتي ام محمد رسمي طب ولو بنت….”
قالت بسرعة…..
“هسميها مليكة…. بحب الاسم ده أوي….”
اتكأ سلطان على يدها بين قبضته قائلا
بلهجة تفيض عشقًا….
“وانا حبيته عشانك يا ام محمد ومليكة….”
ارتاحت براسها على كتفه
هامسه….
“بحبك اوي ياسلطن….”
طبع قبلة على جبينها قائلا
بخفوت…
“وانا بموت فيكي يادواد…..”
ثم ظلت اعينهما معلقه على ساحة الرقص حتى عقبت داليدا بابتسامة بسيطه…..
“الفرح حلو أوي مش كده…..”
اكتفى سلطان بايماءة من عيناه يوافقها الرأي وخده يرتاح على راسها بينما ذراعه تحيط كتفها بامتلاك ولم يهتم بنظرات أحد من حوله ففي لحظة قلق واهتمام بزوجته الحامل أصبح نسخة مصغرة من والده الذي كان يرى اظهار مشاعره بتلك الصورة ضعفٍ…
الان فقط علم ان الضعف الحقيقي فمن حجب
الحب عن احبابة خلف قناع الصمت والجمود…
…………………………………………………….
وقفت كيان بثوب الزفاف الرائع والمريح في الحركة فتنورة به تأخذ اتساع بسيط يسهل السير والحركة.
بدأت تتمايل في ساحة الرقص امام عينا سليم والجميع من حولهما يطلق صيحات صاخبة تشارك فرحتهما وبعضٍ من أصدقاء الجامعة القدامى اطلقوا الزغاريد والتصفيق الحار فاعلين جوٍ رائع مع الأغنية التي اختارتها كيان لتغنيها الى سليم مع صوت المغني…..
بدأت تميل بخصرها وهي تقول مع الأغنية
بشقاوة….
(ياعم وعم قلبي…يامعلمني الهوا….اتفضل جوا قلبي تعالى نعيش سوا….ياسيد الناس ياجامعة في الحب وفي الملوعه انا قلبي ناره والعة وفي ايديك الدوا اديني هات هات هات…اديني هااات هات هات…..)
ضحك سليم بقوة وهو يمسك يداها فمن فتاة محبى
للكيدراما لعاشقة تعبر عن مشاعرها باغاني شعبية
لم يسمعها يوما إلا عن طريقها هي ؟!…
تركيبة عجيبة يقف المرء امامها مشدوهًا يتجدد الشغف لديه على الاقل كل دقيقة بقربها…فتلك العصفورة حياةٍ كامله بتفاصيل مبهجة بالحب والحياة التي كان بحاجة لها قبل ان يصادف
حبها خلسة..
ظلت عيناه تتاملها بعينين عاشقة بينما هي تتابع غناء وهي تعطيه غمزة شقية…..
(صباح أبيض وقشطة وخالي من القلق وخالي من
الاونطه يا أجمل ما خلق….تعالى اسقيك غرام ونخلص في الكلام……تعالى اسقيك غرام ونخلص في الكلام…..)
وقفت ترقص بين اصدقاؤها اللواتي صاحوا
معها بصخب…..
(ياسيد الناس ياجامعة في الحب وفي الملوعه…اديني هات هاات… اديني هاات
هاات هاات……)
سحبها سليم بعد لحظات من ذراعها بخفة لتقع على
صدره فرفعت عيناها الامعة اليه واحاط هو خصرها بكلتا يداه ثم دوى صوت المغني مستمرًا بسلطنة وهي بين ذراعي زوجها تتمايل….
(انا عايزك تبقا ليا والحب اتهنى بيه ونقضي اغلى غيه هناخد من الدنيا إيه…غير حبة المحبة ما تيجي نكون أحبه…غير حبة المحبة ما تيجي
نكون أحبه..ياسيد الناس ياجامعه فى الحب وفى الملوعه ان قلبى ناره والعه وفى اديك الدوا…)
حملها سليم عن الأرض ودار بها امام الجميع وهي في احضانه تخفي وجهها الضاحك في عنقه هامسة بعدة كلمات متوسلة تنتهي بـ…….(بحبك)….
…………………………………………………………..
بعد ان انتهى الاحتفال صاعدا الى غرفة مخصصه للعرسان في قلب الفندق الفخم قد حجزها سليم
سابقا للمبيت بها ثم ينتقلا غدًا في الصباح الباكر
الى أحد المناطق الساحلية البعيدة عن هنا لقضاء شهر عسل كما اتفقا…..
دلفت كيان من باب الغرفة ووقفت في منتصف المكان ترمقه بنظرة متفحصة وبملامح هادئة
أغلق سليم الباب خلفه واقترب منها….ثم عانق خصرها من الخلف محتويها بذراعيه هامسًا بالقرب
من اذنها بصوتٍ أجش مرهق….
“مبروك ياعصفورتي…واخيرًا بقيتي مراتي…بعد
عذاب…..”
اطلق زفرة صغيرة اربكتها اكثر من كلماته الممهدة
للقادم….. زفرة تحمل عطره القوي….كـقوة خفقات
قلبها الان بقربه…
الأمر صعب….صعبٍ جدًا ان مفاصل قدميها تهتز
اسفلها وكأنها ستسقط من مجرد زفرةٍ بالقرب
من اذنها….ماذا ان عانقها وقبلها ومد يده على
جسدها بوقاحة…..
بلعت ريقها بصعوبة وهي تنزع جسدها عنه فجأة
لتلف حول نفسها في مواجهة صريحة لعيناه…
فابتسم سليم وهو يتأمل وجهها…وجمالها كعروس بـهيئة خلابة ونظرة خيلاء قوية المعاني….
زادت لمعة عيناه مكرًا فاليوم سيفسد الهيئة والنظرة
ويحولهما للوحة فنية، لامرأة هائمة بين ذراعي زوجها فاغرة الفم بعينين فيروزية تلمع من شدة النشوة……
لطالما زاره هذا الحلم الخبيث خلسة في ليالٍ باردة
دونها….وكان يتمتع برؤيته وكأنه المنفذ على الصبر عليها طوال تلك الأشهر التي كتبتها عليه كالحجر الصحي….
اقترب منها سليم خطوة قائلا بشقاوة…
“ايه مفيش مبروك ياحبيبي…..سرانغي حتى….طب واحده مبروك بالكوري….”
مطت كيان شفتيها….. “تشوكاهي يـاسليم…..”
غمز لها بمناغشة وهو يقترب منها خطوةٍ أخرى…
“تشوكاهي علينا كلنا والله….دا اليوم اللي مستنية
ياعصفورتي…. ”
تبادلا النظر بصمتٍ فقال سليم والبسمة محفورة
على محياه…..”مش هتغيري ولا إيه…..”
ارتبكت وتراجعت خطوة للخلف…
“اغير…….اغير إيه بظبط….”
نظر للثوب قائلا بإيجاز… “الفستان هتنامي كده….”
نظرت لموضع عيناه ثم عادت إليه وقالت بوجهًا
شاحب… “لا اكيد هغيره…”
بنظرة حانية تعجل قائلا…..
“طب يلا عشان انا كمان عايز اغير البدلة….”
ارتعبت فجأه وقالت وهي تتراجع
للخلف….
“تغير البدلة…..ليه….هتغير ليه….”
انعقد حاجباه متوجسًا….
“اي الاسئلة دي ياعصفورة أكيد مش هنام كده يعني…..”
سالته بعفوية…. “هو انت هتنام ؟!…”
رد سليم بمشاكسة وقحة….
“دا يوم ينفع الواحد ينام فيه برضو….ما احنا يامه
نمنا خدنا إيه…. ”
نزع سليم السترة عنه والقاها على الفراش باهمال….
فقالت كيان بذعر…
“انت بتقلع الچاكت ليه…..”
رد ببساطه وهو يفك ربطة العنق
ايضًا…..
“حران انتي مش حرانه برضو….”
ثم استرسل بخبثٍ شقي….
“متفكي كده…..تحبي اساعدك في قلع الفستان
انا حاسس انه صعب….”
قالت بتهرب وهي ترتجف بخوف…
“لا مش صعب خالص دا بيتلبس وبيتقلع بسهولة
متشكرة..”
زم شفتاه ممتعضًا…. “العفو…..”
ثم نزع سليم ربطة العنق وهو يسالها
بوجوم….
“هو انتي مالك ياكيان قفشه ليه…..”
نظرت له بطرف عيناها قائلة
بتردد..
“قفشة ازاي يعني مش فاهمة….”
فتح أول ازرار قميصة وهو يذكرها بسخرية
لاذعة…..
“يعني في القاعة تحت كنتي فكه كده وفرفوشة
وبتغني اسقيك غرام وتعالى نكون احبة فين
الكلام ده….”
توهجة وجنتيها بحرج شديد فقالت بدفاع…
“دي مجرد اغنية ودا تعبير مجازي اكيد مش
هسقيك غرام يعني…”
لوى شفتيه مستهزاء بملامح
قاتمة..
“امال هتسقيني إيه….مرار !!..”
فغرت شفتيها مع اتساع عيناها وقالت بعد
لحظة استيعاب…..
“اي سوء الظن ده…اكيد لا بس يعني انا لسه
مش واخده على الوضع الجديد….”
سالها بسأم…. “وهتاخدي عليه امتى…..”
قالت هازئة بمزاح ثقيل…..
“لما اغير الفستان……انا شايفه اني لو قلعت الفستان
هقلع برقع الحيا معاه…”
تجاوب معها بوقاحة معقبًا…
“مش لدرجة برقع الحيا….اقلعي الفستان وسيبي البرقع انا هقلعهولك بطرقتي….”
زفرت كيان بنفاذ صبر وهي تحتج…
“معنى كلامك انك…. عايز تعمل قلة ادب…..
ومعايا…..”
رفع حاجبه مندهشًا ثم لم يلبث الى وصفق
مرتين لها مجيبًا بسلاسة…..
“بسم الله ماشاء اي الدماغ والمفهومية دي…اكيد
ياعصفورة الجاي كله ملوش علاقة خالص بالادب…”
عضت على باطن شفتيها قائلة بتخوف…
“بس انا….انا مش مستعده…اي رأيك نصبر شوية
اهو نقرب من بعض اكتر….”
“عندك حق…. تعالي…..”سحبها فجأه من خصرها
الى احضانه…فقالت برهبة…
“بتعمل إيه ياسليم….”
رد بصوت مضطرم بالعواطف….
“بنقرب من بعض أكتر مش ده اللي انتي عيزاه…”
ازدردت ريقها بتردد…. “انا أقصد….”
قاطعها سليم بحزم وهو يحررها من بين يداه
برفق…
“غيري الفستان وخدي وقتك….بدل ما اغيره انا بطرقتي….”
قالت بتهدج….. “ليه العنف ياسليم…..”
اجابها بصوت حاني دون تبسم….
“فين العنف ياعصفورة….انتي اللي قلبك حجر وعايزة تبوظي اليلة بكلام فارغ…..”
…………………….
دلفت الى الحمام وبين يدها هاتفها وقميص نوم حريري قد وصتها داليدا ان ترتديه بعد ان ابتاعته
لها كـهدية عرسها…..
رفعت الهاتف على اذنها وهي تقف خلف باب الحمام بقلب متسارع الخفقات….
هتفت بهمسًا منخفض جدًا حتى لا يسمعها سليم
بالخارج….
“داليدا الحقيني….انا نسيت اللي انتي حفظتيهولي..”
قالت داليدا على الخط الاخر بصوتٍ مجهد..
(نسيتي ازاي يعني…دا انا عدت الكلام عليكي اكتر من مرة….)
قالت كيان بأنين متوسل….
“اهو اللي حصل بقا…قوليلي اعمل إيه…انا متوترة
انا خايفه منه…..انا حاسه انه هياكلني….”
ضحكت داليدا بقوة ضحكة مائعة رنانة ثم تأوهت
في الاخير وهي تضع يدها على بطنها بتلقائية..
(يخربيتك ياكيان….بطني وجعتني اكتر ماهي
وجعاني….هياكلك ازاي يعني…..مش للدرجادي
الموضوع سهل وبسيط…..محتاج شوية ليونه منك.)
زمت كيان شفتيها مستهجنة….
“ليونة اي بس هو انا راحه العب يوجا…بقولك ياداليدا حاسه انه هياكلني….نظراته غريبة..
غريبة أوي….مش مريح… ”
قالت داليدا باسلوب خبير…..
(ماهما نظراتهم بتبقا غريبة لما الموضوع يرتبط بالي
بالي بالك….والحنية بقا والصبر بيدلدقوا منهم…..
سبحان يعني من مغير الاحوال بيبقوا حالة تانيه..)
زفرت كيان بتوتر متحدثه بعدها بسرعة البرق…
“طب انا اعمل ايه ياداليدا اتصرف إزاي… اسأل شهد
هتقولي الحمدلله…تقريبًا متعرفش غيرها في الاسئلة
اللي زي دي…. طب اتصل بـقمر…. طب افرضي رنيت
في وقت غير مناسب وهما مثلا مع بعض… شكلي هيبقا إيه…. وممكن حمزة يقلق عليا فيروح متصل
بسليم وتبقا فضحية….”
انهت كيان الحديث بلطمه قوية على صدرها…
فزمجرت داليدا بقنوط….
(الله يخربيتك ياكيان وترتيني انا وابني…انتي بتكلميني منين بظبط… هو جوزك مش جمبك..)
قالت كيان بهمسًا….
“لا طبعًا….. انا بكلمك من الحمام….”
شهقة داليدا قائلة بتعجب….
(ماشاء الله في شبكة في الحمام دي بتقطع عندي
مسافة ما بدخل اوضة النوم…)
جفلة ملامح كيان لبرهة ثم جزت على اسنانها
قائلة بانفعال مكتوم….
“انتي بتقولي إيه… شبكة ايه وزفت ايه دلوقتي..
اعمل ايه ياداليدا انا خايفه…..”
قالت داليدا بجدية…..
(خديها قاعده من اختك داليدا اللي تخافي منه متلاقيش احسن منه….خدي دش بارد كده وفوقي
والبسي البيبي دول اللي انا اشترتهولك واخرجي بيه…)
رفعت كيان حاجباها معًا…. “بس كده…”
قالت داليدا بمناورة….
(أيوه بس كده… مهمتك انتهت لحد كده…)
ابتسمت كيان وهي تاخذ انفاسها بارتياح…
“والله طب ماهي سهلة وبسيطه اهي امال انا رعبة
نفسي ليه….”
قالت داليدا بمناكفة لذيذة….
(مش عارفه انتي منكدة على نفسك ليه صحيح خليكي فرفوشة كده… وبعدين انتي مش كنتي عماله
ترقصي قدامه في الفرح وتقوليله انا قلبي ناره ولعه
وفي اديك الدوا….ما تسبية يطفي نارك يابت…)
اطلقت داليدا بعدها ضحكة عالية رنانة الإيقاع
معها زمجرت كيان بوجهًا محمر غضبًا….
“ااه ياداليدا ياجزمه…. والله لو شوفتك هاكلك
بسناني…”
قالت داليدا باسلوب كياد…..
(ياختي اتنيلي دا انتي اللي هتتاكلي كمان شويه..
يابتاعت النار والولعه…فين قمر تشمت فيكي..)
هتفت كيان باهتياج…..
“ماشي ياداليدا انا اصلا بنادمه مهزءه اني اتصلت بيكي انتي عشان تنصحيني في ساعة زي دي
استاهل ضرب الجزمة….”
خففت داليدا من مزاحها قائلة بحنو….
(ماشي ياستي هعتبرها كلمة شكرًا بتاعتك.. ابقي
طمنيني الصبح ها…و زي ماتفقنا اعملي… سلام ياعروسة…..)
اغلقت كيان الهاتف وهي تنظر الى قميص النوم الحريري بين يداها للحظات مفكرة ثم زمت شفتيها معًا باستسلام وهي تفتح صنبور الماء وتبدأ بنزع ثوب الزفاف عنها…
تململ سليم وهو ممدد على الفراش بعد ان ارتدى
بنطال مريح تارك صدره العاري عرضة لهواء المكيف
ولعيناها….
فـفور خروجها من الحمام تسمرت مكانها تنظر اليه
هكذا….صدره العريض العضلي المتشرب قليلا من سمار أشعة الشمس وذراعيه القويتين الصلبتين…..
انه يمتلك وسامة مهلكة تجعلها الان تقف كالبلاهاء تنظر اليه…
شعر سليم انه عرضة للمراقبة فرفع عيناه على
باب الحمام ليجدها واقفه عنده تنظر اليه بشرود….
ازدرد ريقه وهو ينهض من مكانه واقفًا امامها عن
بعد خطوات وعيناه تسبح في تفاصيل جسدها
بعد ان ارتدت هذا الثوب القصير الذي لم يترك للمخيلة شيءٍ….
كان ثوب حريري قصير من اللون الوردي الشاحب
يلتف على جسدها الناعم يبرز مفاتنها وحسن قوامها يكشف عن بشرتها البيضاء وذراعيها وكتفها وساقيها المكتنزنان شديدتا البياض والمعان….شعرها البندقي مرتاح على كتفها وزينة وجهها مزالت تترك اثر عليها
وكانها تنتظر سيدها كي يفسدها لها باسنانه وشفتيه
تقدم منها بخطى هادئة وعيناه تلمع بالرغبة والاشتياق…..
فعلى تنفس كيان بشكلا ملحوظ وبدا يتحرك صدرها
بحركة بسيطة وهي تنظر اليه بتردد شاعرة بركبتها
تتخبط اسفلها بوجل…..
حتى وقف سليم أمامها وعيناه تلتهمها بنظرات جريئة متقدة تكاد تصهرها…..
وضع سليم يده على فكها ورفع وجهها اليه برفق حتى اصبحت عيناها في قبلة عيناه المنتظرة
بلهفة….
“اي الحلاوة دي عصفورتي… دا انتي مُزة….”
اتسعت عينا كيان بصدمة… ولم تتوقعها منه…
فمالى عليها قائلًا بهمسة حارة..
“يخربيت حلاوتك…..دا واضح ان هالة كانت بتدعيلي من قلبها….”
وقبل ان تترجم الجمل وتمعنها وجدت شفتيها تلتهم
بداخل فمه وسائل دافئ يلطخ من حولها…
زاداد اتساع عيناها بصدمة مشمئزة.. وقد تخشب جسدها كليًا بين يداه لوهلة غير مصدقة ان القبل التي كان يرتجف معها قلبها في بعض المسلسلات الكورية… بهذا القرف…
لماذا يستعمل لسانه في فمها….ما العبرة ؟!…ولماذا
يداه تزداد جرأة وكأنها ترسم جسدها ومنحنياته
البارزة……
لم يلمسها أحد هكذا ولم يقبلها احد هكذا…كل شيءٍ
جديد وغريب….
قلبها يرتجف بشدة بين اضلعها رجفة غريبة..رجفة محمومة متجاوبة معه…..بل انها بدأت تفتح فمها
اكثر مستقبلة قبلاته الناهمه بضعف وانين غريب يصدر من جوفها الظمأن للحب.. وقد بدا جفناها
في الارتخاء بنشوة….بل ان مفاصل جسدها كلها
ارتخت وذابت بين يداه….
لدرجة انها سقطت بضعف فالتقطها سليم قبل ان تسقط ارضًا ثم رفعها بين ذراعيه بخفة وكأنها
لا تزن شيء…..
ولم يفكر في التوقف عن تقيبلها بل كانت شفتيه
الشهوانية تلثم كل ما تقابله….شفتيها…. وجنتاها عيناها المغمضة… انفها….هبوطًا الى جيدها الذي يقضمه باسنانه بخفة تارك علامات ملكية عليه…..
وضعها على الفراش منضمًا لها ففتحت كيان عيناها
وهي تنظر اليه بوجهًا احمر خجول….
“سـلـيـم….”
داعب سليم انفها بحب هامسًا امام شفتيها المتورمة الحمراء اثار هجومة العاطفي….
“ياقلب سليم….. بحبك ياعصفورتي…..”
ابتسمت بوجهًا متوهج فاقترب من شفتيها مجددًا
يقتحمها بالقبل الحارة…..ويداه تعمل على نزع قميصها الحريري الذي أفقدهُ صوابه فور رؤيتها
به…..
جرفها معه الى غيمةٍ وردية دافئة استقرا عليها لساعات يمارسا الحب لأول مرة…..
………………………………………………………….
اغمضت عينيها وهي تنظم انفاسها المرتجفة مرتاحة
براسها على صدره ويده تداعب كتفها العاري بانفسًا
متحشرجة….
لم تتوقع ان يتفوق شوقها على حياؤها معه فتكن
بين يداه أمرأه كالبُرعم تتفتح مع حرارة أفعاله تزدهر مع كل قطرة حب يصبها عليها….
كان متلهف في قبلاته يغزو شفتيها باسنانه وشفتيه
يلتهمها بنهم…. يدلل جسدها بلمسات في مداعبة صريحة شديدة الجرأة تبث بها النشوة….يخدر حواسها بمفردات الحب بعضها شاعري… والاخر
وقح….
وقح عندما يتغزل في جسدها بكلمات تصهرها كليا
بين ذراعيه وصفٍ صريح فتاك…يجعلها تئن مع الحديث وكانها محمومه….
كيف لها ان تقاوم ولا تشتاق للطوفان العاطفي الذي يغرقها به كلما انغلق بابهما واختلى بها فمن مجرد نظرة الى عيناه المطالبة بها يسري دفئًا حميميًا بين جوانحها وتسلم له بنظرة خانعة للهوى و… وله !..
ابتسم عاصم وهو يلامس بشرة ذراعها الناعمة على
اصابعه شاردًا في ساعات القليلة التي قضاها معها
بعد وصولهما للبيت واغلاق غرفتهما عليهما…
لم يكن صبور وهو ينزع ثوبها الناعم عن جسدها
ويغوص بهذا النعيم الذي حُرم منه لأيام طويلة
عجاف….
دون سيدة الحُسن وجمالها… وجنتها.. ومع كل
مرة يكتشف انه ليس عاشقًا لها بل هو مدمنًا عليها
وهذا أصعب شعورٍ يصل اليه مع أمرأه…
لم تكن ككل النساء ومؤكد سيظل شعوره معها منفرد ومميز……فهو يعشقها بشدة…..وهي….
هي مسطور في عيونها الحب وقلبها يفيض به
وبين شفتيها يختبئ التعبير عنه….تمتنع عن
قولها وكأنها معها نهايتهما !…
رغم ان افعالها توضح انها تقع في غرامه يومًا بعد
يوم وكانها مسحورة بالهوى ؟!…..
لو كان بيده لطلب منها سماعها لكنه يمتنع بكبرياء فان طلبها على هذا النحو ولفظتها بعد الحاح ربما تضيع حلواه الذي ينتظرها كل يوم على أمل ان تنطق بها في اي لحظة وباي صورة..
ان فكر في هذا الامر بصوتٍ عالٍ ربما سخر من
نفسه.. احتقر الرغبة الملحة بداخله لسماع كلمة بسيطه بها من الاحساس حياة لانعاش قلبه الملتاع
في حبها….
يشعر انها ستنعش داخله جزءًا يحتاجها كي يفيق
من نوبة التصدع الذي يستشعرها معها..
هو مؤمن ان الأفعال خير دليل عن الحب لكن
الكلمات والتعبير ميثاق قوي بين الأحبة بها
نتطمئن ونتابع دون تصدع او تشكيك…..
ليته قادر على كسر كبرياؤه نحوها، مطالبها بالحب
وكما تاخذ منه تعطي دون بخلًا….
بخيلةٍ حبيبته وبخلها في الحب يصيبه بالجنون
فيكن الشرود والحيرة هوة يقع بها لساعات
وساعات دون ان تشعر به….
قالت شهد بعد لحظات من الصمت….
“دا اكيد حصل لمخه حاجة…إزاي اصلا يكلمك بطريقة دي…..”
قال عاصم بصوتٍ رخيم….
“يزن لسه صغير…ويمكن الخبر اللي سمعه هزه
شوية..وزعل عشانه امه….”
انهى حديثه وحل الصمت ومزال يداعب بشرتها وعيناه معلقه على سقف الغرفة التي تنير نسبيًا بمصباح خافت الانارة….
انعقد حاجبي شهد وهي ترتاح على صدره وقالت
بنبرة مثخنة….
“من كلامك واضح ان امه مش في دماغه اصلا هو
خايف على فلوس أبوه اللي ممكن يشاركه فيها
حد تاني…”
مط عاصم شفتيه متشدق بحزن كئيب…
“يمكن…..يزن اتغير وكل مرة بحس انه بيبعد اوي
عني..وكاني بقيت عدوه…نظرته حتى اتغيرت بقا
فيها كره….معقول يكون بيكرهني….”
تشنج جسد شهد تلقائيًا وعرقلت الكلمات غصة مسننة واقفه في منتصف حلقها مباشرة….
هل هي السبب هل شبيه امه هذا يكن لها مشاعر فعلا
ام انها تتوهم…ترفض التصديق حتى الان ترفضه
بشدة وكانه وباءا سينهي حياتها !!..
اغمضت عيناها بقوة فكلما فكرت في الامر تشعر بالغثيان…..وتألمها معدتها وكان طفلها ينفر من
مجرد تحليل الأمر…..
وضعت يدها على بطنها تتحسسها بضياع خائفة بشدة….
قالت شهد بعد لحظات تقتل الصمت الذي جمدهما
معًا….
“مش معقول بيكرهك…اكيد مش انت المقصود..
يمكن الخبر ضايقه زي ما قولت فطلع نرفزته عليك
غصب عنه يعني….”
ثم رفعت راسها اليه وسندت على صدره بذقنها
قائلة بدلال وهي تداعب لحيته السوداء المشذبة
باصابعها الناعمة….
“وبعدين مين دا اللي يعرفك ويكرهك…دا يبقا
غبي…..”
لمعة عينا عاصم ببهجة بسيطة ضائع في جمال عيناها تحت الاضاءه الخافته والتي اضحت بنورها كشهاب ساطع شديد التوهج…..سالها ويده تلمس خصلةٍ ناعمة متدلية بجانب فكها….
“يعني انتي اول ما شوفتيني حبتيني ؟!….”
قالت شهد بهمسًا كالخرير وعيناها تشعان شقاوة تزورها نادرًا…..
“لا بصراحه في الأول مكنتش مستلطفه وجودك
خصوصا معاد الساعة عشرة ده كان بيضايقني
اوي…بيفكرني بزيارات المفاجاة اللي كانوا بيعملوها
الوزارة زمان ايام الدراسة…”
ابتسم عاصم وضاقت عيناه
مستفسرًا….
“انا كنت صعب اوي كده….”
اكدت بمنتهى الصراحة المطلقة….
“جدا بذات وانت داخل عليا…هي دخله كلها هيبة
بس بتوتر….ببقا واقفه قدامك مش عارفه اعمل
إيه بتقعد تبص هنا وهنا….وكانك مدايني…”
فلتة ضحكة خشنة متذكر وقوفها امامه بمنتهى الملل والغضب….واحيانا كانت تقوم بطرده بأدب متحججه بالعمل…..
من يصدق ان المرأه التي استأجرت منه المطعم
بالاتفاق مع اخيها الذي مضى العقد بدلًا منها ستكون
زوجته يومًا ما ، والان تحديدًا هي بين احضانه عارية بعد ان ارتوى من رحيق انوثتها منتشيًا….
سالها عاصم بمشاكسة…
“طب وبعد كده…بقت زيارة الساعة عشرة إيه؟!…”
قالت شهد بعينين هائمتين معترفه بخجلا…
“بقت لطيفة…بقيت بستناها بتفضل عيني تتحرك
مع عقارب الساعة…ملهوفة على معاد الساعة عشرة
والصايغ اللي وجوده لسه بيوترني بس برضو بيطمني وبيفرحني أوي مسافة ما بشوفه….”
انعقد حاجبي عاصم وهو ينظر لعسليتاها البراقة
بعتاب…..
“وكل ده كنتي حاسه بيه من قبل حتى ما تقدملك..”
عضت شهد على باطن شفتيها قائلة بخفوت…..
“كنت حاسة.. بس كنت خايفه… كنت بحاول أهرب منك باي طريقه وباي شكل لكن انت مكنتش بتديني الفرصة لده… علقتني بيك يوم بعد يوم لقيت نفسي
مش قادره ارفض مشاعرك ولا قادرة امنع نفسي عنها…..”
سالها عاصم…”عارفه ده معناه إيه….”
حدقت به قليلا ثم قالت بحرج
بعد فترة…”اني طماعه….”
هز راسه بنفي ثم قرص وجنتها
بحنو…”انك مجنونه…”
ابعدت شهد يده قائلة بجدية…..
“متغيرش الموضوع.. خلينا نرجع لموضوعنا… انا
متوقعتش خالص انك تكون عارف بجوازة عمك
من چيهان دي…..”
رفع عاصم حاجبه جافلا وقد اظلمت
ملامحه فجأة….
“مين قالك انها اسمها چيهان… انا مقولتش إسمها
خالص وانا بحكيلك…..”
اهتزت حدقتا شهد فاخفضت عيناها
قائلة….. “لا قولت….”
اصر عاصم بثقة وعينيه ثاقبتين عليها….
“انا عارف انا قولت اي كويس… عرفتي اسمها
منين؟!….”
صمتت لثوان ثم قالت وهي تنظر الى عيناه
بثبات انفعالي…..
“من ماما نصرة ماهي حكت ليا عن اللي حصل الصبح بينكم واللي خلاها تتعب بسببه..”
زفرت داخليًا بارتياح ، فحمدًا لله ان الجدة سردت
لها بعض تفاصيل شجار الصباح وذكرت دون قصد
زواج مسعد من المدعوة جيهان…..
كيف تخطأ هكذا امام عاصم….غبية ياشـهـد…ان علم
انك من اشعلتي البيت بأخبار الهام بزواج لن يرحمك…
لكنها كانت تاخذ جزءًا من الثأر جزءًا بسيط عن
حلم ضاع وصديقه باعتها واشترت مكانها اموال غريمتها….
كلما فكرت في الانتقام تجد حبها لعاصم وحملها
منه قيد حديدي يقيدها فتقف مكانها مشلولة
تاركه نفسها للايام وخباياها…..
توقف سيل الأفكار داخلها مع حديث عاصم
الذي رد عليها بهدوء…..
“عادي يعني….عمي مش صغير هو ادرى بمصلحته
وطالما مش مرتاح مع مراته يبقا من حقه يتجوز
ويدور على راحته في حته تانيه… ”
اشتعل صدرها فجأه فلوت شفتيها
مستهجنة…
“واضح ان الموضوع عندكم عادي….”
رد عاصم بهدوء….
“الشرع بيقول كده محدش اخترع ده….”
قالت شهد بتجهم……
“واضح انكم متعرفوش في الدين غير الشرع
محلل اربعة…..”
نظر عاصم لها لوهلة ثم اردف بصوتٍ غليظ
متزن…..
“انا عارف ديني كويس وعارف الأسباب اللي تدي
للراجل الصلاحيات للزواج وعمي مخلفش الشرع
لانه عنده اسباب قوية تخليه يتجوز تاني….”
قالت شهد بوجوم….
“انا مش بتكلم في موضوع عمك انا بعمم… ليه
الراجل عمتا بيهرب من الست لست تانيه اي
الحكمة فده….”
رد عاصم بصبرٍ…..
“لانه مش مرتاح معاها فـبيدور على واحده تفهمه
وتريحه…..”
هزت شهد راسها موضحة وجهة نظرها بصوتٍ
رغم الهدوء حاد المعاني….
“انت مش فاهمني يعني احنا مثلا كستات لما بنجرب
حظنا مرة في الجواز عمتا ومش بنرتاح مع شريك حياتنا بنلجأ للطلاق وبعد كده بنرمي طوبة الجواز
نهائي ومش بنفكر فيه إلا لأسباب مادية او ضغط
الاهل والمجتمع علينا… بس لو الست اتسابت لهواها وكانت بتعيش وسط مجتمع متحضر فكريًا مش هتفكر تربط نفسها براجل تاني بعد تجربتها الأولى..”
لم يقاطعها عاصم بل ظل يستمع لها بتأني والهدوء
والتفهم يعلوا ملامحه المسترخية…فهو يعشق النقاش معها ويحب ان يسمع لها حتى وان كان الحديث ضد سجيته……
استرسلت شهد تهاجم بني آدم بتهكم….
“لكن انتم بتصلحوا حياتكم بجوازة تانية بنزوات
جديدة وهكذا… احيانا كمان تلاقي واحد بيحب واحده اوي لكن ميحصلش نصيب بينهم فـيروح ينساها بواحده تانيه ويستنزف مشاعرها وحبها..
اي المبدأ ده…مش فاهمه….”
رد عاصم بخشونة….
“مش كل الرجالة بتنسى حبها بالطريقة دي…”
سالته بحاجب مرفوع…. “امال بتنسى إزاي…..”
شرد قليلا بعيناه عند جمالها السحري بوجهها وعيناها تحت خط الاضاءة الخافته وهي ملتفه هكذا بالغطاء تناقشه بحدة وهي مسالمة بين ذراعيه عارية الجسد بعد ان مارسا الحب بمنتهى التفاني…
عادت شهد تساله مجددًا بفضول
وعيناها معلقه عليه…
“امال ازاي بينسوا حبهم ؟!…..”
سحب عاصم نفسًا أجش وهو يخبرها بجد….
“فيه اللي بينسى بواحده ست زي ما قولتي وفيه
اللي بيعيش على الذكريات دافن نفسه جواها وفي
اللي بيركز في شغله واهدافه في الحياة وبيلغي قلبه…. وحتى لو دخل في علاقة هيبقا مكمل
بيها بعقله… رغبة مش أكتر…”
سالته بتردد وعيناها تحكي الكثير….
“وانت بقا انهُ واحد فيهم… لو في يوم حبيت
تنساني…..”
عبس وجهه بعد رضا….. “اي الكلام ده….”
دفعها حسها الانثوي فقالت بالحاح….
“يعني افرض متهربش من السؤال…ازاي ممكن تنساني… ”
رد بعد لحظة صمت نطقت عيناه بهما الكثير مما جعلها تخجل من طرح السؤال…
“بالموت…..”
اختلج قلبها بالنبضات واهتزت حدقتاها بعدم
فهم…..فتابع عاصم وعيناه تنطقان بالكثير….
“نسيانك بموتي ياشـهـد….. ملهاش حل تاني…”
فغرت شفتيها بصدمة محدقة به…فهي لم تتوقع
الإجابة ولا وقوعها القوي على اذنيها….وقلبها..
أردف عاصم وهو يسبح بعيناه في بحرها الذهبي
المتوهج…..
“معتقدش اني هقدر في يوم انساكي او أبطل احبك
صعب ياست الحُسن….. صعب اوي….”
انسابت دموعها فجأه وقالت بارتجاف مفاجئًا
لها قبل ان يكون له…..
“بعد الشر عليك….ربنا يجعل يومي قبل يومـ…”
وضع عاصم يده على شفتيها قائلا بهمسًا
عذب…..
“هششش…. بلاش الكلام ده…. الموت مش شر.. الشر
هو اني ممكن انساكي بواحده تانيه….”
قالت بلوعة وعيناها تقدحان شرارة الغيرة…
“متقدرش تنساني بواحده تانيه مش عشان انت اللي رافض عشان انا ممكن ادبحك لو عملت كده…”
تعمقت الابتسامة على محياه حتى شملت وجهه
وهو يعقب بشقاوة…..
“شرسه اوي…… بتغيري ياست الحُسن ؟….”
قالت بوجوم….. “انت شايف إيه…..”
لم تزول الابتسامة وهو يسالها بصبر
حاني….”انتي قولي…..”
صمتا قليلا وانتظر هو اجابتها بعينين شغوفتين
فقالت بعد تنهيدة مضنية من الحب……
“بغير ياعاصم…. والله بغير أوي…..”
وجدت فمه يطبق على شفتيها ينهي الكلمات بقبلة حارة شغوفة……وقد ارتاح ظهرها على الفراش
وهو يعلوها بجسده الصلب الضخم…..وضعت كفها
على صدره العاري تتحسسه بلهفة منتشية من القبلات التي يغرقها بها….
اطلق سراح شفتيها بعد لحظات ساندًا راسه على
جبينها فقالت شهد بصوتٍ متهدج بالعواطف….
“بغير اوي ياحبيبي…..”
مسك كف يدها وطبع القبلات المتفرقة عليه مقبل اصابعها الخمسة بحرارة وكانه يلتهمها واحدا تلو الآخر….فابتسمت شهد مغمضة عينيها بينما قال
هو بهمسًا ثائر العواطف….
“انا كلي ليكي ياست الحُسن….. ملكك…..”
فتحت عيناها بتساؤل….. “وانا…..”
مالى عليها يطبع القبل على وجنتاها الحمراء هبوطًا الى عنقها هامسًا بنبرة شغوفة….
“انتي كمان ملكي… وكل حاجة حلوة ليا انتي حبيبتي ومراتي وام ابني…”
وضعت يدها على مؤخرة عنقه والاخرى على
ظهره بينما هو شفتاه تسبح على وجهها وعنقها
طابع القبلات الحارة عليهم…..
“بحبك ياشـهـد…..”
اغمضت عيناها بنشوة واعصابها تذوب بين يداه فقال عاصم بعتاب وهو يرفع عيناه إليها….
“إزاي طوعك قلبك تساليني سؤال زي ده….انساكي
إزاي ياشـهـد ولا ألف طريقة ولا مليون زار وحجاب
ينسوني حبك…..”
ابتسمت بحرج وهي تعض على جانب شفتها
السفلى فمالى عليها واخذها من بين اسنانها
بنهم يتذوق مذاق الشهد فيهما…هامسًا بعدها
بحميمية متقدة وهو يضمها الى احضانه
أكثر……
“اه من هواكي ياست الحُسن….لو تعرفي مش هتشكي لحظة في الحقيقة….”
انتهت الكلمات هنا وضاعت بين يداه ضياع مقبول تاركة نفسها للحب ومن تحب…..
……………………………………………………….
رفعت قدمها بجسد متشنج متخطية عتبة باب
الشقة الزوجية….
شقة الأحلام التي عاشت من خلالها حلمًا جميلا لامع
كالنجوم في سماها…. خمسة أشهر كاملة كانت تكرس
وقتها وجهدها لهذا المكان كي تجعله كما هو الان مملكة خاصة تليق بهما معًا….
تحركت عيناها الفارغة من الحياة في أنحاء الشقة
وهي تقف في منتصف الردهة بثوب الزفاف الضخم
الابيض الامع كضوء القمر كما وصفه حمزة عندما راها به والذي يقف الان خلفها بصمت منتظر بملامح جافية عاصفة غضبها التي حتمًا ستجذبه للقاع….
فهو تأخر كثيرًا…. وكل دقيقة اضاعها في الاعتراف
بكل شيءٍ سيدفع ثمنها غالٍ…
لفهما الصمت القاتم الكئيب ومزالت بُنيتاها تتأمل الزوايا بتأني وكانها تراها لأول مرة….. وكأنها لم
تتعب لأشهر في شراء كل جزءًا ولو بسيط بها..
وكانها لم تضع اهتمامها وحبها في كل ركن هنا
حتى يصبح كما هو عليه الان…..
انها تتمعن بها بوجع وهي تفك الشفرة الحقيقي
خلف اصراره في ان تكون الشقة عبارة عن شقتين متصلين لكسب مساحة أكبر….وعدد غرف
أكثر….
انه حقق الاماني المستحيلة عن طريق الاحتيال عليها بالحيل والاكاذيب والكلمات المعسولة….
تنهدت وهي تشعر بالثقل يشتد قتامة في صدرها
ولسعة من نارًا تصب في عيناها فتحرقها راغبة
في البكاء بشدة… بصراخ بقوة…. بلعن والسب
والضرب و…… والموت…..
انها تفضل ان تموت الان بدلا من تلك المواجهة القاتلة لروحها… كيف ستقدر على النظر الى عينا
من رسم الحب عليها لأشهر وهو ليس أهلا له….
من استوطن قلبها اكثر من اللازم بقرب مخادع
بدافع المصلحة ونيل مراده عن طريقها بطرق غير
شريفة كـنصب عليها وسرقة ميراث والدتها….
مع من ستواجه حمزة الذي احبته ام ابن عثمان
الدسوقي الذي اتضح الان انه ليس هناك فرق
كبير بينهم نفس العينة…..
تنحنح حمزة بخشونة من خلفها فقد تعبت اعصابة
المشدودة من كثرة الانتظار والصمت المريب…
ظن ان زمن الخوف ولى ولم يقدر أحد على ارهابه
مهما حدث لكن اليوم يكتشف ان زمن الخوف عاد
بقوة متشبع من قلبه المضطرب بعنف بين اضلعه
منتظر على صفيح ساخن…عواصف غضبها….
استدارت له قمر استدارة هادئة….هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة….تطلع اليها حمزة اثناء تلك العبة الصامتة فـكم هي خلابة بهيئة العروس جميلة بثوب الأبيض البراق تشبه القمر في ضي اكتماله لو تعلم انها الان تشهر الأسلحة الفتاكة في وجهه دون ان تدرك…
ما كانت ظلمته بنظراتها النارية التي تلقي اتهام صريح في قلبه اشبة بقذيفة نارية تنفجر
بداخله الان على حين غرة…..
لوت قمر شفتيها وبملامح قاسية بدأت مقدمة
مزدرية…..
“مكنتش اعرف انك لما خدت شقتين من ابوك تفتحهم على بعض وتجوز فيهم انك بتنفذ طلبها
القديم اللي سابتك عشانه ومش بس كده دا عشان تثبت لنفسك كمان انك مش عاجز انك تحقق ده..
مع اي واحده غيرها….وتندمها على اليوم اللي
فكرت تتخلى عنك فيه…. ”
اشاح حمزة بوجهه وهو يشعر بالاختناق كطفلًا أذنب
في حق والدته ويود الإعتذار لكنه يكابر بعناد…
هي محقة في البداية اختار شقتين معًا كي يملئ النقص الذي يشعر به ويداوي ندبة عميقة سببتها
له يومًا أقرب مخلوقة لقلبه….
لكن ليس لان تندم نجلاء فندمها من عدمه أصبح
فراغ بنسبة له….وان عضت اصابع الندم وركعت
اسفل قدميه لن يغفر لها ولن يعود حبها لعهده…
فما بق منها إلا القليل من الندوب الجافة وبعض
الرماد القاتم جانبًا ، كلها أشياء ستزول مع الوقت
كما زال حبها يومًا ؟!…
وبعد صمته المؤكد هدرت قمر بعنف..
“عملت فيا كدا ليه….انا اذيتك في إيه….بتخدعني
دخلت عليا بالنظرة والكلمة الحلوة عشان تنصب
عليا…. تسرقني….”
بلع حمزة غصة مسننة وهو يقول بصوتٍ
مختنق…
“انا لا سرقت ولا نصبت عليكي…انتي فاهمة غلط
ياقمر…..اسمعيني….”
اقترب منها عدة خطوات اثناءهما رفضت
بغضب قائلة باحتقار…..
“اسمع إيه….حفظت كلمتين جداد من ابوك فجاي تقولهم ليا…..”
توقف حمزة مكانه فجأه وهو ينظر لعيناها بغضب…فتابعت قمر والدموع تتجمع في
مقلتاها بحرقة…
“بتقول انك لا سرقتني ولا نصبت عليا…..لما ترسم
عليا الحب والجواز….ويكون هدفك من الاول تنازل
مني عن ورث امي…..باتفاق مع ابوك والمحامي بتاعه يبقا ده اسمه إيه ؟!….”
ثم إضافت بصوتٍ غلبه الضياع وهي ترمقه بعينين مجروحتين….مقهورتين…
“انا مش قادرة استوعب لحد دلوقتي…ان انت اللي
تعمل كده فيا…..دا انت بلسانك قولتلي اني لو هكسب ابويا بنصب عليكي مش عايز المكسب
ده….فين كلامك ليا…دا انت كنت خايف عليا
وقتها اكتر من نفسي…..”
ضم حمزة قبضتاه جواره بقوة محاول السيطرة
على غضبه امام كل هذا الظلم والاتهام الباطل…
مسحت عيناها بظهر يدها وهي تبتسم بعصبية
ملوحة بيدها باهانة….
“بس صحيح…..انا مستغربة ليه اوي كده…ما كل
واحد وليه سعر…وهما اكيد عرفه سعرك واشتروك..”
صرخ حمزة بصوتٍ جهوري امام وجهها وهو يرفع كفه في الهواء بغضب هائل…. “قـمــر….”
نظرت لكفه المرفوع مباشرة اعلى صدغها ثم
لعيناه الغاضبتين المشتعلتين كالجمر…..فصاحت
في وجهه بجسارة دون ان تهابه….
“هتضربني…..اضربني…انا واقفه قدامك اهوه اعمل
اللي انت عايزة……”
سحب حمزة نفسًا خشن حاد وحرب النظرات بينهما
قائمة في حربًا شعواء يده مرفوعة للأعلى بينما
نظراتها المجروحة معلقة عليه بقوة جبارة
متحدية إياه بلطمها….
انزل حمزة يده بعد لحظتين من الصمت منسحب عن الدائرة القاتمة التي تحاول بغباء إقحامه بها بغير رؤية واضحة… قال بخشونة بعد صمت طويل……
“انتي مش عايزة تسمعي غير نفسك…اديني فرصة
اتكلم….”
اومات قمر برأسها بسخرية لاذعة….
“اتكلم……انا سمعاك…من حقك تدافع عن نفسك…”
نزع السترة والقاها ارضا تليها رابطة العنق ثم حل أول ازرار قميصة الأبيض ومن بعدها جلس على اقرب مقعد مخرج علبة سجائرة ثم اشعل واحدة ووضعها في فمه ينفث بها وهو يقول بملامح
جافية……
“انا اتفقت معاهم فعلا….بس عشان احافظ على
حقك منهم…..اكيد انا مكنتش هاخد تنازل منك
دي كانت لعبة على عثمان عشان اعرف اخد ورثي
انا واخواتي البنات منه…..انا محدش اشتراني انا خدت حقي…ودا حقنا ياقمر وانتي عارفه كده كويس…”
عقبت قمر بخزي….
“على كده اخواتك البنات عارفين ؟!…”
زفر دخانا رمادي وهو يجيب بهدوء…
“شهد عارفه من قريب….وقالتلي اني لازم احكيلك
على كل حاجة قبل ما اكتب عليكي….واديكي حرية
الاختيار…..”
هزت راسها بعصبية مبتسمة وكل عصب
في جسدها ينفر بغضب….
“طب والله كويس ومسمعتش كلامها ليه بقا….”
اخبرها بصوتٍ أجوف غريب… “خوفت تسبيني…..”
صححت بصوتٍ قاسٍ مزدري وعينين
ميته حد الألم…
“قصدك خوفت متخدش بقيت حسابك منه….”
جز حمزة على اسنانه بقوة وهو ينهض فجأة
بهجوم هادرًا في وجهها بضراوة….
“عايزة تسمعي الحقيقة عايزه تسمعي اللي يوجعك..
انا ندل ياقمر….كداب ونصاب…..واستغليتك عشان
اخد حقي منه…..واستغليت حبك عشان اقربلك
واتجوزك….واخد التنازل منك….ارتاحتي….”
نزلت دموعها امام وجهه الغاضب ونظراته القاتمة
بالقسوة…..فقالت له بوهن وقلبها ينزف وجعًا…
“يعني كل كلمة قالتهالي كانت كدب….كل حاجة
حصلت بينا كنت متفق عليها معاهم….”
ضرب حمزة على اقرب حائط قابل يده وهو
يزأر كالاسد المجروح…..
“ازاي بتفكري كده…بالله عليكي ازاي شيفاني كده..”
ارتجف جسدها وهي تنتحب في وقفتها
بقوة..فاقترب حمزة منها بانفاسًا متسارعة
وصدر يتألم ينهت…
ثم رفع وجهها الى مجال عيناه قائلا بعذاب….
“بصي في عيني….ليه مش عايزة تصدقي…ليه
قلباها دراما….”
هزت راسها بوجع والدموع تجري على وجنتاها…
قائلة وهي تتجرع المًا….
“دي مش دراما يابن خالي…..دا وجعي….انت
كسرت قلبي وكسرت ثقتي فيك…..انت خليت اسعد يوم في حياتي هو أبشع يوم في عمري….ربنا ما يسامحك على اللي عملته فيا….. ”
نزع حمزة يده عنها فجاة وكأنها تلقى لدغة سامة
بعد هذه الدعوة
والتي معها علم ان نيل رضاها أصعب مما توقع ولن ينتهي بالاعتراف بالحقيقة فحتى الحقيقة تراها
كذبة جديدة ؟!……
قالت قمر بعينين حمراوين كالدماء…
“انا مستعدة اكتبلك التنازل حقي في العمارتين
لابوك او ليك زي ما تحب اتصرف…بس بشرط واحد..”
انتظرت رده كي تضع الشرط لكنه لم يفعل
بل ظل متسمر مكانه بملامح قاتمة وعينين
مظلمتين……فبللت شفتيها وهي تقول
باختناق…..
“ترمي عليا يمين الطلاق…وحصل خير…..”
رفع حاجب الخطر مرددًا……
“حصل خير ؟!! …يعني إيه ارمي عليكي
يمين الطلاق ؟!!!..”
قالت بنفاذ صبر….
“يعني تطلقني مقابل امضتي على التنازل….”
صاح في وجهها على نحوٍ مفاجئ جعلها تتراجع
حينها خطوتين للخلف بتخوف….
“يولع التنازل وتتحرق امضتك….طلاق إيه انا مش بتاع طلاق….وبعدين احنا اتجوزنا اصلا ياهانم عشان
نلحق نطلق…انتي جرا لمخك حاجة….”
رفعت اصبع التحذير وهي تقول بنبرة
مرتجفة…..
“اسمع انا لحد دلوقتي بتكلم معاك بذوق وبالادب
ارمي يمين الطلاق وقبلها هكون مضيه على التنازل
ويا دار ما دخلك شر…..”
ابعد اصبعها عن وجهه وهو يزمجر بعنف…
“نزلي صباعك اللي هيخرم عين امي ده…وبعدين الشر ياهانم هو اللي انتي بتطلبيه…..انا مش بتاع طلاق سامعه….”
وضعت يدها في خصرها وهي تقول بتحدٍ
سافر…..
“لا مش سامعة وطالما مش هطلق بالذوق يبقا خلاص هرفع عليك قضية خلع….وهكسبها…”
خطى خطوةٍ مهيبة للامام وهو يسالها بملامح
تنذر بالشر… “والله قضية خلع ؟!!!….”
رفعت قمر تنورة الثوب للاعلى بكلتا يداها كي
تتمكن من التراجع للخلف وهي تقول….
“خليك متحضر ياحمزة….ونفذ الشرط….”
رد حمزة بصوتٍ اجوف بارد وهو يتقدم منها
بخطى ثابته بينما هي تتراجع بهلع للخلف بملامح
غاضبة وعينين حزينتين نافرتين…..
“من امتى وانا متحضر….لا وبنفذ الشروط كمان؟!!
انتي أول مرة تعرفيني ولا إيه… انا مش بمشي
بدماغ حد وطلاق مش مطلق….. ”
هدرت قمر بغضب سائد…..
“هطلقني…هطلقني وغصب عنك كمان..افهم يابنادم انا مش قادرة ابص في وشك…إزاي هستحمل اعيش معاك في بيت واحد…..بعد اللي عرفته….”
توقف حمزة مبهوتًا وكانها صفعته على حين
غرة….فسالها بصدمة عنيفة… “لدرجادي؟!!…..”
لم تأكد بل اشاحت بوجهها عنه قائلة بصوتٍ
متحشرج…..
“الغريبة انك مستهون باللي عملته فيا وكانه
عادي…..”
رد بصوتٍ ميت وعيناه معلقه عليها…..
“مانا قولتلك على اللي فيها…انتي اللي مش عايزة
تسمعي غير نفسك….”
عادت اليه بعينين تنزفان المًا صارخة…
“انت اللي مش قادر تفهم انك ضحكت عليا وخلتني
شبه العروسة الماريونيت بتتحرك بمزاجك
انت وابوك…..مش انتوا عملتوا كل ده عشان امضتي على التنازل انا موافقة بشرط انك تطلقني….”
صرخ برفض….
“مش هيحصل على جثتي….”
انحنت قمر تجلب حقيبتها واخرجت الهاتف
منها سريعًا قائلة بتشنج…..
“يبقا هتصل بابوك صاحب الخطة العظيمة..وهحاول
اعمل معاه ديل جديد..طلاقي منك قصاد امضتي..
اي رأيك…. ”
هجم حمزة عليها وجذب الهاتف بعنف قبل
حتى ان تنير شاشته…. حاولت اخذه وهي
تقول بجنون…..
“تلفوني هات تلفوني بقولك هات…..”
ابعدها عنه بدفعة قوية اوقعتها على الاريكة
خلفها…..
“مفيش تلفونات….تصبحي على خير…”
وامام عيناها الجاحظة دلف الى أحد الغرف تاركها
وحدها جالسة على الاريكة مصعوقة الملامح والنظرات…….
على تنفسها بسرعة مؤلمة وهي تنظر الى باب شقة الخروج بجنون فاتى صوته البارد من خلف الباب قائلا….
“متحوليش تهربي لاني قفلت الباب بالمفتاح…”
نهضت من مكانها باهتياج وهي تبحث عن النوافذ
بعقلا مشتت فقصف صوته مجددًا كاللعنة….
“كمان احنا في الدور الحداشر ولو حاولتي تنطي
من الشبابيك او البلكونة…هتنزلي على جدور رقبتك وساعتها بدل ما تاخدي لقب مطلقه هتاخدي لقب المرحومة….وهنترحم عليكي كلنا في القرافه…”
اندفع الغضب داخلها دفعة واحده وهي تقترب من
الباب ضاربة عليه بكل قوتها وهي تصيح بجنون..
“بكرهاااك بكرهااااك…..طلقني بقولك….افتح الباب
ده وطلقني……طلقني يانصاب ياحرامي ياكداب..
طلقني لحسان اصوت ولم عليك الناس….”
اعتصر حمزة عيناه خلف الباب بتعب وهو يحك
في راسه بارهاق مضني…..فمزالت كلماتها الجارحة
تجلد قلبه بسياط……ونظرات الاتهام الشائبة
بالاحتقار تصب على صدره كحمم بركانيّة
حارقة….
ضربت على الباب مجددًا باستماته
صارخة….
“افتح ياحمزة….أفتح بقولك…”
تملك اعصابة مسيطرًا على نفسه فان تركها
لهواها سيجذبها الان لهذا الفراش الخاوٍ ويترك
عليها وحوشٍ ثائرة بالرغبات…
قال حمزة محذرًا بصوت متحشرج…..
“لو فتحت دلوقتي… يمكن بعدين تندمي وانا مش عايز اخدك غصب…..”
على الجانب الاخر خفق قلبها بتأثر وضعف
واهتزت مفاصل ساقيها الا انها لم تردع لهذا
الشعور المرفوض داخلها وقالت بتجهم….
“اه انت مفكر اني هسيبك تلمسني… دا بعدك…
انا هطلع من الجوازه دي زي مادخلتها…ولو بس فكرت انا……”
انفجر حمزة من الغضب كالبركان هاتفًا من
خلف الباب…..
“كفاية استفزاز…..روحي نامي….تصبحي على خير. ”
لوت شفتيها بتهكم معقبة بكرهٍ….
“هيجي الخير منين بعد ما بقيت مراتك… هيجي منين…..بكرهااك…. ”
ثم ابتعدت عن باب الغرفة ودخلت الى غرفة النوم
الخاصة بهما….دارت حدقتاها في الغرفة المرتبة
النظيف والعطر الطيب الذي داهم انفها فور
دخولها…
التوت شفتيها بسخرية مريرة بينما عينيها الحزينة
تعلقت بقميص نومها الأبيض المرتاح على حافة الفراش بانتظارها معه قارورة عطرٍ وردية اختارتها خصيصًا بعبق ناعم مثير لتضع منها في هذه
الليلة الخاصة….
حتى قميص النوم كان شديد الاغراء والجمال عليها عندما ارتدته لأول مرة قررت حينها ان يكون أول شيءٍ يراها به بعد ثوب الزفاف…..
كانت تحيا حلمًا جميلا من خلاله هو وعندما قاربت
لمسه على أرض الواقع تبخر وكانه لم يكن !!…
انحنت بانهزام لتقع بقرب حافة الفراش ومعها انتشرت تنورة ثوبها من حولها في كومة بيضاء
تضوي بجمالا كـقمر منير لكنه حزين…..
وضعت مرفقيها على حافة الفراش فوق القميص الابيض ثم دفنت وجهها بينهما وهي تنتحب بقهر دون صوت حتى غفت بعد ساعات طويلة من البكاء والندم…..
…………….
شعرت بوجع شديد في يدها المخدرة اسفل صدغها
الثقيل ونقر مزعج فوق اذنيها…. تململت بتعب وهي تتأوه رافعه وجهها عن مرفقها الذي نمل بشدة اثار
نومها عليها وعدم تحركها لساعات….
فتحت عيناها الناعسة المتورمة بصعوبة وهي تدعك
بهم بارق محاولة تذكر اين هي…
غرفة شاسعة انيقة ومرتبة بعناية وكل ركن بها من فرش لديكور فخم وجديد…..
بلعت ريقها بوجع وكأنها تبتلع شفرات مسننة ومزال
صدرها يحترق دون هوادة……
كيف غفت بعد كل ماحدث ليلا…..كيف….
مزال النقر مستمر بازعاج جعلها تزمجر بجنون وهي
تنظر الى الباب المغلق التي أوصدته خلفها جيدًا قبل
ان تغرق في كومة احزانها التي اعتنقتها طويلًا حتى غفت مستسلمة للالم المبرح……
“ايوا….أيوا….عاااااايز ااااايه مني…..سبني في
حااالي بقااا……”
نهضت بجنون وهي تلفظ تلك الكلمات بعصبية فاتحه الباب على مصراعيه فجاة تواجهه بتلك
الحالة المزرية……
رفع حمزة حاجبه لها وهو يتأملها بصمت من أول شعرها المشعث لعيناها المتورمة الحمراء والكحل السائل على وجهها الباهت بدموع جافة الى ثوبها
البراق الذي لم يفقد رونق حسنه عليها….
حتى هي لم تفقد جمالها رغم كل هذه الفوضى
المحاط بها مزالت قمر….فإن القمر في أشجنة
الليلُ القاتم يظل قمرٍ مضيئًا !…
عض حمزة على شفتيه السفلى بحنق شديد…
“انتي بتزعقي كدا ليه….هو انا ساكن في الشارع
اللي ورا….متعرفيش تردي براحة…ولا قلقنا نوم
الهانم….”
صاحت بوجهًا مكفهر….
“انت عايز إيه……بتخبط عليا ليه اصلا…..”
رد حمزة بملامح يعلوها الاستخفاف…
“معلش اصلي باخد الغسيل فومين فقولت اخبط
عليكي اشوفك عندك حاجة عايزة تتغسل ولا لا…”
جزت على أسنانها بنفاذ صبر….
“انت مصحيني من النوم عشان تهزر معايا…”
صحح بجفاء….
“لا مصحيكي من النوم عشان تاكليني….”
ارتفع حاجباها معًا بغضب….
“نعم….عايز تاكل…وجيلك نفس كمان….”
استخفّ حمزة بالجملة قائلا بقنوط….
“سبحان الله مانتي جالك نفس تنامي وانا مرزوع
في الاوضة من بليل مش عارف اغمض عيني دقيقة
واحده حتى…..ولا هي حاجات وحاجات… ”
سحبت قمر نفسًا هادرًا…..
“انا مالي بيك يا بنادم تاكل ولا تشرب ولا حتى
تنام…. انا مالي سبني في حالي….”
ربت على كتفها وهو يقول بمهاودة….
“ازاي اسيبك في حالك… ماهو حالك هو حالي
استهدي بالله وغيري الفستان ده وتعالي نتعشى..”
رمقته بملامح مستهجنة…فتابع حمزة وهو يرى
في صمتها بصيص أمل….
“العشا بتاعنا في التلاجة من إمبارح…. تعالي انا وانتي نسخنة وناكل سوا…. وبعدها تعمليلي قهوة
من ايديكي الحلوين دول لحسان انا مصدع اوي
وتعبان……”
عيل صبرها فقالت بهجوم…
“الف سلامه… روح سخن وكل مع نفسك واشرب
قهوتك بعيد عني….وسبني في حالي… ”
زمجر حمزة مستنكرًا…..
“هو إيه اللي سبني في حالي… انتي هتفضلي قفلة
الاوضة عليكي كده…”
اكدت بنظرة سافرة…
“اه هفضل كده اذا كان عاجبك….”
صاح بحدة… “مش عاجبني….”
قالت بنبرة ظافرة….
“خلاص طلقني… وريح نفسك من وجع القلب ده..”
جاشت مراجله وهو يحذرها بنزق….
“اعقلي ياقمر وبطلي دلع….انا خلقي في مناخيري”
قالت بتمرد سافر…
“على نفسك ياحبيبي… مش عليا….”
قبض حمزة على ذراعها وهو يكاد يفقد اخر
ذرة تحضر بداخله….صارخًا باسمها بصوتٍ
جهوري….. “قـمـر…..”
تبادلا معًا النظر بقوة وكم كانت عنيدة امام غضبة
بل وتنتظر فقدان صبره عليها ببسالة….
من يومها قادرة على فقدانه صبره واثارة غضبه
بعدة كلمات بسيطة وها هي تنجح كلما حاول
التقرب منها والاعتذار تفسد الأمر بعنادها السخيف…..
نزع يده عنها وهو ياخذ انفاسه بغليان…
قائلا….
“انا هسيبك شوية هنزل قعد على القهوة…. تكوني
هديتي كده وغيرتي الفستان ده…. وبعدها نتكلم..”
عقبت قمر ببرود…..
“كل الكلام قولناه إمبارح…وانت قولت اللي عندك
وانا كمان….. خلصنا…..”
قال حمزة بصبر…
“نتكلم تاني اكيد هنوصل لحل….”
زمت شفتيها رافضة بتزمت….
“الحل انك تطلقني…..وانا هتنازل عن كل حاجه
وطلعني من حياتك بقا….”
نظر لها بصمت لبرهة ثم هز راسه قائلا
بنبرة عميقة لمست قلبها….
“مقدرش….مقدرش اطلعك من حياتي….انتي ليه
مش قادرة تفهمي…”
ورغم خفقان قلبها ردت بجفاء…
“متقدرش ليه مانا همضي على التنازل…..”
صاح بهمجية وهو يدفع ظهرها على الباب
المفتوح بعنف….
“يلعن ابو التنازل اللي قرفاني بيه… مش عايز
حاجة انا عايزك انتي….”
مطت شفتيها هازئة…. “دي كدبة جديدة…..”
أوغر صدره بالغيظ فابتعد عنها يوليها ظهره
متافف بتعب…..
“مفيش فايدة فيكي……غبية.. ”
قالت بصوتٍ محتد…..
“انا فعلا غبية اني ربط نفسي بواحد فاشل زيك..”
استدار اليها حمزة بصدمة…
“فاشل؟!….”
اومات براسها وهي تشفي غليل قلبها متابعة
باهانه……
“فاشل وكداب ونصاب وحرامي…ومتفرقش حاجة
عن عثمان الدسوقي نفس العينة….”
حديثها المهين لم يكن بمثابة صفعة واحده بل عدة صفعات قوية تلقاها منها على حين غرة…..
فاشار على نفسه بملامح شاحبة وعينين رغم
الجمود تشع المًا……
“انتي شايفني كده بجد…..انا صغرت اوي كده في نظرك ؟…”
قالت بجمود…”فوق ما تتخيل….”
سالها بخفوت.. “بقيتي بتكرهيني ياقمر؟!…”
انحنت عيناها ارضًا ولم تقدر على الرد..فلو يعلم
ان كل شيءٍ تفعله ماهو إلا قناع من الجمود تستر
ضعفها وحبها خلفه….وان كل كلمة تقصد بها الامه
تجد صداها في قلبها أضعاف مضاعفة….
ابتعد حمزة عنها خارج من الغرفة ومزالت هي مكانها
واقفه عند الباب المفتوح…..
“انا هنزل وهسيبك لوحدك شوية… يمكن لما ارجع
نعرف نتكلم احسن من كده….”
خطى خطوتين للأمام ثم توقف فجأة في مكانه
ودون الالتفات قال بصوتٍ ميت…..
“على فكرة انا مش فاشل… انا بس الدنيا عندتني ومخدتش اللي انا عايزة منها فلما جت الفرصة
مقدرتش اسيبها تضيع من بين ايدي خصوصًا انه
حقي وحق اخواتي البنات ….”
خرج حينها من الشقة بأكملها ناسيًا إغلاق الباب
خلفه بالمفتاح بل نسى كل شيءٍ هاربًا مع
اوجاعه……
تركت قمر جسدها يهوى ارضًا بتعب وهي تنفجر
في البكاء هامسة داخلها بعذاب وكأنها تحدثه…
“عشان توصل للي انت عايزة دست على قلبي
وكسرت كل حاجة حلوة جوايا…عايزني ازاي اسامحك…”
بعد اكثر من خمس ساعات عاد للبيت بجسد مجهد
متعب من كثرة الهموم والتفكير وعدم النوم حتى
الان ومنذ ليلة الحنة وهو لم ينم ساعة واحده كاملة
يعيش في دوامة قاتمة تجرفه بقوة للهاوية….
والتفكير المزمن القاتل يفتك برأسه….
القى سلسلة المفاتيح على الطاولة باهمال وهو ينظر
الى غرفة نومها المفتوحة تنحنح بخشونة وهو يقترب منها مناديًا….
“قـمـر……”
تطلع في الغرفة الفارغة منها عدا ثوب زفافها التي وضعته باهمال على الفراش وفوقه ورقة مطوية..
خفق قلبه بخوف وهو يسحب الورقة ويفتحها
ليقرأ رسالة مختصرة باردة المعاني والمشاعر….
(اللي بينا انتهى يابن الناس….وانا مش عايزة حاجة
منك غير ورقة طلاقي…..)
اظلمت عينا حمزة فأطبق على الورقة بين قبضة يده الفولاذية بحث عن هاتفها في الغرفة الأخرى فلم يجده اخذته كما اخذت اغراضها….
أخرج هاتفه من جيب بنطالة مجري اتصال بها وكما توقع وجد الهاتف مغلق فصرخ فجأة بوحشية مرعبة وهو يطلق السباب بكلمات نابيةٍ…

يتبع…

google-playkhamsatmostaqltradent