رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع و الخمسون 54 - بقلم سارة علي

الصفحة الرئيسية

 رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع و الخمسون 54

 
تم الزواج بسرعة فاقت استيعابها ..
باتت زوجة عمار الخولي … تزوجته دون تردد ….
لم تأخذ فرصتها للتفكير حتى …
كانت تريد ان تثبت له شيئا بل لنفسها ايضا …
مسكت عقد الزواج بيديها تنظر الى اسمه الذي يجاور اسمها ..
ورغما عنها تذكرت آخر كان من المفترض ان يكون مكانه …
آخر تركها دون ان يمنحها فرصة للتبرير بل دون أن يخبرها حتى عن سبب تركه ….
آخر لفظها من حياته في غمضة عين …
هي تنتقم منه هو الآخر …
تنتقم منه بعدما رأت القهر في عينيه …
قهر عاشق خذلته هي دون أن تعلم واليوم خذلته مجددا وهي تعلم بل هي من سعت لذلك …
شعرت به خلفها … أنفاسه تجتاح رقبتها …
توترت قليلا لكنها أخفت ذلك بمهارة وهي تستدير بشجاعة نحوه …
شجاعة تحتاجها مع رجل مثله …
قبض على خصرها وهو يميل بوجهه نحوها …
يلثم خدها بقبلة دافئة ثم شفتيها …
قبلة تجاوبت هي معها مجبرة تمنحه استجابة مقصودة …
ابتعد عنها وهو يلتقط انفاسه بصعوبة بعدما غرق في قبلته معها …
ركن جبينه فوق جبينها يخبرها بتمهل :-
” أعلم إنك تخططين لشيء ما ولكن لا يهمني … ما يهمني إنك أصبحت ملكي بعد سنوات من الانتظار ..”
سألته وهما ما زالا بنفس الوضعية :-
” كيف تفكر أنت ..؟! أنت تشك بنواياي اتجاهك ومع هذا لا تهتم …”
ابتعد عنها ينظر الى ملامح وجهها التي يعشقها بشوق جارف تمكن منه …
شوق نحاه جانبا وهو يخبرها مجددا :-
” لإنني أحبك … ولانني لا أهتم بما ينتظرني …”
سألته بقوة :-
” مالذي لا يهمك …؟! هزيمتك مثلا …”
ابتسم بطريقة غريبة …
طريقة أرهبتها رغما عنها …
ابتسامة تبعها يردد بصوت ثابت لا جدال فيه :-
” عليك أن تعلمي إن الهزيمة كثيرا ما تحمل خلفها انتصارا غير مسبقا … هزيمتي حتى لو حدثت .. ستكون هزيمة مؤقتة … وما يليها هو الانتصار الاعظم …”
كلماته كانت تحمل شيئا جادا مخيفا …
كيف يفكر هذا الرجل ومالذي ينويه …؟!
تمتمت تسأل عن قصد :-
” وماذا عن شيرين …؟!”
منحها تنهيدة طويلة وهو يهتف :-
” شيرين .. آه يا شيرين …”
سألته ببرود :-
” هل تحبها ..؟!”
تأملها مليا يفتش عن اي لمحة للغيرة في عينيها لكنه لم يحصل على شيء …
أجاب بصدق غلف ملامحه :-
” شيرين أنقى بكثير من أن يحبها شيطان مثلي …”
تجهمت ملامحها وهي تهتف :-
” هذا يعني إنني …”
جذبها نحوه بسرعة يخبرها وعيناه تلتهمان تفاصيل وجهها من جديد :-
” أنت شيطانة صغيرة أسرت قلبي كله دون أن تمنحني أي فرصة للهرب من قيد عشقها الأبدي …”
(صورة)
كانت تجلس على طاولة الطعام بشرود قطعته والدتها وهي تنادي عليها فنظرت لها ليلى تتسائل عما كانت تقوله ..
وضعت فاتن كفها فوق كف ابنتها تخبرها بجدية :-
” حبيبتي .. انت منذ يومين على هذه الحالة …”
سحبت كفها لتجذب قدح عصيرها ترتشف منه القليل عندما أضافت فاتن بتردد :-
” انا قلقة عليك يا ليلى …”
قاطعتها ليلى بجمود :-
” لا تقلقي … انا بخير …”
اضافت وهي تنظر الى عيني والدتها القلقتين بوضوح :-
” ليست المرة الاولى وعلى ما يبدو لن تكون الاخيرة …”
اضافت وهي تضع كفها فوق كف والدتها :-
” لكن كما اخبرتك لا تقلقي …. لقد اعتدت على هذا واصبحت اجيد تقبله بسهولة … ”
كلماتها تلك أقلقت والدتها أكثر دون أن تدري …
والدتها التي لاحظت تبدلها المريب في اليومين السابقين …
طردها لمريم ثم ما تبعه من مواجهتها لكنان …
كانت فاتن تنتظر انهيارا بين احضانها بعد صدمتها الكبيرة في شقيقتها لكن صدمتها ردة فعل ليلى بعد مغادرة كنان المكان …
جمود غلفها كليا منذ تلك الليلة …
جمود يخيفها اكثر …
ابنتها تلقت صدمة شديدة ومختلفة هذه المرة …
صدمة اخيرة بعد سلسلة صدمات حاولت تجاوزها ولم تستطع ..!
عادت تتأملها وهي تتناول طعامها بنفس الجمود …
ملامحها الرقيقة بدت صلبة وعينيها متحجرتين بشكل يثير القلق ….
أرادت فاتن أن تقول شيئا ما .. أي شيء … لكنها لم تستطع …
نظرت الى ليلى التي أنهت طعامها ونهضت بعدها تستأذن المغادرة الى غرفتها ….
تابعتها بعينيها مستوعبة انها طوال اليومين السابقين لم تترك غرفتها الا نادرا..
اختارت الانعزال في غرفتها عن الجميع …
لم تتحرك خطوة خارج الفيلا حتى لم تذهب في موعد زيارتها اليومية لوالدها بل حتى لم تسألها هي عن وضعه الصحي …
تنهدت بألم وهي تفكر في ابنتها الاخرى …
تلك التي تتجاهل اتصالاتها تماما ولا تعرف اين هي الآن وماذا تفعل …
لا تنكر انها غاضبة منها وبشدة …
تنتظر ظهورها كي تحاسبها على ما فعلته وهي التي تسأل نفسها يوميا عن السبب الذي جعل مريم تتصرف هكذا ..
تتسائل اذا ما قصرت في تربيتها لتفعل كل هذا …
تلوم نفسها بشدة رغم انها لا تتذكر انها قصرت معها يوما او أهملتها يوما …
لقد كرست حياتها كليا لابنتيها وسعت الى تربيتهما بأفضل شكل ممكن لكن رغم هذا لا يمكنها الا تلوم نفسها ..
ربما هي قصرت في شيء ..
بالتأكيد والا ما كانت مريم ستتصرف بهذه الطريقة …
نهضت من فوق الطاولة وهي التي لم تتناول شيئا من الأساس …
تحركت بآلية متجهة الى غرفتها بعدما أخبرت الخادمة أن تنظف الطاولة …
اما ليلى فدخلت الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بعنف ..
اتجهت نحو سريرها والقت بجسدها عليه …
اغمضت عينيها وهي تكتم دموع القهر فيهما ..
لا تريد ان تبكي ..
لا تريد أن تضعف …
جميع ما حدث معها نتاج ضعفها وغبائها …
لماذا حدث هذا معها …؟!
هي لا تستحق هذا أم هي تستحق ما يحدث معها ..؟!
هذه ليست المرة الاولى التي تتعرض بها لخيبة ولكن المرة هذه مختلفة …
خيبتها في شقيقتها لا تساويها خيبة …
شقيقتها التي تعلم جيدا ان وراء اختفائها هذا مصيبة ما ..
ورغم خوفها وقلقها عليها اختارت أن تقسو وتتجاهل …
عليها أن تتعلم القسوة كي تستطيع أن تحيا في هذا العالم المليء بالصدمات والخيبات …
اعتدلت في جلستها تكتم دموعها في عينيها …
نظرت الى انعكاسها في المرآة فوجدت نفسها تحمل مظهر امرأة ضعيفة .. تائهة ومحطمة …
لم يعجبها ما رأته ..
استفزها ذلك الضعف الظاهر عليها والألم المرتسم على ملامحها …
انتفضت من مكانها تتقدم نحو المرآة …
تقف مواجهة لها تتأمل ملامح وجهها المعذبة بتساؤل صدح بنبرة منخفضة بائسة :-
” من أنتِ …؟ هل أنتِ ليلى ذات السبعة وعشرين عاما …؟! لماذا تبدين وكأن عمركِ ازداد عشرون عاما …؟! لماذا يبدو الألم محفورا على ملامحك ..؟! لماذا تحملين كل هذا الضعف واليأس في عينيك …؟! من أنت حقا ..؟! من أنت يا ليلى ..؟! بالتأكيد لست ليلى القديمة .. المشرقة القوية … الجميلة الجذابة … ليلى التي تملك العالم بين يديها … أين ذهبت ليلى القديمة ..؟! هل ماتت ..؟! ومن تسبب بموتها ..؟! نديم ..؟! عمار الخولي ….؟! أحمد سليمان ..؟! مريم سليمان …؟؟ كنان نعمان ..؟! أم جميعهم تكاتفوا وشاركوا في قتلك …؟!”
تراجعت الى الخلف بجزع …
الخوف غزا روحها …
ارادت أن تهرب بسرعة …
تهرب من صورتها بالمرآة ..
تحركت تغادر غرفتها هاربة من مجهول …
مجهول لا تدركه ولكنها تخشاه …
توقفت خارج غرفتها وهي لا تدرك اين يمكنها أن تذهب ..؟؟
أين تهرب من واقعها ..؟؟ من قدرها المظلم …؟!”
ثم اندفعت بسرعة نحو غرفة أخيها …
فتحت الباب ودلفت الى الغرفة لتتوقف في منتصفها وهي تتأمل عبد الرحمن الذي يلعب في المكعبات بشغف كعادته …
رفع الصغير وجهه نحوها وهو يبتسم لها بإشراق ..
تقدمت نحوه وحملته متجاهله حديثه معها …
جلست على سريره الصغيرة وهي تعانقه …
تضمه داخل احضانها او ربما تضم هي نفسها داخل احضانه ..
تحتمي به من عالم قاسي لا يناسبها …
عالم لا يصلح امثالها للعيش فيه …
شددت من عناقه وهي ترتجف بقوة بينما الدموع تساقطت فوق وجنتيها رغما عنها …
في صباح اليوم التالي ..
استيقظت من نومها أخيرا …
اعتدلت في جلستها تتفحص جسدها رغما عنها بتوجس …
تنهدت بصمت وهي تنهض من فوق السرير متجهة الى الحمام الملحق بالغرفة …
وقفت أمام المغسلة تغسل وجهها اولا قبل أن تجففه بالمنشفة لتتأمل ملامحها بصمت وعقلها يشرد فيما حدث البارحة ..
حديثه الذي يحمل بين طياته الكثير …
اعترافه الصريح بعشقه لها …
عشقه الذي صرح به عدة مرات مسبقا لكن هذه المرة تصريحه كان مختلفا …
تصريحه كان يحمل ثقة وثبات وقوة مثيرة للريبة …
عمار بدا مختلفا بشكل يثير قلقها …
تفهمه البارحة لرغبتها في البقاء في غرفة آخرى فاجئها …
لم تتوقع منه تصرفا كهذا …
متى كان مراعيا ..؟! ام هو فقط يلاعبها بطريقة مختلفة …؟!
غادرت الحمام بملابسها التي لم تغيرها بعد …
اخذت نفسا عميقا وهي تتسلح بكل ما تملكه من شجاعة وثقة لتخرج من الغرفة فتجد الشقة هادئة تماما بشكل آثار ريبها …
أين هو ..؟! هل ما زال نائما ….؟!
توقفت عن أفكارها عندما وجدته يدلف الى الشقة بملامح واجمة أثارت غيظها ..
لم تكن تنتظر منه شيئا كهذا في اول يوم لهما بعد زواجهما …
تأملت تلك الاكياس التي وضعها على الطاولة بإهمال قبل ان يجلس جانبها على الكنبة ..
سألته مدعية الاهتمام :-
” هل حدث شيء ما … تبدو حزينا …”
اجاب باقتضاب :-
” جيلان دخلت صباح اليوم الى المصحة النفسية …”
تمتمت بخفوت :-
” حسنا .. لا بأس … سوف تتحسن قريبا ان شاءالله …”
أشار الى الاكياس مرددا :-
” هذه ملابس اشتريتها لك …”
” حقا ..؟!”
قالتها بحماس وهي تنهض وتلتقط الاكياس بينما تثرثر بعفوية :-
” كنت احتاجها كثيرا …”
ثم مالت نحوه عن قصد تقبله على وجنته وهي تشكره برقة :-
” شكرا يا عمار …”
تأملها لوهلة قبل أن ينتفض ضاحكا بطريقة فاجئتها …
توجست ملامحها وهي تراقبه يضحك بهذه الطريقة المثيرة للريبة ..
توقف عن الضحك فجأة كما بدأ وهو يخبرها بخفة :-
” لا تليق بك هذه التصرفات يا مريم ..”
سألته بصوت مبحوح :-
” آية تصرفات …؟!”
رد وهو يتأملها ببرود :-
” التصرفات اللطيفة مثلا … لا داعي أن تتصرفي بشكل لا يشبهك … انا أريدك كما أنت … على طبيعتك … ”
هزت رأسها بصمت عندما نهض من مكانه وسحب كيسا ومده لها يخبرها بشقاوة :-
” انظري الى داخل الكيس …”
التقطت الكيس وأخرجت ما فيه بلا مبالاة لتتجمد مكانها وهي ترى قميص نوم أسود اللون شبه عاري …
مال نحوها مرددا وانفاسه تلفح جانب وجهها :-
” سترتديه في ليلتنا الاولى …”
تراجعت قليلا تلاحظ التصميم في عينيه …
يمنحها رسالة مبطنة أن تفهمه البارحة لن يدوم طويلا …
تمتمت وهي تهز رأسها :-
” حسنا …”
اضافت بتردد :-
” انت تعرف انني لست مستعدة حاليا ولكن …”
توقفت امام نظرة عينيه المشتعلة برغبة دفينة بينما نبرة صوته العميق تخبرها بغلظة :-
” الليلة يا مريم … الليلة سوف نتمم زيجتنا والا …”
” وإلا ماذا ..؟!”
سألته ممتعضة ليبتسم ملأ فمه وهو يردد :-
” انا لست صبورا على الاطلاق يا مريم وانت من أتيت بنفسك وعرضت الزواج علي …”
قاطعته بحدة :-
” كنت ستفعلها انت عاجلا ام اجلا .. انا سبقتك فقط …”
تمتم ببرود :-
” لا يهم من سبق الآخر لكن عليك ان تفهمي انني لست غبيا … ”
أضاف وهو يجذب خصلة من شعرها يلفها حول اصبعه :-
” أنا أمنحك ما تريدين بكامل إرادتي يا مريم … عليك أن تدركي مع من تتلاعبين يا صغيرة …. ”
حرر خصلاتها وهو يخبرها بإيجاز :-
” الليلة سوف نتمم زيجتنا ….وغدا سنذهب الى عائلتك ونخبرهم بزواجنا …”
انصرف بعدها تاركا اياها تتابعه بتوجس حقيقي فهذا الرجل يضمر شيئا ما…
شيئا لا تدركه ولكنه بات يخفيها مهما تظاهرت بالقوة والثبات ..

كان هاتفها يرن بإسمه بينما تتجاهل هي اتصالاته كعادتها منذ ليلة البارحة ..
رفعت شعرها عاليا بتسريحة بسيطة ثم هندمت نفسها للمرة الأخيرة قبل أن تحمل حقيبتها وتتحرك خارج غرفتها ..
قابلت والدتها وهي في طريقها لمغادرة المنزل فأخبرتها انها ستذهب الى الشركة بعد غياب يومين …
غادرت بعدها وسط صمت والدتها وقلقها الذي تجاهلته عن قصد …
من الآن فصاعدا ستتجاهل كل شيء …
تحركت متجهة نحو سيارتها عندما توقفت مكانها بجمود وهي تجده يهبط من سيارته متقدما نحوها يسألها بضيق :-
” لماذا لا تجيبين على مكالماتي …؟! أحاول التواصل معك منذ مساء البارحة …”
عقدت ذراعيها أمام صدرها تخبره ببرود :-
” لإنني قلت ما عندي … اريد الطلاق ولا شيء سواه .. ”
أكملت بتهكم :-
” ظننت إنك فهمت ذلك ..”
هتف بجمود :-
” لا طلاق يا ليلى ….”
فكت ذراعيها وهي تصيح بنفاذ صبر :-
” ستطلقني يا كنان فأنا لا أريدك بعد الآن ….”
تنهد بصوت مسموع محاولا ان يسيطر على اعصابه فما يمر به هذه الفترة يجعله عصبيا للغاية…
قال بجدية :-
” لقد تركتك البارحة ولم أشأ أن أضغط عليك … اعتقدت انك سوف تهدئين و تحاولين أن تفهمين مني اولا …”
هتفت معترضة :-
” ومالذي سوف أفهمه ..؟! انت خدعتني … مهما حاولت تزويق ذلك لن تنجح والأهم إنك كنت تريد استغلالي وفعلت نفسي الشيء مع شقيقتي … كنت جزءا من انتقامك …”
قاطعها بثبات :-
” نعم ولكنني تراجعت …”
ضحكت مرددة بعدم تصديق :-
” وهل هذا يلغي الحقيقة ..؟! هل تجد هذا مبررا حقا يا كنان ..؟!”
” انت لا تعرفين ما بيني وبين عمار … لا تعرفين مالذي دفعني لذلك …”
قالها بوجوم لتهتف متشدقة :-
” ولا يهمني ان اعرف … ليكن بعلمك لم يعد يهمني أيا مما يحدث … حتى مريم لم تعد تهمني .. ”
أضافت ببرود :-
” انا لا اعرف عنها شيئا منذ يومين ورغم ذلك لا اهتم وأنت بدورك لا أهتم بأي شيء يخصك .. انتقامك يخصك … لا يعنيني ابدا .. ما يعنيني هو زواجي منك … زواجي الذي سينتهي يا كنان شئت أم أبيت ….”
همت بالتحرك بعيدا عنه لكنه قبض على ذراعها مرددا بخفوت :-
” لم أعهدك قاسية يا ليلى …”
ابتسمت ليلى بسخرية وهي تخبره بمرارة خفية :-
” يؤسفني أن أخبرك إنني كذلك بالفعل … قاسية لدرجة تجعلني أتجاهل كل شيء ولا أفكر سوى بنفسي وحريتي .. حريتي التي كبلتها بقيودك لأجل من لا يستحق …”
قال مندهشا مما تقوله :-
” انا لم أفعل … انا فقط أردتك وأنت وافقتي بكامل إرادتك …من قال إن زيجتنا ستكون قيدًا يكبل حريتك …؟!”
قاطعته بتجهم :-
” هذا الزواج كان لسبب معين … والسبب لم يعد يهمني … لا احد يستحق تضحيتي ولا انت بدورك تستحق أن أفي بوعدي لك بعدما خدعتني … علاقتنا بدايتها كانت خاطئة موصومة بكذبك وخداعك لذا يجب أن تنتهي …”
جذبها من ذراعها فشهقت برفض تجاهله وهو يخبرها بضراوة :-
” انت لا يمكنك أن تسيري كل شيء وفق ما تريدين … أفيقي يا هذه .. العالم لا يسير بتلك الطريقة التي تريدنها …”
ابتسم ساخرا وهو يضيف :-
” ما مشكلتك معي …؟! انني كذبت عليك ..؟! الجميع يكذب … لكن هناك فرق بين كذب وآخر … انت لا تتوقعين أن تعيشي حياة مثالية تشبهك … ولا تتوقعي ان تحصلي على رجل مثالي كامل الأوصاف … ”
قست عيناه وهو يسترسل :-
” لا يوجد احد مثالي … حتى المثالي سوف يتحرر من مثاليته يوما عندما تتعارض مثاليته تلك مع مصلحته … افهمي هذا وتوقفي عن نظرتك الساذجة للمجتمع …”
صاحت معترضة :-
” وهذا ما أفعله … انا بالفعل سأفعل ذلك بعد الآن ولهذا سوف أتطلق منك لان مثالياتي التي تكرهها وتسخر منها هي من كانت تجبرني على الاستمرار في هذه الزيجة .. مثالياتي التي منعتني من التراجع عن وعد قطعته لك بعد كل ما قدمته لي … ”
تراجع بملامح جامدة وهو يردد :-
” انت تعترفين انك تتزوجيني بدافع التضحية اذا … ”
” رد جميل … هذا سبب زواجي منك ..”
قالتها بقسوة لا تعرف متى باتت تمتلكها وهو الذي منحها اعترافا صريحا بالحب قبل يومين …
اعتراف ربما كان سوف يسعدها في وضع مختلف ….
لاحظت تشنج ملامحه بينما الجمود ما زال يكسو نظراته …
قال اخيرا بثبات :-
” ربما يكون هذا الدافع الاساسي ولكنك لا يمكنك أن تنكري إن هناك جزءا داخلك كان يميل لهذه الزيجة … لا يمكنك أن تنكري إن هناك شيئا ما داخلك نحوي بعيدا عن الامتنان وما شابه … شيء ربما ترفضين الاعتراف به او تخشينه ولكن سيأتي يوم و تضطرين أن تعترفين به رغما عنك…”
انهى كلماته وتحرك باندفاع تاركا اياها متخبطة كليا والضياع يملأ روحها ..

كانت تجلس امامه ترتشف قهوتها بصمت وهو يفعل المثل ….
سألته أخيرا وهي تتأمله :-
” هل أنت بخير يا فادي ..؟!”
تنهد وهو يضع فنجانه مكانه ثم قال :-
” والدتي علمت بعلاقتنا …”
تمتمت بجدية :-
” بالتأكيد رفضت …”
هز رأسه بصمت لتهتف غالية بوجوم :-
” والدتك لم تحبني منذ البداية …”
قال فادي بصدق :-
” كلا يا غالية… والدتي فقط كان ارفض ارتباطك بفراس لأجل عهد ..”
تجاهلت الازدراء الذي ملأ ملامحه وهو يذكر جملته تلك لتسأله :-
” أليس غريبا أن تحب والدتك عهد لهذه الدرجة …؟!”
هتف بجدية :-
” الأمر لا يتعلق بكونها تحبها .. صحيح هي تحب عهد ولكن ما يجعلها تتمسك بعودة فراس اليها هو تميم … هي تريد لحفيدها أن يعيش بين ابويه وتسعى لذلك ولكن عهد ترفض بشدة وفراس بدوره يفعل …”
ضحكت مرغمة :-
” شقيقك هذا مشكلة … لا أصدق إنه يرفض العودة اليها …”
استرسلت :-
” يذكرني بعمار قليلا …”
قال بجدية :-
” أنا أشفق عليه أحيانا …”
نظرت له بدهشة فأكمل :-
” فراس ضحية والدي ….”
سألته بتوجس :-
” كيف يعني …؟!”
هتف مضطرا :-
” انت تعرفين ان والدي حي يرزق يا غالية…”
قالت بصدق :-
” علمت بالصدفة و تفاجئت حقا … لم يسبق أن أتى أحدكم بذكره ….”
قال بتردد :-
” علاقتنا ليست على ما يرام …. ”
تأمل التساؤلات في عينيها فأكمل :-
” والدي كان يشبه فراس …. ”
تمتمت برفض :-
” كان يخون والدتك ….”
هتف فادي ببرود :-
” نعم ولكن بفارق إنه كان يفعل ذلك بإطار شرعي …..”
ابتلعت غالية صدمتها وهي تسأل :-
” هل تزوج عليها أكثر من مرة …؟!”
أجاب فادي ساخرا :-
” عدة مرات عرفيا وثلاثة شرعيا … آخرها قبل خمسة اعوام … زيجته الاخيره ما زالت مستمرة وهو يعيش في الخارج مع زوجته ….”
” يا إلهي …”
تمتمت بها بعدم تصديق قبل أن تضيف بتردد :-
” ووالدتك …؟! متى تطلقت منه …؟!”
ضحك بخفة قائلا :-
” المفاجئة انها لم تفعل …”
اتسعت عيناها بارتياع ليكمل بجمود :-
” رفضت ان تفعل لأجل المجتمع وأجلنا .. تقبلت زيجاته المتعددة وكافة أفعاله و أذيته لها و اهماله لنا نحن اولاده ولم تتطلق … رضيت ان تبقى على ذمته فقط لاجل مظهرنا امام المجتمع كأولاد لأبوين مطلقين … وربما لأجل مظهرها هي الأخرى .. ”
تنهد مجددا ثم قال :-
” ما أريدك أن تعلميه ان والدتي امرأة تقليدية و تتمسك بالعادات جدا … يعني رفضت ان تتطلق من والدي رغم زواجه عليها لمرات لا يمكن عدها … تحاول بشدة ان تعيد فراس لعهد كي يعيش تميم بين ابويه …”
اكملت نيابة عنه :-
” وترفض ارتباطنا لان هذا يخالف منطقها في الحياة والعادات التي تتمسك بها …”
” هي تقدس العائلة وتسعى دائما للحفاظ على تماسكها ومن وجهة نظرها زواجنا سوف يهدد تماسك العائلة …”
قالها بجدية لتسأله :-
” وأنت ..؟! ما رأيك …؟!”
أجاب بصدق :-
” انا أريدك … ”
” ووالدتك …؟! ”
سألته بوجوم ليهتف بجدية :-
” لا بد أن تقتنع … سأفعل المستحيل لأجل ذلك …”
أكمل :-
” ما أريده فقط أن تمنحيني بعض الوقت … احتاج وقتا لإقناعها …”
” ما هذا الذي تقوله يا فادي …؟! بالطبع سأفعل … انا أتفهم موقفها … ”
قالتها بصدق قبل ان تضيف :-
” ولكن عدني إنك لن تتخلى عني ابدا يا فادي …”
ابتسم مرددا :-
” وهل أستطيع أن أفعل يا غالية ..؟!”
هتفت بجدية :-
” عدني يا فادي …”
مد كفه يحتضن كفها وهو يخبرها :-
” لن أتخلى عنك مهما حدث يا غاليتي …”
جالسة فوق السرير تقضم اظافرها بحركة تدل على توترها بل وغضبها ايضا …
تتذكر حديثه واقراره باتمام زيجتهما الليلة …
ماذا كانت تتوقع ..؟!
نعم هي كانت تتوقع ذلك بل واستعدت له ولكن حديثه وتصرفاته اليوم جعلتها تشعر بالريبة …
هي باتت تخشى أنه يضمر لها شيئا هو الآخر وان لديه دوافع هو الآخر خلف هذه الزيجة …
انتفضت من مكانها وهي تهتف مع نفسها :-
” لا يمكن … مستحيل …”
هكذا أخبرت نفسها وهي تتحرك داخل الغرفة بعصبية …
هذه اللعبة هي من بدأتها وهي من سوف ستنهيها بالشكل الذي تريده …
توقفت أمام المرآة ترمق نفسها بجمود امتد للحظات قبل أن ترتسم ابتسامة واسعة على شفتيها …
أيًا كان ما يفعله عمار وأيا ما كان يخطط له ويريده ، تبقى هناك حقيقة وحيدة … حقيقةً ثابتة لا جدال فيها ..
هذا الرجل بكل قوته وجبروته وقسوته وشره عاشقا لها وهذا الشيء الوحيد الذي هي متأكدة منه وعليها أن تستغله جيدا …
الآن عليها أن تتحرك وتثبت له إنها قوية بقدرة ولا تهاب شيئا ولا يهمها شيء والأهم هي بحاجة أن تمنحه بضعة مبررات لهذه الزيجة …
وأن تقنعه بأن قرارها هذا لم يكن وليد لحظة غضب او جنون …!
اتجهت ببصرها نحو الكيس لتبتسم بشيطنة وهي تجذب قميص النوم من داخله …
ترتديه فيظهر جسدها الابيض البض بشكل يثير القديس وليس عاشقا مخضرما مثله …
وقفت امام المرآة تضع المكياج لنفسها بينما سرحت شعرها الطويل وتركته منسدلا على جانبي وجهها …
تحركت نحو هاتفها وشياطينها متحفزة لتسديد صفعة شديدة لآخر تخلى عنها وآن آوان أن يدفع ثمن تخليه …
تأملت تلك الصورة التي التقطتها لعقد الزواج فضغطت على زر الارسال ….
ستصل الرسالة لأكرم .. سيغضب … سيحترق وهو يستحق ذلك …
مريم سليمان لا تتنازل عن حقها ابدا …
من ألمها سوف يتألم ومن أحرق قلبها ستحرقه كليا …
اغلقت هاتفها وعادت نحو المرآة تضع عطرًا قويا ذو رائحة ساحرة ..
تحركت خارج الغرفة بقدمين حافيتين …
كان الوقت ما زال عصرا ….
دلفت الى غرفته فوجدته يغادر الحمام وهو يجفف شعره بالمنشفة قبل أن يتجمد مكانه وهو يراها أمامه بقميص النوم الذي يعرض جسدها الشهي بسخاء …
ابتسامة ثابتة مرتسمة فوق شقتيها …
ابتسامة تليق بها …
هي أنثى جامحة .. قوية … وشرسة …
لا تهاب اي شيء ولا تهتم بشيء ….
صباحا أخبرها إنه سينالها الليلة وهاهي أتت بنفسها اليه وقبل قدوم الليل بساعات تخبره عن استعدادها التام لمنحه جسدها كما يتمنى ويشتهي ….
ماذا كان ينتظر منها ..؟!
هل ينتظر رفضا أم خجلا لا يناسبها … ؟!
هذه مريم التي يعرفها …
مريم المقدامة ….
تقدم نحوها بعدما رمى منشفته بعيدا باهمال ..
وصل اليها ورائحة عطرها سحرته …
قبض على خصرها يجذبها نحوه فاصطدمت بصدره العاري …
لا تفعل كما تفعل أي عذراء في ليلة هذه…
هي تناظره بتحدي …
تحدي يليق بها وبه …
تخبره انها مستعدة ومتحفزة …
وهو بدوره مستعد ومنذ سنوات ..
جذبها بعناق جارف …
شوق عاصف …
وقبلات جامحة …
الآن اكتمل حلمه …
مريم بين ذراعيه أخيرا …
راضية ومستسلمة وتتجاوب معه بكل جموح …
حلمه تحقق أخيرا وهاهو ينالها كما اشتهى بل تاق لسنوات …
 

google-playkhamsatmostaqltradent