Ads by Google X

رواية ثري العشق و القسوة الفصل الثالث و العشرون 23 - بقلم اية العربي

الصفحة الرئيسية

  رواية ثري العشق و القسوة كاملة بقلم اية العربي عبر مدونة دليل الروايات 


رواية ثري العشق و القسوة الفصل الثالث و العشرون 23

 
‏بعض الخيبات كانت ضروريّة وإلا كنت ستبقَى معتقداً أن كل من حولك سنَد
‏ بعضها أتت لتُنهي فصول مسلسل مللت من تكراره وأنت تنتظر نهايات مختلفة
‏وبعضها كانت لتعرف قدر نفسك
‏بعض الخيبات كان لابد من ظلامها لتعرف قيمة النور في حياتك .
❈-❈-❈
تغمركَ المياة وأنت تسقط في القاع مقيداً ، قاعٍ مظلم لا تدرك نهايته ، جسدك شُل وتصنم برغم أنك سباحٌ ماهر ، في قدمك ثقلٌ يسحبك للأعماق ، والأنفاس تتلاشى شيئاً فشيئاً ، وشعاع الشمس يختفي شيئاً فشيئاً ، والأصوات متداخلة ، وفقاعات الأوكسجين تتركك وتنجو بنفسها للأعلى بينما أنت تسقط باستسلام تام للأسفل ، والظلام ينتشر من حولك ، وتواجه أسوء مخاوفك بمفردك في ملعبه ، وبينك وبين الموت مسافات ، فلا تشعر بالحياة ولا تصل إلى الخلاص ، فقط روحك معذبة ومعلقة .
أصوات أنفاسها حادة وهادرة ، تسابق الزمن وتركض ، دموعها تأبى التوقف فتسقط منها أرضاً لتشهد على خطواتٍ مبعثرةٍ ، لولا أضلعها لخرج قلبها من مكانه ، صدمة قوية ربما مميتة تحجب عقلها عن المنطق والتفكير ، كلما حاولت تخيل الأمر فشلت فشلاً ذريعاً ، ليتها تستيقظ وتجد أن كل ما حدث ما هو إلا كابوسٍ مرعب ، ليتها تعود إلى ذلك اليوم عندما أعطاها مفاتيح السعادة كلها وتظل هناك دوماً .
ابتعدت بالقدر المناسب لترتاح ولكنها لم تعد تعرف للراحة سبيل ، من الآن وصاعدا لا راحة ولا آمان ، كل شئٍ حولها كَذِب ، كل شئٍ وهم ، كل شكوكها تجسدت حقيقة أمامها .
شعرت بأحدهم يتبعها ، وصوتاً مداخلاً يأتي من بعيد عقلها يرفض تمييزه ، توغلها الرعب ولكن لم تساعدها قدميها على التواصل بعد أن استنفذت كامل طاقتها في الركض ، بل توقفت بيأس وهي تهز رأسها بعجز ودموعها تتطاير مع اهتزاز رأسها ، تظن أنه أتى خلفها ، لتلتفت مستسلمة في حالة لم تصل لها يوماً .
أغمضت عينيها والتفتت تاركة نفسها للمجهول ، لتجد من يلهث حتى توقف أمامها قائلاً بصدمة من هيأتها :
– فيه إيه يا ناردين بتجري كدة ليه ؟
اخترق صوته عقلها لتفتح عينيها تواجههُ ، كان عمر ولم يكن سواه ، زفرت أنفاسها التي حبستها ، تنظر له وهو يتحدث ولكنها لا تسمعه ، يسألها بريبة وقلق مجدداً :
– فيه إيه ؟ ،، فهميني مالك ؟
كل ما تفوهت به جملة واحدة نطقتها بضعفٍ :
– خدني من هنا أرجوك .
توقف يستوعب ما بها ثم قال وهو يحثها على المشي دون لمسها :
– طيب اهدي بس وتعالي نروح الڤيلا ، أنا كنت رايح اشتري فطار وشوفتك بتجري ، تعالي أوصلك وارجع تاني .
هزت رأسها تردف برعب خوفاً من لحاقه بها :
– لااا ، الڤيلا لاء ، أنا عايزة أي مكان تاني بعيد ، مكان بعيد عنه .
ضيق عينيه يتساءل بتعجب :
– قصدك صقر ؟ ،، هو عملك حاجة !
نظرت له بخوف ولم تستطع النطق ، كيف تخبره بما رأته ! .
لتعود وتردف بوهن ولهاثها يهدأ بينما نبضها لم يعرف للهدوء سبيل :
– لو سمحت ساعدني ، أنا محتاجة أي مكان بعيد ابعد فيه عن هنا .
مؤكد لن يتركها ، في البداية هو وافق على هذا العمل من أجلها هي ، وافق ليحميها ولكن عندما رأى حب زوجها وحمايته لها اطمأن ، أما الآن فما يراه الآن بعيداً تماماً عن الحب والحماية ، لذا تحدث وهو يحثها على التحرك :
– طيب تعالي معايا .
وكأن هذا آخر الآمال لها فأسرعت تخطو معه في شوارع لم تطأها قدمها يوماً وهي شبه واعية ، كل ما تريده هو الوصول لمكانٍ آمنٍ بعيداً عنه والنوم فقط ، لا تريد لعقلها أن يبذل أي مجهودٍ آخرٍ الآن .
❈-❈-❈
خرج من حمامه يتجه فوراً إلى غرفة الملابس المجاورة للحمامِ ، ارتدى ما يناسبه وعاد إلى الغرفة كي يتفقدها فلم يجدها .
بضع ثوانٍ فقط ليكتشف أنها هربت ، فقط نظرة من عينيه على هاتفها الملقى بإهمال على الفراش ومفاتيحه التي ليست موضوعة في مكانها .
للحظة تمنى أن ما يراه خدعة وإلا فقد سقط قناعه ، ولكن لسان عقله يخبره بحقيقة رحيلها ، تحرك في لمح البصر يتناول هاتفها ويفتحه ليجد الفيديو مثبتاً على صورته ، صورته الحقيقية التي سعى ليخفيها عنها ، ظلمته وظلمة عالمه التي جاهد حتى لا تمسها ، ولكن الآن فهي والجميع سواء ، لقد هربت بعد أن وعدته أنها لن تتركه أبداً ، لقد خانت ثقته فيها ، ثقته التي دامت لدقائق فقط ، ليعلن حربه إذاً .
تحرك يلتقط هاتفه ويركض إلى الأسفل ومنه إلى الخارج حيث يقف حراسه حول بوابة الڤيلا الرئيسية غير مدركين ما يحدث
توقف أمام البوابة الحديدية التي فتحها الحارس مسرعاً وقال له والجحيم في عينه :
– لقد غادرت زوجتي من باب الڤيلا الخلفي ، تمنوا أن أجدها الآن وإلا فلن يجد الذباب جثةً لكم .
تحرك للخارج واتجه فوراً إلى ڤيلا آسيا ، يخطو خطوات سريعة ولكن لا يركض ، لا يركض لأن بالنسبة له إيجادها مسألة وقتٍ فقط ، ووقتٍ محدداً جداً .
وصل الڤيلا ودلف ولاحظ أثناء مروره عدم وجود عمر كالعادة بين الحراس ، دلف حيث الباب وطرقه ففتحت آسيا تبتسم له .
تلك الابتسامة الهادئة منها كانت كالجمرة التي سقطت على قلبه ، فقد أيقن أنها ليست في الداخل فلو أنها أتت راكضة إلى هنا لما استُقبِل هكذا ، تحدث والجحيم في عينيه لم يستطع حجبه :
– أين ابنتكِ ؟
أكدت له ظنه حينما تعجبت قائلة :
– مايا ؟ ،، خير حصل حاجة ؟
نظر لها نظرة أخيرة قبل أن يتركها ويلتفت يغادر فوراً والآن بات يركض ليعود لحراسه قائلاً بلغة آمرة متوعدة :
– ابحثوا في الأرجاء فوراً .
أسرعوا يركضون بينما هو ركض للداخل ومنه للأعلى ثم دلف غرفته واتجه إلى خزنته ليحضر مفتاح مكتبه ويعود للأسفل سريعاً .
يتحرك بثبات وغضب يمكن توزيعه على جنود وطنٍ محتل ليثأروا له ومع ذلك يخفي غضبه ببراعة تدرب عليها لسنوات حتى لا يكن مضغةً في فمِ أعدائه .
دلف مكتبه وأسرع إلى حاسوبه يفتحه ليبدأ في فحص كاميرات المراقبة الخاصة بالجزء الخلفي للحديقة .
رآها تركض في حالة انهيار ، تفتح الباب الخلفي بكل ما أوتيت من قوة لتندفع خارجه وتركض وقلبه يركض أسرع منها لاحقاً بها ولكن ليس الآن وقت حبه لها بل سيستعمل كل الوقت في إيجادها أولاً .
ضغط على الكاميرا التالية لتظهر وهي تسرع باكية في الشارع الخلفي ، ظل يتنقل من كاميرا إلى أخرى وعينه تتفرسها حتى انتهت كاميرات المراقبة الخاصة به عند نقطةٍ ما لم توصله لشئ .
أغمض عينيه قليلاً ليرتب من أين يبدأ ثم تحرك بعد ثوانٍ إلى الخارج وأغلق باب مكتبه وخطى بهدوء ينافي سواد أفكاره .
اتجه يجلس على مقعدٍ في بهوِ ڤيلته ويضع ساقاً فوق أخرى ببرود تام ، أظنت أنه تاركها ؟ .
ليفكر أين يمكن أن يأخذها عقلها ، يعلم أنها الآن في حالة فوضى وهذه سيحاسب عليها المرسل بشكلٍ قاطعٍ تلك المرة ولكن أين يمكن أن تذهب إن لم تركض عند والدتها فقد أيقنت أنها لا يمكنها مقاومته هناك .
وفي الحقيقة هي لا يمكنها مقاومته لا براً ولا بحراً ولا جواً وهذا ظنه بعد أن عاد لقسوته الثرية وغضبه الخفي .
فتح هاتفها على ذلك الفيديو ليفحصه بعينه مجدداً وبدقة مدروسة تميز بها .
الفيديو مصورٌ بكاميرا ذكية وعلى مستوى البطن ، علم فوراً أنها من النوع الذي يبدو كساعة يد ، ليعود تركيزه إلى تلك النقطة عند إظهار وجهُ ليعلم الخائن فوراً ، هذا الخائن الذي كان يقف مقابلاً له هناك ، إنه ليونيل .
أغلق الهاتف يدسه في جيبه فهذا ليس وقت حسابه ، سيتلذذ بحسابه لاحقاً ، توقف وخطى للخارج ليجد أحد حرسه يركض لاهثاً ويردف وهو يهز رأسه بخوفٍ :
– ليس لها أثراً سيدي .
وقف ينظر له نظرة قادرة على إذابة الجلد البشرى كمياه النار ، ولكن تبدلت حينما لمح آسيا تدلف متجهة إليه ثم وقفت تتساءل بقلق بعد أن هاتفت ابنتها ولم تجب :
– أنت تقصد ناردين ؟ ،، بنتي فيييين ؟ ،، يعنى إيه بتدور عليها هي مش كانت معاك ؟
وقف يتحدث بثبات يحسد عليه :
– اهدئي سيدة آسيا ، يبدو أن ابنتكِ أرادت اختبار حبي .
هزت رأسها ترفض تماماً حديثه قائلة بقلق بات ظاهراً على ملامحها :
– لااا ، ناردين مش صاحبة التصرفات المراهقة دي أبداً ،، بنتي حصل معاها حاجة كبيرة ولازم افهم فوراً .
نعم يا أمها أنتِ تعلمينها جيداً ، لقد حدث معها ما هو أسوء من الكوابيس ، لقد اكتشفت حقيقتي وهذا ما يجعلني الآن أود إحراق العالم .
تحدث بذلك داخل عقله ولكن نطق لسانه بهدوء :
– فضلاً اهدئي ، سنجدها ثم سنفهم سوياً ماذا حدث .
تركته والتفتت تندفع للخارج بغضب ، هي تعلم ابنتها جيداً ولن تقف مكتوفة الأيدي ، عادت لڤيلتها تبحث عن عمر وسط حراسها فلم تجده .
سألت أحدهم عنه فأخبرها أنه غادر منذ وقتٍ ليحضر لهم فطوراً سوياً ولكنه تأخر عن كل يوم .
لتزفر بضيق واختناق وتشعر أنها في تلك اللحظة بحاجة ماسة إلى رفيق حياتها ، وقفت حائرة تزفر بعمق ثم رفعت رأسها عالياً لتلجأ إلى خالق الرفيق قائلة بقلبٍ مفطور :
– يارب ، ردلي بنتي يارب ، يارب سلم
❈-❈-❈
بعد وقتٍ توقفت سيارة أجرة أمام إحدى العمارات المشيدة حديثاً ، سكانها محدودون جداً وكلٍ منهم لا يختلط بالأخر .
ترجلا وصعدا الدرج سوياً حتى وصل عمر أمام شقته ولكن رن هاتفه برقم آسيا فتناوله وفتح يجيب بثبات ظاهري :
– اتفضلي يا آسيا هانم سامعك .
تحدثت آسيا بلهفة :
– إنت فين يا عمر ؟ ،، تعالى بسرعة لو سمحت ناردين مختفية وجوزها بيدور عليها .
هزت نارة رأسها تترجاه أن لا يخبرها بوجودها معه فأومأ لها وقال عبر الهاتف :
– حاضر يا آسيا هانم أنا جاي حالاً .
أغلق الهاتف فنظرت له برعب متوسلة بروحٍ ممزقة :
– لو سمحت اوعى حد يعرف مكاني .
أومأ لها بقبول ثم فتح باب شقته يردف برأفة وحزن لحالتها :
– متقلقيش ، بس ادخلى إنتِ وأنا هرجع لهم علشان محدش يشك ، في جوة في درج البوفيه تليفون قديم افتحيه وأنا هتواصل معاكي عن طريقه ، والمفتاح معاكي أهو اقفلي على نفسك من جوة .
أومأت له والتقطت منه المفتاح ودلفت تغلق خلفها لتتجه فوراً إلى أقرب أريكة رأتها وتمددت عليها لتنام متكورة على نفسها بصمتٍ تام ، كل ما تريده الآن هو الهرب ، الهرب من التفكير في الماضي والحاضر والمستقبل .
❈-❈-❈
في إيطاليا يجلس ميشيل يتابع الصور ومقاطع الفيديو التي أرسلها صقر إليه .
صور جنود حلفاؤه الذين ينتشرون حول البلدان كي يتاجروا في الأعضاء البشرية .
صوراً لا يتحمل رؤيتها أناسٌ طبيعيون ولكن هذا الجالس ماهو إلا شيطانٌ بشري حيث ضحك بلا مبالاة يردف محدثاً نفسه كأنه يتحدث مع صقر
( تأخرت كثيراً يا صغيري ، لقد علمَت حقيقتك الآن كما أنك سترى حقيقتها هي أيضاً وحينها سأرحب بصورها وهي مثل هؤلاء وبيدك أنت ، الآن بدأت اللعبة يا صغيري ، فيبدو أنها أحيت جزءاً داخلك كان يجب أن أسحقه ، ولكن لم يفت الأوان بعد ، ليست مشكلة ، ستصبح أنت جحيمها لتكن بعدها شيطاناً مثلي ) .
❈-❈-❈
في شقة سامح .
يجلس متمدداً على فراشه وتجاوره زوجته زينب وتتوسطهما ريما النائمة بهدوء بعد يومٍ تحتاج إلى ممحاةٍ سحريةٍ كي تنساه .
تسقط دموعه وهو يملس بيده على خصلاتها بحنو ، لا يصدق أنه كاد أن يفقدها ، لا يتخيل ما كان على وشك الحدوث معها حيث أخبرهم الضابط بمَ حدث وبمَ وجدوه في ذلك البيت .
إلى الآن لم ينم لا هو ولا زينب حيث خشيا النوم لعل أحدهم عاد واختطفها من بينهما ، شعوراً مفزعاً يراودهما كلما تخيلا الأمر لذا فالنوم بعيداً عنهما الآن .
تحدث بهمس وقلبٍ منشطر :
– لازم نطلع صدقة ونعمل مائدة يا زينب على رجوعها سالمة ، أنا لحد دلوقتي مش قادر استوعب اللي كان ممكن يحصل لولا ستر ربنا .
أومأت له ورفعت كفها تجفف دمعتها الفاترة التي تلحقها مثيلتها قائلة بإيماءة هادئة :
– الحمد لله دائماً وأبداً ، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .
كانت هذا فقط كل ما تجيب به منذ أن ردت إليها صغيرتها ، لا تتفوه بشئٍ آخر منذ أمس ، فقط تصلي وتشكر الله ، لينظر سامح إليها بحنو قائلاً بندم :
– حقك عليا يا زينب ، حقكوا عليا أنا ، عيشتك امبارح في وجع وقهر غصب عني .
تناولت كفه ثم رفعته إلى فمها تلثمه بنعومة ثم احتضنته بين راحتيها قائلة بصدق ونبرة مؤثرة لتسحب منه الأمان :
– كلنا كنا في حالة قهر وحسرة يا سامح ، كلنا كنا موجوعين أوي وكنا بنموت بالبطئ وربنا لطف بينا لإنه عالم اللي في قلوبنا ، مكنتش هتحمل أبداً يا سامح ، مش هقدر على فراق حد فيكوا أبداً .
ربت بيده الأخرى على كفيها وتحدث بحب وهو يطالعهما :
– الحمد لله يا زينب ، قدر ولطف ، بس مش عارف اتصرف إزاي مع أمي ، أنا عارف إنها حاسة بالذنب بس غصب عني مش قادر اريحها وانا في الحالة دي .
هي الأخرى في نفس الحالة تماماً ، حيث لا تعلم كيف سيمر شعورها هذا ولا تعلم كيف ستتعامل مع عفاف بطريقة طبيعية كأن شيئاً لم يحدث ، ولكن الشئ الوحيد الذي تعلمه جيداً هو أنها لن تسمح مجدداً لها باصطحاب صغيرتها معها .
لذا تحدثت بنبرة مرهقة : ( بقلم آية العربي)
– سيبها للوقت يا سامح ، الوقت كفيل يحلها .
❈-❈-❈
بعد ساعتين
يجد أنهما وقتاً كبيراً جداً بالنسبة لقدراته وهذا يضعه في حالة لا يود الوصول إليها الآن .
هو لا يريد إحراق كل من يقابله ، يتحرك بخبث وذكاء دون إثارة شكوك حوله ولكنه بدأ يفقد هدوئه .
أما في منزل آسيا فيقف عمر شاهداً على حالتها هي ومايا بعجزٍ وضيق ، لا يستطيع التفوه بما يمطئنهما ، يغلبه عهده لها ولكن عليها أن تطمئنهما حيث أن حالتهما مبعثرةٍ وحزينة .
فقد أتت مايا لتوها من جامعتها وعلمت ما حدث لذا فهي في حالة غضبٍ حاد .
اندفعت إلى الخارج فجأة ومنه إلى ڤيلته ليتبعها عمر مسرعاً وهو يناديها وخلفه آسيا تخطو لتوقفها ولكنها لن تتوقف إلا أمامه .
وصلت لڤيلته ووجدته يقف مع ماركو الذي جاء إليه منذ قليل بعد اتصاله به .
نظرت له بغضب وتحدثت باندفاع مفتقدة أي ذرة تروي :
– أختي فييين ؟ ،، عملت فيها إيييه ؟ ،، أختى مستحيل تمشي فجأة كدا إلا إذا عملت فيها حاجة كبيرة ، انطق عملت فيها إيييه .
نظر لها والغضب يتراقص في عينيه ، يسعى للحصول على أعلى درجات الثبات الإنفعالي أمامهم ، يسعى ليظل صقراً الذي يعرفوه .
تحدث بهدوء يحسد عليه :
– أقدر لهفتكِ على شقيقتكِ ولكن انتظري حين نجدها ونعرف سوياً لمَ رحلت .
نظرت له بغضب ، لا أحد يعلم أين هي وهو يتحدث بكل هدوء ؟ ، أهذا هو حبه لشقيقتها ! ، كيف يقف بارداً هكذا ؟ .
نظر له عمر بضيق وتعجب ، حيث يتساءل أيضاً كيف له أن يقف هكذا ثابتاً وبارداً كالثلج ، تقدم من مايا يسحبها معه للخارج فتحركت معه والغضب يتآكلها بينما آسيا وقفت تنظر إليه بدموع ويبادلها هو بنظراتٍ خفية ثم التفتت تغادر خلف عمر ومايا بقلة حيلة .
عادوا لمنزلهم ووقف هو ينظر إلى ماركو قائلاً بجمود وغضب يظهر على قبضته وعروقه ، غضب يكبته حتى كاد يفجر جسده :
– نهاية ميشيل اقتربت ، لن ينجو بفعلته تلك .
تحدث ماركو بترقب :
– حسناً إهدأ وسنجدها ، هي مسألة وقتٍ فقط .
تحدث بقسوة وثبات وهو ينظر في بؤبؤي عينه بحدة :
– الوقت عدواً لي ، وأرى أنه انتصر عليّ ، وهذه النتيجة لن تروق لأحدٍ ولن تستثني أحداً قط .
زفر ماركو بقلقٍ وشرود فهو يعلمه جيداً ويخشى تحوله الذي سيكون عبارة عن حربٍ جميع أطرافها خاسرون ، لذا فعليهم إيجادها في الحال .
❈-❈-❈
أثناء عودة آسيا ومايا وعمر إلى الڤيلا حيث كانت ملامحهم مشدودة رأتهم خديجة من نافذتها وتعجبت مما يحدث كما شعرت ببعض القلقِ فهي لم تعلم شيئاً عن نارة منذ أن تزوجت سوى من بعضِ الرسائل الإلكترونية التي تتواصلان بها عبر الإنستغرام .
قررت الدخول وتناولت هاتفها لتهاتف نارة وتطمئن عليها ولكنها تفاجئت بهاتفها مغلقٌ .
شردت قليلاً تفكر ثم قررت مهاتفة مايا التي أجابت بصوتٍ بدى عليه الحزن قائلة :
– أهلاً يا ديچا ازيك !.
تحدثت خديجة باهتمام يغلفه التوتر متسائلة :
– سلام عليكم يا مايا ، عاملة إيه ؟ ، مايا هي ناردين كويسة ؟ ، لأني شفتكوا صدفة دلوقتي طالعين من عندها بس إنتِ كنتِ متعصبة شوية ؟
زفرت مايا مطولاً وهي تنظر إلى والدتها وعمر ثم تحدثت بضيق :
– نارو مختفية يا خديجة ، مش عارفين هي فين وموبايلها مقفول .
شهقت خديجة بحزن وقلق وتحدثت بنوعٍ من الفضول :
– لا حول ولاقوة إلّا بالله العلي العظيم ، طب ازاي بس وليه كدة ؟
تحدثت مايا وآسيا تشير لها أن لا تفعل :
– أنا معرفش أي حاجة يا خديجة ، بس أول ما اعرف هطمنك .
زفرت خديجة ثم تحدثت بنبرة حنونة مهتمة :
– طيب بعد إذنك يا مايا أنا ينفع أبقى آجي أشوف طنط آسيا واطمن عليها ؟
أردفت مايا بترحاب يغلفه القلق :
– طبعاً يا خديجة تنوري .
أغلقت مايا معها واتجهت تجلس بجوار والدتها وتنظر صوب عمر نظراتٍ مبهمة قلقة .
❈-❈-❈
في شقة عمر
تتمدد كما هي ، مستيقظة منذ نصف ساعة لا تفارق مكانها ، أفاقت على شبح إيجاده لها .
تتكور على أريكة في منزل لا تعلمه وفي مكان غريب عنها بعدما كانت منذ ساعات تتمدد في فراشها ويعانقها من ظنت أنه شريك الحياة ورفيق الروح .
عقلها لا يعمل ولا يرى سوى أنه قد قتل بيدهُ التي تحتويها ، تلك اليد التي دوماً التفت حولها تحميها وتتلمسها بكلِ حب ، رأته بعينيها التي تتمنى لو أصابهما العمى قبل أن تراه .
كل ما بها يبكي ، هربت حتى دون أن تأخذ هاتفها أو أوراقها ، كل ما خطر على عقلها وقتها هو الابتعاد ، الابتعاد عنه فقط ، حتى الابتعاد عن أهلها ليكونا بمأمنٍ من شره .
تعلم أنه الآن يبحث عنها بجنون وهذا يراودها بأسئلة ستُفجر عقلها ، لمَ هي ! ، لمَ أغرقها بكلِ هذا الحب حتى ظنته يملك حنان العالم كله وهو في الحقيقة الوجه الآخر للقسوة ؟ ، لمَ خدعها وخان ثقتها به ؟ لمَ هي لمَ هي لمَ هي؟ حقاً ستصاب بالجنون .
رأته منذ قليل في كابوسها يبحث عنها بوجهٍ مقتضبٍ لم ترهُ من قبل ، كانت ملامحه مرعبة لذا استيقظت منتفضة .
تخشى التفكير في نتيجة بحثه عنها ، ليتها تلجأ إلى أحدٍ يساعدها ، ليتها تعرف شخصاً قادراً على مواجهته .
ليدلها عقلها فوراً على قوي القوى ، ليكن ملجأها الأول والأخير إلى ربها ، بكت بنحيب ، بكت بصوتٍ حاد يمزق داخلها .
لتتحرك وتجلس على الأريكة وهي تبكي وتجهش وتخفي وجهها بين كفيها ، تبكي وتردف وتهدر بصراخ مكتوم بين شهقاتها بعجز :
– ياااارب ، ياااااارب ،، اااااااه .
تصرخ بضعفٍ وصوت يخرج نازعاً في طريقه صدرها ، لتعود الصور تهاجمها بضراوة ، عشقه وأفعاله وكلماته ولمساته وأخيراً حقيقته المظلمة ، كل أمرٍ يسقط على عقلها وقلبها كمطرقةٍ حديديةٍ تكاد تفجرهما ، هي الآن في ذروة صدمتها فلتأخذ حقها .
❈-❈-❈
يجلس هو وماركو أمام حاسوبه يحاول اختراق كاميرات المراقبة الخاصة بالڤلل المجاورة دون إثارة أيه شكوك .
كلها مسألة وقتٍ فقط وسيجدها ، ولكنه لا يريد ذلك ، لا يريدها مسألة وقت بل يريدها مسألة صقر فقط .
نجح في اختراق الكاميرات المجاورة نسبةً لمهارته العالية في مجال التكنولوجيا ، ليبدأ العد التصاعدي في تحميل الملف ، وليبتسم هو كثعلبٍ ماكرٍ ، حسناً لقد وصل إليها .
على الجهة المقابلة وقفت مايا تردف بحدة :
– إحنا هنفضل ساكتين كدة ؟ ،، قوموا نبلغ البوليس ،، أنا قلقانة جداً عليها .
كانت آسيا في حالة مشتتة بينما عمر يتابع حزنهما بأسف ، يريد التحدث ويصمته وعده .
نظرت له قائلة بغضب وهي تقف باندفاع : ( بقلم آية العربي)
– تعالى معايا إنت يا عمر ، هنروح نبلغ عنه ،، لازم نلاقي ناردين .
حاول تهدأتها لكسب مزيداً من الوقت :
– اهدي يا مايا ، يمكن حصل حاجة خلتها اختفت علشان تريح دماغها وتفكر بهدوء ، وبعدين في الحالات دي الشرطة مش بتتحرك غير بعد 24 ساعة ، اطمني ناردين ذكية وهي أكيد هتظهر .
زفرت مطولاً ثم اتجهت تجلس بجوار والدتها التي تؤيد حديث عمر ولكن لتعلم فقط ما أوصل ابنتها إلى ذلك ، مؤكد هناك سبباً قوياً ، هي تعلمها جيداً ، كل ما تريده هو الاطمئنان عليها .
❈-❈-❈
خرجت من الحمام الذي وجدته بعد بحثٍ عابثٍ بخطوات حزينة ، اتجهت للخارج تبحث عن سجادة صلاة ووجدتها .
تناولتها لتحاول الإستدلال على جهة القبلة ولكنها لم تستدل ، إذاً فلتكن قبلتها هي قلبها ، فردتها أرضاً لتبحث عن غطاء للرأس بعينيها الباكيتان المنتفختان .
لم تجد شيئاً مناسباً سوى مفرشٍ قطني على إحدى الطاولات ، سحبته ووضعته على رأسها بيدٍ مرتعشة لتقف بين يدي الله تصلي بعد أن ضاقت بها جميع السبل وغلقت أمامها كل الأبواب إلا بابه .
وقفت تستجمع عقلها ، هي تعلم جيداً كيف تصلي ولكن وكأن الأحرف تبخرت من ذاكرتها ، لتعصر عينيها فيسقط ما تكونت بهما من دموع ، عادت تفتحها وبدأ لسانها يتحرك تالياً فاتحة الكتاب التي ربما طهرت هذا الفؤاد من الخوف والهلع .
لتركع بعد ذلك وتسبقها دموعها في السجود ، عادت تقف رافعة يدها إليه ثم سجدت سجدة تخبره فيها كل ما تحمله من ألم وهو العليم ، تشكو إليه ضعفها وقلة حيلتها ليطمئن قلبها وقد كان ، شعرت بضيق صدرها ينحدر مع انحدارها لترفع رأسها بدونه .
أكملت صلاتها على نفس الوتيرة ، ولم تتوقف دموعها لحظة ، اختلطت دموع الألم بالتوبة ، دموع العجز بالذنب ، ودموع الصدمة بالمغفرة .
سلمت وجلست أرضاً ليحل عليها السكون الداخلي ، ليبدأ عقلها في التروي وترتيب أفكاره ، وتتضح الرؤية بعد أن ابتعدت عن صدمتها .
هناك حقيقة باتت ظاهرة بوضوح لها وهي أنه رجلٌ عصابات ، أحبها رجل عصابات وعلم عنها كل شئ لذا استطاع التسلل بمهارة إلى قلبها وإخفاء حقيقته عنها ، مؤكد سيخفيها فهي لم تكن يوماً قاسية ، ولكن لمَ أحبها هي ، وهل يعشق رجل العصابات ؟
ابتسمت بألم ودموع تتذكر إجابتها على هذا السؤال ، لقد أخبرته أنه يعشق بطريقة مدمرة وقد كان ، هي شبه مدمرة ، هي أحبته لدرجة تجعلها مدمرة كمدينة شامخة حل عليها زلزالاً مفاجئاً .
الآن باتت تفهم لمَ أغرقها بحبه ، وسبب تملكه وتقييده ، وهداياه وعشقه ، كلها أموراً كانت في قائمة خطته لتسلب عقلها عند اكتشاف حقيقته فلا يحق لها الابتعاد .
ولكنه يجهل أنها ليست من هؤلاء اللاتى تخدعهن العطايا ، هي رقيقة لا تريد سوى حباً حقيقياً ، وهل كان حبه خادعاً مزيفاً ؟.
ليته بدأ معها صريحاً ، لربما ساعدته ، وهل هو يود المساعدة ؟ ،، كيف يودها وهو نزع أعضاء أحدهم لتوه ؟ ، ومن هي لتساعده حتى ؟ .
زفرت مطولاً لتعاود التفكير في أهلها ، والدتها وشقيقتها ، عليها أن تطمئن عليهما ، لتتأكد أنه لن يمسهما بسوء ، لابد وأنهما الآن في حالة سيئة ، ولكن كيف ستطمئن ؟
لتتذكر وعمر يخبرها عن هاتف ، ولكن أين قال ؟
وقفت تفكر وتحاول تذكر المكان الذي قال عنه عمر ، نظرت حولها فوجدت البوفيه الخشبي فاتجهت إلى أدراجه تفتحهم وتبحث عنه حتى وجدته .
كان مغلق فأعادت تشغيله لتنجح في ذلك ، ثم قررت طلب رقم والدتها الذي تحفظه .
كانت آسيا تجلس حزينة تفكر حين رن هاتفها برقمٍ غير مسجل ، تناولته تفتحه على الفور لتردف بلهفة وقد أحست بها :
– ناردين ؟ .
تحدثت نارة بحنو وحذر :
– ماما لو صقر جنبك ما تقوليش أنه أنا .
ابتسمت آسيا تزفر بارتياح وتتحدث مطمئنة بلهفة :
– لا يا حبيبتى مش جنبي ، إنت فين يا نارو ، كدة تمشي من غير ما تقولي حاجة ؟ ، أنا ومايا هنموت عليكي .
تحدثت نارة بوهن وحنين مختلطٍ بحزنها :
– متقلقيش يا ماما أنا كويسة الحمدلله ، بس بعدت شوية .
تساءلت بترقب ومايا تجاورها تحاول السمع :
– هو صقر زعلك ؟ ،، لو زعلك تعالي وهنلاقي حل يريحك ، بس تعالي يا حبيبتى .
تنهدت بقوة ، ليت الأمر مجرد حزن ، ليته أحزنها فقط ، تحدثت بهدوء لتطمئنها :
– متقلقيش عليا يا ماما أنا كويسة بس معلش أنا مش هينفع ارجع النهاردة ، هتواصل معاكوا تاني .
تنهدت آسيا تجيب بحنو وانفطار :
– طيب إنتِ فين ؟ ،، ومع مين ؟ طيب أكلتي حاجة ؟ ،، ريحيني علشان اطمن .
ابتلعت لعابها ثم تحدثت :
– مش هينفع أقول مكاني يا ماما ، بس اطمني أنا كويسة ، وهرجع لما أقدر أجمع طاقتي وأفكاري ، المهم أنتوا اطمنوا ومتقلقوش عليا .
أغلقت معها لتعود لبكائها ، تفكر ماذا ستفعل ، وهل يمكنها مواجهته ، ولكن في كل الأحوال ستواجههُ ، تعلم أنها مسألة وقتٍ فقط وسيجدها ، لذا عليها التحلي بالقوة والثقة والهدوء لتعلم منه أجوبة جميع أسئلتها .
❈-❈-❈
– عمر .
نطقها وهو ينظر عبر تسجيلات المراقبة التي اخترقها ليشاهدها وهي تركض ثم يأتي أحدهم ويناديها لتلتفت تطالعه بخوفٍ والذي لم يكن سوى عمر .
رآهُ ماركو أيضاً لينظر إلى صقر الذى باتت ملامحه لا تُفهم ، تحدث ماركو بترقب متسائلاً :
– ماذا سنفعل الآن ، هل نذهب ونجلبه ؟
هز رأسه يردف بثقة وهدوء :
– إهدأ ماركو ، باتت زوجتي في قبضتي الآن ، هذا لن يتفوه بحرفٍ حتى وإن أُحرِقَ حياً ، تحلى بالهدوء فقط .
تحرك ماركو خارج الڤيلا وتركه يعيد مقطع المراقبة مراراً وتكراراً ليراها وهي تتحدث معه ، يبدو تترجاه ، تبدو شاحبة كالموتى ، خائفة ومشتتة ، كل ما بها يقبض على قلبه وأنفاسه ، دموعها التي هي نقطة ضعفه تسقط الآن بسببه ، ولكنها لجأت لغيره لتحتمي به منه ، وهذا لا يروق له أبداً ، ليريها إذاً حقيقته .
أما ماركو الذي تحرك للخارج ليقف مع الحراس يتحدث إليهم ولكنه تصنم مكانه عندما لاحظ خديجة وهي تخرج من ڤيلتها بمفردها حتى دون سيارتها كالعادة .
نسي صقر وزوجته الهاربة وقرر التحرك وتتبعها ليرى أين هي ذاهبة لربما وجد فرصة للتحدث معها برغم عدم إجادته للعربية .
تفاجأ بها تتجه إلى ڤيلا آسيا ليسرع من خطواته قبل أن تلج من البوابة قائلاً بلهجته كي يوقفها :
– معذرةً آنستي .
تنبهت لصوته فوقفت تلتفت وتطالعه بتعجب مضيقة عينيها ، في بادئ الأمر لم تتعرف عليه ولكن ما إن دققت حتى عرفته لذا قالت بملامح مقتضبة :
– إنت !
ابتسم لها كأنها تمدحه ثم تحدث بترقب ولأول مرة يجد قلبه ينبض بعنف في حضورها فـ على ما يبدو أن لها رهبة كأنها تحاط بهالة فريدة من نوعها يصعب عليه اختراقها لذا قال بترقب وبلهجته :
– كنت أود لو نتعرف ونصبح أصدقاء ؟ ، لقد أصبحنا جيران هنا .
قالها وهو يشير بيده على منزله ، كانت تفهم قليلاً عليه فهي درست لغته ولكن كل ما قاله بالنسبة لها يعد عبثاً لذا زفرت مطولاً ثم لفت بصرها عنه وتحدثت بضيق :
– لا حول ولا قوة إلاّ بالله ، مجنون ده ولا إيه ؟
قالتها واتجهت تخطو داخل الڤيلا بعدما فتح لها الحرس البوابة وتركته يقف يطالعها بتعجب وبالقليل من الغضب نسبةً لعدم فهمه ما قالته ولكن مؤكد تجاهلته لذا فهو علم أن الطريق إليها ليس هيناً أبداً ولكنه في نهاية الأمر سيصل ، وليصل بشكلٍ أسرع عليه تعلم العربية أولاً .
زفر مطولاً والتفت يعود لصديقه الذي تذكره للتوِ وليرى ماذا يفعل .
❈-❈-❈
مساءً
بعد أن اطمأنت آسيا ومايا على نارة وغادرت خديجة عائدة إلى منزلها شبه مطمئنة على صديقتها ، قرر عمر الإتصال عليها بحذر وهو يتجه للجهة الخلفية من حديقة الڤيلا .
أجابت بعد وقتٍ قائلة بهمس حزين :
– ألو ؟
تحدث بلطف :
– أنا عمر يا ناردين ، إنتِ كويسة .
تحدثت بهدوء بينما تشعر بثقل جفنيها وألم في جسدها :
– الحمدلله .
زفر ثم قال بحنو :
– طيب أنا هخرج دلوقتي اشتري أكل واجبهولك ، مسافة الطريق بس .
هزت رأسها تردف برفضٍ قاطعٍ :
– لا شكراً مش عايزة أكل ، خليك بس جنب ماما ومايا .
تحدث بتروى :
– متقلقيش عليهم ، مكالمتك طمنتهم ، يالا ارتاحي إنتِ .
أغلق معها وقرر الذهاب لجلب طعام لها فمن المؤكد أنها جائعة ولكنه لم يرد مجادلتها ، خرج من الڤيلا ينظر حوله بحذر ، الأمور هادئة هدوءاً مريباً ولكنه انخدع به .
تحرك يسير على قدميه حتى وصل إلى الطريق العام ليوقف سيارة أجرة ويستقلها وينطلق بعد أن تأكد أن لا أحداً يتبعه .
❈-❈-❈
ترجل بعد وقتٍ من سيارة الأجرة بعد أن ابتاع بعض الأطعمة ، تحرك لداخل العمارة بعدما غادر السائق .
صعد للطابق الذي يقطن فيه ووقف أمام شقته يطرق بابها بهدوء .
كانت في الداخل مستيقظة عندما سمعت طرقات على الباب لتنتفض فزعاً ويتوسع بؤبؤيها .
تحدث هو من الخارج ليطمأنها :
– ناردين افتحي أنا عمر ، خدي الأكل مني بس وهمشي علطول .
تحلت بالهدوء بعدما استمعت لصوته ثم وقفت تتجه صوْب الباب ومدت يدها تتمسك بالمفتاح وتديره لتفتح .
فتحت بهدوء فوجدته يقف أمامها يردف برتابة وأدب :
– أنا قلت أكيد جوعتي وعارف إن مافيش هنا أكل ، خدي دول لحد الصبح بس .
مدت يدها لتتناول منه الأكياس بملامح حزينة ولكن تجمد جسدها حينما ظهرت من خلف ظهر عمر تلك العينين .
عينين التقتا بعينيها لتعلن لها عن قيامتها ، ولأول مرة تشهد على نظرته السوداء .
التفت عمر عندما شعر بحركةٍ ما خلفه ليتفاجأ به قائلاً بتعجب :
– صقر ؟
لم ينظر له بل كانت نظراته مثبتة عليها ، ليبتسم ابتسامة لا تمت للتبسم بصلة وهو يقول بنبرة جليدية مغلفة بالجحيم :
– مرحباً زوجتي الجميلة .
وقف عمر بعرض الباب ظناً أنه يستطيع حمايتها منه بينما هي تحركت بفطرة لا إرادية لتحتمي بظهر عمر ولم تعلم أن حركتها تلك كانت بمثابة إشعال فتيل مدفع الحرب ليخرج سلاحه من جيبه ويشهره في وجه عمر قائلاً بنبرة جليدية لا تقبل نقاشاً :
– ابتعد عنها .
صُدم عمر مما يراهُ ولكن صدمته لم تزحهُ عنها بل تمسك بالبقاء أمامها كحامٍ أكثر لها بينما هي تترقب القادم برعب وصدمة وتصنم لا إرادي ، ودت لو تحركت لتسرع وتنزع منه السلاح حتى لا يصاب أحدهما بمكروه ولكن خانها جسدها الذي تجمد مكانه .
كانت عيون صقر تطالعهما وتحترق كحال جسده الذي لا يتقبل فكرة حمايتها في رجلٍ آخرٍ غيره بينما فمه يبتسم وهو يرفع حاجبيه قائلاً وكأنه فعل كل ما بوسعه لمساعدته :
– حسناً ، كما تشاء .
صوب فوهة مسدسه لجهة اليمين من صدر عمر ، نقطة يعلمها جيداً ويتقنها ويعلم أنها ليست قاتلة خصوصاً من هذا السلاح ثم أطلق عليه ليرتد عمر ويسقط أرضاً في الحال تحت أنظار تلك التي كانت تقف خلفه ليتهاوى قلبها أرضاً وتتعلق عيونها به وهي وتهز رأسها برفضٍ تام للواقع فقط لثواني قبل أن تسقط مغشياً عليها أخيراً .
التقطها بين ذراعيه قبل أن ترتطم بالأرض وخطى بها من فوق جسد عمر الذي يئن بوهن والدماء تندفع من مكان إصابته .
تحدث بجمود إلى سائقه :
– خد من في الأعلى واذهب به إلى جرّاحنا ليتولى أمره ، أريده في حالة جيدة .
أومأ السائق وصعد ينفذ ما أُمِر به بينما هو تحرك بها ليستقل سيارة ماركو الذي يستند على طارة القيادة ثم نظر له متسائلاً :
– إلى أين ؟
نظر لها حيث توسطت قدميه كطفلةٍ تقطن في حضن وحشها ، نظر لملامحها وكل إنشٍ بها ، نظر ليدها المتدلية على صدرها بإهمال ليعدل من وضعيتها ، زفر مطولاً بأنفاسِ الراحة والتعب معاً ثم رفع نظره للأمام قائلاً بغموضٍ :
– تحرك وسأخبرك .
تحرك ماركو بسيارته كما أخبره بينما هو ينظر للأمام بصمتٍ ويفكر ، القادم ليس هيناً خاصةً مواجهتها فهو لم يعتد أن يكون متهماً خلف قضبان عينيها .
 

google-playkhamsatmostaqltradent