رواية ثري العشق و القسوة كاملة بقلم اية العربي عبر مدونة دليل الروايات
رواية ثري العشق و القسوة الفصل الحادي عشر 11
السيفُ في الغمدِ لا تُخشى مضاربُهُ ، وسيف عينيكِ بالحالتين بتارُ ، إن المفاتنَ في عينيكِ مُخمرةٌ ، من نظرةٍ منكِ يغدو المرءُ سكرانَا ، والخمرُ يُسكرُ من يُعاقر كأسهُ وعينيها بلا كؤوسً تسكرُ .
❈-❈-❈
في معرض مميز يحتوي على الكثير من السيارات الفاخرة المعروضة للبيع تقف آسيا وابنتيها وعمر الذي هاتفته كي يأتي إليهن ويختاروا سيارتين لنارة ومايا .
اختارت نارة سيارة ( Hyundai ) بيضاء بينما تقف مايا حائرة بين نوعين لا تعلم أيهما تقرر ،، ظلت هكذا لمدة مما جعلهم يتأففون لذلك أخيراً نظرت لهم قائلة بملامح طفولية وخليط من المكر الأنثوي :
– خلاص هاخد دي .
قالتها وهي تشير على إحداهما من نوع ( Mazda) ، أومأ صاحب المعرض الذي زفر أخيراً وتحدث بقليل من الضيق بسبب تأخرها :
– تمام حالاً هجهز العقود ، اتفضلوا استريحوا .
قالت بدلال مبالغ فيه وهي تطالعه بعيون تشبه عيون القطط الوديعة :
– ينفع أجربها لحد ما تمضوا العقود ؟
ويبدو أن نظرتها أصابت هدفها حيث ابتسم لها قائلاً :
– أكيد طبعاً بس بتعرفي تسوقي كويس ؟
نظرت فجأة لعمر بابتسامة ناعمة وماكرة وتحدثت بوداعة زائدة :
– ممكن تيجي معايا نجربها علشان هخاف أسوق لوحدي ؟
تعجب من جرأتها بينما تبدلت ملامح آسيا حرجاً ، ولكن يبدو أن طريقتها الناعمة أحرزت أيضاً هدفاً عند عمر الحنون الذي لم يصله خبثها حيث نظر إلى آسيا قائلاً بهدوء :
– تمام يا آسيا هانم متقلقيش ، هتسوق في مكان كويس قريب من هنا ونرجع علطول .
زفرت آسيا تومئ باستسلام بينما كانت مايا قد قفزت داخل السيارة بحماس طفولي تجلس خلف المقود ، واتجه عمر يستقل الجهة الأخرى جوارها ليبدأ بإرشادها على بعض التعليمات التى لم تنفذ أي منهما بل ضغطت فجأة على دواسة الوقود وانطلقت كمن تقود صاروخ فضائي وليست سيارة ومع حركة السيارة السريعة صدر منها صرخة قوية تدل على استمتاعها أمام أعين عمر الجاحظة بصدمة من أفعال تلك المراهقة المدللة .
تنهدت آسيا بيأسٍ منها واتجهت هي ونارة مع الموظف وصاحب المعرض ليتمموا أوراق البيع وتنتظران مايا وعمر حتى يعودا .
❈-❈-❈
كانت تقود بحماس وتضحك بصخب وهو يجاورها قائلاً بحذر :
– هدي السرعة شوية الطُرق هنا مش فاضية زي إيطاليا ،، ممكن تظهرلك أي عربية فجأة .
هزت رأ سها تعانده ثم نظرت تجاههُ وأخرجت لسـ.انها له ثم قالت بتمرد وانتقام :
– نووو ،، مش إنت قولت إنك بتقدم خدمات وقبلت تيجي معايا ،، يبقى براااااحتى بقااااا .
قالتها وهي تزيد من سرعتها بينما هو قضم شفـ.تيه بغيظ من تهورها وجلس يراقب الطريق بحذر .
تقود وتدندن أغنية إيطالية حماسية وتهز رأ سها بصخب فتتطاير خصلاتها مع حركتها المفرطة بينما هو يجلس يحاول أن يتجنب النظر إليها ، غاضباً من نفسه أنه صدق وداعتها وتحرك معها ، جـ.سده يهتز بقوة من سوء قيادتها حتى كاد يلتـ.صق بها أكثر من مرة لولا حذره وتحفظه وثباته .
ظلت هكذا لدقائق إلى أن انتهت أغنيتها فهدأت من سرعتها لذلك زفر هو بقوة حتى توقفت تماماً على جانب الطريق ثم تنهدت بسعادة افتقدتها حقاً منذ فترة طويلة ، أو ربما تناست قليلاً ما تمر به .
التفتت تطالعه ويبدو عليه الغضب ولكنه يتجاهلها ناظراً للأمام .
شردت قليلاً فيه ،، دوماً ملامحها الجميلة وشعرها الأحمر محط أنظار جميع الشباب ، دوماً تتباهى بملامحها التى تضخ تمرداً وجمالاً ، دوماً تحظى بالإهتمام ممن حولها لذلك تتدلل ، أما هو فيتعمد تجنبها تاركاً لديها شعوراً بالنفورِ وهذا ما تخشاه ،، هو وسيم جداً ويبدو ككتلة صخرية لا تتحرك ، ردود أفعاله باردة حتى بعد أن تعمدت القيادة بهذه السرعة لترى غضبه أو حدته ولكن هذا لم يحدث .
تحدثت بضيق وجرأة :
– إنت ليه مش بتبص ناحيتي ؟
زفر بقوة ثم تحدث بضيق وهو على وضعه :
– اتفضلي دوّري ولفي علشان نرجع .
نظرت له بغيظ وأرادت أن تنفذ أي فعل شاذ ليعطي أي رد فعل ، أرادت أن تستفزه أكثر فما كان منها إلا أنها تحركت قليلاً تميل عليه محاولة وضع قبلة على صَدغِه .
ليلف رأ سه سريعاً بعدما استعوب ما تنوي فعله والتفت مبتعداً بجـ.زعه يطالعها بصدمة وعيون غاضبة مردفاً وهو يدفعها من كتـ.فيها :
– أنتِ مجنونة ؟ ،،
عادت أدراجها ثم قلبت عيـ.نيها وهزت كتفيها تردف ببرود كأن ما فعلته أمراً عادياً :
– ليه يعنى عادي ،، أنا معملتش حاجة غلط ، كنت عايزة أشكرك على خدماتك .
صُدم من حديثها وظل ينظر لها لثواني ،، حتى أن جمالها تبخر أمامه وهو يفكر في أفعالها ،، يعلم أنها كبرت وترعرعت في دولة غربية ولكن هذا ليس مبرراً أبداً لتهورها وتماديها بهذا الأسلوب .
تحدث بجَلد وحدة :
– بما إنك شايفة أنه عادي فتمام مافيش حاجة أقولهالك ،، بس بالنسبالي مش عادي ، بالنسبالي أنا ديني بيمنعنى أصلاً أجتمع أنا وانتِ في مكان واحد لوحدنا زي كدة بس أنا اللى غلطت وجيت مع عيلة مستهترة تعمل الغلط وتقول عادى ،، ودلوقتي لو سمحتِ لفي وارجعي حالاً لأن للأسف مش هقدر أنزل واسيبك ترجعي لوحدك ،، مش أخلاقي يا بنت الناس ،، بس من هنا ورايح لو هكمل في الشغلانة دي ملكيش دعوة بيا نهائي .
انتهى وزفر يطالع نظراتها له حيث تبدلت تماماً ، التفت ينظر للأمام وظلت هي تطالعه لثوانى بعيون عاد لهما بريق الحزن مجدداً قبل أن تلتفت وتدير المحرك عائدة بصمتٍ تام بعد أن صدمها حديثه ،، عن أي دين يتحدث ؟ ،، أهو نفس الدين الذي يؤمره بالقتل والعنف وإهانة المرأة ؟ ،، نعم بالطبع فهي تشعر بالإهانة الآن .
هو محق هذا هو دينه الذي يفتخر به ،، ولكن حسناً إن لم أجعلك تظهر على حقيقتك أيها المتدين لن يكون إسمي مايا ، أنت مثلهم ، جميعكم متشابهون ، لا أحد يستطيع معرفة ما يعتلي صـ.دري ، حتى أنا .
من بعدها ظل الصمت هو ضيف المكان إلى أن وصلت وترجلت وترجل هو أيضاً بملامح تبدو غاضبة وهذا ما لاحظته نارة عندما تمعنت في شقيقتها التى وقفت بالقرب من آسيا ثم تحدثت بهمـ.س وبنبرة حزينة :
– ميرسي ع العربية .
تعجبت آسيا من ملامح إبنتها وأدركت أن أمراً مزعجاً قد حدث معها خصوصاً وأن عمر لم يتفوه ببنت شـ.فه وملامحه واضحة .
❈-❈-❈
في شركة صقر
يجلس خلف مكتبه يتحدث مع ماركو عبر مكالمة مرأية من حاسوبه قائلاً بملامح حادة عندما وجد ماركو قد استيقظ لتوه :
– يبدو أنك قضيت ليلة صاخبة ،، متى ستلتزم يا رجل ؟ ،، هيا أفِق وأذهب إلى العمل حتى لا يغضب منك ميشيل .
قال الأخيرة باستفزاز فابتسم ماركو بتهكم يردف ساخراً بنبرة يشوبها الضيق والغضب الذي يلازمه بعد سفر صقر :
– دعنى وشأني أيها الأحمق ،، أولم تغادر وتتركني فما شأنك بي ،، ثم من متى وميشيل لا يغضب ، هو ألة غضب متحركة .
نظر له صقر عبر الشاشة قائلاً بملامح غير مبالية كأنه لا يحمل أي مشاعر ، كل ما يشعر به أنه يكره أن يرى ماركو مهزوماً وضعيفاً هكذا ،، ولكن مستحيل أن يظهر عاطفة أو مشاعر له .
أولم يعلم هذا الصقر أن الكره والغضب يعدان من أقوى المشاعر أيضاً ؟
تحدث صقر بقوة يعنفه قائلاً :
– يبدو أنك تستقطب طباع الفتيات اللاتى تعاشرهن ،، ما تلك النبرة البائسة أيها الأحمق هل تظن أننى سأبكي ؟ ،، هيا قف واذهب لأعمالك ، أولم أترك شركتي في عهدتك ، إن لم تلتزم سأقتلع رأ سك من مكانها ، والآن أغلق لا وقت لدي لك .
أغلق معه وشعر بالرغبة في التنفيث عن غضبه الذي نارداً ما يحدث ولكن حقاً أغضبه ضعف هذا الماركو واستسلامه وهذا سيجعل منه ألة يحركها ميشيل على هواه ولن يسمح صقر بذلك .
أخرج سيجاره وأشعله ثم سحب منه شهيقاً معبأً بالدخان السام إلى رئتيه لتتضخمان وتمتصان هذا الكم الهائل من الغضب والكره محولتانه إلى زفير قوي حاد يحمل دخاناً ضبابياً انتشر حوله كشبحٍ مبتسمٍ وسعيد بحالته تلك .
ويبدو أن الترياق الوحيد من هذا السُم النفسي أصبح رؤيتها لذلك قبض على مفاتيحه ووقف يتحرك مغادراً المكان لينزع تلك القبضة التى تلتف حول عنقه .
❈-❈-❈
بعد ساعة
تجلس أسيا في بهو المنزل تتحدث مع عمر الذي يجلس شارداً بعدما لاحظ صمت مايا منذ ما حدث ، يؤنب نفسه ربما تحدث معها بطريقة فظة ولكن حقاً ما فعلته يعد بالنسبة له خطأً فادحاً ، انتبه بعد أن تحدثت آسيا قائلة :
– السيكيورتي برا أنا فهمتهم النظام الجديد ،، وإنت يا عمر هتبقى مسئول زي ما قولتلك عن البنات ،، هما لسة ميعرفوش أي حاجة هنا ، خصوصاً مايا ،، هي هتتعبك شوية أنا عارفة بس أتمنى منك تكون صاحب حكمة معاها ،، اللى عرفته عنك إنك شهم وجدع وكمان لبنى هانم بتشكر فيك جداً وده اللى خلانى أثق فيك وعارفة إنك هتكون قد الثقة دي ،، طبعاً فيه ملحق برا تقتدر تعتبره بيتك ،، تحب تستفسر عن أي حاجة ؟
ابتلع لعابه ونظر لها يردف بهدوء وما زال عقله شارداً بسبب تلك المراهقة وأفعالها التى على ما يبدو ستأخذ منه مجهوداً شاقاً :
– لا يا آسيا هانم ،، كدة تمام ،، عن إذنك أنا بس هروح أجيب حاجتي من شقتى وأرجع علطول .
أومأت له مبتسمة فوقف يغادر ليحضر أغراضه وقطته ويعود .
أما في الأعلى في غرفة مايا فتجلس على فراشها منذ أن أتت تحمل صورة والدها وتبكي ،، هي الآن في صورتها الأصلية ،، ضعيفة هشة تشعر بالوحدة والتخلي ،، ترتدى رداء التمرد والتسلط وقذف الكلمات الحادة لتخفي خلفهم ضعفها وحزنها القائم وتشتتها الظاهر الآن .
نظرت للصورة ولعين والدها تردف بحزن ودموع وغضب :
– أنا طلبت منه يسيبك ليا ،، قولتله مياخدكش ،، عملت زي ما كنت بتقولي لو عايزة حاجة قوي أدعيه ،، بس هو أخدك بردو ،، سبتنى ليه يا باااابي ،، سبتنى ليه لوحدي ومحدش فاهمني ،، أنا كنت عايزاك معايا ، إنت اللى كنت بتفهمني دايماً .
تحشرجت بقوة ثم انحنت على الصورة تتابع بهمـ.س كأنها أُرهقت :
– أنا عايزة أناااااام ، عايزة أنام علطول يا بااابي .
ظلت تبكي وهى تحتضن الصورة وتكتم شهقاتها حتى لا يسمعها أحد .
❈-❈-❈
بينما تجلس نارة في غرفتها على مقعد أمام مرآة الزينة تمشط شعرها بعد أن أخذت حماماً دافئاً لتوّها ،، تفكر في أمرٍ ما ،، الآن بات عليها تحقيق جزءاً من أحلامها ،، لتبدأ في كتابة كتابها الأول والبحث عن دار نشر آمنة لتستطيع نشره .
فهي منذ أن كانت تدرس تحلم أن تصبح أديبة مشهورة ،، تتمنى أن تترك أثراً مفيداً ببعض قناعتها ،، فات الكثير من الراحة والآن عليها العزم والبدء في تحقيق هذا الحلم ، فالوضع الآن أصبح منتظماً نوعاً ما واستطاعت التغلب على حزنها قليلاً .
مرّ على عقلها فجأة هذا الصقر ، لقد أخبرت والدتها أنها تود رؤيته ،، نعم عليها أن تحسم هذا الأمر حتى تمضي قدماً بعقلٍ منتبه ودون تشتت .
وهذا ما فعلته آسيا ،، وها هي تهاتفه وتنتظر رده .
كان يجلس في غرفته يحاول رؤيتها من خلال شرفته ولكن شرفتها مغلقة وحتى الستائر تحجب الرؤية عنه ،، لهذا زاد غضبه وزادت سجائره حتى ملأ الدخان الغرفة ، يبدو أنها تتعمد ذلك ، أو ربما تتلاعب بأدواته .
انتبه لإهتزاز هاتفه فتناوله وعندما وجده اتصالاً من آسيا ابتسم ونفث دخاناً قوياً .
وبالفعل فتح الخط وأجاب بترقب قائلاً :
– مرحباً سيدة آسيا ! .
تنهدت وقالت بهدوء ورتابة :
– مرحباً بك سيد صقر ،، أود أن أُعلمك أننى تحدثت مع إبنتي وهى أخبرتنى أنها تود لقاءك .
إبتسم بخبث فهذا ما كان يتوقعه تماماً لذلك تحدث بثبات :
– حسناً على الرحب والسعة ،، فقط أخبريني المكان والزمان التى تفضلهما .
تحدثت آسيا بتمهل :
– هي تريد أن تراك هنا في المنزل ، فإبنتي لا تفضل اللقاءات الخارجية ، وبالنسبة للموعد تستطيع أن تحدده أنت حسب وقت فراغك .
شرد قليلاً ، ترددت على عقله جملة ( لا تفضل اللقاءات الخارجية ) تلك النارة مميزة في الكثير من الأمور ، وهذا ما يجذبه دوماً إليها ، فمؤكد أن المميزات للمميزون ، إبتسم بجانب فمه ،، فهذا يعد قانوناً عادلاً بالنسبة له ، تحدث بعد أن عزم أمره قائلاً :
– حسناً ليكن بعد ساعة من الآن إن كان مناسباً لكما !
أومأت قائلة :
– حسناً مناسباً بكل تأكيد ،، سنكون في إنتظارك .
زفر وشعر بشعور جديد يتسرب إليه ، ربما كل أمرٍ خاص بها يعد هو الملاذ الآمن الوحيد الذي يحصل عليه من بين كل سيئاته ، حان وقت اللقاء ، سيراها عن قرب إذاً وسيتحدث معها ، لذا قال بهدوء :
– سآتي بعد قليل .
أغلقت معه وتحركت للأعلى كي تخبر نارة بالأمر .
بينما وقف هو يهندم حاله ويستعد لهذا اللقاء الذي ينتظره ويخطط له منذ أشهر
❈-❈-❈
بعد ساعة
يقف عمر مع رجلي الأمن عند بوابة الڤيلا يتحدث معهما بعد أن جلب أغراضه وعاد ، رآى أحدهم يتقدم آتياً من الفيلا المجاورة ، رجلاً شاباً يبدو عليه الثراء والغموض .
تقدم منهم صقر وتحدث بغرور وبالإيطالية قائلاً وهو ينظر في عين عمر بقوة :
– لدي موعد مع السيدة آسيا والأنسة ناردين .
كان عمر على علم بهذا اللقاء فقد أخبرته آسيا منذ قليل ،، ولكن بدى له هذا الرجل غامضاً ،، وبرغم أن عمر لم يفهم لغته إلا أنه لم يظهر ذلك وفسح له المجال قائلاً :
– إتفضل .
دلف صقر يخطو في الحديقة وتبعه عمر حتى وصل أمام مبنى الڤيلا ، كانت آسيا قد خرجت لإستقباله تبتسم وهي تقف عند باب الفيلا مرحبة ثم مدت يـ.دها قائلة برتابة :
– أهلاً سيد صقر ،، تشرفنا بمجيئك إلى منزلنا .
ابتسم وانحنى برأسه قليلاً قائلاً بثبات ورتابة :
– الشرف لي سيدتي .
أشارت له بيـ.دها قائلة :
– تفضل .
دلف الفيلا بينما وقف عمر ينظر لأثره بشعور غير مطمئن ولكن عليه التمهل قليلاً في الحكم على الأشخاص ، لذا قرر التحلي بالصبر والعودة لعمله .
أما آسيا التى اصطحبت صقر إلى الصالون الفاخر الذي يتوسط بهو المكان وجلس وجلست أمامه تردف متسائلة :
– أخبرني ماذا تحب من ضيافة ؟
أردف بهدوء وثقة :
– حسناً ليكن فنجان قهوة سادة .
ابتسمت ووقفت تردف :
– حسناً عن إذنك ثواني .
تحركت للمطبخ لتخبر العاملة بتحضيرها وعادت إليه تجلس مقابلة له ثم تحدثت :
– ثوانى وستأتي ناردين .
ابتسم وأردف بملامح منفرجة :
– حسناً كما تشاء .
كانت هي في غرفتها تحفز نفسها حيث تتنفس عدة مرات لتهدأ من نبضها المتسارع ،، لا تعلم لمَ تشعر بالتوتر فهذا مجرد لقاء تعارف وعليها أن تظهر واثقة وثابتة .
كانت ترتدي dress ذو لونٍ مائل للأبيض مع بعض الخطوط المشبحة باللون الوردي .
يلائم جـ.سدها وينزل من بداية الخـ.صر باتساع إلى قـ.دميها ،، أكمامه طويلة وياقته تخفي معالم رقبـ.تها كاملة .
بينما خصلاتها شبكتها بقابض شعرٍ على شكل فراشةٍ وانسدلوا البقية على كامل ظهرها بشكلٍ رائع .
وعن وجـ.هها فلم تضع به سوى نوعٍ من كريم الترطيب الذي أظهر نضارتها فبدت جميلة ناعمة طبيعية .
إرتدت حذاءاً كريستالياً ذو رباطٍ حول كاحلها وخطت للخارج ومنه للأسفل .
تنزل درجات السُلم ويستمع هو إلى خطواتها التى تشبه نبضات قلبه مع اختلاف السرعة .
لم ينظر تجاهها بل يستمع فقط إلى خطواتها التى اقتربت منه ،، يظهر ثباته الذي كاد يتبخر حينما وقفت أمامه ورآها تردف بثقة وابتسامة هادئة دون مد يـ.دها قائلة بلهجة مصرية :
– أهلاً يا صقر بيه نورتنا .
ترك فنجان قهوته على الطاولة الجانبية له ووقف يقابلها وانكبت عينه عليها وصمت لثوانى حتى أنه لم يجد ما يقوله بعدما تخلت عنه فصاحته المعهودة .
فقط ثواني مرت عليه كساعات يبحث عن الرد ولأول مرة يراوده التلعثم لذلك أخفض نظره قليلاً حتى يعود إليه تركيزه وآخيراً وجد نفسه يتحدث مثلها قائلاً بعمق وعيون بهما بريق ملامحها :
– المكان منور بيكِ إنتِ .
ابتسمت قليلاً بتوتر وتساءلت برتابة وهدوء :
– ممكن نقعد برا في الجنينة ؟
عاد إليه تركيزه قائلاً وهو يطالعها بثبات كان بعيداً عنه من لحظات :
– زي ما تحبي .
أومأت ونظرت لوالدتها قائلة :
– بعد إذنك يا ماما .
ابتسمت لها آسيا وأومأت بينما تحركت هي للخارج تصطحبه حتى وصلت إلى الحديقة الخلفية .
أشارت له ليجلس على مقاعد خشبية محيطة بطاولة مستطيلة من نفس النوع قائلة :
– إتفضل هنا .
جلس وجلست هي مقابلة له ثم نظرت للزهور من حولها تستجمع طاقتها حتى يتسنى لها بدأ الحديث والأسئلة .
نظر لها بعمق أثناء تأملها الزهور ،، رآها عدة مرات من مسافات متفرقة ولكن ملامحها عن قرب مختلفة ،، أجمل وأنقى وأكثر صفاءاً وهدوءاً ،، وما يجملها هو رتابتها وثقتها في نفسها ،، نعم وهذا ما جذبه إليها ،، فقد رآى جميلات يشبهن النعيم ولكن حالتها الشاذة والمختلفة عن كل هؤلاء هي من سحبته إليها كنداهة في بحيرة ملعونة .
أما هي فرتبت حديثها داخـ.ل عقلها ولفت تقابله متسائلة بهدوء واستفسار :
– ممكن أول حاجة أعرف منك ليه حطيت على شباكي في إيطاليا وردة ورسالة واختفيت بعدها ؟
تنهد يرجع ظـ.هره للخلف ثم تحدث بهدوء مماثل وثبات بعدما رتب حديثه مسبقاً لعلمه أنها ستسأله هذا السؤال قائلاً بلهجة مصرية تبدو ثقيلة قليلاً على لسـ.انه :
– لأني عرفت إنك بتحبي الورود والقراءة والرسايل الورقية والقهوة ، فحبيت أوصلك بأقرب طريقة ليكِ .
كيف علم عنها كل هذا ؟ ،، هذا ما تردد على عقلها ولكن إجابة السؤال هذه تكمن في شخصيته لذلك دققت جيداً في ردوده وهي تسأله مجدداً :
– طيب ليه اختفيت بعدها ؟
هز منكبيه يجيب بثبات وهو ينظر لعـ.ينيها :
– أختفيت إزاي وأنا قدامك دلوقتي ! ،، كل ما في الأمر إنى كنت بحاول أضبط أموري ،، أكيد عرفتي إنى صاحب شركة ومسئول عن أعمال كتير ، علشان كدة كان لازم أحدد أهدافي قبل ما أخد خطوة جد ، لأنى كنت متأكد إنك مش من النوع اللى بيحب التلاعب .
حسناً جوابه جيداً جداً ،، حتى أنه حصل على علامة إمتياز داخل عقلها ،، ولكن لمَ لا تستطيع تفسير حركاته وملامحه ،، كأنه يفهم جيداً ما تحاول التركيز عليه فيبدو أكثر ثقة وخفاءاً لشخصيته ، فهو يرتدي قناعاً خفياً يحجب معالم الحقيقة عنها وهي التى دوماً عُرفت بتحليل شخصية من يجلس أمامها .
أبعدت نظرها بعدما توترت هي بدلاً عنه ثم أومأت تقول بترقب :
– طيب ممكن تكلمني عنك ؟ ،، وطبعاً أحب أعرف إنت شوفتني فين أول مرة ! .
سحب نفساً هز منكبيه واعتدل يتحدث بطريقة دبلوماسية كرجل قانون مخضرم قائلاً :
– شوفتك في ملهى ليلي في إيطاليا ملك إبن خالي ،، كنت متواجد معاه هناك لما روحتي تجيبي أختك الصغيرة ،، وطبعاً أنا واثق في ذكائك في معرفة الباقي .
شردت قليلاً تتذكر هذا اليوم وأحداثه ،، نعم فهمت ذلك ولكن شعرت بالضيق من تلك الصدفة ،، كانت تتمنى أن يكون رآها في أي مكان غير هذا ،، ولكن تأتى الرياح دوماً بما لا تشتهي السفن .
شعرت بالإحباط وظهر ذلك له فتحدث بعدما علم أفكارها قائلاً بدهاء وبلغة إيطاليّة يجيد التحايل بها :
– جمعنا لقاء عمل مشترك مع عملاء أمريكيين هناك ، ولحسن الحظ أنّى ذهبت ،، فبرغم أن اللقاء لم يثمر شراكة عملية إلا أنه أثمر بما هو أثمن من ذلك بكثير .
أيضاً ملامحه وثباته يجعلها لا تستنتج تفسيراً لأقواله ، فهي دوماً تعتمد على علم النفس لتعلم الكاذب من الصادق ، ولكنه غامض وهذا يثير إعجابها بالإضافة إلى إقتناعها بإجابته .
أما هو كان متباهياً بأدائه الرائع من وجهة نظره ،، يعلم أنها أُعجبت به لذلك تابع متسائلاً بنبرة مؤثرة :
– هل لديكِ مانع في إرتباطنا بشكلٍ رسمي ؟.
نظرت له بتمعن وتعجب من سرعة طلبه ثم تحدث بهدوء :
– بس أنا لسة مكلمتكش عني ،، مش عايز تعرف أكتر عن الإنسانة اللى عايز ترتبط بيها ؟
تحدث بثبات وثقة :
– أعتقد أنني علمتُ عنكِ ما يكفي لطلبي الزواج منكِ في الحال وليس فقط الإرتباط ،، وما لم أعلمه عنكِ يمكنني معرفته أثناء ارتباطنا .
– ولكني لا أعلم عنك شيئاً بعد .
قالتها بضيق من نبرته التى تشوبها الأنانية ليعود لخبثه ويردف باستعطاف ماكر :
– لقد جئتُ اليوم لأخبركِ عني ، حقاً أود ذلك كثيراً .
تنفس بعمق ليبدأ في سرد القليل قائلاً :
– أنا والدي مصري مسلم ووالدتي إيطالية مسيحية ،، قضيتُ جزءاً من طفولتي هنا في مصر ، ثم سافرنا إلى إيطاليا لزيارة عائلة والدتي ، ولكن توفى والدي هناك واضطررنا أنا ووالدتي أن نبقى هناك مع عائلتها ،، لقد كبرت بينهم إلى أن توفت والدتى أيضاً ، ثم بدأت أُأسس شركتي الخاصة بي وها أنا أمامكِ الآن .
لأول مرة منذ أن جلست معه تلاحظ عليه رد فعل غير الثبات والغموض ،، حديثه السريع وعيونه الزائغة وحركة يداه تدل على هروبه من الماضي ،، جريه في الحديث يدل على جريه من ذكريات مؤلمة يخشى مواجهتها ،، وهذا آثار انتباهها وأنشأ داخـ.لها تساؤلات ، ولكن حاولت إلهاؤه عن حالته تلك التى على ما يبدو آلمته لذا قالت :
– أنا مثلك تماماً ، قضيتُ جزءاً من طفولتي هنا في مصر وبعدها سافرنا إلى إيطاليا ،، شقيقتي وُلدت هناك وأكملت حياتي هناك ولكن دائماً كان يراودني حنين العودة لمصر ،، هناك شيئاً ما يربطني بها ولا أعلم ما هو ،، ربما دفء شوارعها وربما إحساس الأمان ،، حقاً لا أعلم .
تمعن فيها قليلاً ، تتحدث بعفوية وصدق وراحة ، لا تخاف ولا تخشى شئ ، شفافة تماماً وهو ممتلئاً بالشوائب .
يمكنه أن يكون هو مِصرها حيث يعطيها الدفء والأمان ، حتى أنه شعر بالتملك والغيرة من هذه المصر التى تتحدث عنها بكل هذا الحب ، زفر وتحدث قائلاً بترقب يخفي شعور التملك الذي راوده :
– جيد ،، هناك أموراً كتيرة مشتركة بيننا ،، وهذا يجعلني متفائلاً لچوابك .
تنهدت وتحدثت بصدق قائلة :
– هذا القرار الوحيد الذى يجب أن نفكر فيه جيداً قبل إتخاذه ، لذا أترك لي متسعاً من الوقت من فضلك ، ولنعتبر لقاءنا هذا تعارفاً بيننا ، وبالنسبة لي فقد تشرفتُ بمعرفتك حقاً .
حسناً كان يعتقد أنها ستوافق أو ربما وثق في قدراته زيادةً عن اللزوم ولكن لا بأس ،، سيتحلى بالصبر إلى أن تقرر ،، لذلك وقف يغلق زر بدلته ويردف وهو على وشك المغادرة :
– ليس لدي مانع في انتظارك ،، فكري جيداً بتمهل وسأنتظر منكِ اتصالاً ،، ولكن فضلاً لا تضعي حاجزاً بيني وبينكِ أو ستاراً ،، أقصد على شرفتكِ .
ابتسم بمكر وتركها والتفت يغادر بينما هي وقفت حائرة لا تعلم كيف استشف ذلك فهذا بالفعل ما فكرت به وهو وضع حائط زجاجي حول شرفتها ،، ولكن لم يعد له أهمية الآن ،، عليها أن تفكر في عرضه جيداً .
❈-❈-❈
مساءاً في شقة سامح وبعد أن اصطحب زو جته من منزل أهلها .
توجهت زينب إلى فراشها بعد أن نامت صغيرتها وصعدت تجاور سامح الذي يستند على ظهر الفراش شارداً لتتنفس بعمق وتنظر له متسائلة بهدوء وراحة بعدما استقرت حالة والدتها الصحية :
– مالك يا حبيبي بتفكر في إيه ؟
انتبه لها فسحب يـ.ده من خلف رأ سه يتمـ.سك بمعصمها ويسحبها إليه ليضمها فجأة بقوة إليه مرتكزاً بر أسه على كتفها .
استكانت في عناقه المفاجئ وربتت بيـ.ديها على ظـ.هره تردف مبتسمة بحب :
– طب ممكن أعرف إيه مناسبة الحضن الحلو ده ؟
تنفس رائحتها وهو يكمل عناقه ليردف بحب عند أذ نها :
– إمبارح مرضتش أطلع أنام هنا من غيرك ، نمت تحت عند أمي أنا وريما ، ربنا ما يحرمني منك يا زينب ، إنتِ جيتي خليتي لحياتي طعم ولون ، ربنا يبارك لي فيكِ .
التمعت عينـ.يها بدموع السعادة لتردف بحب وهي تبادله نفس المشاعر :
– وانت كمان يا سامح ، أنت حبيبي وجوزي وأبو بنتي وسبب فرحتي ، وأقولك على حاجة !
تمهل يبتعد عنها قليلاً ثم نظر لوجـ.هها بحب وابتسم يردف :
– قولي يا زينب .
ابتسمت وجففت بكفها عينيها من غيومها السعيدة لتردف بصدق :
– أنا كمان معرفتش أنام أمبارح في بيتنا ، وفضلت سهرانة جنب ماما لحد ما النهار طلع ، معرفتش أبدأ أغفل برا حضـ.نك .
طالعها بحب وتمعن ، هي التى أتت فانتزعت ذلك الجزء الأسود من حياته السابقة ولونته ، كانت خير رفيقة لأيامه الفائتة ، تحملت والدته وآلامه واستمعت لتراكماته التى تسعى لتنتزعها ويعلم ذلك جيداً ولكن يأتي عند هذا الأمر الخاص بوالده وشقيقه ويجد أن التسامح ثقيلاً جداً عليه .
تحدثت عندما طال تحديقه بها لتنتشله من شروده قائلة :
– قولي عملت إيه في البضاعة اللي اشتريتها ؟
ابتسم بعدما انتبه على سؤالها ليعود لمشاعره معها ويسحبها إليه مردفاً بخبث لم يعرف به :
– سيبك من البضاعة دلوقتي وتعالي قوليلي القميص الحلو ده جبتيه إمتى ؟
ابتسمت على جملته وهي تنظر لقميصها الذي ابتاعته هي وشقيقتها منذ يومين بينما وجدت يـ.ده مبتغاها وانحنى يقبلها بحب لينعما معاً بأوقات ممتعة كانت هي المرهم لآلام اليوم وكل يوم .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
نزلت مايا متجهة للخارج تحمل حقيبتها تنوي المغادرة بعدما قضت ليلتها في البكاء والعزلة برغم محاولات آسيا ونارة لإخراجها من غرفتها ولكن باءت جميعها بالفشل ، تقدمت حتى وقفت أمام عمر الذي خرج للتو من الملحق الخاص به ، تحدثت وهي تطالعه بغضب غير مبرر :
– عايزة أروح مشوار ،، هتيجي توصلني ولا أروح أنا ؟
طالعها بتعجب من حدتها ، فهي قد قررت الذهاب لشراء أدوات رسم جديدة علها تخرج من حالتها تلك .
تعمق في عينيها اللامعة فعلم أنها كانت تبكي وتعجب من هذا ،، لوهلة شعر بالرأفة تجاهها ولكنه تجاهل شعوره متسائلاً بنبرة عادية :
– آسيا هانم عندها خبر ؟
أردفت معارضة بصياح :
– وأنت مااالك ،، إنت ليك توصلني وبس .
نظر لها لبرهة ثم تجاهلها ضاغطاً على أعصابه حتى لا يوبخها مجدداً ، رفع هاتفه يهاتف آسيا ليسألها وبالفعل سمحت له باصطحابها إلى المكان الذي تريده .
استقل مكان القيادة وصعدت هي جواره تغلق الباب وتتطلع للأمام بصمت بينما هو نظر لها متسائلاً :
– عايزة تروحي فين ؟
لم تلتفت له بل تحدثت قائلة وهي تشبك ذرا عيها عند صـ.درها :
– أطلع على أي public library ( مكتبة عامة) .
زفر وتحدث بهدوء :
– اتكلمي عربي لو سمحتِ ،، فين بالضبط ؟
نظرت له بقوة قائلة بحنق :
– مكتبة عامة .
تجاهلها وبدأ يتحرك مغادراً الفيلا ليوصلها إلى المكتبة .
لم تتحدث بل ظلت صامتة طوال الطريق ، ربما انتظرت حديثه أو تمنت ذلك ولكنه لم يفعل ، أيقنت أنه مجبر على رفقتها ، فمؤكد لو ود ذلك لتحدث معها ، ولكن هي تريد التحدث الآن لذا وقبل أن يتوقف أمام المكتبة تحدثت بتفاجؤ :
– إيه رأيك نروح نشرب كوفي في أي مكان قريب ؟
توقف أمام المكتبة وقال متجاهلاً حديثها :
– المكتبة ، انزلي اشتري حاجتك وتعالي ، هستناكي هنا .
نظرت للمكان من النافذة ، تبدو مكتبة كبيرة ومزدحمة وهي تخشي الزحام أو ربما تعانى من فوبيا منه ، لذا عادت بنظرها إليه تردف بتوتر :
– طيب تعالى معايا ، الدنيا زحمة أوي .
زفر ونظر لها بترقب ثم أومأ وترجل معها يوصد السيارة بعد أن صفها أمام رصيف المكتبة وتحركا للداخل سوياً .
كانت مكتبة عامة مقسمة لعدة أجزاء ، جزءاً خاصاً ببيع الكتب ، وجزءاً خاصاً ببيع اللوحات وعرضها ، وجزءاً خاصاً ببيع أدوات الرسم وهذا ما اتجهت إليه مايا ويجاورها عمر .
وقفت تنتقي أداوتها بحيرة وتردد ، تلتقط نوعاً ثم تتركته وتبحث عن بديل وعمر يتابعها بنفاذ صبر .
كانت تتعمد إثارة حنقه وتدعي البراءة ، ظلت هكذا لعدة دقائق لذا تحدث بضيق :
– ياريت تنجزي شوية يا أنسة مايا ، بقالك نص ساعة بتختاري أقلام وترجعيها .
تعجبت وتركت ما في يـ.دها تلتفت له متسائلة عن مصطلح إحدى الكلمات التى لم تفهمها قائلة :
– أنجز ؟ ،، يعني إيه أنجز ؟
زفر ثم تحدث يوضح :
– يعني خلصي بسرعة شوية ، ركزي كويس وحددي إنتِ عايزة إيه واختاري اللى هيفيدك ، وده مش للألوان بس ، ده لحياتك كلها .
وقفت تطالعه بصمت لثواني وتفكر في جملته ، لربما اقتنعت بها ولكن الجزء العنيد داخـ.لها عاد يطفو للسطحِ عندما تحدثت :
– ياريت تخليك في حياتك أنت وملكش دعوة بحياة غيرك .
تبادلا صراع النظرات لتلفت وتعود لتنتقي ألوانها بينما هو قرر تجاهلها والتفت ينظر حوله على المكان ، رآى على مرمى نظره بعض اللوحات التاريخية عن شخصيات إسلامية فأخذته قدمـ.يه إلى مكانها .
تحرك وتركها وهي لم تراه حيث انشغلت بالأدوات ، كان المكان مزدحماً فهو دوماً يمتلئ بالزوار سواء من داخل مصر أو خارجها كمقصد سياحي لرؤية اللوحات وشراء الكتب وأدوات الرسم .
وقف عمر أمام لوحة تعود للقرن التاسع عشر حيث رسم فيها حي من الأحياء الشعبية لمدينة القاهرة حيث المحلات التجارية التى تبيع المشغولات اليدوية سواءاً كانت من النحاسِ أو الفخار أو غيرهما وهناك ثلاثة رجال يقفون عند إحدى المحلات يحمل أحدهم سجادة شُغلت يدوياً ويبدو من ملامحه أنه يُفاصل في سعرها مع التاجر .
ظل يتأمل تلك اللوحة وتفاصيلها التى أبدع فيها الرسام ليبدأ في تتبع لوحة أخرى وقـ.دميه تأخذه إلى غيرها وهكذا حتى غاب عن أنظار مايا .
انتهت بعد دقائق قليلة من إختيار ما تريده وابتاعته ثم التفتت لتنظر له فلم تجده ، وقفت تبحث عنه عند مرمى عينياها فلم تجده أيضاً .
بدأ التوتر يتوغلها خصوصاً مع هذا الكم من البشر وتحركت تبحث بعينيها
في كل مكان .
تناولت هاتفها لتحاول الوصول إليه بعد أن سجلت رقمه أمس من والدتها ولكنه لم يجيب على اتصالها .
بدأت تشعر بالذعر والرهبة لتقرر الخروج من هذا المبنى قبل أن تأتيها الحالة التى تراودها واتجهت للبوابة الخاصة به وبالفعل خرجت تتنفس بقوة ، تنظر حولها فلم تجد سوى السيارة فارغة ومفاتيحها معه .
جالت محيطها بعيـ.نيها لتجد نفسها في مكان لم تعرفه وسط أُناس لم تعرفهم .
بدأت دموعها تأخذ مجراها وعادت لحقيقتها ، هادئة وديعة كطفلة صغيرة فقدت أبويها ، تحركت عند السيارة لتستند عليها وتلتفت بوجـ.هها مقابلاً لبوابة تلك المكتبة كي تراه عند خروجه .
أما هو فيبدو أنه انسحر بتلك اللوحات ، حتى أنه نسيَ أمر مايا وانشغل عقله في التفكير عن كيفية الرسم بأدق التفاصيل هكذا .
ليرتطم بعد دقائق بشخصٍ ما أفقده تركيزه وهذا جيد حيث تذكر تلك المايا أخيراً يردف بعيون متسعة وهو يخطو تجاه مكانها :
– يا خبر أبيض أنا نسيت البت .
وصل إلى مكان بيع الأدوات فلم يجدها ، تعجب وانتابه القلق حيالها واتجه يسأل البائع عنها فأخبره أنها غادرت منذ حوالي 15 دقيقة .
زفر بضيق من نفسه ، هي تعد أمانته التى لم ينتبه لها .
أسرع يتحرك للخارج تجاه السيارة ، كان يركض وعندما وجدها تقف عند السيارة تستند عليها وتطالعه بنظرات غاضبة زفر بارتياح وتوقف ثم بدأ يتقدم منها ببطء حتى وصل أمامها قائلاً باعتذار :
– معلش أنا أسف أصل انشغلت بس بـ
– إنت أصلاً إزااااي تسيبني وتمشي !، إنت المفروض تفضل ورايا لحد ما أخلص ، دي شغلتك أصلاً .
قالتها بنبرة حادة وعيون لامعة فالتفت ينظر حوله ليرى عيون بعض المارة التفتت تجاههما ، أخفض رأ سه يستدعي ثباته حتى لا يحتد عليها فهى توبخه للمرة الثانية أو الثالثة ولم يعد يحتمل .
أخرج من جيبه جهاز التحكم وفتح قفل السيارة يردف من بين أسنانه بنبرة باردة متوعدة :
– اركبي حالاً .
رأت هيأته ولم ترى عينه حيث كان يخبأهما وللعجب فقد شعرت بالخوف منه ولكن ادعت التمرد فدبت الأرض بقدمها بطريقة طفولية دالة على حنقها قبل أن تتحرك وتستقل السيارة .
صعد مكان القيادة واغلق السيارة وبدأ يتحرك من هذا المكان بصمت وقاد حتى وصل إلى منطقة أخرى هادئة قليلاً ، توقف جانباً وتحدث وهو ينظر للأمام قائلاً :
– عليتِ صوتك عليا في الفيلا وعديتها ، إنما تكلميني كدة قدام الناس !، ليه إن شاءلله ؟
تحدثت ببرود وهي تقلب عينيها :
– لإنك غلطت ، سبتني في وسط الزحمة ومشيت .
تحدث موبخاً بعد أن انفلتت منه حكمته :
– بصي بقى يا إسمك إيه إنتِ علشان نبقى على نور من الأول كدة ، أنا وافقت ع الشغلانة دي علشان أسيا هانم طلب مني ده ولأني بقدرها ، وأصلاً كنت مفكر إني هأمن أختك ناردين مش إنتِ ، ولو كنت أعرف إنهم هيجبولي عيلة تبهدلني بالشكل ده كان أكرم لي أفضل في شغلي عن البهدلة دي ، سعادتك كنتِ عايزانى أقف زي الألف لما تختاري حاجتك اللى بقالك 3 ساعات مش عارفة تختاريهم ؟ ،، وإنتِ أصلاً قاصدة تعملي ده وتستفزيني ؟ .
استمعت لحديثه الحاد وآلمها بعضه ، لذا أحس بغيوم لامعة تتحرك في مقليتها فتوتر ورفرف بأهدابه عدة مرات يبعد عينه عنها ليقول مستغفراً :
– استغفر الله العظيم وأتوب إليه .
التفتت هي تنظر للأمام ثم تحدثت بنبرة منكسرة لأول مرة تبرر ما حدث :
– أنا زعقتلك لأن عندي فوبيا من الزحمة ، بحس مش قادرة أخذ نفسي خصوصاً لما ببقى لوحدي ، وأيوة أنا كنت بتعمد أستفزك لأنك مش بتتكلم معايا خالص ، ولو شايف إني عيلة أنا هكلم ماما وأقولها تعفيك من حراستي .
أغمض عينه وابتلع لعابه ، يمتلك قلب حنون رق لسماع نبرتها المنكسرة ، ويبدو أن ما يحمله قلبه يطفو على لسـ.انه حيث قال بنبرة هادئة قليلاً يراضيها :
– خلاص يا مايا حصل خير ، إنسي اللي حصل دلوقتي ومتقوليش لآسيا هانم حاجة ، أنا أصلاً كنت بعتذرلك لأني غلطت لما سيبتك لوحدك ، بس مرة تانية بلاش تعلي صوتك عليا نهاااائي .
نظرت له بمكر وابتسمت ، هذا ما أرادته تماماً ، لا تنكر أنها أحبت حنانه ولكن ليست هي من ترضخ لذا تحدث :
– موافقة بس تعالى نروح نشرب كافيه في أي مكان .
زفر وتحدث بثبات :
– مينفعش ، جبتي حاجتك يبقى هنروح علطول ، إحنا مش أصحاب يا مايا ولا ينفع نقعد مع بعض في مكان عام لوحدنا .
تعجبت من تفكيره الذي يبدو رجعياً من وجهة نظرها وزفرت بحنق لتنظر أمامها بضيق وصمت ويقود هو عائداً إلى المنزل .
❈-❈-❈
يقود صقر متجهاً إلى شركته وعلى بعد مناسب يقود خلفه رجل ميشيل حيث يندس وسط السيارات معتقداً أن صقر لن يراه .
ابتسم صقر ساخراً وأسرع في قيادته كي ينهي هذا الأمر الآن ، بدأ المراقب يسرع ليلحق به حتى وجده ينعطف يساراً تجاه إحدى الطرق الفرعية مع الحذر على إبقاء مسافة مناسبة بينهما .
أما صقر فانطلق بسرعة قصوى حتى فقد أثره هذا المتتبع كالعادة فزفر بضيق وتوقف على جانب الطرق الفرعي يلكم طارة القيادة ويخرج غضبه بها ، يعلم أنه سيتلقى توبيخاً حاداً من ميشيل ولكن ماذا يفعل .
كاد يتحرك ليغادر من هذا الطريق ولكنه وجد سيارة يعلمها جيداً تأتي من خلفه مسرعة كما رحلت .
انحبست أنفاسه وهو يراها تتوقف فجأة أمامه لتعيق حركة سيارته ، نظر لقائدها الذي يطالعه بابتسامة خبيثة ثم ترجل يخطو ببطء ليزيد من خوف فريسته الذي ينظر له بصدمة .
نزع سلاحه من خصره واتجه إليه يفتح باب السيارة ويجرهُ من تلابيبه ليوقفه مرتداً على حافة السيارة ويصوب سلاحه على رأ سه مردفاً بنبرة جليدية مخيفة :
– هل أفرغ طلقاته جميعها في رأ سكَ الخرقاء هذه أم نرسلها لميشيل سليمة ؟.
تحدث الآخر بتلعثم عله يفلته :
– ت توقف سيد صقر اقسم لا ذنب لدي ، سيد ميشيل هو من أمرني بتتبعك .
كشر عن أنيابه وتحدث بفحيح :
– أعلم أيها الغبي ، هل ظننت أنني لم أرَك منذ اللحظة الأولى ؟ ،، والآن إسمع ما لدي ونفذه برغبتك أو أرسل هذه الرأس إلى موطنها دون جـ.سدك النتن هذا .
ارتعش فك الرجل وهو يتخيل تلك العقوبة ليومئ عدة مرات قائلاً :
– حسناً سيد صقر سأفعل كل ما تريده .
أومأ صقر مؤكداً :
– بالطبع ستفعل وهل لك ألا تفعل ؟ ، والآن استمع جيداً لما سأقوله ونفذه بالحرفِ الواحد .
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع .
تجلس نارة تقلب هاتفها بين يـ.ديها ،، شاردة بعدما حسمت أمرها وفكرت جيداً ،، حتى أن آسيا استعانت بأصدقائها في إيطاليا للسؤال عن صقر وأخبروها أن لا غبار عليه وهذا ما يظهر للجميع ، فلا أحد يعلم ما وراء الجدار سوى من يتسلقه .
ربما حياة الرفاهية والبذخ اللتان يعيشهما تسببت في شخصيته تلك ولكن لا تنكر إعجابها بقراره في الإرتباط منها وهذا يؤكد لها جديته ،، لذلك قررت أن توافق على هذا العرض وتعطي فرصة لقلبها وله ، ربما كان هو الحب الذي كانت تنتظره .
زفرت بقوة ثم قررت مهاتفته بعد أن حصلت على رقمه من والدتها .
كان في هذا الوقت يجلس في مكتبه يتحدث مع ميشيل عبر موقعاً الكترونياً خاص بهم للتنظيم لأولى المهام لحلفاؤه والتى عبارة عن شحنة خبيثة من الأسلحة متجـ.سدة في سيارات مشحونة إلى جمهورية مصر العربية .
رن هاتفه الخاص بها فلمحه ثم تحدث لميشيل قائلاً بجمود :
أغلق معه دون تردد وتناول هاتفه يجيب بثبات ينافي نبضاته قائلاً :
– مرحباً جميلتي ، كيف حالكِ ؟
تعجبت من معرفته بها ولهذا تساءلت :
– هل تعلم رقمي ؟
ابتسم بثبات متباهياً يقول :
– أخبرتكِ أنى أعلم عنكِ الكثير ، وكنت أنتظر اتصالكِ فأنا أتطوق لسماع قراركِ منذ أسبوع ؟
توترت قليلاً لذلك تنفست بعمق ثم قالت :
– حسناً أنا موافقة ،، موافقة على الإرتباط بك .
للحظة شعر بانتصارٍ عظيمٍ غير مسبق ،، حتى عندما قَتل قاتل والده لم يشعر بهذا الإنتصار حينها ،، إنتصاراً لا يدركه حتى ،، ربما كان هذا الإنتصار قارب نجاته وأغلال غرقها في نفس اليّم المظلم .
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية ثري العشق و القسوة ) اسم الرواية