رواية الحب اولا الفصل الثاني و العشرون 22 - بقلم دهب عطية

الصفحة الرئيسية

     رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية الحب اولا الفصل الثاني و العشرون 22

  
جالسة على الاريكة تشاهد مايحدث بوجها فاتر المعاني فارغة النظرات كمن ينظر لمشهد خارج
أطار حياته…
تألقت في غضون ساعة بفستانا ابيض مزين من عند الصدر بقماش التل وحزام أنيق حول الخصر وينزل
باتساع بسيط..فبدت خلابة بعد ان رفعت شعرها في تسريحة انيقة تاركة غرة جانبية تداعب خدها…ولم
تغير كثيرًا في زينتها فكانت تلائمها وتلائم الثوب الأبيض الذي ابتاعهُ عاصم لها وأتى بعد وصوله مع
المساعدة……
دارت عسليتاها بين الوجوه الحاضرة هذه اللحظة
لحظة عقد القران على عاصم الصاوي الذي يجلس
الان امام والدها يضع يدهُ في يدَه ويردد ما يملى عليه من المأذون الجالس بينهم يضع منديلا ويمسك بقبضتهم معًا……
عادت تشاهد الوجوه من جديد اصدقاؤه الاثنين
حاضرين المناسبة وهم (حكيم ، ومينا…)يبدو عليهم
السعادة لرفيقهم……حضر أيضًا أفراد عائلته عدا الهام التي أعتذر عن غيابها زوجها متحجج بانها مريضة ولم تقدر على الحضور……
اتت عيناها في عينا يزن الواقف جانبًا يتابع ما يحدث وقد التقط نظراتها التي توزعهما على
الجميع بفتور..استغربت جدًا نظراته نحوها
غريب هذا الصبي تشعر بعدم الارتياح معه
ربما لانه أبن إلهام !…
ابعدت عيناها عنه تبحث عن الملاذ فوجدت اخيها ينظر اليها فابتسمت له بخجلا فبادلها الابتسامة
وهو يبث دون كلمات الطمأنينة والراحة لقلبها….
ولم تلبث إلا دقائق قليلة وتمت الإجراءات الرسمية واصبحت زوجة عاصم الصاوي على سنة الله ورسوله وانتلقت حينها الزغاريد من صديقتها (خلود)التي حضرت على عجله بعد ان اخبرتها
في الهاتف…..
بدأت التهنئة من جميع من حولهما فبادلتهم
بابتسامة وسلام فاترًا كمشاعرها الآن في تلك
اللحظة فهي حتى الان لا تستشعر السعادة بعد
تلك الخطوة الهامة في مسار حياتها ؟!…
طبيعتها تجبرها على هذا ان تكون كلوح زجاج
شفاف خالٍ من الألوان والحياة ولا يمتزج
معهن حتى وان طل عليهم !…
(كماءٍ عذب انتِ خالٍ من المذاق والطعم والرائحة لكنه أحد أهم مصادر الحياة ، وانتِ مصدر الحياة بنسبة لقلبي حتى وان كُنتِ باردة فاترة
المشاعر ، ستظلِ ترياق الحياة سيدتي…)
قالها عاصم وهو يراها تقف بين شقيقيها بعد
تهنئة الجميع لها وقفت جوار اخويها تستمد
منهم القوة وربما السعادة التي حتى الان
تفارقها……
قالت كيان بابتسامة واسعة…
“مش مصدقه انك بقيتي حرم عاصم الصاوي…”
مطت شهد شفتيها قائلة..
“ولا انا…..بس انا مضايقه منكم..ليه محدش قالي..”
استلم حمزة دفة الحوار….
“قال انه عملهالك مفاجأه وانكم متفقين ان كتب الكتاب هيبقا قريب بس محددتوش امتى بظبط..”
ثم استرسل بشك….
“انتي ادبستي ولا اي ياشهد ؟!…”
هزت شهد راسها مجيبة ببديهية….
“لا طبعًا انا بس اتفجأت متوقعتش يبقا
بالسرعة دي…بس زي ما عاصم قالك احنا
كنا متفقين على كل حاجه….”
ثم نظرة لاختها وسالتها….
“هو خطيبك ليه مشي علطول…..”
قالت كيان مبتسمة….
“شكله اتحرج فسلم ومشى علطول….”
ثم إضافة بروح مرحة….
“على العموم ابوكي حدد فرحنا هيكون مع
حمزة وقمر….مبروك ياميزو… متوقعتش خالص
انك تجوز قمر…. ”
قالت شهد بجذل….
“انا بقا متوقعه من زمان..وكنت متاكده انك هتاخد الخطوة دي لما قمر تبعد عنك….”
لم يرد حمزة بل أومأ براسه وهو يحك
في شعره كنوع من الحرج…..فقالت كيان
بهدوء….
“على فكرة انا عايز اروحلها…..”
ضيق حمزة عيناه…. “ليه بقا ان شاءالله…..”
قالت كيان بجدية….
“عشان اعتذرلها على اللي حصل وبارك لها دي هتبقا مرات اخويا برضو…..”
رفع حمزة حاجبه وكذلك فعلت شهد التي سالتها بدهشة….. “انتي بتكلمي بجد ولا بتهزري….”
اكتفت بايماءة وتمتمت بحرج….
“بتكلم بجد طبعا انا حاسه اني جيت عليها اوي
ومش عايزاها تكون شايله مني….”ثم كورت
شفتيها قائلة ببراءة…..
“مش عايزة أكون عمتو الحرباية…..”
ابتسمت شهد وضحك حمزة معقبًا…
“جدعه ياحرباية….يومين كده واخدكم ونروحلها..”
ثم نظر لكلتاهما قائلا برجاء….
“وبرضو عايزكم تقنعوها ترجع معانا بدل قعدتها
في الشقة لوحدها….”
نظرا الفتيات لبعضهن بلؤم ثم هتفا بنفسًا
واحد….
“اطمن سيب الموضوع ده علينا…..”
ضحكا ثلاتهم معًا وهم يقفا معًا كمثلث مترابط
بثلاثة أضلع……
تدخل عاصم في تلك الوقفه بنحنحة خشنة..
“معلش لو قطعت عليكم كلامكم بس العروسة
اختفت مرة واحده من جمبي وملحتقش ابارك
لها حتى…”
بلعت شهد ريقها وهي تتبادل النظرات معه
وكم كانت نظراته خطرة وحانقه عليها…لذا
قالت بتبرير…..
“كنت مشغول مع صحابك وأهلك فقولت اسيبك
براحتك معاهم…..”
“يبقا انا اللي غلطان اني مهنتكيش أول
واحد…. متعوضة… ”
اقترب منها عاصم ومالى على رأسها مقبل جبهتها
قبلةٍ طويلة بثت بها مشاعر خطرة شديدة السخونة
فاغمضت عيناها بتاثر وجسدها ينهار بين يداه….
حك حمزة في ذقنه وهو يبعد عيناه عنهما
بحنق….اما كيان فأبتسمت مطرقه برأسها…
فابعد عاصم شفتاه عنها مهنئا إياها وهو ينظر لعيناها التي فتحتهما فورًا عليه كشمسان في المغيب نورهما
ساطع وخلاب…..
“مبروك ياشهد….. مبروك ياحبيبتي….”
اومات براسها تغتصب الابتسامة بقلب مختلج
ومشاعر متضاربة…….فمالى عاصم على وجنتها
يقبلها ويده كالوثاق على خصرها حتى لا تبتعد
همست تحاول ان تمنعه دون ان تسبب
له الحرج امام شقيقيها…. “عاصم……”
طبع قبله صغيرة على وجنتها فغز عطرها الطيب انفه فأسكر حواسه وسرى بين جوانحه بنشوة…إلا انه
همس بغضب مكبوت….
“كل مرة بتثبتي ليا اني مش فارق معاكي…. وانك
مغصوبه عليا…..”
افترت شفتيها بشهقة صغيره لم يسمعها سواه
لقربه الشديد منها…حتى قالت بخفوت…
“انت فاهم غلط…..”
وتلك الشهقه شديدة الانوثة والرقة التي خرجت
للتو من بين شفتيها الفاتنة احد الأسلحة الفتاكه
التي تشهرها في وجهه دون ان تدرك….
فقال على مضض قبل ان يبتعد عنها
مجبرًا…..
“هديكي فرصة تفهميني الصح بس مش هنا….”
أقترب منهم عثمان قائلا بإبتسامة واسعة…
“مبروك ياعاصم…خدت اغلى بنت عندي…”
نظرت شهد لوالدها بمشاعر باردة….وابتسامة مبتذلة
تحمل من السخرية اطنان……وكذلك شقيقيها نظراتهم شديدتا الجفاء….
تنحنح عاصم قائلا بإبتسامة متزنة….
“طبعًا ياعمي….انا محظوظ ان شهد بقت مراتي…”
باغتها بمسك يدها المرتاحه جوارها ثم احتضن اصابعها باصابعه باحتواء فنظرت اليه بدهشة
فقال عاصم مسترسلا بهدوء…..
“انا بستأذنك ياعمي…أخرج مع شهد النهاردة
نحتفل بالمناسبة السعيدة دي….”
وزع عثمان النظرات بينهما قليلا ثم
قال…. “طبعا حقك…..روحوا انبسطوا…..”
ثم ربت على كتف ابنته يبارك لها حتى يحفظ
ماء وجهه امام عاصم….”مبروك ياشهد….”
اكتفت بابتسامة لا تمت للحياة والفرحة بصلة بل كانت ميته من شدة البرودة كمشاعرها نحوه…..
………………………………………………………….
كانت تعبث بخاتمها الالماس وعيناها على الطريق الممتد أمامها تنظر له بشرود ومشاعرها تختلط وتتضارب بجنون…..وهو بجوارها يحتل مقعد
القيادة بصمت وملامح وجهه لا تعبر عن اي
شيء حتى الآن…..
أصبحت زوجته…زوجة رجلًا….حياتها الجديدة ستشارك تفاصيلها مع رجلا.. ستكون ملكا لرجلا…
مسؤولة من رجلا…كيانها وطموحها أصبح بين
قبضة رجلا !….
شعور مضنيًا يستنزفها ويرهق قلبها وكانه
ينخر في عظامها نخرًا…
هل هي بائسه لتلك الدرجة تنغص حياتها بهذه السهولة لما لا تستمتع مثلا بهذه الطلعة الخاصة
وتفكر كالفتيات عن اي مفاجاة اعدها لها
زوجها وما نوع الاحتفال…..
يالهي انها أمور تافهة تكره التفكير بها….
انها بائسه فعليًا وليس مجرد تخمين !…
إبتسمت بسخرية مريرة عن اي أحلام وردية ستداهم
عقلها ، عقلا لم يستقبل إلا ذكريات شديدة البرودة والقسوة…..عن اي دفئ وردي يجب ان تفكر به وكل شعورٍ عاطفيّ بداخلها ناله التعفن !…
“افهم بقا… بتضحكي على إيه…..”
سالها عاصم بنظرة جانبية ثم عاد للطريق…فنظرت
اليه قليلا متأمله وجهه المحبب لقلبها والوسامة التي
اوقعت قلبها في الهوى، والهيبة التي تزلزل ثباتها
متوغلة حتى تصل الى نقطة ضعفٍ تكره ان تصل
اليها معه !…..
بللت شفتيها وهي تنظر أمامها هازئه….
“تفهم اني مبسوطه بالمفاجاه اللي عملتهالي…مع
اننا مكناش متفقين قبلها على الجواز بسرعة دي.. ”
زم شفتيه قائلا ببرود….
“والله انا لما فكرت فيها لقيت ان ده انسب
وقت… اتجوزك فيه….”
جزت على اسنانها بقوة جراء صفاقة
تعبيره وقالت منزعجة….
“ممم.. لا والله…. عندك حق… طب مش كان
واجب عليك تعرفني برضو….”
تحدث بجفاف دون النظر لها….
“ما انا قولتلك اني عملهالك مفاجأه…. وبعدين لو كنتي معترضة اوي كده وافقتي ليه….”
قالت بغضب….
“عشان محرجكش قدامهم…”
رفع حاجبٍ وهو يرمقها بنظرة سوداوية…فقالت
هي بتقهقر…..
“اللي اقصده اني مكنش ينفع أرفض.. بذات بعد
ما دبستني….”
ازداد ارتفاع حاجباه بخطر فعقب مستهجنًا
“دبستك ؟! اسكتي ياشهد… ومتكلميش…. بلاش تبوظي اليوم بكلام يحرق الدم…”
رمشت بعيناها وهي تقول بدفاع عن حق
من حقوقها….
“فين حرقة الدم… انت مش شايف انك باللي عملته
ده لغيت وجودي واتصرفت بمزاجك…”
قال بنظرة نافدة وصوتٍ محتدم….
“انا اتصرفت صح انتي مينفعش معاكي غير كده..”
لمعة عيناها بالغضب….. “قصدك إيه….”
عيل صبر منها فقال بصرامة…
“قصدي انك كنتي بتماطلي الفترة اللي فاتت ومش عيزاني اخد خطوة لقدام معاكي مختصره علاقتنا
بخاتم خطوبة…. وده لا يليق بيا ولا بيكي ولا احنا
مراهقين عشان نعيش المرحلة دي ولا حتى نطول
فيها….”
قالت شهد برجاحة عقلا…..
“الخطوبة اساسا اتعملت عشان الناس تتعرف على بعض اكتر وتطمن وبعدين ياخده الخطوة التانية الجواز بعد ما يتأكدوا ان هما فعلا مناسبين لبعض….”
لوى شفتيه وهو يقول بسخرية تمتزج بوقاحة
الذكور المعروفة….
“وانا متأكد انك مناسبة ليا….وحتة نتعرف اكتر فانا شايف ان احنا نعمل فترة الخطوبة دي في بيتنا اهو
تتعرفي عليا اكتر بس عن قرب وانتي في حضني
على سريري….وده هيكون أحلى تعارف…”
تخضبة وجنتيها وهي تقول بحنق بالغ….
“بلاش تقلب الحوار لكلام خارج انا مبحبش كده..”
ابتسم بسخط….. “بكره تحبي….”
اندفع الغضب في أوردتها فقالت من بين
اسنانها…. “عاصم انت ا…”
اوقفها عاصم بصوتٍ هادئ انساب على
قلبها فاطفأ شعلة غضبها….
“هشش…. اسكتي ممكن تأجلي كلامك الحلو ده
ليوم تاني لاني النهاردة مش عايز حاجة تعكر
مزاجي… عايز انبسط واحتفل معاكي… احتفل
انك بقيتي مراتي ممكن….”
رمشت باهدابها بتقهقر بعد ان أثر عليها
بكلماته ونظراته المشبعة بالعشق….فقالت
بعد لحظات باقتضاب…
“ممكن….. بس احنا رايحين فين…..”
رأت الحب الذي أطل من عيناه وهو
يخبرها بهمسا أجش….
“خليها مفاجأه…..اصلحك بيها….”
أرحم قلبي من روعتك يارجل، أرحمه فكل هذا
الحب والدفء يكاد يصهره في بحر هواك…..
………………………………………………………..
دخلا معا احد الاماكن الخاصة المطلة على البحر مباشرة فظنت انها جلسة خاصة كسابقة على الشاطئ…..
لكنها تفجأت بهذا المكان الرومانسي الذي خصصه ملاك المكان للاحتفاليات الثنائية…
صعدت السلالم الخشبيه برفقته وسارت على جسرٍ
خشبي عالي منصوب في عرض البحر يزين بالزهور الحمراء والشموع المنصهرة من الجانبين وفي نهاية الجسر تجد مقعدان وطاولة يزين سطح الطاولة بالزهور الحمراء وفي الوسط شمعة منصهرة تذوب بشاعريه مع موسيقى البيانو الرائعة التي تصدر من أحد الزاويا…..
وقفت شهد في هذا المكان الساحر الخلاب… والمنظر
الرائع الذي يطل عليه البحر انهما يقف في منتصف البحر على جسرٍ بني متين مزين بالزهور والشموع الحمراء والاضاءة الخافته الرائعه…مكانا يشعرك بأنك تحلق في عالم من الخيال وليس معك سوى من تحب…..
ومع موسيقى البيانو الإيطاليا التي تعزف مقطوعة رائعة تعزف على أوتار قلبها فتغذي جانبًا فنيًا بداخلها تمتزج الموسيقى مع خرير الماء بالاسفل فتعطي رونق اخر مع الهواء الطلق والمظهر البديع
من حولهما….
انها في الجنة، هذا التعبير الاصدق داخلها الآن….
“اي رأيك في المفاجأة…..”
نظرت اليه وكانها انتبهت لوجوده الان !…
انها فُتنة بالمكان فخلب عقلها وقلبها معًا ونسيت
انه هو من حضر لكل هذا من أجلها….
شعورٍ دافئ تسلل اليها فجعل نبضاتها تتسارع بعنفا
وهي تبعد الغرة الجانبية قليلا قائلة بانبهار براق
في عسليتاها التي أضحت في الليل كشهابٍ
ساطع شديد التوهج…..
“المكان يجنن…..مش مصدقه انك عملت ده كله عشاني…انا حاسه اني وقفه في حتة من الجنة
المكان يجنن وكل حاجه فيه جميلة….”
“طب تعالي نقعد العشا وصل…..”
اشار لها عاصم على النادل القادم عليهم من أول الجسر يجر عربة أنيقة عليها عشاء أليوم….
علمت من رائحة الطعام انه عشاء ايطالي بحت فهي
درست المطبخ الإيطالي لأعوام كما حال باقية المطابخ الاكثر شيوعًا والتي يجب ان يطلع عليها
أغلب الطهاة لكسب خبرة أكبر في مجالهم المعتمد على التجديد والتميز….
جلست على المقعد المقابل له ثم بدأ النادل بوضع
الطعام بابتسامة عملية….بعد ان رص الاطباق ووضع المشروب الجانبي انصرف….
فقال عاصم لها بابتسامة مستاءة….
“للأسف بعد ماحجزت في المطعم ده اكتشفت انه المنيو كله ايطالي….فكرت الغي الحجز بس المكان عجبني….”
قالت وهي تشبك اصابعها معًا وتسند بذقنها
عليهم… “أول مرة تاكل اصناف ايطالية….”
هز راسه بنفي سائلا….
“انا معرفش غير الاصناف المصرية وانتي….”
قالت شهد بابتسامة صافية….
“انا شغلي يحتم عليا اجرب كل حاجة واتعلم معظم الاكلات المعروفة وكان من اشهرها المطبخ الإيطالي….”
انعقد حاجبا عاصم….
“دا بجد….واضح انك رسمة على تقيل في شغلك
ده…..”
قالت شهد بصوت متزن….
“دا اسمه طموح….. والحياة من غير هدف متبقاش حياة… وانا اتعلمت من صغري يكون عندي هدف
اعيش عشانه….”
تأمل عاصم وجهها قليلا ثم القى عرضًا
مبهمًا….
“انا ممكن افتحلك المطعم اللي بتحلمي بيه..
ساعتها هتكوني مبسوطه ؟….”
رأت الهزل والرفض على محياه فقالت
بكبرياء….
“مين قال اني عيزاك تفتحلي مطعم… انا يوم ما هعمل ده هعمله بنفسي من غير مساعدة من اي
حد….”
وكانها صفعته بأدب فوضح وجهة نظره بصبرٍ…
“انا مش حد ياشهد ومع ذلك انا رافض فكرت شغلك
ان شايف ان هدفك المفروض يكون نجاح علاقتنا
جوازنا…. ونجاحه أهم مشروع في حياتك…”
حديثه نبش في الجراح القديمة فقالت
بعسليتان نافرتان…..
“سعادتي هو اني أكون شخصية مستقلة ماديًا
ومعنويًا حتى بعد ما أكون مراتك….”
افتر فمه لبرهة بدهشة وهو يحدق بها بملامح صخرية قد جفت الفرحة من فوقها…..
“اللي بتقولي ده عكس الطبيعة البشرية… معروف
ان الست بعد الجواز مسئوله من جوزها… ماديًا
ومعنويًا مش العكس….”
قالت شهد تقارعه بصوتٍ شديدة البرود….
“ممكن بس مش على حساب ان يلغي كيانها بمجرد
انها بقت مراته فـهتبقا تحت رحمته زيها زي الكرسي اللي بيقعد عليه….دا مش عدل….”
سحب عاصم نفسا متهدج بالكثير من المشاعر
مابين إعجاب بقوتها لأحباط من شدة صلابتها
وصعوبة ترويضها…..
فقال عاصم وعيناه تأسرها باحتواء العالم احتواء
يصهر قشرة الثلج داخلها فتصبح عارية امام
سطوة مشاعره……
“مين قال انه بيلغي كيانها لما تكون قعده في بيتها معززه مكرمة زي الملكة اللي بتشاور عليه بيجلها
من قبل ما تطلب حتى…..
انا لو هعمل كده معاكي فا لاني شايفك زي قطعة الماس نادرة وغالية يتخاف عليها من العيون فلازم
احافظ عليكي ولو طولت اخبيكي بين ضلوعي هعملها ياشـهـد…وساعتها ابقي قولي عليا رجعي ومتخلف…”
هل تأثرت كالمرهقات بهذا الكلام العاطفي المبتذل
ان قلبها يختلج بالنبضات ولسانها توقف فجأه بعد
ان داهمها شعور جميل أضعف عزمها……
عندما ساد الصمت ابتسم عاصم بنشوة الانتصار فاشار لها على الطعام قائلا…. “الاكل هيبرد….”
مسك عاصم المنديل الأبيض النظيف وبدا يمسح الشوكة والسكين بحرصٍ شديد قبل ان يأكل بهم
..وعندما لاحظت تلك الحركة قالت بابتسامة مشدوهة….
“انت بتعمل إيه… الشوك والسكاكين باين انهم
نضاف على فكرة…”
قال مقتضبًا….. “زيادة تاكيد…..”
بدأت تاكل وصوت البيانو يشاركهما
الخلوة الرائعة….فقالت بعفوية…
“الفيو من هنا يجنن… المكان كله يجنن…”
قال عاصم بحنان….
“انا معنديش مانع اجيبك كل يوم نتعشا هنا…”
قالت بوجنتين حمراون وعسليتان
خلابتان… “أخاف تزهق مني…”
اخبرها عاصم بتوله…..
“انتي الوحيده ياشـهـد.. اللي مينفعش ازهق منها…”
الرحمة أرجوك ، جميل إسمها على لسانه وكانه
يسقي احرفها الثلاثة بالحب فتتوغل الى قلبها
فورًا وكانه يحدث قلبها سرًا…
راقبته شهد من أسفل رموشها بانه يرغم نفسه
على ان يأكل لقمة او اثنين ويظل يمضغ بهم
لوقتٍ طويل…..
دفعها الفضول فقالت بتساؤل….
“شكل الأكل مش عجبك… ولا موسوس كالعادة…”
قال مقتضبًا.. “الاتنين….”
تركت الشوكة والسكين جانبًا ومسحت فمها
بمنديلا ورقي….ثم سالته بحيرة….
“نفسي افهم طالما ملكش في المطاعم والجو ده..
بتعمل كدا ليه في نفسك….”
اخبرها دون النظر اليها….
“عشانك…. عشان ابسطك….”
انتفض قلبها بين اضلعها وذابت مفاصل اعصابها فسارت نشوة غريبة في كامل جسدها ورغم
ذلك قالت بواقعية…..
“انا أقل حاجة ممكن تبسطني….مش لازم تجهد نفسك وفلوسك في كل ده….”
رفع عيناه عليها قائلا بجفاء…..
“مش دي الجملة اللي مستنيها منك….”
عضت على باطن شفتيها فمدت يدها ترتشف
القليل من الماء ثم اقترحت بتردد وهي تضع
الكأس جانبًا…..
“اي رايك نرقص سوا…. صوت البيانو يجنن….”
كانت تتوقع الرفض منه لكنه نهض عن مقعده مكتفي
بايماءة ووجهه لا يعبر عن ما يجول بخاطره الان…
رقصا بطريقة مختلفه عن السابقة فقد احتوى خصرها النحيل بكلتا يداه مقربها منه وهي وضعت يدها على صدره لفرق الطول بينهما…
شعرت في تلك اللحظة بمضخة قلبه العنيفة
اسفل كفها….في حين تسارعت دقات قلبها
بقوة تضاهيه وهي ترفع عيناها عليه مأخوذة
بهيئته المهلكة عن قرب انه شديد الوسامة
والرجولة وبنيته الجسمانية الضخمة تقشعر
بدنها….
فيزداد ازدرد ريقها وكانها محمومه بين ذراعيه وها
هو الانجذاب يزداد خطورة معه والحميميه تطفو
على مشاعر كلاهما دون سابق إنذار…..
تبادلا النظرات معًا وسُبُل الحب تعرف صبابة
قلوبهما المتوهجة به الان….
ضمها عاصم الى صدره برقة وحنان فأرتاحت
برأسها على صدره النابض بقوة وعند سماع
خفقات قلبه همست بإسمه بتعب دون ان تعي
على نفسها….”عـاصـم….”
“ارتاحي ياحبيبتي…. انا جمبك….”
قالها وهو يميل عليها دافنا وجهه في عنقها ويداه
تضمها بقوة حانية وكانه يعمل فعليا على ان
يخبؤها بين اضلعه لعله يرتاح ويريح قلبها…..
همس بنفسًا ساخن بقرب اذنها وشفتاه تلامس عنقها دون قبلات فزاد هذا من قشعرتها وطغى عليهما بنشوة الحب لذة……
“اه من هواكي ياست الحُسن…. آه ياشـهـد…..”
باخر تأوه خافت له زاد ضمها لصدره ومشاعرهما
معًا تذوب مع أوتار الموسيقى الرائع ، وصوت الأمواج الثائرة يشارك خفقات قلوبهما العنيفة
الان…..
هذا أول أعترف بالحب منه بان هواها اضنى
قلبه ؟!..
وماذا عنها فهي أمام قوة مشاعره تسلم كافة حصونها مستقبله بنهم أول شعور دافئًا يلفها
به…
ان قلبها مصابٍ بالجفاف وكل ما تريده الان منه ان ترتوي من الحب دون مقابل ، وهذا ما يجعلها تظهر امامه بصورة المرأه الانانية باردة المشاعر ، صُنعة
من زجاج صلب ؟!…
اغمضت عيناها في احضانه مسالمة طامعه في الكثير من الحب من المشاعر والراحة…فقد اتضح
ان عناقه هو ملاذها الضائع وأخيرًا وجدها !…
…………………………………………………………..
أنزل سلطان كوب الشاي عن فمه وهو يرمق صديقه
باستنكار قائلا….
“انت بتفكر غلط…ذنبها اي بنت عمتك تدخلها معاك في لعبه زي دي…..”
تحدث حمزة بتجهم….
“ومين قالك انها مش مستفادة….زي مافهمتك انا
بحافظ على مالها وفي نفس الوقت برجع حقي
وحق أخواتي…”
رد سلطان يقارعه….
“واجب تعرفها وليها حق تختار…”
هتفت حمزة مستهجنًا….
“وافرض رفضت وبوظت كل حاجة هكسب إيه
انا…هرجع لنقطة الصفر تاني…..”
هتف سلطان كضمير المتكلم….
“يعني تغشها بطريقه دي…..انت كده بتلعب
بمشاعرها ياجدع….”
برر حمزة باستهانه….
“يابني هو انا قولتلها بحبك…كل الحكاية اني قولتلها انها عجباني وعايز اتجوزها….. ”
ابتسم سلطان بسخرية ثم برجاحة
عقل تحدث….
“يعني لما تجوزها عشان عجباك… غير لما تجوزها
عشان تعرف ترجع حقك من أبوك….وانت شرط
على أبوك وقتها لانك واثق ان مفتاح قلبها في
إيدك ومتأكد انها هتوافق عليك…”
ثم لوى شفتاه بتهكم مضيف…..
” كل ده وملعبتش بمشاعرها… فوق ياصاحبي انت بتوحل نفسك في حكاية كبيرة هتطلع منها صغير اوي قدامها بعد ما تعرف الحقيقه… ”
هز حمزة راسه بتعنت….
“وحتى لو.. مش هتنفع غير كده الفرصة مش بتيجي
للي زيي غير مرة واحده يا استغلها يا اسبها تروح
لصاحب النصيب…..”
ثم استرسل حمزة وصدره يشتعل كمرجل ناري
من مجرد التخيل…..
“بالك يعني عثمان الدسوقي هيغلب معاها…ممكن
يزق عليها اي واحد نصاب….يعلقها بيه وتجوزه وياخد منها التنازل برضو…..”
تافف سلطان بوجوم….
“انا نصحتك وانت حُر بس في الاخر مترجعش
تقول ياريتني….”
اوما حمزة براسه قائلا بصلابة….
“لا من الناحية دي أطمن….اللي بعمله هو عين العقل
دا حقي وحق أخواتي البنات….”
انتاب سلطان القلق على صديقه فساله
بريبه…..
“تفتكر ابوك هيعديها كده بساهل لما بعد كام شهر
من جوازك يكتشف انك نصبت عليه ولا هتديلو تنازل ولا غيره…..”
رد حمزة بجسارة….
“أعلى مافي خيله يركبه…هيعمل اي يعني…”
زم سلطان شفتاه بعدم ارتياح…..
“ربنا يستر …. على اللي كنت بتحكهولي اتوقع
منه اي حاجة…..”
ساد الصمت قليلا وهم يرتشفا المشروبات
الدافئة…..
كانوا جالسين امام ورشة الخشب الخاصة
بسلطان يتابعا حركة الشارع الرتيبة بعينين
شاردتين……
حتى قطع الصمت سلطان الذي
قال بتهنئه…..
“صحيح مبروك لشهد…وكيان…..عقبال الفرحة الكبيرة.. ”
اجابه حمزة وهو يرمقه بعتاب….
“الله يبارك فيك….مجتش ليه بقا انت ومراتك
دا انا حتى عزمتك….”
هتف سلطان معتذرًا…
“رجعت من السفر هلكان نمت ماقمتش غير تاني
يوم العصر……سامحني ياصاحبي متعوضة في
الفرح الكبير ان شاء الله….”
اوما حمزة براسه ناهضا عن مقعده
وهو يقول….
“ان شاء الله…….انا همشي انا عشان أكمل شغلي…”
نهض سلطان معه معترضًا….
“ما انت قاعد ياجدع…مش اتفاقنا نتغدى سوا…”
شكره حمزة وهو يتجه الى سيارته….
“بالف هنا ياصاحبي.. هتغدى مع اخواتي عشان ميبقوش لوحدهم….عايز حاجة….”
لوح له سلطان بيده قائلا بخشونة….
“لا عايز سلامتك…هبقا اكلمك في التلفون أشوف
الأمور وصلت معاك لفين…..”
عندما غادر حمزة بسيارة….عاد سلطان جالسا على مقعده امام الورشة ثم اشعل سجارته ورفع عيناه
على شرفة شقته فمنزل عائلته يقبع امام الورشة
مباشرةً…
أبتسم عندما وجدها تدلف اليها حاملة سلة صغيرة
من الملابس….ترتدي اسدال الصلاة……
زادت البسمة مشاكسة على محياه وهو يرفع
هاتفه على اذنه…فاختفت لثوانٍ وعادت بالهاتف
ترفعه على اذنها وهي تنظر اليه من شق الستائر
المغطي أطار الشرفة بملامح عابسة…..
فسالها سلطان بمناغشة…..
“بتعملي اي يامجنونة….”
رمقته شزرًا ثم اجابت بتبرم….
(بنشر الهدوم…مش شايف يعني….)
قطب حاجباه مستفسرًا….
“وانتي قلبه عليا كده ليه…..”
اندفعت داليدا تخبره دون مواربة….
(انت عارف… عشان مرحتش قراية فاتحة
كيان…..لا سبتني أروح معاك ولا من غيرك…)
هز راسه متاففًا وهو يراها تتابع نشر الملابس
دون النظر اليه…..
“لا حول ولا قوة الا بالله…. بيقولوا الإحساس نعمة
وانتي مفيش رحته…..”
نظرت اليه بدهشة..(والله….دا الكلام دا ليه…)
تراجع عن الحديث محاولا نيل رضا الأميرة
المدلله…..
“مش كنت تعبان انا ياداليدا ورجعت نمت علطول..
وبعدين تروحي إزاي من غيري لازم ابقى معاكي تتخطفي يابت…..”
هتفت بضجر……(انا مش صغيره على فكرة…..)
ابتسم بمناغشة لذيذة….. “انتي نونه….”
ضحكت فورا…بينما قال هو مبتسمًا
“ايوا كده خلي الشمس تنور…. بدل قلبة البوز اللي تسد النفس دي….هعوضهالك يادودا فرحها قريب
يعني مش بعيد….. ”
صمتت قليلا ثم حاولت ان تلطف الجو بينهما
فقالت بدلال شقي يليق بها….
(سلطن…. تحب تأكل اي على الغدى….)
تسارع نبض قلبه وهو يبتسم على هذا
التدليل السخيف لاسمه……
ثم قال لها مشتهيًا…..
“بمبار ومحشي مشكل وبطه… الواحد هفتان
اوي يادودا من بعد سفرية الشغل دي…”
افترت شفتيها بصدمة لبرهة ثم لم تلبث
إلا وقالت برضا تام…..
(خلاص عرفت انا هعمل إيه…مكرونه وبانية….)
رفع حاجباه مشدوهًا ثم تمتم بعدها
بتجهم….
“والله !!….لا اعملي على قدك بقا… عشان انا
كدا كده هاكل عند امي…..”
ضحكت بتشفي وكانها كانت تنتظر هذه الجملة
منه حتى قالت بجذل……
“يازين ما اخترت والله… انا كمان هنزل اتغدى
تحت عند امك …”
لوى شفتاه قائلا…..
(تعرفي انك عنوان للبجاحه…..)
قالت بتهكم….
“متعلماها منك يابتاع الخوخ…..”
ضيق عيناه مهددًا بانتشاء….
(هنرجع للسيرة دي تاني..هطلعلك ياداليدا…وانتي عارفه لو طلعت هعمل إيه….)
احمرت وجنتاها على سيرة هذا التلميح
الوقح……فقالت بتقهقر…..
(خلاص سكتنا….أقفل بقا خليني اكمل نشير…)
أمرها بخشونة قبل ان يغلق
الهاتف….
“شدي الستارة طيب وانجزي…..”
(حاضر… سلام ياسلطن….)قالتها بابتسامة
حلوة التقطها بعيناه وحفظها قلبه…..
وضع الهاتف في جيب بنطاله مغمغمًا
بتعب…..
“سلطن تعب يابنت عمي…..وجاب آخره….”
………………………………………………………….
دخلت من باب المكتب وبين يداها صنية عليها فنجانين من القهوة…..بخطى واثقه ومستقيمة
اقتربت من مكتبه….
وكان جالسًا مع احد الوكلاء….وعندما وقفت
امام عيناه مباشرةً تلعثم قليلا في الحديث
واخطأ عدة مرات وعيناه تذهب اليها…..
“تحب اجبلك حاجة تانيه يا استاذ….”سالته بابتسامة
رزينة لكن ومض عيناها شديد الشقاوة والدلال..
جعله يطيل النظر اليها قليلا ثم
قال….
“لا ياكيان…. شكرًا روحي شوفي شغلك….”
استدارت عائده ادراجها حيثُ مكتبها بالخارج…
وبعد ساعة ونصف خرج العميل وعلى وجهه الرضا
التام بعد تلك المقابلة المثمرة…… القت عليه كيان
التحية ثم دلفت الى المكتب بيدها دفتر صغير
تسجل في اهم مواعيده لليوم….
اطرقت على الباب فدخلت…. فوجدته بانتظارها
فكان يترك كل شيءٍ امامه مرتخي للخلف بظهره على المقعد الدوار الذي يتحرك يمينا ويسارًا
بفعل اهتزازه بسيطه منه….. وعيناه
عيناه تسبح في تفاصيلها تلتهماها دون حياء
فسرت قشعريرة بكامل جسدها وتخضبة وجنتيها بخجلا فأطرقت براسها أرضا وكادت ان تتعثر
في السجادة لولا تمسكها…..
عندما وقفت امامه بعد معاناة قالت وهي تنظر
في دفتر المواعيد…..
“في وكيل هيوصل كمان نص ساعة و…..”
“كيان….”
قاطعها عندما نادى باسمها فاعطته كامل تركيزها…
فالتوى ثغرة في ابتسامة ذكورية مشاكسة قائلا…
“انتي مش ملاحظة اننا من الصبح بنتكلم في
الشغل….”
حكت في عنقها بحرج…..
“طبيعي يعني إحنا في الشغل….يبقا هنتكلم في الشغل…..”
مالى على المكتب قليلا وأشار على
المقعد المقابل له….
“ممكن تنسي الشغل شوية…قعدي يا كيان…”
عندما جلست بلعت ريقها متوجسة بعد
ان اخبرها سليم….
“انا حددت الفرح مع باباكي بعد شهرين بظبط…..”
اومات براسها…. “اه عارفه….”
عقد حاجباه مستفسرًا….
“لحد دلوقتي مسالتنيش هنعيش فين….”
نظرت اليه وحركت اهدابها ببراءة…
“افتكرت انك هتعيش مع عمو مصطفى…..”
انبسطت ملامحه قليلا ثم استفسر
بحيادية….
“انا نفسي طبعا….بس المهم انتي عايزة إيه….”
اسبلت اهدابها مفكرة…فوضح هو بهدوء…
“انا عندي شقة في مكان كويس….ممكن اغير في الديكور بتاعها تعملي حاجة على ذوقك…اي رأيك..”
فهمت دون توضيح أكثر ، انها الشقة الذي كان
مقدر له الزواج بها مع ايتن وان ديكورها صمم
على ذوقها العريق….
رغم شعور الغيرة القاسٍ على روحها اجابة
بثبات……
“مش لازم….انا عايزة اعيش في شقة باباك…يعني
اهو نونسه بدل ما نسيبه لوحده كده….اي رأيك..”
قال سليم بمشاكسة….
“انا كده بدأت اغير من سيادة المستشار….”
ابتسمت كيان مؤكده….
“لازم تغير لانه واخد مكانه خاصة في قلبي…”
سالها بصوتٍ أجش وعيناه تسبح في فلك
عيناها بضياع…
“وانا مخدتش ركن صغير في قلب عصفورتي…”
اجابته بعفوية… “انت واخد قلبي كله يا استاذ….”
فغر شفتاه فلم يتوقع اجابة صريحة
منها… “انا إي ياكيان…..”
ابتسمت بمراوغة وقالت..
“مش بحب اكرر كلامي مرتين…على فكرة انا هخرج
ساعة بدري…..دا بعد اذنك طبعًا…..”
عبست ملامحه فجأة….. “راحه فين بقا….”
قالت بهدوء…. “معزومه عند ناس صحابي….”
سالها بخشونة…. “يطلعوا مين صحابك…..”
ضحكت قائلة…..
“صحابي ياسليم….أطمن كلهم بنات….”
“والعزومة دي فين.؟…”ازدادت سعة التحقيق
معها وكانها متهمة !..
فقالت بصبرٍ…..
“في بيت واحده من صحباتي اي اسئلة تانيه…”
ازدادت علامات الرفض على وجهه….
“من امتى الخروجات دي…وبعدين انا كنت
ناوي اعزمك على الغدى النهارده….”
قالت مؤنبه إياه….
“وتسيب عمو يتغدى لوحده…دا ينفع..”
تبادلا النظرات بصمت فقال سليم
بتجهم…
“يبقا اوصلك بنفسي عشان اطمن….”
قالت كيان برفض…..
“طب والوكيل اللي جاي كمان نص ساعة….خليك
انت وانا أول ما أوصل هرن عليك مش هتخطف
يعني…”
…………………………………………………………
بعد ان انتهى يومًا شاق في العمل….عاد للمنزل
عصرًا في موعد الغداء…..
وعندما أغلق الباب خلفه سمع صوت اغنية شعبية
تصدر من مطبخ والده !….
كان هذا الأمر مريب بنسبة لرجلا لا يسمع إلا اغاني
محددة للست ام كلثوم فقط وهذا لأجل (هالة)
حبيبته التي كانت تعشق صوتها….
قاده الفضول فخطى بخطواتٍ حريصة الى المطبخ
كي يرى سبب تغير والده المفاجئ في ذوقه في الأغاني…..
خصوصا ان الاغنية المذاعة لمطرب شعبي
قديم….وكانت الموسيقى صاخبة قليلا والمغني
يقول…..
(انا قلبي عندك وانت قلبك مش هنا اديني قلبك واللي انت عايزة عندنا…. ااه اديني قلبك وخد
قلبي ااه اديني قلبك وخد قلبي…. خلي المحبه
حبة حبة تجمع شملنا…)
وقف عند باب المطبخ ولم يتوقع ما تراه عيناه…
(كيان) هنا في مطبخهم تطهو مع والده الطعام
وهي تضحك مندمجه هي ووالده مع المغني
الذي استرسل قائلا…..
(طول عمر قلبك دا غالي علينا ويامه روحنا معاه وجينا وشيلنا حبك في رموش عنينا…بس انت ليه مبقتش جمبي تملي ليه تتعبلي قلبي ااااه….)
(اديني قلبك وخد وقلبي…اديني قلبك وخد
قلبي..خلي المحبه حبة حبة تجمع شملنا…)
كتم سليم ضحكاته وهو يراها تقلب في الاناء
على النار… مدندنة مع الاغنية بعفوية دون ان
يغطي صوتها على صوت المغني…..
وكان والده يشرع في وضع الطاجن بالفرن وهو
يردد كلمات الاغنية بروقان ولم يرى والده سعيدا
هكذا من قبل وكانه مع تلك العصفورة عاد به
العمر للخلف لزمنا أشتاق الى عنفوان الحياة
به و الأقبل عليها بروح الصبى !…
أسند سليم كتفه على الجدار وهو يتابع هذا
الاندماج الرائع وهم يطهو معًا اصنافٍ شهية
بروائح متناغمه مع أوتار الموسيقى الصاخبة… صخب رائق وهذا وصف غريب !……
كانا معا كالأب والابنة في هذا المشهد كان هذا
الحلم الذي يسعى سليم بان يحققه لها…
وقد تحقق دون اي تدخل منه….وكأن والده وجد ابنته أخيرًا ، وهو مع والده وجد حب حياته
الضائع…..
انتبهت كيان لوجوده فابتسمت وهي تردد كلمات الأغنية دون ان يغطي صوتها على المغني….
وعيناها اسيرة عيناه السعيدة برؤيتها هنا….
(شغلت بالي شغلت بالي ولا انت داري باللي
جرالي تنام واسهر انا الليالي…)
ضحك سليم دون صوت واعطاها قبلة في الهواء دون ان يلاحظ والده وجوده حتى الآن….
فابتسمت كيان وهي تتابع الاغنية مدندنة
بنعومة….
(رغم العذاب وزعلي منك مقدرش يوم استغنى عنك اه..اديني قلبك وخد قلبي..اديني قلبك
وخد قلبي خلي المحبة حبة حبة تجمع شملنا…)
اشارة له بان يقترب ففعل والابتسامة الجذابة
تزين محياه……
فمدت يدها له بالمعلقة الخشبية….فاشار سليم
على الحلة الانيقة فاشارت له ان ينزع السترة
ففعل وهو يقهقه عاليا وشمر عن ساعدِهِ..وبدا
يقلب في الاناء وهي بجواره تتابع تقطيع
البصل…..
فأستمرت كلمات الأغنية لأخر جزءًا بها وهي
تدندن معها دون ان يعلو صوتها…..
(اديني حبك وخد حناني ريحني جمبك ولو
ثواني ولا انت قلبك في حد تاني؟…..)
هز سليم راسه سريعًا بنفي وأشار عليها ثم
على موضع قلبه حركةٍ تعني…
(انكِ الوحيدة هنا…. وستظلِ للأبد هنا..)
لوت شفتيها بحسرة…فكانت الاغنية تتضامن
معها قائلة…..
(كتير كتير تزعل وصلحك…وكتير كتير عذبني جرحك….)
ضحك سليم بقوة التعبير بكلمات الأغاني أحيانًا
يحملك غرامات اكثر من المستحق…..
لكنه أحب الأغنية الذي يسمعها لأول مرة معها
فكانت تحمل أول ذكرى شقية وجميلة بينهما
“انت جيت ياسليم….”قالها والده الذي اقترب منه مندهشًا فلم يلاحظ وجوده إلا الآن….
مسكت كيان هاتفها واوقفت الأغنية….بينما
رد سليم وهو يغطي الإناء….
“من بدري ياسيادة المستشار…..واضح انك
كنت مندمج اوي مع عبد الباسط….”
اتسعت ابتسامة والده حتى اطالت حدود
عيناه المجعده….
“يااه ياسليم….تعرف انا بقالي قد إيه مسمعتلوش..
البركة في الاستاذة دي رجعتني سنين لورا ايام ما كنت بسمعه على القهوة مع الحبايب…”
نظر لكيان التي ابتسمت بحرج وهي تنظر الى
سليم الذي سألها بعتاب….
“مقولتيش يعني ان العزومة هنا كنا روحنا سوا وبدري….”
عضت على شفتيها وهي تخبره….
“حبيت اعملهالك مفاجأه…خصوصا ان كان قدامك شويه على ما تخلص…..”
ثم استرسلت بمناكفة وهي تنظر لوالده…
“على العموم…دي عزومة عمو ليا..مجتش منك..”
أفصح سليم…. “مانا كنت ناوي اعزمك…..”
هتف والده بتوبيخ….
“اه كان ناوي يستفرد بيكي لوحده….”
ضحك سليم وهو يحك في انفه بحرج….
فأمره والده قائلا…
“خد خطيبتك واستنوني في البلكونة ياسليم على
ما الطاجن اللي في الفرن ده يتحمر…..عشان نتغدى….”
قالت كيان بحرج…. “اساعدك ياعمو…”
رفض والده قائلا بموده….
“مش مستهله ياكيان….مفضلش غير حاجات
بسيطه ارتاحي…انا واخد على كده..”
كانت ستعترض كيان مجددًا لكن سليم تدخل
قائلا بحرارة وهو يمسك يدها…..
“عين العقل تعالي…تعالي ياعصفورة اما اوريكي بلكونة بيتنا هتعجبك اوي…”
كتمت كيان ضحكاتها وهو يجرها خلفه للخارج بسرعة.. “براحه ياسليم هقع……”
……………………………………………………….
انه الحب الحب الذي يجملنا ويسعدنا…
نتشبث بالحب وكانه(الأم) ومهما زاد الصدع بيننا
وكثرة الخلافات سيظل المسكن الأمن لنا ، ان الحب كالوطن نعلق عليه الخيبات ونهاجره لأميال ثم نعود فنجد الوطن مزال بمكانه ينتظرنا بقدر رحابُ..
هل عليها ان تتوخى الحذر في الحب…كيف وهو
بهذه الروعه ، انها بالحب تشعر بانها تحلق عاليا
بين النجوم الامعة تتلألأ معهن ، انها بالحب ترى نفسها أجمل نساء العالم واكثرهن رضا وثقة
بنفس….
ان للحب آثر عميق في نفس المحب يشعرنا بالكمال
يغير نظرتنا للأفضل…..
كانت تقف بجواره في شرفة منزله والذي يطل
على حديقة صغيرة تحيط البنية بالاسفل، ومن
بعد حدود الحديقة السيارات الفارهة المصفوفه
جانبًا….كان الشارع هادئ راقي، الحركة شبه
رتيبة…..
داهم انفها عبق الهواء الطيب يملأه نسيم الطبيعة
المنعش….وصوت زقزقة العصافير ياتي من مكانًا بعيد فابتسمت وهي تغمض عيناها باستمتاع..
وعلى جانب الاخر كان هناك من يراقب ويتأمل بنهم جمالها خفة روحها واقبالها على الحياة بتفاصيلها
الصغيرة……
سالها وسط هذا الجو المفعم بالحب والحياة..
“لسه عند رايك…في اننا نعيش هنا بعد الجواز…”
فتحت عينيها الفيروزية ونظرت اليه مؤكده
بروح حلوة…..
“اكيد…مش كل شوية هتسألني السؤال ده…”
اخبرها سليم بجدية….
“بس مش هنقدر نغير اي حاجة في الديكور هنا..
كل حاجة اتحط هنا بايد ماما…وبابا مستحيل
يغير اي ركن في شقة باستثناء اوضتي….”
سالته دون تعبير مسبق…..
“انت نفسك تغير حاجة في الشقة….”
هز راسه بنفيًا قائلا بنظرة بها لمحة من
الحزن والحنين…..
“لا طبعًا ولا حتى جدران الحيطان ينفع اغير
لونهم دي الذكريات اللي فضلالي منها…”
اومات كيان براسها تخبره بتفهم….
“الشقة أصلا جميلة والديكور مش محتاج تغيير مامتك كان ذوقها حلو اوي….بس أكيد لازم اغير
في اوضتك شوية دا بعد اذنك طبعا…..”
أكد بابتسامة واسعة وكانه نال حلواه
للتو…
“دي هتبقا اوضتك خلاص وليكي الصلاحيات
في ده…..قوليلي انتي عايزة اي فيها يتغير وانا
اعملهولك…”
قالت بحرج….
“ممكن أشوفها….بس لوحدي….”
عقد حاجباه وهو يدعوها
للداخل…
“وليه لوحدك هاكلك انا يعني….تعالي معايا… ”
فتح الباب واضاء الأنوار واشار لها سليم بان تتقدم ففعلت وهي تخطو أول خطوة في غرفة نومهما الخاصة عما قريب……
تأملت المكان من حولها كانت غرفة شاسعة أنيقة
بها طابع رجولي بحت الوانها داكنه والاثاث كذلك
يحتوي على الاساسيات من فراش لمكتب لخزانة
ملابس لتسريحة موجود عليها اغراضه الخاص
وعطره وهيهات من عطره….
الغرفة متشربة من عطره وكانها تهواه سرًا !…
بلع سليم ريقه بقلب يخفق بشدة بين اضلعه ، كم
هي رائعه حين يراها هنا في غرفته في مطبخه
في منزله….حلما يتحقق على أرض الواقع…
وكان الواقع أشد جمالا وروعة من الخيال.. ليته اتخذ هذا القرار منذ زمن ليته لم يعرضها ويعرض نفسه لضلالة الحب !…
ظل مستند على اتار الباب يشاهدها وهي تطلع على
كل زاوية في الغرفة بتأني…حتى رات باب ملحق
بها وقبل ان تساله أخبرها بهدوء…
“دا الحمام تحبي تشوفيه….”
احمرت وجنتيها بحرج انها تتمادى اليوم وكانها طيرٍ
حرًا طليق لو علم شقيقاها بأمر تلك الزيارة لقطعا
من لحمها للطير !…
لكن لا بأس يحق لها ان ترى المنزل والغرفة التي ستعيش بها….وكل ركن بها….
اتجهت الى الحمام وفتحت إياه….. وكانت مساحته رائعة وبه كل ما يحتاج المرء فلن تضطر لاستعمال
الحمام الخارجي أبدًا. فكانت الخصوصيه بهذه
الغرفة اكثر من رائعة…..
تحمست للأمر وارتاح بالها أكثر…..فقالت باعجاب
تبدي رايها في غرفته الخاصة…
“بصراحه الاوضة حلوة اوي…بس محتاجه اظبط
فيها شوية حاجات…هغير الموبيليا والحيطان..”
أومأ سليم براسه دون ان يتحرك من مكانه….
قائلا بنظرة شغوفة بها…
“مفيش مشكلة ننزل المعرض واختاري الاوضة
اللي تعجبك….كمان انا لسه عايز اجبلك شبكتك..
واضح ان الخروجات هتكتر الفترة الجايه…. ”
توترت من نظراته فقالت بتلعثم وهي تتجه
الى المكتب….”اه….هو الاب دا بتاعك….”
اتكأت عليه بعفوية فأنارة الشاشة بصورتها..اتسعت
عيناها وهي تراه يضع صورتها خلفية حاسوبه..
كانت الصورة نفسها التي التُقطت لها سابقًا
على يد (داليدا.)وهي تاكل الدونتس…وحينها
ابدى اعجابه بالايك الأزرق ولم تحبذه أبدًا
وقتها اخبرها انه قيمها من منظوره الخاص….
رفعت كيان حاجبٍ وهي تنظر إليه منتظرة
تفسير فهرش سليم في انفه بحياء ذكوري
لذيذ…..
“الصورة عجبتني فقولت احطها….”
التوت شفتاها بضحكة لئيمة…
“انا فاكره انها مكنتش عجباك وقتها….”
اخرج تنهيدة حارة….
“مع الوقت اكتشفت انها احلى صورة صدفتني..”
ضاقت عيناها بشقاوة….. “متأكد…..”
اوما براسه وعيناه تحكي الكثير
فتخضبة وجنتيها كشعلتين متوهجتين وهي
تنظر للحاسوب سائلة بخفوت….
“ويترى حطتها من امتى على الاب….”
اجابها سليم وهو يتقدم منها….
“من فترة قصيرة…بس انا محتفظ بيها من وقتها..”
لعقت شفتيها قائلة….
“تعرف اني مسحت الصورة من على البروفيل بعدها….ودا بسبب الايك وكلامك…. ”
وقف امامها قائلا بمناورة….
“واضح ان رايي كان اهم من كل الناس اللي عملت
ريأكت لاف…. زي ماقولتي وقتها…”
ابتسمت ببلادة دون ان ترفع راسها
إليه….
“وقتها كان رأيك مهم وبيأثر عليا… بس مكنتش اعرف السبب….”
مد يده يقرص وجنتها بمداعبه..
“وعرفتي يا كيان….”
ضربة يده وهي تقول بشراسة…
“سليم الزم حدودك… وابعد شوية….”
طالت نظرة سليم لعيناها أكثر وكم كانت نظراته شديدة العبث تقطر عشقا يسري في كامل جسدها
فتقشعر مشاعرها بضعف مستشعره الخطر
الوشيك…
انتفضت كيان فجأة تخبره وهي تبتعد عنه
خارجة من الغرفة باكملها…..
“عمو بينادي….عمو بينادي… وسع كده ياسليم
اشوفه عايز إيه….انا جايه ياعموو…. ”
“امتى ده…”قالها سليم بحيرة وهو يلحق بخطاها
ضاحكًا….
” استني ياكيان… نسيت اقولك حاجة مهمة…..”
بعد قليل…
تجمعا على سفرة الطعام وبدا بالاكل والذي كان اكثر
من رائع من يد المستشار الذي شعر بالالفه والراحة بصحبة تلك العصفورة واحس انها عوضا من الله لابنه وعما قريب ستكون زهرة معطرة لهذا البيت
و عصفورٍ لهُ بهجة ينشرها بين ارجاء هذا البيت…
…………………………………………………………..
بعد عدة أيام….
وصل للدور المنشود وكان بصحبة شقيقتيه….
سالته كيان وهي تلتفت حولها…
“هي في الدور الكام ياحمزة….”
“تقريبًا الرابع هي دي الشقة…” اجابها حمزة وهو يشير على باب الشقة…..
وفقوا امام باب الشقة وحمزة اولهم وهم خلفه.. فقالت شهد بحرج….
“كان المفروض نقولها ان احنا جايين….شكلها مش حلو واحنا طبين عليها كلنا كده….”
مطت كيان شفتيها قائلة…
“اي المشكلة يعني ياشهد…عاملين لها سبرايز…”
اتكا حمزة على جرس الباب وهو يهمس لهن..
“زي ما تفقنا ها تفضلوا وراها لحد ماتوافق تروح
معانا ماشي….”
اومات الفتيات بصمت ففتح الباب وظهر امامهم شاب في عمر المراهقة مظهرة مريب يمضغ علكه
في فمه بميوعة وهو ينظر لهما بتمعن…..
نظروا ثلاثتهم لبعضهما بريبة وأول من تحدث
حمزة الذي ساله بشك….
“انت مين يالا…وبتعمل اي هنا…..”
رد الصبي بميوعة….
“انا بشتغل هنا….انتوا مين زباين جداد…”
ثم نظر للفتيات وجمالهن المميز فقعب بضحكة
مائعة…. “شكلكوا سياح…”
مسكه حمزة من ياقة قميصه
بغضب…
“سياح مين يخربيتك قمر فين…”
رد الصبي بتبرم مائع….
“ياخوي كلهم قمرات أهدى… واستنى انديلك
المعلم سرنجة..”
ابتعد الصبي للداخل فوقف ثلاثتهم عند الباب المفتوح يسمعوا اصوت الموسيقى الصاخبة
وضحكات الرقيعة……
قالت كيان بارتياع….
“سـرنجة !…حمزة انت متاكد ان قمر سكنه في العمارة دي….”
اوما براسه متجهمًا… “تقريبًا…”
قالت شهد وهي تلتفت حولها….
“يبقا احنا لغبطنا في الأدوار…اكيد ده مش الدور الرابع…..يلا نمشي…. ”
قبل ان يتحركوا امرهم حمزة
بوجوم…
“استنو اما اشوف العك ده….”
اتى عليهم رجلا عجوز بملامح منفرة للنفس
ونظراته مريعة وقد ازدادت خطرا عندما
أبصر وجوههم الجديدة عليه فسألهم
بابتسامة واسعة…..
“أأمر يابيه… معاك المعلم سرنجة بنفسه….”
اخبره الصبي الواقف خلفه….
“بيقول يامعلم انه عايز واحده قمر…”
تحسس العجوز صدره قائلا بابتسامة أوسع
من المعتاد….
“غالي والطلب رخيص نادي عليهم ياض من
عندك…يختار اللي تعجبه… ”
ثم سال حمزة….. “عايزهم قد إيه….”
هز حمزة راسه قائلا برتياع…
“لا انت فهمتني غلط…..انا شكلي لغبط في
دوار العماره…هو احنا في الدور الكام….”
اخبره وهو يمسد على
صدره….”التالت لمؤخذه….”
هتفت كيان من خلف اخيها
باستنكار…
“ولمؤخذة ليه…ما المؤخذات كلهم جوا عندك….”
ابتسم العجوز وهو ينظر نحو كيان..
“مين بقا الحلوه……”
مسك حمزة ذقنه واداره اليه
قائلا….
“ركز معايا انا…. ياعم حقنة انت….”
اخبره الرجل بحمائية….”اسمي سرنجة يابيه…..”
زم حمزة شفتيه وهو ينظر خلف العجوز حيثُ
النساء الشبه عاريه هناك….
“مفرقتش كتير….هو انتوا بتعملوا إيه هنا بظبط..”
اخبره العجوز بتأثر…..
“بنعمل زار يابيه…بعيد عنك حالة الناس اللي جوا صعبة أوي….”
انطلقت ضحكة انثوية رقيعة من الداخل..فعقب حمزة مهللا…..”الله…الله…ودي مالها بقا….”
اخبره العجوز دون تبسم….
“الاسياد بيزغزغوها…عليها جن شديد حبتين….”
رفع حمزة حاجبه بدهشة….
“والله…… لا ربنا ينتعها بسلامه…..”
اتى عليهم امراتين جميلتان يرتديا قمصان
نوم قصيرة حريري لم تعطي للمخيلة شيء..
اشار العجوز عليهن قائلا….
“وده بقا طلبك يابيه….تحب انهُ قمر فيهم….”
تدخلت شهد بنفاذ صبر….
“مش عايزين حاجه شكرًا احنا اتلغبطنا أصلا
في العنوان….”
قالت احدهن بميوعة وهي تداعب حمزة بالنظرات
الصريحة…
“الله ماتسيبي السُكر يقول رأيه…الله على شعرك المسبسب….ولا عنيك تجنن….”
ابتسم حمزة وغمز لها من باب الذوق….فضحكت
قائلة….”اسمك إيه بقا….”
قبل ان يفتح حمزة فمه اوقفته قائلة
بتغنج….
“استنى متقولش انا هسميك سُكر….”
ابتسم العجوز لهما قائلا لحمزة….
“واضح ان فتون عجبتك….نتكلم في السعر….”
هتفت شهد بضيق وهي تسحب اخيها
للخلف…
“سعر مين ياعم انت… ابعدي يا بتاعه انتي
كمان عن اخويا…..”
انحنى حاجبي المرأه بحزن….فتابعت شهد
بضراوة ….
“قولنالك غلطنا في العنوان…إيه ماصدقتوا…”
ابتسم العجوز ببلادة قائلا….
“شديدة اوي الانسة…..بس حلوة…”
قالت كيان بتبرم….
“ياعم إبرة انت اتلم وخش جوا بقا…”
قال العجوز بحمائية…. “اسمي سرنجة يا انسه….”
لوت كيان شفتيها قائلة باستحقار….
“ياسيدي يعني غلطنا في البخاري….قولنالك غلطنا في العنوان…. يلا ياجماعه قبل ما بوليس الادب يطب عليهم…. ”
ابتعد ثلاثتهم عن باب الشقة…فخرجت المرأه
خلفهم تتعلق في ذراع حمزة قائلة بميوعة….
“بقولك يا سُكر ماتجيب رقمك….”
اتجهت كلتاهما اليها بنفاذ صبر ودفعوها بعيدًا
عن اخيهم لداخل الشقة وهتفت شهد منزعجة…
“رقم مين ياماما ادخلي لحسان تستهوي…ادخلي.
يخربيتك….”
قالت كيان عندما استقلوا المصعد معًا..
“الله يخربيتك ياحمزه….. كنت هتودينا في
داهية…”
قال حمزة وهو يتكأ على ازرار
المصعد….
“كويس ان احنا خبطنا عليهم الأول….”
لوت كيان شفتيها بنزق…
“اه كويس….. عشان تعلق فتون….”
هتف حمزة من بين اسنانه بحدة….والدماء
تغلي في عروقة….
“فتون مين اللي اعلقها….انا بتكلم على الاستاذه اللي
عايشة في عمارة مشبوهة… والله ما هسيبها تنام
فيها ليله واحده لو حكمت…هرجعها معايا بالعافية”
زفرة شهد متدخلة… “اهدى بس واحنا هنكلمها…..”
…………………………………………………………….
اخذت رشفة من كوب الشاي وعيناها متعلقه على شاشة التلفاز تتابع الفيلم بعيناها لكن عقلها في مكانا اخر….مزال يدور في فلك معذبها ، تتأرجح بين القبول والرفض…..
طرق على الباب نشلها من دوامة الأفكار….فنهضت
من مكانها بتكاسل تسأل من خلف الباب….
“مين….”
اتى صوته من خلف الباب
بهدوء….
“افتحي ياقمر….انا حمزة….”
تسارعت نبضات قلبها بقوة…فاتجهت سريعًا الى اقرب مرآة تنظر اليها…وعبر المرآة تأملت وجهها الشاحب والوهن المتمكن منها والحزن الذي
اطال بنيتاها وأطفأ لمعة العنفوان بهم…..
ماذا بها وكانه اخبرها انه سيتزوج غيرها ؟!..
لم كل هذا الاسى المرسوم بخطوط عريضة على
ملامحها الجميلة…انه حمزة….من تحب ومن تريد
ربما الحزن لانه زواج تقليدي بنسبة له…كانت تود
ان يهيم بها عشقًا ، ان يكون مولع بقربها….
لكن هذا البرود يرعبها ، يقتل الامل ويزرع الشكوك
حول تلك الزيجة….تخشى فيما بعد ان يكسر قلبها وان حدث سيكون بموتها !….
اتجهت الى الباب بمنامة بسيطة محتشمة وشعرها
المموج معقود للخلف في كعكة فوضوية.. رغم الفوضى تزيدها جاذبية…..
فتحت الباب ودون النظر اليه قالت
بفتور….”ادخل ياحمزة….”
هتفت كيان بتبرم….
“حمزة بس اللي يدخل واحنا بقا ياست قمر نستنا
على السلم ولا إيه….”
رفعت قمر عينيها بصدمة على اطار الباب لتجد ثلاثتهم ينظروا اليها بإبتسامة شقية اكثرهم
شقاوة هذا المعذب الذي قال بمناغشة…
“مصممين يجوا معايا عشان يشوفوا العروسة…
قولتلهم ومالوا تعالوا….قولولي رايكم برضو…”
خطت شهد خطواتها للداخل وهي تنظر
الى قمر قائلة بوداعه…
“مش محتاج شهادتنا الجواب باين من عنوانه…
ياترى العروسة لسه زعلانه مننا..”
خطت كيان خطواتها للداخل ايضا وهي تقول بتجهم…
“تزعل مننا واحنا جينالها لحد بيتها….دي تبقا قليلة الذوق أوي….”
لكزها حمزة وهو يغلق الباب
خلفه…
“احنا قولنا اي ياكيمو…..”
غمغمت كيان بحسرة….
“ايوا صح…..مش هينفع اكون عمتو الحرباية…”
ثم ربتت على كتف قمر قائلة باعتذار….
“متزعليش مني ياقمر…انا غلط في حقك شوية..”
صححت شهد لها….. “شوية يامه….”
اكفهر وجه كيان مستنكرة….
“لا هما شوية صغيرين..هي اللي عيوطه وقماصة..”
صاح حمزة….. “كيان….”
اغضمت عيناها وهي تقول بنبرة باكية…
“يارب مش عارفه اكون طيبة دقيقتين على
بعض…”
قالت قمر بابتسامة فاتره….
“واضح انك جايه غصب عنك….”
صاحت كيان معترضة بجدية…
“والله العظيم أبدًا..دا انا اللي قايله لحمزة اني
عايزة اشوفك واعتذرلك….”
إبتسمت قمر بنفسا نقية….
“انا مش زعلانه منك ياكيان…حصل خير…”
تهللت اسارير كيان فقالت بحرارة وهي تجذبها لاحضانها…..
“بجد طب تعالي بقا في حضني ياخطيبة اخويا..”
عندما فصل العناق بينهن…نظرت قمر نحو شهد
وترقرق الدمع في عيناها بتاثر وهي تقترب منها
بحنين…”وحشتني اوي ياشهد….”
عانقتها شهد بفطرة حنانها وحبها النقي للجميع
والذي تلقيه في قلوب كل من يعرفها عن قرب…
وقالت وهي تبتسم في احضانها….
“وانتي كمان والله ياقمر…مع اني واخده على خاطري منك انك مش بترضي تردي على مكالماتي….”
فصلت قمر العناق بينهن وهي تجفف دموعها…
“مكنتش عارفه أرد اقولك ايه…اللي حصل زعلني
جامد منك خصوصا انك سكتي وعنيكي اتهمتني
من غير كلام…..”
هزت شهد راسها توضح لها بوجها يشي بصدق
حديثها….
“والله ابدا انتي اللي فهمتي غلط ياقمر…انا من ساعة
ما المجوهرات اختفت وانا دماغي لفت…اقسم بالله
ما كنت شكه فيكي ولا واحد في المية….”
تدخل حمزة قائلا ملاطفة….
“حصل خير ياجماعه…ما محبة إلا بعد عدوه..”
ثم نظر لقمر قائلا بأمر…..
“قمر لمي هدومك ويلا عشان ترجعي معانا…”
عقدت قمر حاجباها وقالت
بتعنت….
“ارجع فين مستحيل طبعا….”
اثارة حفيظته فصاح بغضب….
“المستحيل اني اسيبك في المكان المشبوه ده..”
هتفت قمر ببلاده…..
“فين المشبوه ده….دي شقتي….”
قالت كيان بحذق…
“هو قصده على الشقة اللي تحت منك..صاحبها
إسمه إبره…. فتحها دعارة…..”
هزت قمر كتفها قائلة…
“انا معرفش حاجة دول سكان جداد…وبعدين انا مالي ومالهم….”
توحش الغضب داخله وهو يقول بغيرة….
“مالك ازاي مش جيرانك..افرضي حد احتك بيكي
منهم….هتصرفي معاه إزاي…..”
ازداد عنادها امامه…..
“انا مليش دعوة بحد ومش بتعامل مع الجيران..”
جز على اسنانه وهو يقول بغضب سائد…
“انتي بتفهمي إزاي بقولك فاتحنها زفت دعارة
تحت….والبوليس بكره يشم خبر ويجي يشمع
العمارة باللي فيها وسين وجيم مع الكل…. ”
قالت قمر ببرودة أعصاب…..
“وانا مالي برضو…انا معرفش حد ولو طلبوا شهادتي…مش هتفدهم….”
“لا دي هبلة….”رمقها بنظر مشتعلة….
“اهدى ياحمزة…..”استلمت شهد دفة الحوار
قائلة بهدوء….
“انتي معترضة على اي ياقمر… انتي لسه زعلانه
مننا….”
هزت قمر راسها بنفي مخففه من حدتها…
“مش حتة زعلانه…بس انا مش هسيب شقتي..”
صاح حمزة باهتياج…..
“وبنسبة لجوازنا إيه… ولا انتي مفكراني هاجي
قعد معاكي هنا….”
قالت بكبرياء… “انا لسه موفقتش….”
وقع الخبر على اذانه كالصاعقة مما جعله يجفل
وهو ينظر لها بصدمة….
بينما قالت كيان بحمائية….
“اسم الله وانتي بتفكري ترفضي اخويا…”
“وانتي مالك انتي انا حُره….”لوحت قمر بيدها بتشنج….
فقالت كيان بضيق… “شايفه ياشهد قلة الذوق. ”
ربتت شهد على كتف اختها…”معلش ياكيان…”
ثم نظرت الى قمر وقالت بمهاودة….
“قمر انتي لازم ترجعي معانا على الاقل لحد مالناس المشبوهة دي تمشي من هنا…”
اسبلت قمر اهدابها قائلة بحرج….
“مش هينفع ياشهد… انا ما صدقت لقيت شغل وهنزل من أول بكرة….”
صاح حمزة متشنجًا….
“شغل اي دا بقا ان شاء الله….”
قالت ببرود…. “مصنع ملابس….”
برقة عيناه بالشر فقال بتحذير….
“مفيش شغل ياقمر…. وارجعي عن الهبل اللي في دماغك ده….احسلك.. ”
هتفت كيان من بينهما بلؤم…..
“هو دا الكلام المظبوط…..الست ملهاش غير بيت
جوزها برضو….”
رمقتها قمر بعدائية…..
“انا مش متجوزه يابتاعه انتي….”
عيل صبر كيان فقالت بشراسة….
“انا بتاعه يابلاعة….انا سكتلك كتير ودا
فوق طاقتي……”
قالت قمر بغضب…. “اللي عندك اعمليه….”
اخرجت لها لسانها قائلة باستفزاز….
“عندي كتير…بس انا محترمة وهسكت عشان اخواتي الكبار واقفين….”
“اخرسوا انتوا الإتنين…..”اطلق حمزة صيحة غاضبة… جعلت كلتاهما تلتزم الصمت….
بينما قالت شهد بصبر أكبر….
“الله يهديكي ياقمر ليني دماغك احنا خايفين
عليكي…..”
نظرت لها قمر قليلا بتردد وقبل ان ترد
طرق على باب الشقة اوقفها….
فسالها حمزة بنظرة حانقة….
“الباب بيخبط…..انتي مستنية حد…”هزت راسها
بنفي فأشار لها بصرامة….
“خليكي مكانك انا هفتح….”
عندما فتح حمزة الباب أبصر الطارق وسريعا انكمشت ملامحه بحنق متاففًا فالذي توقع
حدوثه حدث بالفعل…..فكانت نفس المرأه التي
قابلها في الأسفل…لكنها ترتدي الان عباءة
بيتي ضيقه تظهر مفاتنها بوضوح…
رمقته المرأه بنظرات جريئة وهي
تساله بميوعة….
“أهلا بالسُكر…هو انت ساكن معانا في نفس العمارة….ولا إيه… ”
رد حمزة بقرف….
“حاجه زي كده….عايزة إيه….”
قالت بتغنج….. “شوية ملح….عندك ملح….”
مط شفتيه قائلا….. “مش عارف هسألها….”
قالت بضحكة مائعة…. “هي مين المدام….”
اوما براسه….. “تقريبًا…”
ضحكة المرأه بميوعة قائلة بنظرة صريحة…
“والمدام حلوه على كده….اصل الحلو مايخدش
غير الحلو…. ”
نظر لها نظرة ذات مغزى ثم قال دون
تبسم….”اه حلوة…. حلوة أوي….”
اطلقت المرأة ضحكة رقيعة…
“اه منكم هو مفيش واحد فيكم سالك ابدًا..”
اجابها بالمثل…. “مش لما تسلكي انتي الأول….”
لفت خصلة من شعرها حول اصبعها
قائلة…”على رأيك….مقولتليش اسمك إيه.. ”
“انت واقف بتكلم مين….” اتى صوت قمر من خلفه
التي عندما ابصرت المرأه رمقتها بعينين غاضبتين نافرتين….
“نعم…. مين انتي وعايزة ايه….”
قالت المرأه بنعومة الثعابين….
“انا جارتك الجديدة ساكنه في الدور اللي تحت..”
“وعاوزه إيه بقا ياجارتي ياجديده….”تخصرة قمر
بعصبية ووقفت امام حمزة بمواجهة غريمتها…
رفع حمزة حاجباه للأعلى يتابع العرض الجبار
باستمتاع…..
قالت المرأه بدلع…. “شوية ملح… عندك؟….”
هزت قمر راسها بعصبية….
“لا معنديش……اتكلي على الله….”
نظرت المرأه لها ثم لحمزة وقالت بميوعة…
“طب براحه متزقيش كده….مالازم ميبقاش عندك ملح ما السكر كله هنا…هنحتاج الملح في إيه….ولا
اي ياسُكر….”
لوح لها حمزة قائلا ببراءة….
“بطلي معاكسة بقا المدام واقفة….”
جزت قمر على اسنانها قائلة
له بشراسة…..
“والله شفافه انا مش سمعاك كده….”
“طب والله دمه خفيف.. “ثم مالت المرأه على قمر هامسة لها في اذنها قبل ان ترحل…
” نصيحة مني خدي بالك منه اصله شقي اوي..”
اطلقت ضحكة ذات مغزى وهي تبتعد عنهما….
اغلقت قمر الباب بقوة….
سالها حمزة بفضول…”بتقولك إيه في ودنك….”
فاجابته بشرارة الغيرة…
“بتقول انك شقي اوي….عملتلها اي بقا ياشقي..”
اخبرها حمزة بهدوء….
“ماهي دي الشقة اللي خبطنا عليها بالغلط
وطلعت لمؤخذة ….”
سالته بوجوم…. “وليه بقا بتقول عليك شقي….”
اجابها بزهوٍ…. “عشان انا شقي….”
قالت من بين اسنانها….. “مش بهزر ياحمزة….”
هتف هو أيضًا بجدية صارمة…
“ولا انا بهزر…انا مش هسيبك هنا لحظة واحده…
هترجعي معايا يعني هترجعي معايا….”
عقدت ساعديها امام صدرها
بعناد…”وانا قولتلك لا….”
صاح في وجهها بهمجية…
“هتيجي معايا غصب…وفكري قبل ما اعملها…”
حلت وثاق ساعديها بتافف….
“انا مش فاهمه انت بتعمل كدا ليه….”
اخبرها بغيرة وهو يميل عليها برأسه وانفاسه
الساخنة تضرب صفحة وجهها بلا هوادة…
“خايف عليكي افهمي…مش هبقا مطمن وانتي
بعيد عني كده….”
تسمرت مكانها وهي تنظر اليه بدهشة واختلج
قلبها بين اضلعها بشدة….
انه يخاف عليها و ربما يغار هل هذا مؤشر جيد
في علاقتهما القادمة…..
لم يفهم نظرة عيناها له فظن انه الرفض….
لذا احتدم الامر داخله وهو يأمرها للمرة
الأخيرة….
“بلاش البصة دي… هترجعي معايا يعني
هترجعي قولتي إيه… ”
رمشت بعيناها عدة مرات وهي تنظر اليه ببلاهة
ولم يكن لسانها حليفها الان….
فأنقذتها شهد قائلة وهي تقترب منها….
“موافقة ياحمزة… متحرجهاش اكتر من كده…”
“تعالي ياقمر نحضر شنطة الهدوم سوا….”سحبتها شهد من امامه برفق ودخلا معا أحد غرف النوم
أمام عيناه الهائجة….
همست كيان لاخيها بغمزة شقية…..
“يا ميزو….البت دايبه فيك أوي…طول عمرك
قاهر قلوب العذارى…. ”
التوت زاوية شفتيه في إبتسامة بائسة شديدة البرودة خالية من الحياة ، فمن تلك التي تحب
رجلا ميت ؟!….
…………………………………………………………….
“ايوا ياماما…. الحمدلله بخير… انتي اي الاخبار..”
خرجت الى الشرفة ترتدي اسدال الصلاة وعلى اذنها الهاتف تتحدث مع والدتها باهتمام…
وضعت طبق المكسرات على سور الشرفة وبدأت
تاكل منه وهي تطلع على المارة بالاسفل وصوت
سكون الشارع والليل الدامس عدا عدة محلات
لا زالت مفتوحة من ضمنها ورشة (سلطان..)
مطت شفتيها قائلة بنبرة متحسرة…
“يخسارة… بجد كان نفسي فيه… لما اجيلك المرة الجاية تعملهولي…”
ثم استرسلت وهي تنظر للأسفل حيثُ
ورشة سلطان….
“وبابا عامل إيه…. اكيد البيت ملوش حس من غيري……عشان تعرفه اني بهجة البيت..”
انعقد حاجبيها وهي ترى سيارة فارهة تدخل الشارع
وتصف جانبًا ثم تخرج منها امراة جميلة ممتلأت القوام ترتدي عباءة مطرزة ووشاح حريري تضعه
فوق راسها بعشوائية وذراعيها المكتنزة تغطى
بالاساور الذهب…. انها تلمع بالذهب كمن يروج
لماركة حلي معينة……
ازداد اتساع عيناها وهي ترى سلطان يخرج من الورشة مرحبًا بها بحفاوة…. ومشيرا على المقعد
كي تستريح ثم طلب لها عصيرا من المقهى المجاروة وكل هذا امام عيناها المستعرتين بالغضب…..
“هكلمك تاني ياماما سلام….”
اغلقت مع والدتها وهي تميل برأسها اكثر حتى توضح الرؤية أمامها…
انه يضحك معها ويحاورها باسلوب لبق !
هذا الهمجي المتوحش لبق مع نساء العالم وياتي
عندها ويتحول الى جلف لعين….
اتكات باسنانها على المكسرات بوحشية وهي ترى الالفه والتملق متبادل بينهما….
اشتعل صدرها كمرجل ناري وتغضنت زواية عيناها
بغضب سائد…..
انه يشير على المنزل وهو يتحدث معها وكانه يدعوها لتناول الطعام مثلا…
كريم انت يازوجي العزيز ، لِمَ لا نجعلك وجبة العشاء ونوفر أكثر ؟!…
ضيقت عيناها بشرٍ وهي تراه يقهقه عاليًا… فقلدت
صوته بوجها مشمئزًا من العالم أجمع…..
ثم اتكات على اسنانها بغل وهي ترفع الهاتف
وتجري اتصالا به….
من خلف الستائر وجدته يخرج الهاتف من جيب بنطاله وعندما نظر اليه وعلم انها المتصلة اغلقه سريعًا في وجهها ووضعه على الطاولة جانبًا وهو يعود الى المرأه بضحكات والكلمات المتبادلة….
قالت من بين اسنانها بانفعالًا….
“وحيات امك…. بتقلبني انا…..عشان دي…دي
يابو ذوق معفن… ”
لوت شفتيها وهي تغمغم بقهرة…
“وانا مليش في الكلام الحلو… مش بعرف اتعامل
مع الستات قد كده… وطبعي كده….وانا كده…”
حركت شفتيها بوحشة وكانها تسبه…
“اه ياكداب… قاعد بقالك نص ساعة قدامها
عمال تسبلها بعنيك اللي هخزقهملك قريب…
وضحك ومرقعه وقلة آدب…”
عضت على اصبعها وهي تقول بغضب…
“اعمل إيه…انزل اجبها من شعره…وافضحه في الشارع… ولا ابقى ست عاقلة واستناه لحد مايرجع واساله مين دي… ”
هزت راسها بنفي ولم ترجح الفكرة
الأخيرة معقبة بنزق…
“وانا هجيب العقل منين…..”
فتحت الستارة فجاة وظهرت من خلالها بوضوح
ثم نادت عليه بعلو صوتها…
“سلطاااااااااان…..”
رفع سلطان راسه للأعلى وقد جفل للحظة من صدمة
ظهورها وعلو صوتها بهذا القدر…..
نظرت المرأه كذلك لداليدا بتعجب…..فقالت داليدا
له بابتسامة صفرة واسعة…..
“رد على تلفونك ياحبيبي….عايزاك في حاجة
مهمة….رد ضروري… ها ضروري… ”
اوما سلطان براسه بملامح متصلبة وأشار لها
براسه بصرامة ان تدخل وتغلق الشرفة…ففعلت
على مضض وهي تعيد الاتصال به وهي تقف
في صالة الشقة…..
عندما فتح الخط صاحت
باهتياج…
“انت مبتردش عليا ليه….”
اجابها بغضب مكتوم….
(مش شايفه اني قاعد مع ناس وبعدين انتي صوتك
عالي كدا ليه…..انتي اتهبلتي….)
اربد وجهها غضبا وغيرة….
“ايوا اتهبلت لما تكنسل عليا عشانها يبقا اتهبلت..”
رد سلطان بنفاذ صبر…
(شُغلي ياداليدا…اكل عيشي….اي مشكلتك….)
توحش الغضب بداخلها….
“ومن امتى بيجيلك ناس بعربيات لحد عندك افهم…”
تافف بتململ قائلا ببرود….
(رزق وجه هنقوله للرزق لا… ناس ولاد حلال دلوها
عليا…وجتلي عشان اعملها موبيليا لبيتها الجديد…)
(اي اللي مضايقك….)
جاش صدرها بالغيظ….
“اللي مضايقني اسلوبك معاها ضحك وهزار…
ونظرات…اي حكايتك بظبط….”
رد يقارعها بلا مبالاة….
(حكاية إيه يامجنونه…زبونة ولازم تاخد واجبها..)
مطت شفتيها وهي تقول بنعومة
ساخرة….
“وواجبها ده مش هينفع غير بضحك والهزار…
لكن بالادب…هتاخد على خاطرها منك…ياحرام..”
جاشت مراجلهُ فصاح عليها…
(داليدا انا مش فاضي للهبل والدلع بتاعك ده..اقفلي
عشان اروح اشوف شغلي…)
هتفت بغليان…
“شغلك ولا المسخرة وقلة الأدب….”
جز سلطان على اسنانه وهو يتوعد لها
بوحشية….
(انا اللي هاجي اوريكي المسخرة وقلة الأدب لو مالمتيش نفسك واتعدلتي معايا…..)
تخصرة وهي تقف مكانها بجسد ينتفض
بتشنج….
“اه اظهر وبان بقا على حقيقتك…مانا اللي عملت في نفسي كده….تتعامل برا بالادب وبالاحترام..ومعايا تقلب قتال قتله……طب والله العظيم ياسلطان لو
ما مشيت الوليه الحربوءة دي لهـ……”
بتر سلطان جملتها بشراسة….
(والله لو ما قفلتي دلوقتي لطلعلك واطلع عليكي
القرف والزهق اللي جوايا….)
مطت كلماتها باستهزاء…..
“ياحبيبييي دلوقتي بقيت زهقان وقرفان…مانت كنت من شوية الضحكة من الودن دي للودن ديه…”
عندما لم تجد منه ردًا صاحت
بغليان….
“يابصباص يابتاع الستات الكبار….”
رد ببرود دون ذرة مرح…..
(الدهن في العتاقي بقا….مانتي عارفه….)
كانت فريسة للغضب والغيرة وهي تخبره
بانفعال….
“وانت من يومك طفس….خليهم ينفعوك….اقولك
خلص مع الحربوءة دي وروح لخالتي ام دنيا زمانها
جبتلك الخوخ اللي بتحبه….يبتاع الخوخ يبتاع العتاقي….”
عض سلطان على شفتيه وهو يتوعد
لها بضراوة….
(عيله…..اقسم بالله متجوز عيله….لما اطلعلك يامجنونه..)
اغلق الهاتف في وجهها…فالقت الهاتف على
الاريكة مغمغمة بتبرم…..
“جتك القرف…..انت وهما….”
زفرة وهي تدور حول نفسها بجنون لدقائق حتى ان صدرها كان يرتفع وينخفض من شدة الانفعال….
“متغاظه ليه انا مافي داهية…..”
كانت ستذهب الى الشرفة مجددا لكنها توقفت عند اخر لحظة متبرمة…..ثم اتجهت الى ابسط الحلول لتزيل الغضب والتوتر من على جسدها……
سحبت المنشفة واغراضها الخاصة للاستحمام…ثم
ملأت حوض الاستحمام بالماء والغسول المعطر والقت فيه القليل من الورد الأحمر…
ثم نزعت ملابسها وجلست في المغطس وهي تحاول
ان تصفي ذهنها وتطرد هواجسها جانبًا..
ان الغضب يتمكن منها والغيرة تشعل جسدها وقلبها
يتلوى من الوجع….
تغار عليه !…هذه هي الحقيقه الملموسة داخلها
انها تغار عليه بشدة….
انه ملكا لها وحدها ولا يجب ان تراه أمرأه اخرى
وتسايره وتضحك معه…كيف وهو ملكا لها وحدها
عليه ان يفهم انها تغار وبشدة ويراعي مشاعرها
انها تغار يعالم ، والغيرة كأتون متقد بقلبها هبوطًا
لاحشاؤها…
اغمضت عيناها وهي تحاول ان تسترخي في هذا الماء الدافئ فتلك هي حيلتها عندما لا تجد لغضبها منفذ تستكين في المغطس بين الماء الدافئ
ورغاوى الصابون المعطر تجد ملاذها…..
بعد مدة من الوقت سمعت صوت إغلاق باب الشقة
ويبدو انه عاد……
خرجت من الحمام تلف جسدها بالمنشفة وتجفف
شعرها بمنشفة صغيرة وخرجت اليه بتلك الهيئة…
“داليدا….داليدا…..”
صاحت بتبرم وهي تخرج من الحمام الى الصالة
حيثُ يقف سلطان ينتظرها بهيئة مرعبة تنذر
بالخطر…..
“بتزعق كدا ليه متبرخرتش انا يعني..اديني
مرزوعه أهوه……”
سارت عيناه الغاضبة على هيئة جسدها الغض
المغوي بمفاتنه البارزة الشهيه يلتف في منشفة بيضاء تكشف عن نصف ساقيها ومن الأعلى
ذراعيها وكتفها… شعرها مندي يلتصق في
بشرتها بافتتان ووجهها صافي يلمع وشفتيها
شديدة الاحمرار…..
ابتلع ريقه بتأثر وهو يسالها
بضيق….
“بقالي ساعة بنادي كنتي فين….”
قالت ببرود وهي تتابع تجفيف شعرها…
“زي مانت شايف بستحمه….خلصت قعدتك ولا
لسه….”
عيناه الوقحة كانت تسير عليها بنهم
تلتهماها بنظرات….. “قولتلك انه شغل….”
ارتجف جسدها بتأثر حميمي بعد نظراته
المشتعلة نحوها..
“والله…أصلي افتكرته حاجة تانيه….”
تحدث بعصبية وهو يقترب منها…
“انا لسه ماحسبتكيش على الهبل اللي قولتي في التلفون….”
لم تهابه بل رفعت وجهها بتحدٍ….
“بلاش تبدأ علشان انت اللي غلطان من الأول..ولا ناسي كلمتك…الدهن في العتاقي…خليهم ينفعوك”
ضيق عيناه بخبثٍ…
“وانتي اي اللي مزعلك….تكونيش بتغيري.. ”
لم يعلو صوتها عن الطبيعي وهي تأكد..
“اه بغير…..مش انت جوزي وانا مراتك يبقا
لازم أغير…..وسع… ”
تجاوزته وهي تدلف لغرفة النوم….ووقفت امام
المرآة تنظر لصورتها المعاكسة بها والغضب
جلي على محياها..
وجدته يدلف الى الغرفة فقالت بصوتٍ
أجوف…..
“جاي ورايا ليه….انا عايزة البس هدومي….”
أجاب بصوتٍ لا معالم له…..
“وانا عايز اغير هدومي….”
بلعت ريقها وهي تراه ينزع القميص عنه ويقف
عاري الصدر….مستعرضا سمار جسده الامع
وصدره المشدود الصلب بالعضلات القوية….
اسبلت اهدابها وهي تحاول اشغال عقلها باي
شيء لحين خروجه….ففتحت علبة المرطب
المعطرة وبدأت تدهن كتفها ويدها به…
رفعت عيناها للمرآة بعدها لتجد نفسها عرضة
للمراقبة منه…خفق قلبها بشدة وهربت من
مجال عيناه….
سالها سلطان وهو يقترب منها بتلك الهيئة
المهلكة…..
“اي اللي بتحطيه على جسمك ده…”
“لوشن……بيرطب البشرة… “قالتها وهي تبتلع ريقها
بعد ان شعرت بسخونة صدره خلفها….
مسك العلبة من يدها قائلا… “تحبي اساعدك…..”
رفضت بوهن….. “لا شكرًا انا بـ…..”
اوقفها عن المتابعة وهو يضع القليل من الكريم
على يده ثم مرره على بشرة كتفها….
“خليني اجرب….. مش هتخسري حاجة…”
عندما لمس بشرتها اغمضت عيناها بضعف وجسدها
باكمله اقشعر بنشوة تحت يداه……
احتوى سلطان خصرها بذراع واحده حتى ترتاح على صدره ففعلت بنبضات متسارعة ومشاعرها تسبح مع نشوتها…..
بدأت شفتيه تلامس عنقها بقبلات كلمسات
الورد….ويده الحرة تمر على ذراعها وكتفها
ورائحة هذا المرطب العطر يزكم انفهم……
قالت داليدا وهي تئن بضعف…
“سلطان….كفاية… ”
وكانها تطالب بالمزيد فازدادت قبلاته حرارة على
عنقها وكتفها حتى ادارها إليه وسمعت صوته المحموم يخبرها….
“انا بحبك ياداليدا….. بحبك أوي….”
فتحت عيناها بضعف تنظر اليه بدهشة لتجده
يغلق فمها بقبلةٍ قوية مشتعلة بالكثير من المشاعر الذي يجهل التعبير عنها…
كان هجوم عاطفي جعلها تضعف امام طوفان
مشاعره فتستجيب لها رويدا رويدا محاولة
ان تبادلة القبلات بخبرة معدومة….
كانت تسير شفتيه الشهوانية على ملامحها يقبلها بحرارة وعمق هبوطًا الى عنقها يداعب بشرتها باسنانه…. ويداه كانتا تعملا على احتواء جسدها
كان يضمها بقوة تكاد تهشم عظامها بين ذراعيه الصلبتين…
وكلما حاولت الاعتراض بالهمسات كان يلتقط اعتراضها من بين شفتيها….
وقعت المنشفة أرضا ولم تشعر بجسدها إلا وهو يرتفع عن الأرض على ذراعيه القويتين…
وشفتاه تعمل على تدليل شفتيها بالقبلات العميقة الحارة..
وضعها على الفراش وهو يعلوها…فهمست داليدا
وهي ترتجف بخوف…”سلطان….انا….”
مالى على عنقها يقبلها وهو يشم عطرها
الأخذ…..هامسا جوار اذنها بحرارة…
“متخفيش يادودا…..انا مش هأذيكي….في حد
بيأذي حبيبُ….”
اغمضت عيناها بنشوة مستسلمة له وجسدها
باكمله تخدر اسفل يداه الجريئة….
تمتم بصوتٍ محموم ثائر بالعواطف…
“كنتي فين من زمان ياداليدا….كنت فين وسيباني
كده…. ”
ابتسمت بخجلا….فسند جبهته فوق جبهتها يدللها بالحب والقبلات هامسًا بتهدج..
“بـحـبـكـ…”
ذاب جسدها من فرط الحميمية بينهما…واتمزجت
اجسادهما معًا منصهرة في عناقا موحد ،وعندما
وصل معها لنقطة الفاصلة اطلقت هي بدورها
صرخة عالية كتمها هو بفمه…..ومن هنا اخذت علاقتهما منحنى آخر يختلف عما خططا اليه
يومًا…..
………………………………………………………….
عندما سمعت صوت باب الشقة يغلق وتاكدت من مغادرة والدها…..
خرجت من الغرفة في الظلام تنير كشاف هاتفها
كي ترى بوضوح فكان الجميع في هذا الوقت
نائم وكانت تريد ان تنفرد بنفسها في تلك الغرفة
المغلقة ربما وجدت طقم المجوهرات الضائع….
اخرجت المفتاح الصغير من جيب المنامة وبدأت
بفتح الباب وهو تلتفت حولها كالصوص…
ثم دخلت سريعا الى الغرفة واضاءة نور
الابجورة الخافت فأتضحت معالم الغرفة
قليلا…..
وقفت في منتصف الغرفة تتأملها بعينين شديدة
البرود….
لم تتغير كثيرًا مزالت تحتوي على ابشع الذكريات بداخلها.. كانت هنا تحبس وتضرب وتهان…في
نفس الغرفة فقدت اذنها… فقدت روحها وحياتها… وخسفت بكرامتها أرضًا منذ الصغر……
منذ الصغر وهي تعرف معنى المذلة وكيف
تكون وحشية الرجال عند الغضب..
سحبت انفاسها المسلوبه بصعوبة وكانها تختنق بداخل تابوت محكم…..والغرفة فعليًا كانت تابوت
لها منذ سنوات طويلة عاشتها قسرًا وقهرًا
ومزالت مستمرة حتى الان !…..
حاولت ان تكسب وقتًا فبدأت تبحث عن المجوهرات لعلها تجدها في مكانا ما هنا…
وبعد بحثًا دام لبضعة دقائق وجدتها في أحد الادراج
المحكمة والتي تغلق بمفتاح لزيادة الحرص….
لكنها تمكنت من فتحها بالحيلة فقد نزعت الجارور العلوي وتمكنت من رؤية المحتويات الموجودة
في هذا الجارور المغلق…لتجد شيء يلمع كالماس
في الظلام….
التقطت اياه سريعا وعندما ابصرت انه عقد من
ضمن طقم الالماس المفقود ابتسمت بارتياح على
أمل ان تجد المتبقي من الطقم في اي مكانا هنا…
وضعت العقد على سطح المكتب…ثم ارجعت
وعندما استقامت واقفه وقع العقد أرضا فمالت
عليه تتناوله بيدها لتجد حذاء أسود يدعس
يدها أسفل العقد بقسوة….
كتمت تاوهة وهي ترفع عيناها المتألمة على
صاحب الظل الاسود لتجد عينين تشعان
قتامه مخيفه مغلفة بالوحشية….
ولم تكون سوى عيون والدها الذي يدهس يدها
أسفل حذاؤه الان بمنتهى الجبروت سائلا
بصوت يفوح منه الشر والخطر…..
“بتعملي اي عندك….”..

google-playkhamsatmostaqltradent