رواية الحب اولا الفصل الواحد و العشرون 21 - بقلم دهب عطية

الصفحة الرئيسية

    رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية الحب اولا الفصل الواحد و العشرون 21

انعقد لسانها امام عيناه المنتظرة إجابةٍ مقنعة وتبرير واضح على تلك المهزلة التي بغباؤها وضعت نفسها
بها مجددًا وامامه….. لحظة صمت باردة كانت تحوم
مجمدة كلاهما بقلب السيارة….
والصمت كان مريع امام سؤال علم بعد شحوب وجهها وصمتها ان الإجابة لم ترضيه أبدًا…
“ساكته ليه…. فهميني؟….”
تصلبت شفتيها بوهن ونظرت أمامها محاولة التحدث
ان تخبره بأمر السرقة لكنها فشلت فشلا ذريع
ووجدت لسانها شل في محجرة……
“الإجابة صعبة لدرجادي؟!…”
كان حائرًا من صمتها متعجبًا من ملامحها المجفلة
الشاحبة والتي تشي بالكثير…
سحبت نفسًا مضطرب ثم عادت اليه بعينين جامدتين
وكانهما صنعا من زجاج صلب لكن رغم الصلابة
مرئيا وترى الحزن والخوف بوضوح بهما….
“طقم المجوهرات اتسرق…..”
نظر لها عاصم مستفسرًا بعدم فهم…..
“اتسرق إزاي…خرجتي بيه ففي حد سرقة منك..”
“اتسرق من بيتنا….” قالتها مقتضبة وشعور الخزي يموج بحلقها بطعم الصدى….
رفع عاصم حاجبه متوقعًا.. “أخوكي خده…..”
قالت باندفاع وبحمائية
شديدة….
“حمزة ميعملش كده….”
“فهمت…” قالها وهو يومأ براسه بعد ان حصل على الإجابة دون الضغط عليها أكثر…..
رفع عيناه بتحفظ اليها مؤنبًا بالقول..
“وليه محكتيش من الاول…. وايه لازمتها تلبسي
حاجة فلسو وتقليد….بتستغفليني…. شايفني مغفل
ياشهد ؟!….”
بللت شفتيها بحرج وهي تقول
بتردد….
“انا عارفه ان الطقم غالي… بس انا قولت هحاول ارجعه من اللي خده… أو أحاول اسددلك تمنه..”
تشدق بدهشة…. “تسددي تمنه ؟!…”
اكدت شهد وهي تقول باتزان….
“ايوا يعني أفرض محصلش نصيب بينا… أكيد لازم
ارجعلك حاجتك دي الأصول…..”
ازدادت نظراته قتامة بعد حديثها فـعقب
بسخرية لاذعه….
“لو كنتي متربيه على الاصول وعرفاها كويس مكنتيش هتقولي الكلام ده….”
عقدت حاجبيها بعدم فهم… “اي اللي قولته غلط…”
هتف عاصم بحشونة صارمة….
“كل كلامك غلط… قسوة قلبك غلط….انتي مش بتقسي عليا انا… انتي بتقسي على نفسك….اي
لازمة كلامك ده…انتي ليه محسساني اني خطبك
تحت التهديد…او بيكي هوصل لحاجة معينة
في دماغي اي ده ؟!…. ”
وكانه القى عليها دلوٍ بارد…لذا قالت بتحفظ
قدر المستطاع….
“انا قولت افرض محصلش نصيب… أفرض..فين
الغلط هو في حد ضامن عمره…ضامن هيبقا مع
مين بكره ؟!..”
وكانها غرزت نصل حاد في صدره…فقال بعد
لحظتين من الصمت…..
“على الاقل انا عارف انا عايز إيه… وهكمل مع
مين لو ربنا مد في عمري… لكن انتي…”
ارتبكت حدقتاها بعد هذا التلميح ومع ذلك ظلت تتابع الحديث بعينين عنيفتين في كبت الوجع….
فتابع عاصم بوجوم…
“طول الوقت بتلمحي ان اللي بينا هيكون شيء
مؤقت وهينتهي من قبل ما يبدأ….وده علطول
بحسه في كلامك ونظراتك…. ”
اخذت نفسا مرتجف وهي تنهزم امام قوة
مشاعره نحوها…..ليتها قادرة على ان تجاري
الحب….لكنها على علم ان الإستمرارية به
تحتاج اشياء اكثر من مجرد كلمات اكثر
بكثير وهي لا تمتلك ايا منها ؟!…
“اللي مستغربه انتي ليه وافقتي من الأول طالما
في نيتك تبعدي… مش فاهمك…”
قاومة رغبة البكاء والضعف الذي انتابها
فجأه لماذا يضغط عليها بهذا الشكل…
تحدث عاصم بصوتٍ حاسم صلب….
“على العموم يابنت الناس انا لما سألتك في الأول
مش عشان استفسر على حاجة بقت بتاعتك.. طقم
الالماظ من ساعة مادتهولك وهو بقا بتاعك ضاع اتسرق اتباع مش قضيتي دي بقت حاجتك متخصنيش…. اللي يخصني انتي… مش
اي حاجة تانيه…”
خفق قلبها بتأثر وشعرت بمشاعر ترفضها رغم
جمالها !..
لماذا انت رائع….. اخبرني لماذا تسيطر عليا
بروعتك طوال الوقت !!….
تابع عاصم وعلى محياه الغضب والاستياء
من كونها لا تكف عن التلاعب والغباء…..
“ولما سألتك…سألتك لانك غفلتيني وده عيب ومينفعش…وبرضو بترجعي تختاري السكك الصعبة
معايا وبتسلكيها… مع اني قولتلك مفيش احسن من الصراحه معايا…. كان ممكن تحكيلي كل حاجه…. ومش عشان المجوهرات… عشان المفروض لما تحصلك اي حاجة اكون انا أول واحد يعرف… مش اعرف بالطريقة دي ويبقا شكلك قدامي كده….”
رمشت بعيناها وهي تشعر بالاختناق…فاضاف
عاصم بقسوةٍ……
“كسبتي اي دلوقتي ياشهد… غير انك وجعتيني
من تاني…. وطلعتيني قدام نفسي قد كده….”
ازدردت ريقها ولم تجد كلماتٍ مناسبة فعقلها
توقف منذ ان حاصرها بكلماته…..فاسترسل
عاصم بجدية قاطعة….
“اه صحيح حتى لو سبنا بعض ومحصلش
نصيب زي ما بتقولي….اي حاجة جبتها بتاعتك متلزمنيش بما فيهم الخاتم اللي في ايدك…عاصم الصاوي مبيخدش هدايا او شبكة جبها…انتي لسه
متعرفنيش كويس… وده اللي يغفرلك عندي…
انك متعرفنيش…. ”
رفعت عيناها اليه فرفع اصبع التحذير
قائلًا بوجها اربدّ من كثرة الغضب والضغط…
“اياكي ياشهد تستغفليني او تكدبي عليا….انا
مفتاح قلبي الصراحه…خليكي صريحة.. وبلاش
تغيري نظرتي عنك….”
كان كل عصب به نافرًا هائجًا لذا قال
هو بهدوء فولاذي….
“انزلي…. انزلي يا شهـد….”
أخيرًا وجدت صوتها بين طيات الظلام..فقالت
برجاء…
“عاصم… ممكن تسمعني….انا عملت كده عشان متفكرش اني جشعه وبعت الطقم عشان طمعت
في تمنه…”
قال عاصم ببرود…
“ماممكن تكوني عملتي كده فعلا….”
أقسمت بعينين مشدوهتين….
“والله العظيم أبدًا الطقم فعلا اتسرق….”
قال بصوتٍ هادئ لكنه معانيه صلبه
ومؤلمة على روحها….
“مصدقك…..صدقتك لما حكيتي مع انك لبسه نفس التصميم بس فلسو… مع انك كدبتي وخبيتي.. بس صدقتك..وده اللي مش راضي يوصلك.. اني بصدقك وبثق فيكي…ولو شايفك طماعه مكنش زماني مكمل لحد دلوقتي…..”
ثم لوى شفتيه هازئًا…
“مش معقول الواحد يعيد نفسه القصة مرتين
دا يبقا غباء….”
اتسعت عيناها بصدمة جراء تعبيره الصريح
فتشدقت بغضب….”انت بتشبهني بيها….”
تغضنت زاوية عيناه مستنكرًا ليقول
باستخفاف..
“انتي اللي عايزة توصللها بتصرفاتك…وللأسف بتفكريني بيها كانت غبية وماشيه بدماغ غيرها… ”
وكانها تلقت صفعة قوية منه فصاحت
بكبرياء… “انا مسمحلكش….”
نظر لها عاصم كرصاصة طائشة وسالها
بتهكم…..
“مين اللي اقترح عليكي تلبسي حاجة تقليد
وفلسو…. اختك ولا بنت عمتك؟!….”
بلعت ريقها امام نظراته القوية الغاضبة..فقال
هازئا بقسوة….
“مش بقولك بتفكريني بيها…”
قالت شهد بنبرة رغم حدتها مهتزة قليلا
من شدة الانفعال….
“انا مسمحكلش…تشبهني بيها.. باي شكل من الأشكال….سامع.. ”
تافف عاصم بقلة صبر…..
“اسمعي انتي الكلام وانزلي… ”
أصبح النقاش بينهما محتدم…لذا خففت
من حدتها قائلة…..
“هنزل بس لازم تعرف اني حاولت اتصرف.. عشان
مطلعش قدامك بصورة وحشه…”
قال عاصم بغلاظة….
“كان ممكن متلبسهوش خالص وتوفري على
نفسك المجهود ده كله….”
قالت بتبرم وعيناها تلمعان بعنف….
“عندك حق انا فعلا غلطانه..ومفيش حاجه هترضي
جنابك حتى لو اتعملت بحسن نيه…”
صاح عاصم بعنفًا بعد ان عيل صبره
منها…
“انا مش عايز حسن نيه…انا عايز الصراحة… الصراحة وصلت ولا اعيدها تاني….”
قالت باهتياج يماثله عنفًا….
“وانا مش عيزاك تشبهني بطلقتك…وصلت دي
كمان….”
ضحك عاصم ضحكة لا تمت للحياة والمرح
بصلة كانت شديدة القتامة…..
“اللي يسمعك يقول غيرانه..على واحد بتفكري
تديلوا الهدايا بتاعته لو محصلش نصيب…”
صاحت بعد ان فاض الكيل
بها…
“انا قولت أفرض….أفرض..”
نظر لعيناها بقوة وقال بقساوة…
“طب ما تيجي نفرض اني بعد ما اتجوزتك حنيت لطلقتي وحبيت ارجعها وانتي على ذمتي…..”
شحب وجهها فجاه وتسمرت حدقتاها عليه بعدم
تصديق وكانه قتلها برصاصة غدر لم تتوقعها
منه !…..
بينما قال عاصم بسخرية محتقرة بعد تغير وجهها ونظرة الوجع التي اطالت عسليتاها واطفئ بريقهما
فجأه….
“وشك اتقلب ليه..افرضي يعني مش حقيقي..مجرد
افتراض هو حد ضامن مشاعره هتبقا مع مين بكره..”
رمشت بعيناها عدة مرات فسالت دمعتين ساخنتين
على وجنتيها فمستحهما بعنف قبل ان يراهم
لكنه راهم وعقب بعد ان وصل لمبتغاه….
“نفس الوجع ياشهد….نفس الوجع…”
اشاحت شهد بوجهها عنه ثم نظرت الى الخاتم الالماس ووضعت يدها الحرة عليه مفكرة في نزعه وإلقاءه في وجهه والخروج من حياته دون رجعه
لكنه اوقفها بتملك وهو ينزع يدها الحرة
بعيدًا عن الخاتم قائلا بتسلط…..
“اياكي تفكري تقلعيه من إيدك إياكي ياشـهـد…”
قالت من بين اسنانها بغضب… “انت…..”
رغم الغضب المرسوم على محياه قاطعها
بصوتٍ هادئ ….
“انا كل مرة بتاكد ان حبك تكفير ذنوب..انتي
متعبه اوي.. بس انا نفسي طويل وصبري ملوش
حدود…وبذات معاكي انتي…. ”
ارتبكت من هذا الهجوم العاطفي فانتفضت
انتفاضة خفية وهي تنظر اليه بدهشة وعجزت
ان تجاري هذه المشاعر الرائعة مجددًا….
فاضاف عاصم بنظرة ونبرة خاصة وقوية
الوقع عليها….
“وهيجي اليوم ياشـهـد اللي تعترفي بحُبك ليا..
وانتي بين ايدي وفي احضاني…بتحلفي بالله ان الحياة من غيري متساوش في عنيكي حاجة
ساعتها هشفي غليلي منك…وهيكون ردي فوق شفافيك…”
شهقت شهد شهقة خائنة وهي تضع يدها على شفتيها تحميها من مجرد التخيل…فأمرها عاصم بصرامة…..
“انزلي….كلامنا إنتهى لحد هنا….”
ترجلت من السيارة بجسد يرتجف فقد داهمها خطٍ من الصقيع فجأه ربما من برد الليل القارص او من
برد كلماته الجافة والمسننة بعينين تحمل
الوعيد الشديد الى يومًا قريب…
هي معترفه انها وقعت في الهوى لكنها لن تسلم الحصون للحب أبدًا مهما حدث لن تضعف امام مشاعرها….ستلغي هذا القلب مهما خفق فهي
بغنى عن الضعف وقلة القيمة بسبب الحب ؟!..
ليس الحب أولًا ولن يكون في قاموس أمرأه عانت
الويلات منذ الصغر و رأت ان الحب بنسبة للرجال
هو استبداد لحقوق المرأة ويحق للرجل ان ينال اوسمة من ذهب لمجرد انه احتفظ بها في بيته
كقطعة انتيكا اعجبته؟!..
هل هذا هو الهوى الذي تريدني ان أسلم حصوني
له…حصنِ أعلى واصلب ومنيع من ان يقع ، وحتى
ان كنت اهواك هذا ليس دليل على اني أقبل بالعبودية !!…
نظر لها عاصم في ابتعادها وهي توليه ظهرها بكبرياء
ترفع راسها كملِكة لا تقهر وسط الاحزان…..كانثى
لن تسلم للهوى مهما قدم لها من مغريات !!…
لم يصدق ان تقفز في راسه تلك القصيدة التي يحفظها على ظهر قلبه منذ سنوات بعيدة ولم
يتوقع ان يعيش تفاصيلها ويشعر بمرارة الشاعر
وهو يقول بلوعة الحب……
( يا من هواه أعزه وأذلني
كيف السبيل إلى وصالك دلني
وتركتني حيران صبًا هائمًا
أرعى النجوم وأنت في نوم هني
عاهدتني أن لا تميل عن الهوى
وحلفت لي يا غصن أن لا تنثني
هب النسيم ومال غصن مثله
أين الزمان وأين ما عاهدتني
جاد الزمان وأنت ما واصلتني
يا باخلًا بالوصل أنت قتلتني
واصلتني حتى ملكت حشاشتي
ورجعت من بعد الوصال هجرتني
لما ملكت قياد سري بالهوى
وعلمت أني عاشق لك خنتني
ولأقعدن على الطريق فاشتكي
في زي مظلوم وأنت ظلمتني
ولأشكينك عند سلطان الهوى
ليعذبنك مثل ما عذبتني
ولأدعين عليك في جنح الدجى
فعساك تبلى مثل ما أبليتني..)
«للشاعر العماني/ سعيد بن أحمد البوسعيدي..»
…………………………………………………
خفق قلبها كأرنب مزعور…وبدأت يداها ترتجفان وتتعرقان كحال جسدها الذي يضخ عرقا وكانها
تحتضر…..
اقترب منها عادل خطوة واحده وهو يقول
بدهشة….
“بتبعدي ليه عني يادوللي… دا انا كنت فكرك هتاخديني بالاحضان….”
تغضنت زاوية شفتيها بغضب وقالت بضجر
من بين انفاسها العالية وكانها في سباق مع
مشاعرها وخوفها الآن…
“من إمتى كان في بينا حاجة زي دي….”
قال عادل بعينين عاشقتين….
“مكنش فيه بس المفروض يكون فيه بعد اللي حصلنا…. انتي لحد دلوقتي مسالتيش عملت
إيه بعد ما ابن عمك ضربني وسبني غرقان
في دمي؟!…”
تبادلا النظرات النارية بصمت وكلا منهما يلقي اللوم
على الآخر بعد ان احتدم الأمر حولهما واصبح الرجوع مستحيلًا ؟!…..
نظرت فاطمة اليهما وقالت من بين الصمت
المقلق…..”انا هستناكي برا……”
خرجت دون النظر في وجوههما المشتدة بالانفعال
قال عادل بصوت معذب…
“دوللي معقول تكوني نستيني في الكام شهر
دول….معقول حبنا انتسى بساهل كده… ”
هزت راسها وهي تحاول السيطرة على اعصابها…
وهذا الشعور المُر الذي يموج في حلقها….
إحساس صعب ان تقف امام ماضيك من جديد
ومن المفترض ان تشعر بنفس المشاعر الرائعة
التي كنت تستشعرها عندذاك لكن مع الأسف
قد ولى زمنها داخلك ؟!…..
ولى زمن الشعور بها حقًا !….
فهي الان تقف امامه وكل ما يسيطر عليها الغضب
من رؤيته بعد كل هذا الوقت….الغضب في ان تقع
في الذنب مجددًا رغما عن انفها فلا تعرف اي فخ
اعده لها كي ينتقم بعد ان تزوجت غيره….
“انت شايف ان الكلام ده ينفع بعد ما بقيت على ذمت راجل تاني….”
قال عادل وهو يقف امامها مباشرةً….
“فاطمة قالتلي انك متجوزاه غصب عنك… وانا وانتي عارفين هو عمل كده ليه….”
اهتزت حدقتاها قليلا وتسرب شعور الوجل
الى قلبها لكنها قالت بصعوبة….
“ملوش لازمه الكلام دا ياعادل انا في نهاية بقيت مراته ومينفعش كل اللي انت بتعمله ده….. الحكاية خلصت ياعادل… من اليوم اياه… وهي خلصانه….”
تشدق عادل بغضب وعيناه كاللهيب المشتعل….
“اي اللي عملته غلط يومها… ما انتي كنتي موافقة
اكتر مني..وعلى يدك قفلوها في وشنا…ودخلت بيتكم بدل المرة ألف وبرضو مرضوش بيا… كنتي عيزاني اسيبك تضيعي من بين ايدي….”
اندفع صوت داليدا فجأه تصرخ بانفعال
بالغ….
“ياريتك سبتني…انا عشت أسود أيام حياتي… اهلي
قعده مقطعني شهور…. دا غير معاملتهم وكلامهم معايا قبل ما اتجوز سلطان….واتجوزت غصب عني لواحد قرفان يبص في وشي اتجوزني بس عشان يستر عليا….”
نزلت دموعها وانتفض جسدها بوجع مسترسلة
بغصة مسننة…..
“عارف معنى الكلام ده إيه…عارف نظرته ليا وكلامه معايا كانوا بيبقوا عاملين إزاي….وهو شايفني فاجـرة وخاطيه بسببك…”
اشار عادل على نفسه متشدقا بصدمة….
“بسببي؟!.. بتلوميني عشان حبيتك وكنت عايزك تبقي معايا في الحلال….”
هدأت من فرط بكاؤها والوجع الذي ينخر
في صدرها…..وقالت بوهن….
“لما دخلت شقتك مكنش فيه مأذون ولا شهود…ورغم كده كنت واثقه فيك لأخر لحظة
..بس لو مكنش سلطان جه كان حـ….”
قاطعها عادل بنبرة حادة مبررًا….
“المأذون والشهود جم بعد ما مشيتي…انا عمري
ما خدعتك ياداليدا….انتي اكتر واحده مستعد
اضحي بكل حاجة عشانها…..”
قالت داليدا مقتضبة دون النظر
اليه….
“الكلام ده ممنوش فايدة….”
“لا ليه فايدة….تطلقي ياداليدا…..اطلقي منه
وتعالي نرجع تاني….”هتف بها عادل بعنفا وعيناه تلعمان بثقة…
“انت بتقول إيه…..”قالتها وهي تشعر بنغزة حادة مؤلمه في صدرها وكل ما جال في خاطرها الان الكابوس الذي زارها منذ أيام…..
فاسترسل عادل قائلا بزهوٍ….
“انا بحضر للسفر برا مصر في مصلحه حلوه
جتلي وهسافر…..”
سالته داليدا بدهشة….
“تسافر ؟!… هتسيب امك واخواتك هنا لوحدهم؟!.”
رد عليها بجفاء قاسٍ…..
“يتولاهم ربنا….انا مليش مكان في البلد دي…”
نظرت اليه بعينين واسعتين…. وجلتين…وكانها
تراه لأول مرة….وظلت متسمرة مكانها كالصنم
بلا روح أو مشاعر تسمع ما يقال دون ان يرف
لها جفن…..وعند صمتها اعتراه الزهو الشديد
سواء في عيناه او حديثه لذا تابع بثقة…
“برا احسن…فلوس وشغل وحياة جديدة….”
قالت داليدا بفتور تنهي الأمر بكلماتٍ منمقه…..
“ربنا يوفقك ياعادل….في نهاية دي حياتك وانت حر….. ”
انقلبت ملامح عادل فجأه وقال بتعنت
سافر…..
“انا مش بقولك عشان تقوللي ربنا يوفقك ودي حياتك…اطلقي منه وتعالي نهرب سوا…. ”
رفعت حاجبها بارتياع…
“نهرب ؟!….هو انت مسافر شغل ولا هربان من
حاجة…..”
ابتسم ابتسامة جانبية وهو يخرج سجارة
ويشعلها ثم جلس على درجة من السلم الممتد
أمامها وقال بنبرة حالمة…..
“ههرب من إيه ان صاغ سليم….انا عايز اهرب معاكي
انتي لاخر مكان في الدنيا بس نفضل مع بعض…”
تاففت داليدا بقلة صبر وقالت….
“قولتلك اني بقيت ست متجوزه دلوقتي و….”
قاطعها بعجرفة وهو ينفث الدخام من انفه باستمتاع…
“انتي لسه قايله انك مغصوبة على الجواز
وبيعاملك وحش…..”
فركت داليدا في يداها وهي تقاوم هذا
الضعف…..
“بس علاقتنا بدات تتصلح….وبدأت احس بالامان والراحة معاه…..”
القى عادل السجارة أرضا واقترب منها بنظرة متوعدة…. “معنى كلامك انك حبتيه؟….”
ابتعدت خطوتين للخلف فوجدت نفسها
تستند على الحائط خلفها…لكنها تماسكت
وقالت امام وجهه بصرامة….
“مش مهم الحب…المهم اني مرتاحه في حياتي وراضية بالربنا كتبهولي….وانت كمان ربنا يرضيك
وتلاقي نصك التاني…..”
صاح عادل بعد اندلعت النيران في حدقتاه
وقلبه….
“انتي عارفه معنى الكلام ده إيه…انك خونتيني..
خونتيني معاه…..”
توسعت عيناها جراء حديثه ونظرة الاتهام
بعيناه فقالت بعنف…..
“انت اتجننت…ده جوزي على سنة الله ورسوله…”
اقترب منها اكثر وحجزها بين هذا الجدار اللعين
صائحا بغيرة…..
“وانا حبيبك…..حبيبك ياداليدا…إزاي نسيتي حُبك
ليا ولا كان كله كلام عشان تغيظي ابن عمك بيا..”
تملصت من هذا المكان الضيق باعجوبة وهي توليه ظهرها قائلة بصدمة….”اي الهبل اللي بتقوله ده….”
تحدث عادل بصوتٍ منفعل محتدم المعاني….
“الهبل ده هو الحقيقه…..هو عرف منين مكان الشقه
أكيد انتي اللي ادتيلوا العنوان عشان يشوفنا سوا
وساعتها يقرر يتجوزك عشان يداري على الفضيحة…”
استدارت اليه وقد تصلب جسدها من هول الصدمة واعصابها في حالة تشنج ونفور…بينما بدأت
تتحدث بذهول…..
“انت مجنون….يومها انا مكنتش أعرف أصلا
انك هتكتب الكتاب في حته تانيه غير شقة
اهلك زي ما قولتلي….انت إزاي بتفكر كده.. وازاي
انا اتغشيت فيك اوي كده…. ”
ضحك عادل ضحكة ساخرة قاتمة وهو يقترب
منها قائلا باهانة…..
“دلوقت بقا عادل وحش بعد ما سلطان ملى الفراغ
العاطفي بتاع الهانم….وكل عقلها بكلمتين حلوين..”
جفل وجهها مع إتساع عينيها….فارتدت للخلف
لتجده يتابع بأسلوب أشد وطاة……
“رخيصة…وعمرك ما هتعرفي تحبي… اي واحد هيضحك عليكي بكلمتين حلوين هتوهبي ليه
جسمك وقلبك….زي ما عملتي معايا بظبط….”
كانت الخطوة القادمة منها هي صفعة قوية على صدغه كانت مهينة قاسية ردت جزءا من اهانته
لها…..ثم التقطت انفاسها المتحشرجة بصعوبة
قائلة..
“اخرس ياحيوان انا فعلا رخيصة عشان حبيت
بنادم زبالة زيك…..”
وضع يده على خده للحظة متحسسا اثار الصفعة
ثم اندفع نحوها فجأه ومسك ذراعها بقوة معتصرة
بين يده بوحشية والوعيد يفوح من بين كلماته…
“هتندمي ياداليدا…هدفعك تمن القلم ده غالي…”
حتى تخلص نفسها من بين يداه ضربة وجهه بالحقيبة المتعلقة في كتفيها عدة مرات متتالية
بقوة حتى تركها نهائيا متألمًا من وجهه….
فقالت داليدا بنظرة مشمئزة….
” انا فعلا ندمانه وقرفانه من نفسي…بس تعرف اي أحسن حاجة حصلت وسط كل القرف ده…اني عرفتك على حقيقتك…..”
خرجت من المبنى سريعا تذرف الدموع…وعندما خرجت للشارع لم تجد صديقتها بانتظارها كما
قالت… ضحكة بعدها بسخرية فيبدو انها باعتها
سريعًا بالاتفاق معه….رفعت هاتفها وارسلت
رسالة صوتيه تنشج بالبكاء…
(صحوبيتنا انتهت لحد كده…..مش عاوزة اشوف
وشك تانيه… سااااامعه…)
ثم سارت في الشارع وهي لا ترى أمامها من كثرة
الدموع التي جعلت الطريق كالغمام أمامها….
ومزال حديث الحقير كالرعد يتردد في اذنيها
تشعر بحمم بركانية تفور في صدرها نزولا الى احشاؤها التى تكوى الان بالوجع ومن خلالها
شعرت بالاختناق ورغبة قوية بالتقيؤ الان
الان…
انخفض وجهها فجأة وتقيأت بقوة تفوق الوصف
شعرت وقتها بان روحها تنسحب ببطئ ووجهها
أحمر كالدماء….وانفاسها فارقتها للحظات كانت كالدهر……
وصلت لشقة والديها وهي تجر أذيال الخيبة معها
بعد العودة من خروجة كانت تظن أنها ستهون عليها قليلا برفقة اصدقاؤها المفضلين….
لكنها بدأت بداية لم تفضلها ، ونهاية لم تتوقعها…
خسرت صديقه ، وندمت على ما مضى….ويالها
من خيبات أمل….وعذاب ضمير ، وندم دائم…
“السلام عليكم….”
قالتها وهي تمر من جوار الصالون دون النظر اليهما
فرد صوتٍ مألوفا لها تحفظه على ظهر قلبها….
“عليكم السلام ورحمة الله وبركاته…. ما لسه
بدري يامدام…..”
رفعت عيناها وعندما ابصرته يقف باستقبالها
بطوله الفارع وجسده الضخم وهالة من الرجولة والهمجية كالعادة تحيط به فيزداد بها وسامة
خاصة في قلبها وعيناها…
إبتسمت داليدا من بين عيناها الحمراون وابتهج وجهها الباهت الحزين….وكانها وردة تزدهر من
بين الصخور الصلبة….”سلطان…..امتى جيت….”
اقتربت منه تقطع المسافة بينهما بقلب الصالون الفارغ عدا منهما……
“من شويه كنتي فين….”سالها بصوتٍ خشن
حاد…..
فقالت سريعًا وعيناها تنظر اليه بلهفة….
“كنت مع واحده صاحبتي…على فكرة انا
استأذنتهم…واتصلت بيك والله كتير…بس
انت مكنتش بترد..”
ثم نظرت في الصالون الفارغ من
حولهما… “هو فين بابا وماما….”
ضاقت عيناه وهو يفترسها بالنظرات….
“امك بتعملي حاجة اشربها وابوكي في الجامع..
اي اللي خلاكي تنزلي مع صاحبتك طالما انا مردتش عليكي…. ”
ثم انتبه الى آثار البكاء بوجهها….فلامس
باصبعه دمعة جافة على وجنتها…
“واي اللي في وشك ده…انتي معيطه….”
توترت قليلا وهي تخبره دون النظر لعيناه
المفترستين…..
“انا كويسة ياسلطان….انا بس اتعركت انا وواحده
صاحبتي وشدينا مع بعض بالكلام وبعدين سبتها وروحت……انا ملحقتش تقريبا مكملتش نص ساعة حتى اسأل ماما….”
تحدث بخشونة محتدة..
“كان واجب برضو تقوليلي….”
وعلى عكس طبيعتها قالت بخنوع…
“عندك حق مش هتكرر تاني والله بس متزعلش..”
مما آثار الريبه بداخله…فخفف من حدته
مستفسرا بحنو…
“مالك ياداليدا….. في إيه….”
اغمضت عينيها بضعف والقت راسها على صدره ثم احاطت خصره الصلب بكلتا ذراعيها هامسه بحرارة وشعور بالحميمية يلفهما معًا على سحب وردية..
“احضني ياسلطان…..احضني أوي….”
أذأب قلبه وعيناه معًا بعد ان القت جسدها الصغير
الغض بين ذراعيه القويتين…فازدرد ريقه ببطئ
وهو يغمض عيناه ويدفن انفه في عنقها بعد ان
رفعها من خصرها عن الأرض كالدمية لا تزن
شيءٍ في احضانه……
عبث في حجابها حتى سقط أرضا وداعب شعرها
الناعم باصابعه الغليظة هامسا في جيدها المرمري بصوتٍ متحشرج من شدة المشاعر المشتعلة بينهما…..
“اه ياداليدا…..وحشتيني….وحشتيني أوي….”
بدأ يعتصر جسدها بين يداه بجنون والشوق يشعل
فؤاده…..وهي تحاول ان تسيطر على نفسها كاتمة
اهات الضعف واللذة….والمشاعر الغريبة الساخنة التي تلفهما معًا بلا هوادة….
طال العناق ومزال جسدها يعتصر بين يداه بوحشية تروقها بشدة…..ولا تعرف ماهذا الخلل الذي جعلها
ترى وقاحته دلالاً لجسدها ؟!…
قالت بهمسةٍ ملتاعة بتيه… “انا اسفه…والله آسفه…..”
فصل العناق بينهما على مهل…ثم نظر لعيناها
الحمراون سائلا بقلق….
“جرا إيه لده كله يامجنونه….فهميني…”
قالت بصعوبة مثخنة بالجراح….
“مش عارفه…بس انا ندمانه…ندمانه على كل حاجة
عملتها….انا غلط في حقك وحق أهلي…..بس انا مش رخيصة ياسلطان….والله ما رخيصة……”
اوقفها وهو يشعر بانها تنكأ الجرح مجددًا
بقسوة…..
“هشش اي الكلام العبيط ده..مين قال انك رخيصه
أهدي اهدي وكفاية عياط…..”
دخلت عليهما والدتها تحمل كأس من العصير
وعندما ابصرت ابنتها قالت مبتسمة….
“الله انتي جيتي ياداليدا….بتعيطي ليه بقا
حصل حاجة ولا ايه….”
سالتها امها بقلق وهي تنظر لوجهها الباكي الحزين..
فتولى سلطان الرد عنها وهو يلوي شفتيه
باستهانه…..
“بتقول اتعركت مع صاحبتها….”
رفعت امها حاجبها باندهاش….
“معقولة فاطمة؟!…دانتوا روحكم في بعض..”
“عشان كده مموته نفسها من العياط….”ظهر الارتياح
على محياه معتقدا ان هذا هو فقط السبب….
اكدت سهير وهي تقنعه…..
“هي كده بتاخد دايما الكلام على صدرها…سيبك ياسلطان دول ياما اتشكله سوا…وبيرجعه تاني
ميقدروش يستغنوا عن بعض…دا لمؤخذه كهن
بنات يابني قعد استريح انت جاي من سفر…..”
ثم اشارة لكأس العصير…..
“اشرب العصير لحد ما كمل عمايل الغدى….”
قال سلطان معتذرًا ومزال يقف مكانه…
“لا يامرات عمي مش هينفع….انا جاي من السفر عليكم علطول…هاخد داليدا بقا ونروح….عشان
امي مستنيانا على الغدى….”
إبتسمت سهير بتفهم…..
“زي ما تحب يابني……حقك تشوف أهلك وتطمنهم
عليك بعد الغيبه دي…..”
نظر سلطان الى داليدا وقرص وجنتها بحنانا
ابوي قائلا…. “يلا بينا يادودا…..”
إبتسمت داليدا بعينين هائمتين وقالت بخجل
وهي تنحني لتاخذ وشاح راسها الواقع أرضا
“هعدل بس الطرحة قدام المرايه….”
قال خلفها بعد ان ابتعدت…”خديني معاكي…..”
عندما وصلت الى غرفتها راته خلفها مباشرة يغلق
الباب خلفه….قالت داليدا بوجنتين متوردتين….
“اي اللي بتعمله ده….ماما هتقول عننا اي دلوقتي…”
“هتقول اني بلفلك الطرحة مثلا……”سحبها من خصرها فوقعت على صدره وقالت بخجل..
“بطل قلة ادب ياسلطن…..”
مط سلطان شفتيه وهو يجذب جسدها أكثر
إليه….
“الغريبة ان وحشني الدلع الرخم ده منك…”
لفح وجهها بانفاسه الساخنة الممزوجة برائحته الرجوليه الرائعة فتنهدت داليدا بتوله قائلة
برقة… “واي تاني وحشك….”
سارت شفتيه على عنقها وانفه يشم عطرها
الجوري بنهم وكانه ترياق الحياة بنسبة له….
“وريحتك…..شقاوتك…. وحلاوتك.. ”
“واي تاني…..”همست بتوله وهي تذوب في احضانه على أوتار كلماته الساخنة..
ضمها اليه وهو يقبل وجنتها وحول شفتيها ببطئ وتأني شديد وهو يقول….
“وحضنك…كل حاجة فيكي ياداليدا..وحشاني..”
كلماته ولمساته خدرت جسدها بأكمله وسرى شعور
دافئا من الحميمية بداخلها ، توغل اليهما معًا وكلا منهم يئن في أحضان الآخر……
وعندما وصل لمبتغاه الى شفتيها الشهية كثمرة تفاحة ناضجة افتتن بها فلم يقاوم كثيرًا وقضمها بقوة وهو يطلق قبلها اخر همسة من بين شفتيه…
“داليدا……”
آه من حلاوة إسمها من بين شفتيه واه من
دفء شفتاه حينما عانق شفتيها بقوة يبث
بها شوقا وعشقا ليس لهم مثيل…..
ضمها بقوة وشفتيه تعزف لحنًا صاخبًا على هاتين الشفتين الشهيتين بسخاء… كانت قبلة طويلة قوية تبث الكثير من المشاعر وتشعل الحميمية بينهما أكثر…..
داعبت شعره باصابعها وهي تحاول ان تلتقط انفاسها من بين طوفان العاطفة التي يجذبها اليه بجنون…
ولم تتوقع ان من لا يعرف كيف يلقي كلمات الغزل
والعشق باللسان يجيد تدليل الجسد باللمسات
ويدلل القلب بالقبلات ، وبهمسة من اسمها في اقصى لحظاته الحميمية معها تكفيها عن الف اعتراف بالحب ، ورسائل غرامية !….
لم يتوقف سيل القبلات والاحضان الا عندما سمعت
صوت والدها بالخارج….. وقتها ابتعدت بارتباك كمن
لدغتها حيه ! ، وكانها مسكت للتو في قضية غير أخلاقية !..
“بابا برا ياسلطان……”
مزال يأخذ انفاسه العالية محاولا السيطرة على مشاعره ولو قليل حتى قال لها ساخرا بضيق
“الباب مقفول ياهبلة….وبعدين انا جوزك…”
لم ترد بل ظلت صامته تهدأ من روعها وهي تنظر
لعيناه ببراءة تجعله يشتهيها أكثر وكانه لم يكتفي
ويبدو انه لن يكتفي من الأميرة المدلله مهما نال
من حلواها ؟!…..
“روحي اغسلي وشك…ولفي الطرحة يلا عشان
نمشي..”
قالها سلطان وهو يضرب وجنتها بخفة ثم بدأ
يغلق ازرار القميص التي عبثت به داليدا باصابعها
الشقية وهي تشاركة جنون اللحظة…..
وعند الانتهاء غمز لها بشقاوة فضربته في صدره
وخرجت من الغرفة الى الحمام بوجنتين حمراوان
كدم الغزال…..
……………………………………………………………
وضعت طبق الغداء على السفرة المستديرة وهي تتنهد بسأم فكلما اتى وقت الطعام تفقد شهيتها
بعد ثوان من الجلوس امام طبقها….
وكانها فقدة زهو الحياة فجأه وتعيش على الاطلال
تأكل القليل حتى تتمكن من التحرك وممارسة اعمالها
المنزلية او البحث عن عمل..
ففي الحقيقه من يوم ان عادت لمنزلها وهي تنزل كل يوما للبحث عن عمل جديد لكنها تعود بأذيال الخيبة بعد ان تجد كل الاعمال التي تقف عندها مشغولة بالعمال ولا يحتاجون موظفات….
حتى المكتبة التي كانت تعمل بها وظفة فتاتان بعد
ان غادرتها بحجة اجازة مرضية تحتاجها وتغايبت
لأشهر بعدها…..
والأموال القليلة التي في حوزتها بدأت تنفذ… والغريبة انها تشتهي الآن قطعة حلوى ذائبه
في العسل (لقمة القاضي..)وتبخل على نفسها
حتى لا تهدر المبلغ المتبقي لديها….
إبتسمت بسخرية وهي تقلب في طبقها والذي
كان عبارة عن ارز أبيض معه حساء اخضر
لزج (ملوخية..) وبجواره طبق من المخلل…..
كانت البسمة تحمل من الآسى والسخرية أطنان
بعد ما وصلت إليه في تلك الرحلة الشاقة والتي
لأجلها تركت عملها وتركت كل شيءٍ خلفها وذهبت
ببسالة المحاربين في أرض المعركة ظنا منها انها
تجيد شهر السلاح في وجه العدو…
لكن
لكنها انهزمت امام نجله الأكبر فقد استعمل سلاحا رادعا لها عندما وضع ابنه بقربها دوما كالمرصاد
أولاده الثلاثة كانوا كل ما تحتاج، فهي لم تحظى بالعائلة او الأخوة او حتى الأصدقاء ولم تحب
يومًا كما أحبت ابنه !…
لذلك الخسارة لم تكن ميراثها وعملها فقط بل هي خسرت اغلى ما تملك…… قلبها
وهذا ما تشك في إستردادُ يومًا ؟!..
طرق الباب في تلك الأوقات فنظرت إليه بريبه.. كلما
طرق الباب ينتفض قلبها فجأه برهبة…
لم تعتاد الوحدة بعد فكانت أمها انيسة وحدتها
وشريكتها في الحياة بحلوها ومرها لكن يشاء الله
ان ترحل وتتركها بمفردها تعاني وحشة الوحدة
وشر العالم لذا قررت السفر بعدها حتى تسترد
ميراث امها من خالها وتبدأ بفتح مشروع
يكون مصدر رزق لها ولا تحتاج للعمل عند
الغرباء….ليتها ما فعلت… ليتها ظلت تعافر
مع الحياة…..وتعمل عند الغرباء… ليتها ما
تكبرت على حياتها ورضت بما قسمه
الله لها……
ما كانت هنا تتعذب وحدها وتستعر بنارِ الحب والغيرة دون ان يشعر بها أحد ، دون ان ينظر
لها أحد أو يسألها ما بكِ ، ومن يسأل وهي تختنق
كل ليله بين الحيطان وكانها بداخل تابوت مظلم
خاليًا من الاكسجين يزهق نفسها….
تنهدت وهي تنهض بخطوات شبه ميته الى باب
الشقة وكانت ترتدي منامة بسيطه تبرز قدها
المنحوت كعارضات الأزياء بطولا فارع قليلا
وشعرها الغجري الأسود حرًا طليق يتراقص
بمواجاته الجنونية خلف ظهرها…..
فتحت الباب قليلا تنظر من فتحته لتجده أمامها
ينظر إليها بعسليتاه القاتمة وبريقهما الأخذ يرتدي
طاقم شبابي أنيق بنطال من اللون الاسود وفوقه
قميص يجمع بين الابيض والاسود طاقم يفصل جسده الصلب وجذعه المنحوت… يضع عطرًا
قوي زكم انفها به… بينما يرفع شعره الأسود
الناعم للخلف بجاذبية….
متأنق أليوم… للحق هو دومًا أنيق ونظيف نظافة
شخصية تشهد بها في الأشهر التي عاشتها معه..
لكنه يزداد تانق ووسامة في المناسبات والطلعات
الخاصة والمهمة يزداد بشكلا ملحوظ…
هز حمزة رأسه قائلا بشقاوة….
“اي ياقمراية هتسبيني واقف على الباب كتير… مفيش ازيك حتى؟!…..”
“حمزة !!… مش مصدقه انك هنا…ادخل تعالى.. عامل ايه… اي اخبارك… “قالتها وهي تفسح له المكان وبنيتاها تحدق فيه بدهشة وعدم تصديق…وكانها تحلم احد احلامها السخيفة…..
“الحمدلله…. كنت قريب من هنا فقولت اعدي عليكي….” قالها حمزة وهو يتخطى عتبة الباب مغلق الباب خلفه بقدمه وكان يحمل بين يداه عدة أكياس وعندما انتبهت لهم قمر قالت بضيق….
“اي اللي انت جايبه معاك ده…هو انت غريب..”
وضع الاكياس على الطاولة وعيناه تجول
في أرجأ الشقة البسيطه……
“دي حاجات بسيطه…..الشقة حلوة..تجلها بكام
دي….”
قالت قمر بحزم… “دي مش للبيع… أنسى….”
لوى حمزة شفتيه مستهجنًا…
“على أساس اني هسيب اسكندرية والبحر والهوا
واجي قعد هنا في الحر والزحمة….”
قالت قمر بحيادية…..
“إحنا كمان عندنا بحر…..ولا ماعدتش على
الكرنيش…..والزحمة خفت عن الأول… ”
هتف حمزة بزهوٍ وهو يأسر عيناها….
“ما الكباري كترت…المهم عاملة إيه
أكيد الحياة ملهاش طعم من غيري… ”
ابتسمت وهي تهز راسها
باستياء…
“لا الحياة جميلة من غيرك….أطمن ”
أخرج تنهيدة ثقيلة وهو يسألها….
“يعني هتفضلي قعده لوحدك بين اربع حيطان
كده…انتي ممكن تلسعي اكتر ما انتي لسعة….”
قالت قمر بنظرة جادة….
“لو جاي عشان تاخدني معاك…فأحب أقولك انك
جيت على الفاضي عشان انا مش هرجع….”
قال حمزة بنبرة غريبة….
“لا انا جاي عشان حاجة تانية خالص…”
سالته بنظرة متوجسة…. “اللي هي….”
عقد حاجباه مدعي المرح…..
“متخدنيش على الحامي اتقلي….انتي كنتي بتاكلي ولا إيه ؟….”سالها وهو ينظر للطعام الموجود
على الطاولة……
قالت قمر بجذل وهي تشير على
الطعام…..
“اه تعالى كُل معايا….. حماتك بتحبك…”
اجابها حمزة بأسلوبٍ مبهمًا….
“الله يرحمها بقا ملحقتش أشوفها….”
نظرت له قمر بدهشة وخفقات قلبها تزداد
بقوة….فقال حمزة بهدوء وهو يشير للاكياس
أمامها….
“في في الكياس دي فرخة مشوية طلعيها…هي لسه
ساخنة جايبها من عندكم…يارب تطلع كويسه…”
ذابت الصدمة من عليها بتدريج معقبة
بتبرم…
“اي جايبها من عندنا دي….اللي يسمعك يقول
انك عايش برا مصر وجاي سياحه ؟!…”
رد حمزة بحذقًا…
“طالما طلعت برا محافظتي يبقا انا في الغربة… ”
ثم استرسل بابتزاز…..
“وبما اني ضيف عندك لازم تكرميني…”
بدأت قمر رحلة البحث عن الدجاجة المشوية
بداخل الاكياس وقد تفاجئت أثناء البحث انه
اشترى أشياء كثيرة خارج أطار الزيارة
العادية وبدأت تقول بدهشة وهي تنظر
داخل الاكياس…..
“أكيد…بس اي اللي انت جايبه ده ياضيف…جبنة
ومربى وحلاوة وعيش وفاكهة وعصير….ولقمة القاضي…..”إبتسمت عندما وصلت لحلواها المفضلة
فسال لعابها ولكنها قاومت رغبة ان تفتحها وتأكل
منها أمامه….وتحلت ببعض الاخلاق….
في حين قال حمزة بشك….
“اشمعنا دي اللي وقفتي عندها يعني….”
قالت بسعادة وهي تنظر لشعار العلبة….
“كان نفسي فيها أوي….جايبها من الحلواني اللي عندكم صح….أوه بقيت بتكلم زيك… ”
عضت على شفتيها بحرج…فضحك حمزة
قائلا…
“ومالوا دا عز الطلب عشان نفهم بعض بسرعة..هتأكلينا ولا إيه في يومك ده… ”
قالت قمر وهي تحمل علبة الدجاجة
المشوية…..
“ثواني والاكل يكون قدامك…..استنى…”
“هشرب سجارة طب على ما تخلصي….”قالها وهو يخرج علبة السجاير من جيبه…
عادت ادراجها وهي تقول بحنق بالغ…
“لا طبعا هات دي…. ممنوع تشرب سجاير هنا…”
سحبت العلبة منه فقال باستهجان…
“ليه بقا واقف في مستشفى ولا بنزين….”
قالت بحزم وهي تضع العلبة في جيب
المنامة…. “واقف في بيتي ممنوع..”
عندما ابتعدت أبتسم حمزة إبتسامة كئيبة وهو بجلس على المقعد امام الطاولة بانتظارها…
بدأت تشعر بمذاق الطعام أخيرا برفقته وعادت شهيتها لطبيعتها فقالت بفضول وهي ترفع
المعلقة على فمها….
“لسه مسألتكش انت عرفت عنوان البيت منين…”
اجاب حمزة بغطرسة وتسلط….
“مفيش حاجة صعبة عليا…. قولتلك منين ما أحب
اشوفك هشوفك….”
خفق قلبها وهي تسأله…..
“وكنت جاي لحد هنا عشان تشوفني….”
أومأ براسه دون النظر لعيناها…
“اكيد ياقمراية..”
ابتسمت بحزن وهي تشعر ان رده تحت مسمى
(جبر الخواطر) ليس إلا لذا صمتت فاسترسل
هو بنظرة حانية….
“تعرفي ان البيت ملوش طعم من غيرك…وكانه بقا
نقصة حاجة مهمة….عشان يرجع زي الأول…”
بلعت الطعام بصعوبة وهي تقول بحزن…
“بلاش تحاول ياحمزة…انا مش فرد من العيلة
دي….”
قلب حمزة في طبقه بشهية مفقودة وهو يقول
بتبرير……
“انا عارف انك لسه زعلانه منهم….بس شهد اتصلت
بيكي كذا مرة وانتي اللي مش بترضي تردي عليها..”
هتفت قمر بشفاه مقلوبة ببؤسا….
“هرد أقول إيه…صدقني مفيش حاجه تتقال بعد
اللي حصل…..هي لسه ملقتش المجوهرات
بتاعتها ؟..”
أجابها حمزة وهو يضع قطعة مخلل في فمه
تخفي المرارة التي يستشعرها الان بقربها..
“لسه بس اكيد مع خالك مفيش غيره….”
ثم اخبرها بشبه ابتسامة….
“كيان كمان احتمال تتقرا فاتحتها اخر الاسبوع
ده…..”
تهللت اساريرها فجأة بالفرحة الصادقة وهي
تسأله بعفوية… “بجد الف مبروك….. مين….”
أخبرها بهدوء وهو يمضغ الطعام….
“المحامي اللي شغاله عنده…اسمه سليم….أبوه
كلم خالك وحدده معاد اخر الاسبوع يشوفوا
بعض ولو في قبول يقرأ الفاتحة على الكلام..”
قالت بنفسٍ سمحة….
“ربنا يسعدها….ويفرحكم بيها….”
سالها حمزة بحاجب معقود….
“يعني برضو مش هتيجي في اليوم ده….”
هزت راسها بتصميم….
“لا مش هينفع…..خليها في الفرح….”
لفهما صمتا كئيب فجأه وظل كلا منهما
يحدق في طبقه بشهية مفقودة…
فسالته قمر بفتور وهي تقتل الصمت
بينهما…..
“وهما عاملين إيه كويسين يعني…..”
اجابها دون النظر اليها…. “الحمدلله….”
تأملت جانب وجهه عن قرب وملامحه الرجولية
الجذابة القريبة جدًا من قلبها….فقالت بعد
لحظات…”وانت؟….”
خفق قلبه وارتجف جسده وكانه محموم بعد سؤالا
يحتوي على كلمة واحده لكنها لها مفعول كالسحر
على جسده ومشاعره……
فرد بعد تنهيدة مثقلة بالهموم
والحيرة….
“زي مانا عايش…..الحمدلله… ”
قالت بمناغشة جميلة…
“وياترى بطلت القهوة ولا لسه بتشربها….”
رفع حمزة عيناه اليها يرمقها بنظرة من عسليتاه
الامعة بالعنفوان والجاذبية فعلمت الآن ان إسترداد
قلبها منه امرًا مستحيلًا ؟!..
اجابها حمزة بنبرة مرحه…..
“اعرفي ان في تلات حاجات في حياتي مستحيل
ابطلهم السجاير والقهوة وحب أخواتي…”
“وحب الوطن……” قالتها باستهانه دليلا على حبه
للمكيفات وذكرها قبل شقيقتاه حتى !!….
رد بنظرة توغلت الى قلبها دون سابق إنذار فحفظها بكل جوارحه… “لسه ملقتش الوطن اللي أحبه…..”
اهتزت حدقتاها بارتباك…. “انا أقصد مصر….”
أبتسم وهو يهز رأسه ونظراته الصريحة
تأسرها…
“اه ام الدنيا طبعًا…. بس انا أقصد الوطن التاني
عرفاه ده….”
“لا لسه معرفوش لما اعرفه هقولك…. انا هروح اعملك قهوة كمل أكلك….” حملت طبقها سريعًا
ونهضت من مكانها الى المطبخ…..
فرفع حمزة راسه للسقف وهو يشعر ان الأمر أصعب
مما ظن لكن يجب ان يخبرها وياخذ خطوة حاسمة
معها فلم يأتي الى هنا من فراغ !….
كان يجلس في شرفة منزلها يحتسي القهوة وهو
يطلع على المارة بالاسفل…وهي تجلس في المقعد
المقابل له تنظر اليه بين الحين والآخر بصمت وامامها حلواها الذئبة بالعسل تأكل منها على
مهلا…
فقالت قمر بهدوء…. “اي رايك في القاهرة….”
اجابها بغطرسة وهو يبعد الفنجان عن
فمه….
“مش أول مرة انزلها يعني…كويسة….”
سالته قمر بفضول والهواء الطلق يداعب خصلة
راقصة بجانب وجنتها…. “ليك صحاب هنا….”
كانت عيناه تتحرك مع الخصلة وهو
يقول… “كتير….”
أحمر وجهها بخجلا وهي
تقول….
“اي رأيك في القهوة…..”
قال حمزة بفظاظة وهو يفرد كفه لها…
“هي مش حلوة أوي….بس يلا مضطر اشربها تسلم
إيدك….هاتي علبة السجاير… ”
مطت شفتيها وهي تخرجها من
جيبها…
“عادتك ولا هتشتريها….اتفضل….”
أبتسم حمزة وهو يشعل سجارته امام عيناها
الحانقة…..ثم نفث دخانها وهو يناديها بلسانه
بينما عسليتاه تعرف مجال عيناها….
“قمر….”
لانت ملامحها مع نظراته الحانيه
والجادة كذلك….فتابع حمزة…
“تعرفي انا جيالك لحد هنا عشان إيه….”
زمت قمر شفتيها بحيرة….
“معرفش…انا سالتك وانت توهت….”
قال حمزة بصوتٍ رخيم…
“مكنش ينفع اقولهالك خبط لزق كده…”
هزت راسها بحيرة تسأله بقلبٍ يخفق
بجنون…
“اللي هو اي يعني؟!…..”
ازدرد ريقه وامام بنيتاها المنتظرتين المتحفظتين
قال دفعة واحده…. “انا عايز اتجوزك ياقمر…….”
توقف العالم فجأه من امامها لم تعد تشعر بنسيم الهواء من حولها ولا صوت المارة بالاسفل وكان
كل شيء توقف فجأه احترما لتلك المعجزة
التي تحدث الآن فالحلم تحول لواقع تحياه
بكل جوارحها…..
كان الشيء الحي بها الان هو قلبها وخفقانه
الشديد وكانه يعاني من تصدع عاطفي من
هول المفاجأة…
قالت قمر بعد ان لملمت شتاتها قليلا وسالته
بشفاه فاغرة ومزالت تحت تاثير الصدمة وعدم الاستيعاب بعد…..
“انت بتقول اي ياحمزة….تتجوزني انا….فجأه كده
نطت في دماغك……”
رد حمزة بهدوء جاد…
“مش فجأه ولا حاجة كان في نيه من قبلها وازدت
اكتر لما بعدتي وسبتي البيت….قولتي ايه.. ”
انمكشت ملامحها بدهشة من فتور مشاعره في الاعتراف وكانه حفظ كلمتين ويُلقيهم على
مسامعها كخطابٍ عادي…لذا سالته متعجبة…
“في إيه…انت عايز تاخد الرد مني دلوقتي…طب
إزاي اديني وقت أفكر…..”
سالها بملامح مكفهره ونظرة نافذة….
“تفكري وانتي هنا لوحدك..في شقة طويلة
عريضة… ”
اكدت قمر بصلابة….
“أيوا امال فين…في بيتكم مثلا…”
أكد بنظرة حازمة….. “المفروض….”
لم تهاب نظراته واستهجانه من كونها ستظل هنا حتى بعد ان عرض عليها الزواج للتو….
بل سالته السؤال الأهم بنسبة
لها…
“انت ليه عايز تجوزني ياحمزة……”
كان سؤال يشكك في مصداقية عرضه لها
مما دفعه لان يسالها بصبرٍ….
“اللي بيتجوز واحده بيتجوزها ليه؟….”
قالت بقلب ينزف وجع…. “عشان بيحبها…..”
اوما براسه وهو يضيف بصوتٍ متزن….
“وساعات عشان بتبقا عجباه وبيرتاح معاها…والحب
كده كدا هيجي مع الوقت…”
تكاد تجزم بان قلبها تحطم في محجرة الان….
لم ترد قمر بل اشاحت بوجهها بكسرة نفس بعد ان أخذت الإجابة المتوقعة منه….وعلى اساسها ستبني
معه حلمٍ وردي يشوبه الوهم….الوهم والألم….
“ساكته ليه….”سالها حمزة… فنظرت اليه
بعينين غائمتين في احزانهما….
“لا أبدا بفكر في كلامك….”
مالى حمزة للإمام قليلا وسالها بنبرة
بائسه…..
“قوليلي بصراحه انتي مش موافقة عليا مبدئيا…”
امام نظرته الحزينة والبؤس في سؤاله
اجابته بلهفة وحنية…..
“لا طبعا….يعني انت ابن خالي وانسان شهم
وجدع ويامه وقفت جمبي….يعني انت حد مايترفضش ياحمزة…. ”
القى توقعه بنبرة مزدرية….”يبقا عشان الفلوس….”
امتقع وجهها مع ارتفاع حاجبيها بصدمة ثم
عاتبته بقنوط قائلة…..
“اي اللي بتقوله ده انا مبفكرش كده….انا…”
قاطعها حمزة بنبرة متحده قليلا…ويبدو ان الحديث
فتح الجراح العميقة من جديد….
“اطمني انا معايا اللي يكفيني…هجبلك الشبكة اللي تشوري عليها والشقة هتكون في عمارة من العمارتين بتوعنا…..”
هزت راسها بعدم فهم.. “وخالي وافق كده عادي !.”
ابتسم بسوداوية مريعة وطال عيناه القاتمة
والاحتقار وهو يجيبها بسخرية لاذعه….
“لازم يوافق….. الجوازه اللي فاتت مكنش راضي عنها عشان كده كان بيعاند معايا لكن الجوازه المرادي على
هواه…..”
ازداد الشك داخلها فسالته
بتحفظ….”ليه على هواه؟!…..”
قال حمزة بهدوءٍ كصقيع…..
“عشان انتي بنت اخته…. وعشان يضمن ان مالك مش هيروح لحد غريب….”
اثار حفيظتها فسالته بغضب….
“هو اللي بعتك ياحمزة مش كده….”
لقد غافله السؤال ولم يحسب حسابة !….
فانعقد حاجباه قليلا وبملامح رصينة
وضح لها……
“انتي دماغك راحت لفين ان بوضحلك ليه بيساعدني المرادي وهيديني شقه اتجوزك فيها…عشان الجوازه على هواه مش اكتر !.. ”
لف كلاهما جوٍ من الصقيع فجأه حتى قالت
قمر بعد لحظاتٍ من الصمت المريع…..
“ممكن تديني وقت أفكر….”
اكتفى حمزة بايماءة بسيطة ثم تبادلا النظرات
معاً بصمتٍ غريب وكلا منهما مشغولا في حساباتٍ واهيه……..
…………………………………………………………….
دخل الى الشقة ليلًا بعد ان قضى الساعات المتبقية في اليوم مع بعض الأصدقاء المقربين له في نفس المحافظة…. دلف الى غرفته بتكاسل وأوصد بابها عليه…..
القى سلسلة المفاتيح على المنضدة باهمال ثم بدا
يحل أزرار قميصه وهو شارد الذهن عيناه غائمة
قاتمة المعاني والسؤال الذي يجول بخاطره الان
هو
هل ما فعله كان صائبًا ؟!…
نخزة ضميرية تعكر عليه صفوة وتزيد شعور المقت
بداخله…. لماذا فعل هذا….
لم تكن لديه اي نيه أبدًا في الزواج بعد قصة الحب الفاشلة الذي عاشها لسنوات….بل انه كره الجنس بأكمله بعد ان رأى ان الماديات والمظاهر هما رمزٍ للحب بنسبة لهن…. وهو ليس اهلا لهم بتأكيد !..
لذلك فشل في الوصول لما يريد وترك نفسه للدنيا
تتقامر معه وتراهنه على ما تبقى لديه وهو لها كان مسالما صامتا يتلقى منها الطمات الكبرى تارك
نفسه لها ، تفعل به ما تشاء كجسد ميت يطوف
على سطح البحر والأمواج الثائرة العالية تسحبه
بقوة الى المجهول ؟!….
وهو ذهب الى المجهول ، ولا شك ان الأمواج القت
به الى أقرب نقطٍ سوداء وتركته بها وحيدًا باردًا
القى نفسه على الفراش فصدح هاتفه سريعًا برقم
والده لم يسجل الرقم يومًا على هاتفه بل كان
دومًا مجهول في البيانات ومع ذلك يحفظه
على ظهر قلبٍ يحمل ذكريات المؤلمة
ففي سنوات الصبى كان كلما أحتاج اليه يتصل به من هاتف الجيران وحينها قد حفظ الرقم للامور الطارئة…
وبالفعل لم يتصل به يوما إلا للطوارئ ومع ذلك
كان يعنفه بالكلمات وهو معه على الخط امام الجيران التي تضرب كف بالاخر متحسرة على
حال هذا الصبي المذعور على والدته المريضة
والأب الجاحد الذي يرى ان الأمر تافها ولا يحتاج
مع كل اتصال يجرى بينهم عند حدوث كارثة ينتهي
بردًا بارد وشتائم نابية ثم اغلاق الخط في وجهه
ثم ياتيهما على مضض يلقي القليل من المال
ويرحل لأيام وليالي طويلة مستمتع باللذاتُ،
بينما زوجته تئن بالعذاب على فراش المرض
يحضرها الموت كل دقيقه…..
تحول الرقم مع مرور السنوات الى لعنه
يأبى الاقتراب منها باي شكلا من الأشكال
فعانى وحده من ظلم الحياة منذ الصغر
حتى أصبح كما هو عليه الآن….
يراه الناس رجلا خرج من بين هذه الظروف أسد جامح يقف على قدميه مساندًا داعمًا للشقيقتاه
وبار بوالديه رغم قسوة والده عليهم….
يراه الناس كأرض حرة مزدهرة بالخير لكن ان
أمعنوا النظر ولو قليل قبل الحكم عليها لرأوا
أرض بور مظلمة مرعبة وباردة يسكنها الاشباح
والشر يجول في فلكها متراقصًا ؟!…
فتح الخط ووضعه على اذنه يستمع اليه….
(ها عملت إيه…وافقت ولا لا…..)
أشعل حمزة سجارةٍ وهو يجيبه
“قالتلي اديني وقت أفكر…..”
تحدث والده بصيغة الأمر….
(يعني كلمتها كلمتين حلوين كده…عرفت تميل دماغها…..)
قال حمزة بنبرة غير مقروءة…..
“عملت اللي أقدر عليه…والقرار في ايديها….”
(يعني شايف إيه ممكن ترفض….)
مط حمزة شفتيه غير مبالي…..
“ليه لا… مش يمكن يكون في حد في حياتها…”
صاح والده بقسوة يعنفه…..
(انت غبي…لو في حد في حياتها هقولك ليه روح
اتقدملها…البت مياله ليك…..)
ابتسم حمزة بسخرية محتقرة…..
“الله أعلم…آخر مرة قالتلي انها بتحب ابن عمها…”
تمتم عثمان على الناحية الأخرى متذكرًا…
(ابن عمها ؟!…انا فاكر ان أبوها مكنش ليه أخوات
دا كان مقطوع من شجرة…وجدك الله يرحمة
مكنش موافق عليه وقتها… لكن عمتك وقفت
قصاده وهربت معاه…..)
ضحك حمزة ضحكة هازئة وهو يعقب
“هربت !! ماشاءالله…. وانت كنت فين بقا هو
مش المفروض انك اخوها الكبير ولا إيه ؟!…”
(انت هتحاسبني….اهو موضوع قديم وراح لحالة وفي الآخر اتجوزت بموافقة جدك….)
ثم استرسل بوجوم……
(المهم يعني انت مالي ايدك انها هتوافق….)
اجابه حمزة بنبرة شبه ميته…..
“قولتلك معرفش انا عملت اللي طلبته مني…الباقي
تحدث والده بغطرسة….
(وانا عند كلمتي هديك ورث امك كله بالورقة وبالقلم
هنتحاسب بس بعد ما تجوزها…..)
قاطعه حمزة بنبرة حازمة…
“لا احنا متفقين هاخد نص المبلغ قبل ما أكتب
عليها في نفس اليوم اللي هتجوزها فيه…..”
اغلق حمزة الخط بعد ان أخذ الموافقة منه ثم رفع رأسه للسقف وبدا يفكر وهو ينفث الدخان الرمادي في الهواء بضياع….
وقد شرد عقله فيما حدث منذ أيام عندما طلب والده
رؤيته في شقته الخاصة بعيدًا عن شقيقتيه…..
جلس حمزة على الاريكة امام والده الذي نظر
اليه قليلا ثم قال باسلوب مراوغ…..
(انا قررت اديك ورث امك كله….بالورقة والقلم
هدفع الفلوس اللي خدتها من حسابها في البنك..)
هز حمزة راسه مقطب الحاجبين مستغربًا…
(وفجأه كده ضميرك صحي وهترجعلنا حقنا…ولا
لمعة عينا عثمان بزهوة قائلا بتملق….
(تعرف انت الوحيد من ضمن اخواتك اللي
بحسه شبهي…يمكن لانك البكري…مش عارف..
بس بتفهمني ياحمزة…بتفهم انا عايز إيه كويس
بملامح متبلده عقب حمزة بسخط….
(بلاش الحنية المدلدقه منك دي عشان مش لايقه عليك….عايز مني إيه بظبط…..)
جز عثمان على اسنانه وهو يتحلى بالصبر
ثم مالى نحوه قائلا بفحيح الافاعي….
(قصاد ان اديك ورث امك كله…تجوز قمر…)
جفلت حواسه وجحظت عيناه
مبهوتًا.(واشمعنى بقا قمر….)
احتد صوت عثمان وكانه صاحب الحق
المظلوم في تلك القصة……
(انا عايز تنازل منها عن العمارتين تنازل يجي برضاها…ومش هايجي التنازل ده غير وهي
مراتك ساعتها هتعرف تأثر عليها بحجة انك
عايز تدير مالها بنفسك….فتاخد تنازل منها
نظر حمزة لوجه والده الغاضب والعروق
المشتده به……فلم يلبث إلا وضحك ضحك
بقوة ضحكه مريرة باردة كروحه الجليدية
ثم عندما تلاشت الضحكة المزعومة قال
(حقك ؟!… اي الفيلم الهندي ده..ضحكتني
والله..وانت ليه واثق أوي كده إني هنفذ
كلامك بالحرف الواحد…بر الوالدين مثلا؟!..)
هز عثمان راسه وبابتسامة مستفزة لعب على
نقاط ضعفة بابتزاز دنيء……
(لا ياظريف واثق عشان انت محتاج الفلوس
دي… المبلغ اللي كان في البنك مع أمك كبير ويستاهل انك تقدملي الخدمة دي مقابل انك تاخده…..)
ثم لوى شفتاه بلؤم ولم تغيب ابتسامته
(تاخده ليك بقا…توزع على اخواتك البنات انت
حُر…محدش هيعرف بالاتفاق ده غيرنا قولت
ارجع حمزة ظهره للخلف على المقعد ورفع
راسه بغطرسة قائلا بطمع…
(قولت مايكلش….يعني اخد بس ورث امي..
قصاد نصبايه كبيرة زي دي….شخلل جيبك
ساله عثمان بتهكم….(عايز إيه…..)
اجابه حمزة بنظرة شرسه…(أورثك….)
(انت اتجننت….)انتفضت ملامح عثمان انتفاضة خفية والخوف تسلل الى قلبه…….
املى حمزة طلباته وهو يشعر بلذة الانتصار
(لا اتجننت ولا حاجة…..دا انا حتى قنوع ومش طماع في كتير شقتين بس من عمارة من بتوعك افتحهم على بعض وبفلوسك اوضبهم وفرشهم…اهو انت ابويا برضو ولازم تزق معايا شويه….طالماالجوازة على هواك المرادي…..)
أرتاح وجه عثمان قليلا ظنًا منه ان ابنه
يريدها كأقامة مؤقته…..
(كتير كفاية شقه واحده….انت عارف الشقة تساوي ملايين و…..)
قاطعه حمزة بنبرة حاسمة….
(شقتين وتكتبهم باسمي ويتسجلوا في
الشهر العقاري بأسمي….)
اثار حفيظته أكثر من اللازم بعد هذا التصريح
فصاح عثمان مستهجنًا….
(انت اكيد اتجننت انت كده بتخسرني…)
أقنعه حمزة وهو يقول بهدوء….
(بالعكس انت هتاخد من ورايا مكاسب كتير
اوي…. اهمها ان شريكك في العمارتين بقا في
جيبك واعتبر التنازل وصل.. وشقتين يعني
مش حاجه…..دا العماره لوحدها سبعتاشر
دور وشوف الدور في كام شقة…)
(اعوذ بالله انت جاي تنق عليا….)
ابتسم حمزة باستهانه….
(حاشى لله ياولدي انا بس بفكرك..ان الخير
كتير والخدمة اللي هعملهالك تساوي كتير
كتير اوي…من اللي هاخده منك…)
صمتا قليلا وكلا منهم ينظر للاخر بمشاعر
متبلده باردة….حتى حذره عثمان بنبرة ونظرة
(اتفقنا هكتبلك الشقتين ونص المبلغ من ورث
امك والباقي لما تجبلي امضتها….بس أقسم
بالله ياحمزة لو لعبت بديلك وخلفت الاتفاق
عينك مش هتشوف النور ولا هخليك تتهنى
لا بشقق ولا بالفلوس….قولت إيه….)
رفع حمزة كفيه قائلا دون تعبير
(قولت نقرأ الفاتحة على روح المغفلة اللي
………………………………………………..
اخذت تبعث في القمر المرتاح أسفل نحرها والذي يلمع وسط وحشة الظلام بالغرفة…
جفاها النوم وصارعتها الافكر بجسارة وحيرها
اتى من تتلهف لرؤيته اتى وطلب يدها للزواج فلماذا
لا تشعر بسعادة لماذا تشعر بالريبة من هذا العرض
فعندما كان يلقي عرض الزواج كان فاتر المشاعر كانت نظراته باردة كمن يذبح نفسه بسكين بارد
وهو يقدم على تلك الخطوة…
هل ستوافق عليه بعد هذا الإحساس؟! ، وان كان والده من أرسله لها وضغط عليه كي يقدم على تلك
الخطوة حتى يرأب الصدع بينهما ولا تضطر للوقوف
أمامه في المحاكم مطالبة بحقها…..
هل ستتخلى عنه بعد ان تتزوج حمزة !..
احتدمت الأفكار داخلها أكثر واصبحت فريسة لمخاوفها….فطال الحزن عيناها الحزينتين وقد
عجزت عن أخذ قرارا صارما امام قلبها الهائم
في معذبة……لكن كانت على يقين ان حمزة
لن يؤذيها أبدًا…فهو لن يفعلها سابقًا ولن
انها الثقة التي تنمية بداخلها مع حبها له فأن انكسرت الثقه داخلها مؤكدًا سيتلاشى بريق
والاثر في قصص الحب المنتهية، هو اشبه
بمكانا وردي جميل اندلع به فجأة حريق أكل معه الاخضر واليابس وعندما انطفأت النيران انتهى
الحلم وبقى الأثر الموجع ذكرى غير مستحبه
وهي تخشى ان تعيش هذه التجربة معه فرغم
ثقتها به تدعي الله ان يزرع حبها في قلبه
………………………………………………………..
رحب بهم عثمان بحفاوة فكان دخولهم عليه مختلف
عن الخاطب السابق الذي اتى( لكيان) فكانا يشعا هيبه ووقار ومن ملابسهم الفخمة والهدايا التي احضروها معهم علم انهم لا يقلوا مستوى عما سبق…..
وهذا رضى جزءًا متدني داخله…فبعد سنوات من بذل المجهود والصرف عليهم بدأت تثمر نتائجهم..
والاشقاء الثلاثة أصبحا في ليلة وضحاها
أستثمار مربح سيتم الانتفاع به عما قريب !…
في قلب الصالون البسيط جلس سليم على الاريكة
وجواره والده المستشار مصطفى… وكان بين يدي
سليم باقة بيضاء من الزهور غير الهدايا التي جلبها
كان سليم متأنق بطاقم كلاسيكي شبابي يشع
منه جسده الفتي الجذاب وطوله الفارع…..يصفف
شعره للخلف ويضع عطره المفضل كان وسيم
وجذاب يخطف الأنظار…..وكان والده كذلك
يرتدي حلة رسمية أنيقة…..
جلس حمزة ووالده في المقاعد المجاورة…
“نورتوا وشرفتوا والله…..”
أبتسم سليم معرف عن نفسه بمنتهى
“بنورك ياعمي…انا كلمت حضرتك في التلفون من كام يوم….. انا سليم الجندي عندي مكتب محماه
اللي شغاله فيه الانسة كيان معايا… وده والدي المستشار السابق مصطفى الجندي….”أشار على
فابتسم حمزة وشرد في تلك الصورة المثالية
أمامه دون تحقير او تزيف ، صورة الأب وابنه فيبدو
من نظرات الأب انه حنون وسند لابنه منذ الصغر
فعندما تحدث سليم كان والده في ظهره يربت
على كتفه بتشجيع…..ونظراتهم تدل على الحب
والانتماء والصداقة المتبادلة…..
عاد حمزة يتابع الحديث بنظرة هادئة مسطور
بها الحرمان واليتم بالخطوط العريضة…
رحب بهما عثمان باسلوب متملق…..
“أهلا وسهلا….تشرفنا ياسيادة المستشار… اهلا
ياسليم يابني….. انا عثمان الدسوقي والد كيان
وده حمزة ابني الكبير اخوها…..”
أبتسم سليم ملقي التحية….
“تشرفنا….. ياحمزة….”
اكتفى حمزة بايماءة بسيطه مغتصب
تحدث المستشار بتحفظ….
“احنا بصراحه يا استاذ عثمان جاينلك وقصدين
“انت تأمرني ياسيادة المستشار….”
تنحنح المستشار قبل ان يبدأ بالحديث بمنتهى الجدية المشعة بالوقار الفطري لديه…
“الأمر لله واحده…. بصراحة سليم معجب بكيان
بنتك ولما اتعامل معاها بحكم الشغل بينهم عرف قد إيه هي بنت مؤدبة وعلى خلق…وعشان كده جيت
النهاردة أطلب ايد بنتك الانسة كيان لابني
“وطبعا اللي تأمر بيه احنا تحت أمرك….”
ارجع عثمان ظهره للخلف ووضع ساق فوق الاخرى
“والله انا مش هتكلم غير في الاصوال…اللي لينا
ولي علينا…والاساسيات….ما انت عارف ياسيادة
المستشار الدنيا مبقاش فيها أمان وانا لازم اضمن
“اللي تأمر بيه ياعمي طبعا…..انا هنفذة….”
ابتسم عثمان برضا أكبر..
“تسلم يا ابن الاصوال…يبقى انت كده شاري بنتي
بجد….يبقا نتكلم في المهم…..”
زم حمزة شفتيه وهو يسمع طلبات والده المبالغة
والمبلغ الذي وضعه مهرًا لكيان كما فعل مع شهد سابقا وبطبع هذه الأموال ستكون في حوزته
حصيلة بعد زواجهن ……
يراها صفقه بيع وشراء لكن الذي يصبره على
هذا الاسلوب المتدني هو موافقة شقيقتيه
على الخطاب بل ان كلا منهن تكن حبا
وهذا ما يجعله يخفف من ازعاجه ويتابع ما
يحدث دون تدخل فلن يكون أشد وطأة من
اتفاقهما على فتاة يتيمة من دمهم !…
قال عثمان بابتسامة مرضية….
“على بركة الله نقرأ الفاتحة لما العروسة تدخل بالشربات….”
“بس طبعا ياعمي زي ما اتفقنا…. انا هكتب الكتاب
علطول….. مش هعمل فترة خطوبة…”
اوما عثمان براسه بالموافقة….
“عين العقل طبعا… انا كمان شايف ان كتب
مالى حمزة على والده
قائلا….”بابا عايزك شوية….”
استأذن عثمان منهم وعندما ابتعدا الاثنين عنهم خارج الغرفة…..
قال المستشار بنفسٍ غير سمحة….
“الراجل ده انا مرتحتلوش ياسليم… شكله مش سهل
ومادي….وطماع قوي… شوفت الرقم اللي طلبه
للمهر….دا كانه بيتاجر في بنته مش بيجوزها…”
مالى سليم على والده هامسًا….
“يابابا مانا معرفك كل حاجة قبل ما تيجي وحكيلك
اللي عرفته من كيان عنه….”
هز مصطفى راسه مستهجنًا…..
“ايوا يابني بس مكنتش أعرف انه بالشكل ده..”
قال سليم بعدم اهتمام….
“انا مالي بيه… مسافة ما اتجوزها خلاص ملهوش حاجة عندي.. وبعدين كيان مش زيه ما انت عارفها….”
عبس وجه والده وهو يقول بيقين…
“طبعا ياسليم… يعني لو هي كده اي اللي هيخليني اجي معاك لحد هنا… البنت كويسة ومحترمة وطيبة
ثم صمت قليلا وهو ينظر للباب المفتوح
امامهم……واسترسل متعجبًا.
“اللي مستغربة ان ازاي العصفورة دي تكون بنت الجشع ده…. وازاي يكون عنده بنت زيها ويقسى
عليها… لا حول ولا قوة إلا بالله….”
ابتسم سليم بحزن فهذا نفس السؤال الذي قفز
في عقله عندما اعترفت وهي ثملة بمعاملة
والدها السيئة لها ولشقيقيها…..
والذان لا يقلوا عنها تعاسة فأخيها الأكبر النظر الى
وجهه أكبر دليلا على انهما يعيشوا على الإطلال !..
تحدث المستشار بتأثر……
“تعرف ياسليم ان بعد ما ربنا رزقنا بيك… انا وأمك
كان نفسنا نجبلك اخت لكن ربنا مأرادش…”
ازدادت ابتسامة سليم تلك المرة عمقا وهو يطلب
“اعتبرها بنتك يا بابا…صدقني هي محتاجة لده..”
ابتسم والده وهو يربت على ركبته قائلا
“يامتر… هي محتاجة لده منك انت.. اكتر من
ثم بث الطمأنينة اليه بصوته الحنون
“ومع ذلك أطمن انا لو هختار يكون عندي بنت مش هختار غير كيان…. لما تبقا مراتك هتكون اغلى عندي
منك… وشويه شوية عيالكم هيكونوا برقبتكم انتوا
ضحك سليم ووالده معًا ثم قال سليم
“بدأت تخطط ياسيادة المستشار للاحفاد.. واحنا
لسه هنقرأ الفاتحة…..”
اجابه والده بنبرة مبتهجة…..
“سبني أحلم ياسليم… دا اليوم اللي مستنيه من
زمان…. اني أفرح بيك واشيل عيالك قبل ما
تأتا سليم بشفتيه بعدم رضا قائلا
“اي اللي بتقوله ده يابابا…. بعد الشر عليك
ربنا يخليك ليا ويطول في عمرك…انا ليا
ثم مالى عليه وقبل رأس والده بامتنان حقيقي
…………………………………………………………
مررت الفرشاة على وجنة أختها بخفة وكانت تلك اللمسة الاخيرة وعندما انتهت وضعت الفرشاة
جانبا ومالت بجوار وجه اختها تنظر لصورتهما المعاكسة للمرآة وكانا يتلألأن كنجوم سارقين
نظرت كيان الى وجهها في المرآة وبدات تتحرك
يمينا ويسارًا متفحصة زينتها بدقة…وبعد ان
انبهرت برقة الزينة وجمالها على ملامحها فقالت
“تسلم ايدك ياشهد تجنن…طول عمرك شاطرة…”
قبلة شهد وجنة أختها بعيون تلمع
“مبروك ياقلبي….ربنا يسعدك….باين اوي انه بيحبك.. بذات بعد ما وقف اللي اسمه شادي ده عند حده.. ”
توترت حدقتا كيان امام المرآة وساد الصمت بملامح
عقدت شهد حاجباها قائلة….
“الله مالك قلبتي وشك كده ليه….احنا مش قولنا ننسى اللي فات….ونفكر في الجاي…..”
نهضت كيان عن المقعد ونظرت الى اختها
“مش قادرة….انا لحد دلوقتي بسأل نفسي..هو
انا بجد سمحته بعد اللي شوفته….”
قالت شهد بعقلانية….
“مكنش ليكي حق انك تعاتبي وقتها…حتى لو كنتي حاسه من ناحيته بحاجه…حتى هو من كلامك عنه
باين انه مكنش عارف ياخد قرار صح….”
لم ترد عليها كيان بل ظلت واجمه الملامح و مشهد القبلات المتبادلة مزال يتكرر امامها بصورة مستمرة تعكر صفوها وتكسر الفرحة في قلبها…..
سالتها شهد بهدوء.. “انتي خايفه من اي يا كيان….”
” خايفه اتخم فيه ياشهد….خايفه أامن ليه فيخوني
او يجرحني زي ما عمل معاها….”
“مش معنى انه كان مرتبط قبلك….يبقا يا خاين
يا هيخون….دا كان قبلك…قبلك ياكيان….”
كانت تشعر بضغينة مُرة مما دفعها
“بس هو سابها عشاني…انتي متخيله احساسي..”
سحبت شهد نفسًا طويلا ثم قالت
“يمكن كانت بينهم خلافات قبل حتى ما تظهري
في حياتهم….او يمكن مكنش حاسس معاها بحاجة
وكان بيوهم نفسه وأول ما شافك أتأكد انه
محبهاش…..بلاش تكوني سلبيه معاه… ”
نظرت كيان لاختها قليلا ثم قالت بابتسامة
“احيانا لم بنستلم دور المصلح في حياة غيرنا
بنبقا أهل الحكمة…بس شوفي مين بيتكلم وانتي امبارح قولتيلي انك بتفكري تفركشي خطوبتك..
دا غير انك بتتهربي من مكالماته من ساعتها….”
قالت شهد بتبرم وهي ترفع راسها
“وانتي عيزاني اسامحه بعد الكلام اللي قاله يوم
الفرح وانه بيشبهني بالسفيرة عزيزة اللي كان متجوزها…..وكله بسبب نصحتك الزفت.. ”
لكزت اختها في كتفها فتحسست كيان
“آه وانا مالي…. ايش عرفني انه مدقق وفاهم
فغرت شهد فمها قائلة بتوضيح…..
“مدقق وفاهم ؟!..يابنتي دي شُغلته يعتبر مولود وسطهم….بيقول ان جده كان زيه كده عنده ورشة وبيعمل الحاجات دي بنفسه وهو ورث الحِرفة والورشة من بعده.. عكس ابوه وعمه… مكنوش حابين يكملوا في المهنة دي.. ”
لوت كيان شفتيها ببسمة
“ماشاء الله دا حكيلك قصة حياته….”
“طبيعي يعني مش خطيبته….”قالتها شهد بعفوية وقد خانتها الإبتسامة الخجولة وخرجت على ثغرها الوردي….
“خطيبته !.. ما كنتي هتسبيه من شوية….غيرتي رأيك…”
غيرت شهد مجرى الحديث وهي تتجه الى الباب
بكامل اناقتها هي واختها….
“سيبك مني دلوقتي…ويلا نخرج دول بقالهم ياما مستنين….”
وصل عطر الياسمين الى انفه فرفع عيناه على الباب
فوجدها تدلف بخطى متردد شبه متعثرة تنظر للأرض بخجلا وبيداها تمسك صنية المشروبات
بلع ريقه متوجسًا رغم انبهاره بجمالها…
يجب عليه ان ينبهر ، فعصفورة الكناري الجميلة تتالق اليوم بثوب حريري أنيق سماوي اللون يقارب لون عيناها الفيروزية..ضيق من عند الخصر وينزل باتساع بسيط……وقد ابدعت في وضع زينتها فكانت جميلة رقيقة دون تكلف وعيناها بالكحل ترمز للبهاء والاهداب المظللة كالسحر توقع به…ام شفتيها
مطلية باللون رغم الرقة به القى في نفسه الفتنة
فدفن عيناه بين لذة النظر اليها للحظات…حتى تحركت عيناه وصعدت الى شعرها البندقي اللون الملتف في تسريحة انيقة تلائم وجهها ويزداد
حتى شقيقتها كانت جميلة بجوارها تتألق بثوب
متدرج الالوان مابين الأسود والرمادي الفاتح
يبرز حُسنها برقي يليق بها….وكانت تطلق شعرها
حرًا وترفع الغرة للأعلى بمشبك شعر أنيق….وتضع
أيضًا زينة رقيقه تلائمها…..
قال عثمان بود زائف….
“تعالي ياكيان ياحبيبتي……على مهلك…..”
نظر عثمان للصنية التي تهتز بين يد ابنته بقلق
في ان ترتكب الحماقة وقبل ان يطلب من أحدهما
التدخل كان حمزة ياخذها منها ويقدمها لهما بدلا
فارتخت اعصاب كيان بارتياح وهي ترى حمزة يضايفهما بدلا منها وشهد تقوم بوضع الحلوى
والابتسامة المرحبة تزين ثغرها….
فكل هذا كان كفيلا بان يجعل الدمع يترقرق
بعيناها فكيف ستكون حياتهم عندما يتزوج
كلا منهم ويلهى في حياته الخاصة…
نظرت الى سليم فأشار لها ان تقترب وعيناه تراضيها
دون كلمات….فسرى نوعًا من الدفء الحلو في اعماقها وتلاشى الحزن قليلا وهي تتقدم منهما ترحب بوالده بابتسامة اليتيم….
اليتيم الذي وجد أخيرا عائلة تتكفل به بعد
سنوات مضنية من الحرمان والعذاب….
اجابها المستشار بابتسامة حانية ككلماته
“الحمدلله ياحبيبتي….الف مبروك…احنا اتفقنا مع والدك على كل حاجة…ومفضلش بس غير اننا نقرا
الفاتحة…..مبروك يابنتي حقيقي ياكيان انا لو
هتمنى لسليم زوجة مش هتكون غيرك….”
سقط دمعة من عينيها وهي تسلم عليه بحرارة
ولولا الحرج لتركت نفسها لمشاعرها والقت نفسها
في احضان هذا الرجل الحنون لعلها تكتشف
كيف يكون حضن الأب به !…..
“انا بحبك اوي ياعموو…..”
اهتز قلب سليم بعطف وحزنا عليها فهو يعلم
كم هي بحاجة الى من يشبع حرمانها ويصلح
ما أفسده والدها بها منذ الصغر….
ربت المستشار على وجنتها قائلا بمحبة…
“وانا كمان ياكيان…انا خلاص اعتبرتك بنتي…بقيتي
فرد مهم واساسي في عيلتنا….يعني لو سليم ده فكر بس يزعلك فكر بس …هيكون بايت على سلم العمارة…”
ابتسم سليم الواقف بجوار والده..
“واضح انكم هتتفقوا عليا من دلوقتي….”
ضحكت شهد وهي تنظر الى حمزة الذي بدوره
ابتسم يحمد الله على نعمه…
بينما قال مصطفى بهمسًا لها….
“واضح انه بدأ يغير ….روحي سلمي عليه
علشان شكله بقا وحش…..”
قالت كيان بمشاكسة…
“عشان خاطرك بس ياعموو….”
رفع سليم حاجب مغتاظ…
“يسلام…..حلو جبر الخواطر ده….”
مدت له يدها وهي تبتسم بوجها متوهج بسعادة لا تنكر في عيون الحاضرين وعيناه هو بالأخص …
فبادلها السلام متكأ على يدها وهو
يقول بخفوت….”مبروك يا آنسة كيان…..”
بادلته الابتسامة بصفار….
“الله يبارك فيك يا أستاذ سليم….”
أخذت منه باقة الزهور بحرج….
فأمرها والدها بقلة صبر….
“يلا ياكيان قعدي جمب عريسك خلينا نقرأ الفاتحة…..”
عندما جلست بجواره على الاريكة مالى سليم
“كنت فاكرك هتحميني بالعصير…..”
“كان نفسي بس حمزة نجدك….”
“قلبك أسود.. اهون عليكي..”
اكدت بأسلوب غليظ…
“تهون طبعا….عشان تبطل قلة آدب…”
همس سليم بسفالة….
“بكرة تعجبك قلة الأدب ياعصفورتي….”
مصمصت بشفتيها بدلال وبدأت بقراءة الفاتحة دون النظر اليه فخبط ساقيها بخفة دون ان يراه أحد
فنظرت اليه بضيق محذرة….
فسالها سليم وعيناه تعرف مجال وجهها البهي بتفاصيلة الدقيقة الجميلة….
“هي الفاتحة أولها إيه….”
رفعت حاجبها بصدمة ثم لم تلبث الى وضحكة بعد
ان رأته يغمز بشقاوة وبدأ بالقراءة منبسط الملامح
وعيناه تلمع بالسعادة وهي مثله رغم هواجس عقلها
الفرحة تغمر قلبها دون ان تعي…..
عندما انتهى الجميع من الفاتحة لم تجد كيان من يطلق الزغاريد ويعطي للمناسبة روح متوهجة كما كانت في قراءة فاتحة (شهد) فكانت قمر متغيبه عن هذه المناسبة الخاصة مما جعلها تشعر بسوء نحوها…
لذا قررت فيما بعد ان تقوم بالاعتذار منها…ففي الحقيقه انها اشتاقت لها بشدة وتأبى الاعتراف
مالى سليم عليها هامسًا بتهنئة
“مبروك ياقلب سليم….”
خفق قلبها بشدة ونظرت اليه بفيروزيتان كحيلتان
يتلألأن بالفرح….وفي بؤرتهما يتوارى الحب والخوف…..”الله يبارك فيك….”
ارتفع رنين جرس الباب فأتجهت شهد لتفتح الباب
وقد ظنت انهم احد الجيران اتوا للمباركة…..
فتحت الباب بملامح منبسطه وعلى ثغرها شبه ابتسامة…لكن تلاشى أثرها بتدريج بعد ان رأته
يقف أمامها بقامة طولة المهيبة وحضوره القوي
بلعت ريقها وقد ارتسمت الصدمة على
وجهها وهي تقول….”عاصم…..”
نظر لها عاصم نظرة حانقة ثم سارت حدقتاه عليها
بنظرة مقيمة من أول راسها حتى اخمص قدميها
وكانت متأنقة اناقة توجت عليها كـملكة جمال والحسن امامها منحني بأنهزام…..
نظر لعسليتاها الكحيلة وهما كشمسان متوهجتان
في ليلا عاصف كعاصفة غضبة الان منها…
“آه عاصم اللي منفضاله بقالك كام يوم وبتردي على تلفوناته بالعافية….”
اختلج قلبها بين اضلعها فقالت وهي تتنحى
“كنت مشغولة الفترة اللي فاتت مع كيان.. قولتلك
ان قراءة الفاتحة النهارده… دا حتى عريسها وابوه
جوا…. لسه قرين الفاتحة…..ادخل واقف ليه.. ”
دلف عاصم وأغلق الباب خلفه ثم لم يلبث إلا
وقال بضيق والغيرة تشعل صدره كمرجل
“اي الفستان اللي انتي لبساه ده…”
نظرة شهد الى ثوبها بعدم فهم… “ماله يعني…”
قال متاففًا وهو يتاملها عن كثب….
“مش شايفه انه ضايق ودراعاتك باينه….”
هزت راسها بنفي وعيناها شديدة البرود….
فقال عاصم من بين أسنانه….
“يعني هو لا بنص كم… ولا ضايق… ”
نظرت شهد لذراعيها النصف مكشوف ثم لخصرها
المنحوت البارز من الثوب متدرج الألوان…..
فغيرت مجرى الحديث بترفع
قائلة… “هو بابا عزمك….”
رد ببرود… “حاجه زي كده…”
قالت بتساؤل…”يعني إيه حاجة زي كده…”
“يعني جاي في موضوع يخصنا….”
انكمشت ملامحها بارتياع….
“اوعى تكون جاي تكلم في موضوع طقم الالماظ متحرجنيش لو سمحت…..”
“كبري مخك شوية… مش كده…”
أحمر وجهها غضبًا.. “قصدك إيه…..”
هتف بصوتٍ خشن محتد …..
“اقصد ان مش عاصم الصاوي اللي يروح يشتكي
لحد..انا اقدر احل مشاكلي كويس أوي.. وبذات معاكي انتي….”
اثار حفيظتها فقالت بتهكم…..
“مشاكلك معايا… دا بدل ما تعتذر على الكلام السخيف اللي قولتهولي عن طلقتك…”
ابتسم عاصم دون مرح…..
“آه وده اللي مخليكي متغيره من ناحيتي… يعني
غلطانه وكمان مقموصة….”
قالت بعناد وهي تبتلع ريقها….
“انا مش غلطانه انا اتصرفت بحسن نيه….”
تحدث بحدة امام عنادها….
“وانا قولتلك مش عايز غير الصراحة…”
عقدة ساعديها امام صدرها وهتفت
“تمام فهمنا بعد كده لو في اي حاجه تخصك هقولهالك من غير لف ودوران…”
رمقها بسطوة قائلا بتسلط لعين…
“مش بس تخصني وتخصك انتي كمان…”
جزت على اسنانها وهي تنظر اليه
بانزعاج…. “قد إيه انت حشري…..”
عيل صبره فقال بعنف….
“قد إيه انتي دبش…. وتلج….”
رفعت اصبع التحذير امام
“عاصم الزم حدودك….”
اقترب منها فتراجعت حتى خبطت في الحائط
خلفها فقال عاصم بصوتٍ مهسهسا بالقرب
“وان ملزمتش حدودي هتعملي إيه….”
بدأت الدموع تتجمع بمقلتيها…. “هصوت و….”
“صوتي طيب ساكته ليه…..”قالها ببسالة واصابعه
ترجع خصلة من شعرها خلف اذنها…..
ضربة يده بملامح شديدة القسوة
“ابعد إيدك…واحترم نفسك….”
نظر لوجهها قليلا وتبادلا النظرات لبرهة حتى انهزمت امام قوة مشاعره وسقطت دمعة خائنة
من مقلتها فمسحتها سريعا لكنه رآها وسالها
والحيرة تغزو قلبه بألف سؤالا وسؤال تأبى
هي بعناد الإجابة عليهم…..
فقال عاصم وهو يمسح وجنتها بحنو منهزم
امام قلبها للمرة التي فشل عدها…
“انتي بتعملي فيا كده ليه ياشـهـد… بتهربي ليه
مني.. وليه مصممة تبني الف سور بينا….”
قالت بوهن ودمعتين يجريان على
وجنتها..”انت مش فاهمني ياعاصم….”
تأوه بعذاب والحب أضناه…..
“بحاول افهمك والله بحاول بس انتي اللي مش عايزة تديني فرصة….”
لم ترد بل سالت دمعتين اخرين امام عيناه
فقال برفق وهو يمسح وجنتها….
“كفاية عياط…..انتي اللي غلطانه من الأول مش أنا
وبعدين انا لو شايفك زيها ليه هفضل معاكي ما كنت
قالت بصوت متهدج بالحزن والالم….
“الطقم فعلاً اتسرق مني… انا والله ما بكدب عليك..”
ربت عاصم على كتفها قائلا بصوتٍ حنون….
“انسي ياشهد… بكرة هعوضك بالاحسن منه.. بس
لما تبقي في بيتي…. اتفقنا….”
بللت شفتيها وهي تقول بشجن…..
“انا مش عايزة حاجة.. انا اهم حاجة عندي متفكرش
اني بعمل فيلم عليك واني اتصرفت في المجوهرات
وحطيت فلوسها في جيبي…”
“انا عارف ياشهد…عارف انتي اي كويس….” قالها عاصم وعيناه تأسرها بالحب…
عندما انفتح باب غرفة الصالون ابتعد عاصم عنها
خطوتين للخلف فظهر حمزة من خلف الباب متقدما
“المعلم عاصم…… إزيك عامل إيه….”
صافحه عاصم وهو يجيب….
“الحمدلله ياحمزة انت إيه اخبارك…”
“الحمدلله… جاي في معادك مظبوط….”
“دا يوم ما يتفوتش…..”
ضاقت عينا شهد بعدم فهم بينما فقال حمزة وهو يشير لغرفة الصالون…..
“العريس جوا مش هتدخل تسلم عليه على ما المأذون يجي هو على وصول….”
أومأ عاصم برأسه قائلا بهدوء….
“كويس على مايجي يكونوا الجماعة وصلوا عشان
نفذ الصبر داخلها فقالت مستفسرة….
“مأذون إيه انا مش فاهمه حاجه…. هو سليم
هيكتب على كيان دلوقتي….”
“المأذون اللي هيكتب كتبنا ياشهد…”
جفلة حواسها مع اتساع عيناها بصدمة فقالت بضحكة صغيرة منفعلة……
“انت بتهزر…. كتاب إيه ياعاصم….”
اخبرها عاصم بجدية شديدة….
“هكتب عليكي النهارده انا كملت ابوكي واخوكي
وهما موافقين والفرح هيبقا اخر الشهر ده…”
ابتسمت بعصبية وهي تقول من بين اسنانها
بوجها أحمر من شدة الصدمة والغضب الناتج
“إزاي يعني….انت عملهالي مفاجأه…مش المفروض
نتفق على الحاجات دي الأول….”
وزع حمزة النظرات بينهما وعندما وجد الرفض والغضب بادي على أخته سالها بجدية….
“انتي مش موافقة ياشهد؟….”
نظرت الى اخيها وغافلها السؤال رغم الرفض المرسوم على محياها غافلها ووقعت في هوة
من الصمت وبدأت تبادلهم النظرات بتيه وكانها
وفقدت النطق للحظات كانت كالدهر…..
فقطع عاصم الصمت بنظرة حازمة…..
“ردي على اخوكي…من كلامك افتكر اني بغصبك
على الجواز…. مع اننا مخطوبين ودي الخطوة اللي المفروض تحصل بعد الخطوبه….”
نظرت الى عاصم وقد امتزجت الدهشة والغضب داخلها وتفاقم حنقها نحوه ، انه يرغمها على الأمر بالابتزاز…. ابتزاز سادي بحت فعيناه القاتمة والمنتظره ردها بفارغ الصبر تخبرها ان رفضها
الآن سيكسر كبرياؤه العظيم وعندها لن يسامحها

google-playkhamsatmostaqltradent