رواية الحب اولا الفصل الثامن عشر 18 - بقلم دهب عطية

الصفحة الرئيسية

   رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية الحب اولا الفصل الثامن عشر 18

 
اخذ مسعد رشفة من فنجان القهوة ثم وضعه
جانباً وهو ينظر لابن اخيه مستفسراً…
“ويا ترى العروسة دي من عيلة معروفة ياعاصم…”
نظرت له الجدة( نصرة) بتعجب..بينما ظل وجه الهام
ممتقع وعينيها الزرقاء مشتعلة بنيران الحقد ويموج
في حلقها الآن شعور الهزيمة والظلم….
نظر عاصم لعمه قليلاً ثم أجاب بصوتٍ هادئ…
“أبوها يبقا عثمان الدسوقي….مش عيلة معروفة
ومستواهم أقل مننا….مش هو ده اللي بتستفسر
عنه ياعمي…..”
التوت شفتي الهام بازدراء….
بينما استأنف مسعد بعدم رضا…….
“الحسب والنسب مهمين اوي ياعاصم لينا كـعيلة ليها اسمها ووضعها في سوق….وانا عرضت عليك جوزات
إشكال والوان على يد الحاجه سواء قبل رفيدة او
بعد طلاقك منها……بنات عائلات اسم ونسب واملاك
تسد عين الشمس….ناس كان كل مُناهم ننسبهم وانت
برضو رفضت……”
أردف عاصم بمنتهى الثبات…..
“كل شيء قسمة ونصيب ياعمي…وانا قلبي أختار اللي ارتاح معاها….لا فكر في فلوس ولا اسم عيله
وطبعاً انا مش أول واحد يختار واحده مستواها
أقل منه…..”
اومات نصرة بتأكيد قائلة وهي تنظر
نحو إلهام…..
“صدقت يابني…اللي بيته من قزاز ميحدفش
الناس بتوب……”
أحمر وجه الهام بالغيظ فقالت بتهدج من
شدة الانفعال……
“قصدك إيه بقا بالكلام ده ياماما…..انتوا بتلقحوا عليا ولا إيه….”
تولى عاصم الرد عليها بعينين صقريتين….
“مش محتاجين نلقح يا ام يزن…..احنا عقلنا اكبر من كده بكتير….بس هي دي الحقيقه…يوم ما عمي اختارك..كنتي شغاله موظفه في شركة وشافك
هناك صدفة حبك واتقدملك…..ساعتها….”
قالت نصرة بضيق مكتوم مع تذكر الخلافات
القديمة……
“ساعتها محدش اعترض يامرات ابني بالعكس..دا انا
أبني وقف قصادي وقاله يا ديه يابلاش خالص…
فاأبوه خده تحت جناحه ووافق عليكي…والحمدلله
بعد كام سنه بقيتي ام ابنه الوحيد….نصيب….”
قالت الهام بمنتهى الصفاقة….
“أيوا زي ما عاصم قال كنت شغاله في شركة…وأول ما دخلت البيت ده كنت مراته…..لكن اللي عاصم عايز
يتجوزها دي أول مادخلت البيت ده دخلت خدامـ…”
اوقفها عاصم بنبرة مهيبة….
“الزمي حدودك يامرات عمي…..اللي بتكلمي عنها دي هتبقا مراتي……”
اشتعل صدر الهام بالغل فقالت ببرود…..
“دي مجرد نصيحة…كل اللي شاغلين في البيت هنا
قبلوها على انها طباخة جايه تخدم على الضيوف
إزاي بعد كام شهر تجبها هنا على أساس انها مراتك….كده الكلام هيكتر……”
كان عاصم سيرد عليها رد يحرم عليها
النوم ليلاً…..لكن نصرة اوقفته بيدها وهي ترد
عليها باسلوب مبطن مُهين……
“ومالوا خليه يكتر يامرات ابني…ماهو كِتر زمان برضو لما مسعد اتجوزك وفين وفين على مالناس نسيت وبقت تتعامل معاكي على انك هانم…ولا نسيتي…..”
اتسعت عينا الهام بالغضب جراء تطاولهما عليها
وفتح دفاترها القديمة…….فنظرت الى مسعد
شاعرة بالمزلة وهي تقول
“سامع الكلام يامسعد…أمك وابن أخوك بيعيروني..
بيعيروني بفقري زمان…..”
قالت نصرة بنظرة حانقة…..
“انتي اللي بتعيري الناس بفقرها ونسيتي أصلك
يابنت الأصول…..”ثم نظرت لابنها وحفيدها الاكبر
وقالت……
“تعرفي ياالهام مين هو الفقير في نظري…فقير القلب
والاخلاق والضمير…..والغني في عيني هو اللي يملك التلاته…..والطباخة اللي مش عجباكي دي دخلت
قلبي من أول يوم شوفتها فيه……..”
قفزت الهام من مكانها وهي تقول بانفاس
متهدجه من شدة الانفعال……
“براحتكم…..بس اعرفوا انها مش هيجي من وراها غير الخراب……اصلها اقدام ياحاجه….”
ابتعدت عن انظارهما بخطوات عالية الايقاع تعبر
عن غضبها وكرهها لمن ستنافسها قريباً في المكانة والاملاك ؟!………
بعد ابتعادها نهائياً سال مسعد
ابن اخيه بهدوء…..
“هتروح تقابل أبوها امتى يا عاصم…..”
تبادل عاصم النظرات مع جدته ثم
أجاب…..
“آخر الاسبوع ده يا عمي…..”
سحب مسعد نفسًا عميقا ثم زفرة والق بعدها قراره
الأخير في هذا الحوار……
“خلاص انا هاجي معاك….في نهاية ده اختيارك وكل واحد بيدفع تمن اختياره……”
تهللت اسارير وجه عاصم بالفرح فابتسم بجذل
قائلاً وهو ينهض من مكانه لياخذ عمه
بالاحضان…..
“ربنا يخليك ليا ياعمي…..”
تبادلا العناق فابتسمت نصرة من خلفهما
هامسة بالحمد….بينما همس مسعد لابن اخيه في
اذنه بمنتهى الصدق……
“متزعلش مني لو اتكلمت في موضوع العيلة والحسب والنسب….انا بحبك وبتمنالك الأحسن…ومتفكرش اني لما وقفت قصاد اهلي زمان واتجوزتها عشت بعد كده في الهنا…اديك شايف اللي عينه فارغه…مش بيشبع أبداً يابني مهما اديته…..وانا نصحتك وانت حُر….”
فصل عاصم العناق وهو ينظر الى عمه
مربت على كف يده وهو يقول……
“صوابعك مش زي بعضها ياعمي….مش كل اللي تعبان وشقيان في الدنيا عينه فارغه وطمعان في لقمة غيرة في ناس عينها مليانه برضا….وكرامتها فوق كل شيء……أطمن شهد حاجة تانية… ”
ربت مسعد على كتفه مبتسمًا….
“اتمنى… ربنا يسعدك.. ويكملها على خير….”
عندما خرج مسعد بعد ان ودعهما… اتجه عاصم الى الجدة نصرة وقبل يدها قائلاً بامتنان….
“ربنا يخليكي ليا…..”
لكزته نصرة بخفة قائلة بمحبة…..
“أطمن ياواد انا دايما في ضهرك وجمبك….. ربنا يسعدك وشوف الفرحة منورة وشك من تاني…”
قال عاصم بمحبة أكبر…..
“ياحبيبتي انا فرحان علطول طول ما انتي معايا…”
دخلت الى غرفتها بعصبية شديد..وبدات تدب في الأرض بقهر وهي تكتم صرختها…..ثم مسكت الهاتف
واتكات عليه بغل…رفعت الهاتف على اذنها وعندما اتاها صوت اختها صاحت تبلغها بالكارثة الكبرى…..
(الحقيني يارفيدة…. اللي خوفت منه حصل… عاصم
ناوي يتقدم لشهد رسمي……)
سحبت انفاسها بانفعال وترقرق الدمع في عيناها
بحسرة قائلة بتوعد شرس…….
(خسرنا يارفيدة خسرنا جولة…. بس الخسارة دي
هدفعها تمنها غالي…. غالي أوي……)
اغلقت الهاتف في وجه اختها….وقالت بعينين
حمراء كالدماء وبصوت اشبه بشيطاناً يحتضر..
“والله لدفعك التمن غالي يابنت الدسوقي والله
ما هرحمك….”
…………………………………………………………..
سبقها عطر الياسمين الناعم الى أنفه قبل دخولها
فرفع عيناه عن الأوراق بشوق حيثُ باب مكتبه
فقد دخلت من خلالة عصفورة الكناري الجميلة
ترتدي طاقم كلاسيكي أنيق كحلي بتنورة تخطت بعد الركبه بقليل…تترك شعرها البندقي الناعم حرًا طليق على ظهرها…وتضع القليل من مستحضرات التجميل الملائمة لوضح النهار…..
عندما وقفت امام مكتبه قالت بهدوء…
“صباح الخير يا أستاذ..هو انا اتاخرت عن معادي؟..”
كان سؤالا عفويا بعد رؤيته هنا في الصباح الباكر
على غير العادة….
لو تعلم انه اتى مبكرًا على أمل ان يراها في مكتبه
لـقالت انه جن في بعدها…….
هذا ما حدث بالفعل، فـشتات بين قربك وبعدك ياعصفورتي شتاتٍ !….
أجاب سليم بمنتهى الثبات…..
“صباح النور لا انتي جايه في معادك مظبوط…
انا بس اللي بقيت متعود اجي بدري….عشان أحاول أخلص الشغل اللي عليا….صحيح وصلتي امتى يوم ما نزلتي من عربيتي….”
قالت بحرج….. “علطول متاخرتش…..”
قال سليم بنظرة ثاقبة….
“اتصلت عليكي بس اكتشفت انك عملالي بلوك..
ممكن اعرف السبب….”
ارتجفت اطرافها فقالت بعدها بارتباك وهي تهرب
من مجال عيناه……
“مفيش سبب اكيد التلفون هنج….انا مبعرفش
اعمل بلوك لحد….”
زفر سليم بأرق وهو يميل على سطح المكتب
ساند كلتا ذراعيه فوقه…
“اي اللي حصل لده كله ياكيان…وليه قلبتي يومها
مرة واحده كده….”
بللت شفتيها وهي ترفع فيروزيتاها البراقة
إليه…
“أستاذ سليم…ياريت نلزم حدودنا جوا الشغل
وأرجوك بلاش نتكلم في اي حاجة خارج
حدود الشغل……”
تضخم صدره بالغضب فلأول مرة يرفض
من قِبل أمرأه فلطالما كانت نظرات الهيام
تلاحقه من جنسها وكلمات الحب تخرج
من أفتن الشفاة……
اما هي فكل كلمة منها تجرح كبرياؤه
وتزيد الهوى عذابٍ…. قال ببرود….
“تمام زي ما تحبي…. قربي ياكيان…..”
نظرت اليه بتعجب…… “نعم…..”
رفع حاجبٍ عابسًا…
“هوريكي حاجه في الشغل…. قربي….”
دارت حول مكتبه ثم وقفت بجواره ومالت قليلاً
عليه فداهم انفه عطرٍ مداعبًا ومعذبًا…وخصلاتٍ
متطايرة رفيعة جدًا تلامسه وتناغشه بخفة….
بلع ريقه وهو يحاول السيطرة على قلب تضخم بالكثير من المشاعر المتضاربة والأكثر فهما هنا
انه مشتاق…. أشتاق لها بشدة….
قد نالت من قلبه دون شك…نالت من قلب كان يظن
انه ممتلئ بحب أخرى…كيف حدث هذا ؟!…
بدأ العمل وبدا يشرح لها بعض القضايا التي سيعملا
عليها قريبا….ثم بدأا الترتيب لمقابلات الوكلاء اليوم ومواعيد المحكمة التي سيبدأا بالمتابعة والترافع
بها……
عندما توقفا عن العمل قليلاً بعد ساعات متواصلة
سألته كيان بهدوء….
“هي ليه السكرتيرة مجتش لحد دلوقتي…هي
معادها إمتى……”
اجابها سليم وهو يفرك في جبهته
بارق….
“السكرتيرة ادتها اجازة الكام يوم دول لحد ما
نخلص شغلنا……”
سالته كيان…. “مؤقتا يعني…..”
رفع عيناه عليها مؤكدا….
“مؤقتا….. مقولتليش اي اخبار الشغل في مكتب خليل الصواح…..”
اكدت بجذل مُتبسمة……
“زي الفل… مبسوطه اوي هناك….بشتغل مع صحاب
الجامعة…وجودهم بيهون عليا كتير….”
سالها بوجوم…..
“مين صحاب الجامعة يارا و وائل…..”
صححت كيان عابسة… “نائل… اسمه نائل…..”
هز راسه مستهينًا… “مفرقتش كتير…..”
ضيقت حدقتاها بتساؤل
لئيم……
“مالك مضايق منه اوي كده ليه….”
زم سليم شفتيه ببرود….”واضح انه يهمك أمره….”
اكدت بمنتهى السادية تستفز
مشاعره…..
“اكيد مش عشرت سنين…. أكيد يهمني أمره….”
علم المغزى من حديثها فاراد ان يرد لها
الصاع صاعين….
“طب ويارا صاحبتك….حلوة….”
احتدت نظرات كيان فقالت
بعنف…
“وبتسأل ليه على الحلاوة هتقيم جمالها…بدل شغلها….. ”
هز راسه مؤكدا باستفزاز…..
“أكيد مش هشوفها كل يوم لازم الواحد يقابل
وجوه سمحه وبشوشة زيك كده……”
برمت شفتيها بصلف…. “مفيش حد زيي…..”
أبتسم مؤكدا بقلبه قبل
لسانه…..
“طبعاً هي عصفورة واحده بس…..”
قالت بضيق….. “اسمي كيان…..”
ارجع ظهره للخلف على المقعد…قائلاً
بملل……
“طب ياكيان انا جعان….ومفطرتش من الصبح…
اي رأيك اعزمك على الفطار برا….”
هزت راسها بنفي…
“شكراً…انا جايبه فطاري معايا….”
ازدادت ابتسامة سليم وسامة فافتتن قلبها
بها دون ان تدرك ذلك……
“خلاص اعزميني انتي على الفطار انا ميت من الجوع…..جايبه ايه معاكي.. ”
اسبلت اهدابها وهي تقول بحرج….
“سندوتشات بطاطس محمرة بالمايونيز…..وعصير
مانجا…..”
قال متبسما والشوق أضناه….
“حلوة أوي…هتفطريني معاكي ولا انتي بخيلة..”
نهضت من مكانها بحنانها المعهود
وقالت برضا تام….
“لا طبعاً هفطرك انا جايبه بزيادة..ثواني ورجعه..”
عندما ابتعدت عن دائرة عيناه….أخرج تنهيدة
حارة مغمغماً…..
“وأخيراً رجعتي يا كيان…..”
تشاركا معاً وجبة الفطور بصمتٍ تام بين بعض
النظرات المتبادلة وخفقات القلوب المتتالية
حتى قطع الصمت سؤال سليم الفاتر…
“انتي ليه بتجيبي فطارك دايما معاكي…. ليه
مش بتاكلي في الكافتريا اللي تحت مثلاً….
او اي مكان تاني…..”
بلعت كيان القمه وقالت بهدوء متبسمة…
“شهد اختي الكبيرة هي اللي بتلح عليا اخد اكل معايا من وانا في المدرسة…فالموضوع بقا تعود
في الجامعة وفي الشغل….وبعدين هي مش حاجه
وحشة يعني بالعكس كده أحسن…..”
غامت عينا سليم بالحزن والحنين بعد حديثها
الفاتر…..فباح باسراره ومشاعره كعادته معها
كلما انفرد بها بعيدًاعن مشاعره المتضاربة…
“أمي كانت زي اختك كده…بتصمم تعملي الأكل بنفسها الصبح واخده معايا المدرسة…..رغم اني
اخر النهار كنت برجع بيه زي ماهو…بس عمرها ما ملت تعمله كل يوم الصبح….دلوقتي بتمنى ترجع
تاني وانا اللي هعملها كل اللي هي عيزاه…”
اقشعر جسدها حزنًا وترقرق الدمع في عيناها
فقالت برفق وهي تنظر إليه بعطف…
“ربنا يرحمها هي في مكان أحسن من هنا…ادعلها
يا سليم..”
اوما برأسه بملامح متصلبة لكن عيناه
تنبض بالوجع…..”ربنا يرحمها…..”
نهضت كيان وهي تغتصب الابتسامة
قائلة…
“تحب أعملك قهوة…..”
دخل في تلك الاثناء والده من باب المكتب بوسامة واناقة وهيبة رجلا في منتصف الخمسينات من عمره تربى على القانون وتشرب من حب أمرأه واحده
وقرر العيش على ذكراها الباقي من عمره….
بعد دخوله قال
بتلقائية……
“انت فين يا سليم….”
رفع كلاهما اعينهما عليه وتبادلا النظرات
وكان مصطفى اكثر دهشةٍ منهما بعد ان أبصر
كيان برفقة ابنه مجددًا فعقب سريعاً….
“اي ده كيان ؟!….انتي رجعتي الشغل من تاني….”
قالت كيان وهي تقترب منه وتبدأ بالسلام
عليه بمصافحة مهذبة…..
“مؤقتاً ياعمو….اي أخبارك وحشني جداً….”
بادلها السلام بحرارة قائلاً بمحبة….
“انتي اكتر ياحبيبة عمو….الحمدلله.. انتي اي أخبارك
ليه سبتي الشغل مع سليم هو زعلك تاني….”
هزت كيان رأسها وهي تنظر الى سليم
خلف والده…”لا…. يعني..”
قاطعها المستشار بجملة باترة….
“متكدبيش عليا…هو قالي انه زعلك….”
احمر وجهها بحرج…
“هو قالك اي بظبط ياعموو… ”
قال المستشار بابتسامة
فاترة…..
“بعدين بقا لما نبقا لوحدنا هقولك…..”
قال سليم من خلفه بمرح….
“بس اي المفاجأه الحلوة دي ياسيادة المستشار
مقولتش يعني ان انت جاي…..”
نظر مصطفى الى ابنه قائلاً….
“قررت ازور هالة النهاردة وقولت اخدك معايا….ونزورها سوا اي رأيك…”
اتت الموافقة منه سريعًا….
“مفيهاش كلام يابابا أكيد هاجي معاك….”
ثم نظر الى كيان معتذرًا…
“ساعة بظبط وهرجع تاني ياكيان عشان نكمل شغلنا…..”
تدخل مصطفى مقترحًا..
“انا من رأيي تيجي معانا يا كيان….”
انعقد حاجبي سليم هاتفًا
بتعجب…
“بتقول اي يابابا…..”
شعرت كيان بالاحراج وهي توزع النظرات
بينهم عاجزة عن الرد……
فخصها المستشار بالحديث…
“حابب اعرف هالة عليكي…انا حكتلها عنك كتير
وأكيد سليم حكلها كمان……”
علت ملامحها بالدهشة…فاحمر وجه سليم
بالغضب والحرج…..فتابع مصطفى بابتسامة
ذات مغزى…..
“هو مش بيخبي حاجة عنها أبدًا…”
نظرت كيان الى سليم فوجدته يبادلها النظرة
بصمتٍ غريب….فعادت عينيها الى والده وقالت
بتردد……
“مش عارفه والله ياعمو….يعني لو الأستاذ مش موافق يبقا بلاش أحسن…..”
حدثها المستشار بحزم لاول مرة…
“انتي مش جاية مع استاذك انتي جايه معايا انا
عايزة تيجي معايا ولا لا……”
برهبة اومات براسها عدة مرات قائلة
بسرعة……
“أكيد…اكيد ياعمو…هجهز نفسي وهاجي علطول.. ”
خرجت كيان من المكتب سريعًا دون النظر الى سليم متجها الى الحمام…….
فقال سليم بعد خروجها بزفرة
استياء…
“انت بتعمل اي بظبط يابابا…..”
نظر له والده وأردف…..
“ولا حاجة حابب اعرف أمك على البنت اللي
انت بتحبها…..”
هتف سليم بنفاذ صبر….
“يا بابا….انت كده بتسرع و…..”
قال والده بنظرة صارمة …..
“بالعكس انا بقربك من الحقيقه اللي بتنكرها وهي قدام عنيك……”
تافف سليم بسأم يخبره للمرة
الألف..
“انا مينفعش ادخل في علاقة دلوقتي….”
هتف والده رغم الهدوء مستنكرًا…
“ورجعتها ليه الشغل طالما مينفعش….بتعلب بيها..
إياك…انا مقبلش بده…. ”
أسبل سليم عيناه عاجزا عن الرد فلم يفهم
والده ما يمر به مهما حاول الشرح…..
استرسل والده ناصحًا إياه بمنتهى الجدية..وكانه الضمير المتكلم له…….
“خد قرارك يا سليم…مشاعر الناس مش لعبة..والبنت
ارق من انها تنجرح بكلمة….افتكر ان ربنا قال…
(ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيثُ
لا يحتسب)…والرزق مش مال بس يابني…الرزق
سعادة وراحة بال…وانت محتاجهم ومفتاحهم
في ايدها طالما قلبك اختارها..اتقي الله يابني
فيها… ”
تركه والده وخرج من المكتب ينتظره بالاسفل فظل
سليم متسمرًا مكانه ينظر الى الفراغ من حوله ضائع
في هوة من الظلام والحزن…..باحث في العتمة عن
درب الراحة السعادة التكامل وقبل هذا وذاك
الحب…فالحب أولاً ؟!…
……………………………………………………………
سحبت نفساً مضطرب امام قبر والدته (هالة)..
كان نفساً مختلف عن كل ما سبق…رغم الهواء النقي
إلا انه يبدو خالٍ من الحياة….وكان الهواء هنا يحمل
الحقيقة التي يهرب منها المرء ألا وهي ان النهاية
هنا مهما لعبت وتغافلت وتناسيت النهاية معهم…
رغم رهبة المكان إلا انه مريح راحة غريبة يرتاح الحي بين الأموات وكانه يحسدهما على راحتهما الأبدية من بلايا الحياة وشر البشرية….من الوجع والاوهام وكثرت الشهوات التي جعلت من الحُر
عبدًا لها….
كلما دخلت الى القبور انقبض قلبها واختنق حلقها
تقاوم مشاعرها واوجاعها….ذكرى وفاة أمها…
وقتها باتت ليلا جوار قبر أمها مع شقيقيها..
معتقدين انها ستصحو وتعود معهم للبيت…كانوا اسواء ثلاثة أيام مروا بحياتها….جعلوها ترهب من التواجد بين القبور حتى انها لا تزور امها الى برفقة أختها…..
والان تقوم بزيارة أمرأه لا تعرف عنها إلا القليل لم تلتقي بها يومًا وها هو إلقاء الأول يفصلها عنها
حياة أخرى….حياة لا يعلم اسرارها إلا من يدخلها
دون رجعه !…
رفعت عينيها عن القبر بداخل هذا الحوش الكبير
نظرت الى والده الذي يجلس على مقعد خشبي يرتدي نظارة طبية ويقرأ من المصحف بين يداه بمنتهى الخشوع وعيناه مليئة بالدموع…..دموع
لم يخجل من ان تهطل امامهما من أجل حبيبته…
غير هذا الرجل مفهومها عن بعض الرجال….تتمنى
ان يحبها رجلا بقدر حبه لزوجته ووفاءه لها….
انكمشت ملامحها بحنق…هل تتغزل في رجلا بعمر
والدها وامام قبر زوجته في أول لقاء لهم !..
بطرف عينيها نظرت الى سليم الواقف امامها بطوله الفارع والحلة الانيقة يقرأ الفاتحة هامسًا لها بعدة كلمات لا يسمعهم سواه وقد ارتسم على وجهه
الحزن والفقد……
فشعر بمرارة في حلقها ونغزة في قلبها لأجله
فعادت الى قبر هالة وهي لا تعرف من اين تبدأ…فقالت بعد لحظات سرًا….
(مش عارفه أبدا معاكي بايه دي أول مرة اقبلك..
عمو مصطفى قال انه حكالك عني….وسليم كمان..
متاكده ان عمو مصطفى قال كلام كويس عني..لكن
سليم مش عارفه بصراحه…اتمنى ميكنش خلاكي
تشيلي مني…….)
بللت شفتيها بتأثر وهي تتابع سرًا…
(تعرفي ياطنط….انتي عيلتك حلوة اوي….
ومحتاجينك اوي….وبيحبوكي اوي أوي….وانا كمان والله حبيتك أول ما شوفت صورتك ولما عمو حكالي عنك وسليم كمان….قالي عنك حاجات كتير جميلة دا بيحبك اوي….أكيد انتي عارفه…..)
قالت سرًا بابتسامة جميلة….
(سليم يتحب بجد يتحب….مش عشان شكله حلو وزي بتوع السيما..ولا لانه محامي شاطر ومشهور
ولا عشان فلوسه…هي كلها مواصفات تتمناها اي بنت
بس ما شدتنيش صدقيني….انا حبيته عشان هو يستحق يتحب…..هو طيب وحنين….بس خاين…)
قالت بغصة مختنقة سرًا….
(اللي يسيب خطيبته عشان واحده تانيه يبقا
خاين ملهوش أمان….يمكن تفكير عقيم ومش المفروض أفكر كده…..وان في علاقات كتير
بدات كده…بدأت على حساب كسر قلوب
ناس تانية….بس انا مش هقدر….انا مريت
زمان بتجربة وحشة أوي….ومش هقدر اعشها
تاني….وساعتها هكون انا الطرف المؤذي..مش
اللي اتأذى…..)
(الموضوع ملوش علاقة با ايتن ياطنط…اي حد بيبقا
ليه تجارب فشلة….اي حد لم بيكتشف ان الطرف التاني غير مناسب ليه بيبعد…وده مش عيب..العيب
انه يسبها عشاني عشاني ياطنط….إزاي أكمل وأنا
متاكده انه زي ما سبها عشاني هيجي اليوم اللي
يسبني فيه عشان غيري…..اي بنت بتمر بتجربتي
..هتبقا عارفه ان العلاقات اللي بتبدأ كده عمرها قصير….. عمرها قصير اوي ياطنط…..)
نزلت دموعها عنوة عنها فمسحتها بظهر يدها
وهي تقول بشجن…..
(انا اسفه ياطنط…بس انا والله رغم الوجع…والكره
بحبه….بحبه أوي ومش قادره اشوف نفسي غير
معاه……)
خرجت من المكان سريعًا بشهقة بكاء عبرت بين شفتيها عنوة عنها….فنظر سليم لها بتعجب وقبل
ان يسالها قد ابتعدت خارج هذا الحوش المخصص
لقبر امه فقط…..
نظر سليم الى والده مستفسرًا….فقال المستشار
بحزم..
“واقف مكانك كده ليه روح وراها…شوفها مالها…”
خرج سليم فورًا خلفها…..فوجدها تقف خارج الحوش
توليه ظهرها وتنتحب بصوتٍ خافض…اقترب منها
سائلا بقلق….
“ليه العياط دا كله ياكيان…اي اللي حصل….”
مسحت دموعها سريعًا واستدارت اليه
تقول بشجن…
“مفيش حاجه حصلت.. افتكرت بس ماما…”
سألها سليم باهتمام….. “هو قبرها هنا….”
هزت راسها بنفي…”لا في مكان تاني…..”
ظل يتاملها قليلاً وهي معه وكأن هناك لغة أخرى
بينهما قد تفوقت بجدارة على الكلمات….حتى
قطع سليم الصمت بالنداء رغم انها لم تبتعد
حتى بنظراتها عنه…..
“كيان….”
بلعت ريقها متوجسة….. “نعم….”
عيناه نطقت بها قبل لسانه…”تتجوزيني……”
اتسعت عينا كيان بتدريج وفغرت شفتيها بعدم
استيعاب.. وقد اهتز كيانها كله فجأه محدقة فيه بصدمة وارتياب كمن ينظر لشخصٍ مختال عقليًا…
نظرت الى المكان المحيط بهم ثم لعيناه مذهولة
من أغرب طلب جواز رأته….هل هو جاد طلب يدها هنا……
طلب يدها للزواج !!…
سليم ؟!!….
……………………………………………………………
جلست على المقعد بتعب بعد ان انهت استلام احد
الطلبات الاتيه من المطبعة ورصت الكتب في مكانها
كما اخبرتها(أحلام) ثم بدات تقرأ في احد الكتب
في محاولة منها لاشغال عقلها عن التفكير به..
منذ البارحة صباحا وهي لم تراه.. عاد للبيت في وقتا
متأخر ولم تلتقي به حتى الان….
فكرة ان تراه بعد ما حدث لا تحبذها أبداً..المشكلة انها كانت على وشك المغادرة بالفعل بعد خروجه
من البيت لكن (شهد) منعتها فقد اخبرتها ان( عاصم)
سياتي في نهاية الأسبوع هو وعائلته لطلب يدها
فلم يكن من الذوق الذهاب دون ان تحضر هذه المناسبة الخاصة خصوصًا بعد ان طلبت منها
شهد ان تظل معها هذه الفترة….
سمعت الباب الزجاجي يفتح…فرفعت عينيها
تلقائيا للزبون القادم….
فغرت شفتيها ورفعت حاجبيها للأعلى بعدم
تصديق…..فاتى صوته يسبقه بإبتسامة اطاحت
بالمنطق عرض الحائط…..
“صباح الفل ياقمراية…..”
أسبلت قمر اهدابها وامتعض وجهها وهي ترد مقتضبة….”حمزة ؟!… خير… ”
رفع حمزة حاجبٍ بعدم
رضا…..
“طب ردي الصباح الأول…. دا شكلك واخده على خاطرك أوي.. ”
اما هي فنهضت من مكانها واقتربت منه ولا يفصلهما
الا رخامة زجاجية ممتدة……قالت قمر ببرود…
“هاخد على خاطري ليه؟!..هو انت عملت حاجة….”
قال حمزة بمواربة وهي يزفر……
“أبداً انتي اللي فهمتي غلط….انا كنت براضيكي مش أكتر…..”
لوت شفتيها قائلة بحنق مكتوم….
“وانا مش زعلانه وفر المراضية لناس تانيه…”
انعقد حاجباه مستفسرًا… “زي مين يعني….”
قالت بعينين مشتعلتين بالاتهام….
“اي واحده رخيصة تقبل المراضية بتاعتك دي…”
وجد صدى كلماتها في صدره فقال معاتبًا…
“بلاش تفكري وتحللي على مزاجك… انا لو شايفك كده هقبل ليه مثلاً انك تقعدي مع اخواتي البنات.. ”
لم ترد بل مالت بوجهها للناحية الأخرى
وقلبها ينبض بوجع….فقال حمزة مؤنباً نفسه….
“هي لحظة شيطان وراحت لحالها…. وانا عارف ان مكنش ينفع افكر كده فيكي…..”
رمقته قمر بنظرة نارية سائلة بعدها بحزم…..
“انت جاي هنا عشان تقولي الكلمتين دول؟!….لو
جاي عشان الكلمتين دول…فياريت نقفل الموضوع.. عشان دي حاجه مينفعش ناخد وندي فيها أصلا..
وعن إذنك دا مكان أكل عيش وانا مش فاضية… ”
لوى حمزة شفتيه متجهمًا….
“اي معاملة مرات الاب دي ماتهدي مالك… انا جاي انفعك أصلا…..”
مطت شفتيها بتبرم وهتفت….
“اصلاااا…. وجاي تنفعني ازاي بقا… بتقرأ كتب روايات…..جاي تصور ورق….. عايز كراسات وقلمه..”
امتقع وجه حمزة بسخرية
واشمئزاز….
“كراسات وقلمه؟!… دا انتي قديمة أوي….”
ضربت على يدها وعقدتهم امام
صدرها…..قائلة
“سبنالك الجديد يابن خالي… عايز إيه…..”
برق حمزة بعيناه بنفاذ صبر…..
“اديني فرصة اقولك عايز إيه…..”
لوت شفتيها بقرف…… “سكتنا….”
تشدق حمزة…..
“عايز اجيب هدية لواحده…..”
اتسعت عينيها ونظرت اليه بقوة…
“لواحده ؟!….”
اكد هو ببرود….. “آه…. ايه معندكوش…..”
كبحت دهشتها وغضبها سريعًا وقالت
بغيرة……
“لا عندنا….. عندها كام سنه الحلوة…..”
رد حمزة مختصرًا… “تقريباً حاجة وعشرين…..”
رسمت ابتسامة صفراء على محياها
قائلة….
“الله دي لسه كتكوته….. وعرفتها امتى دي…”
قال مقطبًا الجبين….
“هو اي حد عايز هدية بيتسال الاسئلة دي….”
اكدت بنظرة حاقدة…..
“آه اذا كان عجبك…. لو مش عجبك اشتريلها من
مكان تاني…..”
قال حمزة ممتعضًا…
“دا انتي لو بتعاملي الزباين كده إحتمال كبير المكتبة
دي تولع في خلال يومين انتقاما منك بعد معاملتك
الزفت……”
قالت باستفزاز…..
“احنا كده بقا…. اذا كان عاجبك…..”
اردف حمزة بقلة صبر……
“مش عاجبني والله بس مضطر اجيب الهدية من
هنا…..امري لله…..”
قالت قمر بالحاح….
“مجوبتش برضو تعرفها منين……”
زفر حمزة مجيبًا بملل….
“معرفه قديمة……ارتاحتي…..”
سالته والغيرة تحرق صدرها…. “هي حلوة ؟…”
نظر لها قليلاً وكانه يقرأ الإجابة على وجهها قبل
ان يقول مكفهرا…
“لا حلوة ولا نيلة مفهاش غير لسان……”
قالت قمر بحدة…..
“واي اللي مصبرك على القرف ده…. ما تسبها….”
قال حمزة…. “مينفعش…..”
ضيقت عيناها بقلبٍ موجوع… “شكلك بتحبها….”
عيل صبره فقال بسخط…..
“ماتجيبي ورقة وقلم واكتبلك قصة حياتي أسهل
كل ده عشان هدية…..قمر اخلصي انا خلقي
ضيق… ”
“متزقش…….اتفضل اما انشوف هتجبلها إيه….”
اتجهت قمر لأحد أركان الهدايا واشارة بقرف
على الاشياء الموضوعه على الرفوف…..
“اتفضل اختارلها هدية….. عشان اغلفها….”
وقف حمزة قليلاً يتأمل الرف والهدايا الكثيرة المتنوعة فأحتار جدًا في انتقاء واحده فنظر
لها قائلا….
“ما تختاري معايا ياقمرايه…..”
هتفت بتعجب….. “كمان هختارلها……”
قال مبتسمًا…..
“اقفي جمبي دا انا ابن خالك…..”
نظرت لركن الهدايا ممتعضة بتساؤل…..
“امري لله ياابن خالي….. قولي ذوقها إيه في
الهدايا… بتحب إيه يعني…..”
نظر حمزة لظهرها التي توليه إياه واتسعت
الابتسامه على محياه…وبدا شعاع عيناه
يزداد توهجًا….قائلاً
“مش عارف….بس هي مش من النوع اللي بيجي
بالورود والدباديب…..بس شرسة كده وتعباني
ولسانها متر قدام…..”
ادارات قمر راسها اليه من فوق كتفها ورمقته
قائلة بتجهم…..
“وطالما هي كده….جاي تتنيل تجبلها هدية ليه…”
أدهش حمزة من تعليقها فتماسك بالصبر
قائلاً…..
“اتنيل ؟!…اصلي كنت مزعلها فقولت اصلحها…”
ازداد الغصة المسننة في حلقها فقالت
بوجوم…..
“تصلحها !….طب ياحنين اختارلها هدية بقا….”
استهدف حمزة قلبها برجاء……
“طب ساعديني ما انتوا بنات زي بعض….”
ظلت قمر تتأمل الرفوف امامها بتأني حتى
وقعت عينيها على دمية محشو على شكل
بقرة لطيفة الشكل….فاخذتها سريعًا ووضعتها
امامهما قائلة…..
“انا من رايي تاخد لها البقرة دي…..حلوة وشكلها كيوت……”
نظر حمزة للدمية متوجسًا…
“اجبلها بقرة هدية؟!….”
اكدت قمر بكيد النسوة…….
“اه.. مش بتقول ملهاش في الورد والدباديب يبقا
معندهاش حس مرهف…واللي من النوعية دي ياتعزمها على الأكل….يتديها البقرة دي وفوقها كرمشلها مية جنية وحطها في ايدها…وتعشت
كده.. ”
مط حمزة شفتيه بقرف قائلاً….
“اكرمشلها مية جنية واتعشت كده ؟!…قاهرويه
من الصميم….”
قالت قمر بانف مرفوع….
“قاهرويه وافتخر…..مالك انت……”
قال حمزة بملل….
“مالي بيكي…بقرة… بقرة انتي حرة….غلفي ام الهدية……..”
“هي اللي حُرة مش انا……”
قالتها قمر وهي تتجه الى أحد الخزائن وتفتح جارورة منها ثم بدأت تقلب محتوايتها
سائلة إياه….
“تحب احطها في علبة ولا اغلفها بورق هدايا….”
اردف حمزة هازئًا…
“انا من رايي نغلفها بورق لحمة ما هي بقرة بقا…”
ادعت الضحك قائلة….
“ها ها….ياخربيت خفة الدم……هحطها في علبة
عشان تتفاجأ……”
قال حمزة من خلفها ضاحكًا….
“صدقيني عنصر المفاجأة مش في الهدية….”
قالت دون النظر إليه…. “في البقرة يعني ؟!….”
أجاب من خلفها مستمرًا في الضحك
بانتشاء…. “حاجة زي كده……”
عندما عادت بعد ان وضعت الدمية في علبة أنيقة
قالت وهي تضعها امامه على الرخامة الزجاجية..
“هتكتبلها إيه عليها……”
سألها حمزة أولا….”حسابك كام الأول…..”
اخرج المبلغ الذي قالته….ثم مسك القلم منها وبدأ
بالكتابة عليه ثم بعد قليلاً إنتهى وقال وهو يمد يده لها….. قبل ان يغادر
“سلام ياجميل…..”
نظرة قمر ليدها فوجدت ورقة بمائة جنية في راحت
يدها وضعها وهو يصافحها….
اتسعت عينيها بذهول وهي تلتقط الكارت سريعًا لتقرأ ما به…..
(قبل ماتزعلي وارجع معاكي تاني لنقطة الصفر..انتي
اللي اختارتي هديتك بنفسك…وكذا مرة المح انها
ليكي وانتي ولا هنا….اسمعي ياقمرايه انا كنت ندل
اوي إمبارح معاكي..وغلط لاني مكنش ينفع أفكر ناحيتك بطريقة دي بس اللي حصل…ووعد مني مش هتكرر تاني….عشان انتي بنت عمتي…وغلاوتك من غلاوة اخواتي البنات….)
اغلقت الكارت والقته جانبًا متخبطة المشاعر هل
تفرح من أجل الهدية والاعتذار…ام تحزن من اجل
صفة الاخوة الذي يصمم على تكررها باستمرار
حتى يقهر قلبها أكثر……
ماذا بعد؟….لماذا مصمم على ايذاء قلبي بت
فريسة لحبٍ سام….وحبك سمه مُميتاً فأين
الخلاص والموت يأبى الحضور ؟!…..
………………………………………………………….
دلف الى البيت عصرًا… باحثا بعيناه عن الجميلات
الثلاثة…. فوجد كيان تجلس امام التلفاز تتابع مسلسلا كوري باهتمام شديد….. وشهد في المطبخ تنهي وجبة الغداء…. وقمر تقف بشرفة……
“مسا مسا ياكيموو…..”
رفعت كيان عيناها عليه وقد تفاجئت من وجوده
هنا فسالته بسرعة…..
“حمزة انت جيت اوعى تكون نسيت.. الحاجات
اللي طلبتها منك….”
“لا اهيه خدي….”القى اليها كيسٍ مليئ ببعض الشوكلاته والتسالي المقرمشة تلك الأشياء التي
تلجأ إليها مع كل نوبة إكتئاب !….
قالت وهي تفتح أحد الاكياس وتلتهم
ما بها……
“شكراً ياحمزه….. ماتيجي تتفرج معايا المسلسل جاحد…..”
لوى شفتيه بملل….. “البطل خاين برضو….”
“دا بابويا….تواري…. شيبال سيكيا… “نعتت البطل بصفاته السيئة بالغة الكوريه التي تجيدها من المسلسلات..
رمقها حمزة بعدم فهم قائلاً برتياع…..
“سيكيا ؟!.. انا بدأت اخاف عليكي من الكوري….”
قالت كيان بحرارة وهي ترفع اصابعها…
“أطمن ياميزو…اختك فاضلها مسلسلين وتكلم الكوري بطلاقة…..”
“لو على كده يبقا لازم اختبرك تعرفي تترجمي الجملة دي بالكوري… اللي باعنا خسر دلعنا…”
هزت راسها بالموافقة…وهي تمد الجملة في الفظ وتتخن صوتها كما يفعلوا الكوريين…
“اراسو يو…اراسو يو….. اللي باعناااااا خسر دلعناااااااا…..”
هتف حمزة بأسلوبٍ
مماثل……
“وحياااااات امااااااك……”
مطت كيان شفتيها…..
“بوياا….. على فكرة بقا دا كوري مكسر….”
نظر لها حمزة بقرف…..
“دا كوري من السبتيه…… اتنيلي…..”
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت بالكوري
بشفاه مقلوبه….
“سل بو دا….. كوجو…..”
انعقد حاجبي حمزة وشعر بان الكلمتين
بهم سب فقال محذرًا…..
“تقصدي إيه اوعي تكوني بتشتمي على قفاكي ياكيان انتي عرفاني… معناها اي كوجو دي يابت…”
ارتعدت قليلاً للخلف وهي تقول
بضيق…
“معناها….. غور من وشي….”
نظر لها حمزة باشمئزاز كمن ينظر لفأر ميت ثم
قال…….
“كوجو عليكي وعلى اللي جبوكي…كده كدا غاير…”
ثم تذكر شيء فاستفسر عابسًا….
“وبعدين اي سلبوت دا يابت.. اللي قولتيها في الاول..”
اتسعت عيناها بصدمة…..
“سلبوت ايه…اسمها سل بو دا……قصدي يعني اللي
عملته ده زعلني……”
ضرب حمزة كف على كف متعجبًا….
“سلبوت يعني زعلتك…..لا حول ولا قوة الا بالله..
البت اتهبلت…..”
عندما أبتعد حمزة عادت كيان لمشاهدة المسلسل وعندما رات لقطة مذهلة صرخة بالكورية…. “ديباك…….”
دلف حمزة الى الشرفة حيثُ تقف قمر تطلع على المارة من الأسفل…..فقال بمشاكسة….
“مساؤو عنب…. ياقمرايه……”
لم تنظر إليه قمر بل امتنعت عن الرد وزمت شفتيها
مقتضبة….فوقف حمزة جوارها وقال بمرح…
“اي رأيك في الهدية…..”
استفزها السؤال بشدة فنظرت اليه واشارة
على نفسها بغضب….
“انا تجبلي بقرة ياحمزة…..”
قال حمزة بفتور مستفز….
“انتي اللي اخترتيها….الله…وبعدين مالها البقرة
طب والله لايقه عليكي…..”
رفعت اصبع التحذير أمامه…
“أحترم نفسك…انا بقولك أهوه…..”
هز راسه مستهجنًا..
“لا حول ولاقوة إلا بالله..هو انتي يابنتي مش
كنتي بتقولي حلوة وكيوت اي اللي غير رأيك…..”
قالت قمر ممتعضة بتشنج….
“الكلام ده للي ملهاش في الورد والدباديب…ام لسان طويل اللي لا حلوة ولا نيلة……”
تشدق حمزة بذهول….
“ما شاء الله ذاكره من حديد…دا انا مش فاكر
فطرت إيه…..”
قالت قمر بجزع..
“عشان انت مفطرتش أصلا…..”
ضيق عيناه متعجبًا.. “دا انتي مركزة بقا…..”
قالت بانفعال مكتوم….
“وبعدين مين قالك اني مبحبش آلورد والدباديب…”
اجاب باستفزاز…. “مجرد استنتاج ياقمرايه……”
احمر وجهها أكثر بالغضب فسالته
مجددًا بتشنج …
“وبعدين انا مش حلوة أنا….انت اعمى…افهم بس أعمى……ولا احنا منشبهش الستات اللي بتعجبك..”
نظر لها قليلاً والابتسامه تعرف طريقها
على ثغرة فاخبرها بصدق….
“بصراحه انتي حلوة منكرش…بس لسانك متبري
منك وده محبهوش في الستات…..”
هتفت قمر بعنف……
“انت مينفعش معاك غير واحده لسانها مترين
قدام…. الغلبانة مش هتسلك معاك….”
قال غامزًا بوقاحة…..
“اي واحده خلقها ربنا مش هتستعصى على العبد لله……دا انا صايع قديم……”
نظرت اليه بضيق… “واضح…”ثم اوشكت
على الابتعاد فامسك معصمها قائلاً….
“راحه فين…..”
قالت وهي تنزع ذراعها من بين
قبضته..”داخله جوا……”
امرها بخشونة…. “طب اعمليلي قهوة….”
هتفت قمر بعناد….
“مش هعملك حاجة…..اعمل لنفسك…. ”
عض حمزة على شفته كاظم غيظه وهو يسأل
نفسه قبل ان يسألها…
“أموت وافهم إيه اللي مصبرني عليكي….”
قالت قمر بتبرم…..
“تقريباً نفس السبب اللي مصبرني عليك….”
سالها حمزة….. “اللي هو….”
قالت وهي تهرب من عيناه….
“انك ابن خالي…والاحترام واجب…..”
ضحك ساخرًا…..
“هو فين الاحترام ده دا انتي شويه كمان وهتحطيلي السم في القهوة…..”
نظرت اليه بعتاب وقالت…
“لا إله إلا الله….شايفني سفاحة… ليه معنديش ضمير..معنديش قلب..”
ابتسم حمزة وهو يغمز لها
بمشاكسة…
“ياحلو انت يابتاع الضمير والقلب….”
لان قلبها معه فابتسمت عنوة عنها وهي تخفيها
قائلة بحنق شديد……
“برضو مش مسمحاك بعد الكلام اللي قولته في المكتبه…. وبعدين هدية إيه اللي رايح تجبها من مكتبة انا بشتغل فيها ؟!…فين عنصر المفاجأة…..”
قال ضاحكًا بغلاظة… “في البقرة اللي اختارتيها….”
ادعت الضحك ببرود… “ها ها دمك خفيف…..”
قال حمزة بزهوٍ…..
“من يومي….. وبعدين أكيد اتفجاتي بعيدًا عن البقرة
اتفجاتي لما عرفتي ان الهدية ليكي صح ولا…”
اومات باقتضاب… “صح اوي….”
سألها حمزة بحيرة…..
“خلاص… وبعدين ليه معلقه على الهدية بس بنسبة للمية جنيه اللي كرمشتها في إيدك..مش ده برضو
كان طلبك…..”
قالت قمر بنفور…..
“أصلا الحركة دي حركة بلدي وقديمة… ونصحتك
تعملها عشان البت تطفش منك…..”
رفع حاجباه متمتًا..
“ياساتر…. دا انتي يتخاف منك…..”
لم ترد عليه بل نظرت امامها بضجر…
فشاكسها حمزة قائلاً…
“خلاص بقا فكي ام التكشيره دي..”
لم ترد فقال بخبث……
“انا برضو لما قلبتها كدا في دماغي اكتشفت ان الهدية مش قد كده…فقولت اعوضك واجبلك حاجة تانية..”
قالت ممتعضة…
“شكراً مش عايزة كفاية البقرة… ”
قال حمزة بابتسامة جذابة…
“احتفظي بالبقرة برضو عشان دي أول هدية
بينا….و خلي السلسلة دي معاكي…..”
حانت منها نظرة عليه فرأت سلسال فضي يتدلى من بين أصابعه يتوسطه قمر أبيض يضيء في الظلام
بعد ان يحتفظ بانعكاس الاضاءة عليه….ومع ذلك
كان بياضه الثلجي في وضح النهار مذهلاً…..
إبتسمت قمر وقد تناست احاديثهما السخيفة
وغضبها منه….وقالت وهي تلتقط السلسال
منه بخفة….
“الله… دي حلوة أوي…. دي عشاني….”
قال حمزة ببعضا من الحرج…..
“اكيد…كان نفسي اجبها دهب… بس اكيد المرة
الجاية هجبهالك دهب…..”
قالت قمر بحرارة والاعجاب يضوي في
بنيتاها…
“مش مهم دهب او فضة… المهم انها منك.. وشكلها
حلو كمان…..”
استغرب حمزة رد فعلها المتوهج على هذه الهدية البسيطه… وعنوة عنه ذهب تفكيرة الى (نجلاء..)كيف كان استقبلها للهدايا التي يجلبها لها في مناسباتهما الخاصة….استقبالها فاتر بارد لم تعطي يومًا للهدايا
اهتمام فقط لانهم لم يكونوا من الذهب والالماس
فكانت الهدايا في عينيها زهائد بلا قيمة ؟!…
“عجبتك بجد…..”
اكدت وهي تتلامس القمر الأبيض باصابعها
النحيلة…. “اوي ياحمزة أوي…..ينفع تلبسهالي… ”
تعجب من طلبها فلم يعقب وظل يحدق بها
فقالت قمر بعفوية والابتسامه الجميلة
تزين ثغرها…
“مالك ساكت ليه… ينفع ولا لا…..”
اوما برأسه وقلبه يخفق بين اضلعه معبرًا عن أحاسيس جديدة يختبرها معها….اولته قمر
ظهرها ثم عكست شعرها جانبًا على كتفها
وثبتت القمر بيدها اسفل ثغر نحرها بقليل…
تاركه حمزة يغلق قفل السلسال…..
اقترب حمزة منها واخذه من بين يداها وبدأ بقفله
بهدوء ودقة… بينما هي تنظر امامها بتوله مبتسمة
بسعادة….
وعلى الجهة الأخرى كانت تتابع شهد هذا المشهد
من بعيد مبتسمة بسعادة لأجل اخيها…. شاعره بأن
القادم في حياته أفضل… اقتربت منها كيان
وسالتها…..
“انتي واقفه كده ليه ياشهد….”
اشارت عليهما وهي تقول
بخفوت….
“شكل حمزة بيحب قمر…..”
هتفت كيان مستنكرة….
“مستحيل حمزة لسه قلبه متعلق بـنجلاء…..”
قالت شهد بتأثر…..
“سبحان الله… لا الحب ولا الكره بايدنا..يمكن يكون
نسي نجلاء…..”
مطت كيان شفتيها بغيرة….
“الله اعلم…. بس أصلا حمزة عسل… مين دي اللي متقدرش تقع في هواه…. طب والله خسارة فيها..”
هزت شهد راسها باستياء….
“يابنتي أهدي… انتي شيفاهم اتجوزه خلاص
عشان تقولي خسارة ومكسب..بطلي شغل
الحموات ده…..”
ربتت كيان على كتفها بوجوم…
“ماشي ياحنينه… قوليلي بقا عاصم هيجي
الساعة كام بكرة…..”
قالت شهد بعد زفرة حيرة…..
“مش عارفه والله.. بس هو ابوكي ظهر أصلا عشان يبلغنا بزيارته….”
رفعت كيان حاجبها… “هو صحيح مختفي فين…….”
صدح جرس الباب بعد جملتها فنظرت كيان الى
شهد تلقائيًا بتخوف… “تفتكري هو……”
هزت شهد كتفيها قائلة بحيرة….
“مش عارفه افتحي الباب نشوف…بس هو معاه مفتاح اي اللي يخليه يضرب الجرس !…..”
عندما فتحت الباب كيان وجدت والدها أمامها.. بوجهٍ حجري صارم…. ارتدت للخلف مطرقة الرأس فهي لم تنسى آخر مرة خرج من هنا بعد ان تشاجرا الثلاثة معه….
دلف عثمان بخطوات تبعث الرعب في قلب شهد التي تسمرت مكانها تنتظر الخطوة القادمة…
أغلق عثمان الباب بقوة على اثارها اتى حمزة من
الشرفة تتبعه قمر التي بعد ان ابصرت خالها..
وقفت مكانها بعجز ونظرت أرضا بحرج..
فهي تعرف ان مكانها الآن في بيتها ليس هنا تحت سقف رجلا يسعى لسرقة ورثها وقريبا ستقف
امامه في المحكمة !….
تبادلا الاشقاء الثلاثة النظرات بين والدهما
وبعضهم حتى وقف عثمان في منتصف الصالة
قائلاً بصوتٍ قاسي حاد….
“عاصم الصاوي جاي بكرة عشان يتقدملك… وهتوافقي عليه غصب عنك….ولو اعتراضتي
هيبقا بموتك….وانت لو اتكلمت هدبسك في
قتلها واخلص منكم انتوا الإتنين ….”
انكمشت ملامح الفتاتان بقرف على والدهما وشعرت
شهد برغبة في التقيؤ…اما قمر فشهقة بدهشة من جحود هذا الرجل…..بينما ظل حمزة على وقفته بملامح هادئة متصلبة كالفولاذ.. لكن عسليتاه ترى الجحيم من خلالهما….
سالهم عثمان بنظرات شيطانية….
“قولتوا إيه…. نمشيها بالحب ولا اصورلكم قتيل واخلص من عصيانكم ليا… اختاروا ياولاد
كريمة…..”
نظروا الاشقاء الثلاثة لبعضهما بصمتٍ ميت وقد
مات الإحساس في تلك اللحظة تحديدًا..فقال
عثمان بصوتٍ مصر يفوح منه الطمع…..
“انا مش هضيع الفرصة دي من ايدي مش هضيع
نسب زي ده….اللي رفضتيه ده يوزنك بالالماظ مش بالدهب…..اللي رفضتيه ده هيعيشك ملكه بدل الفقر والمرمطة والشغل هنا وهناك…اعقلي يابنت كريمة واسمعي الكلام متبقيش فقر زي اللي جبتك…”
ابتسمت شهد بسخرية مريرة مؤكده
عليه…..
“هي فعلاً كانت غلبانه وغاوية فقر وتعب والا مكنتش فضلت معاك كل ده…..”
خطى خطواته نحوها بشرٍ…. “اخرسي…..”
وقف حمزة امامه قبل ان يصل اليها وقال
حمزة بصوتٍ قصف كالرعد…..
“استهدى بالله…اللي انت عايزة هنعملوا…المهم تخف
علينا شوية….اصل احنا استوينا من المشاكل معاك والعراك….ماهو مش جايب همه…..”
زمجر عثمان وهو ينظر إليه….. “يعني إيه…..”
ابتعد حمزة للخلف خطوة قائلاً ببرود…
“يعني هي موافقة…موافقة من غير غصبانية…
أهدى بقا لحسان يجيلك السكر……”
اتسعت عينا عثمان بكرها……
“خايف عليا دا انت بتتمنالي الموت يابن الكلب…”
قال حمزة بمشاعر ميته….
“ومالوا يالولدي ما انت بتتمنالي السجن والموت والمرض….يعني القلوب عند بعضها….”
قبل ان يدخل عثمان الى غرفته أشار على ثلاثتهما بغضب أسود….
“بكرة تندم ياحمزة….كلكوا بكرة تندموا لم تعرفوا
اني بعمل ده كله لمصالحتكم… بكرة تندموا…..”
عندما أغلق باب غرفته عليه غمغم
حمزة هازئا……
“مصالحتنا !!…سبحانه…..”
اقتربت منه شهد قائلة بوجل…
“حمزة بلاش تتشاكل معاه سيبو…لحد مانشوف
بكرة هيعمل إيه……”
اخبرها حمزة بنظرة صارمة…
“اهم حاجة انتي متصغرناش قدام الراجل واهله
زي المرة اللي فاتت…..”
زفرة شهد وهي تبتعد عنهما…..
“حرمت ياعالم….هو انتوا كل شوية هتقعده تفكروني……”
رفع حمزة عيناه على قمر وتلقائيا سألها باهتمام
بعد ان رأى شحوب وجهها وشرود عينيها…
“مالك ياقمر…..”
رفعت عيناها اليه وقالت سريعًا
بتردد…
“انا لازم امشي ياحمزة……قبل ما يطردني…”
كشر عن انيابه قائلاً بحدة…..
“تمشي تروحي فين…..”
قالت بغصة مختنقة…. “هرجع القاهرة….”
فهم حمزة سر قرارها المفاجئ…فخفف
من حدته قائلاً…..
“متقلقيش لو عايز يطردك كان قالها…خالك مش بيتحرج دا لسه مهددًا بالقتل….اطمني واضح ان
دورك لسه مجاش……”
اردفت وهي تبتسم بوهن….”الله يطمنك….”
قال حمزة بخشونة…..
“متقلقيش انا في ضهرك……”
خفق قلب قمر بقوة…فنظرت اليه بدهشة
فتبادلا النظرات قليلاً….حتى اتى صوت
كيان التي مزالت تقف مكانها…..
“ياحونين…..وإيه كمان…..”
نظر لها حمزة بدهشة….. “انتي لسه واقفه….”
عقدت ساعديها امام صدرها وبدأت تهز
رأسها بغيرة وهي تقول….
“ومقفش ليه… مالجوو في الصالة جميل وسقف بيمطر كلام حلو….اجبلكوا اتنين لمون….ولا نبل
الشربات…. ”
زم حمزة شفتيه بملل قائلاً….
“لا ده.. ولا ده.. انا هروح اعمل قهوة……”
عندما ابتعد حمزة داخلا المطبخ..
اقتربت كيان سريعًا من قمر ومالت عليها قائلة باسلوب اجرامي….
“خليكي عارفه ان انا ليا في حمزة النص…وحمزة ده
مش بس اخويا دا حبيبي وصاحبي وابويا…يعني لو
فكرتي تزعليه…مش هسمي عليكي ولا هعمل حساب العيش والملح……كروجو يابنت عمتي…..”
انعقد حاجبي قمر بعدم
فهم..
“يعني إيه كروجو……”
هللت كيان بسأم…..
“لا ماهو مش كل كلمة بقا هقعد اشرحهالكم مش اسلوب نقاش ده….يعني مفهوم..وصلت المعلومة.. ”
اومات قمر بوجل..
“آه كروجو….ومالوا ياختي كروجو.. ”
رمقتها كيان بقرف ودخلت غرفتها وهي
تقول بتافف……
“عالم غريبه… انا مش عارفه انتوا إزاي عايشين
كده من غير ما تعرفوا كلمتين كوري على بعض…”
غمغمت قمر وهي تهز راسها
بتعجب….
“ربنا يشفيكي من الهطل…..”
ثم لامست القمر الامع بطرف اصابعها بهيام…
فاتى صوت حمزة أمرًا من داخل
المطبخ….
“قمر تعالي اعمليلي القهوة……”
ذهبت إليه قائلة وهي تدلف الى
المطبخ… “اخرج وانا هعملها…..”
لكن هيهات لم يستمع لها بل ظل مرافقها في المطبخ
حتى إنهت إعداد القهوة واحتساها وهو يثرثر معاها
ويشاكسها دون ان يكل او يمل من وجودها الدائم
في حياته……
…………………..
سارت مكوة الشعر على خصلاتها السوداء… ثم عرف
الكحل الأسود طريقه في حدود عينيها الخلابة والمسكرة اطالت الرموش وظللتها بشكلاً سحرِ
وبفرشاة صغيرة ناعمة بدأت تتقن لوحتها على وجنتيها… واخيرًا القت الحمرة على شفتيها تعويذةٍ تفتن العقول فأصبحت كثمرة الكرز الناضجة……
بعد ان انتهت اوقعت منامتها أرضا وارتدت مكانها
ثوبٍ من التل يناسب سهرة اليوم…….
بدأت تتأمل صورتها المعاكسة في المرآة جمالها
الهادئ البري…
فبعد ان وضعت الزينة ولفة شعرها في تسريحة أنيقة وتناثرت غرتين من الجهتين على جبينها..
تألقت في فستانا زهري اللون من قماش التل
يبرز نحافة خصرها ثم ينزل باتساع بسيط
حتى كاحلها كان يلائمها انيق وناعم يليق بها
وبشخصها….
طُرق الباب عليها ودلف اخيها بعد الاستئذان….
“العريس واهله وصله ياشـ…..بسم الله ماشاء
الله…. ”
قالها حمزة عندما رأى اطلاتها المختلفة أليوم وكانها كانت تخفي انوثتها وجمالها في بؤرة مظلمة وخرجت الآن متكاملة متواهجة في تلك
المناسبة الخاصة ؟!..
“اي رايك يا حمزة……”قالتها شهد وهي تدور حول نفسها مرتين بخفة……
قال حمزة مبتسما بمحبة وهو يقترب
منها……
“لو هتسألي عن رأيي…فأنا بقول بلاش تخرجي احسن ونفضها سيرة…..”
شق ثغرها ابتسامة متعجبة…
“يسلام….طب وعاصم بقا…”
قال حمزة بمزاح وهو يمسك كتفيها بكلتا
يداه….
“يترفض تاني وتالت…احنا عندنا كام شهد…هو
يطول…. ياخد القمر دا كله…. ”
قالت شهد متزمرة….
“متهزرش بقا…… بجد حلوة…..”
قال حمزة عابسًا بمرح…..
“انتي لسه بتسألي…بصي على نفسك في المراية
ياشهد هتعرفي….”ادارها للمرآة فقالت وهي تنظر
لوجنتيها المشتعلة والوجل البادي في عينيها….
“قلبي بيدق جامد ياحمزة…انا خايفه…خايفه أوي….”
نظر هو أيضًا للمرآة سائلا….
“معنى كلامك انك مش هتخرجي….”
لكزته وهي تستدير إليه…..
“يااخي طمني قولي اي حاجة…. اكيد هخرج انا ادبست خلاص…..”
قرص حمزة وجنتيها…..
“هتسيبي حزب السناجل قريب….”
قالت بضحكة خجولة… “عقبالك…..”
رفض بزهوٍ….
“عيب عليكي دا انا اللي مأسس الحزب….”
ضاقت عيناها بلؤم…. “بكرة نشوف…..”
بينما لعمة عينا حمزة بالفرح فمسد على كتفيها
قائلاً…. “مبروك ياشوشو….”
ترترق الدمع في عينيها أيضًا فقالت وهي تريح
راسها على صدر اخيها…
“الله يبارك فيك ياميزو….عقبالك ياحبيبي….”
اقتحمت كيان الغرفة قائلة…. “شهد لبستي……”
وعندما وجدت شهد تبتعد عن اخيها وتمسح
دموعها….دلفت واغلقت الباب عليهم…قائلة
بانبهار وهي تتأمل اختها…..
” الله الفستان حلو أوي والميكب ياجنن…أروبة
من يومك…”
ثم استرسلت كمذيعين نشرة الأخبار…
“بقولك صحيح عاصم جه…جيبلك بوكية ورد
فاخر وعلبة شكولاته انا قرأت اسمها كان هيغمى عليا….دي من الشكولاتة اللي بتجاب بالالفات…. وكمان شايل شنطة هدايا صغيرة كده تفتكري جيبلك هدية ولا الشبكة…”
قالت شهد بنفي….
“شبكة إيه ياكيان…احنا لسه قرينا الفاتحة…ممكن
تكون هدية…..”
تساءلت كيان بفضول…. “وتفتكري اي الهدية…..”
قال حمزة ساخرا من سؤالها
الغبي…..
“واحد صايغ تفتكري الهدية اللي هيجبها
هتكون إيه….متر قماش مثلاً……”
اتسعت عينا كيان كمن لدغها حيه
وقالت بسعادة…..
“جيبلك هدية دهب…يابنت المحظوظه ياشهد….”
قال حمزة ضاحكا…..
“بطل قر ياكيمو…..عشان تعدي على خير….”
شاركته شهد الضحك.. “قولها ونبي ياحمزة…..”
قالت كيان بطمع….
“بس بقولك لو الهدية دهب هتكون بتاعتنا احنا الإتنين….هبقا البسها واروح بيها المناسبات
المهمة……”
هزت شهد راسها باستياء قائلة….
“بدأنا….مش مكفيها انها مخلصه على هدومي
وهدومك داخله على الهدايا كمان…..”
برمت كيان شفتيها وابتزتها
عاطفيًا….
“الله هو انا مش أختك هتكبري عليا من أولها…”
قالت شهد بطيبة…..
“وانا اقدر ياكوكي…اللي تعوزيه خديه طبعاً….”
سأل حمزة باهتمام…. “هي فين قمر……”
اردفت كيان…….
“في المطبخ بتحضر للضيوف حاجة يشربوها…
صحيح عاصم جاي مع عمه وجدته ومرات عمه
وابنها….. مرات عمه موزه ياشهد ياخربيتها دي أكيد
في شبابها كانت مدوباهم….هي اسمها إيه… ”
تبادل حمزة وشهد النظرات المبهمة
ثم اجابتها شهد……
“اسمها ام يزن…..هما بيقوللها كده….”
لم تلاحظ كيان نظراتهما الغامضة بل تابعت
بحيرة……
“بس شكلها متكبره جايه غصب عنها..ابنها كمان
في شبه منها جامد….”
زمجر حمزة بغيرة….
“وانتي قعدتي تبصي بقا وتدققي….”
انعقد حاجبي كيان بلؤم وهي تقول
ببراءة زائفة…..
“والله أبداً دا من ورا الباب شوفناه انا وقمر… حتى
عجب قمر اوي وفضلت مبحلقه فيه….وقالت انه
اشقر زي الأجانب… وان ده نوعها المفضل…..”
تجعد جبين حمزة وابدى
انزعاجة…
“هي قالت كده ؟!…..”
اومات كيان برأسها فخرج حمزة متجهمًا من
الغرفة دون كلمةٍ أخرى….قالت شهد بضيق
منها…..
“ياكيان ياسوسه…. هيروح يتعارك معاها….”
هزت كيان كتفيها بخبث….
“انا مالي…. هي قالت كده فعلاً….حد قالها
تحب الشقر…. ”
مطت شهد شفتيها بسأم…. “مفيش فايدة فيكم.. ضراير…… قوليلي عاصم لابس إيه…..”
قالت كيان باعجاب…..
“لابس حتة بدلة حكاية…بصراحة كاريزما…الكاريزما
بتاعته غطت على ابن عمه الاشقر…..”
خطت شهد خطواتها باتجاه المرآة
قائلة…..
“اشقر إيه بس….انا أصلا مبحبش الرجالة الشقر
انا بحب الراجل الاسمراني……”
ضحكت كيان بعد تصريح اختها
وغنت لها…..
“آه يا اسمراني اللون…. حبيبي يا اسمراني…..”
اكملت شهد الأغنية بابتهاج وهي تنظر لصورتها
المعاكسة في المرآة…..
“آه تحت الرمش عتاب وحنين وعذاب وعيون ما تنام آه دوقت معاك طعم الأيام….يا اسمراني… ”
عانقتها كيان من الخلف بصيحة
سعادة…..
“مبروك ياشهد…احلى عروسة في الدنيا….”
…………………………………………………………..
عندما دخل الى المبطبخ وجدها تقف بمنتهى الانسجام تحضر المشروبات وهي تدندن بأحد الأغاني الشعبية…ترتدي فستان نهاري من اللون
الأبيض مطبع عليه وردٍ صغير من اللون الارجواني الداكن…كان شعرها يتمايل مع حركاتها بخفة بعد ان صففته بعناية وقد اختفى التموج به وبدا حريريا أملس حتى انه ازداد طولاً عند مؤخرتها يتدلل……
كانت فاتنة بكحل عينيها الواسعتين البنيتان كقهوة
فرنسية تقدم في لليالي الشتاء…بينما شفتيها جعلتهما قانيتين مغويتين اما وجنتيها فبدت
حلوتين شهيتين كثمرة طماطم ناضجة…….
لماذا النساء في المناسبات الخاصة شهيات جميلات
كالقشدة الذائبه في العسل…ما سر توهجهما المفاجئ
ولذتهما ؟!…..
خصوصًا صاحبة السان الطويل اليوم تخطت الجمال
والحلاوة في عيناه !…..
عاد حديث كيان يتردد داخله بالحاح مما جعله يكشر
عن انيابه وقد هاجت النيران في اعماقة مجددًا مندلعة وقبض كفه بقوة تنذر بالخطر الوشيك….
“انتي بتعملي إيه……”
انتفضت قمر من مكانها وهي تنظر اليه
بصدمة…
“في اي ياحمزه خضتني…. بحضر العصير
للضيوف…..”
“شكلك حلو…..”
قالتها قمر بعفوية بعد ان رأته يرتدي طاقم كاجول انيق ويصفف شعره للخلف بالمثبت على غير
العادة….
سالها حمزة عابسا… “خلصتي يعني……”
اومات براسها وهي توليه ظهرها…
“اه قربت أخلص…. واضح ان اهل العريس ناس مستوى……”
اوما براسه قائلاً بتجهم…..
“اه مستوى….”
استرسلت قمر بعفوية….
“وكمان ملونين مرات عمه وابن عمه شقر وحلوين أوي……”
سالها حمزة ببرود…
“وانتي بتحبي الشقر على كده…..”
هزت راسها بنفي ومزالت تولي ظهرها…
“هما الشقر حلوين…. بس انا مش بميل للراجل الملون…… بذات لو عنيه ملونه…..”
سالها بوجوم…. “مالهم اللي عنيهم ملونه…”
ادارت راسها اليه بحرقة…..
“عنيهم زايغه وميملاش عينهم غير التراب….”
فغر شفتيه مصعوقا…. “والله…..”
هزت كتفيها وهي تعود الى ما تفعله…..
“ده رأيي.. فما بالك بقا لو راجل اشقر….. دا هيكون مقطع السمكه وديلها…..”
قال حمزة بصفاقة…..
“مفيش راجل مش مقطع السمكه وديلها… مش بالشكل خالص يا ناصحه…..”
ابتسمت قمر بسخرية…..
“ربنا يطمنك..على كده مش هلاقي واحد محترم..”
سالها حمزة ممتعضًا…
“وانتي ليه بدوري…أشرف ابن عمك راح فين…”
نظرت قمر امامها وادعت الاسى قائلة…
“هو انا مقولتلكش…مش فركشنا… كل واحد راح
لحاله….امه عايزه كده يلا الحمدلله على كل شيء……”
هتف حمزة بغلاظة….. “ربنا نجده بصراحه…..”
استدرت له قمر مكفهرة الوجه ثم وضعت
يدها بخصرها صائحة…..
“والله نجده من إيه بقا ان شاء الله.. هو كان يطول واحده زيي دا انا قمر……”
تبرم حمزة قائلاً….
“أمر بستر…..احسن حاجة انه رضا أمه…”
ثم ضيق عيناه فجأه مستفسرًا……
“بس استني.. هو انتي مش قولتي انه فيه شبه
من حسين فهمي…منين فيه شبه من حسين فهمي
وانتي بتقولي مبحبش الراجل ابو عيون ملونه..”
اهتزت حدقتي قمر ولم يكن لسانها حليفها في الرد…فاقترب حمزة خطوة منها قائلاً
بشرٍ…
“انتي بتشتغليني و بتسرحي بيا.. شكل مفيش
اشرف أصلا….”
قبل ان تنطق بحرفٍ دخلت شهد الى المطبخ
بكامل اناقتها قائلة بهدوء….
“خلصتي ياقمر……”
اشاحت قمر وجهها عنه قائلة لشهد…
“اه مستنياكي عشان تدخلي بالصنية.. ولا أدخل
بيها انا…….”
رفضت شهد بهدوء….
“لا لا انا هدخل بيها…. متقلقيش…هاتيها.. ”
حملت قمر صنية العصائر واعطاتها
لشهد قائلة….
“بسم الله الرحمن الرحيم.. سمي الله…”
“ربنا يسعدك ياشهد ويكمل فرحتك على خير..”
قالتها قمر من هنا واطلقت الزغاريد بعدها….مما
جعل حمزة يرفع حاجباه وينظر اليها مشدوهًا..
………………………………………………………….
على الجهة الاخر وبقلب الصالون حيثُ يجلس الضيوف وكل شخصا يحمل مشاعر تتناقض
عن الآخر…..
فكان عاصم ومسعد يتحدثا مع عثمان في الخطبة
وتجهيزات وقد اتفقا على كافة الأشياء بق فقط
قراءة الفاتحة على الاتفاق وهذا سيكون عند
حضور العروس حتى تتم المباركة…. وعلى الجهة الثانية تجلس الجدة نصرة على مقعدها المتحرك تسمع الزغاريد من الخارج بابتسامة صافية وتتابع أيضاً حوار الراجل دون تدخل فكان كل شيء يسير بسلاسة…..
اما يزن فكان جالسا جوار امه يتابع بصمتٍ غريب
والهام ترمق المكان بتعالي وجمود وكلما سمعت الزغاريد يحترق فتيل الصبر وتتغذى نيران الحقد والشر داخلها وكلما رأت تيسر الاتفاق على الزيجة تشعر برغبة شيطانية بحرق المكان بناسه واولهم الوضيع وابنته……
حانت منها نظره على عثمان الذي التقط نظراتها
الحاقدة و رد عليها بابتسامة خبيثة كريهة…..
وكانه يعلن الحرب؟!…
استمتع بالفوز مؤقتًا ثم سترى الضربة القاضية اشبه بالمطرقة الحديدية تضرب فوق رؤوسكم جميعًا فتجعلكم تتخبطا يمينا ويسارًا دون رحمة….
“يبقا على بركة الله نقرأ الفاتحة…..”
قالها مسعد بعد اتمام الاتفاق والموافقة على كافة
طلبات (عثمان الدسوقي)والتي كانت اكثر ثمنا
من المعتاد وبها الطمع…..ومع ذلك وافق عاصم
على كافة الشروط حتى يصل للمراد…حتى يصل لسيدة الحُسن والجمال…
دخولها فعل بلبلة في المكان وقبلهم قلبه…رفع
عيناه عليها فدخلت اليه بطلةٍ خلابة سلبت قلبه
وسحرت عيناه…تاملها مليا من ثوبها الزهري الانيق الى وجهها الجميل وعسليتاها الخلابة المظللة
بالكحل الأسود….وغرتها الناعمة على الجهتين وشعرها المصفف في تسريحة تزيدها تألق……
جميلة الجميلات….سيدة الحُسن والجمال…أرقّ
ملكات العصور القديمة…..أميرة خرجت للتو من أجمل الأساطير…..
انها الشهد الذائب الذي يطمع في تذوق قطرةٍ بعد قطرة من رحيقُ…ان يتعمق فيه وفي تفاصيله التي رغم غموضها تروقه…هي تروقه بشدة رغم كل شيء يحدث بينهما لا يرى من النساء سواها…ولا يرى السعادة الى معها…..
رفعت شهد عيناها عليه فرأت الفرحة والحب جليًا في عيناه…فابتسمت برضا انثوي…وهي تنظر للوجوه
بابتسامة مرحبة مشرقة حتى وقعت عيناها على الهام والتي ارتدت ببراعة قناع البرود و رمقتها بنظرة جامدة غير مبالية عكس النيران التي تأكل
احشاؤها لأن من كثرة الغل….
وضعت شهد الصنية على الطاولة واتجهت نحو
الجدة نصرة تميل عليها وتحتضنها بسلاما ودود
فاستقبلاتها نصرة بحفاوة قائلة وهي تبادلها
العناق….
“أهلا اهلا بعروستنا الجميلة…قمر ماشاءالله…
مبروك ياحبيبتي ربنا يتتملكم على خير….”
ابتعدت شهد عنها وردت بهمسًا لا يسمعه تقريبًا
سواها من شدة الخجل….ثم سلمت على مسعد
باليد مرحبة به بحياء فهناءها مسعد قائلاً…
“أهلا بعروستنا….الف مبروك…..”
“الله يبارك فيك…..”قالتها بصوتٍ أعلى تلك المرة
ثم مدت يدها وسلمت على الهام قائلة….
“أهلا يا ام يزن نورتينا…..”
بادلتها الهام المصافحة بتكبر دون ان
تنهض من مكانها…
“بنورك يا عروسة…..شكلك مرهقة أوي….هو انتي مش بتنامي كويس ولا إيه…..”
جز حمزة على اسنانه وهو يتابع ما يحدث شاعرا بالخوف على اخته من تلك المرأة العقربة…..
تدخلت نصرة مستنكرة بمحبة…..
“مرهقة ايه يا الهام دي بسم الله ماشاء الله بدر منور……..”
ابتسمت شهد وتوردت وجنتيها
أكثر…..فقالت نصرة بخبث العجائز…
“مش هتسلمي على عريسك ياشهد….”
عضت شهد على باطن شفتيها وهي تمد يدها
له بحياء قائلة بغباء لذيذ في عيناه….
“إزيك……”
ضحك الجميع بعد تلك الكلمة عدا الهام وعثمان
المشغولين بتبادل النظرات الى بعضهما بكرهٍ……
مسك عاصم كفها الذي ارتجف في كفه كالعادة
ومعه ازداد توهج وجنتيها بعد رده….
“انا الحمدلله كويس….مبروك ياعروسه……”
سحبت يدها وهي تغمغم بكلمتين ربما كانوا الرد
على المباركة…..فأهداها عاصم باقة زهور تسر
العينين تفوح منها رائحة آلورد الطيبة…
اخذتها شهد منه واستنشقت عبيرها امام عيناه
ثم شكرته بابتسامة خاصة له وحده….
جلست جواره على الاريكة بحرج بعد ان أمرها والدها بذلك ووضعت باقة الزهور على ساقيها
ثم بدأ الجميع بقراءة الفاتحة…وقد شاركت
كيان وقمر الجلسة كذلك وتمت مراسم الخطبة
بمنتهى السلاسة….
وسط نظرات متشفية من (عثمان) ونظرات
حاقدة من (الهام)..
اطلقت قمر الزغاريد العالية وهي تقول بصيحة
عالية…..
“الف مبروك ربنا يتمملكم على خير…..”
اتت عيناها الكحيلة على حمزة فوجدته يخرسها بنظرة حادة……فمطت شفتيها وهي تسأل كيان
همسًا…
“هو مالوا اخوكي بيبصلي كده ليه كاني قتلاله
قتيل…..”
نظرت كيان لها بتعالي…
“يمكن لانك بلدي حبتين…..”
فغرت قمر شفتيها بدهشة مشيره على
نفسها…”انا بلدي…..”
اكدت كيان بغيرة واضحة…
“ايوا….. وزغروتك وحشة…..”
اخرجت قمر لسانها وقالت
بأسلوب كياد….
“موتي بغيظك….البلدي يوكل ياماما….”
هتفت كيان بقرف… “جاتك ماوو….”
جزت قمر على اسنانها…..
“اتلمي ياكيان….مش عايزين ننشر غسيلنا قدام الناس….استني ياحلوة لما يمشوا… ”
ضحكت كيان بصفار قائلة وهي تبتعد
عنها….”ها…. سم…..”
لوت قمر شفتيها وهي تعود بعيناها الى حمزة الذي
قد شرد قليلا عنها بنظر الى المرأة الشقراء الجميلة
التي تجلس على المقعد واضعه ساقا على أخرى توزع نظراتها عليهما بمنتهى العنجهية والكره….
غمغمت قمر سرًا بحسرة مريرة….
“حتى الستات الكبيرة ياحمزة…. اعمل ايه فيك..”
بعد تهنئة الجميع لهما جلسا بين الجميع يتبادلا أطراف الحديث….حتى مد عاصم يداه واخرج
من حقيبة الهدايا علبة صغيرة أنيقة….
ثم نظر الى شهد بعينين عاشقة وقد توقف الجميع
عن الحديث وتابعوا المشهد…حيثُ فتح عاصم
العلبة الصغيرة وقال لها بنبرة خاصة….
“دي شبكتك ياعروسة…..”
نظرت شهد الى العلبة المفتوحة امامها فوجدت خاتم
مرصع بالالماس يبرق بشدة…كان انيق وفخم ثمينا
يغوي العيون…..
لمعة عيناها بالفرح واختضبة وجنتيها
هامسة بتورد…
“ليه مكلف نفسك كده….شكله غالي……”
تولت نصرة الرد بإبتسامة صافية…
“الغالي مايجيلوش الا الغالي…مبروك عليكي ياحبيبتي….مدي إيدك….لبسها ياعاصم…”
مدت شهد يدها فالبسها عاصم الخاتم الالماس
والذي اتى مناسبا على اصبعها…وبعدها انطلقت الزغاريد مجدداً…
بينما مسك عاصم حقيبة الهدايا ووضعها في يدها
هامسا دون ان يسمعهما أحد…..
“اما دي…..هديتك ياست الحُسن…..مبروك…..”
عن طريق حاسة اللمس علمة انها علبة قطيفة
أكبر……فاخرجتها امام الجميع وفتحتها…
اتسعت عينا شهد بصدمة أكبر وهي ترى طقم مجوهرات كاملا مرصع بالالماس مصنوع بدقة وحرفية بأنامل فنان….محنك في صناعة الحلي
وماهر في اتقانه…..وبارع في إرضاء جميع
الأذواق…
شهقة قمر وكيان معًا بانبهار… فالتوى ثغر الهام
عليهن باشمئزاز…..بينما القى عليهن حمزة نظرة نارية…خصوصًا قمر وقد وقعت عيناه على السلسال
القمري المرتاح على نحرها…..فشعر بندم بعد ان اهداها هدية زهيدة الثمن……
خصوصًا بعد انبهارها بطقم المجوهرات ..فعلم انه اخطا في الحكم عليها فالهدايا الثمينة سر إعجاب
جميع النساء بالرجال….
والأموال تشتري كل شيءٍ واولهم النساء والحب..
كان غبيًا عندما فكر في عكس ذلك مع نجلاء..وكان معتوه عندما اعتقد ان هدية رخيصة ستسعد قلب
قمر التي تعيش لحظة انبهار شديدة بعد رؤيتها
للالماس ؟!…..
لمعة عينا عثمان برضا وهو يغطي على شهقات الفتيات بالقول بصلف…….
“تاعب نفسك ليه ياعاصم يابني…هي شهد أول
مرة يجالها طقم الماظ……”
نظرا الفتاتان لبعضهن بدهشة اما حمزة فابتسم
محتقر الحديث والإدعاء…بينما ظلت شهد صامته تنظر الى ابيها بمشاعر متبلدة……
تحسس عثمان ركبته قائلاً بارتجال….
“طب دا انا لسه جيبالها سلسلة من الالماظ الخالص
كلفتني اكتر من نص مليون جنية….. ادتهالها هدية
في عيد ميلادها…… مش كده ياشهد…..”
فغرت شهد شفتيها بنظرة باردة….. “ها….”
لمعة عيناه بشر مكررًا….
“السلسلة هو انتي ليه مش لبساها؟!…..”
اسبلت اهدابها بتخوف فانتبه عاصم لهذا
الاضطراب البادي عليها…بينما قالت
شهد…. “نسيتها…. نسيتها جوا…..”
فتح عاصم زر الحلة قائلاً بخشونة….
“تعيش وتجبلها ياعمي…..دي هدية بسيطه.. يارب
تكون عجبتك…..”
وجه لها الحديث فقالت شهد بإبتسامة
مهتزة…..
“اه…. عجبتني…بس برضو ده كتير.. كان كفاية الخاتم…..”
قال عاصم وعيناه تعرف طريقهما
لعسليتاها……
“الخاتم شبكتك… لكن الطقم هدية مني ليكي.. والإتنين عملتهم مخصوص عشانك…يارب ذوقي
يكون عجبك…..”
تأملت شهد طقم المجوهرات والخاتم في اصبعها
ثم نظرت لعيناه قائلة باعجاب…
“انت بجد بتسألني……انت بجد فنان وشاطر اوي..
انا لحد دلوقتي مستغربة انتي ليه معملتش براند
باسمك تحط فيه كل تصاميمك وتعرضها للناس..”
استلمت نصرة دفة الحوار ترجح
الفكرة……
“طب والله فكرة حلوة ياعاصم..هتتعرف أكتر…..”
رفض عاصم قائلا باستنكار…
“مش مستهلة ياجماعة وجع دماغ كفاية الشغل في
الصاغة.. والطلبات اللي بعملها مخصوص…..كده كفاية…الحمدلله.. ”
تدخل والدها في الحوار قائلاً بضجر….
“على رأيك ياعاصم….في ناس عارفه مقدرها وراضية
وفي ناس بصه لفوق… لفوق اوي ودول مش هيفوقه
غير لما تتكسر رقبتهم……”
اطرقت شهد براسها بخزي وهي تعلم انها
المقصوده..بينما شعرت إلهام بالغضب لانها
يلقي تهديدا مبطن لها..
فوجه عثمان الحديث لمسعد الجالس
بجواره….
“ولا اي يامسعد بيه…..”
أبدى مسعد رأيه بعقلانية….
“انا شايف ان السعي في حد ذاته نجاح…حتى لو فشل يكفي شرف المحاولة…..”
قال عثمان بخبثٍ…..
“حلوة دماغك بس مش زي دماغي …ولا اي
يا ام يزن……”
نظروا الاشقاء الثلاثة لبعضهما بعدم فهم….
بينما إجابة الهام بمنتهى الغرور…..
“دماغ مسعد توزن بلد…كفاية اني كنت اختياره..”
أبتسم عثمان بعصبية واضحة قائلاً….
“صحيح…..انا مسألتكش يامسعد بيه…اتعرفت على المدام فين….شكلها مش مصرية….”
ضحك مسعد قائلاً….
“لا ياعثمان بيه…إلهام مصرية وبنت بلد كمان…
انا اتعرفت على إلهام بصدفة…كانت شغاله في
شركة كنت مستثمر فيها…فقبلتها واتعرفنا
وحبيتها…وهي كمان… ”
زادت ابتسامة عثمان قتامة لا يراها
سواء الأخوة والافعى !……
“معقولة… دا ولا في الأحلام وياترى اي اللي
شدك فيها..”
احتقن وجه إلهام وبدا التوتر يظهر عليها فاجابة
مسعد مختصرا بعد ان شعر بعدم الارتياح
لهذه الاسئلة الخاصة……
“أكيد جمالها…..واخلاقها وطيبة قلبها…”
فلتة ضحكة ساخرة من بين شفتي عثمان..
فانعقد حاجبي البعض بعدم فهم إلا إثنين يتابعا الحوار بملامح متجمدة ونظرات باردة محتقرة….
فكانت الأوراق مكشوفه لهما منذ البداية….
استأنف عثمان بمكر الثعالب….
“طيبة قلبها واخلاقها…..فعلاً نفس الصفات اللي خلتني اتجوز المرحومه مراتي…كانت ست كُمل
بصحيح بس الله يرحمها بقا مكنتش بتفهمني..
ونكدية……”
اوقف حمزة والده قائلاً…..
“ماتشربوا الشربات ياجماعة….قمر هاتي الحلو للضيوف……”
اومات قمر براسها وهي تخرج تتبعها
كيان لتساعدها…….
………………………………………………………………
أيقنت بعد كل نظرة عابرة بيننا ، وصدفة جميلة
تجمعنا…. واختلاف يفصلنا… ومحنة تقربنا..
ومشاعر تربطنا…وحياة توحدنا….
ايقنت بان لولا الحب بيني وبينك ماكنا عودنا
من جديد.. فالحب سيظل أولاً وأخيراً بيننا…
تجلس جواره على الاريكة والخجل يفترسها
تهرب من عيناه ، تعبث قليلاً في الخاتم الماسي
بين اصبعها ثم بالثوب الزهري حيثُ قماش
التل الذي ستمزقه باظافرها….
يفترسها الخجل بعد ان خرج الجميع وتركوهما في الصالون لبعض الوقت…..
تاملها عاصم مليا للحظات ثم سالها بصوتٍ
أجش…..
“هتفضلي ساكته كتير…كلها خمس دقايق ومشي….”
عضت على باطن شفتيها وهي تنظر اليه…
“مش عارفه اقول إيه… هما في لحظات اللي زي
دي بيقوله إيه……”
سالها عاصم بدهاء…”تحبي أعلمك…..”
اومات براسها ببراءة…فمسك عاصم
يدها قائلاً….
“العريس بيمسك ايد عروسته كده….”
توردت وجنتيها وهي تحاول سحب يدها
لكنه الهى عقلها بصوتٍ عذب….
“وبيقولها مبروك ياست الحُسن… يأجمل واحلى
واحده شفتها عنيه…..مبروك على أول خطوة بينا..
عقبال ماتبقي مراتي وام عيالي…..”
ذابت اعصابها وهي شاردة في فضاءٍ قاتم يلمع بنجوم الحب….
“طب وهي هيكون ردها إيه…..”
اتكا عاصم يدها وهو يقول مبتسما…
“مش هينفع اغششك….قولي اللي حاسه بيه…
بصي في عيني ياشهد قولي…..”
قالت بعد تنهيدة ناعمة…
“مش عارفه…. في حاجات كتير جوايا متلغبطه
يمكن عشان أول مرة ارتبط…..”
قاطعها بجملة باترة… “واخر مرة…..”
القت شهد نظرة معاتبه….
“سبني أكمل كلامي…..”
زادت الابتسامة على محياه عمقا وهو يلفظ أحرف اسمها بطريقة خاصة ضاع معها الباقي من
عقلها…
“كملي ياشـهـد…..”
قالت شهد بتردد….
“انا مبسوطه انك بقيت خطيبي….”
ضحك بخفة وهو يقول بحرارة….
“وانا هنبسط اكتر لما تبقي حرم عاصم الصاوي..
مش خطيبته بس…..”
توهجة وجنتيها مع كلماته فقالت بخفوت….
“كل اللي فات من الخطوبة ربع ساعة وبدأت تفكر
في الجواز….”
سحرتها نظرة عيناه وهو يخبرها….
“يمكن عشان دي الخطوة اللي بتيجي بعدها…”
تبادلا النظرات معًا لبرهة حتى سألته شهد
بتردد….
“مبسوط ياعاصم؟!…..”
أزداد بريق عيناه قائلاً…..
“قليله الكلمة دي ياشهد على اللي حاسس بيه معاكي……”
ترقرق الدمع في عيناها فمسحت دمعة
ماسية قبل ان ترى النور….
سالها عاصم وهو يمسح الجهة الآخر بطرف
ابهامه بحنان…..
“ليه الدموع دي ياشهد……”
قالت شهد بشجن….
“كان نفسي ماما تكون معايا في يوم زي
ده…كانت هتفرح أوي..”
اوما عاصم براسه بتفهم….
“الحال من بعضه…ربنا يخليلك والدك واخواتك…
باين انكم قريبين اوي من بعض خصوصا انتي وحمزة……”
رفعت عسليتاها
متعجبة…
“اوعى تقول انك بتغير…..”
أكد بمنتهى الهدوء….
“هكون كداب لو قولت عكس كده……”
همست بأسمه بدهشة…. “عـاصـم…….”
لانت شفتيه معبرًا وعيناه تلقي البرهان
في حبها……
“مش بايدي ياشـهـد…انتي اللي عملتي في قلبي
كده……قوليلي الحل إيه…..”
“عـاصـم…..”خفق قلبها بجنون وهي تلفظ اسمه بعذاب فهي تذوب على اوتار الهوى ومن يعلمها
الهوى الان سواه ؟!…..
زفر عاصم قائلا بتعجل…..
“كان المفروض يكون كتب كتاب مش قراية فاتحة
وتلبيس خواتم بس !!…”
ازداد خجلها اكثر فغيرت مجرى الحديث
مستفسرة…..
“بمناسبة تلبيس الخواتم….فين دبلتك…معقول
تكون نستها…..”
أخبرها عاصم…. “لا معايا في جيبي…..”
ضاقت عيناها بخطٍ مستقيم عابسًا…
“من أولها بتشلها في جيبك هو انت منهم….”
أخرج حلقة فضية ووضعها في كفها
قائلاً…..
“انا برضو بتاع الكلام ده…الفكرة بس اني مش
بحب البسهم…. ”
“لازم تحب….”قالتها وهي تنظر الى المحفور
بها من الداخل فسالته عابسة….
“اي التاريخ المكتوب عليها ده…دا مش تاريخ النهاردة…..”
اخبرها عاصم بعينان تفيضان عشقاً…
“دا تاريخ أول يوم شوفتك فيه…ساعة السلم
والبويه اللي كانت هتقع عليكي….”
إبتسمت شهد بجمالا
وأضافة…
“ومنير…..نسيت منير….”
قال غامزًا…. “الله؟!… طب ما انتي فاكره أهوه…..”
اخبرته بتلقائية ناعمة….
“طبعاً بعد ما قربنا…بقا كل حاجة تخصك فكراها
وحافظه تفاصيلها..”
هتف عاصم بمشاكسة…
“والا وبقينا نعرف نقول كلام حلو…..”
قالت بأسلوب ناعما شهيا….
“مهما قولت مش هقدر اغلبك…بس دي حقيقة وخارجه من جوا قلبي..”
همس عاصم بصوتٍ أجش وعيناه تكاد تلتهم تفاصيلها ورقتها وحياؤها الشهي….
“يسلملي قلبك و روحك وجمالك ياست الحُسن…..”
اشاحت بوجهها بخجلا صارخ….كلماته تدغدغ مشاعرها تجعل قلبها يختلج بين اضلعها بشدة
انها الان تشعر بانها تحلق في سماءٍ صافية على الغيوم الناعمة تجري بسرعة وتلهو بمرح وصوت ضحكاتها وبهجتها يملئ المكان فيزدهر العالم
ويأتي الربيع معطرًا بالحياة والحب…..
…………………………………………………………..
في صباح اليوم التالي استيقظت من النوم على
صوت رنين هاتفها…. فمدت يدها واخذت الهاتف
ووضعته على اذنها وبصوتٍ ناعس قالت
“الو…..”
اتى صوته العذب سائلا بتعجب…(لسه نايمة؟!….)
ابتسمت وهي تعتدل في جلستها
بكسلا…”عاصم…..صباح الخير…..”
اجاب عبر الهاتف بصوتٍ أجش….
(صباح الشهد…مش بعادتك يعني متروحيش
المطعم بدري….)
نظرت شهد لساعة الهاتف ثم وضعته على اذنها
قائلة بصوت ناعس شديد النعومة……
” غصب عني….راحت عليا نومه….على العموم إحنا
لسه الضهر هلبس وهنزل علطول…شكلك عديت عليا…..”
اخبرها عاصم وهو يطرق بالقلم على سطح
المكتب……
(آه عديت عليكي الساعة عشرة…لقيت خلود
والبنات موجودين…..)
اتى صوت احد العاملين عنده في الصاغه
يقول…..
(فرقت الشربات زي ما قولت يامعلم عاصم…والمعلم
حكيم والمعلم مينا وزعوا دور كمان…..)
اجاب عاصم بصوتٍ خشن….
(طول عمرهم صحاب واجب….طب روح انت على شغلك….)
سالته شهد على الناحية
الاخرى…
“شربات إيه ده !!…هما عرفوا…..”
اخبرها عاصم متعجباً…(دي حاجة تستخبى؟!…..)
قالت بوجنتين حمراء…. “لا بس مين قال…..”
ابتسم عاصم قائلاً بهدوء…
(اكيد مش انا بس العصافير كتير…..وبرضو دي
حاجة متستخباش….ولا إيه…..)
قالت شهد بحرج شديد……
“حاسه اني لما أدخل الشارع الناس كلها هتفضل
تبص عليا….وبعد كده هيبقوا مركزين اوي
معانا…. هنبقا روميو وچوليت شارع الصاوي… ”
قال عاصم بلا مبالاة….
(ومالوا خليهم يركزوا … طالما مع بعض في النور محدش ليه حاجه عندنا….المهم….)
استرسل عاصم بمرح….
(في فرح عندنا لناس قريبنا أوي ابن عم أبويا….وهما عزموكي…..وانا بصراحه شايف انك لازم تيجي.
قوليلي ليه…)
شملت الابتسامة وجهها وهي تسأله…. “ليه…”
أحب ان يشاكسها قليلاً فقال بمناكفة……
(عشان بنات عيلتنا حلوين أوي…واحتمال…إحتمال
مش أكيد عيني تروح كده ولا كده….انتي عارفه
بقا وجودك هيبقا مهم وقتها…..)
ماتت الابتسامه على شفتيها بتدريج
ورفعت حاجب شرير سائلة…..
“بنات عيلتكم حلوين…طب ومخدتش منهم
ليه…..افهم بقا… ”
ابتسم عاصم برضا تام واجاب بتوله….
(والله حاولت بس القلب مرضاش يميل غير ليكي…)
هتفت شهد بضيق شديد….
“الكلمتين دول مش هيعدوا كلامك اللي فات..”
ضحك عاصم متلذذاً وهو يستفسر
ببراءة زائفة……
(اي القلبه دي…..اوعي تكوني بتغيري…)
قالت من بين اسنانها والغيرة تشعل
فؤادها.. “بتحلم !!… هغير منهم.. ”
قال بملاطفة…..(عليا مثلاً…..)
جزت على اسنانها “انت بتستفزني عشان أغير….”
قال بعد صمتٍ….(والحمدلله بتغيري….)
نادته شهد بتحذير…. “عاصم ؟!….”
تافف عاصم بعد لحظات قائلاً….
(ناس نايمه لحد الضهر وناس مدقتش طعم النوم…)
هتفت شهد بغرابة…
“ليه بقا ؟!…بجد مانمتش إمبارح؟….”
اخبرها عاصم بفتور….
(لما بزعل اوي….او لما بفرح اوي مبعرفش أنام….)
سالته شهد… “وامبارح كنت فرحان؟!….”
هتف عاصم بسخرية …
(لا زعلان…..اي السؤال ده…. أكيد كنت فرحان..)
سالته بغيرة…. “دي أول مرة تفرح فيها كده….”
قال عاصم بنبرة بين طياتها عشق يروي
ظمأ قلبها…..
(هكون كدب لو قولت أول مرة…بس كل فرحة
فرحتها كانت بتختلف عن اللي قبلها…وفرحتي
إمبارح كانت غيرهم…. وكاني أول مرة أفرح
من سنين….وكله بسببك انتي ياشـهـد…..)
قالت بمحبة…
“ربنا يسعد قلبك كمان وكمان….”
اخبرها عاصم بجدية….
(هيحصل بإذن الله لما تبقي مراتي….)
عضت على شفتيها بخجلاً…فاسترسل
هو قائلاً…
(مردتيش عليا هتحضري معايا الفرح…..)
تدللت عليه قائلة بعناد…
“لا….. احضره مع بنات العيلة الحلوين….”
أبتسم عاصم قائلاً..
(براحتك ياست الحُسن…..انتي الخسرانة…….)
قالت بثقة انثوية قوى جزعها من خلاله
هو……
“فشرت….انت اللي خسران وبالقوي كمان…”
اغلقت الهاتف وهي تضحك ثم تنهدت بنعومة وهي
ترفع ذراعيها للأعلى بكسل حتى انتبهت لخزانة
ملابسها المفتوح بابها وعلبة المجوهرات الواقعه أرضا…..
عقدت حاجبيها بوجل وهي تبعد الغطاء عنها ناهضة عن الفراش ثم اتجهت الى الخزانة ومالت تلتقط علبة المجوهرات وفتحتها سريعاً حتى تكذب ظنونها…
فشحب وجهها بتدريج واتسعت عينيها فجأه وقد وقع قلبها أرضاً برعبٍ بعد ان رأت علبة المجوهرات فارغة وطقم الالماس بأكمله اختفى ؟!
شهقت شاهقة عالية دخل على أثرها بهلع كيان
وقمر فسالتها كيان بصدمة….
“مالك ياشهد في إيه…..”
“طقم الالماظ…طقم الالماظ ياكيان مش
موجوده في العلبة….”
شهقة كيان واقتربت من اختها بسرعة بعينين
متسعتين بعدم استيعاب….
“إيه…إزاي دا انتي حطاه بايدك امبارح في الدولاب..”
أكدت شهد والدموع تتجمع في عينيها
برعبٍ وأول شيءٍ شغل فكرها رد فعل عاصم
ان علم بالأمر ؟!…
“ايوا بس لم صحيت من النوم دلوقتي لقيت
درفة الدولاب مفتوحة…. والعلبة واقعه على الارض….اختفى إزاي بس..إزاي.. ”
“هيكون مين عمل كده…..”قالتها كيان وهي تنظر
الى قمر بشك وقد القت اتهام صريح بنظرة
باردة انها الفاعلة فهي الغريبة والدخيلة
بينهم !!…
 

 رواية الحب اولا الفصل الثامن عشر 18 -  بقلم دهب عطية
nada eid

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  • Huoda photo
    Huoda10 يونيو 2023 في 1:55 م

    عم علق على امل تعطونا الفصول ما عم اوصل لهم ... كتير هيك ولوووو وين بدي كمل الرواية😔؟

    حذف التعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent