Ads by Google X

رواية كاليندا الفصل الرابع 4 - بقلم ولاء رفعت

الصفحة الرئيسية

  رواية كاليندا كاملة بقلم ولاء رفعت عبر مدونة دليل الروايات 

 رواية كاليندا الفصل الرابع 4

 

يتناول متعلقاته دون إكتراث وهم بالمغادرة، فاستوقفته والدته قائلة له:

_ طيب عشان خاطري خد كُل الساندوتش ده ما ينفعش تروح شغلك علي لحم بطنك كده.

رمقها بصمت ولكن نظراته كانت حادة وتحذرها أن تكف عن محايلته، فتح الباب و أغلقه خلفه بقوة مما جعلها انتفضت وأردفت بامتعاض:

_ منهم لله اللي كانوا السبب.

و بالخارج يسير ويشعر وكأن العيون جميعها تترصده، لاسيما تلك الهمهمات التي وصلت إلي سمعه وبطرف بصره يلاحظ نظرات الشفقة من البعض والسخرية من البعض الآخر.

وصل إلي موقف السيارات ليستقل سيارة أجرة وقبل أن يدلف إلي الداخل تعالت ضحكات سخرية واستهزاء صادرة من مجموعة من الشباب يقول أحدهم:

_ أخس علي دي رجالة، أنا لو خطيبتي حصل معاها كده كنت جيبت الواد الـ… اللي عمل فيها كده ودبحته هو وعيلته ولايهمني، بس أمشي مرفوع راسي.

رد عليه آخر:

_ أنت أهبل، هو فيه حد عاقل يقف في وش عيلة السفوري، يا روح ما بعدك روح.

ألتفت لهم وعينيه يندلع منهما لهيباً حارقاً، فلم يشعر بحاله وهو يسرع خطاه نحوهم ويفاجئهم بتسديد اللكمات كوحش كاسر انكسرت قيوده فأنطلق علي أعدائه بضراوة.

تجمع الناس لفض هذا العراك، أبتعد احدهم وقد نال وجهه عدد لا بأس به من اللكمات، صاح بصوتٍ جهوري:

_ بدل ما جاي تتشطر علينا، روح أتشطر علي اللي علم عليك و خلاك لبانة في بوء أهل البلد.

وبخه إحدى الرجال قائلاً:

_ ما تلم نفسك ياض بدل ما أكمل عليك أنا ضرب.

_ يعني عاجبك يا حاج اللي عمله فينا؟

رمقه الرجل شزراً:

_ ما أنتم اللي ما بتحترموش نفسكم و عاملين تلقحوا بالكلام عليه، عايزينوا يعني ياخدكم بالأحضان؟!

ألتفت الرجل إلي أحمد مردفاً:

_ حقك عليا أنا يا أحمد يابني، دول عيال ناقصة ربايه وليا كلام مع أهاليهم.

لم يستطع الآخر بأن يرد، وبماذا سيجيب!، ربما لدي هؤلاء الحق فيما تفوهوا به، فهو بالفعل غير قادر علي مواجهة عائلة السفوري المعروف عنها بطشها وظلمها الذي سيقع علي كل من يقف في طريقهم أو تحديهم، فحماد السفوري صاحب سلاسل متاجر السفوري الكبرى في وسط المدينة له نفوذ وسيطرة حيث بإمكانه أن يؤذيه هو وعائلته دون أن يرف له جفن.

※※※

خرجت زينب من غرفة ابنتها متأففة وتحمل صينية الطعام التي لم ينقص من طعامها معلقة أرز واحدة.

_ شوف لك بقي يا محمد صرفه مع بنتك اللي رفعتلي ضغطي.

أجاب عليها بحزن وآسي:

_ ما تضغطيش عليها يا زينب، ناسيه لما خلتيها تاكل بالعافية جابت اللي في بطنها ووقعت من طولها، كان عجبك منظرها وقتها؟

زفرت بضيق وقالت:

_ يعني عاجبك أنت لما علقنا لها محاليل إمبارح و كنت سامع الدكتور بنفسك لازم تاكل وتتغذي عشان ما ندخلش في حوارات ومستشفيات وإحنا مش ناقصين، منها لله سحر العقربة هي وإبنها لولا معزة إسراء بنتها بعتبرها زي بنتي كنت قولت اللهي يتردلها فيها.

رمقها زوجها بامتعاض وضجر وذهب ليري ابنته، طرق الباب فأتاه صوتها الواهن من الداخل:

_ أتفضل.

ولج إليها وأرتسم علي شفتيه ابتسامة قائلاً:

_ شمسي الجميلة عامله إيه النهاردة؟

نهضت من فراشها وجلست باعتدال:

_ الحمدلله يا بابا.

جلس جوارها وحاوط ظهرها بذراعه وضمها إلي صدره بحنان ويده الأخرى تربت علي خصلاتها:

_ تعرفي يا شمس يوم ما أتصلوا بيا في الشغل وقالوا لي ألحق مراتك جالها الطلق و بتولد، قبلها كنت نايم علي المكتب وحلمت حلم جميل، حلمت إن فيه راجل وشه كله نور لدرجة ماقدرتش أشوف ملامحه شايل علي إيديه طفلة زي الملاك بيقولي مبروك ما جالك يا أبو شمس.

ابتسمت رغماً عنها وقالت كأنها تعلم تلك القصة من قبل:

_ عشان كده سمتني شمس.

قام بتقبيل رأسها وأجاب:

_ اسم علي مسمي، أنتي شمس، شمسي اللي منورة حياتي، و بنتي وقلبي هدية ربنا رزقني بيها و تاني يوم من ولادتك لاقيتهم منزلين ليا مكافئة و أترقيت درجة، ده غير لما جيتي أتخطبتي وجيت أجهزك لاقيت ولاد حلال كتير وقفوا معايا في الأقساط، فيه اللي خلالي القسط قليل، وفيه منهم اللي مارضاش ياخد ولا مقدمة ولا زيادة وياخد القسط بنفس تمن الحاجة، ربنا بيرزقني برزقك لدرجة جيت في مرة مع نفسي أستغفر الله العظيم قولت البنت دي لو أتجوزت هاتبعد عني والرزق ده هيبعد معاها، ولما أستوعبت كلامي أستغفرت ربنا لأن طول ما بستغفره وظني بيه خير هايرزقني من غير حساب، وهايكون معايا في كل محنة.

أغمضت عينيها وأرتمت بجذعها بين ذراعيه تستمد منه شعور الأمان التي تفتقده حالياً:

_ ربنا يخليك ليا يا بابا وما يحرمنيش من حضنك أبداً.

امتلأت عيناه بالدموع وهو يجيب عليها ويشد من عناقها:

_ ويبارك لي فيكي يا شمس حياة أبوكي، يلا بقي عشان أنا ما فطرتش ولا أتغديت وقولت مش هاكل غير مع شمسي هي اللي بتفتح نفسي للأكل، ها، هتاكلي معايا ولا هاتخرجيني من الأوضة أقعد أبرطم زي أمك.

ضحكت وقالت:

_ لاء طبعاً، هاكل معاك.

_ طيب قومي حضري لنا صينية أكل كده علي ذوقك عقبال ما أروح أتوضى وأصلي العصر.

※※※

_ ليه كده يا ماما، حرام عليكي.

صاحت بها إسراء، فأجابت والدتها بغضب:

_ حُرمت عليكي عشتك، يعني كنتي عايزة أخوكي يتجوزها بعد عملة ابن السفوري فيها!

_ وأديكي شوفتي بعينيكي كان مغمي عليها والحيوان التاني كان بيعتدي عليها، يعني مش ذنبها.

أجابت بنفس وتيرة غضبها:

_ و ذنب أخوكي إيه ياخد واحدة سيرتها بقت علي كل لسان، بصي بقي يابت أنتي عشان قلبي واجعني من كتر الكلام حسك عينك أشوفك بتتكلمي معاها ولا حتي تسألي عنها، أنسيها خالص، الواحدة فينا عايشه بسمعتها وشرفها و هي خلاص لا سمعة ولا حتي شرف، ولا يعجبك لما أخوكي يكمل معاها ويفضل يتعاير باللي حصلها؟

أتسعت عينان ابنتها بصدمة من والدتها:

_ أنا بجد مصدومه فيكي و لولا إنك أمي كنت قولت لك كلام مش هيعجبك.

صاحت الأخرى بها:

_ أقسم بربي يا إسراء لو ما مشيتي وغورتي من وشي دلوقت لأديكي حتة علقة زي زمان وما هيحوشني عنك حد.

ولج كامل من باب المنزل قائلاً:

_ في إيه صوتكم جايب لآخر البلد؟

_ تعالي شوف بنتك اللي واقفه لي كأني عدوتها وبتعلي صوتها عليا وقال إيه عايزه تطول لسانها كمان.

زجرها والدها بنظرة مُخيفة وأمرها:

_ تعالي وطي علي إيد أمك وبوسيها وأتأسفي لها.

نظرت لأسفل بخجل وقالت:

_ يا بابا والله ما أقصد كل اللي ماما قالتهولك، أنا بس كنت بلومها علي مروحها عند شمس واللي قالته لمامتها، الموضوع ده يقرره آبيه أحمد.

صاح والدها:

_ وأمك أتصرفت صح، أخوكي الله يكون في عونه أول يوم يخرج بره النهاردة ولو سمع ربع اللي بسمعه من الناس مش هيخرج من أوضته، فاللي عملته أمك أحسن ليه، وبكره يا سحر تروحي لمجيدة أختي ولمحي لها إن إحنا عايزين مروة لأحمد.

غرت إسراء فاها واتسعت عيناها من قرارات والديها الظالمة لصديقتها وإنهاء حب شقيقها الوحيد، أجابت سحر:

_ عين العقل يا حاج، من النجمة هاروح أشتري لها زيارة و أروح لها بيها، وأنتي يا مقصوفة الرقبة أبقي نامي بدري عشان هاتروحي معايا.

رمقتها ابنتها من أسفل لأعلي دون أن تتفوه لكن نظراتها تعبر عن كل السخط الذي بداخلها، أطلقت زفرة بتأفف ودلفت إلي غرفتها ثم أوصدت الباب في وجههم.

※※※


تحمل زينب صينية صغيرة يعلوها كوبان من الشاي وضعتها أعلي الطاولة أمام زوجها وكادت تذهب لتكمل أعمالها المنزلية، فأوقفها قائلاً:

_ تعالي أقعدي يا زينب عايزك في كلمة.

جلست علي كرسي مجاور له وسألته:

_ خير يا محمد؟

أخرج من جيبه ظرف ورقي كبير و وضعه علي الطاولة، نظرت له و سألته:

_ إيه ده؟

أجاب:

_ فلوس، أدهالي صاحبي اللي قولت لك عليه عشان أروح أقوم محامي وأرفع قضية.

شحب وجهها وسألته بتردد:

_ أنت خلاص، قررت ترفع قضية؟

أجاب بتعجب من ردة فعلها:

_ أومال عايزاني أخد حق بنتي إزاي؟ ، أروح أقتل الواد وأدخل السجن وأسيبك أنتي وهي تتشردوا غير اللي ممكن يعملوه فيكم؟

_ لاء، مش قصدي بس لما جيت فكرت، قضية يعني كل الدنيا هاتعرف.

أجاب عليها بنبرة حادة:

_ علي أساس إن البلد كلها معرفتش!، أوعي يكون حد لعب في دماغك وخوفك منهم، ولا حد هددك تبعهم؟

_ أبداً والله، بس أديك شايف البت لسه خطوبتها متفشكله و نفسية بنتك اللي في النازل.

_ ما هو عشان كده هاعمل اللي قولت لك عليه، يمكن لما يتسجن الكلب ابن حماد، بنتك تبقي أحسن و أخليها تمشي في الشارع مرفوعة راسها بدل الكسرة اللي في عيونها كل ما أبص لها.

تنهدت بقلة حيلة ثم قالت:

_ كان مستخبي لينا فين ده ياربي!، طول عمرنا في حالنا وقافلين بابنا علينا ولا لينا في شر ولا في آذيه.

_ أستغفري ربنا يا زينب وأدعي له يفك كربنا بدل ما عماله تنوحي زي غراب البين كده.

نهضت بحنق:

_ أخس عليك يا محمد، أنا غراب!، ربنا يسامحك.

_ ربنا يسامحنا جميعاً، أنا هاقوم أريح لي ساعة وبعدها هاروح للمحامي وهاشوف المطلوب إيه.

أوقفته قائلة:

_ طيب ماتصبر شويه كده عقبال بس البت نفسيتها تتحسن شويه، ما بالتأكيد المحامي هيطلب إنها تيجي معاك وتحكي له كل حاجة.

صمت وهو يفكر في الأمر ليجد لديها حق فقال:

_ أنا عندي فكرة، جهزي لها شنطة هدوم صغيرة كده هاخدها ونسافر بكرة عند أخواتي تقعد عند أخويا أهي تغير جو ونفسيتها تهدي وبعدها نروح مشوار المحامي.

رمقته بتهكم وقالت:

_ وتفتكر بنتك نفسيتها هتهدي عند شوقية مرات أخوك؟

_ ومالها مرات أخويا يا أم شمس، لسه برضو شايلة منها، ما خلاص ده كان شيطان وراح لحاله والست اعتذرت لك وحبت علي راسك، مفيش داعي نقلب اللي فات وياستي بنتك هتقعد مع بنت عمها يسلوا بعض ولو في أي حاجه هاروح هاخدها علي طول.

زمت شفتيها جانباً بسخط مُعقبة:

_ أعمل اللي أنت شايفه، بس والله لو بنتي حد قرب منها بأذي لتكون أنت المسئول قدامي وهانسي إن ليك أخوات.

وبدون أن يصيح أو يصب جام غضبه عليها، رمقها بنظرة نارية ثم تركها وذهب إلي غرفة النوم.

※※※

ما زالت تمكث في غرفتها، تجلس أمام المرآه تتأمل ملامحها التي تذبل مثل الزهرة المتروكة بلا ماء أو عناية، بدأت الهالات السوداء تحيط ذهبتيها التي انطفأت من كثرة البكاء.

تفكر فيما حدث وما يحدث لها، وأكثر ما يصدمها موقف الرجل الوحيد الذي أمتلك قلبها وكانت أيام معدودات وسيصبح مالكها قلباً وقالباً، لكن القدر قد آبي إن يحدث هذا، و الذي يشغل ذهنها لما لا يأتي بنفسه ويقول لها بذاته ما تفوهت به والدته، هل أصبحت إلي هذا الحد شرذمة يخشي أن يقترب منها!، أين الحب الذي كان يتلو عليها كلماته أينما يتحدث معها أو يراها!، أين تلك الوعود الذي ألقاها علي مسامعها منذ أن تمت خطبتهما.

نهضت من أمام المرآه ودقات قلبها تسابق عقارب الثواني في سرعتها وفي عقلها سؤال واحد، هل الانفصال رغبته هو أم هي رغبة والدته ذات الطباع الحادة؟

لم تشعر بنفسها وهي تمسك بالهاتف الذي أشتراه لها والدها بدلاً من هاتفها الذي فقدته في الحادث، وبرغم خلوه من الأرقام لكن ما زالت ذاكرتها الفولاذية تحتفظ برقم هاتفه، وبعد أن نقرت علي الاثني عشر رقماً تراجعت عن الإتصال، أدركها الخوف وعقلها يصرخ عليها بأن تكف عن تلك المحاولة الحمقاء، بينما قلبها ليريح رغبته المُلحة أتاها بفكرة أفضل وهي إرسال رسالة نصية محتواها

( أنا عارفة إن كل اللي ما بينا أنتهي بس ممكن أعرف حاجة واحدة بس و أوعدك من بعدها مش هاتشوفني ولا هاتسمع صوتي تانى، أنت فسخت الخطوبة ولا ده ضغط عليك من أهلك؟

وآسفة علي الإزعاج

شمس)

ضغطت إرسال قبل أن ترضخ لعقلها الذي ينهرها وتتراجع عن فعل ذلك.

بينما هو كان يجلس شارداً أمام الخزينة الإلكترونية، ويقف أمامه مشتري يقول له:

_ يا كابتن، يا كابتن.

جاء زميله في العمل يلكزه في ذراعه لتنبيهه:

_ رد علي الأستاذ يا أحمد.

أنتبه له وأعتدل في جلسته وقال معتذراً:

_ معلش يا فندم.

أخذ المشتريات ليضع كل سلعة علي جهاز البار كود ويظهر له علي شاشة الحاسوب إجمالي أسعار كل ما أشتراه الرجل فقال:

_ 350جنيه يا فندم.

أعطي الرجل إليه المبلغ ثم حمل الأكياس المطبوع عليها اسم وشعار المتجر فذهب، لم تمر ثوان وجاء إليه إحدى العاملين قائلاً :

_ أحمد، مستر عصام عايزك في مكتبه.

نهض أحمد وذهب إلي مكتب مديره، طرق الباب ثم ولج إلي الداخل، فوجده ينتظره وملامحه ينبلج عليها الانزعاج من رؤية ما حدث وقام بمشاهدته في شاشة المراقبة.

_ تحت أمرك يا مستر عصام.

_ الأمر لله يا أحمد، أنا ندهت لك عشان أقولك لو أنت مش قادر علي الشغل قولي وأنا أديلك أجازة بس هاتكون مخصومة من مرتبك.

أجاب بإحراج:

_ لاء يا فندم، مش محتاج أجازات، أنا بس اليومين اللي فاتو كان عندي ظروف وبلغت حضرتك وقتها.

زفر عصام وهو ينظر له لثواني وقال بلهجة تحذير:

_ طيب ياريت تاخد بالك من الزباين وتبطل سرحان، أنا المرة دي نبهتك، اللي جاية هاتبقي بجزاء وأظن أنت خلاص كلها أيام وهاتبقي عريس يعني محتاج لكل قرش مش يتخصم لك!، تمام يا أحمد؟

أومأ له الآخر وقال:

_ تمام يا فندم.

أشار له بأن يذهب:

_ أتفضل علي شغلك.

ذهب وبداخله يختنق يريد الصراخ بكل طاقته، أسرع نحو المرحاض ودخل يفتح الصنبور ويهبط برأسه أسفله، فغمر الماء شعره بالكامل، أعتدل و وقف ينظر لانعكاسه في المرآه وبكل قوته ضرب بقبضته الحائط المجاور لها وصدره يرتفع ويهبط حتي كادت ضلوعه تخرج من مكانها.

أوقفه صوت صدح من هاتفه يعلن عن رسالة واردة، أخرج هاتفه وقرأ محتواها، أتسعت عينيه وأنتفض كأن مسه تيار كهربائي، تعالت أنفاسه، أستند علي الحائط بظهره، ودون أن يفكر لوهلة قام بالاتصال علي رقم صاحبة الرسالة.

انتهت من أداء فرضها ليفاجئها رنين هاتفها، خفق قلبها بشدة قبل أن تري من المتصل، وعندما أمسكت به ورأت الرقم، إعتراها الخوف من المواجهة، تخشي أن تسمع صوته، ألقت الهاتف علي الفراش حتي أنتهي من الرنين.

تنفست الصعداء لكن هيهات و صدح الرنين مرة أخري، أمسكته بحذر ونقرت علي علامة الإجابة، وضعته علي أذنها في صمت، فأتاها صوته بنبرة حادة:

_ أنا عايز أقابلك ضروري!

※※※

في منزل السفوري، يتجمعون حول مائدة الطعام، سأل حماد زوجته:

_ أومال فين ابنك الصايع؟

أجابت هدي بعدما ابتلعت ما بفمها:

_ ها يكون فين يعني، ها تلاقيه واقف مع زمايله.

ضرب المائدة بقبضة قوية وصاح بغضب:

_ مش قولت إن ابن الـ… ده مايعتبش بره باب البيت لحد ما نشوف حل في المصيبة السودة اللي هببها.

_ فيه إيه يا حماد، هو بت عشان أحبسه!، وعارفين إنه عامل مصيبه هانعملهم إيه يعني.

_ أهو دلعك للمحروس ابنك ده هو اللي وصله للي هو فيه، كان نفسي يبقي راجل وعاقل يبقي سندي اللي هايشيل عني المسئولية، بس إزاي وأنتي وراه، بتداري عليه في كل مصيبه و بتشجعيه بدل ما تقفي له وتديه بالجذمة عشان يعقل.

نهضت وصاحت بحنق:

_ ليه هو أنا اللي روحت لأهل الواد اللي خبطه ابنك بالموتسيكل لما كان سكران، والواد مات فروحت دفعت لأهله ديه، ومن وقتها وابنك في دماغه مهما عمل مصايب وبلاوي وراه أب بيدفع ويحوش عنه.

_ أومال كنتي عايزاني أسلمه للبوليس بأيدي!، و يكون في علمك لما يرجع إبنك من بره خليه يعمل حسابه إنه هيسافر ويقعد في شقة إسكندرية ويبعد عن البلد لحد ما نشوف محمد هو وبنته ناويين علي إيه.

فتح باب المنزل بالمفتاح خاصته قائلاً:

_ وأنا مش هسافر ولا أهرب كأني عامل عملة وخايف.

صاح والده به:

_ لاء عامل يا حيلة أمك، ومش أي عمله أنت أغتصبت، دي جناية خصوصاً إنك معدي السن القانوني، ومش هاستني لما ألاقي البوليس يدخل بيتي ويجي ياخدك ولا حد يتعرض لك بأذي.

_ ولا حد يقدر يتعرض لي، ده أنا كنت دفنت اللي يفكر يقرب لي مكانه.

_ هو ده اللي فالح فيه، بلطجة ووساخة عيني عينك، وأنا أغرم دم قلبي من ورا بلاويك، ياريتني ما خلفتك يا أخي.

ألقي بالمحرمة علي المائدة وأردف:

_ خلفة عار.

ثم ذهب إلي الداخل، فاقتربت هدي من نجلها و ربتت تحميل عليه:

_ ملكش دعوة بكلامه أنت عارف أبوك لما الجنونة بتجيله، روح أغسل إيدك وتعالي كُل عملالك الأكل اللي بتحبه.

أبعد يدها وقال:

_ مش عايز أطفح.

و توجه إلي باب المنزل مرة أخري، صاحت والدته:

_ رايح فين يا ولاه؟

أجاب بتهكم و سخط:

_ رايح في داهية، يمكن جوزك يرتاح مني.

※※※

و في إحدى الحدائق العامة في المدينة، يربت محمد علي يد ابنته التي قالت:

_ تعالي نروح يا بابا، إيه اللي خلاك توافق إني أقابله؟

أجاب والدها:

_ عشان كان لازم تقابليه وتواجهيه وتسمعيها منه وده يرتاح.

أشار لها لدي موضع قلبها، أثرت الصمت وتمسكت بيده كأنها تستمد منه القوة التي تحاول أن ترسمها علي ملامح وجهها الشاحب.

أقبل عليهما ليجدهما في إنتظاره، فكان مُرتدياً نظارة شمسية ليخفي خلفها نظرات الحزن والإنكسار، توقف لدي الطاولة وقال:

_ سلام عليكم يا عم محمد.

و مد يده ليصافحه الآخر مجيباً السلام:

_ وعليكم السلام يا أحمد.

سحب كرسي وجلس يسألهما:

_ تشربوا إيه؟

أجاب الأخر:

_ شكراً يا بني، أنا طلبت لنا وليك عصير ليمون.

كانت شمس تنظر نحو مياه النيل تتفادي النظر إليه، تنهد والدها و قال لكسر توتر الأجواء:

_ بص يا أحمد يابني، أنا كان بإمكاني أرفض المقابلة دي، لكن راحة بنتي عندي أهم حاجة، أنا هاسيبكم تتكلموا علي راحتكم عشان دي هاتكون أخر مرة تشوفها.

نهض وقبل أن يبتعد ربت علي يد ابنته فشعر برجفة وبرودة أناملها، أنحني بالقرب من سمعها:

_ أطمني أنا هاقعد في الطرابيزة اللي وراكي، خليكي قوية.

أعتدل وذهب ليجلس علي مقربة منهما، جاء النادل و وضع أمامهما كأسين من عصير الليمون ثم ذهب إلي محمد بعدما أشار له ليعطيه الكأس الثالثة.

و بعد أن هربت الكلمات من لسانه، تنفس بعمق وأطلق زفرة حتي بدأ يتحدث:

_ عامله إيه؟

رمقته بتعجب وكأن نبت له رأس آخر، فأدركت إنه لم يجد كلمات يتفوه بها، أجابت بسخرية:

_ أسعد واحدة في العالم.

أنتبه لسخريتها من سؤاله فتنهد بنفاذ صبر وقال:

_ أنا عارف اللي بتمري بيه، وإيه اللي بتفكري فيه خصوصاً من ناحيتي، بس أحب أقولك أنا حالي أصعب منك، حطي نفسك في مكاني و أقلبي اللي حصل.

_ أصعب مني؟!، ده علي أساس أنت حصلك اللي حصلي!، أتبهدلت زيي؟!، سيرتك علي كل لسان اللي يسوي و اللي مايسواش؟!

انتهت كلماتها بصيحه، فأمسك بيدها ليسكتها قائلاً:

_ وطي صوتك وأهدي.

جذبت يدها ورمقته شزراً وقالت إليه بتحذير:

_ إياك إيدك تلمس إيدي تاني.

أومأ له وقال:

_ مكنتش أقصد.

_ طيب ياريت تنجز وتقولي كنت عايز تقابلني ليه؟

أبتسم بألم ثم أجاب:

_ عشان أجاوبك علي رسالتك، أنا عارف إن ماما أسلوبها حاد وبالتأكيد عكت الدنيا مع مامتك.

قالت بنبرة هجوم مباغت:

_ مامتك مش هتتكلم كده غير لما تكون واثقة إن دي رغبتك، من أمتي وأنت بتمشي بكلامها!، من غير ماتبرر خلاص عرفت الإجابة، بس ده اسمها عندي ندالة.

قال باستنكار وتحذير:

_ أنا مش ندل يا شمس، و بقولها لك للمرة التانية حطي نفسك مكاني، في كل خطوة أسمع فيها غمز ولمز ونظرات شفقة وتريئة من عيون الناس، أنا كان بإمكاني أروح أمسك الحيوان اللي عامل فيكي كده وأخنقه بإيدي، بس وبعدين، قوليلي هانقدر نكمل في وسط الناس إزاي، ومش هاقدر أستحمل نظراتهم ولو حد أتكلم مش هابطل خناق وضرب في ده وده ونقضيها محاضر، مش هاقدر لو أتجوزنا وكل ما أجي ألمسك أفتكـ…

صمت ليزدرد لعابه، فقالت بصوت مختنق:

_ ما تكمل، قول.

نهضت ورفعت رأسها بشموخ وقالت بنبرة مليئة بالقوة وكبرياء أنثي:

_ أنا بقي اللي بقولها لك، عارف يا أحمد حتي لو كنت هاتكمل معايا، أنا مكنتش هاكمل معاك وكنت بعت أمي ليكم بالشبكة وكل حاجة جبتهالي، عارف ليه لأن كنت منتظرة اللي ياخدلي حقي ويدافع عني مش بابا، كنت منتظره اللي المفروض هابقي مراته وعرضه وشرفه هو اللي ياخد لي حقي، مش يروح يدفن راسه في الرمل زي النعامة و خايف من كلام الناس!، أنت ضعيف وجبان وبحمد ربنا أن اللي حصلي ده كشفك علي حقيقتك أحسن ما كنت علي ذمتك وحصل اللي حصلي وقتها كان كبيرك تطلقني، يا خسارة يا أحمد، كنت في نظري حاجة تانية خالص، بس فعلاً وقت الشدة الكل بيبان علي أصله، روح ربنا يسهلك و يديك علي قد نيتك.

تركته في صدمة من كلماتها وذهبت إلي والدها وقالت:

_ يلا يا بابا نمشي من هنا.

أذعن والدها لرغبتها بعدما رمق أحمد بأسف وخيبة، ثم غادر برفقة ابنته.

_ وبعد وصولهما إلي المنزل، استقبلتهما والدتها بلهفة:

_ عملتوا إيه؟

كاد يجيب عليها فقاطعه صوت ارتطام قوي، فوجدوا ابنتهما وقعت أمام غرفتها مغشي عليها.

google-playkhamsatmostaqltradent