Ads by Google X

رواية كاليندا الفصل الثاني 2 - بقلم ولاء رفعت

الصفحة الرئيسية

  رواية كاليندا كاملة بقلم ولاء رفعت عبر مدونة دليل الروايات 

 رواية كاليندا الفصل الثاني 2

 

كانت في طريقها إلي خارج مبني المركز التعليمي نظرت إلي شاشة هاتفها حيث كانت قد تركته علي الوضع الصامت كما آمرهم المُعلم، وجدت الكثير من الاتصال من أحمد و والدتها، فأجرت الاتصال بوالدتها لتطمأنها إنها قادمة ولكن سوف تذهب إلي أقرب مكتب تصوير المستندات حتي تقوم بتصوير أوراق المراجعة لصديقتها إسراء ثم تذهب لحماها و تتركها لديه.

وقبل أن تنشغل بما ستقدم عليه تذكرت اتصال أحمد أكثر من عشر مرات فقامت بمهاتفته لكن تلقت رسالة مسجلة بأن الرقم غير متاح، عبئت صدرها بالهواء ثم أطلقته زفيراً وهي تنظر إلي الساعة لتجدها السابعة مساءً حيث أسدل الليل سواده المعتم و أصبحت الطرقات هادئة وشبه خالية من المارة، هكذا طبيعة حال أهل القرية بعد صلاة العشاء الكل يذهب إلي منازلهم ويعم السكون وأصوات حفيف أوراق الشجر وصوت صرصور الحقل يصاحبه أصوات الضفادع المزعجة حيث ينتشرون في مجري الترع المائية.

كانت سريعة الخُطي حتي تلحق بمكتب التصوير قبل إغلاقه، وصلت إليه وهي تلتقط أنفاسها قائلة بتهدج:

_ السلام عليكم يا عم سامح، معلش صور لي الملزمة دي نسخة.

أجاب الرجل وهو يرمقها باعتذار:

_ أنا آسف يا شمس يا بنتي والله الحبر بتاع الماكينة لسه خلصان، زي ما أنتي عارفه ده موسم تصوير ملازم وأوراق مراجعة الامتحانات وكان النهاردة عندي ضغط كبير علي المكن لحد ما كل مخزون الحبر الي عندي كله خلص، تعالي لي بكرة بعد الضهر إن شاء الرحمن.

أومأت له وقالت:

_ إن شاء الله.

وذهبت إلي طريق العودة إلي منزلها لكن أستوقفها انقطاع التيار من أعمدة الإنارة في الطريق الرئيسي، تأففت لأنها ستضطر أن تسلك الطريق الآخر الذي تمقته بسبب انتشار المنازل المهجورة القديمة وهيئتها المُرعبة في الليل.

أخذت تردد آيات الله لاسيما آية الكرسي، و تتحاشي النظر إلي تلك المباني المُخيفة، مهلاً هل سمعت للتو صوت خطوات تتبعها!

ألتفتت خلفها لم تري شيئاً ، تردد الصوت مرة أخري فوقفت لتلتفت مرة ثانية فانتفضت بفزع عندما قفزت قطة سوداء من إحدى النوافذ المفتوحة من منزل مهجور، حينها صرخت و استعاذت بالله في نفسها، و بمجرد أن استدارت إلي وجهتها اصطدمت بأخر شخص تتمني رؤيته، وكادت تصرخ لكنه أسرع بوضع كفه علي فمها قائلاً بتهديد:

_ إيه خايفة؟

هزت رأسها وهي تحاول إبعاد يده عن فمها لكنه أمسك كفيها الرقيقين معاً ودفعها إلي جدار من الطوب اللبن ومازال يكمم فاها:

_ كنتي فاكراني بهزر ولا بهرتل بأي كلام لما كنت بهددك المرة اللي فاتت، لاء يا شمس، ده مش أنا، مش حمزة السفوري اللي تيجي علي آخر الزمن حتة بت ملهاش لازمة زيك تعلم عليه، أنا اللي بقول للبنات لاء، وعمري ما واحدة فيهم قالت لي لاء، أنا اللي بقول سمعاني؟

كانت تصدر همهمات لم يفهمها وعينيها تملؤها دموع الخوف والتوسل، أردف بعد أن ترك يدها وأخرج من خلف ظهره مُدية حادة وضعها لدي نحرها:

_ أنا هاشيل أيدي بس و حياة أمي لو صوتي أو عملتي حركة كده ولا كده هتلاقي المطواه الحلوة دي بتشقك نصين، ها؟

أومأت له بهمهمة، فسحب يده وبدأت بالتحدث بصوت مختنق بالبكاء:

_ أنت عايز مني إيه دلوقت!، هو الجواز بالعافية، أنا رفضتك عشان ما بحبكش، ترضي حد يغصبك علي حاجة وتعملها؟

أصدر صوتاً مقيتاً وقال:

_ و أنا ما اتحبش ليه يا بت!، ناقص إيد ولا رجل!، معايا فلوس تشتري عيلتك وعيلة الحيوان المخطوبة ليه.

أجابت وهي تنظر إلي المُدية الموضوعة علي نحرها بحذر و خوف:

_ مش كل حاجة الفلوس يا حمزة، أنا رفضتك بسبب أخلاقك الزفت ما بتحترمش حد و مقضيها صياعة وبلطجة ده غير القرف اللي بتشربه ولا ثانويه عامة اللي كل شويه تسقط فيها واللي قدك خلصوا جيش وبيشتغلوا وبيكسبوا بعرق جبينهم مش زيك عايش علي فلوس أبوك.

ضرب الجدار بقبضته وقال من بين أسنانه:

_ ما هو لو كنتي وافقتي عليا كنت بطلت علي أيديكي، وأديني جيت لك دلوقت وبقولها لك لآخر مرة يا شمس، سيبك من الواد ده وتعالي نتجوز وهخليكي ملكة، هخلي أبويا يبني لينا بيت كبير في المدينة نعيش فيه بعيد عن الكفر والعالم المعفنة اللي هنا.

أبعد السلاح عنها وأخفضه:

_ ها قولتي إيه؟، كلمة واحدة بس هتخليني خاتم في صباعك.

عينيه ذات النظرات المخيفة تحدق بها عن كثب و بترقب شديد، بينما هي كانت كالتي وقعت بين شقي الرُحي لاتعلم ماذا سيفعل بها إذا قالت له لا.

صراع الأنفاس يحتدم وهي كالفريسة بين يدي صيادها، قاطع الأجواء رنين هاتفه، ضيق عينيه بضجر، أخرج هاتفه ولم تبرحها نظراته.

لمحت أسفل قدميها قطعة صخرية صلدة، فكانت فرصتها عندما نظر إلي شاشة هاتفه لتسرع بالإمساك بها و ضربها في رأسه و همت بالركض لكن الحظ لم يحالفها حيث تعثرت في قالب طوب محطم، والآخر يصرخ عليها بزئير جعل جسدها يرتجف، يلق عليها أفظع السباب والشتائم ولم يكتف بذلك بل قام بجذبها من قدميها وهي تقاومه لكن فرق القوة الجسدية بينهما كانت الغلبة له.

سحل جسدها إلي داخل المنزل المهجور وأستعان بإضاءة مصباح هاتفه ثم ألقاه جانباً ،أعتلاها وأخذ يلقنها العديد من الصفعات، جذب حجابها بعنف وانتزعه بطريقة وحشية تحت توسلاتها ومقاومتها التي بدأت تضعف رويداً رويداً.

_ عايزك لما تفوقي تفتكري كل اللي ها يحصلك دلوقت، وبالمناسبة.

نظر إلي هاتفها الذي يظهر من جيب ثوبها، فأخذه و ملامح الشر مُنبلجة علي وجهه الكريه كأنه الشيطان ذاته بل تفوق عليه.

_ مش هانسي أصور اللحظات دي صوت وصورة عشان أبعتها لعريس الغفلة يتفرج علي حرمه المصون وأنا…

صمت و رمقها بنظرة اشتهاء ذئب لفريسته التي خارت قواها وكانت في حالة يرثي لها ما بين اليقظة وفقدان الوعي، وآخر ما تدركه هو صوت انتزاع ثوبها.

※※※

دعاء الكروان يتردد في سماء الليل الحالك ونجوم علي بُعد ملايين الأميال، وبرغم السكون والهدوء الذي يعم المكان، استيقظت زينب من نومها بعد أن شعرت بوخزة في قلبها نظرت إلي ساعة الحائط لتجدها قد تجاوزت الثامنة، نهضت لتذهب إلي غرفة ابنتها وتطمأن عليها لكن مضجعها الشاغر والفراش المُرتبة تدل على إنها لم تعُد حتي هذا الوقت.

تناولت هاتفها لتجري اتصالا لابنتها لكن أعطاها رسالة صوتية غير متاح، هيهات و تذكرت إسراء صديقتها فأجرت عليها الاتصال:

_ ألو يا إسراء أنا خالتك أم شمس، هي معاكي ولا لسه ماخلصتوش؟

أجابت الأخري بعد أن تثائبت:

_ أنا ما روحتش المراجعة يا طنط، وقولت لها لما تخلص تصوري لي الملزمة وهي راجعة، فممكن هتلاقيها أتأخرت بسبب التصوير، أول ما ترجع طمنيني عليها.

_ ماشي يا حبيبتي، أبقي سلميلي علي ماما وبابا وأخوكي، وأنا أول ما ترجع إن شاءالله بالسلامة هخليها تكلمك، مع السلامة.

※※※

وصل إلي منزله و تسحب علي أطراف قدميه حتي وصل إلي غرفته، و دلف إلي الداخل، زفر بأريحية لكن سرعان ما تبددت تلك الراحة إلي الفزع عندما كاد يضغط علي زر الإضاءة ووجد والدته تجلس علي الكرسي ترمقه بحده قائلة:

_ داخل تتسحب زي الحراميه كده ليه؟، طبعاً زي عادتك تلاقيك عامل مصيبة وخايف أبوك يقفشك.

رد عليها بحنق وحده:

_ هي دي حمدالله علي سلامتك يا بني!

نهضت واقتربت منه ثم ضغطت علي زر الإضاءة، كادت تتحدث لكن شهقت عندما رأت جرح رأسه وثيابه الملطخة بالتراب:

_ مين اللي عمل فيك كده؟

ولي لها ظهره، يتهرب من النظر في عينيها مجيباً:

_ دي خناقة ما بين أصحابي وبين شوية عيال كده مالهمش لازمة.

وضعت يديها في خصرها و بتهكم قالت:

_ وطبعاً عملت لي فيها عبده موتة وصاحب صاحبه ودخلت الخناقة، بُص بقي عشان أنا جبت أخري منك، أقسم بالله يا حمزة لو ما بطلتش القرف اللي عايش فيه ده لهقول لأبوك علي كل مصايبك وبلاويك اللي صهينت عليها، وأبقي ساعتها يا حيلتها أبقي أنزل زي الرجالة وأشتغل.

صاح بتمرد وهو يشيح بيديه في وجهها:

_ يوه، هو أنا مش هاخلص من أم الأسطوانة بتاعتك دي، قولت لك أنا حر و راجل أعمل اللي أنا عايزه.

_ لاء يا روح أبوك مش حر طالما بتضر نفسك وهتضرنا معاك، يعني تسوي إيه لما الولية اللي أسمها زينب ديك النهار تيجي تهددني وتدعي علينا في قلب بيتي بسببك، تبقي عايزني أعملك إيه؟!

انبلجت ابتسامة وقحة علي ملامحه فقال:

_ أطمني، عمرها ما هتعمل كده تاني، ده يمكن تلاقيها جايه لك الصبح تبوس رجلك عشان تسامحيها.

نهض متجهاً نحو المرحاض المجاور لغرفته، فأوقفته والدته، تجذبه من ذراعه:

_ قصدك إيه باللي قولته ده يا ولاه؟

مازالت الابتسامة علي وجهه القبيح، فأجاب:

_ هاتعرفي كل حاجة، بس عايزك تعرفي إن إبنك مفيش قوة في الدنيا تقدر تمنعه لو عايز يعمل الي في دماغه، و أدي أخرة الي يتحداني.

※※※

الظلام دامس في الأرجاء لكن هناك بصيص من شعاع القمر يتسلل فتحة سقف المنزل الآيل للسقوط في أي وقت، و هنا في نقطة تلاقي الشعاع علي الأرض يتمدد جسدها بوهن، بدأت في الاستيقاظ والألم يسري في كل أنحاء جسدها لاسيما ألم رأسها، تشعر بخدر وجنتيها من كثرة ما تلقته من الصفعات، رفعت يدها بصعوبة تتحسس وجهها ثم إلي خصلاتها المبعثرة لتعود إليها الذاكرة، وكأن صعقتها الكهرباء حيث انتفضت ونهضت بجذعها لتجد ثوبها ممزق من الأمام وساقيها عاريتان، شهقت ببكاء ونحيب، تجمع بقايا أشلاء ثوبها لتغطي به ساقيها، تلفتت ببصرها من حولها تبحث عن وشاحها حتي رأته مُلقي بعشوائية بجوارها، فأخذته وقامت بنفضه من الغبار ثم شرعت بارتدائه.

نهضت بصعوبة والدموع لم تفارقها وصوت أنين يذبح القلوب من الألم، تبحث مرة أخري عن شيء ما حتي وقعت عينيها علي هاتف ظنت إنه خاصتها فانحنت بوهن والتقطته وقبل أن تغادر لفت أنتباهها بريقاً لتجد مصدره السلسلة التي أهداها إياها شقيقها الصغير، أخذتها و غادرت وهي تجر سيلاً من الأوجاع والآلام، تسير بترنح من شدة الألم الذي تشعر به من أثر الاعتداء المتوحش، تدعو بداخلها أن ما حدث لن يكن سوي كابوساً أو أضغاث أحلام مُزعجة لكن عندما انتابتها قشعريرة جعلتها تحتضن جسدها بزراعيها وكأنها تعانق ذاتها.

غادرت هذا المنزل المشؤم، و سارت نحو الطريق تتمني أن لا تري أي مخلوق حتي لا يفتضح أمرها من هيئتها المُزرية، مع كل خطوة تمزق في القلب و عَبرات تذرفها عيون يملأها الانكسار والهزيمة.

※※※

يفتح باب المنزل وفي يده هاتفه ينظر إلي الشاشة مُنتظراً إجابتها، و بيده الأخرى يحمل حقيبة هدايا.

و قبل أن يدخل في غرفته وجد شقيقته تخرج من غرفتها تقول:

_ حمدالله علي السلامة يا آبيه.

وضع هاتفه في جيبه بسأم وأجاب عليها:

_ الله يسلمك، هي شمس كانت معاكي النهاردة؟

أجابت والتردد ينبلج علي ملامحها خاصة نظرات عينيها:

_ كنا مع بعض بعد الامتحان وقالت لي إنها هاتروح المراجعة وأنا ماقدرتش أروح معاها عشان كنت مطبقه ومنمتش و…

صمتت عندما استشعرت من نظراته وحواسه إنه ينتظر إجابة أخري، فقال لها:

_ شمس ما بتردش من الصبح علي موبايلها لحد ما قفلته بقي لها يجي ساعه أو أكتر، هي زعلانة مني أو فيه حاجه حصلت؟

_ أنا معرفش حاجة، بس طنط زينب لسه مكلماني و بتسألني عنها.

قطب حاجبيه وسألها:

_ هو المفروض المراجعة تخلص الساعة كام؟

_ الساعة سابعة، أصلي طلبت منها تصور لي الملزمة بعد ما تخلص فممكن ده أخرها لحد دلوقت.

زفر بضيق ونظر إلي ساعة يده ثم قال:

_ يارب مايكونوش ناموا.

أوقفته شقيقته و سألته:

_ أنت رايح لها؟

أجاب ويهم بالمغادرة:

_ اه، لو ماما صحيت وسألت عليا قولي لها رايح أقعد معاهم شوية وراجع تاني.

و في منزل عائلة شمس تجول والدتها الردهة ذهاباً وإياباً، تردد بتوسل:

_ جيب العواقب سليمة يارب، رجعها لي بالسلامة يارب.

صمتت وتذكرت تعرض حمزة لابنتها، و أكبر ما تخشاه أنه يكون سبب تأخرها ربما أقترف بها مكروهاً.

انتبهت إلي صوت فتح باب المنزل، لتجده زوجها الذي نظر إليها باستفهام و سألها:

_ مالك فيه إيه، خير؟

أجابت بتردد:

-شمس من وقت ماخرجت ما رجعتش لحد دلوقت وموبايلها مقفول.

_ إزاي؟

صاح زوجها، لكن دخول شمس من الباب الذي كان غير مقُفل، و مظهرها المزرى وثوبها الممزق والمُتسخ ودموعها المنسدلة جعل كليهما و كأن الطير حطت علي رؤوسهم، وقبل أن يتفوه احدهم لها بحرف أسرعت إلي داخل غرفتها و أوصدت الباب من الداخل بالمفتاح.

ركض كليهما يطرقان الباب:

_ شمس، أفتحي يا بنتي إيه اللي حصلك وبهدلك كده يابنتي؟

قالتها والدتها وتدعو الله في قلبها أن يخيب ظنها وحدسها

_ أفتحي يا شمس يا بنتي، إحنا مش هنأذيكي يا قلب أبوكي، طمنينا عليكي يا حبيبتي.

قالها والدها و بداخله وجع يمزق قلبه، يتمني ما أستشفه من مظهرها أن يكون مجرد وهم.

أوقف وصلة توسلاتهم لابنتهم رنين جرس المنزل برغم إن الباب مفتوحاً، ليجدوا الزائر آخر شخص تمنوا وجوده في هذا التوقيت.

أستقبله السيد محمد قائلاً:

_ أهلاً يا أحمد يا بني، أتفضل.

أجاب الأخر مبتسماً :

_ آسف يا عمي علي الإزعاج لو كنت جيت في وقت مش مناسب ومتأخر، بس كنت حابب أطمن علي شمس وأديها هدية عيد ميلادها بنفسي.

أشار له بعد تردد بالدخول:

_ مفيش إزعاج ولا حاجة، أنا لسه راجع من بره كان عندي ورديه زيادة.

خلع نعليه بالخارج ثم دلف إلي ردهة استقبال الضيوف وجلس، جلس حماه مقابله ولكي يلهيه عن أجوائهم سأله:

_ عامل إيه يابني في شغلك؟

_ الحمدلله تمام، مفيش شغل من غير راحة، بس لازم الواحد مننا يعمل الي عليه، كمان داخلين علي فرح ومسئولية.

_ ربنا يقويك ويعينك، ويعدي أيامكم علي خير.

و لدي شمس بداخل غرفتها ما زالت تبكي، تشعر ما تذرفه عينيها ليست بدموع بل دماء.

وأمام باب غرفتها تهمس والدتها حتي لا يصل صوتها إلي الذي يجلس في الخارج

_ أفتحي يا بنتي أبوس إيديكي، خطيبك بره شكله جاي يطمن عليكي.

اخترقت أذنيها كلمة (خطيبك)، كيف وماذا ستخبره؟، و ما الذي ستقوله؟

هل ستخبره بأن هناك مَنْ أقتنص غصباً واقتداراً شرف من ستصبح زوجتك بعد أيام؟!، أم ستقول أنه سيصبح حديث أهل القرية وربما القري المجاورة!، أصابتها الذاكرة للتو وهي تسترجع ما قاله لها هذا الوغد عندما أخبرها سيسجل واقعة اعتدائه عليها بالصوت والصورة ليرسله إلي خطيبها.

انتفضت من مكوثها ويدها تمتد نحو الهاتف الذي ظنته خاصتها، فوجدته هاتف ذلك اللعين، ألقته وكأنه شيئاً مقززاً وألقت فوقه الغطاء، نهضت بثقل تتحمل علي آلامها وذهبت تفتح الباب إلي والدتها التي دلفت علي الفور فارتمت الأخرى بين ذراعيها وأخذت تبكي و تردد:

_ أنا ضعت يا ماما.

أخذت تكررها فعانقتها والدتها بقوة لتمنعها من البكاء وترديد ما تقوله حتي لا يصل صوتها إلي الخارج

_ كفاية يا شمس، كفاية يا بنتي، خلاص.

صاحت بآخر كلمة وهي تعنفها وتهز جسدها بل وهوت علي وجهها بصفعة لإسكاتها، فتوقفت الأخرى عن البكاء والنحيب و رمقت والدتها بنظرة تبكي لها السماء دماءً، نظرة تخبرها أن ابنتك قد انكسرت وماتت من داخلها.

لم تجد زينب سوي جذبها إلي صدرها وتربت عليها قائلة بدموع أم فؤادها مُنفطر:

_ حقك عليا يا ضنايا، حقك عليا يا نور عيني.

وبالخارج قد مل أحمد من انتظارها وخاصة بعدما أخبره حماه بأنه علم من زوجته إن ابنته عادت من الخارج تشعر بالتعب والإرهاق.

نهض وقال:

_ عن إذنك بقي يا عمي و هابقي أجيلها بكرة إن شاء الله نحتفل بعيد ميلادها.

_ البيت بيتك يا بني، تشرف في أي وقت، أبقي سلم لي علي الحاج والحاجة.

_يوصل إن شاء الله.

قالها وذهب نحو باب المنزل استعدادا للمغادرة ثم ألتفت قبل أن يفتح الباب وقال:

_ معلش يا عمي، أتفضل حضرتك أبقي أدي الهدية البسيطة دي لشمس لما تصحي.

ربت محمد علي ذراعه بابتسامة عكس الألم الذي يشعر به من مصير ابنته:

_ ربنا ما يحرمها منك يا بني.

و بعد تبادل السلام غادر الأخر، أتجه محمد إلي غرفة ابنته وقبل أن يطرق الباب و قف متسمراً في مكانه عندما وصل إلي سمعه صوت ابنته وهي تبكي بحرقة وتقول:

_ حمزة السفوري خدني غصب عني في بيت مهجور ونزل فيا ضرب لحد ما أغمي عليا واغتصبني يا ماما.

※※※

أخذت تصفع صدغيها وتصيح:

_ يالهوي، يالهوي، يالهوي، اغتصبتها، يخربيتك يا هدي، ابنك ضاع يا هدي.

صاح هذا البغيض في وجهها قائلاً:

_ ماتهدي ياماه، هو أنا بقولك قتلتها! ، أنا علمت عليها هي والكلب بتاعها اللي ها تتجوزه، يبقي يوريني إزاي هايتجوزها بعد ما علمت له عليها.

_ إيه ياض الجبروت اللي أنت فيه ده؟! ، أنت مستهون باللي عملته؟! ، ضيعت شرف البت المسكينة وكمان بتتباهي بوساختك.

رفع زاوية شفتيه بتهكم:

_ مسكينة!، الله يرحم لما كنتي بتقطعي في فروتها، و علي يدك كنت ومازالت لحد ما قبل أعمل عملتي فيها كنت رايدها في الحلال، لكن هي اللي رفضتني وراحت لحتة الواد المعفن اللي أخره يشتغل صبي عند أبويا في الهايبر بتاعه.

لكمته في صدره وقالت:

_ أنا مكنتش طيقاها ولا طايقه أمها بس عمري ما أتمنيت ليها حاجة زي كده، أنا عندي بنت و الدنيا دواره، مخوفتش لتتردلك فيا ولا في أختك؟

صاح بغضب:

_ ده اللي يفكر يبص لأختي أدبحه ولو نايم في حضن أمه.

_ يالهوي ياهدي علي اللي هيجرالك من تحت راس إبنك الصايع الفاجر، بكرة البلد كلها هتتقلب عليك وعلي أبوك وعلينا كلنا، و يا خوفي لو زينب و محمد خدوا بنتهم وقدموا فيك بلاغ، ده تبقي مصيبة.

ضحك بسخرية وعنجهية قال:

_ يبلغوا عشان بنتهم تتفضح في كل مكان، ما تقلقيش مش هايقدروا يعملوا حاجة، هيخافوا علي سمعة بنتهم، وأظن بعد اللي حصل مش هيعتبوا خطوة بره بيتهم سواء هم ولا جيران الهنا.

أتسعت عينيها ووقفت أمامه:

_ بقولك إيه أنا تعبان وعايز أخد لي دش وأنام، يلا أطلعي برة وخدي الباب في إيدك.

رمقته بنظرات حادة وقاتلة فقالت قبل أن تغادر:

_ ربنا يبعد عنك شيطانك يا ابن بطني.

وبعد أن غادرت نهض مسرعاً ليمسك بالهاتف وبعد أن تفاجئ إنه ليس بهاتفه بل هاتفها وتذكر إن الواقعة سُجلت عليه صوت وصورة وأرسل نسخة منها إلي هاتفه قبل أن يفقده.

ضغط علي جهاز توزيع الأنترنت ثم نقر في الهاتف علي الرقم السري الخاص بجهازه حتي أصبح الهاتف متصل بشبكة الإنترنت، نقر علي علامة برنامج الدردشة الشهير و السرور يملأ محياه عندما وجد آخر دردشة تعود إلي أحمد فقام بفتحها وضغط إرسال فيديو، فأختار مقطع الحادثة الآثمة، وأرفق بأسفله رسالة نصية

(أنا خليتها لا تنفعك ولا تنفع لغيرك يا عريس الغفلة)

ضغط إرسال…

google-playkhamsatmostaqltradent