Ads by Google X

رواية ندوب الهوى الفصل التاسع 9 - بقلم ندا حسن

الصفحة الرئيسية

  رواية ندوب الهوى كاملة بقلم ندا حسن عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية ندوب الهوى الفصل التاسع 9

 “دقت الفرحة باب قلبه ففتح لها بابتسامة خلابة،

وما كان منها إلا أن تستقبل السعادة بسعة صدر”

الفرحة كأنها زُرعت في المكان لا وُجدت، الجميع على وجوههم السعادة الخالصة والفرحة المفرطة التي تتحدث على ملامح وجوههم، الجميع ومن ضمنهم من كانت خائفة منه حتى..

لقد شكرت الله كثيرًا في صلاتها وقيامها ليلًا ونهارًا، حدثت نفسها بالكثير في جلسة صفاء بينها وبين نفسها، تقول أنه لا يريدها وربما فعل ذلك فقط لأجل والده ليس إلا ولكن كان هناك كثير من التلميحات منه ليعلمها باهتمامه بها!.. حتى ولو لم يتحدث بشيء صريح ولكنها تشعُر على الأقل ومن قبل ما حدث!.. وإن كانت هذه مجرد تخيُلات منها فإن الله لن يخذلها مهما حدث..

لقد دعت الله كثيرًا ليجعله لها وحدها وليجعلها من نصيبه هو، ودائمًا كان يقف على لسانها الدعاء ببقائه إن كان خير لها الدعاء برحيله عن قلبها إن كان شر لها..

كانت تدعي بنزعه من قلبها كما لو أنه لم يوجد من الأساس إن كان لا يريدها.. ولكن بعد كل هذا إنه هنا لخطبتها بل لعقد قرآنه عليها!..

إذًا إنه خير بل كل الخير من الله عز وجل، إنها متأكدة أن الله لا يقدم إلينا إلا الخير وتعيش بهذا اليقين داخلها، وقد دعته كثيرًا لتحقيق ما تريده وقد حدث بعد سنوات مسببًا أسباب كان لابد من وجودها لكي يتزوجها..

ابتسمت في النهاية وهي تقف على قدميها لتذهب للوضوء وصلاة المغرب وداخلها مقررة أن تفرح معه وتظهر السعادة عليها مثل الجميع ومثله هو أيضًا إلى أن تتأكد من أنه يريدها حقًا مثلما قال والده وستحاول بكل الطرق تبعد التشتُت عن طريقها..

بينما هو تفكيره لم يكن سوى بها.. لقد شعر أنها تعاني من انفصام ما أو خلل في شخصيتها، لقد حاول من وجهة نظره أن يقدم إليها اعتراف بحبه غير مباشر وداخله يعتقد أنها قد فهمت ولكن تريد المتاعب لنفسها وله قبلها..

مرةٍ تنظر إليه وتبتسم والأخرى لا تنظر من الأساس!.. مرةٍ تُجيب على الهاتف والأخرى لا تُجيب ودائمة السؤال عن ماذا يريد منها وأنه قد يراها فتاة مذنبة بسبب ما فعله “مسعد” معها..

لقد استشعر خجلها منه ومما حدث من “مسعد” أمامه ولكنه يعلم أنها لا ذنب لها في ذلك وأن “مسعد” هو المذنب الوحيد ومازال عليه أن يحاسبه لما فعله بها.. إنه يراها أنقى النساء وأجمل الفتيات، يراها كل شيء جميل وهادئ، يراها كل شيء زهي ومبدع ولكنها لا تدرك ذلك..

داخله قرر عدم تركها نهائيًا حتى لو أنها لم تقتنع بعد بفكرة الزواج القريبة هذه، لقد فهم أن حكمة الله في ما فعله “مسعد” معها هو الزواج منها.. لو لم يكن “مسعد” حاول الاعتداء عليها ثم تحدث في الحارة في اليوم الثاني لم يكن والده تحدث أمام الجميع بأنها خطيبته وجعل الأمور تسير بسرعة البرق..

حتى وإن كان والده مقررًا أنه سيزوجه منها لم يكن يسير الأمر بهذه السرعة بل كان من الممكن أن يأخذ سنة كاملة في الخطبة سيرًا على نهج العادات والتقاليد لديهم..

وقف على قدميه والفرحة تكاد تخرج من عينيه المبتسمة وحدها، ليفتح الخزانة حتى ينظر إلى البدلة التي سيرتديها غدًا في عقد القرآن وتلبيسها الذهب..

❈-❈-❈

وقف “سمير” أمام سور السطح ينظر إلى الخارج وعينيه تدور على الأسطح المجاورة بهدوء وجواره “عبده” وبيد كل منهم كوب من الشاي التي صنعته إليهم “مريم”، تلك الجميلة الرائعة!..

ابتسم “عبده” وهو ينظر إلى السطح خلفه بعد أن قاموا بتزينه بطريقة هادئة وجميلة للغاية حيث قاموا بوضع المقاعد القليلة الذي أتوا بها بجانب بعضها البعض وقد كانوا قليلين للغاية يكفوا فقط للعائلتين وبعض الأشخاص المقربين للغاية منهم..

وتم وضع أمام هذه المقاعد سفرة كبيرة عليها مزهرية جميلة للغاية، ملتف حلو السفرة مقاعدها الكاملة ليجلس عليها العروسان ومعهم المأذون والوكيلان لهم…

وخلف هذه السفرة يوجد الحائط والذي وضع عليه البلالين مختلفة الألوان بطريقة جميلة تجذب العينين إليهم والأضواء البيضاء ومتعددة الألوان تنير السطح بقوة عن الأسطح الأخرى.. لقد قام بفعل كل هذا “سمير” و “عبده” بصفتهم أنهم الأقرب إلى “جاد” ومثل الإخوة ومنذ قليل فقط انتهوا من ذلك وصعدت إليهم “مريم” بالشاي قبل رحيلهم لتبديل ملابسهم حيث أن عقد القرآن والخطبة بعد صلاة العشاء..

وضع “سمير” الكوب فارغ على حافة السور ناظرًا إلى “عبده” بجدية:

-هنزل أغير هدومي واطلع الصب وبعدين أنزل أشوف جاد

وضع “عبده” هو الآخر الكوب فارغ وتحدث مُجيبًا اياه:

-وأنا كمان الحق أغير هدومي واقابل طارق وحمادة

قبل أن يُجيبه “سمير” وجدوا “جاد” يتقدم منهم مُبتسم بسعادة كبيرة ونظرة ائتمان ظهرت لهم بعد أن نظر إلى السطح ورأى ما فعلوه به..

تقدم منهم ووقف في المنتصف بينهم ليربت على ظهر كلًا منهم بقوة وبالأخص “سمير”:

-الله ينور يا رجالة.. نردها في افراحكم إن شاء الله

تأفأف “سمير” وتحدث بضجر وهو يبعد يده عن ظهره بقوة وضيق:

-ياعم كده هتردها في المستشفى شيل ايدك دي

ضيق “جاد” عينيه الرمادية الخلابة ناظرًا إليه بسخرية قائلًا وهو يشير إليه باستهزاء ليضحك “عبده”:

-نايتي أوي يا ابن أبو الدهب

أشار له الآخر بيده ساخرًا منه:

-ياخي اتنيل كده وخليك في خيبتك

تقدم “جاد” ووقف في المنتصف بعد أن أسند ظهره إلى سور السطح وتحدث بابتسامة عريضة ونظرة فخر في عينيه:

-انهي خيبة دي دا أنا بتجوز يعني هاكل لحمة كل يوم

استمع إلى ضحكات الاثنين التي انطلقت عاليًا بعد حديثه الذي فهموا ما المقصود منه ليهتف “عبده” بهدوء:

-الشعب المصري كله كان مفكر كده بردو يا كبير بس لقوا نفسهم فجأة بتوع كشري

ابتسم “جاد” مردفًا وهو يعتدل في وقفته ويستند بمرفقيه خلفه على السور:

-أبلع ريقك يابا الشعب المصري غير جاد أبو الدهب

تهكم “سمير” وهو ينظر إليه عابثًا معه بعد أن غمز إلى “عبده”:

-بكرة نقعد جنب الحيطه ونسمع الزيطة

ربت “جاد”على كتفه بعد أن وقف معتدلًا وهتف بسخرية وتهكم واضح وهو يلوي شفتيه:

-لأ دي كده بقت قعدة ولامؤاخذة… أنا نازل احضر نفسي

ثم أبتعد عنهم يسير متوجهًا إلى الأسفل لكي يجهز نفسه لعقد القرآن وداخله سعادة لا توصف ولا تُحكى، بينما ذهب “عبده” خلفه هو الآخر وبقي “سمير” الذي أخذ الكوبين بيده دون صينية لأنه طلب منها أن تأخذها معها وذهب خلفهم هو الآخر…

❈-❈-❈

بعد صلاة العشاء بقليل كان الجميع على السطح، جلست والدتها وشقيقها ومعهم أهل “جاد” والده ووالدته وعمه وزوجة عمه والدة “سمير” الذين أتوا أخيرًا، كان “سمير” يقف مع “عبده” يحاول تشغيل جهاز مكبر الصوت، وكان “طارق” و “حمادة” أيضًا هنا معهم وبعض الأشخاص القليلة للغاية من الأقارب والجيران لهم..

جلس والده في انتظار أن يذهب “سمير” لإحضار المأذون إلى هنا وهم على اتفاقهم، لقد فرح والده عندما رآه سعيد وأبعد عنه فكرته الغبية التي كانت تلازمة عنها..

حقًا إنه لم يكن يريد هذه الفتاة إلى الوحيد والغالي على قلبه أكثر من نفسه، كان يريد أخرى من اختياره بحسبها ونسبها تشرفة وتأتي بأولاد نسلهم يشرف ويرفع الرأس ولكن ابنه بار به كثيرًا ولا يكسر كلمة له بل يفعل ما يقوله ولو كان سيف على رقبته لذا فكر لماذا سيجعله تعيس طوال حياته!.

تنحى عن فكرته وقرر أنه سيزوجها له مادام هو لا يريد غيرها ولا يهوى غيرها، إن الهوى ليس له حكيم بل هو الحكيم الأول والأخير على نفسه..

بعد أن فعل ذلك أمام أهل الحارة جميعًا ورأى فرحة ابنه بما فعله شعر هو الآخر بالفرحة العارمة والسعادة الغير طبيعية..

هو لا يود إلا أن يراه سعيدًا وها هو قد حقق ما يريد بجعل ابنة الهابط زوجة له..

أما والدته فلم يكن لديها مشكلة معها نهائيًا بل كانت تتمناها له منذ زمن.. تريد “هدير” زوجة لـ “جاد” لتجعله يشعر بالفرحة والراحة الدائمة، لأنه يراها راحته ومملكته التي تمتلئ بالانتصارات وهي الانتصار الأخير الذي يخلفه السعادة الأبدية…

ولم يكن حال عمه وزوجته غير ذلك، بل فرحوا كثيرًا له اعتبارًا أنه ابنهم الآخر مثل “سمير” بالضبط وتمنوا لو يفعل “سمير” مثله..

ذهب “سمير” ليقابل المأذون ويأتي به إلى هنا في حضور “جاد”..

وقف “جاد” أمام المرآة ينظر إلى نفسه بابتسامة رضا وثقة كبيرة، لقد كان يرتدي بنطال أسود اللون يعلوه قميص أسود مثله وجاكت البدله يماثلهم كما الحذاء بالضبط..

نظر إلى خصلات شعره السوداء المخالطة للبني وتأكد من أنه مصفف بعناية، عاد إلى الخلف خطوة وألقى على نفسه نظرة أخيرة وابتسم بهدوء ورزانه وقلبه يدق بعنف وقوة وهو يذهب إلى خارج غرفته ليذهب إليها..

بعد أن خرج من الغرفة ضرب مقدمة رأسه بقوة وهو يستغفر داخله بسخرية على نفسه، لقد جعلته يتناسى كل شيء سوى هي!.. عاد إلى الغرفة وأخذ من على الفراش باقة الورود الحمراء ذات الرائحة العطرية الجميلة التي ابتاعها لها لتكون أول هدية يأتي بها إليها، ورود حمراء بباقة بيضاء كما هي بالضبط تلك البيضاء الرائعة الجميلة بالوجنتين الحمراء بشدة..

لقد كان حقًا غاية في الوسامة والأناقة الشديدة، بلحيته النامية وعينيه الرمادية البراقة، وبروز تفاحة آدم بعنقه يجعله رجل وسيم لا يوجد مثله أبدًا..

هبط إلى الأسفل براحة شديدة وثبات خارجي ولكن داخله لا يعلم ما الذي يحدث من اضطرابات وعنف في دقات قلبه وفرحة مفرطة لا يعلم ما نهايتها…

وصل إلى باب شقتهم ليقف أمامه بثبات خارجي أخذًا نفسٍ عميق وزفره براحة وصوت عالي..

دق باب المنزل، لحظات ووجد الباب يُفتح وتظهر من خلفه شقيقتها الصغرى بمظهرها الطبيعي الخلاب كما حبيبته، ابتسمت بوجهه بسعادة وأشارت له بيدها ليدخل الشقة فدلف بهدوء إلى الصالة وتحدث قائلًا بنبرة رجولية متسائلًا:

-هي خلصت ولا لسه؟..

-خلصت ومستنياك بقالها عشر دقايق

أشارت له بالدخول إلى الغرفة وهي تتقدمه فـ تنحنح وهو على أعتاب الغرفة بصوتٍ خشن لتعلم بوجوده، ولج إلى الداخل ورأى صديقتها تقف جوارها أمام المرآة بعد أن استدارت له مُبتسمة بسعادة وود له ليرد لها الابتسامة بتحفظ ونظر من بعدها إلى مالكة قلبه التي توليه ظهرها وتجلس على المقعد أمام المرآة بزاوية تجعله لا يستطيع رؤية وجهها..

تقدم إلى الداخل إلى أن وصل إليها لتبتعد “رحمة” إلى أعتاب باب الغرفة من الخارج هي و “مريم” لترك مساحة بسيطة لهم، تقدم أكثر منها محاولًا أن ينظر إليها ثم هتف بسخرية مُبتسمًا باتساع:

-هنلعب استغمايه ولا ايه بالظبط

ابتسمت رغم عنها بعد أن استشعرت ابتسامته المُرتسمة على شفتيه واستدارت لتنظر إليه بخجل شديد ثم بعد أن نظرت إليه وقفت على قدميها أمامه لتراه ينظر إليها ببلاهة واضحة على ملامحه..

مُحق في نظرته لها، غاية في الجمال والرقة، لا يوجد لها مثيل ولن يوجد أبدًا، نظر إليها من الأسفل إلى الأعلى وعينيه لا تريد الابتعاد ولو ثانية واحدة، كانت ترتدي فستان أبيض بسيط للغاية تشغله بعض الورود البيضاء عند منطقة الصدر وأكمامه واسعة محكمة عند المعصم وهناك حزام على شكل ورود ملتصقة ببعضها البعض يتوسط خصرها..

يزين وجهها حجاب أحمر اللون وتظهر عينيها العسلية ببريق لامع خلاب سحره من نظرة واحدة، وهذا النمش البسيط الذي يجذبه إليها لا يدري كيف يُشفى منه، انخفض بصره على شفتيها وكاد أن يتخيل كثير من الأشياء ولكن سريعًا عاد إلى رشده متمتمًا بالاستغفار داخله بعد أن اعتصر عينيه وهو يغلقهم بقوة أمامها..

-بسم الله ما شاء الله، تبارك الخلاق

هذا ما ظهر من حركة شفتيه البطيئة، أخفضت نظرها سريعًا بعد أن وجدته أطال النظر عليها، وللحق قد استغلت هي الأخرى الفرصة ناظرة إلى كل انش به، ناظرة إلى جسده الرياضي الضخم بالنسبة إليها، وهذه الأناقة التي يرتسم داخلها، ووسامته القاتلة لها ولمشاعرها.. هل حقًا بعد قليل ستصبح زوجته!… إن الأمر أشبه بالخيال

قدم إليها الورود لتأخذها من يده على استحياء وكأنه كان يدري ما الذي سترتديه فـ آتي بهم، لا تدري أنه أتى بهم لأنهم يشبهونها هي وليست الملابس، نظر إلى الباب وأشار إليها ليتقدموا سويًا للصعود إلى الأعلى بعد أن استمعوا إلى صوت الأغاني الشعبية المزعجة التي قام بتشغيلها “سمير” من المؤكد

سارت “مريم” ومعها “رحمة” أمامهم والتي كانت تطلق الزغاريد دون هوادة وهي تصعد معهم على درج البيت..

وقف الجميع لاستقبالهم عندما استمعوا إلى الزغاريد وتقدم “سمير” ووالدتها ووالدته إليهم والسعادة تنبثق منهن، وكل ما كان حاضر أخذ بالتصفيق الحار لاستقبال العروسين..

دلفوا معهم إلى الداخل بعد أن أخذوا جولة ليست صغيرة من السلامات والمباركات من العائلة والحاضرين جميعًا..

أغلق “سمير” الأغاني إلى أن ينتهوا من عقد القرآن..

جلس المأذون في منتصف الطاولة وعلى الناحيتين له والد “جاد” وشقيق “هدير” وجوار “جمال” جلس “سمير” وعبده” الشهود على العقد والناحية الأخرى جلس “جاد” وجواره “هدير”

بعد أن مر الوقت في كلمات المأذون وسؤاله للاثنين بالموافقة أو الرفض أعلن الانتهاء قائلًا:

-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير

من هنا انطلقت الزغاريد مرة أخرى من الجميع هذه المرة بعد أن آمنوا منه خلفه، والدته ووالدتها، زوجة عمه وصديقتها، كل من كان يحمل في قلبه الفرحة لهم وقف على قدميه يطلق الزغاريد ومن ثم وقف “سمير” ليشعل الجو بالأغاني مرة أخرى بعد أن رحل المأذون..

انحنى مائلًا عليها يهتف بنبرة رجولية والفرحة تتغلغل داخله:

-ألف مبروك، عقبال ما تنوري بيتك

استدارت لتنظر إليه وكانت هذه أول مرة تنظر إليه عن قرب هكذا وترى عينيه الرمادية الخلابة والسعادة التي تتراقص بها، ابتسمت باستغراب شديد واضح عليها وعادت مرة أخرى تسأله دون النظر إلى الجو حولها:

-هو أنتَ بجد فرحان يا جاد؟..

لقد علم أنها فعلًا مُشتته، نظر إليها بشجن وحبٍ خالص قائلًا:

-أنتِ لسه بتسألي!.. للدرجة دى مش باين عليا الفرحة يا هدير

أغمضت عينيها بقوة تعتصرهما بسبب صوت الأغاني المزعجة التي يصفق معها الجميع حولها يظنون أنهم يتحدثون باشياء رومانسية، فتحت عينيها وقالت بصدق خالص ونظرة حنونة ضائعة:

-بالعكس باين عليك الفرحة كأنك مفرحتش قبل كده بس أنا…

ضيق عينيه الرمادية سائلًا باستفهام:

-أنتِ ايه؟

-أنا مش مصدقة

ابتسم بهدوء وفهم ما الذي تمر به غير كل ما حدث سابقًا هو يتفهم ما يدور داخلها الآن:

-وايه اللي يثبتلك إني مبسوط وفرحان وإني عايزك أكتر من إني اتجوزك

نظرت إلى الأرضية بخجل شديد، إنه محق ما الذي يمكن أن يثبت به صدقه وصدق حديثه أكثر من زواجه منها!..

تحدث وهو ينظر إلى الناس أمامه بابتسامة عريضة قائلًا بجدية:

-نفرح النهاردة طيب وبعدين نتكلم

ابتسمت بهدوء ثم نظرت أمامها لتجد والدتها تتقدم منهم ومعها والدته التي كانت تحمل بيدها كيس ذهبي اللون وبه الذهب الخاص بها، وقفوا أمامهم الاثنين ثم قدمت والدته علبة الذهب الكبيرة إليه بعد أن اخرجتها له تطالبه بأن يلبسها إياه وكل هذا تحت عدسات هاتف “مريم” التي كانت تلتقط الصور منذ اللحظة الأولى..

فتح العلبة تحت أعين الجالسين وقام بأخذ الدبلة أول شيء وهو يبتسم إليها بود وهدوء تبادلة إياه مع ابتسامتها، أخذ كف يدها براحة أمام الجميع ليقوم بوضعها لها في إصبعها ولكن مع لمس أصابعه يدها شعر وكأنه لمس سلك عار أشعل جسده بالكامل، ابتلع ما وقف بحلقه بتوتر لتتحرك تفاحة آدم باغراء لها وكم كانت تحب رؤيتها به..

جعلها ترتدي الدبلة ثم خلفها ذلك الخاتم ذو الفص الواحد، ومن بعده ثلاث أساور ثقال في الميزان وانتقل إلى اليد الأخرى ليضع بها خاتم آخر ومعه اسوار واحد فقط يلتف على يدها يأخذ شكل وردة رائعة، وآخر شيء أخذه من العلبة كان السلسال..

طلب منها الإقتراب لتتيح له الفرصة بوضعه حول عنقها وقد تاهت في رائحة عطره الممزوج برجولته لدرجة أنها أغلقت عينيها وهي تستمتع باستنشاق رائحته لأول مرة..

أبتعد للخلف لتفعل المثل بعد أن فتحت عينيها وترك القرط في العلبة مشيرًا إلى والدتها أنه لن يستطيع وضع إياه أمام الحاضرين ورفع الحجاب عنها.. وأخذت العلبة وابتعدت هي ووالدته وظلت “مريم” تأخذ لهم الصور

-الغوايش دي تقيلة أوي… ايدي وجعتني منها

خرجت منه ضحكة رجولية مباغتة بسبب حديثها، حقًا ألمتها يدها في هذه الدقائق!:

-معلش كلها ساعة وهننزل وتخلعيها

نظرت إليه بضيق وانزعاج بسبب ضحكته الغريبة على حديثها:

-على فكرة أنتَ بايخ وخنيق أوي

رفع حاجبيه متحدثًا بنبرة خافتة حادة قليلًا وهو يتسائل:

-ايه ده ايه ده دا أنتِ طلعتي بتعرفي تتكلمي أهو.. طلعتي قطة بتخربش

ابتسمت بسخرية واستحضرت شخصية لا تخرج إلا للضرورة وقالت بصوت جاف:

-لأ مهو هدير اللي أنتَ تعرفها محدش غيرك يعرفها.. بره أنا مش قطة بتخربش أنا راجل بيعض

اتسعت الابتسامة على وجهه ونظر إليها بحب وشجن قائلًا:

-وده المطلوب.. مع أي حد غيري تبقي راجل ومعايا تبقي هدير وبس

أشاحت بوجهها بعيد عنه وهي تبتسم لترى “سمير” وأصدقاءه يقتربون منه يحاولون أخذه ليرقص معهم قليلًا ويفعلون جو حماسي يتذكرونه جيدًا..

وقف معهم على مضض ولم يكن يريد أن يرقص ولكن تحت ضغط “سمير” وقف معه وتقدم إلى الأمام في الفراغ ليرقص هو و “سمير” سويًا وأصدقاءه يلتفون حولهم يصفقون بحرارة جاعلين الجو يشتعل بالحماس والفرحة..

وقف والده وذهب إليه ليقف جواره ويجعله يشعر بأنه راضي عن هذه الزيجة وتوجه عمه خلفه هو الآخر ليقف الجميع معه وهو يرقص ويتمايل بخفه ورزانه بذات الوقت على الموسيقى الشعبية مع ابن عمه وأخيه..

نظر “جمال” على شقيقته التي كانت تجلس تنظر على زوجها بسعادة وفرحة وداخله كان سعيد لأجلها، لأجل تلك الابتسامة التي رُسمت على وجهها بعيد عن أي شيء آخر، إنه رغم كل ما يحدث يحبها! ويجب شقيقته الصغرى ويريد أن يرى الفرحة دائمًا على وجوههم ولكن في كل مرة يفعل العكس وتغلبه نفسه بفعل السوء والضغط عليهم والابتعاد عنهم ليأتي الغريب ويكون هو مكانه، وقف على قدميه وتقدم من باب السطح وهبط إلى الأسفل تاركًا الخطبة دون النظر خلفه حتى، وهذه مرة أخرى تغلبه نفسه ويبتعد دون مجهود منها..

ذهبت “رحمة” وتركت “مريم” الهاتف وتقدموا منها لياخذونها مثلما فعل “جاد” وذهبت معهم والدتها ووالدته ووالدة “رحمة”، وقفت على قدميها وتقدمت معهم إلى مكان فارغ أمام الحاضرين ولكنها امتنعت عن الرقص ووقفت تصفق بيدها لتجذبها والدتها من يدها الاثنين وتجعلها تتمايل معها بسعادة وهي تطلق الزغاريد عاليًا والابتسامة تشق وجهها حقًا..

نظر “جاد” إليها وهو يرقص مع أصدقاءه بطرف عينيه غير قاصد ليراها تقدمت مع النساء وتتمايل بخفه ونعومة أمام الجميع!..

ترك الجميع وابتعد بخفه من وسطهم وتركهم يتراقصون متقدمًا منها بنظرة جادة مُرتسمة على ملامحه، رأته “مريم” يتقدم منهم فابتعدت لتفسح له الطريق..

وجدته في لحظة خاطفة يقف أمامها يميل عليها بعد أن أبتعدت والدتها عنها يهتف بحدة ونظرة جادة:

-مترقصيش

ابتلعت ريقها وأردفت مُجيبة إياه بجدية تنظر داخل عينيه بعمق:

-مرقصتش

ثبت نظرة على عينيها يحدق بها وبادلته هي الأخرى إلى أن توقف صوت الموسيقى فجأة واستمعوا إلى “سمير” يهتف بإسم “مسعد” باستنكار..

استدار “جاد” لينظر ويرى أين هو، وجده يقف جوار مكبرات الصوت ويبدو أنه من أوقف تشغيلها وبيده حقيبه سوداء..

تعمق “جاد” بالنظر إلى داخل عينيه ولكنه لم يكن ينظر إليه بل كان ينظر إلى زوجته التي عندما رأته وضعت يدها على ذراع زوجها تتشبث به تلقائيًا فجذب يدها من عليه وأمسك بكفها مخللًا أصابعه بين أصابعها ضاغطًا عليها بقوة محاولًا أن يجعلها تشعر بالأمان..

ولكنه شعر برجفتها الغريبة، ارتعاش يدها بين يده كما ذلك اليوم المشؤوم، استدار بوجهه ينظر إليها ليرى عينيها مثبته على “مسعد” وداخلها تترقرق الدموع الحبيسة!.. وهو معها!..

تقدم والده من “مسعد” وأردف قائلًا بجدية وهو يسأله بترقب:

-خير إن شاء الله يا مسعد؟..

سار هو الآخر إليه ووقف أمامه ورفع إليه الحقيبة متحدثًا بخبث ونبرة لعوب:

-أنتَ نسيت ولا ايه يا حج!.. مش أنا قولتلك قبل الجمعة هتكون الفلوس عندك وبصراحة ملقتش فرصة أحسن من دي علشان اجي وابارك للاسطى جاد ونصفي اللي بينا

قدم إليه الحقيبة فأخذها منه وقام بفتحها ليتأكد من وجود المال، داخله يعلم أنه لن يغشه وسيضع المال بها ولو طلب أكثر سيعطيه ولكنه أراد التأكد..

تقدم من “جاد” ببرود وعنجهيه وهو يسير إليه لتبتعد هدير إلى الخلف قليلًا ومازالت يدها بيد زوجها..

عانقه “مسعد” وربت على ظهره بخبث ومكر وداخله يخطط لكل شيء خبيث وحقير مثله:

-ألف مبروك يسطا جاد عقبال ليلة الدخلة

تحدث بهذه الكلمات بصوت عالي ليستمع إليها الجميع ثم انتقل إلى الناحية الأخرى وهو يكمل في عناقه الخبيث قائلًا بنبرة خافتة وهو يغمزها بعينيه دون أن يرى أحدًا:

-ولوني كان نفسي ابقى……. ولا بلاش يلا مبروك عليك برنسس الحارة

أبتعد عنه ورفع صوته وهو يعود للخلف:

-نجيلكم في الأفراح دايمًا

غمزها مرة أخرى بعينيه الوقحة دون أن يرى “جاد” ذلك ثم استأذن من الجميع وذهب في لحظات وكأنه ركض!.. لو كان فعل أكثر من ذلك لكان خرج من هنا إلى المشفى فورًا ولم يذهب إلى الطوارئ بل سيدلف إلى العمليات ومن بعدها إلى السماء.. لقد كان يعلم ذلك فبتر حديثه الذي كان يريد قوله إليه، والذي كان خبيث ووقح للغاية..

ضغط “جاد” على يدها بقوة شديدة دون أن يدري وهو يفكر في حديثه الذي بتره دون أن يكمله وفهم ما الذي كان يريد قوله..

اعتصر يدها بين يديه بعصبية وانزعاج شديد، لقد أتى ذلك الحقير ليعكر صفو مزاحة ويرحل..

بينما هي تسارعت دقات قلبها خوفًا منه، لو لم يحاول الإعتداء عليها لكانت فعلت معه ككل مرة وأخرجت الرجل القابع داخلها ناحيته ولكنها الآن تخاف منه أضعاف مضاعفة لما حاول فعله معها لولا تدخل “جاد” في الوقت المناسب

تاوهت بخفه وهي تحاول جذب يدها منه الذي اعتصرها دون أن يدرك، نظر إليها بلهفة بعد أن استمع إلى تاوهها وترك يدها أمام الجميع والذين كانوا يلتزمون الصمت والصدمة تساعدهم بسبب فعلة “مسعد” الغير متوقعة..

أردفت بجدية وهي تنظر إليه والدموع حبيسة داخل عينيها:

-كفاية كده أنا عايزة أنزل

أومأ إليها بهدوء دون أن يحاول معها لاستكمال الليلة فهو قد فهم سبب زيارته الأساسية ولن يستطيع أن يضغط عليها في أي شيء الأن وعليه أن يجلس معها جلسه طويلة لتفهم ما تجهل فهمه وتترجمة داخل عقلها كما يروق لها فقط..

❈-❈-❈

جلستها على السطح هنا وبيدها الكتاب لا تعني أبدًا أنها تهتم لما داخله، بل أنها كانت شاردة وتذهب بعالم آخر مع تفكيرها وما يحدث معها..

وما يشغلها الآن أكثر شيء هو ما حدث بالأمس من “مسعد”!، هي بحياتها لم تكن هكذا مسالمة وخائفة بل كانت دائمًا تتصدى له وتجعله يندم أنه تحدث معها من الأساس، الآن اختلف الأمر كثيرًا بعد شعورها أنه يستطيع فعل أي شيء ومهما كلفه الأمر..

لم تكن تتوقع قديمًا أن يصل به الحال إلى محاولة الاعتداء عليها لذا كانت تستطيع أن توقفه عند حده في كل مرة بينما الآن أصبحت تخاف من رؤيته ونظرة عينيه الشيطانية الحقيرة، تخاف من نظرته إليها التي تشعرها بأنها مجردة من الملابس أمامه..

أصبحت رؤيته بالنسبة إليها ضيق النفس وسحب الأكسجين الموجود بالمكان، ارتعاش جسدها وتكون الدموع بمقلتيها.. تغير كل شيء بيوم وليلة..

رفعت نظرها إلى باب السطح لتجد “جاد” يقف على أعتابه مستندًا عليه بجانبه واضعًا يديه أمام صدره مرتديًا العباءة البيضاء الخاصة بصلاة الجمعة..

رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها فوجدته يعتدل في وقفته ثم تقدم إلى الداخل ليقف أمامها ينحني بجذعه للأمام عليها مستندًا على الطاولة الصغيرة، مردفًا بعتاب:

-ينفع أفضل طول الليل صاحي بحاول أكلمك وأنتِ مش عايزة تردي!..

أغلقت الكتاب ووضعته أمامها على الطاولة، رفعت رأسها إليه لتهتف بهدوء:

-مكنتش قادرة أتكلم مع حد

استغرب حديثها قليلًا فهو كان يود أن يتحدث معها للتخفيف عنها والاطمئنان عليها، قال بجدية شديدة:

-بس أنا مش حد أنا جوزك… يعني اللي هتخبيه عن الناس مش هتخبيه عني

صاحت بحدة لشعورها بأنه يفعل ذلك فقط لتلبيه لفكره وليس لقلبه:

-وأنا مش هتعود على الوضع ده بين يوم وليلة

وقف مستقيمًا أمامها ونظر إليها بجدية ولا يدري ما الذي يحدث داخل عقلها متحدثًا بنبرة رجولية جادة:

-لأ يا هدير لو عايزة تتعودي عليه هتعمليها لو في ساعة حتى

وقفت أمامه بحدة وصاحت بجدية مماثلة له وأشد أيضًا:

-أنتَ مالك في ايه طريقة كلامك عامله ليه كده معايا من امبارح

توسعت عينيه بدهشة واستغراب شديد مما تقوله وتفعله ليتحدث باستغراب:

-نعم!.. هو أنا عملت حاجه أنا بحاول ارضيكي بكل الطرق أنتِ اللي مش راضيه

-والله!.. يعني لما شخط فيا امبارح وقولتلي مترقصيش مع أني مكنتش برقص أصلًا ده اسمه ايه ولما كنت هتكسر ايدي قدام الناس

أبتعد عن الطاولة وتحرك ليتقدم منها ويقف أمامها مباشرةً ناظرًا إلى عينيها العسلية قائلًا بصدق وجدية:

-أولًا أنا مشخطش أنا قولت بيني وبينك لأنك كنتي بتتمايلي مع أمك وانتوا واقفين وأظن إنك شوفتي سمير وعبده وطارق وحمادة وغيرهم يعني مكنش ينفع تعملي كده ثانيًا أنا غصب عني ضغط على إيدك يعني بدون قصد

نظرت إلى الأرضية بخجل ولا تدري ما الذي تتفوه به بعد الآن، هي حقًا لا تدري لما تفعل ذلك! لما لا تريد تصديق أنه يريدها، لما تريد أن تخرب حياتها بيدها وهي لم تبدأ بعد..

أردف هو من جديد بهدوء وهو يتعمق بالنظر داخل عينيها بعد أن رفع وجهها إليه بإصبعه السبابة:

-أنا ممكن أفهم أنتِ عايزه ايه بالظبط

أجابته وهي تشيح وجهها بعيد عنه:

-مش عايزه حاجه

زفر بضيق من تصرفاتها الطفولية وكونها لا تجعله يشعر بطعم الراحة أبدًا:

-لأ عايزه.. وإحنا مش هنرتاح غير لما نتكلم

استدارت له فجأة وسألته بحدة وعينيها تطلق شرار يحذره بالكذب بسبب حرقة قلبها وشعورها بالغيرة المُميتة:

-أنتَ كنت بتخطب يا جاد بنت البرنس صح

-تقريبًا

استنكرت رده قائلة بسخط:

-نعم!

أجابها هذه المرة وهو يعتدل في وقفته أمامها:

-معرفش يا هدير كانت أمي بتدورلي على عروسة فعلًا وكنت هخطب

-اومال إزاي بتقول أنك كنت عايزاني قبل ما مسعد يحاول أنه…..

بترت حديثها ونظرت إلى الأرضية، خجلًا مما مرت به أمامه على يد “مسعد” بينما هو لم يفكر بذلك من الأساس، كل ما أخذ تفكيره أنه لا يريد أن يفصح لها عن رفض والده لها وما السبب خلف ذلك، فإن فعل ستكره والده، على الأقل ستبغضه ولن تحترمه مثل السابق فصمت قليلًا ثم هتف بصوتٍ أجش كاذب:

-هو أنتِ عايزه ايه بالظبط بقى!.. مش المهم إني متنيل معاكي ومتجوزك

نظرت إليه باستغراب متسائلة داخلها هل حقًا هذا تفكيره؟:

-لأ مش ده المهم.. المهم بالنسبة ليا إني أعرف إذا كنت بجد عايزاني ولا لأ

صرخ بصوتٍ عالٍ بسبب كثرة الإجابة على هذا السؤال البغيض الذي يخرج منها كل دقيقة والأخرى:

-قولت بدل المرة عشرة عايزك

نظرت إليه ولم تتحدث فاستدار بعصبية يرحل عن هذا المكان وهتف بحدة وهو يتجه للباب:

-أنا نازل الورشة أريح من الصداع ده

هتفت سريعًا بلهفة وهي تذكره قائلة بصوت ناعم رقيق بعد أن شعرت بانزعاجه الجاد:

-بس النهاردة الجمعة

وقف مكانه واستدار ينظر إليها وعقله لم يعد يعلم ما الذي تريده حقًا، أردف بجدية:

-عندي شوية شغل فيها

نظرت إلى الأرضية بخجل ثم رفعت رأسها مرة أخرى بعد أن ابتلعت ريقها قائلة بتوتر:

-بالليل فرح واحدة معرفة في الحارة هبقى أروح شويه مع رحمة

نظر إليها مُبتسما بود وهدوء لا يعلم من أين أتى الآن ولكن ربما بعد أن رأى توترها وهي تستأذن منه!.. أردف بخشونة قائلًا:

-متتأخريش وخدي بالك من نفسك.. لو اتأخرتي لبعد عشرة كلميني اجي أخدك

ابتسمت إليه هي الأخرى باتساع بعد رؤية نظرته الحنونة التي حرمت منها منذ أن رحل والدها عنها، وكأنها تناست كل ما كانت تهتف وتفكر به منذ قليل لتتمتم داخلها بإسم حبيبي!..

أومأت إليه فابتعد وهبط الدرج ممسكًا بالعباءة رافعًا إياها عن الأرضية وهو يحاول أن يفكر في ما يحدث مع هذه البلهاء الصغيرة التي لا تفقه أي شيء وكل تصرفاتها تناقض بعضها معه..

❈-❈-❈

أخذ “جاد” منه الفتاة الوحيدة التي كانت تتغلغل داخل أعماق قلبه وعقله، بل وكان كامل تفكيره بها، ليلًا ونهارًا، حتى وإن كان مع إحدى زوجاته كان تفكيره يظل مُعلق بمحيرة قلبه ولا يفكر بغيرها..

كان ينتظر اليوم الذي ستوافق فيه بزواجها منه أو لا توافق حتى فيكفي موافقة شقيقها ثم تأتي بعدها موافقتها بما كان سيفعله لأجلها فقط ولأجل عينيها العسلية التي تسكره من نظرة واحدة..

احترق قلبه بعد أن سرقها منه “جاد” وجعلها ملك له هو وحده، يأخذ منها ما يشاء في أي وقت يريد، لقد كانت “برنسس الحارة” كما أطلق عليها، إنها لا تتناسب مع ابن “أبو الدهب” بل كانت تتناسب معه هو، كان سيجعلها شيء آخر غير الذي عرفته عنها..

عاد إلى الخلف بظهر المقعد المتحرك وهو يطلق زفره طويلة تخرج من صدره بحرارة نارية داخله تُكاد أن تحرقه لكنه منعها عن فعل ذلك بتفكيره الشيطاني بها..

بتفكيره الذي دفعه لرسم خطة في رأسه ليجعل “جاد” يبتعد عنها إلى الأبد ولا ترى في طريقها أحد سواه ليكن معها ولن يفعل ذلك إلا برسم سُمعة سيئة للغاية لها أمام الجميع حتى تعود ذليلة إليه تترجاه وتنحني أمام قدميه ليتقبل وجودها في حياته

نظر إلى مدخل محل الهواتف الخاص به وهو يجلس على مكتبه في الداخل ليرى شقيقها “جمال” يدلف إليه، ابتسم داخله بسخرية شديدة على ذلك الأبلة الذي يحركه مثل عروس المريونت بين يديه فقط لأنه يوفر له عمل مشبوه!..

يعلم أن “جمال” شاب كسول وطائش ويفعل أي شيء لأجل الحصول على المال حتى وإن كان يبيع شقيقته إليه دون رضاها ولكن يعلم أيضًا أنه له عودة سريعة وإن شعر أن عائلته تضربها الأمواج يلقي بنفسه ليكون فداء لهم..

جلس “جمال” براحة على المقعد أمام مكتب “مسعد” ليقابله الآخر واضعًا يده أسفل ذقنه وهتف بسخرية وتهكم:

-أهلًا بسي جلجل… اللي ضحك عليا وعملني قرطاس بعد ما خد فلوسي وجوز أخته للمكانيكي

ألقى “جمال” نظرة ساخرة عليه وهو يحرك رأسه يسارًا ويمينًا مُتمتمًا بسخرية مثله:

-بلاش الشويتين دول يا عم مسعد أنا وأنتَ عارفين إن الفلوس اللي باخدها دي علشان الشغل يمكن زيادة حبتين بس بردو شغلي يابا.. وبالنسبة بقى لجوازة أختي فهي مش عايزاك، كرهاك، مش طايقة تبص في سحلتك أعملها ايه؟

تقدم إلى الأمام ضاربًا سطح المكتب بعصبية وهو يصيح به:

-تجبهالي لحد عندي غصب عنها وأنا اخليها تحبني.. اخليها تموت في تراب رجليا بعد العز والنغنغه اللي هوريهالها

أشاح “جمال” وجهه للناحية الأخرى مشيرًا له بلا مبالاة بيده:

-لأ متقلقش مهي هتشوفه أكتر مع الاسطى جاد

وقف “مسعد” على قدميه بعصبية وانزعاج من حديث هذا الأبلة الصغير وأردف قائلًا:

-امشي ياض من هنا يلا… يلا ياض

وقف “جمال” مُبتسمًا باستفزاز وسار للخارج فهتف “مسعد” بحرقة قائلًا:

-خليك عارف البرنسس مش هتشوف يوم حلو مع الميكانيكي الجربان ده وهنغص عليها عيشتها علشان مش مسعد الشباط اللي يتعمل معاه كده… وابقى اسألها أنا كنت هعمل ايه لولا الميكانيكي بتاعها لحقها

لم يعطي “جمال” انتباهه له من الأساس، استمع إلى كامل حديثه ولكنه لم يعلقه داخل رأسه لأنه يعلم أن “مسعد” لا يستطيع التصدي لـ “جاد”..

بينما الآخر دفع بيده كل ما كان أمامه على المكتب في لحظة واحدة وهو يلهث بعنف وغضب عارم، وقف يتطلع إلى الخارج والحقد يغلي داخله مُتمتمًا بحرقة:

-عليا الحرام ما هسيبك يا بنت الـ***

❈-❈-❈

“في المساء”

بعد أن قامت بصلاة العشاء وانتظرت ما يقارب النصف ساعة ارتدت “هدير” فستان يجمع بين اللونين الأبيض والأسود، كان يصل إلى قدميها كما كل الفساتين لديها فضفاض ولا يبرز أي شيء من مفاتنها، تصل أكمامه إلى معصم يدها ويزين وجهها حجاب لونه أبيض وقليل من كحل الأعين الأسود ليس إلا..

وفي هذه الطلة كانت غاية في الجمال والرقة، ملامحها هادئة وجميلة تدعوك للاسترخاء وأنت تنظر إليها..

أخذت حقيبتها السوداء الصغيرة ووضعت بها الهاتف ثم تقدمت من باب الشقة وصاحت قائلة لتستمع إليها شقيقتها بالداخل:

-مريم هاخد الهيلز الأسود بتاعك

-ماشي

رأت والدتها تتقدم منها بجسدها المملوء قليلًا وهي تنظر إليها بحب قائلة بسعادة وفرحة أم ترى ابنتها الجميلة:

-بسم الله ما شاء الله هتتحسدي يا بت يا هدير

ابتسمت الأخرى وهي ترتدي الحذاء مُجيبة إياها بسخرية:

-على ايه بس يا ماما

لوت شفتيها بحركة شعبية وهتفت قائلة وهي ترفع حاجبها:

-على ايه؟.. على الجمال والحلاوة والله دا يا بختوا بيكي جاد

ابتسمت إليها بود ثم وقفت باعتدال بعد أن انتهت وقالت بجدية وهي تضع الحقيبة على إحدى كتفيها:

-أنا ماشية يا ماما

-ماشي يا حبيبتي مع السلامة.. متتأخريش علشان مقلقش عليكي

أومأت إليها ثم خرجت من باب الشقة وأغلقته خلفها فتوجهت بجسدها لتستدير وتذهب إلى الخارج ولكنها تفاجأت به يدلف من باب المنزل هو وابن عمه وضحكاتهم تعلو أمامها..

رأته يرتدي بنطال بيتي أسود يعلوه قميص قطني أسود بنصف كم أيضًا ويرتدي “سمير” شورت جينز يعلوه قميص أسود مثل “جاد” والعرق يتصبب منهم هم الاثنين..

تقدموا إلى الداخل فترك “سمير” “جاد” وصعد إلى الأعلى مبتعدًا عنهم بعد أن ألقى عليها السلام مُبتسمًا بوجهها لتبادله الابتسامة والتحية..

وتذكرت هي أن اليوم الجمعة وكما المعتاد بعد صلاة العشاء في المسجد يذهب هو وابن عمه إلى الصالة الرياضية الموجودة بالحارة ليعتني بجسده قليلًا وليحافظ على وزنه ورشاقته…

ابتسم بوجهها وهو يقف أمامها مباشرةً ناظرًا إليها وإلى جمالها الذي سيؤدي بحياته، أردف سائلًا إياها والابتسامة على وجهه:

-رايحه الفرح؟

أومأت إليه برأسها بهدوء وهي تشبع نظرها منه ومن وسامته التي أصبحت ملك لها.

مرة أخرى يردف باستغراب وجدية:

-اومال فين رحمة

-أنا لسه هعدي عليها ونروح من هناك.. الفرح قريب منها

أبعد خصلات شعره للخلف بيده وهو يهتف بصوتٍ أجش قائلًا:

-طب ادخلي استنيني جوا هغير بسرعة واجي اوصلك

امتنعت عن الفكرة وهي ترفع يدها تشير بها يمينًا ويسارًا مردفة:

-لأ لأ مالوش لازمة أنا هروح لوحدي

أمسك بيدها يضغط عليها وهو يهتف بصوتٍ حازم ثم جعله يذهب للين معها:

-قولت هوصلك وكمان وأنتِ جاية كلميني اجي أخدك ما أنا قاعد فاضي مواريش غيرك

جذبت يدها منه ووضعتها أمام صدرها بتحفظ وحدة وكأنها تود العراك الآن هاتفه بجدية شديدة وهي تتساءل:

-وأنتَ عايز حد تاني ولا حاجه

رفع إحدى حاجبيه بذهول لرؤية غيرتها وانطلقت ضحكته الرجولية التي كرمشت عينيه الرمادية لتتوه في وسامته الجذابة، ثم رأته يتحدث ومازالت آثار الضحكة على وجهه:

-لأ يا وَحش أنتَ كفاية

ابتسمت بسبب ابتسامته الهادئة لها، ومناداته لها بـ الوَحش كدليل على قوتها بعد أن رأى ردها عليه حاد..

-هطلع أغير هدومي أحسن دي كلها عرق.. استنيني جوا خمسة وجاي

أومأت إليه مرة أخرى بهدوء:

-ماشي متتأخرش عليا

داخله أحيانًا يشعر بأنها مجنونة، لقد نشبت معه مشاجرة على السطح في الصباح والآن ودت ولو نشب بينهم عراك آخر ولكن في نفس الوقت تود أن تكون سعيدة وتبادلة الابتسامة، ربما هي فقط مُشتتة..

أردف متهكمًا بسخرية:

-واللهِ مجنونة… بس وَحش

ثم في لحظة خاطفة مال عليها ووضع قبلة سريعة على وجنتها اليمنى اشعرته بحمم بركانية داخل جسده الذي من الأساس يتصبب عرقًا.. سريعًا أبتعد عنها وهو يستغفر بصوتٍ عالٍ أمامها بطريقة مضحكة ثم صعد إلى الأعلى راكضًا..

كل هذا وهي تضع كف يدها على وجنتها تحاول استيعاب ماذا فعل!.. ثم تذكرت هي أنه زوجها!.. ربما نسيت أنه يحق له ذلك؟..

❈-❈-❈

google-playkhamsatmostaqltradent