Ads by Google X

رواية ندوب الهوى الفصل الثاني 2 - بقلم ندا حسن

الصفحة الرئيسية

  رواية ندوب الهوى كاملة بقلم ندا حسن عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية ندوب الهوى الفصل الثاني 2

  

“الغيرة ليست تقيد حرية، بل هي أكبر دليل على الحُب”


اتكأ “جاد” على السور بكفيه وانحنى بجذعه قليلًا، نظر إلى الأسفل ليراه يقف والهاتف على أذنه منتظرها أمام الباب، رفع حاجبه الأيمن وهو ينظر باستنكار لما يحدث في هذا الوقت، نظر إليها بنصف عين وقد كان يريد أن يرى تعابير وجهها إلى ماذا تشير..

أغلقت الهاتف وأنزلته من على أذنها تنظر إليه بتوتر فقد وضعت نفسها بموقف سخيف أمامه، ماذا سيقول الآن بعد أن رأى هذا المشهد ولم تكاد تنهي النقاش معه؟..

أردف بجدية شديدة خرجت منه بنبرة رجولية متسائلًا:

-ايه جابه هنا الواد ده؟

ابتلعت ما بجوفها وهي توزع نظراتها في جميع الاتجاهات تضغط على يدها بشدة لتخفف من حدة توترها الذي كان يزداد:

-نسيت كُتب في العربية وهو جيبهالي

تنفس بعمق وتقدم منها وهو يشير بيده إلى الخلف قاصدًا ذلك الأبلة الذي ينتظر في الأسفل:

-وهو مكانش يعرف يديهم لأخته ولا هو في ايه؟..

دققت النظر بعينيه باستغراب مضيقة ما بين حاجبيها محاولة أن تفهم ما الذي يقصده بذلك السؤال الغير مريح بالنسبة إليها، تحدثت متسائلة بحدة:

-يعني ايه في ايه؟.. تقصد ايه بسؤالك ده؟

أبعد نظره عنها شاعرًا أنه قد تمادى في حديثه وذلك السؤال الذي يشير إلى شيء واحد، ذهب تاركًا إياها خلفه وتحدث وهو يتجه إلى الباب ليذهب إلى الأسفل:

-خليكي هنا هجبلك الكُتب منه ماينفعش تقابليه دلوقتي الناس رايحه وجاية في الشارع

جلست على المقعد بعد أن تركها وذهب تفكر في هذا الوضع الذي وضعت نفسها به، لماذا جعلته يقوم بتوصيلها من الأساس هي لا تفعل ذلك أبدًا، والآن أتى إلى المنزل أمام الحارة بأكملها..

لو لم يكن “جاد” يحضر ذلك الموقف ماذا كانت ستفعل؟. كان من المستحيل أن تخرج له وشقيقها في المنزل فهو يقف على حافة الانتظار ليجعلها تفعل ما يريده ويلقي بها في وادي به ذئب واحد يقتلها في غمضة عين..

-اتفضلي

رأت الكُتب على الطاولة أمامها بعد أن ألقاها “جاد” أمامها بقوة، رفعت عينيها تنظر إليه بخجل وقد أرادت التحدث بعد أن وقفت على قدميها..

لكنه لم يمهلها الفرصة، وجدته يتحدث بضيق وهو يشير إلى الأشياء الذي توجد على الطاولة تخصها قائلًا تلك الكلمات التي قالتها سابقًا وكأنه يرد الصفعة إليها:

-يلا خدي حاجتك وانزلي.. مايصحش حد يشوفنا كده

نظرت إليه بحدة وقد احترق قلبها من هذه الكلمات التي قالها بجدية شديدة ليس بسخرية أو مزاح، أخفضت نظرها عنه، ثم وقفت وأخذت أغراضها بحدة ثم ذهبت من أمامه لتهبط إلى الأسفل دون أن تنظر إليه مرة أخرى..

فعل هو الآخر مثلها، نظر إلى السماء وأخذ نفسًا عميقًا ثم ذهب خلفها ليهبط إلى منزله.

                            ❈-❈-❈

ولج إلى داخل شقتهم ومن ثم إلى غرفته، أزال عنه حذائه وصعد ممددًا على الفراش، وضع يديه الاثنين أسفل رأسه ونظر إلى سقف الغرفة شاردًا في حوار دار بينه وبين والده وقد كان قبله تغمر الفرحة قلبه معتقدًا أن ما يريده سيحدث ولكن ألن يقولوا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؟..

“قبل شهرين”

“ذهب جاد من الورشة في منتصف النهار وترك العاملين بها، متوجهًا إلى أحد محلات الذهب الخاصة بوالده وعمه، كان يعلم أن والده متواجد به الآن..

بعد أن فكر كثيرًا وجد أن عليه التحدث مع والده لكي يأخذ إذنه ورضاه على ما يريد فعله ولم يكن يتوقع ما حدث أبدًا..

سار بثبات وقوة في الحارة وقلبه يبشره بالخير والسعادة ووجهه مبتسمًا لكل من يقابله، حتى “مُسعد”!.. ابتسم لـ “مُسعد” الذي لا يطيقه أبدًا ويعلم أنه أيضًا لا يحبه..

ولج إلى محل والده ملقيًا السلام على العاملين به ومن ثم توجه إلى مكتب والده في الداخل، ألقى عليه السلام ثم جلس على المقعد أمامه مبتسمًا بهدوء..

تحدث والده “رشوان” متسائلًا وهو يشبك يديه على المكتب أمامه مبتسمًا:

-ايه يا عم جاد سر القعدة الغريبة دي

أخفض “جاد” نظره مبتسمًا ثم نظر إلى والده بثبات وهدوء وتحدث قائلًا بنبرة رجولية:

-ولا سر ولا حاجه يا حج

أردف والده مرة أخرى بخبث وفي داخله استنتج ما الذي يريده:

-لأ فيه سر، طلما البشمهندس جاد قالي أنه عايز يتكلم معايا في حاجه مهمة يبقى فيه سر

استدار لينظر إلى والده عن قرب وبوضوح وأردف قائلًا بنبرة هادئة:

-يعني زي ما تقول كده إني فكرت في الموضوع اللي بتزن عليا بيه

وقف والده على قدميه بعد أن استمع إلى كلماته والتي كان يعلمها جيدًا، ظهرت الفرحة عليه بوضوح وذهب ليجلس أمامه على المقعد، وضع يده على فخذه قائلًا بابتسامة عريضة:

-يا ألف نهار أبيض يا عم جاد، ندور على العروسة بقى

-لأ مهو أنا عندي العروسة

ضحك والده بصوتٍ مسموع وتحدث قائلًا بمكر غامزًا له:

-قول كده بقى.. أنت فكرت في الجواز علشان عندك العروسة مش علشان أنا بزن عليك، مين بقى العروسة؟. حد نعرفه؟

ابتسم “جاد” قائلًا بجدية وهو يدقق النظر بعيني والده:

-عز المعرفة

وجد والده مضيقًا ما بين حاجبيه مطالبًا بإجابة ليعرف من هي فهتف قائلًا:

-هدير بنت سامي الهابط الله يرحمه

وقف والده على قدميه في نفس الثانية التي استمع فيها إلى اسم “هدير” ابنة الرجل الذي كان يعمل لديه هو وشقيقه، استغرب “جاد” من تصرف والده الغير متوقع ودق قلبه بعنف ولكن لم يدم هذا الحال طويلًا حيث أنه هتف قائلًا بجدية وحزم:

-لأ.. هجبلك ست ستها لكن البنت دي لأ

وقف “جاد” هو الآخر خلف والده بعد أن أعطاه ظهره متحدثًا بذهول واندهاش من رفض والده الذي لا يوجد له أي أساس:

-ليه يا حج مالها هدير.. أخلاق وأدب وعارفة ربنا والحارة كلها تشهدلها بكده وبعد موت أبوهم أنتَ اللي كملت تربيتهم، ولا أنتَ تعرف حاجه أنا معرفهاش؟

أردف والده مُجيبًا إياه بضيق وانزعاج قائلًا:

-الحق يتقال البنت محترمة والكل يشهدلها وأختها كمان… هو بس أخوهم اللي حاله مايل

ذهب “جاد” ليقف أمام والده يريد مواجهته ليعلم منه لما ذلك الرفض، وقف أمامه متسائلًا بجدية وملامح وجهه معقدة:

-اومال ايه يا حج؟.. رافض ليه

نظر إليه والده بحدة شديدة متحدثًا بحزم وجدية:

-علشان دي متنفعش جاد الله رشوان أبو الدهب، جاد ابني جاي بعد تسع سنين وبقى مهندس قد الدنيا وألف واحدة تتمناه أروح اجوزه واحدة أنا بعطف عليها علشان أبوها كان شغال عندي، كان صبي.. اجوزه واحدة اتمرمطت في المحلات بين الرجالة وهي بتشتغل

أجابه “جاد” بحدة هو الآخر وقد ازعجه حديثه عنها والذي لا يعني له أي شيء وليس له أي أساس غير أنه يزيده شرفًا لتكون زوجته:

-جاد الله رشوان أبو الدهب اختار دي يا حج مش عايز الألف واحدة اللي بتقول عليهم، وبعدين هي أي ذنبها أن أبوها مات وسابهم على الحديدة مهي كانت بتشتغل علشان محدش يمد أيده ويديهم وأنتَ عارف أنها كانت بترفض تاخد منك أي حاجه وأنتَ كنت بتدي الحسنة لأمها من وراها، يعني بنت شريفة ومعاها كرامتها وهي دي اللي أنا عايزاها

نظر إليه والده بغضب وعصبية ولأول مرة يستمع إلى صوت ابنه هكذا يتحدث معه بهذه الحدة والعصبية، فازداد غضبة ورفضه لها، أنه لا يريد هذه لابنه بل يريد أخرى يكن لها حسبها ونسبها ويتشرف بأن يجعلها أم لاحفاده، تحدث قائلًا بجدية ونبرة لا تحتمل النقاش:

-وأنا قولت اللي عندي يا جاد الله.. عايز تتجوز اختار أي واحدة إلا دي، وأنا عارف إنك مش هتعصى أمري لأن ده ابني اللي ربيته”

عاد جاد إلى واقعه مرة أخرى وأبعد نظرة عن سقف الغرفة ثم جلس على الفراش ومسح على وجهه بكف يده، وقف على قدميه وفتح باب الغرفة ليذهب إلى المرحاض…

خرج بعد دقائق منه بعد أن توضأ، دلف غرفته مرة أخرى وأخذ سجادة الصلاة من على المقعد الذي بالغرفة، وضعها على الأرضية باتجاه القبلة ثم وقف ليصلي إلى الله متقربًا منه داعيًا في صلاته بأن يرزقه الله تلك الزوجة التي اختارها قلبه…

جلس على سجادة الصلاة بعد أن أنهى صلاته رافعًا يديه إلى الأعلى يدعي ربه بصوتٍ خافض مُنهك:

-اللهم أنك تعلم ما في خاطري فحققه لي إن كان خير وأنتَ تعلم وأنا لا أعلم، اللهم أجعل قلبي يخفق بحبها دائمًا وأجعلها لي في الدنيا والآخرة

شعر أن عينيه تُدمع وحدها عندما تذكرها، وأتى على خاطرة كم من مرة استمع أن هناك من تقدم لخطبتها، وضع يده على وجهه متحملًا على نفسه مانعًا عينيه من ذرف الدموع، وتحدث بنبرة خافتة داعيًا من داخل قلبه:

-اللهم أجعلها من نصيبي عاجلًا غير أجلًا، اللهم أجعل قلب والدي يرق ناحيتي فلا استطيع تركها ولا استطيع عصيانه، اللهم إني اتيتك عبدًا مذلولًا فلا تردني إلا مجبورًا، اللهم تقبل مني دعائي..

مسح على وجهه بيديه الاثنين ثم وقف ورفع سجادة الصلاة من على الأرضية واضعًا إياها على المقعد مرة أخرى متوجهًا إلى فراشة ليتمدد عليه متمنيًا أن تتحقق دعواته التي يدعوها في كل صلاة..

                            ❈-❈-❈

بعد أن دلفت “هدير” إلى شقتهم ولجت إلى غرفتها أغلقت نافذتها وأزالت عنها حجابها وعباءتها المنزلية الفضفاضة ثم ولجت إلى المرحاض وخرجت منه بعد أن أعادت الوضوء، ذهبت إلى غرفتها مرة أخرى، وارتدت إسدال الصلاة بحجابه، وضعت سجادة الصلاة على الأرضية لتصلي نوافل متقربه بها من الله..

أنهت صلاتها وجلست القرفصاء على سجادة الصلاة تُختم مسبحة على يدها عدة مرات متتالية..

رفعت وجهها إلى الأعلى وأمامه يديها متحدثة وعينيها تريد أن تأتي بما في داخلها:

-يارب، يارب أنتَ اللي عالم بحالي وغني عن سؤالي، يارب ريح قلبي أن كان حبه هيفضل يعذبني… يارب انزع حبه من قلبي أن كنت هبقى من نصيب غيره..

خرجت دموعها بعد تلك الكلمات التي تحدثت بها عن كونها ستكون لغيره من الرجال، هتفت وهي تنتحب ببكاء شديد قائلة:

-يارب مش عايزة غيره جاد الله رشوان أبو الدهب، يارب اكتبني من نصيبه واكتبه من نصيبي… أنا شيفاه من فترة مهتم بيا وشاغله تفكيره وعلى طول حاسه إنه مركز معايا يارب لو اللي في بالي صحيح اديني إشارة عرفني بيها أنه بيحبني..

أزالت دمعاتها بكف يدها وعادت مرة أخرى تدعي قائلة بابتسامة زينت شفتيها ومازالت الدموع تخرج من مقلتيها:

-يارب أنت الغفور الرحيم وأنا عارفه أنك مش هتوجع قلبي وعارفه أن كل شيء بـ أوان، بقالي سنتين بحبه وأنا ساكته وبصاله من بعيد، يارب يحس بوجودي ويريدني ليه زوجة صالحة..

-كلامي مش مترتب ولا عارفة أقول ايه بس كل اللي عايزاه إني أكون من نصيبه، ويكون نصيبي الحلو في الدنيا دي، جاد الله أبو الدهب.

                            ❈-❈-❈

“اليوم التالي”

-بقالة فترة متغير يا رحمة، أنتِ مش فهماني… مش ده جاد اللي أعرفه يعني لما كان بيشوفني كان آخره يسألني اخباري ولو محتاجة حاجه.. دلوقتي بيكلمني بجد.. ومهتم بيا فعلًا، تفتكري أنا بتخيل ولا هو ممكن بيفكر فيا؟.

أنهت كلماتها المقتضبة هذه بسؤال تريد إجابة واضحة عليه لتعلم ما القادم بينها وبينه وما الذي ستفعله

نظرت “رحمة” صديقتها من نافذة الغرفة وقد وجدت أن “جاد” حقًا ينظر إليها من الحين إلى الآخر، هي تعلم أنه رجل متعلم ومهذب لن يفعل شيء في الخفاء وبالأخص لو كان بينه وبين فتاة وإن شعر أنه يريدها سيتقدم لخطبتها في الحال..

عادت بنظرها إلى “هدير”، أردفت بجدية وهدوء قائلة:

-جاد الله معروف في الحارة كلها يا هدير، دا راجل دوغري وأنا من رأي أنه لو حس بحاجه من ناحيتك هيجي يتقدملك طوالي لأنه مش بتاع شمال

أنها تعلم هذا الحديث جيدًا ولا تريد أن يكرره أحد فليس هناك أحد يعلمه أكثر منها ولكن مع ذلك استنكرت حديثها ولم تصل إليها الفكرة التي تريدها:

-يعني ايه؟

ابتسمت “رحمة” ابتسامة بشوشة هادئة وتحدث قائلة بعد أن وضعت يدها على فخذ صديقتها تحاول أن تطمئن قلبها وتنصحها بالخير:

-يعني نستنى يا هدير، استني شوية كده ونشوف مايته ايه عايزك بجد ولا مجرد أنه بيكلمك زي أي حد بس اوعي تقوليله حاجه ولا تتقربي منه

اتسعت عينيها بذهول ودهشة مستغربة من حديث صديقتها وهي تعلم من هي جيدًا، أردفت بجدية وحزم تنفي حديثها:

-لأ طبعًا أنا عارفه حدودي كويس وعارفه ربنا وبحاول على قد ما أقدر ما اغضبش ربنا مني بسبب حبي وتفكيري فيه، أنا بطلبه بالحلال ولو غير كده يبقى لأ وألف لأ

ابتسمت “رحمة” مرة أخرى باتساع وهي تنظر لها فخورة بتفكير صديقتها ومع حبها له المخفي داخلها إلا أنها تحاول إلا تغضب الله بتفكيرها به وتحاول التقرب منه بأي طريقة كانت لتنال رضاه عليها..

وقفت “رحمة” على قدميها بعد أن أخذت حقيبتها من على الأريكة جوارها لتقف “هدير” معها فهتفت قائلة:

-يلا بقى أشوفك بكرة أنا لازم أمشي علشان متأخرش على الشغل

-ماشي يا حبيبتي تعالي اوصلك

خرجت “هدير” وخلفها “رحمة” التي عندما ولجت إلى خارج الغرفة رأت “جمال” شقيق “هدير” يدلف إلى المنزل، رفع نظرة إلى وجهها الأبيض المستدير، عينيها السوداء وشفتيها الوردية، حجابها الأسود الذي يجعلها تبدو جميلة، لم يحرك عينيه من عليها متقدمًا منهم..

نظرت هي سريعًا إلى الأرضية عندما وجدته أطال النظر بوجهها متناسيًا غض البصر كما أمره الله، وسريعًا ودعت صديقتها وخرجت من المنزل تاركه إياه بنظر في أثرها بهيام..

تقدمت منه شقيقته بعد أغلقت الباب خلفها، نظرت إليه بهدوء وقد كانت تود أن تراه من أفضل الناس ولكنه أختار طريق عليه غضب الله وبعض من الصالحين في هذه الحياة، تحدثت بجدية قائلة وهي تضع يدها على كتفه:

-لو عايزها بجد اتغير علشانها، حبك لوحده مش كفاية، اتغير وساعد نفسك قبل أي حد وروحلها وهي مش هتمانع.. الواحدة الأصيلة مش عايزة في الراجل غير قلب يكون بيحبها وأمان تحس بيه وسند ترمي حمولها عليه

نظر إليها نظرة لم تفهم ما هي، لم تفهم إن كانت حزن لحاله أو فرح بكلماتها، لم تفهم إلى الآن ماذا يريد شقيقها من هذه الحياة..

                           ❈-❈-❈

خرجت من المنزل منذ نصف ساعة، تسير في السوق بين بائع خضار وبائع فاكهة لتأتي بما يلزم البيت هذا الأسبوع، مرتدية عباءة سوداء اللون أنيقة وعصرية، بها نقوش ذهبية على مقدمة صدرها ومعصم يدها، فضفاضة قليلًا، مرتدية حجاب ذهبي اللون ولم تضع على وجهها أي من مستحضرات التجميل فقد كانت جميلة دومًا من دونها..

سارت أمام محل “مسعد الشباط” الخاص بالهواتف المحمولة والحاسوب وغير ذلك من الالكترونيات، ومن سوء حظها أنه كان يجلس خارج المحل ليمتع نظره بمن تمر من هنا وهناك، كان رجل لا يعرف طريق الله، لا يغض بصره عن امرأة بل لو كانت محتشمة يعريها هو..

وقف سريعًا عندما وجدها آتية من أمامه ليذهب خلفها وهي تسير قائلًا بنبرة لعوب لم تتحملها يومًا ونظرته نحوها مفهوم ماهي:

-برنسس الحارة في منطقتنا… دا يا ألف أهلًا وسهلًا، هاتي عنك اوصلك

أقترب من يدها حاملة الاكياس ليأخذها منها ولكنها لم تجعله يلمسها، وقفت أمامه وصاحت قائلة بجفاء واشمئزاز واضح:

-مشكرين لافضالك شيلاك للكبيرة

أتجه ليقف أمامه مباشرةً لينظر إليها من الأسفل إلى الأعلى متحدثًا بنبرة خبيثة مقززة فهمتها على الفور:

-آه لو ننول الرضا وناخد الكبيرة اللي في دماغي.. هناكل الشهد سوا يا برنسس

أنهى كلماته ناظرًا إلى شفتيها بهيام، وقد شعرت بـ اشمئزاز وكأنها تريد التقيؤ وهي تراه ينظر إليها هكذا، ولكنها أجابته تصيح بحدة وعصبية وتود لو تجعله يقف عند حده:

-لأ يا مسعد أقف عوج واتكلم عدل، مش أنا اللي يتبصلها كده ولا تقدر تفكر فيا بدماغك الزبالة دي

ينتظر موافقتها منذ الكثير وهي لا تريد، ماذا تعتقد نفسها هذه، ابتسم بداخله مُجيبًا على نفسه بأنها أجمل فتاة في الحارة ويالا حظه لو تزوجها، ضيق ما بين حاجبيه بحنق قائلًا بحدة:

-دماغي الزبالة طلباكي بالحلال وأنتِ اللي مستكبرة علينا وباصه لفوق أوي يا بنت الهابط واللي أنتِ بصاله مش معبرك

ابتلعت ما وقف بحلقها أثر كلماته، هل يعلم عن ماذا يتحدث؟.. أم أنه يلقي حديث هكذا فقط ليضايقها؟.. تساءلت بضيق وعينيها تتحرك عليه:

-تقصد ايه يا مسعد

ابتسم بسخرية ناظرًا إليها بمكر متحدثًا بنبرة خافتة:

-ولا أقصد ولا ماقصدش، اللي عايزك تعرفيه أنك مش هتلاقي واحد عايزك زيي في الحارة ولا شاريكي زيي يا بنت الهابط، وخليكي عارفه إن الشباط بينول اللي هو عايزه مهما كان.. والدور عليكي

ابتسمت إليه هي الأخرى بسخرية مُجيبة عليه وهي رافعة رأسها للأعلى:

-وبنت الهابط بتقولك لو آخر واحد في الدنيا مش هطول مني شعره يا… يا شباط بيه

وزع نظره عليها وعلى ملامح وجهها الشهية والمحبوبة إليه والذي يتشوق للمسها والتقرب منها إلى الحد الذي يريده، أردف بخبث ومكر مرة أخرى:

-بكرة تشوفي شعرك كله رايح فين يا برنسس الحارة

رفعت حاجبها الأيمن ولوت شفتيها بحركة شعبية اعتادت عليها في هذه المواقف وأجابته بطريقة فظة ساخرة قوية بنفس الوقت:

-لو ليك هولع فيه قبل ما تطوله ولا تغمضلي عين

ضحك بقوة في منتصف الطريق وعاد بظهره للخلف وهو ينظر إليها ثم هتف بصوتٍ خافت وهو يقترب منها مرة أخرى:

-عليا الحرام لاناكل الشهد يا برنسس

اشمئزت من طريقته الوقحة والمقززة وقد شعرت بنفور شديد منه وأجابته بقوة وحدة وهي تعلم كلماتها إلى أين تذهب:

-الكلام ده تقوله لـ التلت نساوين اللي في بيتك يا شباط مش لهدير بنت الهابط يا…. يا بتاع الحته بميه

نظرت إليه بتشفي بعد رميها لآخر كلماتها عليه، ثم بصقت على الأرضية جوارها بتقزز وسارت عائدة إلى المنزل مبتعدة عنه ولكن تفكيرها بحديثه لا يزال يعمل، هل يعلم بأمر حبها لـ “جاد” أم ماذا؟. هل أعطاه شقيقها كلمة محددة في زواجها منه ليتحدث بهذه الثقة أم أنه يثق بقدراته أكثر لذلك تحدث بهذا الشكل؟.

                            ❈-❈-❈

كانت تجلس على مائدة الطعام مستديرة الشكل التي توضع على الأرضية والجميع ملتف حولها معها..

نظرت إلى شقيقها “جمال” بشك وهي تضع الملعقة الحاملة الأرز بفمها وكلمات “مسعد” تتردد داخل أذنها وكم كان واثقًا من حديثه..

تعلم أنها إذا استسلمت له سيفعل بها ما يحلو له كما يفعل بثلاث نساء متزوج منهن، وكيف لها أن تفكر بالزواج من رجل متزوج غيرها..

التفكير في هذا الأمر وفي “مسعد” شخصيًا يجعلها تشعر بـ الاشمئزاز حقًا، بينما لو كانت تفكر بـ “جاد” يختلف الأمر كليًا وتذهر وجنتيها بالحمرة وتزين شفتيها الابتسامة..

استغفرت الله داخلها من هذه الأفكار السخيفة التي بداخل عقلها ثم وقفت على قدميها متوجهة إلى المرحاض فتحدثت والدتها قائلة بحنان:

-ما تكملي أكلك يا هدير أنتِ رايحه فين

ابتسمت لها بهدوء وأجابتها قائلة:

-شبعت الحمدلله يا ماما هتوضا وأصلي العصر

ثم فجأة استمعوا إلى أصوات صاخبة لجمع في الخارج واستغرب الجميع من هذه الأصوات الذي أتت فجأة هكذا من العدم، وقفت “مريم” سريعًا أخذه حجابها من على الأريكة بالصالة وتقدمت إلى غرفة “هدير” وفتحت النافذة لتلقي نظرة على الذي يحدث في الخارج..

-ده جاد أبو الدهب بيتخانق مع مسعد الشباط

صرخت “هدير” مستنكرة ما استمعت إليه وهي تعلم بطش “مسعد” وحيلة هو ورجالة وتعلم احترام “جاد” وأتباعه للقيم والأخلاق:

-ايه؟..

وقف شقيقهم وذهب إلى خارج المنزل سريعًا ليرى ما الذي يحدث بينما هي دلفت إلى غرفة شقيقتها “مريم” لتأتي بحجاب سريعًا تضعة على رأسها لأن نافذة غرفتها مفتوحة ويرى كل من هم بالخارج الغرفة وما بداخلها..

                                

google-playkhamsatmostaqltradent