رواية ندوب الهوى الفصل الثامن و العشرون 28 - بقلم ندا حسن

الصفحة الرئيسية

  رواية ندوب الهوى كاملة بقلم ندا حسن عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية ندوب الهوى الفصل الثامن و العشرون 28

 فراق مرة أخرى؟
هل استمع إلى ما قالته بشكل صحيح؟ هل قالت أنها حامل! تحمل داخل أحشائها طفل لها وله؟ هل قالت هذا أم لأ؟..
نظر إليها بعينين مُتسعة بقوة والصدمة وقعت فوق رأسه جعلته لا يستطيع أن يفعل أي شيء سوى النظر إليها بعمق شديد منتظرًا منها أن تكمل أو أن تقوم بفعل أي شيء يخرجه عن صمته..
رفع حاجبيه للأعلى دون حديث وحرك عينيه بحركة تعرفها دليل على أنه يريد تأكيد الحديث مرة أخرى لكي يستوعب أنه صحيح..
تقدمت بهدوء منه ووقفت أمامه وهو جالس على الفراش يرفع رأسه لينظر إليها بتركيز واستمع إليها تهتف بنبرة خافتة ووجهها يبتسم بهدوء:
-أنا حامل يا جاد
أخفض وجهه إلى الأرضية ووضع كف يده على جبينه يمسح عليه بقوة، هذا صحيح! لقد أكدت حديثها، أنها حامل، تحمل طفل داخلها منه هو! سيكون والده! إنه سيكون أب عن قريب..
سيتحقق حلمه البعيد صعب المنال الذي تأخر عنه، ولكنه لم ييأس وعلم أنه له وقت وميعاد يأتي به مقدر له من الله..
لقد كان هذا أكثر شيء يريده.. أكثر وأول شيء يريده من الدنيا بعد وجوده مع زوجته وحبيبته، يريد ولدًا منه ومنها يحمل جمالها وصفاتها الرقيقة يكن له السند والعون في الحياة..
قلبه يدق بعنف شديد ووجهه أصبح يتصبب عرقًا وهو للتو خارج من المرحاض بعد أن استحم، يشعر أن الجو حار كثيرًا وقلبه يزيد عليه الضغط بهذه السرعة التي يخفق بها..
من الأساس لما هذا الشعور الغريب والحركات الأغرب التي تصدر من جسده دون قصد.. ما هذا الشعور وما هذه الرغبة المُلحة في ظهور دموع عينيه..
لقد كان حلم بعيد وأكثر ما تمناه ولكن ليس لدرجة البكاء، ما هذا الضعف، ولما لا يستطيع تحديد كلمات أو أي شيء يقوله أو يفعله.. لما هو هكذا!..
تغلب على نفسه ورفع بصره إليها مرة أخرى ينظر إلى عينيها المنتظرة منه أي رد فعل بعد أن قالت له خبر سعيد مثل هذا، ثم بعد رفعة رأسه وقف بجسده أمامها ومسح على وجهه بكف يده ثم تحدث بخفوت ونظرة مترقبة منتظرة التأكيد الأكبر:
-بجد؟ يعني بجد أنتِ حامل؟
أومأت برأسها عدة مرات مُبتسمة تؤكد له ما يريد التأكيد منه كي يبتسم للحياة مرة أخرى ويتناسى معها كل ما مر عليهم من حزن وقهر، أقترب منها للغاية مقدمًا يده اليمنى واضعًا إياها على بطنها ناظرًا إليها ثم صعد بعينيه مرة أخرى لعسليتها قائلًا بحبٍ:
-في هنا نونو
مرة أخرى تومأ له بعد أن اتسعت ابتسامتها وظهرت أسنانها البيضاء من بين شفتيها الوردية..
على حين غرة ودون تفكير مسبق منه وجد نفسه بكل قوة يمد يده الاثنين إلى خصرها مقتربًا منها للغاية ممسكًا إياها بأحكام رافعها بقوة يقوم بالدوران بها حول نفسه وهو يبتسم بسعادة كبيرة غامرة ممزقة لاشلاءه من كثرة الفرحة..
حاوطت عنقه بيدها الاثنين وهي تتمسك به جيدًا بعدما شعرت بأن قدميها تُرفع في الهواء وكامل جسدها يدور معه بخفه وسعادة لا توصف، أصدرت ضحكات عالية رنانة بصوتها الجميل والمحبب إلى أذنه، مقررًا هو وهي مع بعضهم البعض أن ينعمون بهذه السعادة لبعض اللحظات.. اللحظات فقط!..
وقف ثابتًا مرة واحدة ثم بهدوء أخفضها إلى الأرضية ولكنها لم تبتعد ولم تنظر إليه، لم تحرك يدها المعانقه إياه بل بقيت كما هي تحاوط عنقه بيدها الاثنين وأقتربت منه تضع رأسها على صدره تلهث بعنف وقوة مُبتسمة بسعادة..
قربها إليه أكثر وهو يعانق خصرها قائلًا بنبرة فرحة صاخبة بالحب والحياة:
-ياه يا هدير.. من زمان أوي وأنا نفسي أسمع الكلمتين دول
شدد على عناقها مُكملًا بحماس وشغف حضر إليه في لحظاته الأولى ليكن معه منذ البداية:
-ألف مبروك يا وَحش
أجابته ومازالت كما هي تحاوط عنقه تقترب منه ولم تبتعد قائلة بود ونبرة لينه رقيقة:
-الله يبارك فيك يا حبيبي
رفع إحدى يديه المحاوطه إياها إلى خصلات شعرها يتلمسها بحنان خالص ويستنشق عبيرها بحب كبير لا مثيل له، ثم أردف مُتسائلّا ومازالت الابتسامة على شفتيه:
-عرفتي امتى؟
وقع هذا السؤال على مسامعها ثم هوى قلبها بخوف خلفه، لم تتوقع أن يسأل ولم تفكر في الإجابة، ما الذي ستقوله؟ تخبره بالحقيقة وتبدأ معه صفحة غير الأخرى المليئة بالكتمان أم تخفي هذا وسيكون آخر شيء!، عادت للخلف ثم نظرت إليه بعينين خائفة وقد ظهر عليها هذا:
-من عشر أيام
لم يستوعب أنها تكن علمت منذ عشرة أيام ولم تخبره فعاد مرة أخرى يقول باستغراب ينظر إلى عينيها بقوة:
-هو ايه اللي مش عشر أيام
أنزلت يدها الاثنين من حول عنقه ووقفت أمامه ثابتة فقط تنظر إلى عينيه بخوف وصدق ورهبة داخلها من أن تسوء الأمور بينهم مرة أخرى:
-عرفت إني حامل من عشر أيام
أخفض يده الاثنين من عليها ووقف هو الآخر ثابت مذهولًا يبادلها النظرات المصدومه مما هتفت به، كيف لها أن تكون تعلم منذ هذه المدة وهو الآن فقط يعلم؟ أليس له الحق فيه مثلها!، تسائل مرة أخرى باستغراب أكبر من السابق قائلًا بنبرة خشنة:
-يعني ايه من عشر أيام؟، وأنا ليه معرفش غير دلوقتي
وجدها تنظر إليه بصمت، ربما تفكر الآن لما قد فلت منها لسانها وهتفت بالحقيقة، كان من المفترض أن تبدأ هي بالجديد وتلقي بكل ما حدث في الماضي بعيدًا، لم تُجيب عليه وتنظر إليه فقط نظرة لم يفهم ما هي؟ معاتبة! خائفة! حزينة! لما تغيرت الآن:
-مالك يا هدير ما تردي؟ بقولك ليه مقولتيش
-كنت خايفة
ضيق ما بين حاجبيه وإلى الآن لم يفهم أي مما تقوله، ليقوم هو بالسؤال مرة أخرى:
-خايفة من ايه يا هدير؟ هو ده حاجه تخوف؟ أنتِ مش عارفه أنا مستنى الخبر ده من امتى؟ مش عارفة إزاي دا أنتِ أكتر واحدة عارفة
عادت للخلف خطوتين تدير ظهرها إليه قائلة بسرعة وخوف وداخلها تود لو تعود بها الأيام فالندم الآن لا يفيدها:
-كنت خايفة تبعد عني وتسيبني يا جاد
تقدم هو ما ابتعدته وجذبها من ذراعها إليه بقوة لتستدير كما كانت وتجعله يفهم ما الذي تقوله دون داعي:
-اسيبك إزاي؟ أنتِ مجنونة يا هدير ولا ايه.. ما تفهميني ايه اللي بيحصل
اخفضت بصرها في الأرضية وتمسكت بيدها تقوم بالضغط عليها بقوة عائدة إلى تلك الحركة من جديد ثم رفعت نظرها إليه قائلة بقوة محاولة التحلي بالشجاعة:
-أنا هقولك كل حاجه بس بالله عليك يا جاد تفهمني وماتحكمش عليا بسبب غلطة زي دي
أتى بآخر ما عنده، صاح بقوة بعد أن أخذت كل الصبر الذي داخله وشوشت عقله بحديث ليس له داعي من الأساس وهو لا يفهمه:
-غلطة ايه وبتاع ايه ما تتكلمي يا هدير الله
ضغطت على يدها بقوة وشعرت أن قدميها ترتجف، فهي على وشك الإعتراف بأكبر خطأ ارتكبته في حق نفسها وزوجها خصوصًا بعد أن علمت أنه بريء من كل ما تخيلته، تقدمت تجلس على الفراش فاستدار بجسده معها ليكن مقابلًا لها:
-أنا عرفت إني حامل من عشر أيام يا جاد.. محبتش أنك تعرف غير لما أتأكد لأن ساعات بيبقى فيه غلط فمكنتش عايزة اعشمك
بطيئة وتسرد إليه ببطء فتحدث مشيرًا بيده يحثها على التكملة بعصبية:
-ها كملي
تكونت الدموع بعينيها مما أدهشه وجعله يشعر بالذهول منها ومن تصرفاتها ولكن عندما استمع إلى صوتها الخافت المتقطع بدأ في الفهم لما هي هكذا:
-لما روحت مع مريم كشفت أنا كمان واتاكدت إني حامل.. كنت فرحانه أوي والله العظيم وكنت عايزة اشوفك لما تسمع الخبر، كان نفسي أشوف رد فعلك زي دلوقتي، كان نفسي أشوف الفرحة عليك.. أنا مكنتش فرحانة ليا قد ما فرحانة ليك لأن اللي نفسك فيه خلاص اتحقق
خرجت دموع عينيها على وجنتيها وثقل حديثها أكثر وهو مازال ينظر إليها بصمت يود فهم ما الذي حدث وما الذي فعلته ولا يود أن يكون ما توصل إليه:
-كنت خلاص هقولك والفرحة مش سيعاني بس أنتَ سرقت مني الفرحة دي يا جاد
أشار إلى نفسه بذهول وصدمة متسائلًا باستنكار:
-أنا؟..
رفعت نظرها إليه بقوة وهي تبكي بغزارة دون صوت قائلة بتأكيد:
-أيوه أنتَ… خبيت عني أنك لسه على تواصل مع كاميليا بل بالعكس قولتلي أنك قطعت معاها خالص بس لما قومت تفتح الباب وصلك رسايل منها فيها المكان اللي هتتقابلوا فيه وغيره.. عقلي فكر في حاجات كتير بشعة ومن غير إرادة مني شوفت المكالمات ولقيتك مكلمها بعد ما نزلت من عندي يا جاد… سألتك وانكرت يعني بتكدب عليا وبدل ما كنت هقولك إني حامل قولتلك بس على مريم
تذكر!.. تذكر ذلك اليوم وتلك اللحظات عندما كانت غاية في الرقة والدلال والسعادة كانت من كل جانب عليهما وهي من بدأت بذلك ثم دون سابق إنذار تحولت مئة وثمانون درجة وكأنها إمرأة أخرى غير الذي كان يجلس معها ومن بعدها بقيت على هذا الحال بعيدة عنه ولا تريد الإقتراب منه أبدًا ولا تطيل معه الحديث وكثيرًا حاول معها ولكنها ترفض بشدة..
إذًا كل ما حدث فقط لأجل أنها رأت الرسائل والمكالمة، ولكن الرسائل لم تكن مقروءة.. مؤكد قراتها من الخارج، لها كامل الحق في أن تحزن وتشعر بالغصب والغيرة وكل شيء ولكن إن تخفي عنه أنها حامل!.. أليس هذا صعب!..
يتذكر أيضًا كيف أخبرته أن شقيقتها حامل، بطريقة لم يفهمها، بحدة وقوة ونظرتها ثابتة وألقت الكلمات عليه دون سابق إنذار، يتذكر ذلك جيدًا وفهم الآن ما المغذى منه..
وقف أمامها ناظرًا إليها بضعف انتقل إليه عبر النظرات المتبادلة بينهم يتسائل بقلة حيلة وما وصل إليه قاتل ودون رحمة:
-وقولتلي مريم حامل وقتها بالطريقة الناشفة دي علشان توجعيني! علشان اتوجع أن سمير مراته حامل وأنا لأ مع أن نفسي في عيل من زمان حتى من قبل ما اتجوزك وأنا منايا أشوف عيل ليا
وقفت على قدميها سريعًا تتمسك بيده قائلة بضعف وعينيها تذرف الدموع دون توقف نافية ما فكر به وما هتفه:
-أقسملك بالله أبدًا.. اوجعك؟ أنا اوجعك يا جاد، دا أنا أموت فداك والله العظيم، عمري والله يا جاد ما أفكر في وجعك دا بيبقى ليا الضعف.. أنتَ إزاي تقول كده
جذب يده منها متحدثًا بحدة وهو ينظر إليها شاعرًا بأنها طعنته داخل قلبه دون رحمة:
-وهي تتفهم إزاي غير كده؟ ها تتفهم إزاي، لحد امبارح وقبل لحظة مكنتش مدي للموضوع أهمية أصلًا ولا افتكره بس أنتِ اللي فكرتيني بيه وأنتِ فعلًا كنتي قاصدة إنك تقولي بالطريقة دي علشان توجعيني
اتسعت عينيها وازدادت في البكاء وهي تراه يتفهم الأمر بطريقة خاطئة تزيده سوء وتعقيدًا:

-والله العظيم أبدًا بقولك مقدرش اوجعك.. أنا اللي بتوجع يا جاد مش أنتَ
حركً عينيه على كامل وجهها ناظرًا إلى بكائها بقوة متسائلًا بجدية ونبرة حادة:
-وكنتي ناوية تخبي عليا لحد امتى
أجابته بقوة هذه المرة وقلبها يتذكر قبل عقلها تلك النيران التي كانت تشتغل داخله غيرة وحزن منه وعليه:
-لحد ما أفهم ايه اللي كان بيحصل من ورايا
صرخ “جاد” بعنف فجأةً وهو يبتعد للخلف:
-بردو بتقولي من ورايا؟
أقتربت ببطء ورفعت يدها تضم أصابعها أمامه تبكي بحرقة وها قد عاد من الموت لتدلف معه إلى موت أشد منه:
-أفهمني يا جاد.. أفهمني شوية أنا سألتك وأنتَ كدبت عليا مع إن أنتَ اللي مكلمها مش هي وليه على تواصل معاها ومن ورايا يا جاد أنا انصدمت وده أقل واجب.. جوزي اللي مش بيخبي عني حاجه اللي بيحبني مرة واحدة اتغير معايا كده وبيكلم واحدة من دون أي أسباب مقنعة وبيكدب عليا وهي أصلًا ست مش سالكة.. معرفتش أنا أعمل ايه والله يا جاد بس كنت حزينة والقهرة كانت هتموتني..
أقتربت ووضعت يدها على ذراعه تبكي بقوة أكبر مُكملة:
-كنت خايفة وزعلانه وحاسه بحاجات كتيرة مش عارفة اشرحهالك بس فكر فيا أنا وحط نفسك مكاني، كنت بقوم بالليل كام مرة علشان أبص عليك واتاكد إنك نايم جنبي… جاد أنا كنت مرعوبة
ابتسم بسخرية محركًا شفتيه بذهول وهو يقول ويصطنع الابتسام:
-يعني كمان بتشكي فيا

نفت حديثه بكامل قوتها وهي تشير بيدها بالنفي:
-لأ والله عمري ما شكيت فيك.. أنا بثق فيك أكتر من نفسي بس أنا مكنتش واثقة فيها هي.. مكنتش حاسة بالأمان من ناحيتها وكلامي طلع صح يا جاد
نظر إليها يتعمق في عسليتها الباكية، ورمادية عينيه ودت لو بكت مثلها، نظر إلى كل ما قالته بعينيه مرة أخرى ولم يريد أن يستمعه، أردف بنبرة خافتة منكسرة:
-أنتِ أكتر واحدة عارفه قد ايه أنا نفسي أخلف، وأكتر واحدة عارفه قد ايه أنا بحبك ولو خيروني بين نفسي وبينك هختارك أنتِ.. عارف أنك معاكي حق تغيري عليا وتزعلي مني لما كدبت عليكي وتفكري في حاجات كتير وأنا عارف عقلك مايتوصاش.. اسمحلك بكل ده عادي مفيش مشكلة
صمت قليلًا وأخفض بصره للأرضية ثم رفع عينيه مرة أخرى ووضع يديه الاثنين داخل جيب بنطاله ووقف شامخًا لا يدري كيف فعلها وتحدث بصوت عاري من كل شيء ويوضح أكثر ما به وهو العتاب:
-لكن أنك تشكي فيا وتخبي عني حملك! بأمانة ده صعب.. مع إني قولتلك قبل كده إن عمري ما أبص لواحدة غيرك ومش علشانك كمان أنا أصلًا عمري ما عيني اترفعت في واحدة يا هدير.. وعمرها ما هتحصل بس إزاي أنا بخونك!..
-بس الخيانة الحقيقية بقى هو اللي عملتيه إنك تخبي عني حاجه من حقي زي ما هي من حقك ده اللي اسمه خيانة ومش هسامح فيه يا هدير
تقدم إلى الفراش يخرج يده من جيبه أخذًا القميص الخاص به لكي يرتديه قائلًا بجدية وهو يتجه للخارج مرة أخرى:
-البسي يلا في ناس مستنيانا
خرج من الغرفة وجذب الباب خلفه بقوة مصدرًا صوتًا عاليًا وغرضه الأول من ذلك ألا تخرج خلفه لأنه الآن لا يريد أن يتحدث في هذا الأمر حتى لا يحدث أشياء لا يريدها..
ترك لها الغرفة وخرج يرتدي قميصه في الصالة ضاغطًا على أعصابه التالفة من الأساس والتي تقف على المحك وتريد الإنفجار في الجميع لكي ترتاح بعد هذا العذاب..
لم يكن يعتقد أنها تفعل به هذا، حامل منه وبطفل له وتخفي عليه وهي تعلم أنه يريد ذلك أكثر من أي شيء آخر، تشكك به وبأخلاقه وبحبه لها، تمحي الثقة التي بينهما هكذا في لمح البصر..
لقد كذب عليها لن ينكر ذلك مهما حدث ولها الحق في الحزن والإبتعاد والغيرة وغيرهم ولكن أن تفعل به هذا!..
ذهب إلى النيابة وتعرض لأمر ليس له به يد وتقدمت إليه هناك وتحدثت معه عن كثير من الأمور وحتى لم تكلف خاطرها بقول أنها حامل لتعطي له أي أمل ولتخفف عن نفسها ما فعلته..
لقد قال لها كل شيء حقًا لما هي لم تقول له!..
لقد قهرت قلبه ومزقت روحه إلى أشلاء بعد أن فهم أنها لا تثق به بل تشكك بكل ما يقدمه منذ دلوف هذه المرأة الغبية الكريهة التي إلى حياتهم عن طريق مساعدة نبيلة منه..
الأمر لن يمر هكذا على قلبه وعقله.. لن يمر بهذه السهولة.. عقله سيُجن!..
وهي بالداخل لم تستمع إلى حديثه بل جلست على الأرضية بعد خروجه تخرج كل ما داخلها من بكاء والندم يتأكل قلبها وعقلها، لما فعلت به ذلك؟.. لما؟
ولكنها أيضًا ليست مذنبة لقد شعرت بالصدمة في ذلك الوقت وهو من عليه العتاب لأنه كذب عليها، هو من عليه العتاب لأنه من فعل كل هذا دون أن يخبرها!
تبكي لأن كلما اقتربوا من بعضهم حدث ما لا يحمد عقباه وتم البعد بينهم بنجاح وكأنها عملية جارية التنفيذ كل فترة صغيرة لا تتكون من أيام حتى..
ما العمل الآن يا هدير؟ ما الذي سيجعله يعفو عنك بعد ما فعلتيه وحطمتي قلبه بتفكيرك الغبي..
❈-❈-❈
توجه معها إلى منزل والده بعد أن ارتدى ملابسه كاملة وهندم مظهره ليليق به، وكذلك فعلت هي بعد قليل من الوقت الذي استغرقته في البكاء، ارتدت عباءة بيتية واسعة تناسب فرحتها بعودة زوجها فلا أحد يعلم ما الذي يدور بينهم، سلم على والدتها في الأسفل بحرارة مبتسمة له بسعادة معبرة له عن كم الفرحة التي حصلت عليها عندما علمت بخروجه داعية له ولابنتها كثيرًا بالخير والسعادة..
صعد إلى شقة والده بوجه جامد لا يشوبه أى تعابير مفهومة بل كان يسير معها وينظر إليها بكامل الجدية وكأنه يرفض أي نظرة غير تلك أو أي تعبير آخر منها..
تصعد خلفه بوجه شاحب غير ذلك الذي قابلته به مختلف عنه بفرق شاسع وكأنه من السماء إلى الأرض، عقلها لا يستوعب ما الذي حدث في لحظات بينهم لكي يمحي كل هذه الفرحة التي حصلت عليها، اعتقادًا منها أن كل حزن مر ولن يكن هناك غيره بالأخص بعد القبض على “مسعد” الذي كان يعكر صفوهم..
دق الباب ووقف للحظات شامخًا ثم فتح إليه “سمير” يبتسم بمرح كعادته قائلًا بسخرية:
-أنتَ نسيت أننا هنا علشانك ولا ايه، كل ده بتغير
غمزه في آخر جملة هتف بها فنظر إليه “جاد” بقوة ولم تتحرك تعابير وجهه متقدمًا للداخل وهو يقول ببرود:
-معلش ريحت شوية
استغربه “سمير” واستغرب إجابته الغريبة الباردة، حرك عينيه ورأسه عليه وهو يراه يدلف إلى الداخل ثم نظر إلى زوجته التي دلفت من بعده متوجهه إلى المطبخ، حرك شفتيه باستغراب ثم أغلق الباب ودلف هو الآخر..
دلف “جاد” على والده وعمه في صالة المنزل وتقدم من والده الذي كان الأقرب له ينحني بجذعه أخذًا كف يده رافعة إلى شفتيه يقبله برضاء وهدوء ووجه مُبتسم بلا تعابير تدل على فرحته، وقف والده على قدميه وجذبه إليه يعانقه بقوة شاعرًا أن روحه قد عادت إليه من جديد بعد عودة ابنه إلى موطنه ومكانه الوحيد الذي يشعر فيه بالأمان..
أردف “رشوان” بابتسامة وهو يعود للخلف مربتًا على كتفه بسعادة كبيرة:
-حمدالله على السلامة يا بشمهندس
-الله يسلمك يا حج
أقترب من عمه هو الآخر بعد والده أخذًا يده إلى فمه كما والده بالضبط يقبلها ثم قابله عمه بعناق كبير مشددًا عليه يهتف بحماس:
-حمدالله على سلامتك يسطا جاد.. البيت من غيرك مش بيت عيلة والله يابني
نظر إليه وهو يبتعد قائلًا بنبرة جادة:
-البيت بيت عيلة طول ما انتوا فيه يا عمي
ربت عمه على ذراعه بحنان مُبتسمًا إليه مُشيرًا بيده لكي يجلس معه إلى حين تحضير الطعام، فجلس “جاد” مقابلًا لهم على الأريكة ودلف “سمير” هو الآخر يجلس بجواره بعدما عاد من عند زوجته التي كان يعبث معها في الداخل..
بعد قليل من الوقت دلف الجميع إلى سفرة الطعام التي كانت ممتلئة بكثير من خيرات الله، وكل ما لذ وطاب موجود عليها، وليمة كبيرة وكثير من الأصناف محضرة لعودة الابن الكبير إلى بيته سالمًا معافى..
أردف “سمير” بمرح قائلًا:
-أبسط يا عم كل الأكل ده معمول علشانك
ابتلع “جاد” ما في فمه من طعام وقال باستهزاء:
-هبسط أكتر من كده أروح فين
اردفت والدة “سمير” بحنان كوالدته بالضبط فرحة لعودته التي لم تطول بهم:
-الحمد لله أنك رجعت بالسلامة يابني
أكملت والدته من خلفها قبل أن يُجيب حتى مردفة بقوة وضيق لأجل ما كان يفعله البغيض الآخر:
-الحمد لله رجع وخدوا المخفي التاني ده.. والله أنا ما فرحانه في ده كله غير علشان خدوه من هنا جاته الهم
مرة أخرى تُجيبها “سعيدة” بيقين وهي تحرك فمها قائلة:
-شيطانه اللي وزه يا أم جاد علشان يتمسك ويختفي بشره من هنا
-على قولك شيطانه بصحيح
لما يذكرونه الآن؟ جلسه عائلية من المفترض أن تكون سعيدة، عادت عليها بحزن وهذا واضح وبشدة ولكن لما يزيد الحزن أكثر من هذا ألا يكفي؟ ألا يكفي ليجعلوها تتذكر ذلك الحقير الندل الذي جعلها ترى أبشع الأشياء على يده..
أكملت والدة “جاد” ناظرة إلى “مريم” بابتسامة متسائلة عن أحوالها في وجود طفل داخل أحشائها:
-قوليلي عامله ايه يا مريم في الحمل.. كويسه يا حبيبتي
رفعت “مريم” بصرها إليها من على الطعام قائلة:
-الحمدلله بخير
الجميع يأكل بصمت وهم الاثنين استلموا هذه الأحاديث ولن يصمتوا الآن، زفرت “هدير” بهدوء وهي تستمع إلى زوجة عمه تهتف بحيرة تتسائل:
-بس مش عارفة بقى يا أم جاد هتروح الكلية إزاي
أردفت “مريم” بعد أن تركت الملعقة من يدها ونظرت إليها بجدية قائلة ما قررت فعله هي وزوجها معًا:
-لأ ما أنا اتفقت مع سمير إني هأجل السنة دي
ابتسمت والدته بهذا القرار فهي كانت تريد لها الراحة حتى تلد بسلام ولا يسير التعب بجسدها:
-والله زينة العقل يابنتي كويس علشان متجهديش نفسك
استمع “جاد” إلى والدته تقول بتمني موجهه حديثها إلى زوجته:
-عقبالك يا هدير يا حبيبتي
ترك هو الآخر الملعقة من يده ونظر إليها بجدية شديدة ثم عاد ينظر إلى والدته من بعدها قائلًا بتساؤل ساخرًا:
-ايه هو انتوا متعرفوش؟
أكمل تلك السخرية التي استغربها البعض وهي الوحيدة التي تعرف سببها ناظرًا إليهم واحد تلو الآخر:
-معلش أنا ناسي إني لسه عارف أنا كمان… هدير حامل
قال آخر كلمتين ببرود تام وملامحه حادة لا تظهر الفرحة بل كانت جامدة، جامدة بشكل لا يوصف ولم يعبر عن فرحته كـ يوم معرفة خبر حمل زوجة أخيه..
هتفت والدته بحماس وعينيها متسعة بصدمة تريد التأكيد على هذا الحديث:
-بجد والنبي صحيح؟ حامل!
حرك رأسه بخفة يبتسم بسخرية:
-وأنا هكدب يعني يا أم جاد
صاحت بقوة وهي تقف على قدميها تلتف حول الطاولة لتصل إليه وإلى زوجته:
-يا ألف نهار أبيض دا يوم المنى يا أخواتي
أقتربت منها وهي جالسة ومنعتها من الوقوف تقبلها من وجنتيها الاثنين ووجهها ينطق بالفرحة العارمة والسعادة الأكبر بحياتها، توجهت إلى ابنها هو الآخر والذي وقف لأجل والدته تعانقه بحرارة مُبتسمة تهنئه بذلك الخبر..
أردف والده بابتسامة وقلبه يرقص فرحًا لأجل ابنه ولأجل نفسه ولكنه مازال على الثبات:
-اقعدي يا أم جاد إحنا على الأكل.. نخلص ونقوم نموته بالاحضان
ابتسم الجميع والقوا عليه المباركة والتهنئة هو وزوجته بابتسامات فرحة سعيدة تظهر عليهم من أول صغيرهم إلى كبيرهم ولكن هذه الفرحة لم تكن على وجه “جاد” وزوجته بل كانت ابتسامه مصطنعة تظهر فقط عند النظر لوجه أحد منهم..
نظرت “مريم” إلى شقيقتها التي اخفضت وجهها على سفرة الطعام وكم يظهر عليها الحزن، الهدوء الغريب ونظراتها غير المعتادة وقد تغيرت مئة وثمانون درجة حقًا، لم تكن هكذا فهي كادت أن ترقص من فرط السعادة..
حقًا تستغرب أكثر شيء أنها لم تكن قالت لـ “جاد”، كيف فعلت هذا؟ لما لم تقول له أنها حامل بطفل منه وهي تعرف أنه يموت ليسمع شيء كهذا!..
رفع بصره عليها ليراها تقلب في الطعام بالملعقة ووجها شاحب وحزين، هذا ليس بيده بل هي من فعلت كل ذلك وهو من عليه الحزن والإبتعاد ليست هي بالمرة..
وفي نفس الوقت يصعب عليه تكملة مشوار البعد هذا الذي ارهقه وقطع ما داخله إلى أشلاء، لقد كان مقرر القرب إلى درجة لا توصف، كيف حدث كل هذا!؟..
❈-❈-❈
“في المساء”
كانت انتهت جلسة العائلة الطويلة المليئة بالمرح والسعادة والإجابات العفوية النقية من الجميع، ما عدا اثنين نعرفهم جيدًا، تلقى هو وزوجته المباركات والجميع فرح بقدر لا يوصف لأجله ولأجل قدوم طفل آخر على العائلة يأتي إليهم بالبهجة والرزق والسعادة.. طفلين معًا في طريقهم إلى عائلة “أبو الدهب”! هذا كرم كبير من الله ورزق لا يقدر بثمن أبدًا..
عادوا من منزل والده وتوجه إلى التلفاز منذ أن أتى لا يتحدث معها ولا يقوم بأي شيء يدل على أن معه أحد في المنزل من الأساس، وقف مرة وتقدم يفعل كوب شاي إلى نفسه دون حديث، يفعلها دائمًا تعرف ولكن هو الآن غير، مرة أخرى يتقدم ليأتي بالماء ووضعه جواره..
مرة يرفع الهاتف يتفقد ما به ثم ينتقل إلى التلفاز وكأنها غير موجودة بالمرة ولكن.. لن يستمر ذلك وهي لن تصمت أكثر من هذا عليها أن تنهي كل ما حدث وتنعم ببعض الراحة معه لقد شعرت بالتعب الشديد بسبب ما يحدث لهم..
جلست جواره على الأريكة وأخذت الريموت من على الطاولة أغلقت التلفاز أمامه ثم مدت يدها إلى جواره أخذت الهاتف ووضعته خلفها، تقدمت بجسدها منه تقابله بوجهها وهو يعطي إليها جانبه حيث أنه كان ينظر إلى التلفاز..
أمسكت كف يده بين راحتي يدها وأردفت برجاء ونبرة خافتة متوسلة منه القبول:
-ممكن نتكلم شوية بهدوء وبعدين أعمل اللي يريحك؟
لم تقابل منه أي رد سوى أنه استدار بوجهه ينظر إليها بعمق بعينين باهتة معاتبة إياها بشدة فقالت مُكملة برجاء وحزن:
-جاد بالله عليك ياخي كفاية لحد كده.. أنا تعبت من الزعل والبعد.. يا جاد نفسي نعيش زي أي اتنين وأحس إني فرحانه شوية.. نفسي نرجع زي زمان
استدار هو الآخر بجسده ليقابلها قائلًا باستنكار مشيرًا إلى نفسه باليد الأخرى:
-وهو أنا اللي مانع ده؟ ولا أنتِ شيفاني مبسوط
كرمشت ملامح وجهها محاولة شرح له وجهة النظر الخاصة بها وموضحة أكثر ما الذي يفعله، مطالبة إياه بالعودة إلى الحب والمرح الذي كان بيهم:
-لأ مش أنتَ اللي مانعه ولا مبسوط بس بتساعد فيه يا جاد… كل شوية حاجه تحصل فتبعد من غير حتى عتاب ولا كلام.. البُعد بس اللي بتعرف تعمله وده مش حل يا حبيبي.. البعد عمره ما كان حل
بادلها النظرات ولكن كانت مختلفة عنها كثيرًا، كانت نظرته جادة ناحيتها وأردف بجدية وقوة:
-أنا ببعد علشان مزعلكيش مش علشان ده حل… أنتِ جربتي قبل كده القرب في الزعل والعصبية عامل إزاي
ضغطت على يده بين يديها الاثنين وأقتربت بجسدها معتقدة أن بحديثه ومحاورته سيتخطى هذا معها كما تريد:
-طب خلاص بقى بالله عليك.. علشان خاطري يا جاد لو بتحبني بصحيح.. إنسى اللي فات وخلينا نفكر في اللي جاي
ضحك بسخرية وأبعد وجهه للناحية الأخرى ثم عاد مرة أخرى ينظر إليها مضيقًا عينيه عليها يتسائل بتهكم:
-أنساه إزاي يعني؟ أنسى إنك شكيتي فيا وخونتيني؟ ولا أنسى إنك خبيتي عني حملك واستغفلتيني ولا…..
قاطعته قبل أن يستكمل حديثه عن أخطائها الذي فعلتها تجاهه ساخرًا من حديثها الذي يقول له أن يتناسى ويمضي، أردفت بقوة هي الأخرى تحاول قدر الإمكان أن تجعله يفهم:
-متكملش.. كفاية كده، أنا استحملت كتير وأنتَ كمان بس الزيادة فيه غلط وأنا فهمتك، وقتها والله العظيم حسيت إني مشلولة مش عارفه أفكر ولا أعمل أي حاجه، والله لقيت نفسي بخبي عليك وخلاص.. كنت خايفة يا جاد قدر اللي أنا كنت فيه!
جذب يده من بين يدها واعتدل بكامل جسده رافعًا قدمه اليمنى على الأريكة والأخرى على الأرضية متسائلًا باستنكار وذهول:
-خايفة من ايه؟ أنتِ هبلة؟ اللي بتقوليه ده دليل على إنك لا واثقة فيا ولا واثقة في نفسك حتى
أجابته بقوة تدافع عن نفسها أمام هذا الحديث:
-قولتلك هي الوحيدة اللي مكنتش واثقة فيها وكلامي طلع صح يعني كان ليا حق
جادلها وهو يشير بيده ناحيتها وصوته حاد:
-لأ مالكيش حق لأني أعرف أوقفها وأظن عملت كده
نظرت إليه بعينين متسعة مُجيبة بقوة مرة أخرى تقول إن حديثه ليس صحيح فهو وهي قد تمادوا كثيرًا:
-بس أنتَ اللي سمحتلها من الأول تدخل بينا ومعملتش أي حاجه تمنع ده وأنتَ اللي سبتها تدخل حياتك بدون داعي
برر موقفه ناحيتها بجدية وصدق تام لأنه عن حق كان يتعامل معها بتربيته وأخلاقه هو وليس مثلها:
-دخلت حياتي بقلة ذوق واقتحمتها وأنا كنت برجعها باصلي وتربيتي بس هي اللي كانت قليلة التربية.. مش ذنبي إني احترمت أنها ست ومكنتش عايز أي إهانة
تنفست بعمق قائلة بـ إرهاق شعرت به من هذا النقاش الغريب ووزعت نظراتها بالكامل على ملامحه متوسلة إياه:
-يبقى خلاص أنا عديت اللي حصل ولا كأنه كان موجود من أصله نسيت إنك كدبت وأنها دخلت حياتنا وأنك قابلتها وكل حاجه.. أنتَ بقى يا جاد ده دورك
أجابها بقوة ناظرًا إليها بحدة معترضًا على ما قالته:
-لأ مش دوري.. مش دوري اللي عملتيه مالوش مبرر، مش علشان غيرانه ولا زعلانه مني تعملي كده.. ده مش مبرر أبدًا وبأمانة بقى غلطاتك كلها غبية
تسائلت بقلة حيلة بعد أن أغلق كل الطرق لحل هذه المعضلة:
-يعني أنتَ عايز تقول ايه دلوقتي يا جاد
أبعد نظره عنها إلى الناحية الأخرى مردفًا بضيق:
-مش عايز أقول حاجه
قدمت يدها إلى وجهه جاذبة إياه بحدة لينظر إليها، صاحت بضيق وضجر كبير داخلها من تصرفاته الغبية الكريهة غير مقدر ما الذي تفعله لأجل أن يكونوا في سعادة سويًا:
-أنا بقى هقول.. أنتَ مش مقدر أي حاجه بتحصلي ولا مقدر كام موقف عديته واعتذرت فيه عن أسباب تافهه لمجرد إني عايزاك قريب مني ومش عايزة أجرب البعد تاني.. ايه نسيت عملت ايه لما صوري نزلت في الحارة غصب عني؟ نسيت يا جاد؟ وكنت غلطان في حقي لأني أصلًا ضحية؟ نسيت حاولت كام مرة معاك وأنا بهين نفسي علشان منبعدش.. وعد مواقف كتير أنتَ عارفها وأنا عرفاها..
أدمعت عينيها وتكون اللؤلؤ داخلها ليصبح أمامها غمامة تعيق نظرتها الكاملة إليه ولكنها لم تتوقف هنا بل أخرجت كل ما أرادت قوله له:
-اللي أنا عملته رد فعل لفعلك أنتَ.. أنتَ اللي بدأت وده كان رد فعل طبيعي وأقل من الطبيعي لواحدة شايفة جوزها كداب وبيدافع بايده وسنانه عن واحدة مايعرفهاش، الثقة اللي بتتكلم عنها أنتَ اللي كنت بتمحيها بنفسك أجبها منين؟ ها قولي بس أجبها منين وأنتَ أصلًا بتكدب عليا وتصرفاتك كلها غلط وعلشان واحدة؟..
هبطت دموع عينيها على وجنتيها بقوة خلف بعضهم البعض ووقفت على قدميها مرة واحدة مكملة بحدة وعتاب ظاهر في حديثها ونبرتها الباكيه:
-أنا فهمتك كل حاجه وشرحتلك كل حاجه.. خلاص كاميليا هانم طلعت من حياتنا هي ومسعد اللي معرفش عرفها إزاي.. مافيش مشاكل غير غلطتي فتبعد بقى؟.. براحتك يا جاد.. براحتك خالص
أدارت وجهها إلى الصالة وكادت أن تذهب فأمسك بيدها شاعرًا أنها تحاول معه بكل قوتها لتمحي ذلك الخطأ وتبدأ من جديد، ظاهر عليها وبشدة أنها تريد نسيان كل ما مضى، أردف بصوتٍ جاد ثم لين:
-استني هنا.. بُعد ايه ده اللي أنا عايزة، أنا مش محتاج حد في حياتي غيرك أصلًا بس..
تسائلت مضيقة ما بين حاجبيها:
-بس ايه بقى؟
ترك يدها ونظر إلى عينيها بثبات قائلًا:
-الموقف صعب يا هدير وأنا محتاج وقت علشان أصفى بأمانة
بادلته نظرته وربما يكن معه حق هي أيضًا أخذت وقت ولم تعود عما حدث إلا عندما وقع في أزمته الماضية:
-ماشي يا جاد خليني معاك للآخر..
أومأ إليها برأسه وأبعد نظرة فسارت هي إلى الخارج، يفكر بها وبحديثها، هي محقة، لها حق فيما حدث ولكن ما فعلته صعب، لقد سرقت منه فرحته بعد أن أعطتها إياه، لقد كان يرى السحاب وهو يلتف حول نفسه بها ثم مرة أخرى جعلته يهبط على الأرض بكامل قوته ليتلقى صدمة صعبة عليه للغاية..
ربما معها حق عليه أن يبدأ من جديد ويحاول مع نفسه أن يمر الأمر دون فجوة أخرى بينهم فمؤكد لن تمر حياتهم هكذا بين الحزن والبعاد..
❈-❈-❈
“بعد مرور يومين”
بعد أن وجد “مسعد” نفسه يحمل قضايا كثيرة وحده قرر الإعتراف على “كاميليا” شريكته في آخر مصيبة قد فعلها مقرًا بكل شيء قد حدث بينهم وقال أنها من اعترضت طريقه مطالبة منه المساعدة في أمر “جاد” ولم يبخل عليها بفعل ذلك..
حمل مسعد الكثير وحده لأن كل ما قدم ضده كان له دليل قاطع أنه بالفعل قد حدث من قِبله، التعدي على منزل “جاد” ومحاولة سرقة ما به كان له شهود من الحارة ومن داخل البيت، محاولة وضعه ذلك السم لـ “جاد” بورشته لكي يتم القبض عليه وهو بريء وأخذ حكم لن يقل عن سنوات عديدة يذهب بها شبابه..
قد تحول كل هذا إليه في لمح البصر والله ليس بغافل عما يفعلون، لقد كان بيده كثير من الفرص كي يعود إلى طريق الله تاركًا ما يغضبه مُبتعدًا عن ذلك الحرام أخذًا القدر الكافي من الحلال الذي يود نيله الجميع ولكنه رفضه رفض قاطع..
تاركًا أولاده وبيوته الثلاثة تأكل من ما حرمه الله.. والآن هذا جزاءه، عليه أن يناله بعد كل ما فعله من تخريب في حياة البشر واستحلال عرضهم، سينال ما كان يريد أن يناله غيره، ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها، الآن سيتعفن داخل السجن..
وكاميليا إلى الآن تحاول بكل قوتها أن تقول أنها لم تفعل شيء، ومن هذا “جاد” ومن “مسعد” الذي تحدث عنها وقال أنه يعرفها؟ حاولت بكل الطرق أن تنكر ما قاله ولكن “مسعد” ولأول مرة كان ذكي وقد أدلى بذلك المكان الذي تقابلوا به وتم رؤية الكاميرا الخاصة بذلك المكان وظهرت كاميليا مع “مسعد” وقبله “جاد” وثبتت التهمة عليها وهي تحاول الفرار منها بكل الطرق.
أما قضية الشرف التي وضعت بها من قبل زوجها لم يكن لديها حيلة في الخروج منها، لقد كانت مثبتة بالكامل وذلك الذي كانت معه أعترف عليها باشياء لم تحدث حقًا قائلًا بأنها تراه من الحين إلى الآخر ودائمًا يتقابل معها في هذا المنزل ومن هنا علمت أن “عادل” هو من فعل كل ذلك في فترة انشغالها بـ “جاد” الغبي الذي جعلها تخسر كل شيء..
لم يكن يستحق كل ذلك الإهتمام منها.. هناك الكثير أفضل منه وأغنى ويستحقون نظرتها أما هو فسيظل ميكانيكي سيارات قذر..
تخلى عنها الجميع وكتبت عنها جميع الصحف فقد كان حقًا خبر الموسم حتى إنه وصل إلى مسامع “جاد” وزوجته وحمد الله أنه قد حدث فهنا قد فهم الجميع ما الذي ربط “مسعد” بـ “كاميليا” وكيف هو من وضع البود’رة وهي من قامت بالتبليغ..
بعد قلة حياءها وتلك القذارة التي كانت تعيش بها متناسية أنها إمرأة متزوجة في عصمة رجل، متناسية أن هناك رب مطلع يرى كل شيء، متناسية أنها لم تغض بصرها عن رجل لا يحل لها، تناست كل أمور دينها ولم تتذكر سوى أنها إمرأة تحب أن يكون معها رجل وسيم مفتول العضلات تتباهى به في تلك البيئة المليئة بالأشياء المحرمة أمام من تريد أن تجعل الغيرة تشتعل داخلهم..
الآن بعد كل ذلك تنال عقابها مثل السابق الذي اتفق معها على تدمير حياة من يعرفون الله، الآن تنال عقابها بعد أن تخلى عنها الجميع وتركوها وحدها ولم يمد لها أي أحد تعرفه من علاقاتها المزيفة يد العون بل أبتعد الجميع.. الآن ستتعفن بالسجن كما “مسعد” بالضبط..
بينما كان هناك من يُعاقب كان هناك أيضًا من يبدأ حياة جديدة، عاتبت “شهيرة” زوجها بقوة معترضة على ما فعله بزوجته السابقة، لم يكن يحق له أن ينتقم منها بهذه الطريقة البشعة المهينة إلى حد كبير، فقد تخلى عن كل شيء بداخله من رحمة وأحضر رجل آخر قاسي جاحد ليستطيع أن يمحي كل العيش الذي كان بينهم ويفعل بها ذلك..
برر موقفه بكثير من الأشياء التي فعلتها به وتركها تقول ما يحلو لها ثم مرة أخرى تعود ففعل ما فعله ومضي الأمر والآن خرجت من حياتهم تلك البغيضة التي كانت تعكر صفوهم ليعيشون في راحة منتظرين ذلك المولود الذي بداخلها وعندما يأتي سيعم عليهم الحب أكثر وأكثر..
❈-❈-❈
وقف “جاد” في منتصف الورشة يستمع إلى حديث العاملين ويرى فرحتهم الكبيرة بعودته وإعادة تشغيل الورشة مرة أخرى..
تحدث طارق وهو ينتقل إلى ركن آخر بالورشة ناظرًا إلى “جاد” يقول بجدية ويقين:
-والله يسطا جاد دا زي ما يكون ربنا عمل كده علشان اللي اسمه مسعد دا يتسجن
أردف “حمادة” يُجيب عليه من بعيد وهو يقف أمام صندوق سيارة يعمل على تصليحها:
-والله يا طارق نفس اللي كنت بفكر فيه
أجابه الآخر يبتسم ساخرًا بقوة وهو يلوي شفتيه:
-من أعمالهم سُلط عليهم
أكمل حديثه بعفوية مطلقة وهو يتوجه إلى “جاد” الذي جلس على المقعد أمامهم يستمع إلى ذلك الحديث بوجه مُبتسم بارد:
-وبدل قضية يبقوا اتنين وتلاتة بعد ما اتهجم على البيت
اعتدل “جاد” في جلسته ونظر إليه عن قرب بدقة متسائلًا باستغراب وعينيه الرمادية متعلقة عليه، الآن للأول مرة يستمع هذا الحديث:
-بيت مين؟
لم يُجيب عليه أحد منهم ونظروا إلى بعضهم البعض بصمت تام وقد ظهر على وجههم الشحوب التام وكأن الإجابة قاتلة، أردف هو مرة أخرى باستغراب أكبر منتظر منهم إجابة:
-مالكم سكتوا ليه؟ بقول بيت مين اللي مسعد اتهجم عليه
أبتعد “طارق” إلى الخلف وعينيه بالأرض ثم تقدم حمادة من عمله مرة أخرى ولم يتحدث أحد منهم ولم يجيبوا عليه، وقف “جاد” على قدميه صارخًا بعنف:
-ما تنطق ياض أنتَ وهو
نظر إليه “طارق” متحدثًا بجدية ناظرًا إليه بخوف:
-اهدا يسطا جاد
-طب ما تردوا عليا
تحدث حمادة بضيق وانزعاج من حديث “طارق” الثرثار الذي اوقعهم بالخطأ على الرغم من أن “سمير” قد قال لهم أن “جاد” يجب ألا يعلم بما حدث من قِبل “مسعد”:
-عجبك كده؟
أجابه الآخر بضيق أشد منه لأن الحديث خرج من بين شفتيه دون قصد:
-مش قصدي
بعد أن استمع حديثهم شعر بنيران داخله تود أن تحرقه أما يحرقها هو، رأى نفسه كـ الأبلة بينهم هم الاثنين وكل منهم يتحدث وهو لا يدري بشيء، ولكن هناك شعور داخله يقول له أن ذلك بيته!:
-قسمًا بالله هتصرف تصرف غبي معاكم ما تردوا عليا!.. بيتي؟
-أيوه يسطا جاد بيتك
تقدم إليه يهتف وقلبه يؤلمه خوفًا من أن يكون ما أتى بخلده:
-بيت أبويا ولا ده
ما كان من الآخر إلا أن يخفض رأسه هاتفًا بالحقيقة:
-ده
تسائل مرة أخرى ووقع قلبه بين قدميه رعبًا من الاستماع للقادم:
-مين كان فيه؟..
لم يُجيب عليه فتقدم منه “جاد” يمسكه من ياقة قميصه بعنف صارخًا به:
-انطق ياض
تركه “جاد” بحدة وابتعد للخلف وعقله لم يستوعب ما الذي قاله هذا الأبلة والآخر مثله؟ كيف تهجم على بيته وهو غائب، وكيف هي فقط التي بالبيت وأين “سمير” الذي أوصاه عنها؟ أين والده وشقيقتها؟ أين كان الجميع عندما تهجم على بيته ذلك الحقير وهو غائب..
وكيف هي لم تقول له؟ إلى الآن لم تتحدث بالأمر ولم تخبره! فقط كل ما تقوله أن يبدأ معها حياة صريحة وكل ما يحدث إن كان له أو لها يجب على الآخر أن يعرفه!..
ترى ما الذي فعله بها؟. ما الذي قام به في المنزل وهي وحدها؟.. كيف هو لا يعرف كيف؟..
اشتعلت النيران داخله أكثر من أي وقت مضى، وازدادت وتيرة أنفاسه بقوة وعنف، تضخم صدره العريض بسبب صعوده وهبوطه المستمر وعقله وقف عن العمل تمامًا..
وقف عندها هي فقط! إلى الآن هي تكذب وهناك الكثير مخفي عنه، ليس فقط الحمل الذي كاد أن يتناسى ما حدث به، هناك غيره الكثير تخفيه ومازالت تفعل ذلك وتقول أنها المجني عليها من قِبله وتظهر كم البراءة والحنان الذي بداخلها وتقدم يد العون لكي يتخطى كل شيء وهي من الأساس الغبية الوحيدة هنا..
الغبية التي تخفي عنه كل شيء يحدث معها وكأنه ليس بزوجها، وكأنه رجل غريب عنها، ولكن هذه المرة لن يكون لين كالمرات السابقة.. حقًا عليها أن تقابل عاصفته..

google-playkhamsatmostaqltradent