Ads by Google X

رواية ندوب الهوى الفصل الخامس و العشرون 25 - بقلم ندا حسن

الصفحة الرئيسية

  رواية ندوب الهوى كاملة بقلم ندا حسن عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية ندوب الهوى الفصل الخامس و العشرون 25

 

سُلب منها مُعذب الفؤاد، الآن يُسلبوا منها شرفة!!

لحظات مرت عليها كـ الدهر وهي تركض على درج المنزل لتهبط إليه بأقصى سرعة وتراه أمام عينيها، لم تفكر في أنها حامل في الشهور الأولى وعليها التروي أكثر من هذا ولم تبطء لكونها تعثرت أكثر من مرة في عباءتها وكادت أن تقع على وجهها، قلبها يدق بعنف ولهفة قلقة خائفة على مُعذب فؤادها، ألم تكن منفصلة عنه وقلبها يؤلمها لما فعله ويفعله!؟.. ألم تكن كارهه كذبه وحديثه!؟.. الآن لا يوجد شيء كهذا فقط يوجد “جاد” زوجها وحبيبها والجالس داخل قلبها ويأخذ أكبر مساحة به، تناست كل شيء وتذكرت كونه الحنون والرجل الوحيد بحياتها يحبها ويهواها ويهوى راحتها على راحته، في لمح البصر خرجت ترى ما الذي يحدث ولما تأخذه الشرطة!.. لما تبعده عنها بهذه الطريقة أمام الجميع في لحظات!..

خرجت من باب المنزل إلى الشارع أمام الورشة والجميع مُتجمهر ليشاهد ما يحدث، نظرت إليهم بقلق ولهفة وهي تتقدم منه بخوف ثم صاحت تناديه بارتعاش وهي تقف خلفه:

-جاد!

كان يعطي لها ظهره يقف مع والدته التي بدأت في البكاء عندما علمت لما يأخذونه واستأذن من الضابط فقط لحظات ليجعلها تهدأ ولم يكن سيجعله يفعل هذا إلا لأنه يعرفه ويعرف ابن عمه بالأكثر، استدار لينظر إليها وقلبه عذبه بعد الاستماع لصوتها الذي يرتعش، لم يتوقع ظهورها أمامه بهذه الملابس البيتية وهذا الحجاب الذي يخرج نصف خصلاتها إلى الخارج:

-اطلعي يا هدير

أقتربت منه أكثر ولم تستمع إلى حديثه من الأساس قائلة بقلق ونظرة عينيها مثبتة على عينيه بعمق:

-رايح معاهم ليه؟.. عايزينك ليه يا جاد!..

ضغط على شفتيه ولم يكن يريد الصياح عليها في مثل هذا الوقت فقدم يده اليمنى إلى حجابها جاذبة على خصلاتها للأمام قائلًا بحدة مخفية:

-مافيش حاجه يا هدير اطلعي

حركت عينيها عليه تحاول أن تستفهم ما الذي يحدث وخلفه والدته تبكي بقوة وهو كان يذهب معهم رأته ورأت ” عبده” يصيح خلفه:

-مافيش إزاي؟.. اومال رايح معاهم ليه

وجدت “سمير” يقتحم الحديث وهو يدلف بينهم بلهفة وقلق ويبدو عليه أثر النعاس وملابسه مكونه من بنطال قصير إلى الركبة وقميص داخلي، عادت للخلف خطوة وعينيها مثبتة عليه واستمعت إلى “سمير” يهتف بقلق:

-في ايه يا جاد.. واخدينك ليه

أمام كل من يقف من الحارة في شارعهم أجاب عليه بقوة وهو ينظر إليه ولم يتغاضى عنها وعن وقفتها هنا:

-حد مبلغ عني إني بتاجر في البود’رة

حلت الدهشة على كل من استمعت أذنه إلى هذا الحديث، “جاد”! لم يجدوا إلا هو؟ فهو معروف بأخلاقه واحترامه وتربيته الحميدة، كيف له أن يفعل شيء كهذا، لقد تركوا من يفعل هذه الأشياء أمام الجميع وذهبوا إلى شخص بريء ومعروف بكونه شاب صالح من شباب الحارة القليلون!..

نظر “سمير” إلى الضابط الذي كان على معرفة به لم يعطي سلامات ولا أي شيء فقط بدأ حديثه بسؤال وبه اللهفة واضحة:

-فتشتوا يا صلاح باشا؟

أومأ إليه برأسه إلى الأسفل دليل على فعل ذلك حقًا ولأن “سمير” واثق في ابن عمه للغاية هتف بجدية وهو يشير بيده:

-طب مادام فتشتوا وملقتوش حاجه واخدينه ليه

أجابه الضابط بعملية بحتة وهو يقول مقتربًا منه مستعدًا للرحيل:

-للأسف يا سمير لقينا وعلشان كده جاد هيجي معانا

شهقت بعنف وقوة واحتلت الدهشة كيانها وهي تضع يدها الاثنين على فمها بعدما علمت أنهم وجدوا شيء من هذا السم داخل الورشة!.. خرجت دموع عينيها وهي تعلم أن هذا الأمر سيطول كثيرًا مادام تم الإمساك به داخل ورشته، هو لا يفعل شيء كهذا مستحيل وهذه البود’رة الموجودة ليست له مؤكد هناك من وضعها قصدًا للإمساك به وهو من قام بالتبليغ عنه ولن يفعل هذا إلا شخص واحد الجميع يعرفه..

نظر إليها بضيق وهو يقف شامخ وكأن شيء لم يحدث من الأساس على الأقل أمامها وأمام والدته التي مازالت تبكي وتضع يدها على كتفه تتمسك به، أشار لها بعينيه الرمادية أكثر من مرة أن تصعد إلى الأعلى وهي تنظر إليه فقط!.. إلى داخل عينيه وقلبها مشتعل وجسدها يرتجف بعنف وقوة ظاهرة بوضوح قد رآها وهو على بعد..

صاح الضابط موجهًا حديثه إلى “سمير” قبل أن يرحل مع “جاد” ورجال الشرطة:

-الموضوع محتاج محامي شاطر يا سمير وبسرعة

أومأ إليه عدة مرات برأسه وهو ينظر إليه بحزن وقلق فكونه قد تم القبض عليه هنا وبداخل ورشته الخاصة هذه الممنوعات سيكون الأمر صعب قليلًا إلا أن وجدوا دليل قاطع على أنها ليست له..

سار الضابط مع رجالة ومعهم “جاد” الذي مازالت عينيه عليها ولم تبتعد حتى مع ابتعاد سيره وإشارته لها أكثر من مرة على أن تذهب وهي لا تفعل هذا، فقط تنظر إليه وعينيها تذرف الدموع دون توقف

صاح “سمير” وهو يذهب خلفه إلى أن صعد عربة الشرطة:

-متقلقش يا جاد هجيب المحامي وأجي وراك

جلس جاد داخل العربة المفتوحة وأومأ إليه بجدية تامة ثم أبعد عينيه من عليه وذهب بها إليها، يرى ملامحها التي بُهتت في لحظات أكثر من السابق ودقق في وجهها الشاحب الخائف، إنها كانت بعيدة عنه في الأيام السابقة، لم يفهم ما الذي بها وحاول الحديث معها أكثر من مرة ولكنها أدعت الإرهاق المستمر وأشياء ليست لها علاقة ببعضها البعض، لم تدلف عقله ولكن كان واضح كوضوح الشمس انفصالها الثابت عنه ونظراتها المعاتبة إياه، وأيضًا نظراتها الحزينة وأحيانًا كان ينظر إليها بالصدفة يراها تدقق النظر به وكأنها تتحدث مع داخلها عنه وتدقق بملامحه وما يحدث..

شعر أنه فعل شيء خاطئ كبير بعد ما تم الصلح بينهم وعادوا إلى الوضع الطبيعي ولم يدري ما هو لأنه عن حق لم يفعل شيء، بل أنهى ما كان يزعجها طيلة الوقت، تركها على راحتها عندما لم يستطع فهم ما الذي يحدث ولكن الآن تظهر عكس كل ما حدث واللهفة والقلق على ملامحها أول تعبير ظهر يعبر عنها..

الشحوب وكأنه هناك أحد قد توفى تحبه، قلبها من الأساس يتحدث معه الآن يناجيه بلهفة وقلق عليه..

زوجته بها شيء يحبه إلى أبعد حد، كونها تنسى كل شيء بينهم في وقت الشدة وتقف جواره، تترك كل ما فعله وفعلته وكل ما يحدث من أشياء بشعة تدور داخل الموقف وتتمسك به في وقت ضعفه واحتياجه لها، ميزة لن يجدها بأي إمرأة أخرى سوى زوجته حبيبته، روحه الضائعة بخروجه من هنا في هذه العربة..

تحركت سيارة الشرطة وبدأت في الإبتعاد وهو مازال ينظر إليها وعقله يعمل مئة في المئة ويفكر بها وحدها، يبتعد ويبتعد ولا يدري متى العودة وقلبه يهوى عناق دافئ منها ثم يذهب..

عينيها لم تترك طيفه، رأيته وهو يخرج من الحارة بهذه الطريقة تجعل قلبها يؤلمها بطريقة لا توصف وجسدها يرتجف بعنف وهناك شعور غريب يراودها وكأن هناك من يأخذ من لحم جسدها بسكين حاد والدماء تسيل منها بغزارة..

عينيها لم تجف دموعها متعلقة به وبنظرة عينيه إليها، ابتعدت السيارة واختفت عن نظرها لم تشبع عينيها منه ولم تتحدث إليه من الأساس، ذهب ولم تفعل ما تريد معه إلى الآن..

ذهب “سمير” من أمامهم إلى المنزل ليذهب إلى شقته يأخذ ملابسه ويذهب إلى “جاد” بعد أخذ محامي معه..

أسرعت والدته عي الأخرى في الصعود لمنزلها لتحدث والده وتخبره بما حدث حتى يذهب سريعًا إلى ابنه..

ذهبت “هدير” خلف “سمير” سريعًا تركض وهي تمسح وجهها بكف يدها ودلفت خلفه إلى المنزل وكان يصعد على الدرج بسرعة فركضت هي الأخرى واستوقفته قائلة بلهفة وصوت عالي:

-سمير!.. خدني معاك

وقف أمام باب شقتها واستدار لها يهتف بجدية وملامح وجهه منكمشه حائرة:

-لأ مش هينفع

وضعت يدها على صدرها لتجعله يلين ويأخذها وصاحت بصوتٍ خافت حزين وهي تأثر عليه ببكاء عينيها:

-علشان خاطري يا سمير خدني معاك

قرب حاجبيه من بعضهم يشير بيده محاولًا إقناعها أنه لا يجوز فعل ذلك في ذلك الوقت بالتحديد:

-والله ما هينفع

ظهرت اللهفة أكثر من السابق وتجمعت الدموع بعينيها أكثر متذكرة لحظة خروجه من منزلها صباحًا دون أن يفطر أو يتحدث معها لأنها بقيت نائمة ولم تراه:

-بالله عليك، علشان خاطري عايزة اطمن عليه

أبتعد “سمير” خطوة للخلف حتى يرحل لأنها تستعطفه بطريقة بشعة لا يريد أن يلين لها:

-أنا هطمنك عليه والله بس مش هينفع

أقتربت هي هذه الخطوة مرة أخرى لتقف قبالته أمام باب شقتها هي و “جاد” قائلة بعناد أكثر محاولة إقناعه هو بجديثها وذهابها معه:

-على ما أنتَ تلبس وتنزل هكون لبست وخلصت قبلك والله… علشان خاطري!

هبطت شقيقتها لتقف على درج السلم عاليًا وهي تستمع إلى حديثها ونظراتها إلى التي يخرج منها الألم واللهفة على زوجها فصاحت قائلة بقوة وحزن:

-خدها يا سمير معاك عايزة تطمن على جوزها

رفع نظرة إليها بعد أن زفر بعمق وحدة وتحدث بقوة بعد أن عاد بنظرة إلى زوجة شقيقه:

-مش هينفع والله أنا هكلم المحامي يروح هناك وأنا هحصله وهطمنك لكن ماينفعش تدخلي القسم ومش هعرف أهتم بيكي هتلخميني


خرجت الدموع من عينيها وهي ترى إصراره على عدم ذهابها معه، رفعت حجابها إلى الأمام وتحدثت بضعف وقلة حيلة:

-مش هعمل حاجه والله أشوفه بس واطمن عليه أنا ملحقتش أكلمه

تحدث هذه المرة بلين وود وهو يراها ويرى عينيها تذرف الدموع بلا توقف وكأنها تقول له أنتَ المتسبب فقال محاولًا معها على طريقة زوجها:

-جاد لو شافك هناك أصلًا هيطربق الدنيا على دماغي، اسمعي بس كلامي وأنا هكلمك من هناك ده لو جاد مرجعش معايا

يكذب مثل ابن عمه ليجعلها تصمت ولا تذهب معه، إنه لن يأتي اليوم إلا إن حدثت معجزة وخرج معهم أو رأى المحامي ثغرة ما يستطيع إخراجه منها، صاحت بتهكم وقوة:

-أنتَ بتضحك عليا ولا على نفسك، دا واخدينه بالبود’رة من ورشته

أخذ نفس عميق ناظرًا إليها، إنها معها حق، بل إنه كامل الحق كيف سيخرج وهو بهذه الحالة بل وهناك من يحبه إلى هذه الدرجة وقام بالتبليغ عنه وسريعًا أتت الشرطة!..:

-إن شاء الله خير.. خير، أنا هطلع علشان متأخرش عليه

ذهب من أمامها مرورًا بزوجته التي هبطت الدرجات المتبقية لتقف جوار شقيقتها التي صاحت ببكاء وخوف:

-جاد مش هيخرج يا مريم

نظرت إليها بشفقة وضعف انتقل إليها عبرها، أقتربت منها وعانقتها بقوة محاولة جعلها تهدأ عن ذلك البكاء والخوف والرهبة الضارة كثيرًا عليها وقالت بحنان مربتة على ظهرها:

-متخافيش يا هدير هيخرج بإذن الله.. جاد بريء


اشتد البكاء عليها أكثر ولم يكن هذا السبب الوحيد له، أنها تخرج كل مكنونات قلبها السابقة والمتحامله أكثر من اللازم الآن، لتخرسه بعد هذه اللحظات وتتحلى بالقوة أمام الجميع وأمامه هو بالأخص، لتقف حواره تسانده وتجعله يشعر بالأمان والأمل في كل لحظة تمر عليه.. إلى متى ستكون مُعذب الفؤاد؟..

❈-❈-❈

ظهر “عادل” مع زوجته “شهيرة” على طاولة الطعام وهو يتحدث معها عن زوجته الأولى والغريبة “كاميليا”، في الفترة الأخيرة ابتعدت كامل البعد عنه ولم تعد تتحدث معه عن الطلاق بعدما كان هذا هو الحديث الأول والأخير بينهم وعن أنها تريد الإبتعاد عنه إلى الأبد والعودة إلى الحرية مرة أخرى تاركه إياه وحده وتأخذ منه القناة التلفزيونية التي عمل عليها ليجعلها بهذا الإسم وهذه الشهرة..

بل وأيضًا كانت تراه ولا تنظر إليه من الأساس، تبتعد بوجهها عنه أو تظل ناظرة إليه وعقلها مشغول بشيء آخر، عينيها مثبتة عليه مُبتسمة بهيام وكأنها تحلم بشيء ما وملامحها تبدو حقيقية..

لم ينزعج من هذا بل أسعده الإبتعاد عنها ليتفرغ إلى حياته العملية وحياته مع زوجته “شهيرة” ويرتب إلى ما يريده بذهن صافي وعقل ناضج لا يوقعه في فخه الذي ينصبه إليها..

أقتربت نهايتها معه إلى حدها الأخير وهي من طلبت ذلك بكل أفعالها وحديثها وتلك النظرات الكريهة التي كانت تلقيها عليه مع بعض السموم عن كونه ليس له أي قيمة وليس شخص يستحق وجودها معه من الأساس بعد أن استمتعت بوقتها معه وأخذت ما تريد واشبعت الغريزة المرضية بداخلها، إن لم تذهب لكي تتعالج سـ يسوء الأمر أكثر..

أردفت زوجته وهي تقف أمام المقعد المقابل له وتضع له الطعام أمامه بملامح منكمشه خائفة:

-سوكتها مخوفني أوي يا عادل

استهزأ بحديثها ورفع نظرة إليها من على الطعام قائلًا ببرود يلوي شفتيه:

-ليه يعني


ردت معقبة وهي تجلس على المقعد مقابلة له قائلة بتوجس ورهبة مستغربة هدوءه:

-خايفة تكون بتدبرلك حاجه.. دي مش ساهلة

ابتسم بسخرية مُميتة وهو يضع حبة من الزيتون في فمه مُجيبًا إياها بتهكم واضح:

-دي أغبى واحدة ممكن تقابليها في حياتك وميتعملهاش حساب من أصله

انكمشت ملامح وجهها رهبة أكثر من السابق وهي تراه يستهزئ بها وبما تستطيع فعله مُردفة برأي آخر عكس رأيه:

-لأ يتعملها ولو هي غبية فعلًا كانت فضلت تكلمني زي الأول لكن دي قطعت مرة واحدة تبقى عرفت حاجه أكيد

هز رأسه ويده معًا واللامبالاة تسيطر على كامل ملامحه وحواسه وكان داخله شيء ما قد خطط له بالفعل يجعله لا يهابها إلى هذا الحد:

-ما تعرف وايه المشكلة

قضبت جبينها بخوف أكثر وأكثر وهو مسالم تمامًا وجعلها بحديثه وردوده تستغربه أكثر، تحدثت واضعة يدها على بطنها في نهاية الحديث:

-ايه المشكلة؟ عادل أنا خايفة عليك، خايفة تعمل حاجه تبوظ حياتنا.. أنتَ ناسي إن فيه طفل جاي في السكة

تقدم إلى الأمام واضعًا يده الاثنين على الطاولة قائلًا بثقة وحنان ناظرًا في عينيها بحب يرى مدى الاختلاف بينهما:

-هيجي بالسلامة والدنيا هتبقى ميت فل وعشرة.. متشيليش هم

حركت رأسها يمينًا ويسارًا بعد أن شكت به وشعرت أن هناك شيء سيفعله إن لم يكن فعله حقًا:

-أنا مش مرتحالك يا عادل أنتَ ناوي على ايه

ابتسامة عريضة ظهرت على شفتيه بكامل الشغف لفعل ما أراده منذ زمن:

-على كل خير

تساءلت مرة أخرى وعينيها تطالعه بغرابة:

-أيوه اللي هو ايه؟

وقف على على قدميه وتقدم منها وهي مازالت جالسة وهتف قائلًا بجدية والصدق لا يعرف للسانه طريق:

-اللي هو كل واحد ياخد جزاته.. مش كنتي عايزاني أنفذ طلبها واطلقها؟ هطلقها أهو

وقفت هي الأخرى بعد أن استمعت إليه بلهفة وفرحت كثيرًا لأنه توصل إلى هذا الحل الذي كانت تريده زوجته الأولى منذ البداية:

-بجد؟. طب الحمدلله خليها تحل عننا بقى

أقترب منها مقبلًا أعلى رأسها وعينيه مثبتة على الفراغ أمامه وعقله داخله افكار وحديث وكثير من الأشياء الذي يتخيلها تحدث ولكنه هتف بهدوء:

-هتحل.. وللأبد

❈-❈-❈

بعد إتمام مخطط كامل من عقل اثنين من أكبر مدبرين الأذى للغير جلسوا سويًا للاحتفال والاستمتاع بإتمام ما أرادوا في خلال أيام معدودة..

كانت هذه “كاميليا” التي شعرت بالإهانة والحرقة الكبيرة التي قبعت داخلها بسبب ما فعله “جاد” معها، توعدت له برد ما فعله وبـ أسوأ الطرق ولكنه لم يعطي للأمر أهمية كبيرة واستخف بها كثيرًا

قوتها وحدها لم تكن شيء، بل قوتها بعد التعرف على “مسعد” أصبحت شيء كبير وكبير للغاية أيضًا..

جلسة خالية من كل شيء سوى الكراهية والغل بينهم هم الاثنين يتبادلون فيها الأحاديث المؤذية لـ “جاد” وزوجته والآن هذه الجلسة للاستمتاع بالفرحة والنصر..

أظهرت الفرحة التي كانت داخلها ووجها يتحدث عن تلك الشماتة التي تشعر بها تجاه “جاد” وبطريقة غريبة تلمع عينيها لما فعلته به:

-كان فاكر أنه جامد وإني مقدرش عليه.. أهو دلوقتي زمانه مذلول في السجن

مع من تتحدث! العدو الأكبر لـ “جاد الله” فكيف سيكون الحديث عنه غير بالسوء والكراهية المميتة، حرك رأسه بضيق ثم فرحة مُردفًا:

-ياه يا مدام كاميليا مش هتصدقيني لو قولتلك أنا فرحان قد ايه.. جاد أخد مني الوحيدة اللي حبيتها وكتير حاولت أقدر عليه لكن كانت ضربته بموته

مالت برأسها للناحية اليمنى وهي تشير إليه بيدها تريه أن الآن كل شيء أصبح تحت تصرفه وملك له بعد ذلك الإتحاد:

-اديك خلصت منه أهو والساحة بقت ليك والحارة كلها كمان

لمعت عينيه بنظرة خبيثة شيطانية مُحبة إلى شيء مقزز يريده منها وحدها يتمنى لو توافق على حدوثه ويكن لها كل شيء:

-ياريت بس المطلوب هي.. هي ترضا عني بعد ما هو كرهها فيا وخلاها تفتكرني كداب وبتاع مزاج

عقبت بلا مبالاة ونفي معه معتقدة أن “هدير” بنفسها ستشعر بالملل إن غاب عنها حبيب روحها:

-لأ متقلقش مهو لو أخد حكم مظبوط وده هيحصل هتمل وتسيبه

بطريقة فظة يتحدث وتظهر أسنانه الصفراء مع لمعة عينيه الخضراء بشدة مخيفة ليظهر بشع وهو يروي بحرقة ما استلقاه من “جاد”:

-عليا الطلاق أنا ما كنت مصدق نفسي لما كلمتيني، قولت معقول الواد ده معلم على كتير كده مطلعتش لوحدي

رفعت أحد حاجبيها معترضة على ما قال فهي إلى الآن فقط تأخذ حقها منه ولن تظهر في طريقه مرة أخرى، إنه غير مناسب لها بعدما فعله:

-لأ لوحدك يا مسعد أنا بس بردله غلطة عملها كانت كبيرة شوية

استهزأ بها داخله لأنه يتفهم كم هي تشعر بالحرقة والإهانة بسببه ولكنها تحاول أن تخفي ذلك عنه بسبب مكانتها الرفيعة التي تراها أعلى بكثير منهم:

-آه مهو واضح يا مدام

تقدمت للأمام بجسدها على الطاولة، نفس الطاولة التي جلست عليها مع “جاد” أحبت أن يكون هذا المكان شاهد على كل شيء منذ البداية، غمزت له بعينيها الوقحة قائلة:

-ورينا همتك بقى في الباقي يا مسعد

بكامل الغرور أقترب هو الآخر مثلها يعقب على حديثها بفرحة ظاهرة على وجهه:

-النهاردة مش بكرة يا مدام متقلقيش

ابتسمت بسخرية وفرحة مغمورة داخلها وهي تتخيل ما الذي يحدث اليوم لـ “جاد” ولحياته بالكامل الذي فضلها عنها:

-أيوه كده خليك حماسي

كمثلها فعل هو الآخر وهو يتخيل نفسه ينجز أكبر مهمة بحياته وأفضل شيء على الإطلاق أراده منذ البداية منها وقد سلبه هو الأول منه وأباحه لنفسه، الآن سيسترد كل شيء:

-من الناحية دي اطمني وحطي في بطنك بطيخة صيفي دا أنا صبرت كتير

وكأنها معتوهة أو تمر بشيء ما كهذا لتتحدث عن الله وحبه لـ “مسعد” الذي لا يفعل شيء سوى الحرام والمحظور:

-طلع ربنا بيحبك وبعتني ليك أهو علشان تاخد حقك اللي جاد سرقه منك

ضغط بأسنانه الصفراء على شفتيه بقوة وهو يتخيل تمنيه لـ “جاد” قد حدث:

-بيحبني بس!.. ياه لو ينطس حكم عشر سنين ولا خمستاسر ومشوفش وش أمه تاني

عادت للخلف بجسدها تستند إلى ظهر المقعد تضحك بصخب لرؤيته هكذا:

-بتحبه أوي أنتَ يا مسعد

علق على حديثها مؤكدًا إياه بقوة ساخرة:

-أوي أوي، فاكرة لما قابلتك أول مرة قولتلك ايه هموت من كتر حبه اللي في قلبي

“عادت معه بالذاكرة للخلف تتذكر أول مرة قابلته بها ليتم الإتفاق معه على كل شيء أرادوا فعله مع “جاد” لكي ينالوا منه وكل منهم يأخذ حقه الكاذب المعتبرهُ حق بالفعل لديهم فقط لأنه دافع عن شرف فتاة وعرضها أمام “مسعد” وتزوجها ليكن زوجها الصالح وتكن خير من الله له في الدنيا، لأنه دافع عن عرضه وشرفه بها أمامه وجعله عبره لمن يعتبر حتى يلملم ما تبقى من كرامته إن وجد من الأساس ويبتعد عنهم ولكنه كما يقولون كذب الكذبة وقام هو بتصديقها ليجعل من نفسه أمامها الضحية الكبرى والذي سُلب منه عنوة فتاة أحبها ووافقت عليه..

والأخرى تراه حقها لأنه تعمد الإهانة لها وسبب لها حرقة كبيرة جلست داخل قلبها بعد حديثه عنها ورفضه لها لأجل أخرى وتناست أنه رد فعل طبيعي من رجل صالح يعرف دينه لفعلها الأول، ضايقها تمسكه بزوجته وكأنها هي من أخذته منها وتناست أن هذا هو الفعل الصحيح الذي يصدر من أي رجل محب لزوجته لا يريد أن يدمرها ويدمر بيته لأجل إمرأة غبية جاهلة بالدين والأخلاق والحياء عندها لم يمر عليها من الأساس..

-الواد ده ولو طولت أموته هعملها، دا سرق البت اللي كنت هتجوزها في غمضة عين

استغربت حديثه الذي خرج منه بحرقه وهو ينظر إلى البعيد متذكر أخذ “جاد” لـ “هدير” في لحظات دون مجهود منه كما فعل هو:

-إزاي

نظر إليها بعينين كاذبة تؤلف قصص فقط ليظهر ملاك لا مثيل له أمام “جاد” الكاذب المخادع الذي سرق حبيبته:

-طلبتها من أخوها وأخوها وافق وهي وافقت وكنت خلاص رايح بعلبة الجاتوه.. ملي دماغها من ناحيتي وقالها إني بتاع مزاج وهبهدلها مع نسواني

تسائلت مضيقة ما بين حاجبيها تود معرفة المزيد عما حدث بينهم ولكن مع ذلك تعابير وجهه وحديثه لا يدلف عقلها من الأساس:

-وبعدين؟

لوى شفتيه للأمام دليل على عدم حدوث أمر هام قد يغير ما حدث وأجاب قائلًا بجدية:

-ولا قبلين روحت لأبوه طلع متفق معاه وعملنا عركتين قدام الحارة كلها وفي الآخر خطفها مني في لحظة واتجوزها ابن *****

تصنعت الحزن وهي تمط شفتيها بشفقة كاذبة مُردقة بلين:

-مسكين أوي يا مسعد

صاح هو بقوة وهو يراها تستهزئ به من خلال ملامحها وحديثها:

-لأ بس أنا مسكتش، أنا عملت معاه الناهية كام مرة كانت بتجيب أجله حيلة أمه

ابتسمت بسخرية وتهكم قائلة:

-بس كنت بتنضرب بعدها

ظهر الضيق على ملامحه وهو يتذكر ما الذي كان يفعله به “جاد” في كل مرة ثم شعر بالفرح وهو يتخيل أنه في الأيام القادمة لن يكون له وجود من الأساس:

-مش مهم المهم اشفي غليلي منه وأهي جت الفرصة لحد عندي وهنفذ في خلال أيام ويبقى يوريني هيعمل ايه..

ابتسمت مرة أخرى شاعرة أنه هو من يستطيع مساعدتها حقًا فيما تريد وسيكون بسرعة كبيرة لأنه من داخل الحارة وله ألف طريقة وطريقة ليقوم بعمل شيء كهذا:

-تعجبني يا مسعد بجد”

أردفت ناظرة إليه بقوة بعد أن استعادت ذكريات حديثها معه هنا أيضًا وفي نفس هذا المكان وعلى هذه الطاولة التي شهدت كل شيء منذ أول مرة ألقت بـ “جاد” إلى اليوم:

-فاكرة فاكرة

❈-❈-❈

ذهب “سمير” سريعًا خلف “جاد” وقابله المحامي، لم يكن الأمر سهل أو مُبشر حتى إليهم فما حدث كان فوق المتوقع بكثير، وإتهام مثل هذا بالدليل الواضح يكن قاطع لكل شيء إلا إذا كان هناك من يعترف أن هذه الأشياء تخصه هو وليست ملك لـ “جاد” أو أن يثبت المحامي أن هذه الأشياء لا تخصه ودلفت إلى ورشته بطريقة غير سليمة وعليه أن يكون معه الدليل لفعل ذلك..

وفي هذه الأثناء كان جاد في الداخل يأخذ أقواله على المحضر الذي تم فتحه ضده، جلس على المقعد أمام الضابط بعد أن سمح له بفعل ذلك، كان “جاد” يمثل القدرة على التحمل والسيطرة على الموقف الذي هو به ولكنه من الداخل يود أن ينفجر بسبب التشتت والحيرة الذي تعبث معه دون هوادة..

أسئلة عديدة يعلم أنها ستطرح عليه هو نفسه يريد الإجابة عنها بوضوح تام لأنه كمثل الجميع لا يفهم ما الذي يحدث وكيف وُجدت هذه البو’درة داخل ورشته؟!..

يا الله عقله سينفجر من كثرة التفكير، لا يستطيع التحمل وهو بهذه الحالة، وكلما حاول الإبتعاد عن هذا الأمر وبقيٰ مع واقعه للحظات أتت صورتها أمام عينيه ووجهها الحزين الشاحب يطارده..

غير عينيها الباكية ولمعتها الحزينة داخل الأعماق، يا لها من أيام صعبة تمر عليه مرة تلو الأخرى حتى من دون إنذار.. تمتم داخله بهدوء وهو يزفر:

-اللهم لا اعتراض

صدح صوت الضابط وهو يسأله بجدية شديدة وعملية تحلى بها وهو ينظر إليه بقوة:

-قولي يا جاد البو’درة اللي كانت في الورشة دي بتاعتك؟.

الضابط نفسه بعلم أن جاد لا يفعلها فهو على معرفة مسبقة بابن عمه أكثر منه ولكنه يعلم من يكونوا وكيف هي تربيتهم فلا يصدق ذلك من الأساس وأنه عمله ويقوم به مع مراعاة المعرفة بينهم:

أجابه “جاد” وهو ينظر إليه باحترام قائلًا بتأكيد:

-لأ طبعًا مش بتاعتي

وضع الضابط يده الاثنين على المكتب مقترب إلى الأمام وهو يقول:

-بس دي كانت عندك في الورشة يا جاد وأنتَ عارف ده معناه ايه

أومأ برأسه دليل على تفهمه لما يقوله وأكمل هو بتوضيح:

-عارف بس الورشة بيدخلها ناس أشكال وألوان والبو’درة مكنتش مثلًا في مكتبي ولا عربيتي دي كانت في الأرض عند الخردة وأكيد لو بتاعتي مش هرميها كده

أومأ الضابط له بتفهم قائلًا بجدية:

-طب أنتَ مابتشكش في حد من اللي شغالين معاك، يمكن شاب طايش منهم

أسرع يُجيبه بلهفة نافيًا حديثه عن من يعملون معه، فهم على خلق عالية ويعرفهم منذ سنوات ليس الآن ليلقي عليهم شيئًا كهذا:

-لأ لأ مستحيل يكون حد منهم، دول شباب مش بتاعت كده أبدًا دول على الدوغري

نظر إليه الضابط بآسف وهو يقول بجدية وخجل:

-للأسف هتتحبس أربع أيام على ذمة التحقيق، أنتَ متبلغ عنك وللأسف بردو لقينا البو’درة عندك

تسائل “جاد” مضيقًا ما بين عاجبيه ومثبتًا عينيه الرمادية على الآخر:

-هو مين اللي بلغ عني

-كاميليا عبد السلام

ها هو الآن قد فهم ما الذي يحدث، إذًا هي من فعل ذلك؟ هي من قامت بالتبليغ عنه ومن قبلها مؤكد كانت أنهت خطتها لتكون على أكمل وجه..

يا لها من إمرأة خبيثة شيطانية، الغل ينهش داخلها والحقد سبيلها الوحيد للعيش ولكن يقسم بربه العظيم إن بقيٰ بعمره يوم واحد لن يتركها إلا عندما يأخذ حقه منها..

بعد قليل من الوقت خرج المحامي الذي كان قد دلف إليهم ومعه “جاد” الموضوع بيده الاثنين قيود حديدية تعيق حركة يديه حتى لا يتمكن من الهرب، هل يفعلها؟..

لم يكن الأمر مُبشر أبدًا عندما نظر المحامي إلى والده وابن عمه الذي تسائل بلهفة وقلق عندما وجدهم يخرجون:

-عملتوا ايه يا متر

أجابه الآخر بعملية شديدة ووجهه عليه علامات الانزعاج مثلهم تمامًا:

-جاد متبلغ عنه إنه بيتاجر في البو’درة وللأسف اتمسكت عنده في الورشة ومش كمية صغيرة يعني تعاطي ولا حاجه

رفع والده عينيه على ابنه الذي يقف مهمومًا يستمع إلى هذا الحديث الذي أصبح مؤكد، عاد بعينه إلى المحامي قائلًا بنبرة متلهفة قلقة:

-طب وبعدين يا متر

-جاد هيفضل هنا على ذمة التحقيقات، هيستدعوا اللي شغالين معاه في الورشة وهنشوف الكاميرا اللي موجودة على باب الورشة بره يمكن نقدر نلاقي أي حاجه تحسن موقفه

تسائل مُكملًا حديثه:

-اللي شغالين معاه دول ايه نظامهم! سلوكهم ايه يعني

هتف “جاد” مُجيبًا إياه بنبرة رجولية خشنة وهو يرفع عينيه عليه قائلًا:

-مش هما لأ يا متر دول زي أخواتي وأكتر، الحركة دي معملولة بفعل فاعل

وضع “سمير” يده على ذراعه يربت عليه بقوة وحنان مخفي بينهم يمده بالدعم والطمأنينة:

-متقلقش يا جاد إن شاء الله خير

ابتسم له عنوة عنه معقبًا على حديثه بلين ونبرة خافتة:

-بإذن الله

نظر إلى والده الذي رأى الضعف حليفه والحزن يسيطر عليه فقال بمرح وخفه كعادته، الطبع غلاب كما قيل حقًا:

-مالك يا أبو جاد من أولها كده؟.. دا لسه التقيل ورا يا حج

نظر إليه بضعف حقيقي وهو يرى ابنه يسلب منه وهو الآخر مسلوب الإرادة لا يستطيع فعل أي شيء ولا يعلم من الذي قد يكون يكرهه إلى هذه الدرجة ليقوم بفعل ذلك به، أكمل “جاد” قائلًا بنبرة رجولية خائفة حنونة على من يحب:

-خد بالك من أمي وهدير يا حج

أبعد نظره إلى “سمير” قائلًا وملامح وجهه مكرمشه بحزن:

-خد بالك منهم يا سمير

ضغط “سمير” على شفتيه وعينيه تود أن تدمع وتبكي وتفعل أكثر من ذلك في هذا الموقف الصعب عليه، دائمًا كان “جاد” أخيه الأكبر ويد العون له كيف الآن يأخذ مكانه:

-أنتَ بتقول ايه يا جدع بكرة هتطلع وهتاخد بالك منهم واديني قولت بكرة خليك فاكر

ابتسم “جاد” بهدوء فتحدث العسكري الذي كان يقف معه بتأفف وضيق لأنه وقف كثيرًا يكفي هكذا فقد حلل المال الذي أخذه من “سمير” ليستطيعوا الحديث معه..

❈-❈-❈

حل المساء عليهم في المنزل وإلى الآن لم يخبرهم أحد بأي شيء، حاولت “مريم” الإتصال بزوجها كثيرًا من المرات ولكنه لا يُجيب عليها أبدًا هو في هذه الأثناء كان عند المحامي ومعه كلا من “عبده” و “طارق” و “حمادة” وعمه أيضًا، ازداد القلق في قلوب الجميع وحاولت “هدير” أكثر من مرة هي ووالدته أن يذهبوا إلى قسم الشرطة وحدهم ولكن منعهم الجميع من فعل ذلك..

القلق نهش قلوبهم جميعًا والخوف قبع داخلهم كمثل الغراء عندما يلصق بشيء يصر على عدم الخروج منه، قلبها يؤلمها بطريقة غبية ولأول مرة تشعر بهذا الشعور البشع، الخوف وعدم الأمان، كان بالنسبة إليها الأمان والمأمن، السكن والسكينة، كل شيء كان لها يجسد في زوجها، الطمأنينة والراحة كانت به هو فقط مهما كان يحدث بينهم من جدال وبعاد عن بعضهم إلا أنه يظل هكذا إلى المنتهى..

أشار إليها عقلها أن “مسعد” من فعل ذلك به لأنه الوحيد القادر على جلب كمية كبيرة كهذه من البو’درة وهو الوحيد الذي يكره “جاد” من بين الجميع في الحارة ولا يوجد غيره يبغضه..

كم أنه رجل حقير لا يعرف للرحمة طريق، خبيث ووقح لا يحترم سنه وزوجاته ولا حتى أولاده، يفعل الحرام أمام الجميع دون خجل لا منهم ولا من الله ويفعل الممنوع أيضًا كالحرام ويقع بها “جاد”!. ما هذا الافتراء!..

جلست على سجادة الصلاة كثيرًا من المرات في يومها تبكي وهي تدعي إلى الله كثيرًا أن يعطي لروحهم السلام وإن يطمئن قلبها ويرد لها زوجها سليم معافى من محنته هذه وستترك كل شيء خلف ظهرها وتكن الأمان والحب والراحة فقط له ولن تكعر صفو حياتهم مرة أخرى مهما حدث..

وبسبب حملها الذي قد نسيته توعكت معدتها وقامت بالتقيؤ أمام الجميع والذين اشفقوا عليها كثيرًا وهم يرون خوفها وقلقها، لهفتها وحبها لزوجها..

رحلت والدته التي لم تجف دموعها أبدًا جوار زوجته وقد كان قلبها يحترق من الداخل خوفًا ورهبة على ابن قلبها ووحيد عمرها، حبيبها الصالح وولدها البكري الذي لا يوجد غيره، كأنه سُلب منها إلى أحد الأماكن التي لا يوجد بها شراب ولا طعام ولا حتى هواء يتنفسه، قلب الأم داخلها مفتور حزنًا على ابنها..

رحلت معها والدة “سمير” التي قررت عدم تركها إلى حين يعود والد “جاد” وذهبت معهم أيضًا والدة “هدير” إلى منزلها بعد أن تأخر الوقت..

بقيت “مريم” مع شقيقتها دقائق بعدهم تحاول أن تكون جوارها تواسيها في محنتها وتحنن قلبها المحروق على زوجها، ولكن “هدير” طلبت منها الصعود إلى شقتها وتتركها وحدها طالبة منها عندما يعود “سمير” تخبرها فورًا..

جلست في غرفة النوم على الفراش في مكان نومه وعينيها تذرف الدموع بقوة دون توقف، تتسابق في الخروج على وجنتيها الوردية من شدة البكاء وأنفها الذي ازداد احمرار لما يحدث معها..

وجهها شاحب كشحوب الأموات، عينيها يخرج منها الحزن مع الدموع بعد أن انطفئ بريقها اللامع كبريق عينيه الرمادية الساحرة..

أمسكت الهاتف بيدها واليد الأخرى تتحسس بأصابعها صورته الرائعة وهو على دراجته النارية يبتسم باتساع وعينيه تلمع بحب وشغف وسعادة هائلة، شفتيه ترتسم بدقة وحرافية رائعة وكل ما به رائع محبب إلى قلبها..

إنه “جاد الله” مُعذب الفؤاد إلى الممات، أول مرة تشعر بابتعاده أنها ضائعة، طفلة ضلت الطريق وليس هناك سبيل للعودة أو التقدم خطوة دون أمانها وسندها، روحها وكل ما تملك، إلى هذه الدرجة تحبه!.. بل وصلت إلى أسمى درجات الحب تخطت العشق والغرام مرت بالشغف والهوى والآن لا تدري إلى أي درجة توصلت..

دق الباب على حين غرة انتفضت من مكانها سريعًا خرجت من الصالة تأخذ حجابها معتقدة أنه “جاد” زوجها والآن فهمت لما تأخروا كل هذا! لكي يأتي معهم، وضعت الحجاب على رأسها تلفه بعشوائية ربما يكن “سمير” معه في الخارج..

سارت بسرعة وخطوات واسعة لتفتح له باب الشقة وازداد توعك معدتها من الفرحة التي أتت بعد حزن هائل لتتجسد صورة الحزن والرهبة الحقيقية أمامها بعد أن فتحت باب الشقة!..

وقف “مسعد” بابتسامة عريضة كريهة تبغضها وتبغض رؤيته وكل ما به، أغلقت الباب إلى آخره تمسكه بيدها ولم يبقى شيء ظاهر سوى هي أمامه تقول بقوة وغضب:

-أنتَ عايز ايه غور من هنا

كادت أن تغلق الباب ولكنه أعاق ذلك بكف يده العريض ضاغطًا على الباب ليبقى كما هو مُجيبًا إياها باستفزاز وسخرية:

-بالراحة مش كده يا برنسس أنا جاي أطمن على الاسطى جاد.. شدة وتزول

اتسعت عينيها بشراسة وقوة وكرمشت ملامح وجهها بغضب حقيقي وهي تصيح بوجهه:

-أمشي من هنا يا كلب.. صحيح يقتل القتيل ويمشي في جنازته

مرة أخرى يدفع الباب وهي تغلقه رفعت نظرها عليه برهبة واستغراب كلي لما يفعله وهو عينيه أتت بها من الأسفل إلى الأعلى والعكس تستقر في نهاية المطاف على وجهها الحزين الباهت ولكن ذلك لن يمنعه عما يريد، فهي تثير جنونه وكل ما به، بتلك البشرة الرائعة المطبوع عليها نقوش فريدة من نوعها، عينيها وجمالها، شفتيها وما بها من أشياء يشتاق إليها منذ زمن..

دفع الباب مرة واحدة بقوة وهي تنظر إليه باستغراب ولم تعتقد أنه ربما يفعل ذلك لتعود بجسدها للخلف عنوة عنها بقوة كبيرة مذهوله مما بحدث، وسريعًا دلف هو إلى الداخل مغلقًا الباب خلفه ناظرًا إليها نظرة شيطانية خبيثة تصر على تحقيق ما يريد حتى لو كان الأمر سينتهي بموته..

-أنتَ بتعمل ايه يا زبالة أطلع بره.. امشي يا حيوان

ابتسم ببرود تام معبرًا عن الذي بداخله وهو ينظر إليها معقبًا على حديثها:

-مش كل مرة يا برنسس.. مش كل مرة تسلم الجرة

نظرته! عينيه المخيفة! أسنانه الصفراء! وجسده ووقفته وكل شيء به يثير خوفها، رهبتها! كل شيء يثير ضعفها وقلة حيلتها والآن بالتحديد!..

استدارت تركض إلى الخلف معتقدة أنها تستطيع فتح باب الشرفة قبل الوصول إليها ولكنها من الأساس لم تستطع الإبتعاد خطوتين متتاليتين، فقد أمسك بها من الخلف رافعًا جسدها عن الأرضية بيده الموضوعة على خصرها والأخرى على فمها تكتم صوتها الذي كان يريد الخروج لتتعبير عن ألمه وما يمر به..

دموع عينيها مرة أخرى تتوالى في الخروج بغزارة محاولة تحريك نفسها لتبتعد عنه وهي تضربه بيدها الاثنين ولكنه صلب، جبل صلب صمم على ما يريده متحاملًا على نفسه إلى النهاية..

في المرة الأولى من أنقذها “جاد” حبيب روحها، الآن أمانها ليس هنا، روحها سُلبت منها عند خروجه من الحارة، الطمأنينة ركضت بعيد عنها في هذه اللحظات العصيبة التي تتكرر مرة أخرى ولكن دون وجود المنقذ الوحيد الذي يستطيع التصدي لذلك الذئب البشري، روحها تزهق إلى السماء وقلبها يدق بعنف وقوة وكأنه على وشك الوقوف عن العمل لتلقى حتفها..

google-playkhamsatmostaqltradent